الأربعاء، ديسمبر 14، 2016

ياسر بكر يكتب : قليل من الفهم .. كثير من التعقل!!



ياسر بكر يكتب : قليل من الفهم .. كثير من التعقل!!



كلما وقع حادث إرهابي كان التفسير الجاهز والمعلب هو " إرهاب المسلمين" .. ولا يكلف النظام وإعلامه وخبرائه (لا مؤاخذة الاستراتيجيين)، وجهات التحقيق أنفسهم مشقة البحث؛ باعتبار أن كل جريمة لها ظروفها وملابساتها ودوافعها .. والتنميط واستباق التحقيقات قد يحمل في طياته شبهة الخطأ وطمس معالم الجريمة في تشويش متعمد يطال بضلاله بعض الأبرياء.. السلوك المعتاد منذ أيام اللواء زكي بدر (يرحمة الله) هو أن يمد كل المعنيين بالأمر يده إلى الرف المجاور ليستخرج "الأسطوانة المشروخة" لتبدأ في دورانها لبث رطانات لغوية وكليشهات إعلامية تم صكها بعناية عن "إرهاب المسلمين"، والقيم المنحرفة والتأويلات الخاطئة لبعض الأئمة، والتركيز على المستجد البدعة بـضرورة " تجديد الخطاب الديني " !!

.. وبعد ساعات قد تطول لأيام تفاجئنا الأخبار بالتصفية الجسدية لمن يزعم الأمن أنهم الإرهابيين الذين ارتكبوا الحادث، وأنهم قاوموا القوات لحظة القبض عليهم .. شاهدت في الثمانينيات تصفية لشاب يدعى القمري على بعد خطوات من نقابة الصحفيين، وقام رجال خالد الذكر السيئ اللواء زكي بدر ( يرحمه الله ) بوضع سلاح بجوار جثته وإقامه كردون حولها حتي تتم معاينة النيابة !! .. كانت الثقافة التي أشاعها اللواء بدر هي : إضرب في القلب .. إقتل ، هوا لسه هقبض .. وأقدم للمحاكمة .. والمحكمة تدين .. واسجن وأكل وأشرب أو تبرأ وأبدأ الدورة من جديد !! 

لا أنكر أن بعض شباب المسلمين قد وقع ضحية لأفكار خاطئة .. وأنهم سقطوا أسرى ممارسات آثمة .. لكن هذا لا ينفي دور الدولة مع بعض أجهزة الاستخبارات العالمية في صناعة التطرف باعتباره الشريك المريح للطغيان، وتنفيذ المخططات الصهيو ـ أمريكية في المنطقة .. ولا زالت تجربة الرئيس السادات (يرحمه الله) في صناعة الجماعات الإسلامية ماثلة في الأذهان .. تلك الجماعات التي تم اختراقها لتقوم بقتله  بعد أن أفشى سرها ودورها في أفغانستان لحساب الأمريكان!! .. وكيف كان يتم تسفير كوادرها بعلم النظام والأجهزة الأمنية عن طريق مؤسسة بن لادن بالقاهرة باعتبارهم عمالة مصرية في طريقها إلى السعودية لكسب لقمة العيش، ومنظمة الإغاثة الإنسانية، ولم تكن السعودية سوى محطة تجميع وتدريب!! .. هكذا رمت الدولة بشبابها إلى الجحيم من أجل عيون الصديق الأمريكي؛ فلما افتتضح أمرها تصيدت العائدين منهم ضمن مخطط لـ "تصفية الشهود"، وقدمتهم للمحاكمة في تنظيم أُطلق عليه اسم: "العائدون من أفغانستان".

نثرت الدولة بذور العنف وجنت شوكه!!

.. وأيضا لا تخفى على المتابع وقائع "العشرية السوداء" في الجزائر، والتي فضحها الملازم ثان حبيب سويدية في كتابه بعنوان : "الحرب القذرة" والذي تم إخضاع المعلومات الواردة فيه للفحص من قبل قضاة ومحامون دوليون وضباط مخابرات وإعلاميون ومؤرخون .. وقد ثبت أن ما قال به، جاء متوافقا مع الواقع .
فضح الضابط حبيب سويدية الجرائم التي تم ارتكابها بمعرفة ضباط منحرفيين في الجيش والشرطة الجزائرية وتم إلصاقها بالإسلاميين لإقصاء الإسلاميين عن المشاركة في التجربة الديمقراطية، ودمغ الإسلام بوصمة الإرهاب لحساب بعض أجهزة الاستخبارات وشركات النفط متعددة الجنسيات !!

مسلسلات دمغ الإسلام بالإرهاب والإساءة إلى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ليست وليدة الساعة فهي قديمة قدم البعث النبوي الإسلامي، وهى لا تعنيننا في قليل أو كثير؛ فرب العزة تكفل بحفظ "الذكر"، وتعهد بعصمة النبي من الناس بالوعد الحق لقوله سبحانة وتعالى في كتابه الكريم : " والله يعصمك من الناس" .. ويقتصر دورنا هنا فقط على تنبية من استهدفتهم "حرب المعلومات" بمساعدتهم على تخطي القوالب الجاهزة وفضح الأكاذيب، وممارسة رؤية نقدية في مواجهة المعلومة "المسمومة" التي يلقيها "طباخ السم "، ولا تخرج عنها بعض مواقع التواصل الاجتماعي التي تعد أحد أدوات "الحرب الناعمة" وهو ما يفسر اشتعال تلك المواقع فجأة، وبرودتها فجأة، ولا يخرج " التأثير الانفعالي" للمشاركين فيها تحت تأثير "العدوى النفسية" عن دمغ الإسلام بالإرهاب أو التعاطف مع الضحايا وكلاهما خاضع لما يطلق عليه المتلاعبون بالوعي " صناعة الإجماع " !!.

ولنأخذ مثلاً للتطبيق وهو حادث "الكنيسة البطرسية"، ولماذا يفترض أن المجرم الذي فعلها ينتمي إلى جماعة المسلمين أو أنه خرج عليهم وضل عنهم .. مع أن ذلك محتمل وليس مؤكداً وهو لاينفي أيضا أن يكون الفاعل مسيحياً متطرفاً لعدة أسباب : 

أولاً : السبب الأول، وهو ظني لكنه يحمل طابع التساؤل، .. وهو لماذا اكتفي الفاعل (في حالة كونه مسلماً ضالاً أو متطرفاً) بهدف صغير وهو "الكنيسة البطرسية" رغم وجود الهدف الكبير والذي لا يبعد عنها سوى بضعة أمتار وهى " الكاتدائية المرقسية " !!

ثانيا : أن الأقباط ليسوا كتله صلبة متماسكة كما يحاول بعض رجال الكهنوت إيهامنا بذلك فبين طوائفهم الكثير من الفرقة والاختلاف .

ثالثا : أن التطرف المسيحي قد نال من شباب الأقباط والدليل على ذلك مظاهرة شباب الأقباط من شبرا إلى ماسبيروا والهتافات العدائية ضد الدولة وشركاء الوطن من المسلمين كما نال التطرف الإسلامي من بعض شباب المسلمين، وكلا الفريقيين قد أصبح لعبة في أيدي البعض في الداخل والخارج .

رابعاً : وهو الأهم والذي يفسر السبب الأول .. هو أن الكنيسة البطرسية كنيسة لطائفة البروتستانت، وقد أنشائها الخائن بطرس غالي الكبير في سنة 1908 أثناء انعقاد المؤتمر القبطي الأول في أسيوط بأوامر من اللورد جورست المعتمد السامي البريطاني في مصر آنذاك، وبها دخل المذهب البروتستانتي لأول مرة إلى مصر، وقد سميت بالكنيسة البطرسية نسبة إلى " بطرس غالي وعائلته " وليس بطرس القديس .

خامسا : الاختلافات  بين المذهب الأرثوذكسي والمذهب البروتستانتي كبيرة وكثيرة، وكلمة " الأرثوذكس" كلمة يونانية معناها " الدين القويم أو المذهب المستقيم" بما يعني أن ما عداه ليس كذلك، والمذهب الأرثوذكسي يتبعه الأغلبية من أقباط مصر الذين يعتبر بعضهم أن البروتستانت كفرة وفئة ضالة من الأنجاس وكلمة " بروتستانت " كلمة ألمانية تعني "المحتجين أو المعترضين"، وتشير إلى فكر مؤسس المذهب القس الألماني مارتن لوثر الذي احتج على ممارسات الكنيسة الكاثوليكية الغربية في القرن 16،  و" الأرثوذكس" يعتبرونهم كذلك لعدة أسباب منها :

ـ أن طائفة البروتستانت لا يعترفون بالرئاسات الدينية، ويعتبرون البابا شخص عادي اختير لتمثيل الشعب وإدارة شئونه، ولا يملك حق الغفران، والكنائس لا يطلق عليها أسماء القديسين ولكن يطلق عليها الكنائس البروتستانتية.

ـ طائفة البروتستانت لا تؤمن بنظام الكهنة، ولا بوجوب إقامة مذابح  أو البخور.

ـ لا يعترف البروتستانت إلا بالكتاب المقدس ولا يعترفون بالدسقولية " تعاليم الرسل" أو تعاليم أباء الكنيسة .

ـ لا تؤمن طائفة البروتستانت بالأسرار السبعة للكنيسة الأرثوذكسية، وتختزلها في سرين فقط هما سر المعمودية، وسر العشاء الرباني مع التأكيد على بقاء الخبز خبزاً والخمر خمراً دون تحول إلى جسد المسيح.

كما أنهم ينكرون الصوم والسجود للأيقونات والصالحين، ولا يعتقدون بالرهبنة ويعتبرونها منافية للكتاب المقدس .

***

البحث عن المستفيد من أهم مبادئ التحقيق الجنائي .. والدافع هنا في هذه الجريمة لدي المتطرف الإسلامي الذي من المفترض أنه نفذ الجريمة لزعزعة الاستقرار في الدولة أو الانتقام منها وإثارة الفتنة يتساوي مع دوافع المتطرف المسيحي الذي من المفترض أن فعلها في إطار الانتصار لفكر طائفته على حساب طائفة تخالفها المعتقد أو الانتقام من الدولة التي أبطأت في تنفيذ وعودها  للأقباط، إذا لم يكن هناك طرف ثالث يخفى علينا !!

وفي كل الأحوال نحن لا نتهم أحد، ولكننا نرفض أن يكون "الدين الإسلامي " أول يقدم على مذابح " السفة السياسي والإعلامي"؛ لذا ندعوا الجميع إلى عدم استباق التحقيقات، وإلى قليل من الفهم وكثير من التعقل.