السبت، فبراير 29، 2020

حكايات تافهه جداً: مكتبة الأستاذ محمد عبد الله بقرية تلوانة منوفية

حكايات تافهه جداً: مكتبة الأستاذ محمد عبد الله بقرية تلوانة منوفية:  مكتبة الأستاذ محمد عبد الله بقرية تلوانة قريباً .. إن شاء الله افتتاح مكتبة الأستاذ محمد عبد الله بمبنى الجمعية الخيرية بمسجد الأ...

حكايات تافهه جداً: قاعة إمام أفندى بكر بقرية تلوانة منوفية

حكايات تافهه جداً: قاعة إمام أفندى بكر بقرية تلوانة منوفية: قاعة إمام أفندى بكر بقرية تلوانة قاعة إمام أفندى بكرللحاسب الآلى بالجمعية الخيرية بمسجد الأربعين بتلوانة القاعة فى صور : ...

الخميس، فبراير 20، 2020

كتاب : "يوميات الغرفة 7023"، د .عفاف جمعة بصيغة Word

"يوميات الغرفة 7023"، د .عفاف جمعة  بصيغة Word 



يوميات الغرفة 7023 

.. رسائل الحب والألم


د. عفاف جمعة


     حقوق الطبع والنشر محفوظة  للمؤلف

    (الطبعة الأولى)

    يناير 2020


***
     طبع بمطابع حواس

     توزيع أخبار اليوم  


***

الإهداء :
ـــــــــــــــ

    إلى زوجي الكاتب الصحفي الأستاذ ياسر بكر
حارسي الأمين وحصني المنيع وخندقي الأخير
في زمن تقطعت فيه صلة الأرحام، وأواصر المودة في القربى، وتمزقت روابط الصداقة، وسقط حق الجار.

د .عفاف جمعة
 
النسخة الرقمية Pdf على الروابط :





وعلى الرابط :


وعلى الرابط :

https://www.4shared.com/postDownload/K-HQFW47ea/__7023____.html


يوميات الغرفة 7023 

.. رسائل الحب والألم


د. عفاف جمعة


*** 



مقدمة :

ــــــــــ

.. لماذا هذا الكتاب ؟!



.. ولماذا الإصرار على إصداره رغم نصح الكثيرين بعدم الإقدام على ذلك الصنيع؟!؛ .. نصحني زوجي بأن أحتسب معاناتي وألامي عند ربي، وأن أصبر الصبر الجميل الذي لا يحمل في ثناياه أوحناياه أي ضيق أو مضض أو ضجر أو تأذي، وقد فعلت، والحمد لله وأدعوا الله أن يمن علىّ بالشفاء الذي لا يغادر سقماً إنه سبحانه وتعالى ولى ذلك والقادر عليه .



.. وارتأى بعض الأصدقاء أن في هذا الفعل ما لا يليق لما ينطوي عليه من إفشاء للخصوصية واجبة الستر.


.. لكنني أرى أن ما جاء بين صفحات هذا الكتاب لم يرد به أي ملمح لإفشاء الخصوصية "واجبة الستر" ـ كما يزعمون ـ لكونه تعبير عن حالة عامة يعاني منها ويكتوي بنارها ليل نهار مرضى المصريين؛ لذا فالكتاب يعد تجربة غير شخصية وسيرة غير ذاتية؛ فقد مر الكثيرون بأحداث وتداعيات مماثله لما جاء به ممن لا يملكون شجاعة المكاشفة والبوح والفضفضة!! إضافة إلى أنني اعتبره شهادة حق من يكتمها أثم قلبه إضافة إلى كونه بلاغ إلى الرأى العام وإلى من يهمه الأمر عما فعلته الرأسمالية الطائشة ومستشفياتها العقورة في المريض المصري تسرق أمواله بلا رحمة، ولا تقدم له علاجاً يعني موت وخراب ديار في ظل انحسار مظلة الرعاية الصحية الحكومية، وانسحاب المستشفيات الحكومية من المشهد، وانسحاق أطباء وزارة الصحة وتدني كفاءتهم المهنية وانحطاط مستوى أدائهم الذى يعد أحد أبرز مظاهره الإصرار على وصف الدواء في تذاكر العلاج بمسماه التجاري المتداول في الأسواق مثله في ذلك مثل مشتريات البقالة من السوبر ماركت، ودون ذكر الأسم العلمي ودون فهم التفاعلات الكيمائية بين مختلف العقاقير في الوقت الذي أعطي العالم للطبيب مهمة تشخيص المرض فقط، وترك للصيدلي مهمة وصف الدواء بعد نشأة علم الصيدلة الإكلينيكية Clinical Pharmacy الذي يعد أحد أهم الحقول المعرفية في مجالات تحديث المعالجة الطبية، وهى شهادة مدعومة بشهادة البروفيسير مجدي يعقوب الذي أعلن صراحة بدون أدنى التباس في اللفظ أو المعنى أن : «الطب يتقدم في العالم كله، ويتأخر في مصر» .



.. قد يلتمس البعض العذر للأطباء المصريين في ظل واقع تعليمي منحط، وواقع اجتماعي ومعيشي متردي، لكنه العذر الذي هو أقبح من الذنب وخاصة عندما يتعلق الأمر بحياة الإنسان .



.. لذا فقد رفضت كل المبررات التي ساقها المدلسون وشهود الزور والمتواطئون بالصمت الخائن الجبان الذين طلبوا مني تكتم الأمر وعدم كتابة شهادتي، وأن أمضي إلى نهايتي في صمت بدعاوى تحمل نتن وتخلف التواكل، وتخلو من بركة التوكل على الله سبحانه وتعالى وحسن الظن به، ونقلت للجميع كيف أُصبت في إحدى المستشفيات الكبرى بالإسكندرية بما يُسمى طبياً الصدمة الأنتانية Septic Shock وهى حالة طبية شديدة الخطورة أكد الأطباء لزوجي أن النجاة منها تكاد تكون منعدمة، وأن نسبة الشفاء منها حال حدوث معجزة إلهيَّة 1 % تقريباً (جاء في مراجع الطب أن نسبة التعافي منها 20% تقريباً)، وأصبحت على حافة السقوط في بئر الغيبوبة العميقة Deep Coma، وقال زوجي بهدوء أدهشني لـ (م . ش) طبيب مستشفى مركز البحوث الطبية بجامعة الإسكندرية :



ـ من فضلك عايز سيارة إسعاف تنقل المريضة البيت !!



واعترض الطبيب قائلاً :



ـ دي حالة عناية مركزة .



.. وراح الطبيب بأسلوب التاجر المنحرف في التسويق لسلعة معيبة أصابها الركود يعرض أسماء المستشفيات وأسعار غرف العناية المركزة بكل منها، والتي تراوحت أسعارها بين 15 ألف جنية، و5 ألاف جنية لليلة الواحدة .




وانتقلت إلى المنزل كان زوجي قد أعد تجهيزات مستشفى بغرفتي، وقام بتدبير عناصر التمريض النهاري والليلي، والاتفاق مع فريق من ثلاث أطباء يتنابون عملية الإشراف الطبي المنزلى حال الاستدعاء In call of duty، .. والحمد لله بفضل الله سبحانه وتعالى، وبما توافر من أخذ بأسباب الرعاية المنزلية Home Care تجاوزت الأزمة والحمد لله.



.. الدافع الأهم لكتابة شهادتي أنني صيدلانية أعرف الكثير من خبايا وخفايا البقع المعتمة في عالم المتاجرين بالدواء وصحة البشر وقد تصديت لفساد بعضهم أثناء خدمتي في مستشفى الحسين الجامعي ـ  جامعة الأزهر في وقائع يعرفها القاصي والداني وتتناقلها الأجيال إلى يومنا هذا!! ومن موقعي المهني أدركت جرائم مافيا شركات الدواء والمتعاونين معهم من بعض كبار الأطباء المعطوبين أخلاقيا من خلال "الإغواء بالمصلحة" والذي يتمثل في (الأموال ـ سفريات الترفية ـ الدعوة لمؤتمرات تخفي في باطنها عكس المعلن ـ تجديد العيادات ـ تغيير ماركات السيارات ـ التكفل بدفع فواتير مشتريات الزوجات ـ الترويج لهؤلاء الأطباء في وسائل الإعلام وتسويقهم باعتبارهم نوابغ عصرهم)!!، وقد شهدت بعيني القبض على أ. د. مصطفي السيد في غرفة العمليات بمستشفى الحسين الجامعي حيث كان يستولي لنفسه على دعامات القلب الفرنسية الصنع والغالية الثمن ويستبدلها بدعامات صينية ردئية الصنع ورخيصة الثمن مما تسبب في وفاة العديد من المرضى الذين أُجريت لهم عمليات تركيب الدعامات، وقد شاءت الصدفة البحتة أن ألتقى باللواء دكتور سامي أبو النور رئيس القسم الطبي بالرقابة الإدارية الأسبق الذي قاد فريق التحريات والقبض على الطبيب اللص، وقد حكى لي سيادته من الفظائع ما يشيب له الولدان .



.. الدافع الأهم لكتابة شهادتي أنني صيدلانية أعرف الكثير من خبايا وخفايا البقع المعتمة في عالم المتاجرين بالدواء وصحة البشر وقد تصديت لفساد بعضهم أثناء خدمتي في مستشفى الحسين الجامعي ـ  جامعة الأزهر في وقائع يعرفها القاصي والداني وتتناقلها الأجيال إلى يومنا هذا!! ومن موقعي المهني أدركت جرائم مافيا شركات الدواء والمتعاونين معهم من بعض كبار الأطباء المعطوبين أخلاقيا من خلال "الإغواء بالمصلحة" والذي يتمثل في (الأموال ـ سفريات الترفية ـ الدعوة لمؤتمرات تخفي في باطنها عكس المعلن ـ تجديد العيادات ـ تغيير ماركات السيارات ـ التكفل بدفع فواتير مشتريات الزوجات ـ الترويج لهؤلاء الأطباء في وسائل الإعلام وتسويقهم باعتبارهم نوابغ عصرهم)!!، وقد شهدت بعيني القبض على أ. د. مصطفي السيد في غرفة العمليات بمستشفى الحسين الجامعي حيث كان يستولي لنفسه على دعامات القلب الفرنسية الصنع والغالية الثمن ويستبدلها بدعامات صينية ردئية الصنع ورخيصة الثمن مما تسبب في وفاة العديد من المرضى الذين أُجريت لهم عمليات تركيب الدعامات، وقد شاءت الصدفة البحتة أن ألتقى باللواء دكتور سامي أبو النور رئيس القسم الطبي بالرقابة الإدارية الأسبق الذي قاد فريق التحريات والقبض على الطبيب اللص، وقد حكى لي سيادته من الفظائع ما يشيب له الولدان .



.. ولكوني صيدلانية فأنا أعلم كما هو مثبت في مراجع الطب أن 95% من الأمراض المعروفة لنا غير معروفة السبب Idiopathic وأن ما يتم من ممارسات علاجية حيالها هو معالجة للعرض فقط ، ولا علاقة له بعلاج المرض أو محاولة فهم أسبابه !!



السبب الأخير لإصراري على كتابة شهادتي أنني عُدت إلى الحياة كما يقولون من "خرم إبرة" من خلال تجربة في العلاج أُصر على نقلها لمن يرغب عسى أن تكون علم ينتفع به يضاف إلى مخزون المعرفة الإنسانية.


.. التجربة التي سأكتبها عبارة عن ممارسات تم فيها مزج الطب التقليدي Traditional Medicine بالطب التجانسي أو الطب البديل أو المعالجة المثلية Homeopathy الذي أرسى مبادئه الطبيب الألماني صمويل هانيمان ويقوم على إعادة التوازن للجسد بمواد طبيعية، .. وأيضا تم الأستعانة بماء جاء في مخطوطات الطب الشعبي ومنتجات العطارين للإستعمال الظاهري في علاج قرحة الفراش Bedsore التي يُصر الأطباء المعالجون بالطب التقليدي أن لا علاج لها وأن نهايتها المحتومة الموت رغم أنه يمكن علاجها بمواد بسيطة تكاد تكون متوافرة في مطبخ أي سيدة مصرية !!


***


أخيراً أتمنى لكم موفور الصحة والعافية، وأتوجة بالشكر لزوجي الكاتب الصحفي الأستاذ ياسر بكر الذي عاونني في الصياغة الصحفية لمحتويات هذا الكتاب والإخراج الفني لصفحاته وغلافه.



د. عفاف جمعة

الإسكندرية في 6 أكتوبر2019





الفصل الأول

ـــــــــــــــــــــــ



ليل المستشفيات !!



.. ليل المستشفيات ثقيل وسمج ومُقبض ومُخيف .


.. وفي ليل الوحشة دائماً تنهار جدران عالم الخصوصية، ويفتقر الذهن إلى الصفاء .. وبصرف النظر عن السقوط في مستنقع المخاوف يمكننا دائماً التمسك بذلك الشعاع من الرجاء السماوي، وطلب العون والرحمة من الله المعين الرحمن الرحيم .



.. ومع روائح الفجر تنقلها نسمات بحر الإسكندرية، ومع صوت الأذان تبدأ السكينة وتتجلى أيات الرحمة، وأشعر أن يد الله تشدني برفق إلى حضنه الرحب الرحيم؛ فأغفو ساعة إلى أن يبدأ نهار المستشفيات .



.. يبدأ نهار المستشفيات في الثامنة صباحاً بصخب عاملات النظافة بملابسهن شديدة الاتساخ، وأفعالهن التي تشي بحالة من الفقر المدقع في واقع الحال انعكس على المسلك والأخلاق وأسلوب الكلام وأداء العمل .. لم تتبع إحداهن أبسط القواعد في النظافة سواء بارتداء الجاونات (العباءات) المخصصة لهن أو ارتداء القفازات الثقيلة (شديدة التحمل) أو ارتداء الأحذية البلاستيكية المحكمة أو ماسكات الفم والأنف ودون التزام بقواعد تغطية الرأس أو تقليم الأظافر، كان مظهرهن ـ سامحني الله ـ ينبئ عن حالة من القذارة العفنة تسير على الأرض، وكنت أرى أنهن لا يصلحن لجمع القمامة في الشوارع لا لنظافة المستشفيات التي يعد التعقيم من أهم الألوليات فيها.



.. كنت أشفق على هؤلاء البائسات ولا أتعاطف معهن، ولا مع توظيفهن في المستشفيات، وكنت أتوجس من لزوجتهن عندما يأتين ببعض الأفعال وسرد بعضاً من الحكايات عن متاعبهن طمعاً في الحصول على بعض الهبات الغير مستحقة، وكنت أرى أنها مجرد "إشتغالات"، وأن التجاهل هو الحل الأمثل، وأنه من الأفضل في مثل هذه المواقف أن تصير الأذن سلة مهملات !!


.. فقد كنت أرى في استخدام هؤلاء النسوة البائسات دون تأهيل في هذا المكان والمجال السبب الأول وليس الأوحد لـ (عدوى المستشفيات Infection Nosocomial) وهى عدوى أو إنتان يكتسبه المريض بعد دخوله إلى المستشفى أي أن الشخص لم يكن مصاباً به عند دخوله المستشفى وتحدث عدوى المستشفيات بشكل وبائي في حال إهمال الاحتياطات اللازمة وأهمها النظافة، ولا تعلن المستشفيات أبداً عن حدوثها وتتكتم أمرها تجنباً لإثارة الهلع Panic والفوبيا Phobia التي تنقل أعراض العدوى بالإيحاء النفسي، وخوفاً من المساءلة القانونية، والإرتداد عليها بالحق المدني وطلب التعويض جبراً للضرر تتساوى في هذا المستشفيات الخاصة والحكومية !!، وهو ما سأتحدث عنه بالتفصيل في الجزء المخصص لـ (نظافة المستشفيات) .


.. لم يكن التمريض أفضل حالاً من عاملات النظافة كانت الممرضات كسولات، وكن لا يكففن عن التثاؤب والتمطي بأسلوب مثير للقرف والاشمئزاز، ولا يمللن من الثرثرة بأحاديث تافهة عن متاعب الأبناء، وجشع المعلمين، وأنواع المطبوخات ووصفات الشيفات وإحباطات الأزواج ومعاناتهن الشخصية بين أداء مقتضيات العمل والواجبات المنزلية، كان الإهمال سيد الموقف فكثيراً ما تأخر موعد تناول الدواء لعدم توافر زجاجة مياه لأن عاملة الأوفيس لم تحضر !!


.. مع بداية الساعة الحادية عشرة صباحاً يبدأ الأطباء في التوافد لتبدأ الأفعال التقليدية وردودها المعتادة حيث يمسك الطبيب بتقرير الحالة Case Report ولا يقرأه أو ينظر إليه؛ فلا وقت لديه، وكانت كلمات الممرضة تكفيه عن ذلك وتغنيه، ثم يهز رأسه قائلاً :


ـ عال .. عال .. عال ..


.. لم أعرف حتى هذه اللحظة لماذا هذه الـ (عال) ثلاثاً؛ ولا علاج ولا بوادر شفاء !!، ثم يبدأ في طلب تحاليل وصور أشعة جديدة !!


..  كان زوجي يتابع ممارسات الأطباء، وابتزاز المستشفى ومطالبات سداد الأموال التي تنتهي بالكلمات التقليدية :(يرجى سرعة السداد حتى يمكننا الاستمرار في تقديم الخدمة) التي كان زوجي يطلق عليها في سخرية مسمى"دكريتو عثمانليDecreto " أي أمر عالى لا يقبل المناقشة، ويردد  في أسى مقولة مظفر النواب : (آه من العمر في آخر العمر، والأرض محجوزة للحمير.)، .. ثم يضيف عبارته المعهودة :"مع خالص الاعتذار للحمير.".


.. كنت أنتظر ساعتي الزيارة على أحر من الجمر حين يأتي زوجي فأمسك بيده، ولا أريد تركها أستمد منه القوة كان زوجي دائماً يغالب ضعفه الإنساني، ويحاول أن يبدو مرحاً، لكن دموعه وحشرجة الكلمات في صوته كانت دائماً ما تكشف عما يود أن يخفيه !! 


.. وكان ابن أختي المهندس أيمن صلاح عبد المعبود يأتي يومياً من القاهرة للإطمئنان علىّ هو وزوجته  المهذبة حنان محمد وشقيقتيه دولت وإيمان زوجة المهندس خالد حسين .. كنت أشعر مع دفء أنفاسهم  بالعزوة والمؤانسة ولطف المعاشرة، وأن الغد الآتي ـ إن شاء الله ـ أفضل .


نقل ابن أختي المهندس أيمن لأفراد أسرتي نبأ مرضي، فمنهم من جاء في لهفة وحمية ليطمئن علىّ ويعرض العون، وقابل زوجي عروضهم بالشكر والامتنان؛ فقد أخذ العهد على نفسه ألا يشاركه أحد بمليم واحد في نفقات علاجي .


.. وجاء بعض الأهل من باب إبراء العتاب التي ينطقها العامة بـ "برو العتب" بمعنى إبراء الذمة وتخليص الضمير من مسئولية الواجب فقط، واكتفى البعض بالاتصال التليفوني متعللا بالظروف ومشاغل الحياة، ومنهم من لم يفعل هذا ولا ذاك!! .. كنت على يقين أن الشدائد تفضح المودة الزائفة.. في وقت الشدة فقط تعرف من هم أحبائك، .. ومن حثالة اختيارك .



.. في كل الأحوال كانت سعادتي .. شكراً لمن شرفني بالزيارة، والشكر موصول لمن أسعدني بالغياب؛ فلم يعد العمر يتسع لمزيداً من الأشخاص الخطأ.


.. كنت، ومازلت أعتقد عن "الأشخاص الخطأ" في حياتي أنهم أشبة بالحشائش الضارة في حوض زهور تؤذي بهجة الألوان بتشوهات النفوس، وتفسد عطر الأريج بعطن الأنفاس أى أن أذاهم محقق وأكبر من نفعهم، وأن التعامل معهم يجب أن يتم وفق المبدأ الفقهي :"دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة.".


ولا أعرف حين أتحدث عن "الأشخاص الخطأ" لماذا يحضرني تعبير "الترمس النيئ"؟! .. ربما لما جاء في مربعات"رباعيات" شاعر الصعيد ابن عروس :


" الندل ميت وهو حي

ما حد حاسب حسابه

طعمه كما الترمس الني

حضوره يشبة غيابه "



..  ومع ميل الشمس ناحية المغيب وانصهار أخر شعاع في ضوء النهار في الشفق الأحمر الذي سرعان ما يفقد حمرة خجله لما يحدث لنا في مستشفيات الوطن؛ فيتبدل رماديا ثم سرعان ما يكشف عن سواد قلبه ليغرقنا في ليل العتمة .. ليل المستشفيات .. تأتي الممرضة لتقول كلماتها التقليدية المحفوظة مثل ببغاء ذكي ربما دون فهم :


ـ "أي خدمة .. تصبحي على خير .".


وتمضي دون انتظار إجابة، ويدها على زر الكهرباء لتغرق الغرفة في العتمة، وتبدأ الهواجس والظنون والشكوك والمخاوف والخواطر، وأمسي طوال الليل وحتى الصباح أسيرة مثلث الألم والخوف والخطر، وربما اليأس أحيانا لكني لم أفقد الأمل أبداً في رحمة ربي التي وسعت كل شئ!! 


في ليل المستشفيات كنت دائما أتذكر قصة سيدنا يونس عليه السلام .. إحدى روائع القصص القرآني الكريم، وأتذكر كيف اجتمعت عليه الظلمات الثلاثة: ظلمة بطن الحوت وظلمة مياة البحر وظلمة الليل، وتذكرت أن نجاته عليه السلام كانت في التسبيح والاستغفار؛ فلزمت التسبيح والآستغفار .


كنت فيما سبق عندما كان يشكو لي أحدهم من وحشة (ليل المستشفيات) كنت أعتبر شكواه رفاهية لا تليق بمريض يتلقى العلاج .


.. طاف بذهني خاطر هو أنه ربما أصابتني دعوة مظلوم .. ربما أصابتني دعوة أحدهم .


.. أستغفر الله العظيم .. رب لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .. ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا .. ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به واغفر لنا وارحمنا يا أرحم الراحمين .


عفوا .. إنها خواطر " ليل المستشفيات" !!



الفصل الثاني :

ــــــــــــــــــــــــ




خيالات غرفة العمليات




لم أكن أتوقع أن ما أدونه من كتابات للتنفيس عن مكنونات النفس يمكن أن يرقى إلى مستوى التجربة العالية التي تمس الوتر الإنساني، وتكشف البعد الاجتماعي، وتزيح الغطاء عن عورات مجتمع !!.


.. بدأت تجربة التدوين Blogging بعد إحالتي للمعاش لبلوغي السن القانونية، وعندما بدأت دائرة الحياة تخلو من مفردات وأشخاص وأعمال وتفاصيل كثيرة اعتدتها على مدى عقود من الزمن، .. ومع الفراغ والوحدة بدأ يظهر لي من العطب الاجتماعي ما كان خافياً علىّ من جحود البعض ونكران الأخر !!



.. ولتخفيف الحالة التي يطلق عليها : جذوة (المشاعرالوهّاجة) أقترح علىّ زوجي أن أدون يومياتي لتكون الكتابة أحد وسائل التخفيف عن النفس مثلها مثل الموسيقى والرسم والتريض والفضفضة والمسامرة، .. وبدأت التجربة على مضض أفعل أحيانا .. وأغفل عنها في كثير من الأحيان !!



.. و(المشاعرالوهّاجة) هى منطقة العواطف من الوجدان  التي تسقط إليها الأفكار غير المبهجة من العقل فتثير مشاعر الغضب والحزن والضيق والملل والأسى وتخلف رواسب في اللاوعي تتسبب في تغير التركيب الكيمائي للدم بما يحرق الأعصاب والعقل والقلب وسائر أعضاء الجسد، ويمضي تاركاَ بصمة الحريق السوداء على الجسد والعقل والقلب والوجدان!!



بعد فترات من المواظبة على التدوين .. وفترات أخرى غير قصيرة من إهماله أصبح التدوين بالنسبة لي عادة أهرع إليها لتخفيف متاعب الأيام .



.. فقد اكتشفت في التدوين Blogging فوائد كثيرة أهمها تسليط الضوء على البقع المعتمة في حياتنا الخاصة .. وأنه عندما توضع الكثير من التفاصيل على مائدة الأوراق فإنك بسهولة ودون مشقة تستطيع اكتشاف العلائق بين الأشياء وفهم روابط الصلات بين الأشخاص والأفعال وتفاعلاتها وروابط العلة والمعلول !!


عندما تسلل المرض إلى كياني طلبت من زوجي أن يقرأ لي بعض ما كتبت .. كان يقرأ الفقرات ويتوقف فيما بينها .. كان يضحك تارة .. ويعتذر لي تارة أخرى عن بعض الأفعال والكلمات غير المقصودة، وينحني ليقبل يدي ورأسي، وأحيانا يبتسم في أسى قائلاً :



ـ ده أنت قلبك أسود أوي !!.



.. كان زوجي يعرف أنها "المشاغبات الناعمة"، وسرعان ما كنت أسترضيه ؛ فيرضى .



قلت له ذات مرة : "ما فائدة هذه التدوينات .. إنها أشبة بالغناء في الحمام !! اسمعته أذني فقط"، كان زوجي لا يرحب بالنشر في البداية، وقال لي رأيه الذي نقلته في صدر مقدمة هذا الكتاب، لكن أمام رغبتي، ولما قدمته من حيثيات الإقناع وافق، وقال :



ـ ".. إن شاء الله ستقرأها الدنيا كلها .. سأصدرها إن شاء الله في كتاب أنيق؛ إنها تجربة إنسانية عالية القيمة تمس أوتار النفوس، وتلمس شغاف القلوب، وتثري التجربة الإنسانية بما فيها من لحظات قوة وضعف وإحباط ونجاح وصواب وخطاً وفرح وحزن وغضب ورضاء.".



.. كنت أعرف من طول سنوات العشرة أن زوجي رجل كلمته، وأنه إذا قال فعل .



كانت تجربة العلاج والخدمة والمستشفيات هي التجربة الطاغية ذات الحضور الطاغي على صفحات التدوينات ربما لأنني عشت 38 سنة تقريبا في تقديم العلاج والخدمة في المستشفيات، وكنت متلقية للخدمة على مراحل منفصلة، .. وأخيراً في مرحلة متصلة على مدي الـ 6 سنوات الأخيرة .



.. ولأنه يوجد في حياة كل منا ما يمكن أن نطلق عليه (الحدث الطاغي) كان ذلك الحدث في رحلة تلقي العلاج منذ عشرون سنة تقريباً عندما شعرتُ بالإجهاد وفقدان بعضاً من الوزن وسرعة في ضربات القلب والعرق يتصبب منى بغزارة ولا أستطيع النوم وشخص الأطباء الحالة على أنها فَرْط نشاط الغدة الدرقية Thyroid وإفرازها لكمية كبيرة من هرمون الثايروكسين Thyroxine، وقرر الأطباء أن العلاج يستلزم إجراء جراحة لإزالة الغدة بأكملها أو جزء منها، ولأن تلك الجراحة تندرج تحت ما يسمى الجراحات الدقيقة فقد ذهب زوجي للاتفاق مع أ. د . أمير ناصف المتخصص في إجراء هذه العمليات، ودخلت إلى المركز الطبي للمقاولون العرب للإجراء الفحوصات اللازمة، وهو مبني شديد الأناقة فوق قمة الجبل الأخضر المطل على القاهرة من تحت قدميه .



كان المستشفي مفندقاً طبقاً للقواعد التي أرساها الخبراء الألمان الذين تم الاستعانة بهم في إنشاء هذا الصرح الطبي، وكان الشيف يأتي كل صباح ليعرض علىّ قائمة الطعام المسموح بها لأختار من بينها ما يروقني، وكانت النظافة والتعقيم وحسن المعاملة عنواناً كبيراً على المكان.



ومع بدء عملية التخدير لإجراء الجراحة بدأت "خيالات غرفة العمليات "Anesthesia Imaginations .. ومرت على ذهني الكثير من الأحداث والصور والتصورات والأوهام والتوهمات والخيالات والمتخيالات .. رأيت أبي فضيلة الشيخ جمعة على جمعة (يرحمه الله) في صدر الغرفة يرتدي ملابس الأطباء .. كان النور يشع من وجهه و ينبعث من صدره ليملأ جنبات المكان .. راح يمسح على صدري، ويقرأ في خشوع وبصوت ندي :



بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ



إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)

صدق اللَّهُ العظيم



(سورة الصافات)





 .. ورأيت نفسي طفلة صغيرة بضفائرها وأبي يمسح على شعري، ويربت على ظهري في حنو، كنت أستشعر حالة من القشعريرة تدفعني إلى الارتماء في حضنه الدافئ, وكنت أجد الدفء والسكينة والاطمئنان في لفحات أنفاسه، كان يُخرج من جيب ثوبه الأزهري حلوى الفندام والبنبون .. يداخلني إحساس بالأمان والرضا .



في خيالات الطفلة الصغيرة ذات الضفائر المربوطة بالفيونكات سال الدم من أنفي .. احتضنتني أمي رسمية عبد الحي الخولي (يرحمها الله)، واصطحبتني إلى الحمام، وأزالت ما علق بي وبملابسي .. تحت الرشاش استمتعت بخدر الماء الدافء .. مشطت أمي شعري وجدلت ضفائري وألبستني ثوباً أبيضاً قشيباً، ورشت علىّ من طيب عطرها!!



في الخيالات أيضا رأيتني شابة رائعة الجمال في أبهى زينتها، وأثمن حليها ترتدي ملابس العرس البيضاء؛ وفجأة يخرج كلب عقور ليمزق قطعة من ملبسها .. تسقط قطعة من جسدي تبتلعها الأرض .. يضمني أبي، ويخلع علىّ عباءته !!



يُهدئ أبي من روعي .. يحضر لى ثوباً أبيض أبهى، وأغلى، وأثمن .. أصلحت من هندامي،  .. وأكملت زينتي .. يأتي زوج شقيقتي سمير محمد بوشناق (يرحمه الله) ليقدم لي وردة بيضاء قائلاً :



ـ إنها الأيام .. نطقها بالفرنسية Ce est la vie.



ويمضى سمير في طريق طويل تحفه أشجار السوسن، والتمر حنة، والياسمين، والفل، والريحان بعطر أريجها، وضوء القمر يتخلل ظلالها في مشهد لا تبدعه إلا يد الخالق سبحانه وتعالى، كان لسمير مكانة في قلب أبي (يرحمهما الله)؛ فكان لا يناديه إلا بـ ( صهري العزيز) .



.. في الخيالات رأيت أخي الصغير يمتطي مهرة عرجاء لا تصلح عنصراً للمكايدة .. يثير عجزها، وصهيلها البائس السخرية أكثر مما يبعث على الشفقة .. كان أخي لا يكف عن ممارسة مضايقاته .. يحارب الوهم بسيف خشبي .. تذكرني تُرَّهاته بخزعبلات "المارشال على" أشهر المجاذيب المجاورين لضريح سيدنا الحسين!!



.. في الخيالات أيضا رأيت أبي يجلس في شرفة بيتنا مع صديقه فضيلة الشيخ ابراهيم جلهوم إمام وخطيب مسجد سيدتنا الطاهرة السيدة زينب (يرحمهما الله)؛  .. قال الشيخ ابراهيم لأبي :



ـ أزف إليك بشارة المسجد الزينبي : اصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا، .. وتلا الآية الكريمة :) ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .



وانحنى يقبل يد أبى، ويلثم جبينه، وبادله أبى التحية بأحسن منها؛ فقبل يده، وقبل رأسه قائلا :



ـ العفو يا مولانا .



ومضى فضيلة الشيخ ابراهيم جلهوم إلى هناك تحوطه هالات نورانية، وذاب في نبع النور.



عفوا .. إنها خيالات غرفة العملياتAnesthesia Imaginations!!



***



في غرفة الإفاقة صحوت على صوت زوجي يربت على يدي، ويلثم  جبيني قائلاً:



 ـ الحمد لله على السلامة .. شفاء وطهور .. ترقية، وتنقية إن شاء الله.



.. وفتحت عيني لضوء النهار .






الفصل الثالث :

ــــــــــــــــــــــــ




مناوشات صغيرة!!

 


.. نحن شعب يعشق المبالغة، ويدمن الكذب بأنواعه يستوي في هذا الكذب بالصمت والكذب بالكلمات ورياء الأفعال .. نحن شعب يعتقد الخرافة ويرى فيها النموذج الجازم لكل ما أشكل عليه وأيضا ما هو واضح جليّ في وهج الشمس وكبد النهار .. نحن شعب يعيش حالة من الإلتواء لا تتفق مع طبائع الأمور ويصعب أن تستقيم الحياة معها!!




.. نحن شعب يكره الحرام .. ويحب أن يأكل السريد في مرقه !! .. حالة من الإلتواء في المسلك والمعتقد أكسبت العامية المصرية حالة من الميوعة والمرونة يصعب معها تدقيق المعاني وتحديد المقاصد .. بمعنى أن الإلتواء وعدم المباشرة أكسبتنا لغة عشوائية فضفاضة تتسع للشئ ونقيضه في جملة واحدة .. يصعب معها تدقيق المفاهيم .. لغة تتسع للمدائح في أثواب الشتائم، وتكسب الموبقات رونقاً، وتجعل من عطب الأخلاق فضيلة، وتسم الجبن بسمات الكياسة والحكمة، وتلبس الزور ثوب الحق!!



.. لم نضبط لغتنا؛ فلم نستطع ضبط تفكيرنا؛ .. فأصبحنا كائنات "زومبية"، ومسوخاً بشرية، وإضافات كمية إلى عبث الوجود أي "عالة على الإنسانية"!!



.. ولأننا شعب يعشق المبالغة .. لم نستطع وضع الأمور في نصابها؛ ولا الأحداث في ثوبها وحجمها؛ فارتفعنا بسقف توافه الأمور إلى عنان السماء؛ فإذا أصابت أحدنا نزلة برد قال :"ده أنا كنت هموت"، واذا ارتفعت حرارة أحدنا بمقدار شرطة في مقياس الحرارة قال:"أنا جسمي مولع نار !!"، وأذا دخل أحدهم في مناوشة وصفها بأنها معركة وأنها ملحمة وأنها تاريخية وانسحبت تلك الصفات على مباريات لعبة كرة القدم التي راح السفهاء يصفون حكامها بـ "قضاة البساط الأخضر" .. وفي إطار المبالغة خلطنا الجد بالهزل، وقايضنا الملح بالذهب، واستبدلنا الهزائم بغناوي الانتصارات !!



.. وفي زمن الكذب والغش والخداع، يكون مجرد قول الحقيقة عملاً ثورياً!! .. كان هذا ملخص مشكلاتي في دائرة عملي بمستشفى الحسين الجامعي، عانيت الكثير من المتاعب، حين استخدم القائمين على الإدارة كل زملاء العمل تقريبا لرغباتهم المشبوهه في إيقاع الأذى بي، وقد انصاعوا لذلك جميعاً وبلا استثناء في إطار سلوك مرضي تحكمه حالة تسمى في الطب النفسي تسمى"التماهي مع المعتدي أو متلازمة ستوكهولم Stockholm Syndrome"، ومن أهم أعراض ذلك المرض إيمان المقهورين بنفس أفكار وقيم المعتدي وتبرير أفعاله وتصرفاته، والاعتقاد جازمين أنهم لو كانوا مكانه لفعلوا مثله .. لكن ذلك لم يضعف من عزيمتي أو يحملني على تغيير مبادئي ؛ فقد كنت على يقين أن الحقيقة متلونة لبعض الوقت وأن الحق واحد، وأنه ليس للكذب أرجُل لكن للفضيحةِ أجنحة.



.. كنت أستمد العون والقوة من زوجي؛ فقد كان العون والسند والعزوة .. كان ذراعي الذي لا يلتوي، وظهري الذي لا ينكسر ولا ينحني .. كان دائما يردد على مسامعي أن المبادئ لا تتجزأ .. وأن الخطوة الأولى هى الخطوة الأخيرة في طريق السقوط في مستنقع التنازلات المخلة بالكرامة!!



كان الزملاء يعتقدون في إطار المبالغات المعتادة أنني أطلقت الرصاصة الأولى في "معركة كبيرة" لا أقوى على تداعياتها الوخيمة، وأنني لن أقدر عليها .. لكني كنت أراها مجرد "مناوشات صغيرة" مع موظفين فاسدين وتافهين !!


كانت البداية عندما تصديت لفساد نائب مدير المستشفي للشئون العلاجية ( م . س . ر.) الذي حاول أن يعقد صفقات مشبوهة من بعض شركات الدواء لمصالح شخصية تدر عليه منافع لا علاقة لها بتوفير الدواء وعلاج الفقراء من سكان المنطقة المحيطة بالمستشفي .. حول الرجل بسفالة وصفاقة لا مثيل لها إلا قضية تجاوز حدود اللياقة مع أحد ممثلي الإدارة العليا، ولأن منظومة الفساد يشد بعضها بعضا برعاية فضيلة شيخ الأزهر وتحت عمامة فضيلته؛ فقد وقعت على الكثير من الجزاءات التعسفية !!



.. ضاق صدري بما حق بي من ظلم ، وكان زوجي يخفف عني قائلا : "هذا قدر النبلاء في عالم تحكمه حفنة من اللصوص"، وكان يقول لي:"كوني حسنة الظن بالله، فالبتلاء دليل الاصطفاء؛ فقد قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : "وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين" صدق الله العظيم .



.. وأحيانا أخري  كان يقول لى مداعبا:



".. ولابد من يوم معلوم تترد فيه المظــــالم


أبيض على كل مظلوم .. أسود على كل ظالم"



.. كان أحيانا يضيف من عندياته كلمات لم ترد في مربعات ابن عروس لإشاعة البهجة؛ فيقول:"أبيض على كل مظلوم أسود و(منيل بنيلة) على كل ظالم!!".



.. لجأت إلى رئيس جامعة الأزهر د. أحمد الطيب كان الرجل يستمع ويتعاطف، لكنه كان أضعف من أن يدفع ظلماً، وكان نائباه يتلاعبان به ويدخلان الغش عليه؛ فكان عاجزاً لا يستطيع أن يحسم أمراً أو يصدر قراراً أو يتخذ موقفاً، وذهبت بشكواي إلى فضيلة شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي الذي قال لى: "احتسبي الأمر عند الله"، ولما هممت بالرد عليه تدارك زوجي الموقف وأنهى المقابلة بسرعة ودون أن يصافح الرجل، وعندما عاتبت زوجي في غيظ : "لماذا فعلت هذا؟!" أجاب في هدوء :



".. لأن شيخ الأزهر هذا رجل بذئ وفاحش ومتفحش وسافل وفاسد وضلالي، وأردت أن أحميك من كل بوائقه واجنبك ما لا تحمد عواقبه!!.".



كانت إجابة زوجي صادمة فطلب لي كوب من الشاي بالنعناع، وراح يدلل على صدق أقواله بالوقائع وشهودها الفعليين، وهو يدخن النرجيلة بمقهى الفيشاوي؛ فقال لي :



"يروي د. مصطفى الفقي أنه قال للدكتور «طنطاوى» يوم كان «مفتى الديار المصرية» : إننا ذاهبون مع الرئيس مبارك إلى «الولايات المتحدة الأمريكية» يوم الجمعة القادم واستطلاع رؤية «هلال رمضان» هو اليوم السابق على سفرنا، وأضاف مداعباً ليتك يا فضيلة المفتى تجعل بداية الشهر هى يوم السبت وليست يوم الجمعة فقال لى فى جدية هل هذه رغبة أخى «مصطفى» أم أنها إرادة السيد الرئيس؟



.. وذكر لي زوجي واقعة اعتداء "الشيخ طنطاوي" على زميله الأستاذ أشرف الفقي الصحفي بوكالة أ. ش. أ الذى وجه إليه سؤالاً استنكارياً حول زيارة حاخام إسرائيلى لمبنى «الأزهر الشريف"، وخلع طنطاوي حذائه وانهال به على الصحفي، وأحدث به إصابات ظاهرة، وعندما ذهب الصحفي إلى قسم شرطة الجمالية لتحرير محضر بالواقعة أُسقط في يد القيادة السياسية؛ فاستدعت فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي إلى قسم الشرطة لتسوية الأمر مع الزميل حرصاً على سمعة الأزهر، وقد استجاب الصحفي لوساطة الشيخ الشعراوي وتنازل عن المحضر !!



أضاف زوجي : ليس هذا فحسب بل أنه سلم السيدة "وفاء قسطنطين" التي أشهرت إسلامها بين يديه إلى الكنيسة ورفض إعطائها ما يفيد إعتناقها للإسلام  !!



لكن أحد الأدلة التي ساقها زوجي على فساد الرجل وضلالة وسوء خلقة جعلتني في حالة من الدهشة والعجب وهى :



«الفساد» في الأزهــــر

وبدل  «فتح الكــراتين»:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



     

      كان الموظفون في مشيخة الأزهر يعدون كشوف مكافآت شهرية لأنفسهم تحت مُسمى بدل «فتح كــراتين»، والكـراتين هي كـراتين المصاحف الواردة كهدايا من السعودية لتوزيعها على المساجد والمعاهد .



      .. ولتمرير الكشوف في إدارة مراجعة الحسابات كان يوضع على رأسها فضيلة الشيخ سيد طنطاوي شيخ الأزهر بقيمة مكافأة شهرية 30 ألف جنية (ثلاثون ألف جنية).





شيخ الأزهر ..

و «فتة» أحمد عـــــز :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



      في انتخابات مجلس الشعب 2006، قال الدكتور أحمد عمر هاشم لفضيلة شيخ الأزهر نحن مدعون لمؤازرة أحمد عز في دائرة منوف والسادات، وقال فضيلة شيخ الأزهر :



     ـ سياسة دي يا دكتور، ولا فتة ؟!!



     ـ فتة يا سيدنا.



     ـ روح بالهنا والشفا، وما تنسناش في النفحة !!





عندما كذب شيخ الأزهر

أمـــــــــام المـحـكـمــة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

  في القضية المرفوعة من مؤسسة الأزهر ضد جريدة «الفجر» التي نشرت رسم جرافيكي لشيخ الأزهر في زي الكهنوت .. كانت الجريدة تطالب الشيخ بعدم الذهاب إلى الفاتيكان الذي أهان الإسلام وقدح بحق نبيه.



    وطلب دفاع الجريدة مثول شيخ الأزهر أمام المحكمة، ولما مثل الشيخ سأله الدفاع عن خطاب وزارة الخارجية الذي يوصيه بعدم الذهاب إلى الفاتيكان، وأنكر شيخ الأزهر تلقيه لمثل تلك التوصية.



    .. إلا أن المحكمة فاجئت الشيخ بالخطاب، وكانت إدارة الشئون القانونية بالأزهر قد قدمته ضمن حافظة مستنداتها .



    .. وأسقط في يدي الشيخ الذي افتضح كذبه أمـام المحكـمة !! .. لكنه لم يخجل !!



كان الرجل مطبوعاً بخلقه على الكذب فقد نفى ان يكون صافح الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز عن قصد خلال مؤتمر حوار الاديان في الامم المتحدة وادعى انه لا يعرف بيريز،واتهم طنطاوي الصحافيين الذين روجوا صور لمصافحته بيريز بانهم "مجانين"، وزاد الراجل في حماقته وغيه فأصدر فتوي شرعية بوجوب جلد الصحفيين الذين نشروا بعضاً من التقارير الطبية عن الحالة الصحية للرئيس حسني مبارك !!



تحرش الشيخ

بصحفية "المصور"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



لكن ما لم يكن في الحسبان هو حكاية تحرش شيخ الأزهر بصحفية مجلة "المصور" الأستاذة (س. س .) أثناء إجرائها حوار صحفي معه!!.



قلت لزوجي في يأس وأسى :



ـ وأنا هاخد حقي إزاي من الناس دي ؟!!



ورد زوجي في ثقة الواثق: "والله العظيم ـ إن شاء الله ـ هتاخدي حقك تالت ومتلت وتحطي حذاءك على رأس كبيرهم الذي علمهم السفالة واللصوصية لأن كيد الشيطان ضعيف.".



.. ذهبت إلى الأجهزة الرقابية لكنها للأسف كان قد طالها العفن الذي لحق بأغلب مؤسسات الدولة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك ـ سامحه الله ـ ؛ فسمعوا ووعدوا خيراً لم يأت على أيديهم .



كان اليأس قد بدأ يتسرب إلى نفسي .. وكنت أردد مقولة صلاح عبد الصبور :



"هذا زمن الحق الضائع

لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله

ورؤوس الناس على جثث الحيوانات

ورؤوس الحيوانات على جثث الناس

فتحسس رأسك. . فتحسس رأسك !!"





لكن زوجي كان دائما متفائلا، فقال لي :



ـ خدي بكرة أجازة .



في الصباح اصطحبني إلى مكتب صديقه الأستاذ نبيل الهلالي المحامي، وبدأ العمل بآليات قضائية تخدمها تغطيات إعلامية صادقة وجادة ورصينة جعلت من اللصوص يسعون لاسترضائي .. الأمر الذي رفضته تماما !!



وبدأت تدور الدوائر على لصوص المال العام من سفهاء موظفي مستشفيات جامعة الأزهر .. ومع الضربات القانونية المدعومة إعلاميا بدأ الفساد يتهاوى تحت وطأتها وراح عقد الفاسدين ينفرط وراحوا يتبادلون الاتهامات ؛ فظهرت الحقائق، وخبت الأكاذيب، واتخذت النيابة الإدارية للأوقاف والأزهر شئونها  حيال وقائع المخالفات المالية والإدارية التي أبلغت عنها واتخذت قرارها :



1 ـ إحالة الأستاذ الدكتور محمد السيد رضوان نائب مدير مستشفى الحسين الجامعي إلى مجلس تأديب الأستاذة بجامعة الأزهر لمحاسبته على المخالفات المنسوبة إليه .



2 ـ إحالة الصيدلانية حكمت الغمري مدير الصيدلية إلى المحاكمة التأديبية .



3 ـ إحالة الصيدلانية نادية السيد نائب مدير الصيدلية إلى المحاكمة التأديبية .



4 ـ إحالة ابراهيم على ابراهيم مدير شئون العاملين بالمستشفى إلى المحاكمة التأديبية لما هو منسوب إليه من تلاعب في محررات رسمية، وإبلاغ النيابة العامة لاتخاذ شئونها حيالها.



5 ـ إحالة راوية محمد موظفة شئون العاملين بالمستشفى إلى المحاكمة التأديبية لما هو منسوب إليها من تلاعب في محررات رسمية، وإبلاغ النيابة العامة لاتخاذ شئونها حيالها.



جاء الحق بعد عناء .. لم أكن أبغي الإساءة إلى أحد .. أو الحاق الضرر بأحد، ولكني كنت راغبة في الحفاظ على الأمانة وأدائها إلى المرضى الفقراء في حي فقير .





.. ولأن للشر ألف وجه؛ فقد ظل متربصاً بي، وجاءته الفرصة عندما جاء دوري في الترقية إلى كبير الصيادلة بدرجة مدير عام؛ فانتهزها مدير شئون العاملين المصوم بالفساد بحكم المحكمة التأديبية ليتخطاني في الترقية، ..  وقال لي زوجي:



ـ  لا عليك في اللجوء إلى القضاء ما يحفظ للناس حقوقهم وكرامتهم.



.. وقد كان فقد قضت المحكمة الإدارية بأحقيتي في الترقية، وأيدتها فيما قضت به المحكمة الإدارية العليا، واصبحت مديرة إدارة الصيدليات بمستشفى الحسين الجامعي .



.. ولأن الحياة لا تخلو من منغصات .. ولأن البلاء صنو الأمانة .. كانت أول المشاكل عند طلب مني عميد كلية الطب أ . د. أسماعيل شبايك أن أتنازل عن 15 مليون جنية من ميزانية الدواء (55 مليون جنية)؛ بزعم وفرة الدواء لتوجيهها لدعم بنود أخرى، ورفضت !!



.. وكان الاختبار الثاني عندما اندلعت فعاليات ثورة 25 يناير 2011، وحدث أن استوقف أمن المستشفى سيارتين من خارجها تابعتين لإحدي الجمعيات الخيرية في الطريق إلى ميدان التحرير لإسعاف المصابين من شباب المحتجين هناك ، وارتأى مدير المستشفى في تصرف رجال أمن المستشفى، وقرصنتهم في السطو على دواء مملوك للغير تصرف يستحق مكافأتهم !!



.. واستدعاني السيد المدير وطلب مني إدخال الدواء المسروق إلى مخازن الدواء، ورفضت إدخال دواء مجهول المصدر وبدون أذون توريد، وفواتير شراء ومحاضر فحص، .. وانتهت علاقتي بالموضع !!



.. عشت المتاعب الكثيرة من أجل الصواب .. ومن أجل المرضى الفقراء .. وعندما أحكي تلك الحكايات؛   فأنا لست طامعة في بطولات، ولا تصفية الحسابات مع الخصوم  .. لكنه كشف للعورات وفضح للبيروقراطية وفساد الذمم التي نكتوي بنارها في وطن يرى التخلف والضلال والفساد تراثاً يجب المحافظة عليه مثلما ورد بالأية الكريمة على لسان المشركين : "إنا وجدنا أباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون." صدق الله العظيم



***

في 30 يناير 2012 تمت إنهاء خدمتى القانونية لبلوغي سن المعاش .. واحتفى الزملاء بي وقدموا لي الهدايا التذكارية .

حفل تكريمي بحضور الأستاذ الدكتور عميد الكلية والأستاذ الدكتورمدير عام المستشفى


.. وأشاد الأستاذ الدكتور العميد في كلمته بأمانتي ودقة أدائي
.. وأشادت بي السيدة حورية مدير شئون العاملين
.. وألقت الصيدلانية غادة كلمة عن الصيادلة وقدمت لي بالنيابة عنهم هدية تذكارية
مع الأخوة عمال الصيدلية
مع الزميلات في سكرتارية الصيدلية
مع الأبناء الصيادلة د. شريف ود. محمد ود. محمود
.. وفي الختام ألقى زوجي كلمة قال فيها : أنني لست صيدلانية ممتازة فقط ، ولكني "ست بيت" ممتازة أيضا




الفصل الرابع :

ـــــــــــــــــــــــــ




رحلة على أجنحة

الأسرة البيضاء!!




أنهيت خدمتي القانونية بدرجة كبير صيادلة مدير عام لصيدليات مستشفى الحسين الجامعي.. كنت أخطط مع زوجي لقضاء ما بقي من أيام العمر في بيتنا الهادئ بأحد منتجعات ضواحي الإسكندرية الهادئة.. كنا نفكر في الاستمتاع بالراحة بعد شقاء العمر .. كنا نتعوذ بالرحمن من شر كل طارق بالليل والنهار إلا طارق بخير بإذن الله .. كنا نتعوذ من زائر الفجأة وطارق الغفلة .. لكن ليس ما يتمناه المرء يدركه، وصدق الله العظيم في محكم كتابه الكريم : "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ" سورة الانشقاق (6)؛ فالعناء والكدح سنة الله في خلقه!!، فلم تمضي بنا الأيام قليلاً حتى سقطت ذات صباح في ردهة بيتنا وأسرع زوجي في لهفة ليطمئن على .. كنت قد استشعرت دوار خفيفاً وطمئنه، ولم نلق بالاً للأمر باعتباره حدثاُ عارضاً !!.



لكن وبعد فترة تكرر الأمر .. كانت الإصابة شديدة وسال الدم من وجهي ولم ننتظر سيارة الإسعاف وأسرعنا إلى المستشفى بسيارة ابن الجيران .. كانت الإصابة في وجهي وأصر زوجي على استدعاء جراح تجميل مهما كانت التكلفة والأعباء وتم أنجاز الأمر على أفضل أوجهه .. وبعد أن تماثلت للشفاء الظاهري واستعدت بعضاً من عافيتي .. قال زوجي:


ـ سنسافر إن شاء الله غدا للقاهرة لإجراء الفحوص الطبية، والاطمئنان عليك .





وبعد وصولنا القاهرة ذهبنا للفحص بالمركز الطبي للمقاولون العرب وكانت النتائج كلها جيدة وليس من بينها ما يجعلنا نستشعر القلق!! إلا أن الأطباء المعالجون قد أوصوا بضرورة مراجعة استشاري المخ والأعصاب، ونظراً لانشعال الطبيب المعني فقد استعانا بالمساعدة الطبية للأستاذ الدكتور حسين الشربيني أستاذ المخ والأعصاب بكلية طب القصر العيني ـ جامعة القاهرة الذي قدم لنا العون الطبي في حدود ما استظهرته صور الأشعة وكشفت عنه التحاليل الطبية، وبدأت رحلة العلاج على أجنحة الأسرة البيضاء .



ولم نغادر القاهرة حتى أكد لنا الأطباء المعالجون أننا تجاوزنا مرحلة الخطر ونبهوا علينا بضرورة استكمال العلاج الطبيعي وأوصوا بعدد 12 جلسة تم وصفهم طبيياً للأخصائي المختص ، وذهبنا إلى المستشفى العسكري البحري برأس التين بعتباره من أفضل المنشأت الطبية التي تقدم تلك الخدمة .



وبدأت مرحلة من الهدوء النسبي في حياتنا وكان زوجي حريص على ألا اتحرك بمفردي؛  مسانداً وداعما لي ولم يعد يسمح لى بدخول المطبخ واستقدم خادمة منزل سيدة اسكندرانية طيبة تدعى "أم حمو"، وطاهية طعام من محافظة الفيوم تُدعى "أم ملك"، ولما شكوت إليه تقصيرها أستبدلها بطاهية أخري من محافظة المنوفية تدعى "أم مريم" .. كان خروجنا دائما لقضاء بعض شئووننا برفقة السائق .



.. وكان عبده الشاب الأسواني الطيب من ذي الاحتياجات الخاصة يقضى لنا بعض المصالح في طيبة وبابتسامة عذبة تقطر صفاء ونقاء ورقة يتولى سقاية أشجار الحديقة ورعاية نباتات الزينة والنباتات العطرية في شرفة منزلنا .. كنت أوصيه خيراً دائما بأشجار التمر حنة وأشجار الفل والياسمين وشجرة ملكة الليل التي كنت أعشق ريحها، واستشعر أنها تنقل إلي أريج الجنة، وبابتسامته  الطيبة يشير إلى عينيه.



كانت جلستي المفضلة في شرفة بيتنا بجوار شجرة التمر حنة التي أعشق ريحها!!



وذات صباح استشعرت بعض التعب وفقدت الرغبة في تناول الطعام، واستدعى زوجي الممرضة التي أكدت على ضرورة نقلي إلى المستشفى، ونقلتني سيارة الإسعاف إلى مستشفى السلامة بمنطقة حدائق الشلا لات ورغم المصاريف المبالغ فيها لتكلفة الخدمة الطبية لم ينجح أطباء المستشفى في الوصول إلى  تشخيص طبي محدد يعول عليه في وصف علاج!!، وأكد الأطباء أنني لا أعاني مرضاً، ومع ذلك استمرت حالة فقدان الشهية للطعام، وهو ما سبب لزوجي ضيقاً؛ فراح يمارس الضغوط على لأتناول الطعام .



وعدت إلى بيتنا لكن بعد أيام فقدت القدرة على ابتلاع الطعام، وأصبحت أجد صعوبة فيه، ونقلني زوجي إلى إحدى المستشفيات الكبري على شاطئ الإسكندرية، ونزلت في الغرفة 7023 التي حملت اليوميات رقمها !!

في المستشفى بالأسكندرية


 
في الغرفة 7023 التي حملت اليوميات رقمها في العنوان



وفي المستشفي المذكور أصيبت بعدوى المستشفيات، وراح المسئولون في المستشفى يلحون على زوجي لإخراجي لأحظي بما يطلقون عليه الرعاية المنزلية Home Care  .



خرجت من المستشفى، وبدأت الرعاية المنزلية بإشراف طبي وتجاوزت مرحلة عدوي المستشفيات وتماثلت للشفاء .. والحمد لله رب العالمين .

غرفتي رقم 4 الدرجة الأولى اللمتازة بمستشفى البحوث بالأسكندرية




وبعد فترة أستلزم الأمر لنقل الدم ونقلتني سيارة الإسعاف إلى مستشفى معهد البحوث الطبية التابع لجامعة الإسكندرية ونزلت في الغرفة 4 الدرجة الأولى الممتازة ، وبدأت حالتي في التحسن النسبي، والحمد لله رب العالمين .





الفصل الخامس :

ـــــــــــــــــــــــــ



عدوى المستشفيات



           عدوى المستشفيات !!


     العدوى في المستشفيات هي الغول القاتل للملايين من ضحايا الإهمال الطبي دون أن يهتز له جفن والذي يشكل سبباً من أسباب الرعب للقائمين على تقديم الرعاية الصحية والقائمين على إدارة المستشفيات في شتى أنحاء العالم من أصحاب الضمائر الحية والعقول الفطنة ، وفي الوقت نفسه تحول الأمر الى ما يشبه التحدي بالنسبة لهم بهدف التصدي لأي نوع من أنواع العدوى أو البكتيريا ضمن بيئة المستشفى في إطار الحرص على وجود مؤسسات صحية آمنة تضمن سلامة المريض سواء أثناء زيارته أو إقامته في المستشفى أو عند إجراء العمليات الجراحية.

    وعدوي المستشفيات هي تلك العدوي التي تظهر أعراضها على المريض في خلال 72 ساعة من دخوله المستشفى ولم تكن تلك الأعراض مثبتة في التشخيص الإكلينكي .

       وتعد برامج مكافحة العدوى اليوم شرطا أساسيا لبرامج الإعتماد الصحية للحد من انتشار العدوى داخل المستشفيات من أجل تحقيق الهدف الرئيسي لمنع أو الحد من مخاطر العدوى المكتسبة داخل المستشفيات.

        لكننا في مصر وقد اعتمدنا الفوضى سلوكاً والعشوائية منهجاً، وقلنا : «قول يا باسط» ، و «خليها على الله»، و «ربنا هو الحافظ» وهي كلمات حق يراد بها الباطل؛ فقد تجاوزت نسبة عدوى المستشفيات في مصر 25 % وهو رقم لم يتحقق في أي دولة أخرى نتيجة قذازة المستشفيات وتواجد القطط والكلاب والفئران والصراصير وتدني كفاءة الطواقم الطبية !!

         وتحاول منظمة الصحة العالمية، وانطلاقا من حرصها على نشر الوعي، الاحتفاء بالأسبوع العالمي لمكافحة العدوى في الفترة بين 16 و22 أكتوبر من كل عام بهدف التوعية بكيفية مكافحة العدوى وانتقال الفيروسات، ذلك لأن العدوى المرتبطة بالرعاية الصحية تهدد سلامة المرضى في جميع أنحاء العالم.

          تهدف منظمة الصحة العالمية من خلال الإحتفال بالأسبوع العالمي لمكافحة العدوى الى التوعية تعزيز مكافحة العدوى في المنشآت الصحية والتركيز على دور متخصصي مكافحة العدوى وأهميته في الحد من انتشار العدوى حيث أن التدابير الوقائية والإجراءات الاحترازية التي توصي بها تحد بشكل كبير من خطر انتقال العدوى والارتقاء بالأداء نحو مؤسسات صحية آمنة وخالية من العدوى لسلامة المرضى ومقدمي الرعاية الصحية وكذلك الزائرين. وفي هذا الأسبوع العالمي، تركز الفعاليات حول التوعية بمخاطر العدوى وكيفية الوقاية منها ووقف انتقال الفيروسات، إذ تحث المنظمة على أهمية حصول المرضى على رعاية صحية آمنة.

ممارسات طبية عالمية :

        وقد أولت المستشفيات اليوم أهمية خاصة لمكافحة العدوى عبر إنشاء قسم خاص يسعى الى تطبيق المعايير الدولية ومراقبة بيئة المستشفيات للوصول الى أدنى مستوى من مخاطر انتقال العدوى إلى المرضى عن طريق جعل مكافحة العدوى وإجراءات النظافة الصحية أقرب إلى إجراءات يومية ومسؤولية كل فرد يعمل ضمن المستشفى. انطلاقا من أهمية الأمر، عملت المؤسسات الدولية على وضع بروتوكولات مثبتة بالدليل العلمي توصي بتطبيق معايير وممارسات طبية عالمية لضمان الجودة والأداء العالي، وقد نجحت غالبية المستشفيات في دول المنطقة في تطبيق تلك البروتوكولات من خلال اتباعها إجراءات وقائية هي أشبه بخطوات يومية إحترازية يتم تطبيقها من قبل مقدمي الرعاية الصحية على اختلاف فئاتهم ضمن المستشفى تهدف مكافحة العدوى وتتعلق بسلامة المرضى ومكافحة العدوى. هذه التدابير تهدف الى الوقاية من العدوى ومكافحتها لحماية أولئك الذين قد يكونون عرضة لاكتساب العدوى أثناء تلقي الرعاية الصحية. المشكلة تكمن في أن كل مريض يبقى في المستشفى لأكثر من عشرة أيام يصبح عرضة للإصابة بهذه العدوى خصوصا لدى من يعاني من ضعف في المناعة.

       في مثل هذه الحالات، فإن المسؤولية مشتركة بين كل من يقدم الخدمة الصحية لهذا المريض حيث ينبغي التعامل مع هذه الفئة بحذر شديد واتباع الإرشادات بدقة متناهية لتقليل خطر انتقال العدوى إليه والوصول الى نسبة صفر بالمائة وهو أمر بات ممكنا اليوم في حال حرص المستشفى على تطبيق المعايير والبروتوكولات العالمية التي تقضي الى السيطرة على انتقال العدوى داخل بيئة المستشفى.

إحصاءات عالمية :

         تتبع معظم مستشفيات العالم السياسات والبرامج العالمية لمكافحة العدوى داخل أروقتها انطلاقا من حرصها على سلامة المريض والعاملين فيها من جهة، وتأكيدا منها على مواكبة البروتوكولات العالمية التي تخوّلها الحصول على شهادات الإعتماد الدولية التي تعكس الإعتراف العالمي بها. تعتبر فرنسا من الدول التي أحرزت تقدما بارزا في هذا الشأن، حيث تم إنشاء لجنة مخصصة لمكافحة العدوى وهي اللجنة الفرنسية لمكافحة العدوى تضم استشاريين من كبار المتخصصين للعمل على برمجة مكافحة العدوى داخل المنشآت الصحية.

        تشير آخر الأرقام الصادرة عن اللجنة الفرنسية لمكافحة العدوى (CLIN) أن نسبة العدوى في مستشفيات فرنسا وصلت الى خمسة بالمائة في مسح أجرته في العام 2017. وفي هذا الإطار، لابد من الإشارة الى ان هذه النسبة تعتبر منخفضة للغاية مقارنة مع دول عدة في العالم تصل فيها النسبة الى حوالى 20 بالمائة وهو ما يعكس العمل الدؤوب والجهود الحثيثة التي تقوم بها فرنسا لمكافحة العدوى داخل أروقة المستشفيات انطلاقا من أهمية هذه الخطوة في الحد من المضاعفات الخطيرة إذ وبحسب الأرقام العالمية الصادرة في هذا الشأن، فإن مريض من كل 20 مريضا معرض للعدوى في المستشفى.

قسم خاص لمكافحة العدوى :

      أدركت المؤسسات الصحية والمستشفيات أهمية الأمر في ظل التحذيرات العالمية وارتفاع نسبة الإصابات بالعدوى داخل المستشفيات، فحرصت على إنشاء قسم مخصص لمكافحة العدوى يهدف الى الحد من انتشار الأمراض المعدية والوقاية منها من خلال تطبيق السياسات والإجراءات الإحترازية لمكافحة العدوى وكذلك الاحتياطات المبنية على طرق انتقال المرض، وتعميم ومتابعة ذلك داخل المستشفى.

      يقوم هذا القسم على تطبيق أساسيات علم الوبائيات والمبادئ العلمية لمنع أو الحد من معدلات عدوى المستشفيات بين العاملين بالمستشفى وبين المرضى والزوار؛ ويقع على عاتق هذا القسم التقيد التام بسياسة العلاج بالمضادات الحيوية ومناظرة الجروح، وضمان الإلتزام بالدليل المعتمد لسياسات وإجراءات احتياطات العزل بالمنشآت الصحية وجميع السياسات الخاصة بالأقسام الأخرى، إضافة الى توفير الإمكانات والمعدات التي تتيح لمقدمي الرعاية الصحية من أطباء وممرضين مداومة الممارسة الجيدة لمكافحة العدوى.

        الجانب التثقيفي مهم جدا في هذا الشأن، سواء لمقدمي الرعاية الصحية والعاملين في المستشفى او المرضى او حتى الزوار؛ وهنا، يقع على عاتق القيمين على قسم مكافحة العدوى إعداد منشورات او كتيبات توضح أهمية هذا الأمر وكيفية الحفاظ على النظافة العامة والتعقيم، الى جانب ورش عمل ودورات تدريبية لمختلف الأقسام لتدريبهم على بعض الوسائل الحديثة في مكافحة العدوى. هذا القسم مسؤول عن مراقبة جميع أقسام المستشفى والتعاون معها من أجل تطبيق إرشادات مكافحة العدوى العالمية وفق ما هو وارد ضمن البروتوكولات العالمية الكفيلة في حصول المستشفى على شهادات الجودة العالمية. ومن ضمن هذه الطرق:

        ـ غسل اليدين بطريقة صحيحة قبل وبعد التعامل مع المريض وخاصة عند أخذ العينات منه.

        ـ ضرورة ارتداء الملابس الوقائية، ووضع كمامة الفم والأنف والنظارات الواقية للعينين لحمايتهما من التلوث الناتج عن رذاذ الدم أو أي سائل ملوث.

      ـ التخلص من النفايات وتطهير أماكنها لمنع تكاثر الميكروبات والقضاء عليها للحد من انتشار الأمراض.

       ـ ضرورة عزل بعض المرضى الذين يعانون من أمراض معدية لمنع انتشار العدوى، واتباع الإجراءات الإحترازية خلال التعامل معه مثل ارتداء كافة الملابس الوقائية ثم التخلص منها بالطرق الصحيحة وعدم استخدامها مرة أخرى أو عند التعامل مع مريض آخر.

       ـ مراقبة المطبخ وطرق التخلص من النفايات ومكافحة الحشرات وإرشاد عمال النظافة إلى الطرق السليمة فى جميع الأمور المتعلقة بمكافحة العدوى والحفاظ على نظافة بيئة العمل المحيطة بهم.

     ماهي عدوى المستشفيات؟

       عدوى المستشفيات "Nosocomiale Infection" هي عدوى أو "إنتان يكتسبه المريض بعد دخوله ولا تظهر أعراضها إلا بعد مرور 72 ساعة أو أكثر من دخوله إليه، وتؤدي إلى امراض خطيرة وتزيد من الكلفة العلاجية والعناية بالمريض.

      تنتقل العدوى في المستشفيات بطرق مختلفة ومن مصادر متنوعة مثل الهواء أو الماء أو الغذاء أو الحشرات أو المرضى أنفسهم أو الطواقم الطبية، الزوار، عمال النظافة، الأسطح والأدوات والأجهزة.

       تتميز مسببات العدوى في المستشفيات ومؤسسات الرعاية الصحية بشراستها وقدرتها غير العادية على مقاومة المضادات الحيوية بشكل متعدد ومتزامن أي أن نوع البكتيريا الواحد يكون مقاوما لمجموعة كبيرة من المضادات الحيوية ووصل الأمر أن  تكون مقاومة لكل المضادات الحيوية المعروفة.

      تحصل العدوى بطرق عدة والاختلاط أحدها، حيث تنتقل من مريض لآخر كوجود مريض يعاني من التهاب بالقرب من مريض أجريت له عملية أو من خلال العاملين بالمستشفى من الاطباء او من التمريض او العمال وما يحملونه من كائنات دقيقة بأيديهم أو ملابسهم حيث يتم نقلها للمرضى أثناء تقديم العناية التمريضية أو الفحوصات المخبرية وربما من خلال العطس أو الكحة أو المصافحة.

         وهناك العدوى المكتسبة وهي انتقال الميكروبات للمرضى من البيئة عن طريق تناثر الغبار-المفروشات او استخدام الآلات غير النظيفة او من خلال اعطاء أدوية ملوثة. العدوى الذاتية هي تلك التي تنتقل فيها الميكروبات داخل جسم الإنسان الواحد من عضو لآخر من خلال تكاثر الميكروبات الموجودة في جسمه وعلى سطح جلد المريض أو في إحدى أجهزة الجسم ومن الأمثلة على ذلك فتح الجروح بعد العمليات أو ظهور خراج.

       طرق مكافحة العدوى:

         هناك العديد من الخطوات المتكاملة فيما بينها هي أشبه بحلقة متكاملة من الإجراءات ينبغي تطبيقها من كل من يعمل ضمن إطار المنشأة الصحية وعلى المريض أن يلحظها منذ لحظة وصوله الى مبنى المستشفى ومروره بالقسم الخاص بحالته ومن ثم غرفة العمليات، في حال اقتضت الحالة لذلك، ووصولا الى مغادرته المستشفى.

      نظافة اليدين :

       تنظيف اليدين وتنعيمهما وتطهيرها قبل وبعد التعامل مع المريض وخاصة عند أخذ العينات منه هو الإجراء الأول لكسر آلية انتشار العدوى وهو ضرورة قصوى على كل من يعمل في المنشأة الصحية أن يتبعه، حيث تبيّن أن الإلتزام بغسل اليدين يسهم في تقليل حالات العدوى في المستشفيات بنسبة تصل إلى حوالى 50 بالمائة.

       أهمية نظافة اليدين كانت سببا لحث منظمة الصحة العالمية على إعلان اليوم العالمي لغسل اليدين لما لذلك من دور في تجنب انتقال العدوى. نظافة اليدين تعتبر من أهم الإجراءات التي تمنع انتشار العدوى داخل المستشفيات، وهي مصطلح عام يشتمل على غسل اليدين بالماء والصابون وتطهيرها بالمواد المطهرة بالتدليك بالكحول وتطهيرها استعداداً للإجراءات الجراحية.

          لكن غسل اليدين في المستشفيات يجب ان يتم بطريقة وتقنية محددة تضمن التخلص من الجراثيم، وتتمثل تلك التقنية على النحو التالي:

     • الفرق الطبية ومقدمي الرعاية الصحية يتبعون تقنية الخطوات السبع لغسل اليدين والتي تهدف الى عدم إهمال أي منطقة خلال غسل اليدين للتأكد من أنه تم تنظيفها وتعقيمها بشكل كامل.

• فرك راحة اليدين مع بعضهما.
• فرك ظهر كل من اليدين.
• وضع الأصابع مقابل بعضهما وفرك اليدين مع بعضهما.
• شبك الأصابع وفرك ظهر الأصابع في كلتا اليدين.
• فرك الإبهام بطريقة دائرية وصولاً للمنطقة الواصلة بين السبابة والإبهام في كلتا اليدين.
• فرك رؤوس الأصابع على راحة اليد وذلك لكلتا اليدين.
• فرك كلا المعصمين بطريقة دائرية.

غرف العناية المركزة :

       تشكل غرف العناية المركزة أولى اهتمامات قسم مكافحة العدوى في أي مستشفى نظرا لما يتوافر فيها من أجهزة ومعدات طبية، فضلا عن تطبيق أحدث طرق التدخل الطبي المعقدة هي في غالبيتها لحظات حاسمة تُحسب خلالها الثانية لإنقاذ حياة المريض.

        الكوادر البشرية العاملة في أقسام العناية المركزة ينبغي أن تخضع لدورات من التدريب الخاص مع الحرص على المتابعة المستمرة لمواكبة كل ما هو جديد في مجال مكافحة العدوى نظرا لحساسية موقعه خصوصا ان مرضى العناية المركزة يعانون من ضعف المناعة ما يعني زيادة قابليتها لالتقاط العدوى. وهنا، يجب ان تحظى غرف العناية المركزة بالمستشفيات بأحدث التجهيزات الطبية وبأعلى المعايير والمقاييس الخاصة بالعدوى، بحيث تكون مستقلة لكل مريض عبر وجود عازل بين المريض والآخر. مرضى العناية المركزة والمحيطين بالأجهزة الطبية مثل أجهزة التنفس هم أكثر عرضة لانتقال العدوى، خصوصا مرضى الجروح والحروق وكذلك ذوي المناعة المنخفضة أو المداومين على الأدوية المثبطة للمناعة مثل مرضى السرطان الذين يتم إعطاؤهم جرعات علاج كيميائي، إضافةً إلى مرضى الأمراض المزمنة والكلى الذين يتم علاجهم عن طريق الغسيل الكلوي.

       هناك الكثير من الخطوات والإجراءات الاحترازية للوقاية من العدوى في قسم العناية المركزة، وتكون البداية بأخذ الاحتياطات عند احتمالية التعرض للدم وسوائل الجسم عبر غسل الأيدي لأنها تُعد ناقلة للعدوى حيث ينبغي غسل اليدين أولا ثم استخدام المطهر قبل لمس المريض وبعده مع ضرورة عدم لمس مريض آخر قبل التأكد من تعقيم اليدين بشكل دقيق. يتوجب على العاملين في هذا القسم وضع الكمامة والنظارات الواقية لاسيما أثناء التعامل مع المرضى الذين لديهم أمراض معدية. 

قسم الطوارىء :

      إن طبيعة الرعاية الصحية في قسم الطوارئ تختلف عن باقي أقسام المستشفى حيث ينبغي  اتخاذ قرارات فورية والشروع فورا بإجراءات رعاية المريض في وقت أقل؛ وعليه، يجب أن تتضمن هذه الإجراءات فهما كاملا لطرق مكافحة العدوى من أجل حماية المريض وكذلك الشخص المسؤول عن تقديم الرعاية الصحية. يتوجب على فريق العمل بقسم الطوارئ والفريق القائم على تقديم الرعاية الصحية في مرحلة ما قبل دخول المستشفى أن يعتبروا الدم وإفرازات الجسم الأخرى لجميع المرضى سوائل معدية ومن ثم يتعين عليهم استخدام الأدوات الشخصية الواقية والتقنيات التي تحول دون الإصابة بالعدوى.

       يتعين على العاملين بقسم الطوارئ غسل اليدين بالماء والصابون أو بأي وسيلة أخرى كما هو متبع في الأقسام الأخرى، مع ضرورة الالتزام بارتداء القفازات دائما عند التعامل مع الدم وسوائل الجسم المختلفة عند التعامل مع أي مريض، والتخلص منها وغسل اليدين بعد كل مرة يتم فيها التعامل مع المريض وقبل مغادرة مكان الإسعاف.

     كما يجب ارتداء قناع واقي عالي الكفاءة عند نقل المريض أو عند تقديم الرعاية اللازمة لهم خصوصا ممن ثبتت إصابتهم بالأمراض التي تنتقل عن طريق الهواء مثل السل الرئوي النشط، ويفضل الاستعانة بقناع واقي لأمراض الجهاز التنفسي عالي الكفاءة مع حث المريض على تغطية فمه عند السعال. يجب على العاملين بوحدات الإسعاف والطوارئ إبلاغ العاملين بالصحة المهنية عند تعرضهم للملوثات أو الآلات الحادة أو الإبر أو الدم أو إلى أي مادة يحتمل أن تكون معدية عند اختراقها للجلد أو وصولها للأغشية المخاطية.

غرف العمليات :

       تشكل العدوى المنتقلة في غرف العمليات أكثر الأنواع شيوعا في ما يتعلق بالعدوى ضمن مؤسسات بالرعاية الصحية، حيث تسبب نسبة كبيرة من الأمراض. إن مسألة تطبيق الأساليب المانعة للتلوث بدقة وحزم أمرا غاية في الضرورة داخل غرفة العمليات ويجب على كل مستشفى أن تضع السياسات والإجراءات الخاصة للإلتزام بهذه القواعد. فعندما تحدث هذه العدوى بشكل عميق في مكان التدخل الجراحي فإنها تتسبب في حالات الوفاة التي قد تصل نسبتها إلى 77% وهناك العديد من العناصر التي تحدث العدوى ولكن ابتداء دخول الميكروبات المسببة للأمراض إلى موضع الجراحة يحدث غالبا أثناء الإجراء الجراحي داخل غرفة العمليات. للحد من مخاطر العدوى في موضع الجراحة، ينبغي تطبيق منهج نظامي وواقعي مع إدراك أن هذه المخاطر تتأثر بسمات المريض ونوع العمليات والعاملين والمنشأة الصحية.

        فالوقاية من العدوى داخل غرفة العمليات تبدأ من خلال الاتباع الدقيق للأساليب المانعة للتلوث، وهي:

         • الغسل أو التطهير المناسب لليدين.
         • استخدام أدوات الوقاية الشخصية مثل القفازات وملابس الجراحة.
         • عزل موضع إجراء الجراحة عما يحيط به من بيئة غير معقمة.
       • خلق مجال معقم والإبقاء عليه معقما حتى يمكن إجراء الجراحة به بأمان.
         • الحفاظ على بيئة آمنة في منطقة الجراحة.


تعقيم المعدات الطبية :

      يأخذ برنامج مكافحة العدوى على عاتقه مسألة تعقيم الأدوات الطبية وتحديدا تلك المستخدمة في أقسام الطوارئ والعمليات والعناية المركزة لتجنب انتقال الجراثيم والعدوى من مريض لآخر؛ ويعتبر هذا الأمر بالغ الأهمية، ما حث بعض الشركات الطبية على إنتاج معدات للاستعمال الواحد فقط لتجنب الاستعمال المتكرر لبعض تلك المعدات الضرورية، الأمر الذي ساهم الى حد كبير في تجنب انتقال العدوى لأنها تستخدم مرة واحدة فقط ويتم التخلص منها.

         تعد المعدات الطبية و الآلات الجراحية من الأدوات الضرورية للعناية بالمرضى، و مع ذلك فقد تؤدي هذه الأدوات إلى انتقال العدوى بالممرضات المجهرية بسبب إعادة استخدامها، وذلك إذا لم تتم خطوات إعادة المعالجة من تنظيف وتطهير وتعقيم على أكمل وجه. ونظراً لتواجد الأغلبية العظمى من الممرضات المجهرية في المواد العضوية العالقة والأقذار المرئية، فإن عملية التنظيف تعتبر أول خطوات معالجة الآلات وأهمها.

التعامل مع الجروح المفتوحة :


      تبيّن أن العدوى البكتيرية التي تحدث للإنسان في حال كان يعاني من الجروح تسهم في تقليل سرعة التعافي وتعرضه لمضاعفات خطيرة مع مرور الوقت؛  من هنا، فإن التعامل مع الجروح يجب أن يتم بحذر شديد وعناية غير عادية. يجب أولا تنظيف الجروح إزالة المسبب الرئيسي، فيتم غسل الجرح من خلال الماء الجاري على أن يتم مسحها بعد ذلك من خلال المحاليل المعقمة. الخطوة الثانية تكون بوضع المضاد الحيوي على الجرح أو تناوله بعد تطهير الجرح وهي خطوة مهمة جدا لتجنب حدوث العدوى للمريض وانتقال الميكروبات إليه. ثم يتم إغلاق الجرح من خلال العمليات الجراحية او من خلال وضع الضماد في حالة الجروح الصغيرة ولابد من اتخاذ تلك الخطوة لتجنب حدوث مشاكل مما يساعد على الشفاء سريعا. كما يوجد بعض الخطوات الواجب اتباعها والتي من شأنها العناية بالجروح بشكل يمنع انتقال العدوى، حيث يجب تجنب لمس الجروح بالأيدي، واتباع الأساليب المانعة للتلوث عند العناية بالجروح، استخدام ضمادات معقمة وغسل اليدين بشكل روتيني، غسل اليدين غسلاً صحياً ثم تجفيفها مع ضرورة ارتداء قفازاً معقماً، تنظيف الجرح باستخدام آلة ماسك جراحي وقطعة قطن أو شاش مبللة بمحلول مطهر، ولا يسمح بلمس الجرح بالأيدي.

احتياطات النظافة :

         ويراعى التنبية على القائمين على النظافة بأستخدام محلول منظف عالي الفعالية وأدوات خاصة .

          ـ غسل وعاء التنظيف بعد استعماله بالماء الدافئ
       ـ عدم أضافة كمية من المطهر الى الكمية السابقة بل يجب أنتظار نفاذ الكمية أو التخلص منها قبل أعادة الملئ .

         تقسيم المستشفى إلى مناطق ويتم التعامل مع كل منطقة وفقا لمطلباتها:

       • المناطق قليلة الخطورة: مثل صالات انتظار المراجعين والأماكن الإدارية.

         • متوسطة الخطورة: اقسام وردهات المرضى .

          • المناطق شديدة الخطورة: مثل أماكن الرعاية الخاصة ( مثل ردهات واجنحة العزل العزل ووحدات الرعاية المركزة وغرف العمليات ووحدة الغسيل الكلوي والحروق

        • استخدام الفوط ذات الاستخدام الواحد.

        وقد أثبتت خبرة السنين أن عدوى المستشفيات عدوى مكتسبة تحدث بشكل وبائي في حال إهمال الاحتياطات الازمة، لذا فقد أردت التنبية والتنوية حتى لا يبتلى أحد بما عانيت وأعاني، والحمد لله رب العالمين.

الفصل السادس :

ـــــــــــــــــــــــــــ


قدر الله

       هأنذا أقف على أعتاب الحياة خارجة منها لألقى وجه الله الكريم الرحمن الرحيم، ويشهد الله سبحانة وتعالي أنني ما قصدت بحكاية تجربتي الإساءة إلى وطني أو القائمين على أمر مؤسساته ولم أرغب سوى في أن أترك تجربة إنسانية تضاف إلى رصيد المعرفة الإنسانية للراغبين في الإصلاح والاقتحام الجسور لمشكلات الوطن التي تهدد أمن مواطنيه في صحتهم وعافيتهم،  والتي تنفق عليها الدولة المليارات من الجنيهات التي تذهب هباء ولا تأتي بمردوها المستهدف بسبب البيرقراطية والفساد والإهمال وعدم اتباع المعايير المعمول بها في العالم بأسره من حولنا، ولكننا اخترنا سكة الفهلوة والتواكل ورضينا بشرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ فالبديات الخاطئة لا تنتج إلا نهايات سيئة !!

        كان ما كتبته حالة من الرصد الذاتي للتاريخ الذي حملته فوق ظهري سنين سواء في سنوات التكوين أو سنوات العمر كمقدمة للخدمة في حقل العمل الطبي في قطاع الصيدلة والدواء أو كمتلقية للخدمة كمريضة أتلق العلاج في المستشفيات .. الحمد لله الذي قيض لي من أكرمني في ساعات الشدة وأيام المحنة، أشهد الله أنني أرضيت ربي وراعيت ضميري بقدر الطاقة وأدعو الله  أن يغفر ما قصرت ويتغمدني برحمته فإنه سبحانه وتعالى يعفوا عن كثير، إنه العفوا الكريم الذي يحب العفو .

مررت بالمحنة مرور الكرام وأحسنت استضافة البلاء لأنني أعلم أنه جند من جنود الله، ولم تفارق شفتي كلمة الحمد لله رب العالمين .. وفي ساعات المحنة كان بجانبي طاقم التمريض الذين أدعوا لهم بخير وأن يجزيهم الله عني خير الجزاء وأختص منهم ملاك الرحمة السيدة /عزة الضوي ذات اللمسات الحانية والهَدْهَدات العطوفة، .. إلى الجليسة أمل عبد الحليم التي بددت مرارة الألم بشهد الحكايات، وأذابت ثقل الساعات برقي الصحبة .

       وأختص أيضا الممرضات إيمان وهاجر وشيماء، وأدعو لهم بخير هم وكل من قدم لي خيراً أو أسدى إلي معروفاً .

      قلت لزوجي وقد رسمت ابتسامة على شفتي :

      ـ أعد لي الأرض لكي أستريح؛ لقد أتعبتك، وتعبت من حبك .

      وفرت دمعة من عينه وقال :

       ـ ستتعافين بإذن الله، وسنذهب إن شاء الله  لأداء العمرة معاً، ومعنا الممرضة عزة والجليسة أمل حسب وعدك لهما .

    لكني كنت أرى في خيالات صحوي وأحلام منامي أن الأرض قد أشرقت بنور ربها، ووضع الميزان .

     كنت أرى في خيالات صحوي وأحلام منامي أن أمي الحاجة رسمية عبد الحي الخولي تمشط شعري، وتجدل ضفيرتيه، وتعقص نهايتهما بشريط أبيض يتشكل في نهايته بصورة وردة بيضاء .

      كنت أرى في خيالات صحوي، وأحلام منامي حماتي شلبية هانم والدة زوجي تلبسني ثوب الزفاف الأبيض، وتعكف عليه، وتضبط تفاصيله بما يوافق دقة هندامي !!


       كنت أرى في خيالات صحوي وأحلام منامي أبي فضيلة الشيخ جمعة على جمعة يفتح ذراعيه ليحتضنني، ويضمني إلي صدره .. كان أرواح الأحباب تحيطني، وكنت أستشعر أنني بصدد بداية جديدة؛  وأن روحي تعرج في السماء، وأن الدنيا تبعد لتسقط في الغيوم، وأن الزمن يصير إلى خلود؛ لذا فقد قلت لزوجي في حسم :

       ـ لم يعد هناك الكثير من بقية؛ فاستمع لوصيتي، ونفذ ما استطعت منها على قدر طاقتك .. لا تكلف إلا وسعك ونفسك، والله المستعان .

***

       وفي الساعات الأخيرة من مساء يوم الأحد 5 يناير 2020 م الموافق 10 جمادي أول 1441 هـ ، 26 كيهك 1736 ق، لبت زوجتي أ. د. عفاف جمعة نداء ربها .. توضأت من نبع النور .. ونثرت على ذاتها من عطر الشهادتين .. وتسترت بحفنة من رمال الإسكندرية الزعفرانية في انتظار أن تلبسها ملائكة الرحمة تاج الغفران لتنعم بالنظر إلى وجه الله الكريم الرحمن الرحيم، وقد أوصت أن أدفن إلى جوارها ـ عندما يحين الأجل ـ وأن يكتب على شاهد قبرنا:

« بسم الله الرحمن الرحيم
هنا قبر
د. عفاف جمعة
وزوجها الكاتب الصحفي
الأستاذ / ياسر بكر
عاشا في مودة ، ورحلا في سلام
والحمد لله رب العالمين»
 
 
الفصل السابع :

ـــــــــــــــــــــــــ


ملحق الصور

أمي الحاجة رسمية عبد الحي الخولي،
وأبي فضيلة الشيخ جمعة على جمعة
زوجي وأنا .. بداية مشوار العمر

زوجي وأنا .. وبدأت الأيام ترسم
على وجهينا خطوط سنوات العمر

زوجي وأنا .. في مرحلة النضج تغيرت
 الكثير من المفاهيم في علاقتنا بالحياة والناس
زوجي وأنا .. بدأت يد المشيب تعبث في رأسينا
 وتخبرنا بأنه لم يعد باقيا إلا القليل من العمر
زوجي  وأنا .. عندما رست مراكبنا على ضفاف المودة والرحمة
زوجي وأنا .. في انتظار قضاء الله
محطات في مشوار العمر
زوجي وأنا .. في ميعة الصبا عشنا ساعات من اللهو البرئ في شوارع رأس البر

زوجي وأنا .. ساعات من المتعة والتأمل على شاطئ رأس البر
زوجي وأنا .. لحظات من المرح في بيتنا بأحد منتجعات الأسكندرية

زوجي وأنا ..  هواء ترعة الباجورية على نيل المنوفية
زوجي وأنا في بو فؤاد
زوجي وأنا في رستورانت جولدن فيش بشرم الشيخ
زوجي وأنا في قرية سما العريش
زوجي وأنا .. على شاطئ الريسا في شمال سيناء
زوجي وأنا .. في ضيافة الشهيد الشيخ سليمان أبو حراز

مع المؤنسات الغاليات : غادة .. سماء .. دعاء بنات أخي محفوظ



فهرس الكتاب :

صفحة                                                                        رقم

ـ مقدمة ...................................................................     7

الفصل الأول :

ـ  ليل المستشفيات ......................................................   13

الفصل الثاني :

ـ خيالات غرفة العمليات ..................................................23

الفصل الثالث :

ـ مناوشات صغيرة ........................................................ 35

الفصل الرابع :

ـ رحلة على أجنحة الأسرة البيضاء .................................... 59

ألفصل الخامس :

ـ عدوى المستشفيات ....................................................  69

الفصل السادس :

ـ قدر الله ...................................................................   89

الفصل السابع :

ـ ملحق الصور ..........................................................    95