الاثنين، يناير 19، 2015

ياسر بكر يكتب : شيخ الأزهر .. و"التهافت على الآخر " !!



ياسر بكر يكتب : شيخ الأزهر .. و"التهافت على الآخر " !!

الأستاذ ياسر بكر

.. على طريقة عم عثمان عبد الباسط في فيلم " سلفني تلاتة جنية  " التي أدها الفنان على الكسار ، يحاول فضيلة شيخ الأزهر أن ينتزع الضحكات المرة من حلوقنا لتذوب في بحور دموع الوطن؛ فتكسبها مذاق الحنظل، وتصبغها بسواد الحزن على شهداء بغير جريرة، وسجناء بغير جريمة !! .. هكذا اختلف لون، ومذاق الضحكات .. وتنوعت الغايات!!

.. كانت غاية عم عثمان هو الحصول على مبلغ ثلاثة جنيهات وليكن ما يكون !!.. ووسط الضحكات الصافية توالت محاولات عم عثمان المستميتة للحصول عليها في غفلة منه عن مجريات الأمور وعواقبها!! .. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فخطاب فضيلة شيخ الأزهر يجعله صنواً واقعياً لشخصية عم عثمان الافتراضية أو المتخيلة؛ فكلاهما ضحية الهوى والغرض يتساوى في هذا رغبة عم عثمان في الحصول على بضع جنيهات، أو هوى فضيلة شيخ الأزهر في البقاء في دائرة الضوء ضيفا على محافل أهل الحكم بعد أن تم إيهامه ـ زوراً ـ أنه صانع القرار، وفاعل التغيير خاصة بعد أن انعقد الاختصاص للمحكمة الدستورية لتفسير النصوص التشريعية ومنها مبادئ الشريعة الإسلامية!!

.. لن أطيل في الحديث عن شخص الرجل غفر الله لنا، وله، وعافنا مما ابتلاه به، ولكنى سأنقل بعضا من خطابه ( أقصد الفكر والكلام) لنلقى الضوء على مكنون قلبه وفكره فالمرء مخبوء تحت لسانه أو كما يقول العارفون من أهل اليقين : " القلوب قدور، والألسنة مغارفها "، فبعد ثورة  25 يناير، طلع علينا فضيلة شيخ الأزهر بتصريح يتناسب مع رونق الثورة وجلالها وظروف المرحلة وهو : 

" أن المظالم في الأزهر وجامعته ومعاهده كثيرة، وأن فضيلته قرر آلا يألوا جهداً فى رد المظالم وإنصاف المظلومين، وأعلن فضيلته عن تشكيل ما أسماه " ديوان المظالم " برئاسته شخصياً وأن قراراته ملزمة"، وامتلأت قاعات الانتظار في مشيخة الأزهر بأصحاب المظالم، وبعد طول انتظار بين اليأس والرجاء، عاد المظلومون الذين توسموا الخير في الأزهر وشيخه بخفي حنين!!، فلا رُدت مظالم ، ولا استطاع فضيلة الشيخ إلزام أحد !!  .

.. أيام وكان حادث تسمم طلاب المدينة الجامعية بجامعة الأزهر، ولم نسمع للشيخ صوتاً، .. وفى استباق مُزري للتحقيقات أطلق موظفيه على الفضائيات لإلصاق الاتهام بفصيل بعينه دون دليل أو بينة !! .. وراح بعضهم يصور فضيلته في ثوب الضحية التي تم استهدافها ـ عمداً ـ بهذا الحادث!!

حتى كان ظهر يوم 3 يوليو 2013 لنجد الشيخ في خلفية مشهد، أعلن فيه قائد الجيش عزل الرئيس المنتخب، وتعطيل العمل بالدستور، وحل المجلس النيابي؛ ليخرج علينا فضيلة الشيخ بتصريح يضيف إلى الغموض دوائر أكثر غموضاً، وهو: "  أنه خُيًّر بين أمرين فاختار أهونهما " ، وحتى الآن لم يطلعنا فضيلته على كلا الأمرين حتى نعرف أنه أختار أهونهما؟!! .. وإن كانت الأيام قد فضحت أحد الأمرين!! .. وبقى الثاني ينتظر الغد الآتي.. يوم تسقط الألبسة عن عورات رجال أدعوا ـ يوما ـ فضلاً .

ولم تمضى سوى أيام ليفجع الجميع بالدماء تراق في ميدان القاهرة، وليخرج علينا فضيلة شيخ الأزهر بقوله : "أنه قرر الاعتكاف في بيته "، ولم يفي فضيلته بوعده !!

.. وأخيراً كانت النكتة التي أطلقها فضيلته وهو أنه " حمل روحه على كفه يوم 3 يوليو 2013 من أجل مصر" ، .. إنها حقاً نكته؛ فالذي يحمل روحه على كفه هو المنحاز للطرف الأضعف، فما بالنا وفضيلته في حماية جيش مصر .. أليست نكتة !!

 لا بأس فضيلة الشيخ قد اختار، وعلينا نحترم اختياره، وأن ندافع عن حقه في هذا الاختيار، وإن اختلفنا مع فضيلته؛ فهو على نفسه بصيرا؛ فلسنا في محل الوصاية على شخصه الكريم، .. لكن عندما تُهدر مؤسسة الأزهر التي يترأسها فضيلته أموال دافعي الضرائب من الفقراء أمثالي وعلى مدى سنوات في بدعة أسماها فضيلته "حوار الأديان " فمن حقي أن أسأله : أي حوار هذا يا  فضيلة الشيخ ؟!؛ وهل يكون المسيحي سعيداً إذا قٍيل له أن الله واحد؟!، .. وهل يكون المسلم سعيداً إذا قٍيل له أن الله ثالث ثلاثة ؟!

يا فضيلة الشيخ : هل أخبرك أحد أن "حوار الأديان " فكرة غربية بعد فشل الحروب الصليبية، لكسب ما لم يتحقق بالسيف في إطار منظور فكرى غربي لاحتواء الإسلام طبقا لمعتقد خاطئ لبعض المفكرين المسيحيين وهو : 

" أن الإسلام يمكن احتوائه بالحوار باعتباره أحد انحرافات المسيحية ( أي صورة مضللة من المسيحية ) مثل الأريوسية Arianism والأبيونية Ebionites  والسيمطاطية (نسبة إلى الراهب بولس السيمطاطي الذي جاء بعد أريوس)، وكلها جردت عيسى بن مريم من صفة الإلوهية فهو عبد من عباد الله أيده الله بالمعجزة. " 

.. وقد أوضح ر. و . سذرن في كتابه " نظرة الغرب إلى الإسلام" بجلاء هذه الفكرة :
 
 " اتضح للمفكرين الأوربيين الجادين ، أنه لابد من اتخاذ إجراء جاد بصدد الإسلام الذي وصل إلى شرق أوربا، ويقص سذرن قصة مثيرة وقعت بين عامي 1450، 1460 م عندما حاول أربعة من العلماء هم جون السيجوفى ، ونيكولاس القوصى، وجان جيرمين، وابنياس سلفيوس ( البابا بيوس الثانى ) التصدي للإسلام من خلال "مؤتمر" خاص كان الأول  صاحب الفكرة التي تقضى بعقد مؤتمر مع الإسلام يحاول فيه المسيحيون تحويل المسلمين جملة عن عقيدتهم  . كان يرى في المؤتمر أداة لها وظيفتها  السياسية إلى جانب  وظيفتها الدينية الخالصة ، وبتعبير تستجيب له صدور المحدثين صاح قائلاً : " إن المؤتمر لو استمر عشر سنوات فسوف يكون أقل تكلفة وأقل ضرراً من الحرب " . 

يا فضيلة الشيخ " الطيب " : أتحداك أن تقدم لنا اعترافاً واحداً بالإسلام من الفاتيكان أو مجلس الكنائس العالمي!!؛ فهم يطلقون على الإسلام لفظة "المحمدية " وسيدنا محمد لا يأتي اسمه في سفههم إلا مسبوقاً بكلمة "الدجال" أو "المنتحل " الذي ينشر وحياً زائفاً وينسبون إلى حضرته الشريفة من الصفات ما لا يليق، ولم تقتصر تلك الصفات علي الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بل امتدت لتشمل عامة المسلمين الذين يجرى تشويه صورتهم والطعن في أخلاقهم وفي قيمهم والتحذير من خطر وجودهم في المجتمعات المتحضرة. وتستخدم في هذا السياق نفس الأفكار وحتى المفردات التي أوردها هتلر في كتابه "كفاحي" في ذم اليهود وتحميلهم مسؤولية كل المصائب الاقتصادية والسياسية والأمراض المجتمعية التي عانت منها أوروبا في الثلاثينات كما حددها النازيون؛ فالسلمون في بؤرة الاستبداد والتأخر واللامبالاة والكسل والعاطفية البلهاء والأوهام والسحر والشعوذة واللا عقلية واللا تاريخية وذلك لتحقيق أهداف معينة منها إيجاد نخب مصنوعة بهذه الأفكار من العرب والمسلمين لتشكل منهم قواعد داخلية لنشر هذه الأفكار، ولكسب تأييد المواطنين الغربيين لما تفعله حكوماتهم من حروب واحتلال ونهب موارد الآخر وممارسه النوازع البشرية المنحطة .

يا فضيلة الشيخ " الطيب " : لقد تم استدراجك ـ وجل من لا يخطئ ـ إلا ما يخدم وجهة نظر أعداء دينك، التي حددها المستشرق الفرنسي أرنست رينان : " أن السيطرة على الشرق الإسلامي وانبعاثه من جديد شرقاً مسيحياً لاتينياً لا يتم من خلال إضعاف الإسلام من خلال تحرير المسلم من دينه الخاص"،.. فألصقت بعقيدتك ما ليث فيها من إرهاب وتخلف بما يستوجب ما أسميته ( تطوير الخطاب الديني ) .. بينما لم تواجههم بحقيقة ضعف الثقافة الغربية عن فهم القرآن والسنة المطهرة، وعجزها عن تقديم الإسلام بصورة يفهمها المسيحيون، إنهم من يجب أن يجدد الخطاب لا نحن !! فأوربا تعتبر المسيحية هوية، وليست ديانة، واليهود يعتبرون اليهودية جنسية، وليست ديانة !!

.. إن كتابتهم تقطر حقداً على ديننا، وتفضح بعض مخططاتهم،  يقول الكاتب الكندي المولد مارك ستاين في كتاب وضعه عام 2006 بعنوان "أمريكا لوحدها: نهاية العالم كما نعرفه" الذي ركز فيه على الخطر الديموغرافي العربي والإسلامي على العالم وعلى الغرب بصورة خاصة، وهو ما يلفت أنظارنا إلى برامج " التعقيم الإرادي الجماعي في مصر" المسماة بـ " تنظيم الأسرة " والتي نفذتها الحكومة بمعونة غربية وبدعم من مؤسسة الأزهر ممثلاً في وعاظ المنابر  .. ويؤكد ستاين على الدور الأمريكي في حماية المسيحية بعد أن تذوب أوربا في الإسلام ، ويتحدث عن مخاوفه عندما تصحو مدن أوربا وأمريكا في الفجر على صوت الآذان.
.. وها هي السيدة مارجريت تاتشر تبدي مخاوفها من استيقاظ الأسد النائم وراء البحر ( تقصد الإسلام )، وها هو السيد ريتشارد نيكسون يقول : لقد قضينا علي الخطر الأحمر ( يقصد الشيوعية ) ، لكن الخطر الأخضر أشد فتكاً ( يقصد الإسلام ) .

يا أيها الراجل "الطيب ":  كف عن هذا العبث، .. عبث " حوار الأديان " وعن سخافة ما أسميته : " بيت العائلة"، وكفى مغالطة فبيت العائلة هو " البرلمان " الذي انقلبت على الإرادة الشعبية التي أفرزته فأصبحت ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ "خارجاً" عن الصف!!

.. بقيت النقطة الأخيرة .. وهى الخدعة الكبرى التي تم إدخالك بها إلى مستنقع السياسة وأوحالها، وهى "دور الأزهر في الحركة الوطنية " .. والحقيقة يا مولانا أنه لم يكن للأزهر أي دور في الحركة الوطنية فقد نشأ الأزهر في كنف الحاكم وظل،  فلم تحدث فيه أي حركة مقترنة بمذهب سياسي واضح، أو أيدلوجية اجتماعية واضحة، أو بتيار ثقافي واضح؛ فقد ارتضى المشايخ أن يكونوا أدوات في يد الحاكم مقابل ما يلقى إليهم من فتات، ولم تكن انتفاضاتهم سوى من أجل تأخر الجامكية  "الرواتب " (الجبرتي 2 - 92 ) وصرف الجراية " الخبز الذي يصرف للمشايخ والمجاورين " (الجبرتي 2 – 102) .

يا مولانا : عندما جاء بونابرت إلى مصر غازيا في حملة ضمت عشرات العلماء في أول سايقة تاريخية بغرض الاستيلاء على ثقافة أمة، وتحديث فكرة أوربا عن الشرق، فعندما ألبس علماء الأزهر الذين ساسوا العامة لطاعته الطيلسان بألوان العلم الفرنسي ( الأحمر والأبيض والكحلي ) بوصفه السلطة العليا في البلاد بدلاً من سلطان تركيا، خاف العلماء وقالوا أن أقدارنا تضيع عند إخواننا واستمهلوه اثني عشر يوما تم بعدها الاتفاق أن يكون الطيلسان في صورة عمامة يلبسونها بأنفسهم ؛ .. استنداً إلى سابقة حدثت مع نابليون ذلك أنه في حفل تتويجه "إمبراطوراً " باسم " نابليون الأول " في كاتدرائية نوتردام ؛ فقد رفض نابليون أن يلبسه البابا تاج الإمبراطورية فأخذ التاج والبسه لنفسه رمزا لأن السلطة الزمنية غير السلطة الدينية .. إن كنت لا تصدقني فراجع ( الجبرتي 3 ـ 17 ) أو خذ بالأيسر واخلع عمامتك وانظر إليها .. وقد قبل العلماء أن يشبكوا في عروة فراجياتهم ( الجبة التي تعلو القفطان ) علامة الكوكارد وهي عبارة عن دبوس من ثلاث دوائر متداخلة بألوان العلم الفرنسي وتعني الولاء لمبادئ الثورة الفرنسية .


وهذه صورة الوثيقة الموقعة من السادة المشايخ في دعوة الرعية لطاعة حضرة ساري عسكر والتي جاء فيها : "أن حضرة ساري عسكر رجل كامل العقل وعنده شفقة، ورحمة بالمسلمين، وحب للفقراء، والمساكين" أضعها بين يدي فضيلتكم، .. ولم تكن الكنيسة أفضل حالاً فقصة المعلم يعقوب وغيره تملأ المجلدات !!

***

يا فضيلة الشيخ : كفى تهافتاً نحو الأخر، سواء كان هذا الآخر من أهل الحكم أو من أهل الكتاب الذين يريدون كيدا، إننا لا ندعوك إلى شقاق ـ لا سمح الله ـ ولا إلى فتنة، لكنها دعوة إلى التعايش الاجتماعي في الوطن بعيداً عن العبث بالأديان وألاعيب السلطة؛ فاستغفر لذنبك فليس هناك إرهاب يقترن بديننا الحنيف، وفضيلتك تعرف زارعو الإرهاب وممولوه باعتباره شريكهم المريح في تنفيذ مخططهم في المنطقة وهم من أطلقوا عليه في مراكز أبحاثهم وأجهزة مخابراتهم : " الإسلام القومي" و" الإسلام السياسي" و " الإسلام الأصولي"!!

يا فضيلة الشيخ : اتق الله في دينك الذي تصمه بتخلف الخطاب، وفي أهلنا الذين تصم بعضهم بالإرهاب؛ فأهلنا الطيبين لا يريدون سوى العيش في سلام في الوطن، ولا يطلبون إلا الستر، ورضا الرحمن، .. فهل هذا كثير يا مولانا ؟!!!!!!
.