الاثنين، يناير 18، 2016

ياسر بكر يكتب : الثقافة .. ومقومات بناء القوة !!


ياسر بكر يكتب : الثقافة .. ومقومات بناء القوة !!


.. لا أعرف لماذا تتداعى الذكريات على القلب الواهن الآن ؟! .. ذكريات سذاجة قروية حملت سمت " الخرافة " لم يكن لي ذنب أو جريرة في اقترافها سوى أنني نشأت هناك في جنوب الدلتا في بؤرة مثلث الضعف الإنساني ( اليتم ـ الفقر ـ القرية ) .. وأضافت سمات الجنوب لمظاهر الضعف الإنساني الثلاثة قيمه الأخرى المتحصنة بمخلفات "الطبقة العازلة" المترسبة في قاع الجنوب من إبداع "شر البقر" من أشباة المتعلمين من أصحاب "الياقات المتسخة " وخبث القرويين الذين بقوا على مذاود التخلف إلى يومنا هذا يضيفون إليه ولا ينقصون .. يتمترسون خلفه مدافعين ولا يبارحونه .. وإن ارتآى بعضهم تغييراً فهو لا يزيد عن كونه "تحديثاً للتخلف" !! 
تتداعى الذكريات.. ربما لحالة العبث القائم في أمور الثقافة في مصر على يد "الوزير فسفس" و الدكتور طرطور والقعيد والكسيح والكفيف والنطيح والموقوذ والمتردي وما أكل السبع!! ولكون كل تغيير يبدأ بتغيير "الحقول العقلية" أو تغييب عقل أو " تسمم الفكر " .. وفي كل الأحوال لا بأس من البوح فكما يقول نجيب سرور في " لزومياته ":
" ماذا يضيرك أن تقول ، ألق ما في القلب حتى للحجر، .. أو ليس أحفظ للنقوش من البشر؟! " .
ولم تبعد بنا المسافات كثيراً في آداب القاهرة حيث كان التية متعدد الاتجاهات، وكان كل شيئ موظفاً ومقيداً فدائما ما تكون أقسام اللغات الأجنبية أوكاراً لانتقاء العناصر الناقلة للعدوى ( تم تجنيد هبة سليم أخطر جاسوسة في تاريخ مصر في دهاليز قسم اللغة الفرنسية )، وفرض ثقافة الهيمنة وهي ثقافة لا تقبل الاختلاف وتسعى إلي تسفية الثقافات القومية أو على الأقل كبتها، .. وكان الانبهار بمن أسموا أنفسهم بالكبار في "نادي نخبة النخبة" من أصحاب "الياقات البيضاء " أحد أهم عناصر "اللعبة "، خلط الكبار معايير التمييز وأبعاد المسافات بإدخالنا إلى " لعبة المرايا الخادعة " أو ما يسمى بوهم " النظريات " وعندما أقول وهم فأنا أتحدث عن البدايات اللا منطقية في الفكر الغربي وما تناقله " الكبار " في ثقافة ما بعد الكلونيالية وأسموه ـ زورا ـ ما بعد الحداثة؛ بوضعنا أمام مرايا متوازية  بما تحمله بما يحدث بينهما من صور لا نهائية مضللة من متاهة خداعة ووهمية، فإذا ما اصبحنا أشبة بـ " الفرخة الدايخة " نقلونا إلي مرحلة المرايا المقعرة لنشعر بحالة الانسحاق جعلتنا نكره ذواتنا ووصل السفة مداه بطلب العون من الأعداء، نجح الكبار في غرس القيم البديلة وتحقق وهم الإدراك!! .. كان المستهدف بالتفكيك دون إفصاح هو "النص القرآني" والحديث النبوي .. ثم كانت المرحلة الأخيرة أمام المرايا المحدبة لتشعرنا بتعاظم الذات وضخامة الصورة ليبدأ الخلط  بين خط الفكر وخط الحركة في أهم صورة وهو الاستعلاء على الثقافة الوطنية .. وكان الاختيار بين أن تصبح مثقفاً كلاسيكياً تمزق كل عرى الصلات بمجتمعك ؟!؛ وأنك أقرب إلى " ثقافة الآخر" ومراميها فتفتح لك أبواب الرعاية والدفع إلى الصدارة في واجهة المشهد .. أم تصبح جزء عضويا فيه ؟! لتصبح عملة بائرة في سوق العمل، .. وكانت قسوة التجربة، .. فالخروج من التية أصبح بمثابة الخروج من " ثقب إبرة " .. وأصبحت القضية لقمة عيش تحت الحصار أو الموت جوعاً في مدينة بلا قلب، .. وكان علي أن أبدأ من جديد!!
في قسم الدراسات الحرة بالجامعة الأمريكية لم يضيعوا الوقت قالوا لنا صراحة ما معناه أن النموذج الأمريكي هو النموذج الأمثل في التطور البشري .. وأن البشر خارج النموذج على ـ حد زعم أحداهم ـ إضافات  كمية إلى العبث في ظل نظام لا بقاء فيه إلا للأقوياء !! .. كانوا يطلقون على السكان الأصليين لأمريكا لقب : " عرب أمريكا أو مسلموا أمريكا " ولم تكن التسمية سوى إمعانا في الاحتقار لنا .. نحن إذن النسخة الأصلية للحقراء . . وكانت مكافأة الإعلان عن حقارتنا ورغبتنا في التطهر منها والتوبة عنها بعثة إلى بلاد العم سام لاستكمال عمليات غسيل الدماغ والعودة بوجه آخر .
كان هذا ملخص تجربة إعادة تشكيل الواقع عبر "غسيل الأدمغة" مقدمة للدخول إلى كيفية إدارة أزماتنا في كل شيئ ـ محلياً و  دوليا ـ فقد عرفنا كيف تعامل معنا أهلنا ممن أتمنتم الدولة علينا سواء كانو من أصحاب " الياقات المتسخة " أو أصحاب "الياقات البيضاء "؟!  .. وكيف تعامل معنا الآخر ؟!!.. وكيف كان الجميع بلا شرف ولا أقول بلا ضمير.. وفي النظام الدولي لا يفرق الأمر كثيراً !! فخط الحركة شيئ، وخط الفعل شيئ أخر !! خط الحركة قد يتحدث عن حقوق تاريخية أو قانونية أو إنسانيها، وكلها لا تحمل أيه قيمة أو معنى!! فالواقع على الأرض هو الذي يحدد قيم الأشياء ومعانيها.. فالقوى التى تمسك بخيوط اللعبة تدير  الأزمات ولا تحلها مطلقا ً.. بمعني أنها تضع الأزمة على "طاولة الغيلان " مثل التورتة ليأخذ كل طرف منها قطعته بما يتناسب مع نصيبه من القوة !!.. قد يستدعي الأمر صياغة قرار لا يحمل مضمونا مثل القرار 242 بشأن الحق العربي في الأراضي المحتلة بعد هزيمة يونيو 67 والذي لا يحمل سوى عبقرية الصياغة والخداع اللغوى ـ على طريقة بمب العيد وصواريخ شم النسيم ـ  يعني حاجة نفرح بها العربي القبيح الذي أدمن الفرح بالخرز الملون؛ .. ولا بأس من إيهامه أنه حقق انتصاراً وحصل على شيئ ما ذا قيمة، ولم يخرج من " الملعبة " أو من المولد بلا حمص !!
.. وفي مجلة " المصور " تعاملت مع تصورات كثيرة في مخطوطات كتب الكثير منها لقارئ واحد هو شخص رئيس الجمهورية.. والبعض الآخر للعوام لإنتاج وعي زائف وخلق أراء لا تتفق مع الواقع الاجتماعي القائم .. وكان دوري أن أعطيها نبضاً من جهد قلبي الواهن يضخ فيها حياة تحيلها من مخطوطة إلي مطبوعة تحمل الكثير من عوامل الجاذبية والإبهار وعناصر الإبراز لتنتقل إلى أيدي الآلاف من القراء .. كان من بينها مخطوطات الزميل الأستاذ صالح مرسي ( يرحمة الله ) بعنوان : " من ملفات المخابرات المصرية العامة "، كان صالح مرسي بنرجسيته المعهودة لا يكف عن التأكيد أنه صانع الصورة الذهنية لملاحم البطولات، وكان غالبا ما يأتي صوته إليّ متسائلاً .. قرأت ، إيه رأيك ؟! وكان رأيي دائما: " أنه لا بأس من بعض أدب الكذب الجميل ؟! " .. فكثيراً من رواياته تحمل في بنائها خللاً يهدد بنسف سياق الحدث تماما ويمحو مصداقيته !! كان صالح مرسي يغتاظ ويحاول إغظاتي بتقليد نبرات صوتي بصوت أجش يحمل أداء صبيانيا تعودت عليه عندما ابتليت بعداءات الصغار في دار الهلال في "سنوات فساد الهواء والذمم" في أروقتها !!
كانت التجربة قد علمتني ألا أتوقف كثيراً أمام عوارض الأمور وممارسات الغلمان وعساكر المراسلة في الصحافة.. لكن كان السؤال دائماً يسكن داخلي ويصرخ في دهاليز العقل: إذا كنا نملك هذا المنهج العلمي في التناول، وهذا الانضباط السلوكي في الأداء ؛ فلما لا يستطيع المواطن المصري ركوب الأتوبيس حتى الآن؟!
كانت الكتابات تمثل الحلم والأمنية، وتسهم في حالة من التعويض النفسي .. وتعلي الفخار الوطني المتوارث في الأغاني من نوعية "وزعيمك خلاكي زعيمة في طريق الخير والعمران " .. بينما كان لرجال المصاعب الحقيقية رأي آخر ففي لقاء أمين هويدي رئيس المخابرات الأسبق مع مجلة "المصور" حكى الرجل حكاية " الحفار  Kentining 10" أو "العملية الحاج " عبر التفاصيل الدقيقة والرقيقة في التعامل مع الخطر؛ فمصر تعيش أجواء الهزيمة .. وإسرائيل ماضية في جموحها إلى نهاية الشوط لاستخراج البترول المصري من خليج السويس، .. والجنرالات في إسرائيل أصبحوا نجوم المجتمع الإسرائيلي وأصحاب الكلمة العليا فيه بحيث أصبح كافيا لإنجاح مناسبة ما أن يتم الإعلان عن حضور أحد الجنرالات لها !!.. وزاد من صعوبة العملية أن الحفار الذي استئجرته إسرائيل للمهمة صناعة شركة إنجليزية والشركة المالكة بلجيكية والقاطرة التي تسحبه إلى موقع هولندية، معني تدميره في خليج السويس .. يهدد بنشوب حرب عالمية في المنطقة أو أن تقوم إسرائيل بتدمير آبار بترول بلاعيم !! .. فالأهداف كلها على رقعة الشطرنج؛ كان ثمن تدمير ميناء إيلات قصف معامل تكرير البترول في السويس، لذا كان الحل ذكيا وهادئاً .. وفي مكانه البعيد، ولا يحمل بصمات أصحابه .. ودون إعلان أو حماقة .
في قضية " سد النهضة " كانت الحماقة سيدة الموقف في اجتماع مذاع على الهواء عبر الفضائيات.. فماذا نحن فاعلون الآن؟! .. التمويل صينى ـ عربي ـ إسرائيلي .. والمعدات فرنسية .. والمنشأت إيطالية .. وشركة تسويق الكهرباء إسرائيلية .. يعني دول وحكومات وشركات متعددة الجنسيات وأجهزة مخابرات وعصابات مافيا !!
الأهداف الأثيوبية .. ومثيلاتها المصرية على "رقعة الشطرنج " فنحن نعيش في عالم من زجاج .. وقد انتهى عصر القوة والرطانات اللغوية وأشعار العنتريات !!، ولا بد أن يفيق وينهض الساقطون من ثقوب الوعي للبحث عن المقومات الحقيقية للوجود بعيداً عن توهمات "العائمون على وش الفتة " من أشباة المتعلمين ومثقفي المقاهي، الذين يخاطب بعضهم بعضاً ويتحالف أكثرهم مع السلطة الحاكمة طامعين في إنعاماتها تاركين الثقافة الشعبية تحت رحمة الثقافة المهيمنة تفعل بها ما تشاء وتغرس فيها قيم التسمم السياسي الجديدة لتعيد تشكيل الوعي .. تحت شعار : " إن خرب بيت إبوك .............. " .
فالثقافة أهم مصادر " صناعة القوة ".. هُزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية لكنها لم تفقد مقومات ثقافتها، ولم تستجب لثقافة المنتصر الأمريكي؛ فكان المواطن الياباني يطلق علي الثقافة الوافدة " ثقافة القيم الفاسدة " ؛ فكان بعث المارد الياباني، الذي يقايض المصانع بالجامعات والمعلومات بتطبيقاتها .. روي تشرشل أنه زار برلين بعد الهزيمة ووقف في أحد الميادين الخالية ولم يكن فيها مبنى واحد لم يلحقه الدمار ولم يكن بالميدان سوى راجل مسن في ثياب رثة مهللة يرتعد من البرد والجوع .. نظر الرجل إلي تشرشل باحتقار قائلاً : "لقد خسرنا الحرب، لكننا لم نخسر أخلاقنا ولا ثقافتنا!!"، وأصبحت الصين ثاني دوله عظمي بالتمسك بثقافتها، ولم تكن واقعة ميدان التاينامين 1989 سوي رسالة للأمريكان وعملائهم رغم التكاليف البشرية الباهظة، وبعد مناوشات قادتها حملة علاقات عامة في الإعلام ضد الصين أُجبرت أمريكا على الصمت وإمساك العصا من الوسط بتحفظ بحيث " لا يموت الذئب، ولا تفنى الغنم " .. ودحرت فيتنام الأمريكان بثقافتها التي تعد من أهم أسس التربية السياسية لشعب أدمن الزهد والتقشف والتحكم الذهني بالألم للحفاظ على الكرامة الوطنية .
.. في مصر الذئب نائم في سرير الجدة .. والغنم مهددة بالفناء .. ولم نعد نسمع سوى ثُغاء !!

الأحد، يناير 03، 2016

ياسر بكر يكتب : .. مذكرات شمس بدران !!



ياسر بكر يكتب : .. مذكرات شمس بدران !!

حضرات السادة كتبة المذكرات والمتاجرين بها، من فضلكم .. دقيقة سكوت لله !! ..؛ فقد شاءت إرادة الله التي حملتني على أعتاب تاريخي أن أهتم بما يحاك للمواطن العربي بليل عبر أساليب التلاعب بوعيه من خلال الغوغائية الثقافية المتفشية والتي تستهدفه ليل نهار .. وقد شاءت إرادة الله أن تحمل أرفف المكتبة العربية عنوانين يحملان اسمي هما " صناعة الكذب ـ حرب المعلومات " من ضمن 6 مؤلفات لي في مجال الميديا ووسائطها وتطبيقاتها .
.. ولكوني مهتما بعمليات التلاعب وما تقوم عليه من عمليات تزييف التاريخ عبر الترويج لقصص ما وارء القصص،  أو القصص من داخل القصص بغرض تسمم القيم وانفضاض الضمير واستلاب الهوية فكان من الطبيعي أن أهتم بالمصادر الأولية للمعلومات التي تعد البروفة الأولية المنطبعة للتاريخ وأن أتحري الوثائق التاريخية سواء الوثائق المنحازة أو غير المنحازة أو الوثائق المعدة لغرض ما؛ فالوثائق هي "صوت السلطة" منذ أن عرفت الإنسانية نشأة الدولة ومنذ اختراع الكتابة في سالف العصور !!
.. وقد اهتممت بتسجيل الشهادات الحية وكانت تلك الشهادات أشبة ببصمات الأصابع قد تحمل في بعض خطوطها تشابهاً لكنها لا تتطابق أبداً؛ فهناك أسباب كثيرة للإختلاف أهمها موقع الرؤية ومنظورها واتساع زاويتها .. فضلاً عن هوى النفس .
وكان الاهتمام بالمذكرات السياسية باعتبارها شهادات أصحابها لكني لم أًدخلها في تصنيف الوثائق أبداً فهي مجرد شهادات لا تمثل إلا وجة نظر أصحابها ، وتحتمل الصدق وتحتمل الكذب لذاته .
قضيت الكثير من سنوات العمر بين صفحات تلك المذكرات من أول مذكرات عرابي : " كشف الأسرار في النهضة المصرية المشهورة بالثورة العرابية " لأجدها في أغلب حوادثها من شطحات خياله وأن الحقيقة أنه سلم مصر مقابل حصة من سندات آل روتشيلد، وذهب ليسلم سيفه إلى القائد الانجليزي جنرال لو الذي نظر إليه باحتقار وأشار بطرف حذائه إلى عسكري المرسلة ليأخذ منه السيف ويقبض عليه!!.. ، وقد ظلت تلك الترهات مهملة إلى أن جاء ضابط انقلاب يوليو 1952 ليبعثوا فيها الحياة ليوعوزا من طرف خفي للرأي العام المنادي برجوعهم لثكناتهم أن ما آتوه ليس بدعاً .. وإن الجيش كان ضالعاً في الحياة السياسية، .. وانتهاء بمذكرات السيدة تحية كاظم زوجة الرئيس عبد الناصر؛ لأكتشف أن الأرضية المشتركة لتلك المذكرات هو غسيل السمعة والتنصل من جرائم في حق البلاد والعباد وادعاء البطولات لإشباع حالة البرانويا لدي بعض المهوسين بها ، كما أن بعضها بمثابة " مرافعات سابقة التجهيز " أمام محكمة التاريخ، لكن أهم هذه المذكرات وأخطرها هو الذي يحتوي على "تمرير رسائل" ذات مغزى إلى الجماهير للدفع بها في اتجاه إختيارات محددة !!
تحت هذا النوع الأخير تصنف مذكرات : " العقيد شمس بدران "، الذي تسبب مع آخرين في هزيمة يونيو 67 ولم يرتعش له جفن بل راح يمزح قائلاً لعبد اللطيف البغدادي ـ حسب روايته ـ ده إحنا اتخمينا حتة دين خمة!! .. ما لكم قعدين كده ليه؟!.. أنتم في عزاء، أجيب لكم قهوة سادة !!
كان العقيد شمس بدران يعيش نشوة اللحظة التي اقترب فيها من كرسي الرئاسة بعد أن أمضي ليلتي 7 و8 يونيو حاكماً فعليا لمصر بعد اتفاق تم بين عبد الناصر وعامر على أن يعلن عبد الناصر في خطاب التنحي ـ تنحيه هو والمشير عامر ـ وإسناد الأمر إلى العقيد شمس بدران .. وأن لحظات الصعود إلي مكتب رئيس الجمهورية قد باتت وشيكة، فليس بين الحاكم الجديد، واللحظة السعيدة سوى جثة وطن أثخنته جراح الهزائم !!
غير ان الذي لم يفهمه العقيد شمس بدران شمس أن قنوات سرية كانت تحمل رغبات إسرائيلية لم تكن تريد التفريط في عبد الناصر .. يقول علوي حافظ في كتابه بعنوان : " مهمتي السرية بين عبد الناصر وأمريكا" :
( وبلهفة قرات البرقية .. من مستر صديقي .. وحللت الشفرة .. الرئيس جونسون يرجوك أن تبلغ عبد الناصرألا يتنحي . الموضوع يعاد بحثه بواسطة الأصدقاء هنا .. إنتظر برقية أخرى ).
وفي اليوم التالي تلقيت برقية أخرى تؤكد نفس المعنى .
كان بقاء عبد الناصر مطلبا إسرائيلياً؛ فقد كان ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل يزور البيت الأبيض وقد سأله الرئيس جونسون :" أيهما تفضل أن يتم التفاهم مع وجود ناصر،  أو أن يتم بلا ناصر ؟!"
فقال أشكول : " مع وجود ناصر .. لأن النتائج ستكون أكثر ضمانا ، والمواقف ستصبح أكثر استقراراً " .
.. وأمتثل عبد الناصر لرغبة الأمريكان خوفاً من محاكمته، وقلب المائدة على الجميع وأعلن تنحيه ولم يذكر تنحي المشير وأعلن تنازله عن الحكم لزكريا محيي الدين، ولم يأت ذكر للعقيد بدران من قريب أو بعيد !! ليجد بدران نفسه بعد أيام نزيلاً في أحد السجون .
وخرج من السجن في ظروف شديدة الريبة ليسافر من مطار القاهرة عبر صلة كبار الزوار وبجواز سفر ديبلوماسي بعد أن تم إعداده ليشارك بدور قذر فيما كان يخطط له الرئيس السادات، والذي انتهي في كامب ديفيد.
في كتابه بعنوان : (عمر فى العاصفة.. سيرة ذاتية) للكاتب الأستاذ أحمد عباس صالح يقول :
"أن شمس بدران صارحه برغبته فى كتابة مذكراته، وبيعها لصحيفة إنجليزية تقوم بنشرها، ثم يتم نشر ترجمتها بعد ذلك فى جريدة عربية، ويضيف أحمد عباس صالح أنه أنبهر بالفكرة وفى ذهنه أن ظهور مذكرات لشخصية بالغة الأهمية فى عهد الرئيس عبد الناصر مثل شمس بدران ستحتوى على العديد من الأسرار والمعلومات الكاشفة لتاريخ مصر المعاصر، خاصة وأنه كان يعتقد أن أنصار المشير عامر قد قاموا بتهريب وثائق ذات شأن عن تاريخ وتفاصيل العلاقة بين الرئيس و المشير، وأن شمس بدران بالذات لعمق صلته بالمشير  عامر هو الذى يمتلك هذا الملف الخطير من وثائق تلك الحقبة.
يقول أحمد عباس صالح أنه سأل شمس بدران عن الوثائق التى يمتلكها ومذكرات المشير عامر التى بحوزته لكى يتم الاستعانة بهما فى كتابة مذكراته، وهنا فوجئ أن شمس بدران يصارحه أنه لا يمتلك أى وثائق ولا توجد مذكرات للمشير عامر معه ، ويشير له إلى رأسه ، ويقول: " المعلومات كلها فى رأسى"، وهنا يعبر أحمد عباس صالح عن دهشته وخيبة أمله وانعدام حماسه لكتابة مذكرات شمس بدران بعدما أدرك أنه لا توجد وثائق ولا مذكرات للمشير عبد الحكيم عامر مع شمس بدران" .
وفي سنة 2010 أوعزت إحدي الجهات لمؤسسة الأهرام بإنتاج مذكرات شمس بدران لأسباب سياسية رأت تغليفها بواجهة تجارية .. ولم تكذب الأهرام خبرا فتعاقدت مع مؤسسة " دار الخيال " التي يمتلكها زميلي وصديقي الأستاذ محمد الصباغ على إتمام العمل مقابل 2 مليون جنية، وبدأ الأستاذ الصباغ في تشكيل فريق العمل .. تم ارتأت الأهرام أنه يجب استكمال بعض الجوانب واستيضاح بعض النقاط وقد كان .. إلى أنهم لم يجدوا تحت قبة العقيد شمس بدران سوى فأراً ميتاً..، وساد الخرس.. ولم يعرف مسئولوا الأهرام كيفية الخروج من المأزق !!
الزميل الصباغ يطالب بنشر مصنفه .. والأهرام على لسان رئيسها السابق الزميل الأستاذ ممدوح الولى يقول : " أنت قبضت فلوسك ، النشر ده يخصنا " ، .. لتبدأ سلسلة من المماحاكات القضائية بين الأهرام والأستاذ الصباغ، وبين الزميل الأستاذ حمدي الحسيني، وللحقيقة أنا لم ألتق بالزميل الأستاذ حمدي الحسيني سوى عبر مكالمة هاتفية طلب مني فيها نسخة من روايتي بعنوان : " حنظلة .. صديقي رئيس التحرير " لأنه قرأ عنها ولم يتثنى له الحصول على نسخة لنفاذها من الأسواق، وأرسلت له نسخة ممهوره بإهداء وأتصل بي ليشكرني علي الرواية والإهداء .
إلى أن وجدت في المكتبات كتاب الزميل الأستاذ حمدي الحسيني بعنوان : " مذكرات شمس بدران .. أسرار الحياة الخاصة لـناصر وسعاد ـ السادات وهمت" .. وهنا أدركت لماذا يستخرجون مومياء العقيد بدران من مواخير التاريخ .. لا يزعم أحدنا أن عبد الناصر كان ملاكاً .. فهو بشر وهو الآن بين يدي الله .. والتاريخ الجنسى له يعرفه الكثيرون بداية من علاقات بالبنات اليهوديات في حارة خميس عدس بالخرنفش ، وأنتهاء بـالسيدة "سوسو"، و السيدة "شوشو "، وقد حكت لي الزميلة الأستاذة أماني فريد الصحفية بمجلة حواء ( يرحمها الله ) جانبا منها لكونها كانت مكلفة من مجلة الاثنين لتغطية أخبار مجلس قيادة الثورة.. أما ذمته المالية؛ فيكفي ما كتبه الأستاذ جلال الحمامصي وأثبتت صحته التحقيقات السرية التي أجراها المستشار مصطفي أبو زيد فهمي المدعي العام الاشتراكي، أما محاولة ترويج صورة عنه بأن أجهزة المخابرات في العالم كانت دائمة الرصد له فلم تسجل عليه نقيصة واحدة؛ فهي لعبة مخابراتية تجيدها المخابرات الأمريكية تحت ما يسمى بـ "أسطورة تأليه الحكام " عبر مايسمى في علوم الدعاية بـ " شهادة الأعداء "، وذلك ليس دعماً للشخص في ذاته بقدر ما هو ترويج لنموذج يمكن استنساخه لاحقا .
محاولات الأخوة الناصريين لإرهاب كل من يحاول الاقتراب من تضاريس النسيج البشري لعبد الناصر مجرد سفة .. وأيضا الادعاء بأن الشعب المصري سيضرب بالأحذية كل من يقترب من سيرة ناصر مجرد وهم مرضي من مرتزقة أجراء احترفوا حراسة الأوثان؛ فلم يطرح الأمر على الشعب المصري للإستفتاء ولم يعطي الشعب المصري توكيلاً للناصريين ليتحدثوا باسمه، وجر الناس في هذا التوقيت للتلاسن حول: هل كان عبد الناصر فاسقاً أم نصف نبي هو نوع من الإلهاء لصرف الانتباه عما هو أهم !!.
يا سادة نحن الآن أمام حالة من التشابك بين أجنحة متنازعة محكومة بالصراع على المصالح؛ حول مذكرات لم تتضح معالمها بطرحها علنية في صورتها النهائية.. ولم تتحدد بعد قيمتها العلمية والتاريخية .. ولم يعرف بعد المردود العائد على مؤسسة قومية دفعت 2 مليون جنية من أموال الشعب لتسجيلها ؛ .. لذا من منطلق الحرص الوطني على عدم المساس بحرمة التاريخ أقترح أن تضع كل الأطراف ما بحوذتها أمام مركز دراسة التاريخ بجامعة القاهرة لتبدأ عملها مع نهاية عام 2017 (أي بعد مرور 50 سنة علي الأحداث حسب القانون بما يسمح باستنطاق الوثائق التاريخية )، ويكون لمختصوه القول الفصل في القيمة العلمية والتاريخية لتلك المذكرات بعيداً عن تأليه حاكم أو رعونة مسئول أو شذوذ شخص مراوغ مثل العقيد بدران!!.. أم أنها مجرد "حكاوي قهاوي !!"