الخميس، نوفمبر 11، 2010

كتاب الإعلام البديل ـ ياسر بكر ـ سلطة الصحــــــــــــافة وصحـــــافة السلطة !!


الفصل الثانى :



سلطة الصحــــــــــــافة
وصحـــــافة السلطة !!


تاريخ النضال من أجل حرية الصحافة فى مصر أطول من تاريخ كثير من دول العالم ذاتها.
فقضية حرية الصحافة هى أشهر قضية مؤجلة فى مصر ؛ تؤجلها كل ثورة الى الثورة اللاحقة ؛ فقد أخفقت الثورات المصرية الكبرى فى حلها .. لا ثورة عرابى حاولت و لا ثورة 1919 استطاعت و لا ثورة 1952 حسمت .

فقد ولدت الصحافة المصرية فى نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر والقيد فى يدها .
فمع مقدم الحملة الفرنسية لمصر ؛ أحضر نابليون أول مطبعة ؛ وأصدر صحفه ؛ لم يكن ذلك إيذانًا بالانطلاق الفورى  " للصحافة المصرية "  بالمعنى الحقيقى للكلمة ؛ إذ إنَّ أول صحيفة أصدرها الفرنسيون فى مصر فى ذلك الوقت كانت صحيفة بلغتهم وخاصة بهم ، وحملت اسم «لوكورييه دى ليجيبت»، كما أصدروا أيضًا مجلة «لاديكاد إجيبسين»؛ لتكون مخصصة لعلماء الحملة الفرنسية، هذا بالإضافة إلى عشرات المنشورات باللغة العربية التى تخدم أغراضه والتى خاطب بها شيوخ الأزهر وطبقة الأعيان و التجار، ومع إصدارها الأول أصدر قانوناً للمطبوعات يفرض الرقابة المباشرة عليها ، وبإخضاعها لأوامره . فأصدر فى 14 أغسطس 1798  أمراً :
" لا يمكن لأحد أن يطبع شيئا دون الحصول على أمر منه . و على المدير أن يقدم  له كشفاً يومياً بما طبع و أن يشكو العمال له إن هم أتوا ما يدعو إلى ذلك . "
و إذا كان بونابرت   قد أصدر أمراً عاماً فإن مينو قد حدد مهمة الصحافة  و رسم للصحافة العربية  - التى كان يزمع إنشاءها – حدوداً و قيوداً؛ ذلك أنه لما تولى حكم مصر بعد رحيل بونابرت ومقتل كليبر ؛ و كان قد أشهر إسلامه و أذاعه بين المصريين .. لكنه وجد من بين السكان و غيرهم من يذيع الشائعات عن الفرنسيين فرأى مينو أن يصدر صحيفة عربية تسمى باسم " التنبيه Avertissement " و صدر مرسوم إنشائها فى 26 نوفمبر عام 1800
 و يقول المرسوم :
" ستطبع فى القاهرة صحيفة عربية الغرض منها نشر أعمال الحكومة الفرنسية فى جميع أنحاء القطر المصرى و تأمين السكان من التسرع فى الحكم و من القلق الذى قد يحمل البعض بثه فيهم و أخيراً لتحقيق الثقة و تمكين الألفة اللتين تتوطدان  أكثر فأكثر بين هذه البلاد و بين الفرنسيين .. و لكيلا تضمن هذه الصحيفة أى شئ يسئ إلى تقاليد الشرق المدنية و الدينية سيحاط العلماء الذين يتكون منهم الديوان علماً بكل ما ستحتوى الصحيفة و سيكون من حقهم إجازة النشر أو رفضه . "

وولدت الصحافة مرة ثانية ؛ على يد محمد على والى مصر الذى أسس مطبعة بولاق عام    1826 وأصدر أمره سنة 1827 بإصدار «جرنال الخديوي»، وقد كان فى الواقع يهدف إلى إصدار نشرة خاصة ليطلع على شؤون البلاد وماليتها، ولكنه لم يلبث أن لمس حاجة الشعب للاطلاع على أعمال الحكومة، فأمر بتوسيع نطاق «جرنال الخديوي» الذى تحوَّل إلى صحيفة «الوقائع المصرية» اعتباراً من عام 1828، وكانت تُوزّع على من يسدد الاشتراك من موظفى الحكومة، ومعها أصدر هوالآخر قانون الرقابة على المطبوعات ليضع الصحافة طوع بنانه ومعبرة عن أوامره ونواهيه .
و قد أمر محمد على بترتيب " ديوان الجرنال " قاصداً من وضعه أن ترد الأمور الحادثة الناتج منها النفع أو الضرر إلى الديوان المذكور ؛ و أن ينتخب و يتنقح منها ما منه ينتج النفع و الإفادة .
و عندما صدر قرار بشأن تنظيم الوقائع من جديد فى عام  1842 أوضح القرار أهمية الأخبار بالنسبة للناس حتى يستفيد منها كل إنسان :
" لذا فإن من الأمور الهامة الاطلاع على الحوادث الخارجية  " و لذلك وجب الحصول على الأخبار أولا فأول و نشرها على الجمهور؛ و لما كان فى بعض الأخبار الأجنبية أشياء لا يليق نشرها فقد تقرر تمييزها و عدم نشر المواد الغير مناسبة و نشر الحوادث الملأى بالعبر و المنتظر فائدة منها "

هكذا جاءت ولادة الصحافة المصرية فى المرتين مقيدة بقيدين يشدانها إلى السلطة الحاكمة؛ قيد التبعية للحاكم وقيد فرض الرقابة ؛ وهو ميراث ظل يلاحقها حتى اليوم وإن اختلفت الظروف والملابسات والممارسات من حاكم إلى حاكم ؛ ومن عصر إلى عصر ؛ لكن علاقة الصحافة بالسلطة  ظلت معقدة ؛ مثلما ظلت علاقتها بالمجتمع على الناحية الأخرى تتآكل  كلما احتكرتها السلطة وضغطت عليها ؛ لتفقد مصداقيتها أمامه .

 ثم كانت النهضة الشاملة فى عصر «إسماعيل» نتيجة جنيه ثمار البعثات العلمية التى أوفدها «محمد على»
، وأوحى «إسماعيل» المولع بتقليد الأوروبيين إلى
«أبو السعود» بإصدار صحيفة «وادى النيل» سنة 1866، فى نفس العام الذى أُنشأ فيه مجلس شورى النواب لتكون مُدافعة عنه ضد جريدة «الجوائب» التى كانت تصدر بالقسطنطينية، ثم صدرت مجلة «نزهة الأفكار» لـ «إبراهيم المويلحي» سنة 1869، لتكون باكورة صحافة مصرية المنهج، ولكن الخديوى «إسماعيل» لم يلبث أن أوقفها، وعاد ليشجع النهضة التى حمل لواءها السوريون واللبنانيون الذين هاجروا إلى مصر هرباً من تعسف السلطان «عبد الحميد»، وقد اتسمت هذه النهضة بالنشاط الصحفى والمسرحى، وازدهرت بذلك فى مصر الصحف الشعبية التى كان من بينها صحف مصرية خالصة، وأخرى تولتها الأقلام والعقول التى جاءت من الشام مثل «الأهرام»، وإن جمع بينها روح الإصلاح وإعداد البلاد الشرقية لاستقبال النهضة الأوروبية.
 ..عندما تسلم الخديوى توفيق السلطة من الخديوى «إسماعيل» عام 1879 كان الوضع متوتراً وواجهت الصحافة المصرية نكسة تمثلت فى رفضه للإصلاحات الدستورية، رغم أنه كان من مؤيديها ؛  فالأزمة المالية ازدادت وازداد معها التدخل الأجنبى وانقسم الجيش، ونمت الحركة الوطنية لتصل إلى ثورة عرابى ، ثم إلى الاحتلال الإنجليزى، وكان ضعف الخديوى توفيق  بداية سلسلة من الأحداث: بدأت بتعيين مصطفى رياض باشا رئيساً للنظار والذى قام بنفى جمال الدين الأفغانى، وحل مجلس النواب، وأعاد نظام الرقابة الفرنسية الإنجليزية على الميزانية المصرية، وأصدر قانون المطبوعات عام 1881، الذى له مهدت الصحف الرجعية رغم أنه كان بمثابة طعنة موجهة إلى الصحافة، حيث أدى إلى زيادة أعبائها المالية، مما اضطر الكثير منها إلى الانزواء.
فقبل هذا القانون لم تكن مصر تملك تشريعاً خاصاً بها، باعتبارها جزءا من السلطنة العثمانية  وكانت خاضعة للقوانين السائدة فيها.

ومع ذلك  لم تلغ الالتزامات المنصوص عليها فى القانون العثمانى لفتح  مطبعة أو نشر الجريدة وظل خاضعاً لإذن إدارى مسبق، وإلى كفالة مرتفعة تتراوح ما بين 50 و100
جنيه مصرية.

  
ومع ظهور الحركة العرابية حاولت الاستعانة بالصحف لدعوة الناس إلى نصرتها، حتى أن الخديوى «توفيق» لم يجد أمامه من وسيلة لمواجهتها سوى إصدار صحف تدافع عنه وتواجه الحركة العرابية، فأوحى بإصدار صحيفة «البرهان» التى تولى تحريرها الشيخ «حمزة فتح الله» سنة 1881، والذى أصدر بعد ذلك صحيفة «الاعتدال».

يقول أحمد عرابى فى مذكراته المخطوطة ص 406 * :
" قد بلغ إستهانة الحكومة و إهانتها للصحافة أن كتبت الوقائع المصرية الرسمية فى أول نوفمبر1881 ما يلى :
" أن الصحف عموما ليست شيئاً رئيسياً فى البلاد بل هى أمور تكميلية مما يسمح للحكومة بالموافقة على وجودها أو تمنع نشرها ؛ كذلك فان للسلطة الحاكمة سلطة الحرية فى أن تضع من النظم و أن تتخذ من الإجراءات ما تراه مناسباً لمصلحتها دون إعتبار لأى جهة "

العرابيون والصحافة :

          وفي 4 فبراير 1882 خلف محمود سامى البارودى «مصطفى رياض باشا» فى 1881،  وكان من الواضح أن الصحافة قد أسهمت في تأييد وجهات نظر العسكريين بصفة عامة . وكان رجال الثورة يعرفون أن الاتجاهات السياسية في تلك الفترة قد تركزت حول الصحف السياسية التي لم تعد مجرد أبواق تتحدث ، بل أصبحت هي العقول المفكرة لهذه الاتجاهات ، لذا لم يكن غريباً أن تتوقع الصحف
 أن تعمد الحكومة الثورية إلى النظر في إلغاء قانون المطبوعات لعام 1881 وتشكيل لجنة لوضع قانون جديد، وأكدت الأهرام بعد اسبوع واحد من تولي الوزارة الجديدة أن الحكومة مصممة على سن قانون يسمح للصحف بالتمتع بالحرية كما هو الحال في البلاد المتمدنة مع إلغاء جميع الإنذارات والإخطارات التي سبق إصدارها . وأوضحت الصحيفة أن ذلك لو تم فإنه سيكسب الوزارة تأييد جميع الصحف  التي تقف خلفها لخدمة الوطن . و أوحت صحيفة الأهرام في أحد أخبارها بأن رئيس الوزراء قد شرع فعلاً في النظر في إصدار قانون جديد  للمطبوعات ، بل وتحدثت الصحيفة عن كيفية تشكيل اللجنة الجديدة التي تعد مشروع القانون وأن اللجنة  ستجمع بين بعض كبار موظفي الدولة (6 أعضاء)  وبعض أصحاب الصحف من ذوي الخبرة (5 أعضاء)  وأشادت الصحيفة بمثل تلك اللجنة التي تدرك أهمية المشروع الذي سيعرض على مجلس النواب قبل إقراره ، ومن المعروف أن قانون 1881 صدر في غيبة البرلمان ولم يعرض على مجلس النواب الذي انتخب بعد ذلك لإقراره.
ولكن حكومة البارودي كانت تفكر بطريقة أخرى تخالف ما ذهبت إليه الصحف، إذ سرعان ما صدر إخطار رسمي إلى جميع أصحاب الصحف العربية يوضح مهمة الصحافة في خدمة عامة الأهالي وخاصتهم ونشر الآداب والمبادئ العلمية ثم نقل ما يفيد عن الأمم الأخرى، ويحذر الإخطار الصحفيين بضرورة التزام آداب الحديث وعدم الاساءة إلى الأشخاص أو الدول الأخرى سواء بصفة عامة او دولة بعينها " وإذ ناقضتم فكراً، أو دافعتم عن حق فليكن ذلك بغاية الآدب



* كامل زهيرى – الصحافة بين المنح و المنع –  دار الموقف العربى  - 1980       

– بدون استعمال لأي تشنيع .. وعليكم ملاحظة حركة الخواطر العمومية بكل دقة ، وإياكم أن تسيروا سيراً يعدل بها عن جادة الاعتدال " وينذر الإخطار كل من يخالف تلك التعليمات بتعريض نفسه لأحكام القانون القائم . وهكذا أكدت وزارة الثورة- دون مواربة – سيرها على ما يقضي به قانون المطبوعات الذي عانت منه صحفها هي من قبل . لذا تراجعت جريدة الأهرام عن آرائها التي نشرتها مرحبة باتجاه الحكومة لوضع قانون جديد ، وأعلنت الصحيفة أن الوقت  لا يسمح بوضع القانون المقترح بسرعة حتى يوافق عليه مجلس النواب قبل فض دورة انعقاده ، وترجع الصحيفة  أن تباشر اللجنة المقترحة بحث المشروع في الدورة التالية.
و قامت سيادة وزارة الثورة  بإزاء الصحافة على ثلاثة اتجاهات هي:
·        الضغط على الصحف الأفرنجية الصادرة في مصر .
·        والضغط على الصحف  التي يصدرها صحفيون من أصل شامي ( سوريون)
·        الاهتمام  بالصحف التي تؤيد الثورة.
مما أدى إلى اختفاء «الأحوال» ثم «الأهرام» وإلى تعليق «المحروسة» لمدة 3 أشهر، وفى المقابل زاد عدد الجرائد الموالية للحكومة.

  وشهد عام 1882 بداية الاحتلال البريطانى، فوجد البريطانيون فى قانون 1881 سلطة هائلة تمكنهم من وضع حد لوجود أية جريدة تظهر نوعاً من المعارضة .

الصحافة المصرية
بين عرابى وكرومر

شهد الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادى من تاريخ مصر صراعاً دولياً حول فرض السيطرة عليها بين تيارات متعددة بل ومتضاربة فى كثير من الأحيان. فقد كان هناك النفوذ العثمانى الذى بدأ تياره فى الانحسار، وإن بقى يستمد قوته من طبيعة العلاقة بين مصر والدولة العثمانية، اعتماداً على أن السلطان العثمانى هو صاحب الولاية الشرعية على مصر. وكانت هناك الوطنية المصرية التى بلغت ذروتها خلال الثورة العرابية، والتيارات الأوروبية التى كان لها اتجاهان رئيسيان تتزعم الأول بريطانيا والثانى فرنسا، وسعت جميع العناصر إلى إصدار صحف تعبّر عن آرائها وتدافع عن مصالحها تجاه القضايا والأحداث، حتى أصبحت الصحف هى أول نشاط جماهيرى منظّم لهذه العناصر، وتطور الأمر بعد ذلك لتقوم الأحزاب المصرية منطلقة من صحافتها، أى أن التكوين الرسمى والقانونى للأحزاب المصرية قد سبقه قيام صحافة حزبية، لهذا فقد وجد فى مصر قبل قيام الأحزاب صحف وطنية تصدّت للاحتلال البريطانى وعارضته، كما كانت هناك صحف مؤيدة للاحتلال، أعانتها السلطات البريطانية على التصدى للتيارات الوطنية التى حملت لواءها الصحف الأخرى. كما ظهرت الصحف ذات الميول الفرنسية، والتى كانت تتفق وتختلف مع الصحف الوطنية بالقدر الذى يخدم معارضتها للسياسة البريطانية فى المنطقة خدمةً لمصالح فرنسا، كما كانت هناك تيارات صحفية مؤيدة للسلطان العثمانى.

وليس معنى ذلك أن جميع الصحف المصرية فى ذلك الوقت كانت تدخل ضمن هذه التقسيمات، فقد كانت هناك أيضاً صحف ليس لها لون محدّد وتتقلب بين أكثر من اتجاه حتى بهت لونها وصعب تمييزه، أو أنها استطاعت فى كثير من الأحيان أن تخفى حقيقة اتجاهاتها مستترة بستار الحياد والموضوعية، كما أن ذلك أيضاً لا يعنى أن كل صحيفة التزمت بخط معين لم تحد عنه، واستمرت ثابتة على موقف واحد، فقد غيّرت بعض الصحف من مبادئها التى أعلنتها، وربما كان أبرز مثال على ذلك هو جريدة «المؤيد»، فقد كان صاحبها الشيخ «على يوسف» من ألدِّ أعداء الاحتلال البريطانى، ومن أصدق المخلصين للخديوى، ثم ما لبث أن انقلب على صاحبه وأصبح من المؤيدين للاحتلال.

والذى ضاعف من خطورة الصحافة فى هذه الفترة، أنها كانت تتمتع بقدر واسع من الحرية وسعة الانتشار، ويرى بعض الباحثين أن الحرية التى تمتعت بها الصحافة المصرية خلال هذه الفترة كانت ظاهرية منحها لها حاكم مصر الفعلى فى ذلك الوقت اللورد «كرومر»، الذى كان يدعم «المقطم» ويأمر بتزويدها بجميع الأخبار والأسرار. وهذا لا يعنى أن الحاكم البريطانى «كرومر» كان لا يتدخل فى شؤون الصحافة، إنما كان يلجأ من وقت لآخر لمحاربة الصحف المعارضة، فمكاتب البريد كانت تتأخر قصداً عن توزيع الجرائد المعارضة على المشتركين، وكان يشترى ولاء الجرائد بالأموال، وأحياناً بإعطائها معلومات يخصها بها دون غيرها، الأمر الذى زرع بذور الشقاق بين الصحافة التى انقسمت إلى مؤيدة ومعارضة، بينما صبر على الصحافة المعارضة ، وأفسح لها صدره باعتبارها صحافة عزلاء فقيرة ليس هناك من خطر فعلى منها .

 وعندما استقرت الأمور لحكومة الاحتلال سنة 1894 تغاضت عن تطبيق قانون 1881 وعرفت الصحافة فترة من الحرية المؤقتة، لكن التجاوزات الصحفية لم تتأخر فى الظهور.
وفى سنة  1904 تم  إدخال تعديلات على بعض مواد القانون الجزائى ( قانون العقوبات) ، الذى أخذ بعين الاعتبار الاحتجاجات التى ارتفعت فى كل الأماكن ضد تجاوزات الصحافة، فأضافت إلى القانون الجزائى مواد تميل إلى كبح هذه التجاوزات بقسوة عن طريق فرض عقوبات قاسية على الصحفيين الذين كانوا يعيشون على الابتزاز والتحايل.
ورغم هذه العقوبات، فإن التجاوزات الصحفية استمرت فى الظهور، مما حدا بالحكومة سنة 1909 إلى تطبيق قانون 1881 بشدة، خاصةً بعدما تشكلت سنة 1907 عدة أحزاب سياسية: الحزب الوطنى، حزب الأمة.. مما يعنى أن الشعور الوطنى بدأ يستيقظ والشعب بدأ يهتم بالسياسة عن كثب.
وكى يتسنى للحكومة معاقبة الصحفيين المعارضين، قررت إحالة قضايا الصحافة إلى محكمة الجنايات، فخلال نفس السنة طبق القانون على جريدة «اللواء» الناطقة باسم الحزب الوطنى، حيث حُكم على رئيس التحرير بالسجن لمدة 3 أشهر، وبسبب قرار المحكمة هذا، تعالت الأصوات المحتجة، لكن عبثاً. 
فى عام 1909 قامت الحكومة فى خطوة لتكميم الحريات ببحث قانون المطبوعات الذى صدر إبان الثورة العرابية، والذى أطلق عليه قانون تكميم الأفواه واغتيال حرية الرأى، وقد أيده المعتمد البريطانى والخديوى عباس حلمى الثانى لفرض قيود على حرية الصحافة، ووافق عليه مجلس الشورى بالأغلبية.
فى المقابل تحرك أحمد لطفى السيد رئيس تحرير الصحيفة المعروفة باسم «الجريدة»، ومعه نفر كبير من الصحفيين فى محاولة لإجراء بعض التعديلات على القانون.
 وفى صيف عام 1909 سافر لطفى السيد (أبوالليبرالية المصرية) إلى بريطانيا لمقابلة وزير الخارجية سير إدوارد جراى ليشكوله تصرف الإنجليز فى حرية الصحافة لكن وزير الخارجية اعتذر عن المقابلة بسبب مناورة بحرية، وأحاله إلى وكيل وزارة الخارجية مستر ماليت، فقدم له مذكرة يشير فيها إلى تدخل الإنجليز فى العمل الصحفى وهوما يتعارض مع حرية الصحافة، ووعده ماليت خيرا،  لكن هذا الخير لم يأتِ!!!
فاندلعت مظاهرات حرية الصحافة التى قادها الصحفى أحمد حلمى، وشارك فيها عشرات الآلاف من الصحفيين والمواطنين المصريين من مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية،  تلك المظاهرات التى لم تقتصر على الصحفيين فقط، بل شارك فيها ما يقرب من 25 ألفا من المواطنين المصريين، الذين لم يكن إجمالى تعدادهم فى ذلك الحين أكثر من 5 ملايين نسمة، الأمر الذى يعنى أن المصريين أدركوا منذ قرن كامل من الزمان أن حرية الصحافة ليست مسألة تخص الصحفيين فقط بل إنها قضية أساسية تتعلق بحقوق المجتمع بأسره، ولذلك كانت هذه الحركة شعبية قادها صحفيون على رأسهم أحمد حلمى الذى كان يرأس تحرير جريدة «القطر المصرى»، والذى حوكم بتهمتى الطعن على «مسند الخديوية وفى حقوق الحضرة الفخيمة» و«العيب فى حق ذات ولى الأمر« ، وعوقب بإعدام العدد رقم 37 من جريدته والسجن لمدة عشرة أشهر.
 ومع إعلان الحرب العالمية الأولى، وُضعت مصر تحت الانتداب البريطانى، وطُبقت الرقابة بقسوة. وبنهاية الحرب وتوقيع الهدنة وإعلان مبادئ «ولسون» ونهوض الشعور الوطنى، أخذت أهمية الصحافة تزداد.

أما من الناحية الفنية، فقد تطورت الصحافة المصرية بعد الحرب العالمية الأولى تطوراً هائلاً، حتى أصبحت الجرائد المصرية تضاهى مثيلاتها من الصحف العالمية فى  جمال الإخراج وحسن التبويب وقوة ورصانة التحرير. كما تمركزت فى أيدى أفراد  قليلين أوفى أيدى شركات قوية، بعد أن كانت كثيرة العدد مبعثرة الاتجاهات فقيرة التوزيع والموارد.

فإذا ما قارنَّا عدد الصحف التى كانت تصدر فى مصر فى السنوات العشر الأخيرة من القرن التاسع عشر وما تلاها من السنين التى سبقت الحرب الأولى، نجد أن الفارق كبير جد من حيث عدد الصحف، فبينما كان عدد الصحف التى صدرت فى مصر خلال تلك الفترة يبلغ 160 جريدة ومجلة سنوياً، أصبح مجموعها بعد الحرب لا يصل ثلث هذا العدد.

وما أفاد الصحف وجعلها تزداد قوةً وتوزيعاً استخدامها لآلات الطباعة الحديثة التى مكَّنتها من سرعة طباعتها وتحسين إخراجها وإظهارها بشكل لائق وجذاب.

سعد زغلول
وحرية الصحافة:

          جرت الانتخابات لعضوية مجلس النواب يوم 12 يناير 1924 فأسفرت عن فوز الوفديين 188 دائرة من 215 ، وهو نجاح ساحق بلا شك أثبت تعلق الشعب وإيمانه بمبادئ الوفد.
          قدم يحيي إبراهيم استقالة وزارته فقبلت في 27 يناير ودعا الملك في اليوم التالي سعد زغلول زعيم الأغلبية لتأليف الوزارة ، كما تقضي بذلك المبادئ الدستورية.
          وفي الخطاب الذي وجهه سعد زغلول إلى الملك عند قبوله تأليف الوزارة أكد أن الانتخابات أظهرت إجماع الأمة على نفورها من كثير من التعهدات  والقوانين التي صدرت بعد إيقاف الجمعية التشريعية ونقصت من حقوق البلاد وحدت من حرية أفرادها.
         
و حددت الحكومة يوم 15مارس 1924 لحفل افتتاح الدورة البرلمانية الأولى وحلف الملك اليمين الدستورية ووجهت الدعوة لجميع الصحف المصرية والأجنبية وجميع المراسلين الأجانب ولكن جريدة (السياسة) لسان حزب الأحرار الدستوريين المعارض للوفد لم تدع لحضور الحفلة .ويقول محمد حسين هيكل في مذكراته عن هذه الحادثة " ....  ورأيت أنا في ذلك اعتداء على حق ليس يجوز لأحد أن يعتدي عليه إلا أن يكون ظالماً ، وكنت أنا أحد أعضاء مجلس نقابة الصحافة يومئذ ، فاتصلت بزملائي من أعضاء المجلس واتصلت بغيرهم من الصحفيين يومئذ، فاتصلت بزملائي من أعضاء المجلس واتصلت بغيرهم من الصحفيين المصريين والأجانب الذين يصدرون في مصر صحفاً بلغة عربية أو بلغة أجنبية وعرضت عليهم أمر هذا الحرمان و ما هو فيه من تمييز مجحف ووافقوني جميعاً وندبوا منهم أقرب الناس إلى قلب سعد ليحدثوه في الأمر كي  يرد الحق إلى نصابه ، ولكنه أبى بحجة أننا ظالموه بمعارضتنا العنيفة له وأن من حقه وهو يمثل الأمة  أن يدخل في حظيرة ممثلي الأمة من شاء وأن يحرم من شاء . وعبثاً حاول أنصاره الصحفيون إقناعه بأن هذا المنع لن يقدم ولن يؤخر وإنا سنقف على كل ما يجري في الحفلة وسننشره وإنا سنتخذ من هذا المنع حجة  جديدة للمعارضة قد تجد سميعاً وقد تظهرنا في ثوب المظلوم الجدير بعطف الرأي العام ، لقد أمر سعد ولن يتراجع، وكذلك عاد هؤلاء الصحفيون يبلغوني أسفهم لأنهم لم ينجحوا في مهمتهم . فلما طلبت إليهم أن يتضامنوا في الاحتجاج رأوا فيما قاموا به  الكفاية. وشكرت أنا لهم مجهودهم وكسبت (السياسة) عند الناس أضعاف مما خسرت  بحرمانها  من شهود الحفلة التاريخية لافتتاح البرلمان ونفاذ الدستور الذي دافعت عنه أمجد دفاع حتى صدوره".
وتقول جريدة (السياسة)  إن سعد رد على من ذهب إليه  من الصحفيين  للتوسط في هذا  الأمر " أتريدون أن أحمي من يهينوننا"  وعندما تدخل آخرون من أنصاره  أضاف " أتريدون  أن أحمي خصومي" ورأت السياسة  بحق أنه ما كان  يجدُر بسعد ، وهو رئيس  الوزراء وبمثل سلطة الحكومة الدستورية أن يتخذ هذا الموقف لأن " هذه السلطة  تكرهه سواء  أراد أم لم يرد على أن يسوي بين العدو والصديق .  فإذا كان له  أن يغري بخصومه  السياسيين حين كان رجلاً كغيره من الناس فإن عليه أن يقف موقفاً آخر من هؤلاء  الخصوم حين أصبح رئيس الوزراء  وحين أصبح  رئيس الوزارة  في العصر الدستوري والبرلمان.
والواقع أن موقف سعد هذا يجعل من العسير لأشد الناس تحمساً له أن يدافع عنه . لقد أخطأ  سعد بلا شك حين سمح لعواطفه  أن تتحكم  في المبادئ التي طالما نادي بها عندما كان خارج الحكم . إن هذا التصرف من قبل زعيم شعبي لهو  بعيد تماماً  عن روح الديمقراطية بمفهومها  الليبرالي ،  هذه الديمقراطية  التي كان ينادي بها أحرار مصر في ذلك العهد ويتساءل المرء هل معنى الحرية يتغير بتغير الزاوية  التي ننظر إليها منها.
          إن تاريخ الصحافة في مصر يرد على هذا السؤال بالإيجاب.  "

الصحـــافـة
 والثــورة :

وبعد قيام الثورة سنة 1952 رحبت بها جميع الصحف، حتى أن بعض الصحف التى كانت تمجد عهد «فاروق» انقلبت إلى مؤيدة لقادة الثورة؛ وقد تركت الثورة الحرية للصحف بادئ الأمر، لكن بعد اتهام مجلس نقابة الصحفيين لضباط الثورة عام 1953 بالتنصت على اجتماعات المجلس  ؛ وأمام بعض الكتابات التى لم ترق قادة الثورة ؛ أغلقت الحكومة جريدة «المصري» أكثر الصحف توزيعاً – 56  ألف نسخة -  والتى بشَّرت بالثورة وكانت من المتحمسين لها منذ فجر 23 يوليو.
وحوكم أصحابها وصدر الحكم بتأميم ممتلكاتهم .

جريمة «المصرى» :

كانت جريمة «المصرى» أنها طالبت بالحكم الدستورى والليبرالى وعودة الجيش إلى ثكناته بعد أن أدى مهمته، ففى سبتمبر 1953 نشر أحمد أبو الفتح مقالين بعنوان «إلى أين ؟»  تساءل فيهما: إلى أى طريق يندفع الضباط الذين بدأوا ينتشرون فى كل  أجهزة  الحكم  تحت  اسم «مندوب قيادة»، وما تلى ذلك من اعتقالات  السياسيين وكبار ضباط الجيش والبوليس السابقين .

الدستور يا رئيس اللجنة

ثم كتب أحمد أبوالفتح مقالاً آخر بعنوان  ( الدستور يا رئيس اللجنة ) وكان المقصود برئيس اللجنة على ماهر باشا الذى كان مكلفاً بلجنة لوضع دستور للبلاد  ؛ هذه اللجنة كانت معطلة وكان كل رجال وإمكانيات النظام مسخرة لاحتفالات ومهرجانات يظهر فيها رجال مجلس قيادة الثورة . عملوا أسبوعا (لمعونة الشتاء) وظلوا يطوفون قرى مصر ؛ وأسبوع  (كتاكيت النقطة الرابعة)، والنقطة الرابعة كانت مشروعاً هزيلا لمعاونة مصر اقتصادياً ، فأرسل صلاح سالم رداً للجريدة بعنوان ( المتباكون على الدستور ) تم نشره فى إطار تقاليد العمل الصحفى المعروفة مع تعقيب من كاتب المقال بعنوان ( نعم نحن باكون على الدستور ) .
وثار صلاح سالم ؛ وبعد فترة قصيرة طالبت الضرائب الجريدة بمبلغ 26 ألف جنيه ضرائب لم يكن لها أى أساس، لأن الجريدة كانت سددت الضرائب المستحقة عليها ؛ وكانت هذه أولى المضايقات .

العدد الأخير :

أسدل الستار على جريدة «المصرى» بصدور عددها رقم 5904 بتاريخ 4 مايو1954؛ كان العدد الأخير ولم يصدر عدد بعده ؛ فقد أصدرت محكمة الثورة حكمها بإغلاق « المصرى » .
ونشر العدد الأخير  - الذى لم يكن أحد يعرف أنه الأخير – خبر تأجيل اجتماع مجلس قيادة الثورة إلى مساء اليوم  4 مايو جاء فيه «علم مندوب المصرى أن قائمة السياسيين المستقلين الذين سيحرمون من الحقوق السياسية ستذاع عقب هذا الاجتماع ؛ كما يعرض على المجلس الحكم الذى ستصدره محكمة الثورة فى قضية محمود وحسين أبو الفتح وذلك للتصديق عليه » .
...   مانشيت « المصرى » الأحمر : انتهاء مرافعة الدكتور وحيد رأفت ؛ والمرافعة نفسها تستغرق الصفحتين الأولى والثانية، وهى تتحدث عن صفقة سلاح توسط حسين أبوالفتح لشرائها .. والمحامى يقدم الدليل على براءة موكله ؛ ولا يعيب عليه أنه تقدم بشكاوى حادة اللهجة ؛ ونحس من مرافعة الدفاع أن هناك اتهامات غامضة وصلت حد «الكرافتات»، وهل هى رشوة أم عربون الصداقة والمحبة؟ .
كانت هذه آخر كلمات « المصرى»، الذى استيقظ  قراؤه ذات صباح ليجدوه « قد نفد للأبد »، واضطر أصحابه أن يعيشوا خارج مصر .

قيـــــادة الثــــورة
وقانون العقوبات:

 فى سنة 1954 أضاف مجلس قيادة الثورة إلى قانون العقوبات المواد 98 أ ، 98أ مكرر و 98 ب 98 ج ، 98 هـ  ؛ بموجب القانون 635 لسنة 1954 مستندا للصلاحيات التشريعية لمجلس قيادة الثورة . وتفرض المادة 98 ب عقوبة السجن 5 سنوات وغرامة تصل إلى 500 جنيه لكل من (روّج) أو(حبذ) باية طريقة من الطرق لتغيير مبادئ الدستور أو النظم السياسية للهيئة الاجتماعية أو لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات والقضاء على طبقة اجتماعية أو لقلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية أو لهدم أى نظام من النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية .
   وترجع حكاية هذه التشريعات إلى  أن موادها  منقولة من قانون فاشى أصدره (موسولينى) عام 1930، وقد جرت محاولة لإضافة هذه المواد فى عهد إسماعيل باشا صدقى فى نهاية دورة مجلس النواب عام 1946 ، ولكن المجلس لم يوافق عليها ، وانتهز صدقى باشا فض الدورة ليضيف هذه المواد بمرسوم بقانون (117 لسنة 1946) . وتعرض هذا المرسوم بقانون للطعن بعدم دستوريته فى البرلمان وتقدمت الحكومة بتشريع جديد نوقش فيه عام 1948. وظل هذا التشريع يتعثر فى أروقة البرلمان حتى قامت الثورة وأصدرت هذا القانون  الذى سبق أن هاجمه فكرى أباظة تحت قبة المجلس فى 21 أبريل 1948  منددأً :
«انى أدفع بأن التشريع المعروض على حضراتكم مناقض للدستور المصرى ، ومناقض للمواثيق الدولية التى  قبلتها مصر وانضمت إليها : كما أنه مناقض لمباحث المؤتمر المنعقد الآن  فى جنيف باسم جمعية الأمم المتحدة ثم هو مناقض لالتزام مصر فى معاهدة «مونتريه»، كما أنه يشذّ عن القواعد المقررة فى القانون الجنائى ، ووجه فكرى أباظة حديثه إلى وزير العدل قائلا: «إنى أنذرك بأن هذه التشريعات الجريئة فى ألفاظها ، الخالية من الذوق الفقهى السليم لا تدعو إلى الفخار ورفع الرأس عاليا ».
      وكان هذا التشريع نذير شؤم على الإصلاح الديمقراطى والحريات العامة بما فيها حرية التعبير بصفة عامة  وحرية الصحافة بصفة خاصة .

انحسار الصحافة المصرية :
                  
ثم أخذت الصحف المصرية تنحصر فى ثلاث صحف يومية فقط هي: «الأهرام» التى أصبحت تنطق بلسان الثورة منذ قيامها، و«الأخبار» و«أخبار اليوم»  بميولهما اليمينية، ولكنهما لم تقلا عن «الأهرام» تأييداً للثورة وقادتها، وإن أخذتا جانب تلبية رغبات المواطن والأسرة المصرية . و«الجمهورية» التى صدر ترخيصها باسم جمال عبد الناصر  ورأس تحريرها أنور السادات، وأصبحت لسان حال الثورة.  و«وطني» الناطقة بلسان حال الكنيسة الأرثوذوكسية المصرية فى خطابها مع الأقباط .
ومن المجلات  الأسبوعية : «روز اليوسف»  ذات الاتجاه  اليسارى المشاغب و«صباح الخير» بخفة ظلها و«المصوّر» و« IMAGE» بطابعها المميز كمدرسة من مدارس مجلات الصورة فى تقليد مصرى لـ  «بارى ماتش  - PARIS MATCH» الفرنسية  و«الكواكب» و«حواء» و«آخر ساعة»  إضافة إلى المجلات التى تصدرها الجمعيات والهيئات العلمية .
 وقد تمتعت هذه المجلات بشيء من الحرية فاستغلتها بحرفية عالية الأداء  لنشر تحقيقات وصور تستهوى المراهقين  والهوانم والبنات من  بقايا الطبقة الأرستقراطية القديمة  والطبقة الجديدة التى أخذت فى الظهور والتنامى . إلا أن هذه المجلات رغم خضوعها للمنافسة التجارية  ظلت منسجمة  تماماً مع التوجه الرسمى للدولة ، وأصبحت ملتزمة  التزاماً واضحاً بالخطوط الرئيسية للإرشاد القومى .

تأميم الصحافة :

فى 25 مايو1960 تم تأميم الصحافة  بالقانون رقم 156  لسنة  1960 والذى سمى فى ذلك الوقت  « قانون تنظيم الصحافة» وهو أول قانون صحافة يصدر فى مصر بعد ثورة 1952، وصدر بهدف «تحرير الصحافة من سيطرة الرأسمالية»، وفقا للمادة 3 من هذا القانون، ونقلت ملكية جميع الصحف الهامة فى ذلك الوقت إلى الحكومة فى إطار» الاتحاد القومى»  . الذى شدد الرقابة الحكومية على الصحف، وحوَّل الصحافة إلى قناة لترويج أفكار النظام الحاكم .
  وبعد حل الاتحاد القومى  وتشكيل الاتحاد الاشتراكى اشترط موافقة الاتحاد الاشتراكى لإنشاء أى صحيفة جديدة، كما ألزم الصحفيين بالحصول على تصريح بالعمل من الاتحاد الاشتراكى . وبناء على هذا القانون، تم منع العديد من الصحفيين من الكتابة، أو تم نقلهم عقابا لهم إلى وظائف إدارية بالهيئة العامة للاستعلامات وشركة باتا للأحذية  ومؤسسة الدواجن وهيئة الصرف الصحى !!.
وقبل صدور هذا القانون فى عام 1960، كان تأسيس الصحف فى مصر يتم عن طريق إخطار كتابى إلى المحافظة التى توجد بها الصحيفة، وذلك وفقا للمرسوم رقم 68 لسنة 1931 . وأعاد القانون 156 لعام 1960 تفعيل الالتزام بالترخيص لإنشاء وسائل الإعلام المطبوعة وهى الممارسة التى كانت متبعة قبل 1931.

فكـــــرى أباظـــــــة
.. و« الحالة ج »:

كتب فكرى أباظة مقالا  بعث به من أسبانيا حيث كان يعالج عينيه ؛  نشرته مجلة المصور فى عددها  رقم 1923 ( بتاريخ 18 - 8-1961)  بعنوان « الحالة ج » ؛ استعرض فيه أحوال العالم السيئة واقترح بعض الحلول لإصلاح الأحوال ؛ وجاء فى البند 7 من مقترحاته ما يلى :
«تقرر الدول بالاتفاق حياد منطقة الشرق الأدنى وجميع الدول المنضمة إلى الجامعة العربية، وينشأ بعد هذا الاتفاق اتحاد فيدرالى  بين الدول العربية،  ويكون اختصاصه مقصوراً على توحيد الجيوش الحيادية العربية وسياستها الخارجية على أن تدمج فلسطين  بأسرها فى هذه الدول، وتشمل إسرائيل بعد أن تزول عنها صفتها الدينية، ويصبح الإسرائيليون من رعايا هذا الاتحاد الذى يكفل لكل الأقليات حقوقها كاملة حسب التقاليد الدولية المتبعة ».
وما  إن نشر المقال حتى قامت الدنيا ولم تقعد لأن مجرد التفكير علناً وبالصورة التى نشرتها المصور يشكل جريمة لا تغتفر فى رأى الدولة التى اعتبرت المقال هدما للخط الناصرى ودعوة للدول الأوربية لفرض اتحاد على المنطقة العربية  وبحث إمكانية الصلح مع إسرائيل ودمجها فى المنطقة .

فرانكو وعبد الناصر:

 بينما يرى صبرى أبوالمجد أن وراء إقالة فكرى أباظة سببا آخر ؛ ولكن تم فصله تحت ذريعة  مقاله ( الحالة ج ) ؛ فقد كان فكرى أباظة يحرر باباً آخر فى المصور بعنوان « كلمة الحق » وقد جاء فيه تحت عنوان : من محب وسهير إلى بابا فكرى وتضمنت الرسالة معنى :
« بالرغم أن فرانكو أنقذ أسبانيا من مجازر الشيوعية والحرب الأهلية وقام بعدة إصلاحات فى الصميم .. بالرغم من ذلك فهو لا يظفر بالحب الذى يستحقه ولا بعرفان الجميل الذى هو به جدير من بعض خصومه، وتحليلنا على قدر إدراكنا أن هؤلاء الخصوم يؤثرون الحرية الشخصية على كل مجد وإصلاح وحرية الكلام وحرية الحل والترحال وحرية الاجتماع التى هى غريزة آدمية ؛ أى حرية ولا حيلة  للمنطق فيها ولا حيلة للإقناع بعكسها  ».
وقد اعتبرت هذه الفقرة إسقاطاً على عبد الناصر والنظام فى مصر والأوضاع فيها .
***
وفى يوم 18 أغسطس 1961 صدرت جريدة الأهرام وفى صفحتها الأولى خبر صغير: « أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قراراً بإعفاء فكرى أباظة من رئاسة مجلس إدارة دار الهلال ورئاسة تحرير المصور ».
***
ولم يجد فكرى أباظة مفراً من تقديم اعتذار رسمى علنى  فى جريدة الأهرام قبل أن يسمح له بالعودة للكتابة، مما عرضه لانتقادات  تركت فى نفسه جرحاً لم يندمل؛ لأنه اعتذر عن رأى كتبه مما عرَّض مصداقيته للاهتزاز أمام الرأى العام، خاصة أن البعض قد رأى أن الاعتذار كان مهيناً .

ولكن إبراهيم  سعدة يرى عكس ذلك تماماً : «فمن يُعيد قراءة الاعتذار سيجده مقالاً ساخراً ورائعاً  فى نفس الوقت ؛ لقد استخدم فكرى أباظة أسلوباً مميزاً فى اعتذاره ؛ فسخر من نفسه ومن قواه العقلية ومن رأيه ؛ أن مقال الاعتذار أقوى من مقال المواجهة مع إسرائيل ؛ فالأول  أعطى الدليل على مدى القهر الذى عاشته الصحافة المصرية، والثانى أعطى  الدليل على ما افتقد من شجاعة مهنية وحماس وطنى وقفزه إلى المستقبل ؛ إن فكرى أباظة لم يعتذر لمخالفيه وإنما اعتذر عن المهانة التى ميَّزت صحافتنا وأقلامنا » .

الرقيب ورؤساء التحرير:

هكذا تعاملت الثورة مع كبار الصحفيين ؛ وتعاملت مع الصحف التى أصبحت خاضعة  لسلطة الرقيب وهو موظف حكومى، وله رئيس هو الرقيب العام وكان وقتها وزير الداخلية. وتم تعديل هذا الوضع ليصبح الرقيب العام هو وزير الإعلام .وتتضح سلطات الرقيب ومدى تسلطi على رؤساء التحرير من خلال رسالة موجهة  من مدير المكتب عبد المجيد شديد إلى إحسان عبد القدوس ؛ والرسالة مكتوبة على ورق يحمل اسم الاتحاد القومى - مكتب المشرف، وفى الزاوية اليسرى مكتوب بقلم كوبيا بعرض الزاوية ما يلى :
 « كلام فارغ » ثم الكلمة التالية « عيب ياأستاذ إحسان » .
 

الرقيب وصفحة الوفيات !!

وكانت صفحة الوفيات هى الصفحة الوحيدة التى لا تخضع للرقابة  ؛ لكن بعد نشر نعى المفكر الوطنى والمناضل اليسارى شهدى عطية الشافعى  مؤلف كتاب «تطور الحركة الوطنية  المصرية ؛ 1882  - 1956 » ؛ الذى تم نشره فى صحيفة الأهرام يوم 20 يونيو1960. أصبحت إعلانات الوفيات مراقبة أيضاً .
وكان شهدى عطية قد قتل من جراء تعذيب وحشى فى معتقل المحاريق بالواحات .
وقد كتب النعى أحد كوادر حدتو ( حدتو هى اختصار للحركة الديمقراطية للتحرر الوطني) ، وهو الشاعر محمود توفيق وضمنه أبياتا من شعر أبو تمام، وتم نشره باسم أسره شهدى ، وكان نصه كالآتي:
 « شهدى عطية الشافعي
عطية الشافعى وأسرته ينعون بعد أن واروا عزيزهم فخر الشباب
الأستاذ شهدى عطية الشافعى مقره الأخير ويقولون لمن واساهم فيه:
لن نشكركم، فالشكر لكم فى هذا الموقف نكران لوفائك..
وشهدى وذكراه ملك لكم وأمانة فى ضمائركم.
أما أنت يا عزيزنا الغائب فإننا نرثيك بهذا :
فتى مات بين الطعن والضرب ميتة تقوم مقام النصر إن فاته النصر
تردى ثياب الموت حمرا فما دجى لها الليل إلا وهى من سندس خضر
وقد كان موت الموت سهلا فرده إليه الحفاظ المر والخلق الوعر
ونفس تعاف العار حتى كأنما هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر
كان فى ظلمة جلاديه عملاقا منارا
يلفظ الأنفاس تحتج .. وتمتد شرارا
وتمادت قبضة البطش .. عذابا وحصارا
ورأوه يرفع الروح .. وقد فاضت شعارا!! »

الصحــــــافة
ونكسة 67:

  إلا أن النظام السياسى وضع الصحافة فى موقف لا تحسد عليه أمام الرأى العام والعالم كله عندما دسّ عليها فى يونيو1967 بيانات مكذوبة عن انتصارات وهمية  ساحقة وقتلى للعدو بالآلاف ودباباته المدمرة وطائراته المحطمة،  وأن جيشنا المنتصر سيؤدى صلاة الجمعة فى تل أبيب ؛ بينما كان واقع الحال كما نقلته صحافة العالم أن الجيش انهزم هزيمة ساحقة فى معركة لم يدخلها ؛ وأنه ينسحب بطريقة عشوائية وبدون خطة مما ضاعف من خسائره !! مما  أفقد الصحافة المصداقية لدى الرأى العام وجعلها موضع سخريته  !! .
.. رحم الله الرئيس جمال عبد الناصر فقد كان رجلاً عظيم المجد والأخطاء .


عبد الناصر أطلق على هزيمة 67 " أزمة "

حرية الصحافة
مجـرد شعـــار:

وبعد حرب أكتوبر وما حققته من استقرار اقتصادى وأمنى،  وفى إطار وصلة الغزل المتبادل بين الرئيس السادات والصحفيين وافق الرئيس على :

1- تعديل جزئى للائحة أجور الصحفيين والعاملين بالمؤسسات الصحفية ( لائحة 1976 ) استجابة لمطلب مجلس نقابة الصحفيين على مدى دورتين برئاسة النقيب عبد المنعم الصاوى، والتى أسهمت فى تحسين أحوالهم المعيشية والاجتماعية .

2– إلغاء الرقابة على الصحف فى 8  مارس 1974 فى قرار صفَّق له العالم الذى لم ينتبه إلى صورية القرار، فقد استبدل السادات فقط الرقيب ( الموظف ) بالرقيب (رئيس التحرير من أهل الثقة) وهو رقيب أكثر وعياً وثقافة من الرقيب الموظف، وما كان يغفل عنه الرقيب الموظف من حيل الصحفيين للإفلات من مقص الرقابة لم يعد ينطلى على زميلهم الرقيب رئيس التحرير ومعاونيه .
 وتستمر الرقابة على النشر عبر النصائح الشفوية والتعليمات المكتوبة إلى مسئولى التحرير . والتى لا يعلم الصحفيون عنها شيئاً، لأنها من أسرار الدائرة الضيقة المقربة من رئيس التحرير أو ما يسمى بـ « المطبخ الصحفى » .

ومع ذلك ؛ لم تمضِ ستة أشهر على إعلان إلغاء الرقابة على الصحف حتى كان الرئيس السادات يجتمع مع القيادات الصحفية فى أغسطس 1974 ليحذر من «التجاوزات « ومن نمو« مراكز القوى » فى الصحافة وليوجه الأنظار إلى «النغمة الصحيحة»  التى يجب على الجميع الالتزام بها.
  وفى مواقف كثيرة وجد رؤساء التحرير أنفسهم بين شقى رحى منْ عيَّنوهم وزملاؤهم ؛ وتشير الشواهد إلى :

1 - العديد من أوجه الصدام بين الصحفيين ورؤسائهم، والتى ترجع أسبابها إلى سيادة روح التسلط والاستعلاء لدى العديد من القيادات الصحفية وانحياز القيادات الصحفية للسلطة التنفيذية ولهؤلاء المتحكمين فى مراكز النفوذ الاقتصادى على حساب كرامة المهنة وحقوق الصحفيين .

2 – وعلى الجانب الآخر  ؛ كانت القيادات الصحفية هدفاً للوم والتوبيخ  الدائم ؛ فإذا انحاز رئيس التحرير إلى المهنية طاردته مكالمات السادات التليفونية الصباحية، فكثيرا ما اتصل السادات بعبد الرحمن الشرقاوى معاتباً : « هل قرأت ما كتبه صلاح حافظ  أو أبو سيف يوسف  أو عبد الستار الطويلة ؟!! وهل رأيت رسوم صلاح الليثى  وحجازى ؟!! » .

ويتكرر الأمر مع إحسان عبد القدوس معنفاً : « إقفل مجلة الطليعة» وفى اتصال آخر« هل رأيت كاريكاتير صلاح جاهين ؟!! »

  ووصل الأمر إلى أن السادات كان يتصل برؤساء التحرير ويسألهم عما سيكتبون؟! وكان معتاداً على الاتصال بديسك الأهرام للسؤال عن المانشيتات خاصة عندما يلقى خطاباً مهماً .
  وظهرت أعراض هذا التضييق وتلك المضايقات واضحة فى المؤسسات الصحفية ممثلة فى تنكيل وكيد لبعض الصحفيين تراوح بين التجميد والمنع من الكتابة  والحرمان من أداء العمل والحرمان من فرصة الترقية دون مسوِّغ قانونى والنقل بغير موافقة كتابية إلى عمل صحفى أدنى  أو أقل ميزة من الناحية الأدبية والمادية،  وتهديد الصحفى وابتزازه بأية طريقة من الطرق لنشر أو كتابة ما يتعارض مع ضميره الصحفى وشرفه المهنى أو لتحقيق مصالح أو مآرب شخصية لأية جهة أو لأى شخص والحرمان  من تولى المواقع القيادية بسبب آرائه ومعتقداته السياسية وخصم المستحقات المالية  والمزايا العينية التى كان يحصل عليها طبقاً للقانون  والتهديد بالفصل بالإحالة إلى اللجنة الثلاثية وانتهاء بالفصل التعسفى .

  كما شهدت تلك الفترة هجرة الصحفيين فى ظاهرة اصطلح على تسميتها بـ (الصحافة المهاجرة ) إلى أوربا والدول العربية، ولأن المهاجر لم ينعزل عن بلده التى ضاقت بنتاج قلمه فجعلها قضية عمره منتقداً بمرارة ما لا يروقه من أحوالها وممارسات قياداتها  وهو ما لم يحتمله السادات.


على حمـدى الجمـــال
شهيد الموقف النقابى:

  وعندما ضاق السادات بهذه الكتابات ؛ طلب شطب أسماء بعينها من جدول نقابة الصحفيين وهو ما رفضه الأستاذ النقيب على حمدى الجمال مؤكداً للرئيس أن للشطب من جداول النقابة أسباب حددها قانون النقابة رقم 76 لسنة 1970.
وفى إحدى رحلات الخارج ؛  وجه الرئيس السادات كلمة ( .... ) إلى الأستاذ النقيب لم يفهم معناها فى لحظتها ؛ وعندما عاد إلى الفندق سأل زميله عبد العزيز خميس عن معنى الكلمة التى قالها الرئيس، فما كان من خميس إلا الاستغراق فى الضحك لدقائق ؛ قال له بعدها : « إنها كلمة عامية متداولة بين نزلاء السجون » .
 احتقن بعدها وجه النقيب  الذى كان شديد الأدب بالغ التهذيب ودخل إلى غرفته لتفاجئه أزمة قلبية لقى على أثرها وجه ربه  فى 11 – 9 -  1979.
  وقد منحه السادات وسام الجمهورية من الدرجة الأولى مساء يوم وفاته .

( عبد العزيز خميس ؛ رئيس مجلس إدارة  ورئيس تحرير روز اليوسف وصديق السادات ورفيق محبسه فى قضية مقتل أمين عثمان )


العضوية كالجنسية
لا يجـوز إسـقاطهـا


وبوفاة على حمدى الجمال ؛ انتخب الصحفيون  نقيبهم كامل زهيرى الذى رفع شعار « العضوية كالجنسية لا يجوز إسقاطها »، وزاد على ذلك بنشر كتابه 
« الصحافة بين المنح والمنع »، أكد فيه أن الحاكم الذى يعمل ضد حرية الصحافة يعمل ضد التاريخ ولا يستوعبه .

تحويل النقابة
إلــى نـــــــــادٍ

كانت نقابة الصحفيين ولا تزال كمظلة حماية لأعضائها مثار عدم رضى فى كل العصور، ولكن هذا الأمر تفاقم بين النقابة والرئيس السادات لأن هذه الفترة شهدت تحولات كثيرة فى السياسة المصرية انتقدتها الأقلام الصحفية مثل :
- ثورة التصحيح ( ‏15‏ مايو‏1971‏ ) والتى أصر الحواريون على تسميتها ثورة التصحيح حتى أقنعوا السادات بتلك التسمية رغم معارضته لها فى البداية .

ففى منتصف مايو‏75‏ كتب مصطفى بهجت بدوى فى باب ( المفكرة ) فى  جريدة الأهرام حكاية‏ 15 مايو1971 على حقيقتها، وأشار إلى أن السادات نفسه اعترف فى خطاب له سنة ‏74‏ بأنه لم تكن ثمة مؤامرة ضده أو ضد مصر ولا يحزنون
و( كانوا قد كتموا على فلتة اللسان هذه بعد ذلك‏!‏ واقترح مصطفى بهجت بدوى فى مقاله أن يتم الإفراج عن على صبرى وزملائه المسجونين لأنهم انتهوا بالفعل ولم يعودوا يمثلون أى خطر‏،‏ وعندما قرأ السادات المقال عاتب على حمدى الجمال رئيس تحرير الأهرام آنذاك بأنه سمح بنشره . فقد كان السادات يعد ثورة التصحيح هذه أحد إنجازات سنوات حكمه .

- الانفتاح الذى وصفه  أحمد بهاء الدين « بانفتاح  السداح مداح »، ووصفه صلاح حافظ بأنه « انفتاح كباب وكفتة وسفن أب ».

- أحداث 18 و19 يناير 1977 التى وصفها السادات بأنها انتفاضة حرامية، بينما وصفتها أقلام صحفية بأنها انتفاضة شعبية .

- زيارة القدس وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد التى عارضها كثير من الصحفيين، وفى إطار منح الشرعية للصحفيين الرافضين الذهاب إلى إسرائيل ؛ أصدر مجلس نقابة الصحفيين أول قرار لنقابة مهنية بحظر التطبيع مع الكيان الصهيونى فى فبراير عام 1980، والذى أيدته الجمعية العمومية بالإجماع فى مارس من العام نفسه وهو القرار الذى ارتبط باسم النقيب كامل زهيرى .

  لذا رأى السادات أن ينتهج سياسة الحل من المنبع بتفكيك الكيان النقابى والقانونى لنقابة الصحفيين وتحويلها إلى نادٍ للصحفيين، ولكنه فوجىء بردة الفعل العنيفة فى كتابات الصحف فى الداخل والخارج وجموع الصحفيين من كل أطياف العمل السياسى التى توافدت غاضبة على نقابتهم .

ويذكر للنقيب كامل زهيرى حكمة إدارته للأزمة من خلال أربعة محاور:

1 -  تشجيع التفاعل داخل الجمعية العمومية لزيادة حالة المعارضة من منطلق أن « المعارض يشد أزر المفاوض » .

2 - وفى الغرف المغلقة كان يدور حوار مع أطراف من الدولة .

3- نقل وجهة النظر من خلال وجوه لها قبول لدى الرئيس مثل أحمد بهاء الدين وإحسان عبد القدوس وحافظ محمود وأنيس منصور الذى كان يحلو لكامل زهيرى مناداته على سبيل الداعبة  بـ « أنيس الرئيس ».

4 –مع كل ذلك لم ينس الأستاذ كامل زهيرى  دراسته القانونية وكان – كدأب المحامى الحريص على كسب كل قضية – يسعى لامتلاك الحجة ويقدم الدليل ويفاجئ الخصم بحافظة مستندات دامغة فكتب  مذكرة قانونية سلمها إلى منصور حسن وزير الدولة للإعلام والثقافة يلتمس فيها من الرئيس العدول عن الفكرة لاستحالة تنفيذها لما ترتب من حقوق لأعضاء النقابة يصعب تجاوزها .


حافظ محمود
ونهاية الأزمة :

وفى مناسبة إفتتاح معرض الكتاب  تحدث السادات عن الصحفيين الذين يسبُّون مصر وأبدى نيته فى تحويل النقابة إلى نادٍ ؛ فطلب الأستاذ حافظ محمود  (72 سنة) الإذن بالكلمة مدافعاً عن الكيان الذى بناه ؛ وابتسم السادات وأذن له  .

قال حافظ محمود مخاطباً الرئيس : « يا سيادة الرئيس لدينا وثيقة موقعة من سيادتك تقر فيها بدور الصحافة فى ثورة 23 يوليو ؛ ثم تأتى  اليوم وتقول أمام كاميرات العالم إن الصحافة ضد الوطن . فكيف تناقض نفسك ياسيادة الرئيس ؟ !!.
ثم إن عدد الصحفيين الذين يسبون مصر لا يزيد على 2% أو3% من الصحفيين؛ أنا عندما سبت النقابة تركت ميثاق شرف صحفى . »
فابتسم السادات وقال : « أنا عايز نص ده  ؛ ربع ده » .
فرد الأستاذ : « خلاص نعمل مجلس أعلى لحل مشاكل الصحفيين»
وضحك الرئيس قائلاً : «أهو شيخ الصحفيين حلها لكم »
وضجت القاعة بالضحك وبدأت بوادر انفراج الأزمة .
.. وداعب الأستاذ الرئيس قائلاً : «على فكرة يا ريس ؛ أنا أول شيخ بقرار جمهورى . »

وضحك السادات وضجت القاعة بالضحك مرة أخرى .

( .. لكن  بعيداً عن مجاملة الرئيس ودعابة الأستاذ ؛ تجدر الإشارة إلى  أن لقب «شيخ الصحفيين » أطلق على فكرى أباظة عام 1966 بقرار من مجلس نقابة الصحفيين ؛ لأنه عاش حياته يدافع عن حرية الصحافة وكرامتها، ولم يوافق على أى تشريع يحد من حريتها أو يمنع صحفيا من التعبير عن آرائه وأفكاره . )


   وكان إنشاء المجلس الأعلى للصحافة بنصوص القانون 148 لسنة 1980 وهو أول قانون يذكر أن الصحافة سلطة رابعة إلى جانب السلطات الرئيسية الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية . وتنص المادة الأولى من القانون على أن «الصحافة هى سلطة عامة مستقلة تؤدى مهمتها بحرية للخدمة العامة».
وتضمن قانون الصحافة فصلا مستقلا عن تكوين المجلس واختصاصاته، وانعكس ذلك أيضا فى التعديلات الدستورية فى مايو1980، والتى نظرت للصحافة باعتبارها السلطة الرابعة، وأضافت فصلا مستقلا للدستور تحت عنوان «سلطة الصحافة».  
***
بعد 28 سنة ؛ أوجز منصور حسن للإعلامية منى الشاذلى أسباب الأزمة بين الرئيس ونقابة الصحفيين فى جملة واحدة : « كان السادات يعتقد أن النقابة فى أيدى المعادين » .


إضعاف نقابة الصحفيين :

   ويرى البعض أن السبب وراء إنشاء السادات لهذا المجلس هو إضعاف نقابة الصحفيين بنقل اختصاصاتها إلى المجلس الأعلى للصحافة التى تسيطر عليه الدولة واستعادة الحكومة سيطرتها على الصحافة بعد التحول إلى التعددية السياسية .
إذ منح القانون المجلس الأعلى للصحافة  اختصاصات خطيرة على الصحافة والصحفيين جعلت من حرية الصحافة مجرد  شعار
فالمجلس الأعلى للصحافة  هو الجهة المسئولة عن الصحافة فى مصر، ويعتبر بموجب تشكيله والاختصاصات المخولة له  سلطة رقابة وإشرافا على الصحفيين والمؤسسات الصحفية للأسباب الآتية:
1 – يصدر رئيس الجمهورية قراراً بتشكيل المجلس الأعلى للصحافة أى أنه يشكل بالتعيين طبقاً للتشكيل المنصوص عليه فى المادة 68 من القانون 96 لسنة 1996 برئاسة رئيس مجلس الشورى وهو تشكيل يغلب عليه الطابع الإدارى والحكومى  وهو طبقاً لطريقة تعيينه أصبح الجهة الحكومية المسئولة فى الجهاز الحكومى للدولة عن الصحافة بمختلف ألوانها وأشكالها، إذ منحه القانون هذه الاختصاصات الخطيرة على الصحافة والصحفيين لذلك فإن حرية الصحافة تصبح شعارا خاليا من أى مضمون !!
2 – يعد المجلس الأعلى للصحافة نموذجاً لعقد تأسيس الصحيفة التى تتخذ شكل شركة مساهمة أو تعاونية أو توصية بالأسهم ونظامها الأساسى .
3 – توفير مستلزمات الصحف .
4 – تحديد حصص الورق لدور الصحف وتحديد أسعار الصحف والمجلات وتحديد مساحات الإعلانات للحكومة والهيئات العامة والقطاع العام وقطاع الأعمال .
5 – إصدار ميثاق الشرف الصحفى .
6 – إبداء الرأى فى كافة المشروعات المتعلقة بقوانين الصحافة .
7 – متابعة وتقييم ما تنشره الصحف وإصدار تقارير دورية عن مدى التزامها بآداب المهنة وميثاق الشرف الصحفى وسلوكياتها .
8 – النظر فى شكاوى الأفراد ضد الصحف والصحفيين فيما يتعلق بالتزام الصحافة بآداب المهنة وسلوكياتها .
9 – تلقى قرارات لجنة القيد بالنقابة ونتائج انتخابات أعضاء مجلس النقابة والنقيب وقرارات الجمعية العمومية .
10 – الإذن للصحفى الذى يرغب فى العمل  بصحيفة أو وكالة أو إحدى وسائل الإعلام غير المصرية داخل جمهورية مصر أو فى الخارج أو مباشرة أى نشاط فيها سواء أكان هذا العمل بصفة مستمرة أم متقطعة .

منْ عاد إلى مصر فهو آمن
ومنْ دخل النقابة فهو آمن :

بعدها ألقى السادات خطاباً دعا فيه الصحفيين المهاجرين إلى العودة إلى مصر، وقال : « من عاد إلى مصر فهو آمن ؛ ومن عاد إلى مؤسسته فهو آمن ؛ ومن دخل نقابة الصحفيين فهو آمن» .

لكن واقع الحال أكد أن دعوة الرئيس لم تكن سوى الطعم الذى يقدمه الصياد للإيقاع  بفريسته ؛ فقد كان الأمان وهماً  والوعد خدعة .

فقد شاءت لى ظروف عملى فى دار الهلال بمتابعة أربع حالات؛ كل منها أغرب من الأخرى ؛ بحيث لو حاول أحد كتاب الكوميديا السوداء كتابة عمل لما وصل به الإبداع إلى الإضحاك المر، الذى يُشبه البكاء بقدر ما وصل إليه واقع الحال مع الزملاء؛ الأستاذة صافى ناز كاظم  والأستاذ عبد التواب عبد الحى والأستاذ بهجت عثمان والأستاذ صلاح الليثى  .


1 - صافى ناز كاظم
فى عنبر المتسولين

تلخص صافى ناز حالتها بأنها  : « مفصولة من عملى والحمد لله منذ  عام فى 1 /11/1979، وممنوعة من النشر منذ 8/1971، وعائدة من العراق الصدامى، الذى تركته احتجاجاً على ممارساته الوحشية ضد أهله وشعبه، فى منزلى، فى حالى، لا أخرج إلا حين أقف لاستلام معاشى، السبعين جنيهاً، بين السيدات اللاتى يوقعن ببصمة الإصبع .
   وفى ليلة الثانى من سبتمبر 1981 فى الساعة الثانية بعد منتصف الليل ؛ تم اعتقالى . ضمن ما تمت تسميته «اعتقالات سبتمبر الشهيرة»، لأجدنى نزيلة سجن القناطر الخيرية للنساء عنبر «جرائم الرأي»  مع كل من الدكتورة لطيفة الزيات والدكتورة أمينة رشيد ، والدكتورة عواطف عبد الرحمن، والدكتورة نوال السعداوى.
    فى صباح الأحد 6/9/1981 جاءت المشرفة ونادت اسمى وأمينة رشيد وقالت: «معايا على عنبر المتسولين»، وهو عنبر يُضرب به المثل فى السجن لقذارته وامتلائه بالجرب ويشتكى منه المتسولون، قلت للمشرفة: من حقنا البقاء فى قسم جرائم الرأى، قالت هامسة : حق إيه ؟ ليس لكم حتى الحق فى زيارة أو طعام من الخارج أو ملابس أو تحويلات للكانتين! » .
 2 - عبد التواب عبد الحى
      صحـفى بـلا صحــيفة :

ويلخص عبد التواب عبد الحى حالته بقوله : «رجعت  من رحلة علاج  عينى فى لندن ؛ لم أكتب خلالها مقالاً واحداً بالخارج  !! وعندما عدت إلى  دار الهلال وجدت المفارقة ؛ أننى من ضمن صحفيى « البلاك لِيست » وقال لى المسئولون  فى الدار: « إنتظر حتى نستأذن بشأنك» .

  وحين عاودت بعد أسبوع قالوا لى : «لقد صدر قرار بعودتك محرراً بمجلات دار الهلال ».

  وعندما سألت عن الإصدار الذى أُلحقت عليه قالوا : « لم يحدد فى القرار !! »
.. فذهبت إلى صبرى أبو المجد رئيس تحرير المصور مستفسراً فقال لى بأدبه المعهود : « ليس لدىّ أية معلومات بخصوصك !! »

  ويتابع عبد التواب ؛ فما كان منى سوى أن لزمت بيتى ؛ لأفاجأ بخطاب من المؤسسة بإنذار لأننى لم أقدم إنتاجاً صحفياً عن الفترة التى تسلمت فيها العمل !!
.. ويتساءل عبد التواب فى مرارة : « هل كانوا يريدون أن أدور كل صباح على إصدارات المؤسسة ؟!! ليقول لى رئيس التحرير ما قاله صبرى أبوالمجد !! ..أى مهانة هذه ؟!!»

(عرض عبد التواب عبد الحى لمشكلته  أثناء لقاء صلاح جلال المرشح نقيباً للصحفيين
بصحفيى دار الهلال  - فى مارس 1981 -  بقاعة اجتماعات دار الهلال – غير منشورة )


.. و مع كل هذه المضايقات لم يتوقف عبد التواب عبد الحى عن مسيرة قلمه الجاد التى بدأت بكشف جرائم العدوان الثلاثى فى بورسعيد عام 1956  ؛ مروراً بفضح الممارسات الصهيونية فى فلسطين المحتلة و تسليط الضوء على بطولات المجاهدبن الأفغان فى مواجهة الغزاة السوفييت ؛ و إنتهاءاً بتأليفه كتاب عن وثائق عودة طابا الذى أوضح فيه الدور المصرى لإثبات الحق و إستعادة الأرض .

3 – بهجت عثمـان
حاكم دولة بهجـاتيا :

كان بهجت عثمان  يطل أسبوعياً على قراء «المصور » بصفحة كاريكاتير تضم آراءه ورسوماته الناقدة فى سخرية لاذعة أحياناً وابتسامة ساخرة أحياناً ؛ وكان يمتلك شجاعة الدفاع عن رأيه ويرفض أى  مساومة لتغيير منطقه فى التناول سواء كان يبدى رأيه فى حدث عالمى أو حدث محلى يشغل الناس . لأنه كان يؤمن بأن الأفكار تولد من داخل الإحساس وتطل على الفنان من خلال الورق .
وعندما وقعت اتفاقية  كامب ديفيد عام 1978 لم يكن بهجت مؤيداً لها ؛ فنقلته أمينة السعيد ( رئيس مجلس الإدارة ) إلى مجلة حواء ليقوم برسم القصص الواقعية ؛ وهو ما لم يرض طموحه الفنى ؛ وعناده الطفولى المعروف،  فاتجه برسوماته إلى « جريدة الأهالى »  فى لقاء أسبوعى بعنوان « حكومة وأهالى » انتقد فيه أداء الحكومة .

ثم ابتكر شخصية بهجاتوس حاكم دولة بهجاتيا سخر فيها من كل ديكتاتور ومن كل نظام حكم غير رشيد !!



صــــــلاح الليثى
الذى عاد ليرحل:

عاد صلاح الليثى إلى  مصر بعد أن قدم اعتذراً للسادات عن رسوماته فى مجلة 23 يوليو التى كانت  تصدر فى لندن وتنتقد السادات، وكان هذا شرط السادات لعودته .
وجاء إلى دار الهلال رساماً بالقطعة فى مجلة  «المصور» ؛ وكان لى شرف إخراج الصفحتين المخصصتين لرسوماته على  مدى أسبوعين ؛ وفى الأسبوع الثالث اعتذر عن الاستمرار بعد أن حذف المسئول عن التحرير بعض رسوماته .
فقد كان الليثى ترمومتر الحركة السياسية ؛ فوجود رسوماته يعنى انفراجة الحياة السياسية  واختفائها يعنى اختناقها ، فلم يكن يُسكت الليثى سوى يد الرقيب !!، وفى 4- 9 – 1983 لقى صلاح الليثى وجه ربه ؛ وكأنه عاد ليرحل .

ويعد صلاح الليثى من أفضل رسامى الكاريكاتير فى العالم، فقد كان أسلوبه غير مسبوق لا محلياً ولا عالمياً، فلم تكن رسوماته تعرف الثرثرة، فهى دائماً مختزلة فلا تجد خطا زائدا أبداً، وإنما لكل خط  دلالاته الواضحة بجانب عفوية الخط ووحدته، إضافة إلى بصمته الواضحة على فكرة الكوميديا السوداء بوجود عنصر المباغتة بحيث لا يستطيع المتلقى  أن يتوقع وصول الليثى إلى هذا المعنى أو ذاك ؛ فلم يكن المعنى الذى يقصده يصل إليه أحد قبله، وهو ما تعلمه من أستاذه الرسام الفرنسى أندريه شفال، لكنه أضاف إليه من فكره المصرى وروحه المصرية .


خطاب السادات فى 5 سبتمبر 1981

***
 وهذا يؤكد أن  الحرية وسيادة القانون عند السادات لم يكونا سوى ورقتين يلعب بهما ثم رأى أنهما ستكبلانه ؛  فضحى  بهما !!

القضاة والسادات :

فى كلمة القضاة التى ألقاها بناديهم المستشار محمد وجدى عبد الصمد ؛ فى يوم 11 – 10 - 1980  بمناسبة استقبالهم للسادات احتفالاً بنصر أكتوبر؛ أكد القضاة:
«أن أخطاء الديمقراطية على كثرتها ؛ لا تعدل خطأ واحداً من أخطاء الديكتاتورية؛ وأن سيادة القانون تعنى من بين ما تعنيه خضوع إرادة الأغلبية للضمانات الدستورية للحريات العامة حماية لحقوق الأقلية من أن يدمرها جنوح الأغلبية وطغيانها ؛ وأن النقد متى كان متصلا بالشئون العامة ؛ لا بأس من الشطط  فيه أحيانا ؛ وأن الرجل العام يجب أن يُسلم بأن التصدى للمسئولية الجسيمة معناه التعرض لأن يحكم عليه بعض الناس وهم فى حدود حسن النية ؛ حكم مبناه إساءة الظن نتيجة القلق على ما يعتقدون بأنه حيوى بالنسبة لهم ؛ ذلك القلق الذى هو مظهر من مظاهر إدراك المواطن بالشئون العامة وغيرته عليها ؛ أو هو مظهر لشدة شعور المواطن بواجبه العام  فى النظام الديمقراطى، الذى اختير لبلادنا واخترناه معك ).

-  (مجلة القضاة – عدد يناير 1981 )

السادات والإعلام الغربى:

ساهمت أجهزة الإعلام  العالمية التى يسيطر عليها اليهود فى الدعاية الهائلة للسادات عقب زيارته للقدس ومعاهدة  كامب ديفيد  ؛ فانساق الرأى العالمى وراء هذه الدعاية، وأصبح السادات نجماً خاصة فى أوربا وأمريكا، فأصيب بداء الغرور الذى جعله يتصور أنه الفرعون  القادم من أعماق التاريخ ليستقر فى قلب القرن العشرين بما أسقطه فى الخطأ التاريخى بإجراء اعتقالات سبتمبر .

اعتقالات سبتمبر:

تلك الاعتقالات التى قرر الرئيس السادات القيام بها ضد منْ تصورهم أعداءه وخصومه المناوئين لتحركاته السياسية،  وقد شملت الاعتقالات 1536 شخصية من أفضل أبناء مصر، من مختلف التيارات والتوجهات والأحزاب ، الناصرى، والوفدى، والماركسى، والإسلامى، والمسيحى، والمستقل، ومن ليس محدد الاتجاه، إلى جانب غير المعروفين إعلامياً، من الطلبة والأساتذة والصحافيين ومن لا يمكن تصنيفهم على أى مستوى.
 ولم يكن أحد يعرف سبب اعتقاله حتى أخذوهم إلى المدعى الاشتراكى، وهناك علموا أنه قد قبض عليهم بموجب قانون المدعى الاشتراكى، وهو قانون حماية القيم من العيب، وأنه متحفظ عليهم .

فى يوم السبت 5 سبتمبر ألقى السادات خطاباً شرح فيه أسباب كل تلك الإجراءات المفاجئة وغير المفهومة، بدا السادات عصبياً على غير العادة يزعق ويكزّ على أسنانه ويشوح بيديه ويهدد بقبضته صائحاً بعبارات مثل «فتحى رضوان كبر وخرّف» و«المحلاوى أهو مرمى زى الكلب»، و«لن أسمح» و«لن أرحم» .
إلا أن أخطر ما فى الخطاب هو إعلان السادات لقرارى رئيس الجمهورية رقم 494 لسنة 1981 بإلغاء تراخيص بعض الصحف والمطبوعات والتحفظ على مقارها وأموالها . والقرار رقم 489 لسنة 1981 بنقل بعض الصحفيين  وغيرهم من العاملين فى المؤسسات الصحفية القومية واتحاد الإذاعة والتليفزيون والمجلس الأعلى للثقافة للهيئة العامة للاستعلامات وجهات أخرى يحددها السيد رئيس الوزراء .
  وبحادث المنصة  واغتيال الرئيس السادات ( يرحمه الله ) أسدل الستار على علاقة السادات بالصحافة والصحفيين .

مبارك والصحافة

 ومع بداية حكم الرئيس مبارك ، أكد الرئيس على  انحيازه الدائم لحرية الصحافة واستقلالها، وحرصه على عدم التدخل فى شئونها الداخلية، وبدأت حالة من التهدئة، أعطى هامشا من الحرية ولكنها حرية « عرفية » لاتستند إلى ضمانات قانونية ويسهل الانقضاض عليها فى أى وقت من منطلق أن  « ما يعطى بالسماحة يؤخذ بالغضب».
وقد سمحت الحكومة بقدر من حرية الرأى، وتمتعت الصحف والصحفيون بحرية النقد فى موضوعات  فى حدود ما يسمح به الخط الأحمر، لكنها تظل حرية تعبر ولكنها لا تغير، فيظل الصحفيون يكتبون، ويبقى المسئولون كما هم يمارسون كل ما هو موضع نقد، ويقع الرأى العام فى حيرة مزمنة وفقدان ثقة فى الجميع، واصفاً الوضع بأنه مجرد  تعبير عن حرية الثرثرة والصراخ على صفحات الصحف على اختلاف مسمياتها ( قومية – حزبية – خاصة – إقليمية ):

الصحف القومية :

 والتى أصبحت مهمتها مقصورة على الترويج السياسى للحزب الوطنى، وتلميع نظام الحكم وتجميل وجوه الحكام، وتسطيح المواقف وتلوين الحقائق وإخفاء المعلومات وحجبها عن الرأى العام، لأن الحكومة تريد حجبها.. بل إنها فى كثير من الأحيان تلجأ إلى المبالغة الضارة فى إثارة النعرة الوطنية  مثلما حدث فى مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر فى أم درمان .

الصحف الحـزبــية:


بعد إغلاق جريدة الشعب فى 20 مايو2000 بلغ عددها 27 صحيفة سواء من جانب أحزاب جديدة نشأت، أو من جانب الأحزاب التى شكّلت بداية إنشاء المنابر التى تحولت إلى أحزاب .
  ورغم ذلك قدمت الصحافة الحزبية خطابا صحفيا مختلفا عن الخطاب الرسمى، الذى تتبناه الصحف القومية، إلا أنها لم تستطع أن تتمايز فيما بينها من حيث الفكر السياسى وبرامج العمل، فالقاسم المشترك بينها هو انتقاد الحكومة وخلق رأى عام سلبى عن أدائها ، ولا فارق يذكر فى ذلك بين جرائد الوفد والعربى والأهالى .

الصحف الإقلـيـمـيـة:


 فى محافظات مصر العديد من الصحف الإقليمية،  وهى تنقسم إلى نوعين :
1 -  الصحف الرسمية التابعة للحكم المحلى، والتى تنحصر مهمتها فى الإشادة بالمحافظ وسائر القيادات المحلية .
 2 - الصحف الإعلانية التى يصدرها الأفراد،  والتى توائم بين إرضاء المسئولين  ومغازلة المعلنين  .
ورغم الكثرة العددية التى تميز هذه الصحف إلا أنها لا تقدم خطابا صحفيا يعكس اهتمامات ومشكلات الأهالى فى تلك المناطق، ولا تتمتع بأى قدر من المصداقية والتأثير لدى الرأى العام

الصحف الخــاصـة:


وهى تنقسم إلى نوعين من الصحف :
1 – الصحف التى حصلت على تراخيص من المجلس الأعلى للصحافة كشركات مساهمة، ويمتلك الجزء الأكبر من أسهمها رجال أعمال أو شركاء يمارسون دور الغطاء المحلى للبرنامج الأمريكى المعلن لإنشاء صحف عربية .
2 - الصحف القبرصية التى تحصل على تراخيص الصدور من خارج مصر ولكنها تحصل على موافقة من وزارة الإعلام للطبع بصفة مؤقتة فى مصر، وتتجدد الموافقة كل 6 أشهر، وهناك 75 صحيفة بتراخيص أجنبية ومرخص لها بالطبع فى المنطقة الحرة منها 15 صحيفة تصدر باللغات الأجنبية، أما الصحف التى تطبع فى مصر فهى تزيد على 40 صحيفة و17 مجلة.
 ورغم أن الصحف الخاصة بشقيها قد استفادت من المساحة المفقودة بين كل من الصحافة القومية والحزبية، والتى تضم أعدادا كبيرة من القراء الذين يتطلعون إلى صحافة مختلفة لا تتقيد بالطابع الرسمى، ولا تحبس نفسها داخل أسوار الرؤية الحزبية الضيقة ؛ إلا أنها ( الصحف الخاصة) تبنت سياسات صحفية تعتمد إما على الإثارة السياسية أو الاقتصادية أو الجنسية أو على كل أنواع الإثارة ، ورغم أن هذه الصحف قد نجحت فى استقطاب قطاع كبير من القراء، إلا أنها فشلت فى خلق منتج صحفى جاد وهادف بل أسهمت فى الترويج للثقافة الاستهلاكية المستندة إلى الجنس ومخاطبة الغرائز بما يعنى أنها أصبحت صحافة ( فيشار و قزقزة لب ) أى للتسلية فقط .

و بما يعنى أن الصحافة أصبحت  طاقة تنفيس فقط ، هدفها امتصاص غضب الرأى العام، والإيحاء بأن الحريات كاملة والحقوق مصانة، بدليل أن الصحف تنتقد هذا المسئول، أو تعارض تلك الحكومة، الأمر الذى يبدو أمام الرأى العام كما لو أن هذه الصحف حرة بالفعل، بينما هى تقوم بدور «منظم البخار»، يتولى تسريب البخار الزائد حتى لا ينفجر الإناء بكل ما فيه؛ فالبخار موجود ناتج عن غليان، والمنظم بحكم اسمه يقوم بدور محدود، لكنه لا يلغى حالة الغليان ولا تكاثر البخار وضغوطه!

التقــارير الدوليــــــة
عن حرية الصحافة :

التقارير الدولية الصادرة عن منظمات عالمية للدفاع عن حرية الصحافة وضمانات الصحفيين، تصنف  صحافتنا ضمن الخانة السوداء، بحكم افتقادها للمعايير المتعارف عليها لحرية الصحافة،  فالتقارير الصادرة عن منظمة «صحفيون بلا حدود» فى باريس، ولجنة حماية الصحفيين فى نيويورك، صنفت هذه الصحافة فى قائمة «فاقدة الحرية»، وهذا الوصف قد أصبح مكرراً عاماً بعد عام .
  وقد أكد التقرير السنوى للمنظمة العربية لحقوق الإنسان ، وتقرير التنمية الإنسانية العربية نفس الواقع المرير الذى تعانيه الصحافة فى بلادنا، جراء السيطرة الحكومية رغم كل ادعاءات التطوير الديمقراطى، لأدركنا على الفور أن الشهادات – ولا نقول بالضرورة الإدانات – الدولية والعربية ليست فى صالح الأوضاع الحالية، سواء أوضاع الإصلاح الديمقراطى بصفة عامة، أو أوضاع حرية الصحافة بصفة خاصة.
 ومع ذلك لم تسلم الصحافة من الأصوات الغاضبة فى أجنحة النظام السياسى بأن الصحافة فى مصر تمارس حرية غير مسبوقة، وأنها خرجت عن القواعد وتجاوزت الخطوط الحمراء ، الأمر الذى يستدعى التمسك بالقوانين والأوضاع الحاكمة لها، حتى لا تفلت الأمور، نحو ما يسمونه الفوضى.
ومقابل ذلك هناك أصوات غاضبة أخرى تأتى من أعماق المجتمع ترى أن الصحافة تقاعست عن أداء دورها، وفشلت فى كسر الحواجز المعرقلة ليس لانطلاق حريتها فقط، بل المعرقلة للإصلاح الديمقراطى الشامل..
وبين هذه الأصوات وتلك، تعيش الصحافة المصرية فى أزمة خانقة، يزيدها اشتعالاً، غضب الصحفيين من أنفسهم وعلى أنفسهم وعلى أوضاعهم المهنية والسياسية والمعيشية والإحساس بالمرارة، لأن الدولة باعت لهم الوهم  بمسمى  (سلطة الصحافة)، فضلا عن الملاحقات القضائية من موظفى العموم  إضافة إلى سلسلة قضايا ( الحسبة السياسية)  المرفوعة من محامى الحزب الوطنى .

الرئيس والنقيب :

فى 30 يوليو2003 انتخب الصحفيون الأستاذ جلال عارف نائب رئيس تحرير «أخبار اليوم»  نقيباً للصحفيين ؛ وجلال عارف هو أول نقيب للصحفيين المصريين غير مدعوم حكوميا منذ أكثر من 20 عاما، ويعبر عارف عن تيار نقابى كبير، كما يعبر عن جيل من الصحافيين الشبان لا يحظى بالدعم الرسمى للمؤسسات الصحافية الكبرى .
وفى اليوم التالى لانتخاب النقيب بدأت بعض قيادات المؤسسات القومية فى استعداء النظام على النقيب والنقابة فى صورة  وشايات مكذوبة وتقارير مشبوهة بزعم أن النقابة سقطت فى أيدى المعارضة غير المسئولة ؛ وهو ما يشعل التوتر فى مثلث عبد الخالق ثروت ( نادى القضاة –  نقابة الصحفيين -  نقابة المحامين ) .
فى الوقت الذى كان النقيب والمجلس يبحثون عن وسيلة للخروج من مأزق النقابة فقد تسلموها وخزائنها خاوية ومدينة للبنوك بـ  8.5 مليون جنيه، ولا تجد ما تسدد به معاشات الأرامل والأيتام ؛ والأوضاع المأساوية فى أجور الصحفيين وقضايا حبس الصحفيين ؛  والإعداد للمؤتمر العام الرابع للصحفيين .
   وفى يناير 2004 أجرت قناة الجزيرة لقاء مع النقيب فتح فيه جميع الملفات بأمانة وموضوعية شديدة بما يحفظ الاحترام الواجب  للنقابة وكرامة الصحفيين ويحفظ للنظام هيبته ، بعده بأيام طلبته مؤسسة الرئاسة للقاء السيد الرئيس حسنى مبارك الذى أمر بدعم النقابة بـ 10 ملايين جنيه  ومليون جنيه لصندوق المعاشات، ووعد بإحالة قانون التمغة الصحفية وقانون تداول المعلومات وتعديل لائحة الأجور للدراسة كما وعد بإلغاء حبس الصحفيين فى قضايا النشر.

المـؤتمـر العــــام
الرابع للصحفيين :

صبيحة يوم المؤتمر المنعقد تحت عنوان ( نحو إصلاح أحوال الصحافة والصحفيين فى الفترة من  23 - 25   فبراير 2004 ) طلب السيد الرئيس من النقيب فى اتصال هاتفى أن يبلغ الصحفيين وعد الرئيس بإلغاء حبس الصحفيين فى قضايا النشر؛ وهو ما فعله النقيب فى افتتاح فاعليات المؤتمر، وقبل أن يلقى صفوت الشريف كلمة الرئيس نيابة عنه ، مما كان له الأثر الطيب على الروح التى سادت أجواء المؤتمر وفاعلياته .

خطـاب أمانة المؤتمر
إلى مجلس الشورى:

وبانتهاء أعمال المؤتمر المؤتمر مساء 25 فبراير ؛ أرسلت الأمانة الدائمة لمتابعة تنفيذ مقررات المؤتمر، التى تشكلت من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين وممثلين لجمعيتها العمومية خطابا إلى  رئيس مجلس الشورى ورئيس المجلس الأعلى للصحافة تضمن خمسة محاور انطلاقا من مقررات المؤتمر العام الرابع للصحفيين ؛ جاء نصه :

« السيد الأستاذ / صفوت الشريف
 رئيس مجلس الشورى ورئيس المجلس الأعلى للصحافة
تحية طيبة وبعد..
تعبيرا عن رغبة جموع الصحفيين ونقابتهم فى دفع الجهود الوطنية لتحقيق الإصلاح السياسى  والديمقراطى الشامل، عملا على استنهاض طاقة الجماعة الصحفية لتعزيز هذه المسيرة.. وانطلاقا من مقررات المؤتمر العام الرابع للصحفيين التى دعت إلى تطوير شامل لمؤسساتنا الصحفية - وخاصة القومية منها - من خلال إنهاء الجمود الحالى فى أوضاعها الإدارية والتحريرية، والدفع بدماء جديدة إلى مناصبها القيادية امتثالا لحكم القانون وسعيا إلى تجديد حيوية المهنة وتأكيد روح الانتماء والمسئولية لدى العاملين فيها... فإن الجمعية العمومية و الأمانة الدائمة لمتابعة تنفيذ مقررات المؤتمر، التى تشكلت من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين وممثلين لجمعيتها ، قد أخذت فى اعتبارها وتقديرها تأكيد السيد رئيس الجمهورية، الذى تضمنته كلمته إلى المؤتمر فى فبراير الماضى من أن الدولة ستناقش بفكر مفتوح ما قد يصدر عن المؤتمر من توصيات، ذلك التأكيد الذى تجاوب مع مطلب الصحفيين فى إرساء أسس الحوار البنَّاء والمتصل مع الدولة ومؤسساتها حول مختلف القضايا التى تتعلق بإصلاح أوضاع الصحافة والصحفيين، كما رأت الأمانة الدائمة فى تحملكم أخيرا مسئولية رئاسة مجلس الشورى ومباشرة اختصاصات رئيس المجلس الأعلى للصحافة، ما ينبئ بعهد جديد من التفاهم والتعاون المثمر مع نقابة الصحفيين، وذلك بالنظر إلى ما تتمتعون به من خبرة ودراية بأحوال الصحافة المصرية، وبما تواجه من عقبات ومشكلات تراكمت مع الزمن حتى كادت تسد أفق التغيير والتطوير، وتأسيسا على ما تقدم فإن الأمانة الدائمة لمتابعة تنفيذ مقررات المؤتمر الرابع للصحفيين وهى تؤكد - ابتداء- أن قضية التطوير الشامل للصحافة تتجاوز بطبيعتها وتعدد جوانبها إجراءات بعينها مهما عظمت أهميتها، إلا أنها رأت من واجبها أن تطرح عليكم عددا من المبادئ ومطالب الإصلاح العاجل التى تعبر عن إجماع القاعدة العريضة من الصحفيين، والتى تشكل فى مجموعها المدخل الضرورى لتصحيح أوجه الخلل التى أصابت مؤسساتنا الصحفية القومية خلال الفترة الماضية:
أولا: إن احترام مباديء الدستور والقانون قولا وفعلا واعتبارهما مصدر الشرعية ومناط المسئولية هوالشرط الأولى لضمان الاستقرار والشفافية والانضباط فى أداء مختلف مؤسسات المجتمع، ومن ثم فلا يصح أن تبقى المؤسسات الصحفية استثناء من هذه القاعدة.
ثانيا: مع تقديرنا لجهد الجميع، فإن استثناء قيادات المؤسسات الصحفية القومية من حكم القانون الذى يوجب عدم المدّ لها فى مواقعها بعد سن الخامسة والستين قد أشاع إحساسا عميقا لدى الرأى العام والجماعة الصحفية بأن هناك من يستطيع أن يكون فوق القانون، وبالتالى فقد هانت كل الاستثناءات للقوانين واللوائح والأنظمة وأعراف العمل الصحفى فى المؤسسات الصحفية.
ثالثا: إن استمرار وسيادة هذا الوضع غير الشرعى وغير المبرر لأكثر من خمس سنوات خلف آثارا سلبية محققة على مناخ وعلاقات العمل الصحفية.. فقد أزكى روح الصراع والتمييز والشللية من جهة، وأطفأ جذوة الانتماء والإبداع والاجتهاد من جهة أخرى، وفى الحالتين كانت المحصلة مزيدا من فقدان الصحافة المصرية لمصداقيتها وتأثيرها داخليا وخارجيا.
رابعا: إن استمرار غياب الدولة المالك الاسمى للصحف القومية، وانعدام المتابعة والتقويم والرقابة على أداء هذه المؤسسات من جانب مجلس الشورى القيّم على حقوق الملكية والمجلس الأعلى للصحافة القائم على شئون الصحافة خلال الفترة الماضية خلق أوضاعا زادت فيها المخاطر المحتملة من جراء التصاعد الجنونى فى حجم مديونية هذه المؤسسات والعجز المستمر فى ميزانيتها والتراجع المطرد فى أرقام توزيع إصداراتها الصحفية، وتتجلى مظاهر الخطر على مصير هذه المؤسسات ومستقبل عشرات الآلاف من العاملين فيها من الصحفيين والعمال والإداريين والفنيين فى فشل بعضها فى تدبير مرتبات العاملين لديها، وتآكل أصول البعض الآخر، وامتناع معظمها عن الوفاء بحقوق الدولة ومستحقات التأمينات الاجتماعية وصندوق معاشات نقابة الصحفيين.

خامسا: أن غضّ البصر عن هذه الأوضاع لم يعد ممكنا، فالأمر لا يتعلق فقط بمال عام تستودعه الدولة لمصلحة المجتمع بكل فئاته وتياراته، وإنما أيضا بدور هام ومفتقد للصحافة المصرية فى أن تكون قاطرة حقيقية للإصلاح الديمقراطى المطلوب وأن تحمل رسالة التنوير والحريات إلى كل أرجاء العالم العربى، ومع تقديرنا للحاجة الماسة لإعادة النظر فى صيغة المؤسسات الصحفية القومية وضرورة تطويرها،   نطمح لمناقشته معكم مع المؤسسات المعنية فى أقرب وقت ممكن، فإن ذلك لا ينبغى أن يعطل المهمة العاجلة بتصحيح الأوضاع داخل هذه المؤسسات.

وختاما.. فإن جموع الصحفيين التى تذكر للسيد رئيس الجمهورية كلماته الطيبة فى افتتاح أعمال المؤتمر العام الرابع للصحفيين وقراره التاريخى بإلغاء الحبس فى قضايا النشر ، الذى يعد علامة على طريق الإصلاح المؤسسى لأوضاع الصحف القومية التى تمثل القطاع الأوسع من صحافتنا المصرية، والأمانة الدائمة المكلفة بمتابعة مقررات المؤتمر يحدوها الأمل فى أن تكون هذه الوقفة، وهذا القرار تعزيزا للشرعية واحتراما للقانون وخطوة للأمام فى مسيرة الإصلاح السياسى  والديمقراطى المنشود. "

نقيب الصحفيين
جــلال عــــارف

***

عندما تلقى صفوت الشريف هذه الرسالة من نقيب الصحفيين وضع أصلها فى ظرف مغلق وأرسله إلى رئاسة الجمهورية .


نقيب رؤساء التحرير :

وبانتخاب الأستاذ مكرم محمد أحمد نقيباً للصحفيين ؛ نام مشروع التمغة الصحفية فى أدراج مجلس الوزراء ؛ وأُجهض مشروع لائحة الأجور التى تمت صياغتها  بطريقة علمية بمعرفة مختصين، وهذه اللائحة تتضمن حداً أدنى لأجور الصحفى عند تعيينه فى إحدى المؤسسات الصحفية.. وحداً أدنى للأجور له صفة الدوام.. مما يزيل الفوارق الرهيبة فى الأجور بين قلة تأخذ مبالغ خرافية والغالبية التى لا تأخذ أى شيء .
ووافقت الجمعية العمومية على المشروع ، وبدأ التفاوض مع المجلس الأعلى للصحافة، ومع المؤسسات الصحافية بشأنه،  لكن المؤسسات  تعللت بأنه ليس لديها تمويل كافٍ خاصة المؤسسات الصغيرة.. ولتيسير الأمر ، من جانب النقابة  قامت برفع مذكرة لرئيس الجمهورية تتضمن اقتراحاً بأن يقتصر تحصيل
الدولة لنسبة من ضريبة الإعلانات على 10% بدلاً من 15% وأن تخصص الـ 5% الأخرى لتمويل الأجور، وقد أحال الرئيس المذكرة للمجلس الأعلى للصحافة لمتابعة تنفيذ ما ورد فيها .
 وبدلاً من أن يكمل مكرم محمد أحمد ما بدأه جلال عارف اكتفى ببعض المسكنات متمثلة فى زيادة بدل التكنولوجيا ؛ وأصبح مشروع قانون تداول المعلومات مجرد سطر فى برنامجه الانتخابى .
وبدلاً من الإلتزام بمعايير الأداء النقابى وإعمال ميثاق الشرف الصحفى أُهدرت جهود النقابة، وأُريق ماء وجهها فى مساع لم تؤت ثمارها للصلح بين عادل  حمودة رئيس تحرير جريدة الفجر وشيخ الأزهر وبين عبده مغربى رئيس تحرير جريدة البلاغ والفنان نور الشريف وبين وائل الإبراشى رئيس تحرير جريدة صوت الأمة ود. يوسف بطرس غالى .  بل زاد على ذلك بكتابة مقال بجريدة الأهرام فى 27 – 9 - 2010  بعنوان «إنصاف الوزير يوسف ! » ضمّنه نصاً وبالحرف الواحد:
« أعرف أن الدكتور يوسف بطرس غالى رجل موسر أباً عن جد ؛ كان بوسعه أن يدفع فاتورة علاجه بدعوى أن العلاج على نفقة الدولة ينبغى أن يكون وقفاً على من لايملكون القدرة على علاج أنفسهم، ولكنى لا أعتقد أن هذا هو التصرف العادل والصحيح إزاء مسئول مصرى أحسن خدمة وطنه ».
وهو مقال ينطوى على شبهة خرق للقواعد المهنية الصارمة فى العمل الصحفى فى  ثلاث نقاط :
1 - أن الأستاذ النقيب عندما قبل أن يقوم بالوساطة الشخصية بين الوزير والصحفى أوجد لنفسه مصلحة بما لا يجوز معه الكتابة عن الوزير لمخالفته لأبسط قواعد التحرير الصحفى وهى : « ألا يكون دافع كتابة مقال معين مصلحة شخصية أو سعى الكاتب للحصول على منفعة ذاتية له أو لبعض معارفه » .

- ( د. فاروق أبوزيد ود . ليلى عبد المجيد -  فن التحرير الصحفى  ص 230 -  مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح – 2000 )

2 -  أن الأستاذ النقيب أغفل مبدأ مهما وهو أن العلاج فى الخارج من مال الشعب يجب أن يتوقف على عدم توافره فى الداخل، وليس على صفة الشخص أو مكانته .

3- أن المقال غاب عنه ظل العدالة الاجتماعية ويدفعنا للتساؤل : ألم يحسن الكثير من البسطاء الشرفاء خدمة وطنهم ؟! أم أن حُسن خدمة الوطن مقصور على المسئولين فقط ؟!

***

كما انصرف النقيب إلى الإغراق  فى مشاحنات مع أعضاء المجلس  بوصفه جمال عبد الرحيم بـ « البلطجى » ولمحمد عبد القدوس بـ «عبيط القرية» . بأسلوب جمع بين الإهانة ومحاولة التجميد، فقد طلب مكرم فى ( 16- 4 – 2008 ) وقف جمال عبد الرحيم بعد مشاحنة بينهما بسبب إقامة مؤتمر منظمة «مصريون ضد التمييز الدينى»  واستضافة البهائية على أنها ديانة؛ لكن أعضاء المجلس اعترضوا على طلب مكرم بسبب موقف مشابه قام به محمد خراجة من قبل، ولم يتم اتخاذ أى إجراء ضده !! عندما خالف التقاليد النقابية وقانون النقابة وفرض بإرادته المنفردة أمرا واقعا فى موضوع متعلق بتوزيع  ( أرض وضع يد ) ابتداء من الترويج للموضوع ومرورا بكافة الإجراءات التى تم فيها توظيف الصفة النقابية، وانتهاء بتعليق ملصق إعلانى حول الموضوع فى النقابة وكل المؤسسات رغم اعتراض عدد من أعضاء المجلس ، لأن الأمر برمته ليس للمجلس أى دراية به ولم يُعرض عليه ولم يتم إبلاغه بتفاصيله !!! وأصبح المجلس وهو الجهة الوحيدة المنوط بها اتخاذ القرارات  يُحاط بها بالمصادفة أو من خلال بعض التصريحات الصحفية.
مما دفع يحيى قلاش إلى تقديم استقالته المسببة من المجلس فى  12 – 2  - 2008.  
وبعد رفض المجلس «التحقيق» القانونى، واكتفى بلجنة قال إن مهمتها «التحقق» وليس التحقيق!!  ثم رأى (وبعد عام كامل!!) أن ما ثبت من حصول البعض على أراضٍ للزراعة باسم النقابة، والإعلان عنها عن طريق النقابة، وتلقى الطلبات والمضى فى إجراءات التخصيص من جانب جهاز النقابة، دون علم مجلس النقابة وبغير المعايير النقابية التى تحقق العدالة والمساواة بين الزملاء.. كل هذا لا يمثل فى رأى المجلس إلا «مخالفة إدارية» لا ترقى لتحويل مرتكبها إلى لجنة التأديب، بل إن المجلس رأى أن الخطأ هو خطأ الصحفيين وليس عضو المجلس الذى استغل موقعه.
الجديد فى الأمر أن المجلس بدلاً من أن يلفت نظر عضو المجلس ؛  أحدث بدعة بلفت نظر الصحفيين بعدم إشراك الجهاز الإدارى للنقابة فى الإعلان عن مشروعات قبل عرضها على المجلس وموافقته عليها .


مشاحنات مكرم :

وبلغت المشاحنات ذروتها عندما أعلن مكرم لأعضاء من الجمعية العمومية  : «أيوه  ؛ أنا نقيب رؤساء التحرير» عندما  طالبوه بحل نقابى لمشكلة الزميل سراج  وصفى ، والذى أدانه مكرم فى خطاب محرر على مطبوعات النقابة فى سابقة هى الأولى والأخطر من نوعها ؛ حيث كتب مكرم مخاطباً عبد الله كمال رئيس تحرير روز اليوسف :
«لقد أبلغنى الزميل سراج أن عريضة الشكوى التى قدمها للنقابة تحوى كثيرا من الوقائع غير الدقيقة، كما تحتوى على وقائع أخرى لم تسمح له الظروف بالتحقق من صحتها، وقد أفهمت الزميل أن هذه الشهادة تعنى بالنسبة لى أن العريضة غير قائمة ولا وجود لها ».
***
فى الوقت ذاته أكد سراج وصفى أن ما جاء بخطاب النقيب عارٍ من الصحة ومختلق تماماً!!

هتافات ضــــد النقيب :

فشل اجتماع عقده مجلس نقابة الصحفيين مساء 23 -6 -2010  بعد انسحاب النقيب مكرم محمد أحمد بعد نصف ساعة من بدء الاجتماع اعتراضا على هتافات عدد من الصحفيين ضده أمام قاعة الاجتماع، مرددين هتافات منها:

-  " حال الصحفى يا ناس مايل ونقيبنا مقضيها جمايل ".
- " يا نقيبنا صباح الخير واجه رؤساء التحرير "   .
- " إحنا أهو هنشد حيلنا.. النقيب ده مش بيمثلنا ، يا نقيب الصحفيين .. أنت بتعمل لحساب مين "

وتسبب انسحاب النقيب فى عدم اتخاذ أى قرار رسمى من مجلس النقابة ، وهو ما دفع ستة من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين إلى التقدم  بمذكرة إلى مكرم يطلبون عقد اجتماع طارئ لمجلس النقابة لبحث الوسائل الكفيلة بإنقاذ سمعة المجلس وتفعيل قراراته وإعادة اللُحمة إليه واحترام القانون والمبادئ والأعراف النقابية طبقا لنص المذكرة، والموقعون على المذكرة وهم صلاح عبدالمقصود وجمال فهمى ومحمد عبدالقدوس وعبير سعدى وجمال عبدالرحيم وياسر رزق الذين أكدوا أن ما حدث فى اجتماع المجلس الأخير يؤكد ويقوى الانطباع الذى يستفحل ويستشرى باطراد فى أوساط الصحفيين بأن النقابة لم تعد ملاذاً للصحفى، ولا الحصن الذى يتحصن به ويحتمى فى مواجهة قوة عسف الإدارة، بل ربما العكس وأصبحت النقابة الساحة الخلفية الملحقة بنادى رؤساء مجالس إدارات ورؤساء التحرير.
كما أصدر الموقعون بيانا  بذلك إلى الجمعية العمومية .

السلطة الرابعة
مجـرد  وهـــم :

 النقابة لم تعد مظلة حماية  ؛ و « السلطة الرابعة  » مجرد وهم أتت به التعديلات الدستورية فى مايو1980، والتى نظرت للصحافة باعتبارها سلطة ، وأضافت فصلا مستقلا فى الدستور تحت عنوان «سلطة الصحافة« ، تضمن ست مواد (المادة 206 – المادة 211 ) .
إلا أن الدستور والقوانين المكملة له لم تذكر شيئاً عن مقومات هذه السلطة ولا اختصاصات القائمين عليها، ولم ترتب أى حقوق أو حصانة للعاملين بها لأداء عملهم شأن السلطات  ( التشريعية – القضائية – التنفيذية ) والتى نص عليها القانون صراحة بشأن الحصانة


-  (روز اليوسف اليومية  -  بعنوان «  نقيب الصحفيين يشكر رئيس التحرير ؛ شكوى الزميل سراج تضمنت وقائع غير حقيقية واعتبرها لا وجود لها  » - عدد  1460 - 13ابريل 2010 )

البرلمانية للنواب والحصانة القضائية لأعضاء الهيئة القضائية وتجريم التعدى على الموظف العام .

وهو ما جعل من نص المادة 206 من الدستور « الصحافة سلطة شعبية على الوجه المبين بالدستور والقانون » مجرد طلسم  يستلزم فك رموزه ؛
.. كيف تكون الصحافة سلطة شعبية؟ !
.. وكيف تتم محاكمة صحفيين بسبب ما يكتبونه ؟!!
بما يطرح علامات استفهام كبيرة عن السبب الحقيقى  !!
.. ويجعل المطالبة بضرورة تنفيذ الوعد الرئاسى بإلغاء التشريعات التى تجيز الحبس فى قضايا النشر مطلباً ملحاً لمواجهة من أسماهم نقيب النقباء كامل زهيرى بـ « العقوبيين ».

***

ورغم أن الدستور  فى مادته 210 كفل للصحفيين حق الحصول على المعلومات ؛ إلا أن قانون تداول المعلومات  وإلغاء القيود التى  تعوق حرية تدفقها ، مع عدم الإخلال بمقتضيات الدفاع والأمن القومى، وعدم التمييز فى الحصول على المعلومات بين مختلف الصحف، وإقرار آلية قانونية للتجريم والمحاسبة على حجب المعلومات عن الصحفى من جانب أى جهة حكومية أو عامة .

.. إلا أن القانون لم يصدر رغم الوعود المتعددة بسرعة الإصدار ، بما أعطى الحق لأصغر موظف فى الحكومة فى أن يحجب المعلومة عن الصحفى أو تضليله دون أدنى مسئولية أو تعرض لعقاب .

وهو ما حدث فى القضية المعروفة إعلامياً ( قضية مقتل هبة ونادين ) عندما دسّ أحد المحققين على الصحفيين أخبارا عارية من الصحة أساءت إلى  سمعة الفتاتين وأسرتيهما فى عبث واضح بصحافة الوطن ؛ بينما البحث الجنائى يسير فى اتجاه آخر لكشف سر القضية  بعدما استشعرت أجهزة البحث الحرج من بطء الوصول إلى الجانى خاصة أن مثيلتها فى بلد شقيق قدمت إلى النيابة فى مصر أوراق قضية أشد تعقيداً وفى وقت قياسى ؛ مما أوقع 42 من محررى أبواب الجريمة تحت طائلة القانون ، وحدا بنقابة الصحفيين لإصدار بيان اعتذار تم تعميم نشره بجميع الصحف .

وهو ما حدث أيضا فى القضية المعروفة إعلاميا بقضية ( شذوذ الفنانين ) ؛ حيث ادعى عبده المغربى رئيس تحرير البلاغ أن الخبر دسَّ عليه من أحد ضباط شرطة الآداب  فى أحد الفنادق ؛ وهو ما لم تأخذ به المحكمة التى قضت بسجنه لمدة سنة .
وهو ما جعل الصحفيون يرددون المقولة التراثية الفكاهية :  « إن الدولة جعلتنا سلطة بالدستور ؛ وحبستنا بالقانون »!!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق