الفصل الثالث :
لم تكن الكلمة أبداً محايدة فالحياد وهم، لأننا بشر ؛ نرصد الإنسان بأحاسيسنا وانفعالاتنا ونتفاعل معه حبا أو كرها، حماسا أو فتورا، فإذا ما أضفنا إلى ذلك عوامل الالتباس فى اللغة والاستبداد السياسى وفساد بعض الذمم الصحفية؛ لبدا شق الكلمة مائلا إلى هبوط فى مواجهة شق الصورة، وهو ما أوضحه الشيخ محمد عبده فى أن الصورة : "... قد حفظت من أحوال الأشخاص فى الشئون المختلفة ومن أحوال الجماعات فى المواقع المتنوعة ما تستحق به أن تسمى ديوان الهيئات والأحوال البشرية، يصورون الإنسان والحيوان فى حال الفرح والرضا والطمأنينة والتسليم، وهذه المعانى المدرجة فى هذه الألفاظ متقاربة لا يسهل عليك تمييز بعضها عن بعض ولكنك تنظر فى رسوم مختلفة فتجد الفرق ظاهرا وباهرا".
وقد اتفق ما قاله الشيخ محمد عبده مع ما ذهب إليه خبراء الإعلام من أن الصورة هى عبارة عن: "جملة مرئية مفيدة تسجيليا أو إبداعيا أو الاثنين معا كتبت ضوئيا كنص مرئى" من خلال لغة بصرية يقرؤها جميع البشر دون استثناء، لأنها تتجاوز حدود اللغات وحواجز الثقافات، فهى بذاتها أبجدية كونية، تقرؤها العين دون وسيط. ولا تحتاج إلى المصاحبة اللغوية كى تنفذ إلى إدراك المتلقى، فهى بحد ذاتها خطاب ناجز مكتمل، يملك سائر مقومات التأثير الفعال فى مستقبليه، ويغنى عن ساعات من الكلام، وبعبارة أخرى أصبحت الصورة لغة الاسبرانتو* Esperanto البصرية.
وهو ما أكدته دراسات أهمية الصورة من نتائج، والتى خلصت إلى أن البصر يلعب دوراً رئيسياً فى عملية الإدراك حيث يمد البصر الإنسان بكمية غير محدودة من المعلومات عن العالم المحيط به؛ فالبصر هو الحاسة المهيمنة عند الإنسان؛ فهو غالباً ما يميل إلى تصديق ما يراه إذا ما تعارضت المعلومات الحسية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* لغة الاسبرانتو Esperanto : هى لغة دولية مبتكرة بنيت على أساس من الكلمات المشتركة فى اللغات الأوربية الرئيسية ـ د. شريف درويش اللبان تكنولوجيا النشر الصحفى الاتجاهات الحديثة ـ الدار المصرية اللبنانية ـ القاهرة ـ الطبعة الثانية 2007
الصورة فى أول تعريف لها عام 1918 فى فتوى الشيخ أحمد خطيب بن عبد المطلب ـ الجاوى منشأ والشافعى مذهباً ـ والمقيم فى البلد الحرام : "أنها من قبيل الصورة التى تُرى فى المرآة وتوصلوا إلى حبسها ".
وهو نفس المعنى الذى تمت إعادة صياغته بمعرفة خبراء الإعلام للوصول إلى أن الصورة : "هى عزل وتسجيل وتجميد لحظة من الزمن ؛ باعتبارها أيقونة حاملة للتشابة مع الأصل الذى تم تصـويره، ومن ناحية أخرى هى مؤشــــر يدل على أثر ما تبقى من لحظــة وواقعة ما مرت وانقضت ويصعب استعادتها ".
التصوير الصحفى " PHOTOJOURALISM " نمط من أنماط الصحافة يتم من خلاله إنتاج الصور للتعبير كلية و بشكل جزئى عن القصص الخبرية إلى جانب الحروف والكلمات، ويشير تعبير الصورة الصحفية عادة إلى الصور الثابتة " Still Image " فى حين أنه يشمل فى الواقع التصوير من أجل النشر الفيديوى.
وفى التصوير الصحفى يعتمد المــؤلف " AUTHOR " المحـــرر EDITOR " " على الكاميرا فى رصد وتحرير الموضوعات بواسطة النص المرئى لنقل رسالته للمتلقى. ويتراوح ذلك التناول بين صورة واحدة لحدث أو ظاهرة ومجموعة متتالية من الصور لموضوع واحد "NOVEL" بغرض التوثيق أو الإخبار؛ فإذا كانت الكلمة المكتوبة هى أول مسودة للتاريخ، فإن الصورة الصحفية المنشورة هى أول بروفة مطبوعة له.
والصورة الصحفية الجيدة هى التى تضيف من رموزها وبياناتها وتفاصيلها إلى النص المصاحب لها معانى ودلالات تعجز الكلمات عن وصفها، وتكمل لنا الحدث أو القصة التى نقرأها كأننا شاهديها بالعيان ، ولا تكرر ما جاء بالنص .
وهو ما ذهب إليه جان لوك جودار : " أن خطاب الصورة يحتوى على جانبين متعارضين ومتكاملين هما:
أ ــ الجانب الدلالى أى ما يقال.
ب ــ الجانب الجمالى وهو ما يتضمنه الخطاب دون قوله بشكل مباشر بل هو منغرس فى ثنايا الخطاب ورموزه الموحية.
ومن هنا كان احتلال الصورة مكانة فى التواصل البشرى أهم من الكلمة وأصبحت المفتاح السحرى فى النظام الثقافى.
المصور الصحفى " NEWS PHOTOGRAPHER " هو محرر صحفى يعتمد على آلة الكاميرا فى تحرير الموضوعات الصحفية على مساحة الكادر المتاحة لتسجيل الصورة لديه، وبمعزل عن توجيهات محرر النص المكتوب حرفاً ولكن وفق خطة " SCRIPT " تعدها الأقسام المختصة بالصحيفة أو المجلة أو القناة أو الموقع الإلكترونى.
والمصور الصحفى يجمع بين مهارات المحرر الصحفى، إضافة إلى القدرات الفنية والإبداعية المتوافرة لدية بالموهبة والتأهيل الأكاديمى والتدريب العملى المنهجى لنقل الحدث أو جزء منه بلغة مرئية.
بدأ التصوير الصحفى عام 1835، على يد المحامى البريطانى روجر فنتون، الذى ذهب إلى المنطقة الواقعة بين الحدود الروسية التركية لتصوير أحداث حرب القرم، التى استمرت من عام 1853 حتى 1856 والذى عاد من رحلته وفى جعبته ما يزيد على 300 صورة شمسية لجنود قتلى وبعض الأسلحة ووسائل وأساليب التنقل أثناء الحرب.
فى الدراسة التى أجراها ليفساى وبورتر J.R. Livesay&T.Porter للتعرف على التأثيرات الجسمية المصاحبة لصور ونصوص ذات تأثيرات عاطفية لعينة من 12 مراهقاً تم تعريضهم لصور بعضها ملون وبعضها لأبيض وأسود تشتمل على تأثيرات عاطفية، ومصاحبة لقصص صحفية بعضها يتضمن أحداثاً مثيرة وبعضها أحداثا محايدة، وتم قياس تأثير الصور على جسد أفراد العينة من خلال :
• قياس معدلات تقلصات عضلة الحاجب، وعضلات الشفة العليا.
• درجة حرارة سطح البشرة والجسم.
• معدل نبضات القلب.
وقد أشارت النتائج إلى علاقة إيجابية بين معدلات انقباض العضلات خلال عرض الصور سواء الملونة أو الأبيض والأسود، وأن هذه المعدلات تتصاعد بتصاعد الإثارة الناتجة عن الأحداث التى تحتويها الصورة بصرف النظر عن النصوص المصاحبة لها من عدمه.
إذا كان القرن التاسع عشر هو عصر التنوير فإن القرن العشرين هو عصر الصورة؛ فالصورة الصحفية أصبحت صانعة الخبر، وصاحبة اليد العليا على الكلمات؛ لما لها من مكانة كأداة إعلامية لأسباب عديدة أكدتها الأبحاث التى أشارت إلى أن:
• 75 % من قراء الصحف يلاحظون الصورة.
• وأكثر من 50 % يلاحظون العناوين.
• وأن 29 % يلفت نظرهم كلام الصور.
• بينما لا تلفت المادة التحريرية سوى انتباه 25 % من القراء.
• القراء الذين يستطيعون رؤية الصور الخاصة بالأفراد الذين يرد ذكرهم فى القصص الإخبارية، يكونون أسرع فى التعرف على السمات الشخصية لهؤلاء الأشخاص أكثر من القراء، الذين لم يروا مطلقاً أى صور لهؤلاء الأشخاص.
• الصور الصحفية تفقد مضمونها وتأثيرها الفعال على القارئ بعد تكرار مشاهدتها.
• وأن الصور التى لا تقدم جديداً وتفتقر للتفاصيل والمعانى
تكون صوراً بلا قيمة.
وقد عزت الدراسات ذلك إلى علاقات إيجابية بين حداثة الصورة وعناصر تفضيل مشاهدتها وزيادة زمن المشاهدة وقوة الذاكرة بشأن استعادتها وزيادة معدلات الاهتمام بها.
وهو ما أثبتته وقائع ودلائل عدة منها:
• فى 9 إبريل 2003، لم يكن المتلقى من خلال شاشات التلفاز ليصدق أن بغداد قد سقطت إلا بعد أن شاهد بعينى رأسه صورة سقوط تمثال صدام فى ساحة "الفردوس"، التى تم إعلان احتلال بغداد من خلالها فى عملية إعلامية متقنة حشدت لها وسائل الإعـلام الأمريكى فـريق إنتــــاج سينمائى من هوليود لتصــويرها وإخراجها.
وقد حقق هذا الإخراج الإعلامى للصورة نتائج سياسية وعسكرية باهرة لم تكن متوقعة، وحقق الانهيار الإدراكى المفاجئ للمتلقى وعجّل باستسلام القوات العراقية دون قتال، وسهّل انهيار أوصال التماسك للدولة العراقية، وأنهى صفحة الهجوم قبل أوانها على الأقل إعلاميا ورسميا، وأكد أهمية ودور الحرب الإعلامية فى تحقيق مكاسب عسكرية وسياسية لا تقل تأثيرا عن حرب المدافع.
• فى 14 يوليو2006 لم يكن المتلقى من خلال شاشات التلفاز ليصدق أن حزب الله يمتلك هذه القدرات العسكرية، لولا أن شاهد بعينيه السيد حسن نصر الله بملابسه التقليدية، يملأ شاشة قناة "المنار" (فى خطاب متلفز)، وكأنه يعلق على إحدى مباريات الكرة قائلاً: "المفاجآت التى وعدتكم بها ستبدأ من الآن... البارجة العسكرية التى اعتدت على بنيتنا التحتية... انظروا إليها تحترق وستغرق ومعها عشرات الجنود الصهاينة."، خلا الخطاب من البلاغة الرنانة، وسار وفق ما تتطلبه المرحلة، التى لا تعتمد إلا على الفعل قبل القول البليغ مع الالتزام بكل المقاييس العلمية، التى تتماشى وثقافة الصورة.
فقد استطاع إعلام حزب الله على مدى 33 يوماً ( الحرب الإسرائيلية على لبنان فى يوليو أغسطس 2006(، من خلال الصور عبر الفضائيات، أن يعيد للمواطن العربى الضمير المنتصر، وهو ما لم تستطع القصائد الحماسية الخطابة البلاغية التى خدعتنا فى الماضى فعله، والتى انتهت فى عصر الصورة.
• فى 3 أغسطس 2011 لم يكن الشارع المصرى الذى توجس الظنون وعششت فى رأسه الشكوك، ليصدق أن محاكمة الرئيس السابق مبارك قد بدأت فاعليتها لولا أن شاهد بعينيه إجراءاتها على شاشة تلفاز الدولة، ورأى الطاغية مستلقياً على قفاه خلف القضبان، وشاهد ارتعاش وجهه فيما كانت أصابعه تعبث فى أنفه تارة وفى فمه تارة أخرى، ثم جاء صوته رداً على القاضى : "أفندم، أنا موجود".
• فى 22 أغسطس 2011 أعلن المجلس الوطنى الانتقالى الليبى القبض على سيف الإسلام القذافى، وبعد أقل من الساعة ظهر المذكور على شاشات، ليكذب الخبر مما أسهم فى اهتزاز مصداقية المجلس، وأضفى ظلالاً من التشكيك على تصريحاته، وأشاع حالة من الإحباط فى الشارع الليبى آنذاك.
وعند القبض عليه فعلاً فى 19 نوفمبر 2011 ؛ حرص المجلس الوطنى الانتقالى الليبى على تأكيد الخبر عند إعلانه من خلال مقطع فيديو صوّرته مراسلة وكالة أنباء رويترز، وهو فى قبضة ثوار مدينة الزنتان الذين ألقوا القبض عليه، بينما كان على يحاول البحث عن طريق آمن مع عدد من أعوانه فى منطقة أوبارى بالجنوب الليبى، يتمكن من خلاله إلى الفرار خارج ليبيا.
• فى 19 أكتوبر 2011 لم يكن الشارع العربى يصدق أن أسطورة القذافى التى استمرت 42 عاماً قد انتهت، لولا أن شاهد بعينى رأسه القذافى مقبوضاً عليه وهو يخرج من أحد الأنابيب والدماء تغطى وجهه وهو يقول: "لا تطلقوا النار"، وبعد ساعة أعلنت صورة جثمانه نبأ وفاته.
***
الصورة الذهنية Image ـ طبقا لما جاء فى المعجم الإعلامى *هى مفهوم عقلى شائع بين مجموعة معينه يشير إلى اتجاه الجماعة الأساسى نحو شخص معين أو نظام ما أو طبقة بعينها أو جنس بعينة أو فلسفة سياسية أو قومية معينة أو شئ آخر .
وثمة رأى أخر فى الصورة الذهنية بأنها استحضار العقل أو التوليد العقلى لما سبق إدراكه بالحواس، وليست بالضرورة أن يكون ذلك المدرك مرئياً وإنما قد يكون مسموعاً أو مشموماً أو متذوقاً أو ملموساً وهذا الاستحضار أو التوليد للمدركات الحسية مجال الاختلاف بين البشر تبعاً لاختلافهم فى أنواع التجارب مع الأشياء الحسية التى مر بها كل منهم والتى يتألف رصيده النفسى الذى يستثار عند حضور الدال ، وهو الكلمة أو التعبير أو الحدث ، والأفراد لا يختلفون فيما بينهم فى أنماط الصور التى يستخدمونها فحسب إنما هم يختلفون أكثر من ذلك فى طبيعة الصور الجزئية التى يولدونها .
ويرى "روبينسون" و " باولو" أن كلمة Image تشبة إلى حد كبير كلمة Stereotype " النمـط الجــامد" وأنها ترتبط مثلـها بالتمييز Prejudice تلك الكلمة التى تعنى فى أصلها اللاتينى الحكم المسبق Prejudging أو الحكم قبل توافر الأدلة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المعجم الإعلامى ، د. محمد منير حجاب ـ دار الفجر للنشر والتوزيع ـ القاهرة 2004
أى إنها الصورة المنطبعة فى أذهان الناس عن شيء أو سلعة أو شخص ما سواء كان نجم سينما أو رئيس دولة أو حدثا أو مكانا سواء رسموها بأنفسهم أو رسمها لهم المحيطون بهم، أو هيأتها الظروف التى وجدوا فيها أو صنعها لهم الخبراء من صناع الصورة الذهنية، الذين يطلق عليهم "خبراء الصورة" أو"صناع النجوم"، أو كما يسمونهم فى بريطانيا "أطباء التجميل"Skin Doctors وهم بالطبع ليسوا أطباء ولكنهم يقومون بدور الأطباء فى تجميل الصورة وجعلها أفضل وأكثر قبولاً، إنهم عباقرة الظل الذين يصنعون من الفسيخ شربات، ومن البوصة عروسة، ومن المتعوس وخائب الرجاء فارس زمانه وسلطان عصره وأوانه.
فالمقصود بالصورة الذهنية هو كيف ترى عيون العقل العالم، وهى منتج عملية الإدراك والتقاء المعرفة بالواقع فى إطار التفاعل بين الصور، التى يتم استقبالها عن طريق الحواس وبين المعرفة المختزنة ذات العلاقة، والتى يستعين بها المتلقى، والتى تختلف من فرد لآخر، والتى تتغير بالنسبة للفرد نفسه بتغيير المواقع والأدوار والخصائص والسمات العامة والاجتماعية للفرد نفسه.
وتلعب الصورة الصحفية دورا هاماً فى خلق الصورة الذهنية باعتبار أن الحكم على الشئ فرع من تصوره ، وهو ما جعل كثيرا من الرؤساء يخضعون لخبراء الصورة؛ ينفذون أوامرهم بدقة مهما كلفهم الأمر، فحينما قالوا لبلير رئيس وزراء بريطانيا إن صورته تحتاج لتعديل ؛ فالشعر يجب أن يكون أكثر تهذيباً، وأن عليه أن يرتدى البدلة القاتمة ليبدو وجهه أكثر وضوحاً وابتسامته أكثر إشراقاً، وقد امتثلت مارجريت تاتشر حينما أراد خبراء الصورة أن تكون نموذجاً للمرأة القوية، التى تحرص على اكتساب الاحترام بمظهرها القوى الجاد؛ إذ أريد لها أن تكون بحق المرأة الحديدية، فتم تغيير أسلوب ملابسها، فلم تعد ترتدى إلا التاييرات من الألوان السادة فقط، كما خضعت لعملية تقويم أسنانها والحديث بشكل أبطأ وبلغة أكثر رصانة حتى لا تبدو فى رعونة الأمريكيات، أما ما حدث مع جون ميجور فكان لافتاً للنظر إذ جعله خبراء الصورة يرتدى الصديرى ذا الصفين من الأزرار والكرافتة الرفيعة ثم البابيون، رغم أن هذه الصورة قربته من أن يكون جرسونا فى فندق أكثر منه رئيس وزراء.
وقد نجحت ألاعيب خبراء الصورة فى إقناع الجماهير بانتخاب شخص غبى فارغ الرأس والدفع به إلى البيت الأبيض، وهو ما كلف أمريكا والعالم الكثير من الخسائر المالية والبشرية فى حروب لم تحقق انتصاراً وهو بوش الابن، ذلك السكير المدمن، والذى لم يكن يمر أسبوع دون أن تستوقفه دورية بوليس وتسحب رخصة قيادته لمخالفة القوانين وقيادته سيارة مسرعة فى حالة سكر، ووصل الحال ببعض نوادى تكساس إلى حد منعه من دخولها لإثارته المتاعب والمشاجرات دون مبرر.
بدأت ألاعيب خبراء الصورة فى تقديم بوش فى صورة المتحول من شخص عابث سكير إلى مؤمن شديد الإيمان ونادم على الذنب وشديد الولاء لكنيسته، بل ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال الاستعانة بتصريحات خبير فى السلالات فى تأكيد وإبراز سمات وملامح معينة أسهمت فى صناعة الصورة : أهمها أنه ينحدر من أصول ملكية ورئاسية، وأنه سيفوز بالرئاسة لمجرد أن الدماء الملكية تجرى فى عروقه، وأنه منذ عهد جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة، كان الفائز فى السباق إلى البيت الأبيض دائما هو المرشح الذى تربطه علاقة أوثق بالدماء الملكية؛ ولذلك فإن بوش الابن هو الأقرب للفوز لأنه ينحدر مباشرة من سلالة ملوك أوربا، فهو من عائلة نبيلة من ولاية نيو إنجلند فى شمال شرق الولايات المتحدة.
.. لم يكن هؤلاء فقط هم الذين سلموا أنفسهم لعباقرة من صناع الصورة فقد خضعت الملكة إليزابيث لأوامر خبراء الصورة، الذين أسهموا فى إطالة عمر العائلة المالكة بعد مقتل ديانا، وقد نحا الخبراء نحو جعل الأسرة المالكة ذات مظهر إنسانى متجاوب مع مشاعر الناس من خلال نشر صور صحفية للملكة فى الشارع وهى تضحك وتصافح الناس وتبكى على ديانا.*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د. عزة عزت ـ صورة الرئيس.
بعد رحيل الملك وإلغاء النظام الملكى، وقيام الجمهورية ظلت وسائل الإعلام تؤله الرئيس، وتصفه ببقايا الصفات القدسية التى توارثناها عبر تاريخنا، فهو دائما ذات مصونة لا تُمس، فهو صاحب السيادة والفخامة والعزة، وهو الحاكم الملهم العليم ببواطن الأمور، وهو المفكر الوحيد وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة دون خبرة كافية، وهو رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذى يرتدى وشاح القضاء على لباسه العسكرى، فى إشارة إلى امتلاكه القوة والعدل، وهو أيضًاً المشرّع الأوحد، فبإشارة من أصبعه ينطلق (ترزية القوانين) فى غيّهم، فكل ما ينطق به حكمة تتصدر صحف الدنيا، وهو لا يريد إلا المصلحة العامة ومصلحة الوطن، وأن كل الأمور تقضى بتوجيهاته، وهو أيضا المتدين الخلوق والمتواضع الرحيم الذى يستمع للجميع ويحل مشاكلهم.
وقد حكم مصر أربعة رؤساء هم:
1 ـ محمد نجيب : ( 18 يونيو 1953 ــ 14نوفمبر 1954 ).
2 ـ جمال عبد الناصر : ( 23 يونيو 1954 ــ 28 سبتمبر 1970 ).
3 ـ أنور السادات: ( 18 أكتوبر1970 ــ 6 أكتوبر 1981 ).
4 ـ حسنى مبارك : ( 14 أكتوبر1981 ــ11 فبراير 2011 ).
عند وقوع انقلاب 23 يوليو 1952 كان الإعلام محصوراً فى ثلاث وسائل: الصحف والإذاعة والجريدة الناطقة ؛ والصحف بطبيعتها لم تكن مؤثرة فى السواد الأعظم من الشعب، الذى ارتفعت نسبة الأمية بين أفراده، ولم تكن الإذاعة أفضل حالاً، فلم تكن أجهزة مذياعها متوافرة سوى فى قصور الباشوات ودواوير العمد وبيوت الأعيان وموظفى الحكومة وبعض المقاهى، وكانت الجريدة الناطقة تعرض قبل عرض الفيلم فى دور السينما، وتخاطب شريحة محددة من سكان المدن حيث توجد دور العرض.
ومع الساعات الأولى للانقلاب الذى أُطلق عليه آنذاك «حركة الجيش المباركة» حرص محمد نجيب على الترويج لـ « كذبة الأسلحة الفاسدة فى حرب فلسطين » التى اتخذها ضباط الانقلاب ذريعة له ، كما حرص على الظهور فى زى عسكرى حاملاً عصاه المارشالية وبايب يتدلى من زاوية فمه بصفته قائداً للحركة مع أخبار متناثرة عن كونه أيضا سليل أسرة عسكرية عريقة ، واهتز طرباً مع مونولوج اسماعيل ياسين الشهير : « 20 مليون ، والجيش ونجيب عملوا ترتيب » ، كما حرص أيضا على أن يبدو فى صورة المتدين الذى يحرص على أداء الصلوات فى المساجد الكبرى ، التى تضم رفات الأولياء، والجلوس فى خشوع لسماع خطبة الجمعة، وإظهار الود والتوقير لفضيلة الإمام الأكبر؛ فشيخ الأزهر دائماً هو المفتاح السحرى للدخول إلى قلوب المصريين ، وأيضا لا يأنف الذهاب إلى المحفل الماسونى للتهنئة بالعيد، ليؤكد أنه جاء رئيساً لكل المصريين، والتركيز على أن يبدو ودوداً مع الجميع ، فهو يعامل الجميع بتواضع وطيبة قلب، ولا يأنف الجلوس إلى جوار عامتهم والربت على أكتافهم.
.. ولم يغفل نجيب توظيف الصورة الفوتوغرافية فى خلق صورة ذهنية له رسخ من خلالها أنه يعيش حياة بسيطة مثل أواسط الناس من خلال دعوته لمصور مجلة «المصور» أحمد سليمان فى سبتمبر 1953 لتصوير أحداث يوم من حياته ظهر فيه بالروب والبيجاما والقبقاب وصابون الحلاقة. وقد أثارت الصور إعجاب العامة وحبهم لرجل منهم يحكمهم ويحيا حياة بسيطة مثلهم بعيداً عن بذخ القصور وتيه السلطان.
كان الهم الأول لعبد الناصر هو إيجاد صحافة موالية تنقل عنه وتخلق له الصورة التى أرادها لنفسه ، فأصدر جريدة الجمهورية التى خيّبت آماله بمحدودية توزيعها، لدرجة أنه فكر فى إغلاقها، ثم وجد أنه لا مفر من تأميم الصحافة وإنشاء التليفزيون العربى، وقام بتزويد الميادين العامة والساحات الشعبية ومراكز الشباب بأجهزته لنقل صورته وخطابه إلى الجماهير، وأحاط نفسه بالعديد من مؤلفى الأغانى والملحنين الذين تغنوا به وله.
.. وحرص عبد الناصر منذ الوهلة الأولى أن تبدو صورته مهيبة وساعده على ذلك سمات جسمانية تمثلت فى قامته الفارعة وعرض منكبيه ، قليل الكلام وهى سمة اكتسبها من نشأته يتيماً فى حارة اليهود المنعزلة بطبيعتها ، ذكر الدكتور على شلش في كتابه تاريخ اليهود والماسونية في مصر ـ ص 163: (أن سيدة يهودية تدعى مدام يعقوب فرج شمويل ، كان عبد الناصر يدين لها بالفضل ؛ لأنها هي التي رعته في طفولته وبعد وفاة أمه ، وكانت تعامله كأحد أبنائها ..) .
وقد تبلورت صفة الصمت والكتمان وتأصلت فى شخصيته بانضمامه إلى العديد من التنظيمات السرية فى آن واحد ؛ فهو قائد تنظيم الإخوان المسلمين داخل الجيش الذى اتخذ لنفسه اسما حركيا ( البكباشى عبده ) ، وهو عضو حدتو الذى اتخذ لنفسه اسما حركيا ( موريس ) حتى أصبح لغزاً ؛ فهو الرجل ذو العلاقة الغامضة بإسرائيل ؛ فحينما كان رئيس أركان حرب الكتيبة السادسة مشاة ضمن القوات المٌحاصَرة في بلدة عراق المنشية قطاع الفالوجا ، كان يتحدث عبر خطوط الجبهة مع اليهود المٌحاصِرين للفالوجا ، ويتلقى هدايا البرتقال والشيكولاتة من إيجال يادين الذي كان رئيساً لأركان حرب جنوب فلسطين ، وهو أيضا الرجل ذو العلاقة الغامضة بالأمريكان فقد ذكر مايلز كوبلاند ( مندوب المخابرات المركزية فى مصر) فى كتابه لعبة الامم عن علاقته مع تنظيم الضباط الأحرار ومع جمال عبدالناصر خاصة: (لم يكن انقلاب 23 يوليو لينجح لولا أن هناك تنسيقاً بين أمريكا وإنجلترا على ألا تتدخل الأخيرة فى الأحداث، وذلك لتصفية الحسابات القديمة مع الملك فاروق عقاباً له على إرسالة الجيش المصرى إلى فلسطين عام 1948) .
وقد ساعد كل هذا الغموض الذى أحاط بشخصية عبد الناصر إلى جعله شخصية أقرب إلى الأسطورة وإظهاره فى صورة الزعيم القادر على تحقيق المستحيل ،وإثارة حماس الجماهير وحناجرها بإشارة من يده ، إضافة إلى حرصه على أن يبدو شديداً فى الحق، ملتصقاً بشعبه مهموما بأحواله، متديناً دون تزمت ، وهو الرجل الصعيدى المحافظ أسرياً دون إغفال لدور المرأة، والمنحاز للفقراء ، والمتمسك بالعروبة ، والمتحدى انتصاراً للكرامة الوطنية ، وهو أيضا الشخص البسيط المحب للفكاهة والذى يهوى الشطرنج لعبة الذكاء، ويعشق التصوير الفوتوغرافى ويحب مشاهدة أفلام السينما.
اشتهر السادات منذ عرفه المصريون متهماً فى قضية مقتل أمين عثمان باسم أنور السادات، وبعد توليه السلطة بدأ يُلقب ثلاثياً محمد أنور السادات فى إشارة إلى أنه يتسمى باسم النبى محمد، تمهيدا لما سيلقب به فيما بعد : «الرئيس المؤمن»، والذى يستهل خطابه بآيات من القرآن الكريم، كما استخدم ألفاظا شعبية من قاموس صديقه الكاتب الشعبى زكريا الحجاوى فى مغازلة للبسطاء ودغدغة مشاعرهم لكسب تعاطفهم.
ولكن سرعان ما احترقت هذه الصورة عندما انحنى أمام تمثال عبد الناصر بعد أداء يمين تولى السلطة قائلا : « لقد جئت إليكم على طريق عبد الناصر»، وهو ما أثار استياء الشعب المصرى المتدين بطبعه والذى يكره الوثنية، فأدرك البسطاء أنهم أمام شخص فهلوى يلعب بالبيضة والحجر، أو كما يقول أولاد البلد : « ابن حنت ».
ولم يغفل السادات دور الصورة الفوتوغرافية فى رسم الصورة الذهنية التى يريدها، فنشرت له الصور بالعباءة والجلباب البلدى، وظهرت زوجته جيهان وهى ترتدى ملابس القرويات فى ميت أبو الكوم. وهو أيضاً الذى قبل زمالة بول هاريس مؤسس أندية الروتارى أحد روافد الماسونية، التى أطلق العنان لأنشطتها فى مصر بعد السماح بانعقاد مؤتمر نوادى روتارى الشرق الأوسط فى الإسكندرية فى 5 ابريل 1978 برعايته وحضور ممدوح سالم رئيس الوزراء ومحب استينو وزير السياحة وروبرت مانشستر ممثل الروتارى الدولى * (1) ، وقد أشارت « دائرة المعارف الماسونية « إلى أن المحفل السامى الماسونى السورى فى اجتماعه ليوم 21/ 2/ 1958 إعتماد أنور السادات أستاذاً أعظم شرقى فى المحفل الماسونى الأكبر *(2).
وقد ساعده الظرف التاريخى على تحسين صورة السادات بالانتصار العظيم فى أكتوبر 1973، لكنه حوّله إلى حالة من الاستعراض الشخصى بلبس البذات العسكرية للأسلحة المختلفة، بما يتفق وكل مناسبة ، وهو ما كان مثار سخرية الشارع ، الذى عبر عنها فى صورة نكتتين، وهما أن السادات عندما ذهب إلى مركز تنظيم الأسرة لبس «لولب»، وعندما ذهب إلى مركز رعاية الطفولة لبس «بامبرز».
فالسادات لم يُحسن استغلال النصر التاريخى بما فعله من تصرفات، وما تبعها من تداعيات وأحداث أهدرت قيمة النصر العسكرى، ولم تحقق المردود السياسى المستهدف منه بشكل يرضى القوى السياسية المصرية وفصائل النخبة المصرية من المثقفين والكتاب والصحفيين ورجال الدين الإسلامى والمسيحى، الذين طالتهم إساءات السادات وغروره ونالت منهم، كما أن المواطن البسيط بدأ يفقد الثقة فى أحاديث السادات عن الرخاء القادم فاندلعت مظاهرات 18 و19 يناير 1977 ، فلم يحقق الســادات الصــورة المنشودة فأصبح على حــد تعبير المراجـع الأجـنبية «منبوذاً» Outcast، وهو ما جعل السادات يستنسخ تجربة محمد نجيب بدعوته للمصور فاروق إبراهيم مصور« أخبار اليوم » فى مارس 1981 لتصوير يوم فى حياته من خلال صور ظهر فيها بالملابس الداخلية، وأيضا وهو يحلق ذقنه ويمارس رياضة اليوجا، والسباحة فى حمام السباحة بقصره، الغريب فى الأمر أن الصور كانت موضع سخرية الشعب المصرى الذى أطلق تعبيره اللاذع: « والله ونلتها يا خيشة !! » فلم يفلح السادات فى كسب ثقته وتحسين صورته أمامه، فبينما كان السادات يمارس رياضة السباحة فى حمام قصره كانت المياه لاتصل إلى المنازل إلا فى ساعات قليلة من النهار، ولا تصل إلى الأدوار العليا فى المنازل مطلقاً والشوارع غارقة فى مخلفات الصرف الصحى.
وقد أعلن الشعب المصرى رأيه صراحة فى السادات بعد اغتياله عندما لزم منازله فبدت الشوارع شبه خالية؛ ليتم التغيير وانتقال السلطة بسلاسة وليترك السادات يوارى التراب دون مشيعين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* (1) جريدة الأهرام : 6– 4 – 1978
*(2) محمد موسى النبهانى ، النشاط الماسونى فى الوطن العربى ـ الجزء 1 ـ ص74 ، الدار القومية للكتاب العربى ـ الطبعة الأولى ـ بغداد 1985.
حسنى مبارك:
فلم تكن لمبارك صورة مشرقة يقدمها لشعبه حتى الضربة الجوية، فهو ليس قائدها الأوحد، كما أن وراءه الكثير الذى حاول طمس تفاصيله؛ فهو الذى ارتضى لنفسه القيام بدور كومبارس فى فيلم "وداع فى الفجر" بطولة شادية وكمال الشناوى وإخراج حسن الإمام من إنتاج كمال الشناوى عام 1956.
وهو الشاب المسلم الذى ارتضى لنفسه اسم جورج * فى سلوك انتهازى افتقد المبادئ من أجل الزواج من التلميذة الجميلة «فاتنة سانت كلير» رئيسة فرقة الباليه والسباحة بالمدرسة سوزان صالح ثابت، التى أصبحت فيما بعد سوزان مبارك، والتى سبق تعميدها كمسيحية فى كنيسة "بونتى بريد" باسم "سوزان بالمر ثابت"؛ وكان فى قبوله الاسم المسيحى بدلا من اسمه المسلم إرضاء لأقرباء لها متشددون دينيا من الكاثوليك المعتنقين للماسونية، ونتيجة لهذه الزيجة حصل على الجنسية البريطانية منذ عام 1965؛ بما يخل بشروط تولى رئاسة الجمهورية !!
.. ومبارك أيضا هو الذى قبل أن يصدر طابع بريد من كيان معاد، يؤكد أنه تفانى فى خدمة الأعداء، وهو الذى لم ينف تصريحات العدو بأنه كنزهم الاستراتيجى وحارس أمنهم الشخصى على مدى ثلاثين عاماً، وهو الذى قبل الصورة المهينة التى ظهر بها فى المحكمة متمارضاً مستلقياً على قفاه يعبث بأصبعه فى أنفه وفمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* روز اليوسف ـ كتب توحيد مجدى ـ عائلة مبارك البريطانية ـ العدد 1925 - الجمعة الموافق – 7 اكتوبر 2011
أثر الصـورة الصحـفية
أصبحت الصورة الفوتوغرافية أكثر أهمية وتأثيراً من الكلمة، وهو ما جعل أثرها كبيراً فى دوائر صنع القرار؛ فصورة واحدة قد تتسبب فى أحداث وقرارات مصيرية؛ فقد كان لصورة وكالة الأسوشيتد برس التى التقطها المصور نك أوت فى 8 يونيو 1972 لطفلة فيتنامية عارية تهرب مذعورة من قريتها ترانج بانج، التى تعرضت لقصف بالنابالم، أثر بالغ فى إثارة استياء العالم وسخطه، وأحرجت الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون أمام الشارع الأمريكى، الذى روّعته بشاعة الصدمة، فخرجت التظاهرات منددة بالحرب القذرة فى فيتنام، ولم يجد نيكسون آنذاك تبريراً سوى التشكيك فى كون هذه الصورة مباشرة وحقيقية، ولكن هذا التشكيك لم يلق تصديقا من الرأى العام الذى اتهم نيكسون بالكذب.
وكان لصورة أخرى نشرتها وكالة "أسوشيتد برس" عن مجازر صبرا وشــــاتيلا أثرها البالغ فى إيقاظ الضمير العالمى، لدرجة جعلت الجمعية العامة للأمم المتحدة تدين المجزرة فى سبتمبر 1982 وتندد بالوحشية الإسرائيلية، وتصدر قرارا تطالب فيه مجلس الأمن بالتحقيق فى المذبحة.
وأيضا كان لصورة التقطها سائق صومالى يعمل مع طاقم صحفى بريطانى وقع الصدمة على المواطنين الأمريكيين الذى طالبوا بالانسحاب الفورى من الصومال وتصويت الكونجرس بأغلبية 226-201 على الانسحاب، الذى تم نهائياً فى 31 مارس1994 وكانت الصورة لصوماليين غاضبين يسحلون جثة أحد الطيارين الأمريكيين فى شوارع مقديشيو بعد أن سقطت طائرته من طرازهوك فى 3 أكتوبر 1993.
وقد لعبت صورة نشرها نشطاء «الفيسبوك» لجثمان الشاب القتيل خالد سعيد دورًا فى إعادة النظر فى التكييف القانونى والقيد والوصف لقضيته، ففى البداية تم التعامل مع الواقعة على أنها حادثة انتحار؛ واستمعت النيابة إلى أقوال القتلة بوصفهم شهودا!!
وبعد نشر الصورة وبها أثار العنف الوحشى، صدر قرار النائب العام بإعادة استخراج جثة الشاب، وندب لجنة ثلاثية من الطب الشرعى بالقاهرة برئاسة كبير الأطباء الشرعيين لفحص الجثة وإعادة تشريحها لبيان سبب الوفاة. وبناء عليه أحال النائب العام الشرطيين المتهمين بتعذيب الشاب حتى الموت إلى المحاكمة، ليواجها تهم «القبض على شخص دون وجه حق وتعذيبه بدنيا واستعمال القسوة». وقد حكم عليهما فى 26 أكتوبر 2011 بالسجن المشدد 7 سنوات لكل منهما.
وكان لصورة أخرى نشرتها وكالة رويتر فى 17 ديسمبر لفتاة مصرية تحت أقدام جنود من الشرطة العسكرية التابعة لوحدات الجيش المصرى ، والتى تصدرت قصتها كبريات صحف العالم ؛ لتروى وقائع قصة صحفية عن بربرية التعامل مع المتظاهرين فى مصر ، اللقطة تظهر مجموعة من الجنود يسحلون فتاة ، وأحدهم يقفز عليها بالبيادة أكثر من مرة، وجندى آخر يضع بيادته العسكرية على صدرها وهى تسحل وتُعَرَّى من ملابسها وعندما تحاول سيدة كبيرة السن الذود عن الفتاة الشابة يضربها الجنود .
كان لهذه الصورة وقع الصدمة على الرأى العام المصرى ، فخرجت مظاهرات النساء فى مصر لتدين هذا الفعل وهو ما حدا بقيادة المجلس العسكرى لتقديم الاعتذار والتحقيق فى الواقعة بعد أن شككت فيها أول الأمر ، ثم تجاهلها لعدة أيام .
صورة الفتاة " المسحولة " أثارت سخط الرأى العام فى مصر
الصورة الصحفية كدليل
إدانـــــــــة فى الجـرائم :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرسى حكم محكمة أمن الدولة العليا فى قضية أحداث 18 و19 يناير 1977 مبدأ قانوني في غاية الأهمية، فيما يتعلق بالصور الفوتوغرافية كأدلة اتهام في القضايا المنظورة أمام القضاء ، جاء فيه :
" بالنسبة إلى الصور الشمسية التي قدمت في الدعوى تدليلا على ثبوت الاتهام قِبل من أسندت إليهم التهم، فإن تلك الصور يمكن اعتبارها من قبيل قرائن الأحوال، التي لابد أن تتضامن مع أدلة أو قرائن أخرى، بما يعززها ويدعمها من خلال هذا التقييم لتلك الصور الشمسية، فإن المحكمة عرض لها بالبحث والمناقشة، وقد استبانت من مطالعتها لتلك الصور أنها قد التقطت لجمع غفير من الناس دون تمييز من بينهم وجها لأحد الأشخاص بدا صاحبه كأنه محمول على الأعناق، إلا أن المناظرة التي أجرتها المحكمة لتلك الصورة ومقارنة ذلك الشخص المحمول بالمتهم قد أسفرت عن عدم إمكان القطع بأن الصورة هي لذلك المتهم بل إن المناظرة والمقارنة لم ترجح احتمال أن يكون المتهم صاحب الصورة، ونفس هذه النتيجة قد كشفت عنها مناظرة لبعض الصور المقدمة في الدعوى، هذا بالإضافة إلى ما هو معروف من إمكان إحداث تغيير وتعديل في الشكل والملامح تقيمها الأساليب العلمية الحديثة، وفضلا عن ذلك فإن تلك الصور لا تنبئ بذاتها عن مكان وزمان وملابسات التقاطها؛ فلا يمكن القول مثلا وعلى وجه القطع واليقين إن هذه الصورة أو تلك قد التقطت يومي 18و 19 يناير 1977 وإنها صورة مظاهرة كانت في هذا الشارع أو ذاك من شوارع القاهرة وأن تلك المظاهره كانت معادية لنظام الحكم القائم في البلاد.
.. كما أن تلك الصور ومع الفرض الجدلي المحض أنها خاصة بالمتهمين الذين نسبت إليهم فإنها لا يعتد بها في مجال التدليل على أنها التقطت في زمان معين هو يوما 18و19/1/1977 أو غيرهما من الأيام وفى مكان معين هو شوارع القاهرة وميادينها وفى مناسبات وملابسات، فضلاً عن كونها لم تفصح يقينا عن أنها خاصة بالمتهمين المنسوبة إليهم، ولم تنبئ أن هؤلاء المتهمين ينتمون لهذه المنظمة أو تلك، وان هدف المنظمة هو الإطاحة بالنظم الأساسية للمجتمع عن طريق استعمال القوة والإرهاب، وبالتالي، فإن المحكمة في مقام التدليل على ثبوت الاتهام تطرحها طرحا ."
أخلاقيات الصورة الصحفية:
ظهر مفهوم أخلاقيات الصحافة فى السويد فى عام 1916 ثم فى فرنسا عام 1918 ، ثم اعتبر هذا المفهوم من أهم الأسس التى تقوم عليها نظرية المسئولية الاجتماعية ، وهو مجموعة من المعايير الفنية المرتبطة بمهنة الصحافة والتى يلتزم بها الصحفيون فى عملية استقصاء الأنباء ونشرها والتعليق عليها والتقاط الصور وفى طرحهم لأرائهم .
مع الساعات الأولى من مصرع الأميرة ديانا فى 31 أغسطس 1997، برزت قضية القواعد الأخلاقية والقانونية لإعادة الانضباط إلى الصورة الصحفية وعمل المصور الصحفى، حيث ناقش مصورو الصحف الرصينة فى اجتماع الجمعية الملكية للتصوير الحادث، واعتبروه فرصة جيدة لإظهار ما يعتنقونه من أخلاقيات فى مجال التصوير، مثل الموضوعية والتغطية المتوازنة، وأعلنوا أن ما حدث من مصـورى صحــف النفــــايات حسب التعـبير الإنجليزى Rubbish) ) من مطاردات فضولية وغير منضبطة لموكب الأميرة كان سبباً رئيسا فى الحادث المأساوى، ومن ثم يجب العودة إلى حدود المهنية الصارمة وإقامة الحواجز بينهم وبين مصورى صحف الإثارة؛ تلك الحواجز التى كانت قد تلاشت خلال السنوات الأخيرة لرغبة الجمهور فى التعرف على أخبار المشاهير.
وكان فى مقدمة القضايا المثارة:
• قضية مصداقية الصورة وحمايتها من الحجب أو التلاعب فى تفاصيلها أو استعمالها فى غير الغرض الذى التقطت من أجله أو إساءة توظيفها بإقحامها فى غير سياقها أو وضعها مع عناوين أو نصوص لا توجد رابطة حقيقية بينها وبين مضمون الصورة.
• قضية احترام الخصوصية والحدود التى يجب أن يتوقف كل من المصور الصحفى والقائم بعملية الاتصال المصور عندها، بما لا يجوز معه هتك ستر، أونشر فحش أو انتهاك حرمة الأماكن التى حددها القانون، والتلصص على أصحابها واستراق الصور لهم فى غفلتهم ودون إذن منهم، وكذلك الموازنة بين حق الشخصيات العامة فى الخصوصية، وحق الرأى العام فى متابعتهم، والحفاظ على حقوق الذين لا يريدون أن يكونوا مجالاً للتصوير.
• قضية احترام حقوق الملكية الفكرية للصور الصحفية، وحقوق النشر والحفاظ على حق المؤلف، وعدم جواز استخدام الصور دون الرجوع إلى أصحاب حقوق ملكيتها، وعدم جواز انتهاك حق المؤلف باستخدام المعالجات الرقمية فى تشويه الصور الصحفية الأصلية بدون إذن وتصريح المؤلف.
• قضية احترام القوانين والمواثيق الدولية فيما يتعلق بشأن تصوير الأسرى واحترام التقاليد العسكرية العريقة، التى تلتزم باحترام جثمان الموتى من الخصوم واحترام حقوق السجناء.
• قضية احترام الضعف الإنسانى لضحايا الحوادث والكوارث والجرائم والتعامل معهم باهتمام وتعاطف خاص، وتجنب التطفل على لحظات الحزن والأسى الخاصة بهم وعدم تصويرهم إلا فى أضيق الحدود، التى تقتضيها الضرورة، وفى هذه الحالة يكون التركيز على تصوير حالة الضعف، لا على شخوص الضعفاء.
• قضية الامتناع عن تصوير المشاهد التمثيلية أو المفبركة، وإدخال الغش والتدليس بتقديمها للمتلقى على كونها حقيقة أو حدثا أو قصة خبرية.
حقوق البيئة والحيوان:
ولم تقتصر مدونات السلوك للمصورين الصحفيين على حقوق الإنسان فقط، بل تعدتها إلى حقوق الحيوان والبيئة بإرساء أخلاقيات تصوير الطبيعة من خلال عدد من القواعد التى أقرتها جمعية تصوير الطبيعة بأمريكا الشمالية:
• البعد عن التأثير على دورة حياة الحيوان.
• احترام حاجات الحيوان الروتينية.
• استخدام العدسة المناسبة لتصوير الحيوانات البرية، وعدم ترويع الحيوانات من وجودك بالابتعاد عنهم قدر الإمكان واستخدام عدسة ذات قدرة تقريبية أعلى.
• مراعاة هشاشة النظام البيئى بالالتزام بالطرق ذات التأثير الأقل عليه.
ورغم ذلك لم تتوقف تجاوزت المصورين.. لكن ما يجمع عليه أستاذة وخبراء الإعلام هو أن نشر الصور المنحطة، التى تستهدف التشهير والتشنيع والمبالغة، لا يعبر عن السقوط المهنى والأخلاقى للمصور فحسب بل يتعداه إلى انحطاط مستوى الشعب والصحيفة معاً. *
* د. عبد اللطيف حمزة ـ المدخل فن التحرير الصحفى.
فى إبريل 2006، أعربت الحكومة الألمانية عن انزعاجها من قيام صحيفة "ذى صن" الشعبية البريطانية بنشر صورة شبه عارية المؤخرة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهى تهم بارتداء لباس البحر على أحد الشواطئ الإيطالية، حيث أمضت عطلة عيد القيامة على جزيرة ايشيا الإيطالية قرب كابرى فى خليج نابولى.
وقال مساعد المتحدث باسم الحكومة الألمانية توماس ستج فى لقاء مع الصحافيين "تأمل المستشارة أثناء عطلتها من أن تتمكن من الاستراحة وتمضية الوقت مع زوجها لا أن تكون معرضة باستمرار للمصورين المتربصين".
وأوضح ستج أن ميركل لا تنوى الادعاء على الصحيفة البريطانية. وقال "وجهة نظر الرأى العام الألمانى فيما يتعلق بنشر هذه الصور واضحة جدا وهذا يكفيها".
وهو ما أشعل ما أسماه خبراء الإعلام "حرب التابلويد فى أوربا" بين صحف ألمانيا وإنجلترا، فقد نشرت صحيفة بيلد الأكثر انتشارا فى ألمانيا مقالاً بعنوان "عار عليكم! ما كنا أبدا لنظهر ملكتكم فى ثوب داخلي". ولاحظت صحيفة برلينر تسايتونج أن "المعلومة الوحيدة التى قدمتها الصحيفة أن للمستشارة مؤخرة، وهو ما قد يكون معلومة جديدة لقرائها". وتابعت الصحيفة ساخرة : "يبدو أن البريطانيين لا يعرفون الشيء الكثير عن ألمانيا بعد عام 1945".
ورغم بعض التجاوزات فى إساءة استخدام الصورة ومواضع توظيفها؛ يظل المجد للصورة الصحفية لكونها وثيقة تاريخية وثقافية؛ جعلتها من أهم النوافذ للإطلال على العصر الذى التقطت فيه وملامحه وأحداثه ؛ يقول فرنسيس هنرى تايلور:
" لقد دخل إلى حيز الوجود أدب بصرى لم يسبق له مثيل، يقرأ فيه الناس الصور تاركين للألفاظ واجب نقل الأفكار المجردة غير القابل للانتقال فى أشكال مرسومة ".
ــ ويقول روبرت جيلام سكوت :
"إن الصور تمثل لغة مرئية يمكننا من خلالها أن نسجل ما لنا من خبرات داخلية وخارجية عن عالم لا نستطيع التعبير عنه بالكلمات ".
ــ ويقول بيل جيتس رئيس شركة مايكرو سوفت :
" إن من يسيطر على الصورة ، يسيطر على العقول . "
ــ ويقول آنوريه دى بلزاك أمير الرواية الفرنسية عن دور الصورة فى الكشف عن المشاعر وتعرية النفس البشرية من خداعها :
" أنا أخشى ذلك الصندوق العجيب المخيف الذى يسمونه الكاميرا ؛ فكل مخلوق يتشكل كيانه فى رأيى من طبقات بعضها من فوق بعض بل هى متداخلة مع بعضها البعض إلى ما لا نهاية ، ولذلك فكل صورة تلتقطها الكاميرا هذه إنما تختلس أو تختزل واحدة من تلك الطبقات البالغة الدقة والخلق والإعجاز، فإذا أمعنت الكاميرا فى تصوير المرء المسكين فإنها تجرده من طبقات وجوده ذاته تأخذها من كيانه وتحولها إلى صور مطبوعة .. فلا يبقى منه سوى شغاف من ذاكرة .. أو هياكل بغير جوهر أو مضمون .. ".
ــ ويقول الباحث الاجتماعى الأمريكى لويس هاين:
"لو استطعت أن أعبر بالكلمات عما أريد لما حملت الكاميرا معى ."
ــ ويقول مؤرخ التصوير الفوتوغرافى هيلموت جيرنشم:
" الصورة الفوتوغرافية هى اللغة الوحيدة المفهومة فى كل أرجاء العالم والقادرة على مد الجسور بين الأمم والثقافات، إنها تربط عائلة الإنسان، مستقلة عن الهيمنة السياسية، فالناس خلالها أحرار. إنها تعكس بصدق الحياة والأحداث، وتسمح لنا أن نشارك فى آمال الأخرين ويأسهم، وهى تنير الظروف السياسية والاجتماعية، ونصبح معها شهود عيان على إنسانية البشر وتوحشهم . "
ــ ويقول جلال الدين الحمامصى:
"الصورة الصحفية تظل راسخة فى الأذهان بعكس المقدمة الصحفية فإنها تتبخر مهما كانت ألفاظها قوية، ومعبرة. "
ــ و يقول د. بطرس غالى ( أمين عام الأمم المتحدة الأسبق ) عن تأثير الصورة الصحفية فى صنع القرار السياسى:
"إن الصورة الصحفية أصبحت العضو السادس فى مجلس الأمن الذى يملك حق الفيتو ".
ــ ويقول بورديه فى كتابه " الحرب والصورة":
"السيطرة على الصورة تمثّل الخطوة الأولى لحسم المعركة، ومن ثم كان التوظيف المحموم للصورة من أجل صنع الواقع، حيث تدور رحى الحرب بين متسابقين على من يملك قدرة فرض الواقع الذى يشاء وحرمان الخصم من المشاركة أو تبديل هذا الواقع الافتراضى بالضرورة، أن تكون مصادر انطلاق الصورة هدفاً مركزياً فى أجندة الحروب الأخيرة. ففى حرب كوسوفو العام 1999 قصفت قوات الناتو مبنى التليفزيون فى بلجراد وتدميره، وفى 27 مارس 2003 قصفت القوات الأمريكية مبنى الإذاعة والتليفزيون فى بغداد، وكادت تلقى قناة الجزيرة المصير نفسه فى العام 2004، وفى يناير 2006 دمّرت القوات الإسرائيلية مبنى الإذاعة الفلسطينية ومبنى التليفزيون فى مدينة البيرة وهدّدت بقصف مبنى التليفزيون فى مدينة غزة. وفى 16 يوليو 2006، أى بعد ثلاثة أيام على اندلاع الحرب بين حزب الله وإسرائيل، قامت الأخيرة بتدمير مبنى تليفزيون المنار. "
ــ ويقول الكاتب الصحفى حلمى النمنم:
"الصور الصحفية بمعيار اليوم هى وثائق لا غنى عنها لمن يريد أن يدرس ويتأمل العصر الذى التقطت فيه؛ نقف من خلالها على التحولات السياسية والإنسانية التى تقع وتحدد مصائر الأفراد والجماعات ".
ــ الناقد الأدبى عبد الله الغذامى :
لقد امتصّت الصورة الطاقة الإبداعية للغة، فتحوّلت هى ذاتها إلى لغة، فبعد أن كان الفنان يستعين بالكلمات المجرّدة من أجل توصيف واقع ما، نجحت اللغة البصرية فى اقتحام المجال الإبداعي، حيث يتحول الموصوف اللامرئى إلى مادة بصرية قادرة على الإفصاح عن ذاتها بلغة صورية مكتنزة بالدلالات والإيحاءات، وأشكال التعبير التى تقتحم الخيال الإنسانى، وتزخمه بحزمة إشارات بصرية تضاهى بل تتفوق على القدرة الإبداعية والقوة التعبيرية للغة المجرّدة.
ــ ويعرب د. جلال أمين فى كتابه عن "العولمة" عن مخاوفه من طغيان ثقافة الصورة على الثقافات التقليدية قائلاً:
" ومن الغريب أن القلق المتزايد، داخل المجتمعات المتقدمة اقتصاديا من التهديد، الذى تتعرض له بعض أنواع الحيوانات والطيور، التى يهددها التقدم التكنولوجى بالانقراض، لا يقابله قلق لما يحدث لثقافات الأمم المختلفة من وراء هذا التقدم التكنولوجى نفسه، مع أن هذه الثقافات مهددة هى أيضا بالانقراض، والخسارة فى هذه الحالة لا تقل فداحة ".
***
ولا شك أن مخاوف د . جلال أمين حقيقية وهو ما دفع د . نبيل على فى كتابة «العرب وعصر المعلومات» للتساؤل : كيف ندرأ عن الضعاف فى عالمنا خطر تحول هذه القدرة فى يدى الأقوياء إلى «هيروشيما» جديدة معلوماتية تسحق عقولهم وتقتلع جذورهم الحضارية ؟
.. ولاشك أن تلك المخاوف حقيقية ؛ فالمشهد الإعلامي فى مصر كارثى بكل المعايير ، ولا يوجد له نظير في دولة في العالم ؛ فالسمة الغالبة عليه هى الفوضي والانفلات وغياب المعايير المهنية فى ظل هذا الكم الهائل من الإصدارات الصحفية والقنوات الفضائية ؛ فالفضاء المصري يستقبل 600 قناة علي «نايل سات» لا تعمل بترخيص إلا 81 قناة منها فقط فى غياب قانون لتنظيم البث الفضائي ، فجهة الترخيص هي الهيئة العامة للاستثمار التي تشرف علي الفضائيات وتتعامل معها كما تتعامل مع شركات الشيبسى واللبان والمياه الغازية ، ودون أن تسأل عن مصدر التمويل أو سر التكالب علي أمتلاكها ؟!!! .
***
.. والحل يخلص فى تفعيل دور نقابة الصحفيين فى محاسبة أعضائها وتفعيل ميثاق الشرف الصحفى ، وإنشاء هيئة ضابطة للبث الفضائى على شاكلة هيئة الاتصالات الفيدرالية في أمريكا (FCC) ، ومكتب الاتصالات في دول الاتحاد الأوربى (EPRA ) ، وتكون هيئة معنية بمتابعة تنظيم وسائل الإعلام «لغرض الدفاع القومي» ولغرض تعزيز الهوية المصرية وحماية المشاهد وسلامة الأرواح والممتلكات ، وتلقي الشكاوي من الجمهور في حق وسائل الإعلام أو الفضائيات التي ترتكب أخطاء وفحص تلك الشكاوي والبت فيها.
صعود الصورة
لم تكن الكلمة أبداً محايدة فالحياد وهم، لأننا بشر ؛ نرصد الإنسان بأحاسيسنا وانفعالاتنا ونتفاعل معه حبا أو كرها، حماسا أو فتورا، فإذا ما أضفنا إلى ذلك عوامل الالتباس فى اللغة والاستبداد السياسى وفساد بعض الذمم الصحفية؛ لبدا شق الكلمة مائلا إلى هبوط فى مواجهة شق الصورة، وهو ما أوضحه الشيخ محمد عبده فى أن الصورة : "... قد حفظت من أحوال الأشخاص فى الشئون المختلفة ومن أحوال الجماعات فى المواقع المتنوعة ما تستحق به أن تسمى ديوان الهيئات والأحوال البشرية، يصورون الإنسان والحيوان فى حال الفرح والرضا والطمأنينة والتسليم، وهذه المعانى المدرجة فى هذه الألفاظ متقاربة لا يسهل عليك تمييز بعضها عن بعض ولكنك تنظر فى رسوم مختلفة فتجد الفرق ظاهرا وباهرا".
وقد اتفق ما قاله الشيخ محمد عبده مع ما ذهب إليه خبراء الإعلام من أن الصورة هى عبارة عن: "جملة مرئية مفيدة تسجيليا أو إبداعيا أو الاثنين معا كتبت ضوئيا كنص مرئى" من خلال لغة بصرية يقرؤها جميع البشر دون استثناء، لأنها تتجاوز حدود اللغات وحواجز الثقافات، فهى بذاتها أبجدية كونية، تقرؤها العين دون وسيط. ولا تحتاج إلى المصاحبة اللغوية كى تنفذ إلى إدراك المتلقى، فهى بحد ذاتها خطاب ناجز مكتمل، يملك سائر مقومات التأثير الفعال فى مستقبليه، ويغنى عن ساعات من الكلام، وبعبارة أخرى أصبحت الصورة لغة الاسبرانتو* Esperanto البصرية.
وهو ما أكدته دراسات أهمية الصورة من نتائج، والتى خلصت إلى أن البصر يلعب دوراً رئيسياً فى عملية الإدراك حيث يمد البصر الإنسان بكمية غير محدودة من المعلومات عن العالم المحيط به؛ فالبصر هو الحاسة المهيمنة عند الإنسان؛ فهو غالباً ما يميل إلى تصديق ما يراه إذا ما تعارضت المعلومات الحسية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* لغة الاسبرانتو Esperanto : هى لغة دولية مبتكرة بنيت على أساس من الكلمات المشتركة فى اللغات الأوربية الرئيسية ـ د. شريف درويش اللبان تكنولوجيا النشر الصحفى الاتجاهات الحديثة ـ الدار المصرية اللبنانية ـ القاهرة ـ الطبعة الثانية 2007
تعريف الصورة :
ــــــــــــــ
الصورة فى أول تعريف لها عام 1918 فى فتوى الشيخ أحمد خطيب بن عبد المطلب ـ الجاوى منشأ والشافعى مذهباً ـ والمقيم فى البلد الحرام : "أنها من قبيل الصورة التى تُرى فى المرآة وتوصلوا إلى حبسها ".
وهو نفس المعنى الذى تمت إعادة صياغته بمعرفة خبراء الإعلام للوصول إلى أن الصورة : "هى عزل وتسجيل وتجميد لحظة من الزمن ؛ باعتبارها أيقونة حاملة للتشابة مع الأصل الذى تم تصـويره، ومن ناحية أخرى هى مؤشــــر يدل على أثر ما تبقى من لحظــة وواقعة ما مرت وانقضت ويصعب استعادتها ".
التصوير الصحفى " PHOTOJOURALISM " نمط من أنماط الصحافة يتم من خلاله إنتاج الصور للتعبير كلية و بشكل جزئى عن القصص الخبرية إلى جانب الحروف والكلمات، ويشير تعبير الصورة الصحفية عادة إلى الصور الثابتة " Still Image " فى حين أنه يشمل فى الواقع التصوير من أجل النشر الفيديوى.
وفى التصوير الصحفى يعتمد المــؤلف " AUTHOR " المحـــرر EDITOR " " على الكاميرا فى رصد وتحرير الموضوعات بواسطة النص المرئى لنقل رسالته للمتلقى. ويتراوح ذلك التناول بين صورة واحدة لحدث أو ظاهرة ومجموعة متتالية من الصور لموضوع واحد "NOVEL" بغرض التوثيق أو الإخبار؛ فإذا كانت الكلمة المكتوبة هى أول مسودة للتاريخ، فإن الصورة الصحفية المنشورة هى أول بروفة مطبوعة له.
والصورة الصحفية الجيدة هى التى تضيف من رموزها وبياناتها وتفاصيلها إلى النص المصاحب لها معانى ودلالات تعجز الكلمات عن وصفها، وتكمل لنا الحدث أو القصة التى نقرأها كأننا شاهديها بالعيان ، ولا تكرر ما جاء بالنص .
وهو ما ذهب إليه جان لوك جودار : " أن خطاب الصورة يحتوى على جانبين متعارضين ومتكاملين هما:
أ ــ الجانب الدلالى أى ما يقال.
ب ــ الجانب الجمالى وهو ما يتضمنه الخطاب دون قوله بشكل مباشر بل هو منغرس فى ثنايا الخطاب ورموزه الموحية.
ومن هنا كان احتلال الصورة مكانة فى التواصل البشرى أهم من الكلمة وأصبحت المفتاح السحرى فى النظام الثقافى.
تعريف المصور الصحفى:
ــــــــــــــــــــ
المصور الصحفى " NEWS PHOTOGRAPHER " هو محرر صحفى يعتمد على آلة الكاميرا فى تحرير الموضوعات الصحفية على مساحة الكادر المتاحة لتسجيل الصورة لديه، وبمعزل عن توجيهات محرر النص المكتوب حرفاً ولكن وفق خطة " SCRIPT " تعدها الأقسام المختصة بالصحيفة أو المجلة أو القناة أو الموقع الإلكترونى.
والمصور الصحفى يجمع بين مهارات المحرر الصحفى، إضافة إلى القدرات الفنية والإبداعية المتوافرة لدية بالموهبة والتأهيل الأكاديمى والتدريب العملى المنهجى لنقل الحدث أو جزء منه بلغة مرئية.
نشأة التصوير الصحفى:
ــــــــــــــــــــ
بدأ التصوير الصحفى عام 1835، على يد المحامى البريطانى روجر فنتون، الذى ذهب إلى المنطقة الواقعة بين الحدود الروسية التركية لتصوير أحداث حرب القرم، التى استمرت من عام 1853 حتى 1856 والذى عاد من رحلته وفى جعبته ما يزيد على 300 صورة شمسية لجنود قتلى وبعض الأسلحة ووسائل وأساليب التنقل أثناء الحرب.
التأثيرات الجسمية
المصاحبة للصورة:
ـــــــــــــــــ
فى الدراسة التى أجراها ليفساى وبورتر J.R. Livesay&T.Porter للتعرف على التأثيرات الجسمية المصاحبة لصور ونصوص ذات تأثيرات عاطفية لعينة من 12 مراهقاً تم تعريضهم لصور بعضها ملون وبعضها لأبيض وأسود تشتمل على تأثيرات عاطفية، ومصاحبة لقصص صحفية بعضها يتضمن أحداثاً مثيرة وبعضها أحداثا محايدة، وتم قياس تأثير الصور على جسد أفراد العينة من خلال :
• قياس معدلات تقلصات عضلة الحاجب، وعضلات الشفة العليا.
• درجة حرارة سطح البشرة والجسم.
• معدل نبضات القلب.
وقد أشارت النتائج إلى علاقة إيجابية بين معدلات انقباض العضلات خلال عرض الصور سواء الملونة أو الأبيض والأسود، وأن هذه المعدلات تتصاعد بتصاعد الإثارة الناتجة عن الأحداث التى تحتويها الصورة بصرف النظر عن النصوص المصاحبة لها من عدمه.
عصر الصورة:
ـــــــــــــــــــــ
• 75 % من قراء الصحف يلاحظون الصورة.
• وأكثر من 50 % يلاحظون العناوين.
• وأن 29 % يلفت نظرهم كلام الصور.
• بينما لا تلفت المادة التحريرية سوى انتباه 25 % من القراء.
كما أكدت الدراسات أن:
ـــــــــــــــــــــ
• القراء الذين يستطيعون رؤية الصور الخاصة بالأفراد الذين يرد ذكرهم فى القصص الإخبارية، يكونون أسرع فى التعرف على السمات الشخصية لهؤلاء الأشخاص أكثر من القراء، الذين لم يروا مطلقاً أى صور لهؤلاء الأشخاص.
• الصور الصحفية تفقد مضمونها وتأثيرها الفعال على القارئ بعد تكرار مشاهدتها.
• وأن الصور التى لا تقدم جديداً وتفتقر للتفاصيل والمعانى
تكون صوراً بلا قيمة.
وقد عزت الدراسات ذلك إلى علاقات إيجابية بين حداثة الصورة وعناصر تفضيل مشاهدتها وزيادة زمن المشاهدة وقوة الذاكرة بشأن استعادتها وزيادة معدلات الاهتمام بها.
وهو ما أثبتته وقائع ودلائل عدة منها:
• فى 9 إبريل 2003، لم يكن المتلقى من خلال شاشات التلفاز ليصدق أن بغداد قد سقطت إلا بعد أن شاهد بعينى رأسه صورة سقوط تمثال صدام فى ساحة "الفردوس"، التى تم إعلان احتلال بغداد من خلالها فى عملية إعلامية متقنة حشدت لها وسائل الإعـلام الأمريكى فـريق إنتــــاج سينمائى من هوليود لتصــويرها وإخراجها.
وقد حقق هذا الإخراج الإعلامى للصورة نتائج سياسية وعسكرية باهرة لم تكن متوقعة، وحقق الانهيار الإدراكى المفاجئ للمتلقى وعجّل باستسلام القوات العراقية دون قتال، وسهّل انهيار أوصال التماسك للدولة العراقية، وأنهى صفحة الهجوم قبل أوانها على الأقل إعلاميا ورسميا، وأكد أهمية ودور الحرب الإعلامية فى تحقيق مكاسب عسكرية وسياسية لا تقل تأثيرا عن حرب المدافع.
• فى 14 يوليو2006 لم يكن المتلقى من خلال شاشات التلفاز ليصدق أن حزب الله يمتلك هذه القدرات العسكرية، لولا أن شاهد بعينيه السيد حسن نصر الله بملابسه التقليدية، يملأ شاشة قناة "المنار" (فى خطاب متلفز)، وكأنه يعلق على إحدى مباريات الكرة قائلاً: "المفاجآت التى وعدتكم بها ستبدأ من الآن... البارجة العسكرية التى اعتدت على بنيتنا التحتية... انظروا إليها تحترق وستغرق ومعها عشرات الجنود الصهاينة."، خلا الخطاب من البلاغة الرنانة، وسار وفق ما تتطلبه المرحلة، التى لا تعتمد إلا على الفعل قبل القول البليغ مع الالتزام بكل المقاييس العلمية، التى تتماشى وثقافة الصورة.
فقد استطاع إعلام حزب الله على مدى 33 يوماً ( الحرب الإسرائيلية على لبنان فى يوليو أغسطس 2006(، من خلال الصور عبر الفضائيات، أن يعيد للمواطن العربى الضمير المنتصر، وهو ما لم تستطع القصائد الحماسية الخطابة البلاغية التى خدعتنا فى الماضى فعله، والتى انتهت فى عصر الصورة.
• فى 3 أغسطس 2011 لم يكن الشارع المصرى الذى توجس الظنون وعششت فى رأسه الشكوك، ليصدق أن محاكمة الرئيس السابق مبارك قد بدأت فاعليتها لولا أن شاهد بعينيه إجراءاتها على شاشة تلفاز الدولة، ورأى الطاغية مستلقياً على قفاه خلف القضبان، وشاهد ارتعاش وجهه فيما كانت أصابعه تعبث فى أنفه تارة وفى فمه تارة أخرى، ثم جاء صوته رداً على القاضى : "أفندم، أنا موجود".
• فى 22 أغسطس 2011 أعلن المجلس الوطنى الانتقالى الليبى القبض على سيف الإسلام القذافى، وبعد أقل من الساعة ظهر المذكور على شاشات، ليكذب الخبر مما أسهم فى اهتزاز مصداقية المجلس، وأضفى ظلالاً من التشكيك على تصريحاته، وأشاع حالة من الإحباط فى الشارع الليبى آنذاك.
وعند القبض عليه فعلاً فى 19 نوفمبر 2011 ؛ حرص المجلس الوطنى الانتقالى الليبى على تأكيد الخبر عند إعلانه من خلال مقطع فيديو صوّرته مراسلة وكالة أنباء رويترز، وهو فى قبضة ثوار مدينة الزنتان الذين ألقوا القبض عليه، بينما كان على يحاول البحث عن طريق آمن مع عدد من أعوانه فى منطقة أوبارى بالجنوب الليبى، يتمكن من خلاله إلى الفرار خارج ليبيا.
• فى 19 أكتوبر 2011 لم يكن الشارع العربى يصدق أن أسطورة القذافى التى استمرت 42 عاماً قد انتهت، لولا أن شاهد بعينى رأسه القذافى مقبوضاً عليه وهو يخرج من أحد الأنابيب والدماء تغطى وجهه وهو يقول: "لا تطلقوا النار"، وبعد ساعة أعلنت صورة جثمانه نبأ وفاته.
***
دور الصورة الفوتوغرافية
فى تكوين الصورة الذهنية:
ـــــــــــــــــــــــ
الصورة الذهنية Image ـ طبقا لما جاء فى المعجم الإعلامى *هى مفهوم عقلى شائع بين مجموعة معينه يشير إلى اتجاه الجماعة الأساسى نحو شخص معين أو نظام ما أو طبقة بعينها أو جنس بعينة أو فلسفة سياسية أو قومية معينة أو شئ آخر .
وثمة رأى أخر فى الصورة الذهنية بأنها استحضار العقل أو التوليد العقلى لما سبق إدراكه بالحواس، وليست بالضرورة أن يكون ذلك المدرك مرئياً وإنما قد يكون مسموعاً أو مشموماً أو متذوقاً أو ملموساً وهذا الاستحضار أو التوليد للمدركات الحسية مجال الاختلاف بين البشر تبعاً لاختلافهم فى أنواع التجارب مع الأشياء الحسية التى مر بها كل منهم والتى يتألف رصيده النفسى الذى يستثار عند حضور الدال ، وهو الكلمة أو التعبير أو الحدث ، والأفراد لا يختلفون فيما بينهم فى أنماط الصور التى يستخدمونها فحسب إنما هم يختلفون أكثر من ذلك فى طبيعة الصور الجزئية التى يولدونها .
ويرى "روبينسون" و " باولو" أن كلمة Image تشبة إلى حد كبير كلمة Stereotype " النمـط الجــامد" وأنها ترتبط مثلـها بالتمييز Prejudice تلك الكلمة التى تعنى فى أصلها اللاتينى الحكم المسبق Prejudging أو الحكم قبل توافر الأدلة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المعجم الإعلامى ، د. محمد منير حجاب ـ دار الفجر للنشر والتوزيع ـ القاهرة 2004
أى إنها الصورة المنطبعة فى أذهان الناس عن شيء أو سلعة أو شخص ما سواء كان نجم سينما أو رئيس دولة أو حدثا أو مكانا سواء رسموها بأنفسهم أو رسمها لهم المحيطون بهم، أو هيأتها الظروف التى وجدوا فيها أو صنعها لهم الخبراء من صناع الصورة الذهنية، الذين يطلق عليهم "خبراء الصورة" أو"صناع النجوم"، أو كما يسمونهم فى بريطانيا "أطباء التجميل"Skin Doctors وهم بالطبع ليسوا أطباء ولكنهم يقومون بدور الأطباء فى تجميل الصورة وجعلها أفضل وأكثر قبولاً، إنهم عباقرة الظل الذين يصنعون من الفسيخ شربات، ومن البوصة عروسة، ومن المتعوس وخائب الرجاء فارس زمانه وسلطان عصره وأوانه.
فالمقصود بالصورة الذهنية هو كيف ترى عيون العقل العالم، وهى منتج عملية الإدراك والتقاء المعرفة بالواقع فى إطار التفاعل بين الصور، التى يتم استقبالها عن طريق الحواس وبين المعرفة المختزنة ذات العلاقة، والتى يستعين بها المتلقى، والتى تختلف من فرد لآخر، والتى تتغير بالنسبة للفرد نفسه بتغيير المواقع والأدوار والخصائص والسمات العامة والاجتماعية للفرد نفسه.
وتلعب الصورة الصحفية دورا هاماً فى خلق الصورة الذهنية باعتبار أن الحكم على الشئ فرع من تصوره ، وهو ما جعل كثيرا من الرؤساء يخضعون لخبراء الصورة؛ ينفذون أوامرهم بدقة مهما كلفهم الأمر، فحينما قالوا لبلير رئيس وزراء بريطانيا إن صورته تحتاج لتعديل ؛ فالشعر يجب أن يكون أكثر تهذيباً، وأن عليه أن يرتدى البدلة القاتمة ليبدو وجهه أكثر وضوحاً وابتسامته أكثر إشراقاً، وقد امتثلت مارجريت تاتشر حينما أراد خبراء الصورة أن تكون نموذجاً للمرأة القوية، التى تحرص على اكتساب الاحترام بمظهرها القوى الجاد؛ إذ أريد لها أن تكون بحق المرأة الحديدية، فتم تغيير أسلوب ملابسها، فلم تعد ترتدى إلا التاييرات من الألوان السادة فقط، كما خضعت لعملية تقويم أسنانها والحديث بشكل أبطأ وبلغة أكثر رصانة حتى لا تبدو فى رعونة الأمريكيات، أما ما حدث مع جون ميجور فكان لافتاً للنظر إذ جعله خبراء الصورة يرتدى الصديرى ذا الصفين من الأزرار والكرافتة الرفيعة ثم البابيون، رغم أن هذه الصورة قربته من أن يكون جرسونا فى فندق أكثر منه رئيس وزراء.
وقد نجحت ألاعيب خبراء الصورة فى إقناع الجماهير بانتخاب شخص غبى فارغ الرأس والدفع به إلى البيت الأبيض، وهو ما كلف أمريكا والعالم الكثير من الخسائر المالية والبشرية فى حروب لم تحقق انتصاراً وهو بوش الابن، ذلك السكير المدمن، والذى لم يكن يمر أسبوع دون أن تستوقفه دورية بوليس وتسحب رخصة قيادته لمخالفة القوانين وقيادته سيارة مسرعة فى حالة سكر، ووصل الحال ببعض نوادى تكساس إلى حد منعه من دخولها لإثارته المتاعب والمشاجرات دون مبرر.
بدأت ألاعيب خبراء الصورة فى تقديم بوش فى صورة المتحول من شخص عابث سكير إلى مؤمن شديد الإيمان ونادم على الذنب وشديد الولاء لكنيسته، بل ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال الاستعانة بتصريحات خبير فى السلالات فى تأكيد وإبراز سمات وملامح معينة أسهمت فى صناعة الصورة : أهمها أنه ينحدر من أصول ملكية ورئاسية، وأنه سيفوز بالرئاسة لمجرد أن الدماء الملكية تجرى فى عروقه، وأنه منذ عهد جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة، كان الفائز فى السباق إلى البيت الأبيض دائما هو المرشح الذى تربطه علاقة أوثق بالدماء الملكية؛ ولذلك فإن بوش الابن هو الأقرب للفوز لأنه ينحدر مباشرة من سلالة ملوك أوربا، فهو من عائلة نبيلة من ولاية نيو إنجلند فى شمال شرق الولايات المتحدة.
.. لم يكن هؤلاء فقط هم الذين سلموا أنفسهم لعباقرة من صناع الصورة فقد خضعت الملكة إليزابيث لأوامر خبراء الصورة، الذين أسهموا فى إطالة عمر العائلة المالكة بعد مقتل ديانا، وقد نحا الخبراء نحو جعل الأسرة المالكة ذات مظهر إنسانى متجاوب مع مشاعر الناس من خلال نشر صور صحفية للملكة فى الشارع وهى تضحك وتصافح الناس وتبكى على ديانا.*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د. عزة عزت ـ صورة الرئيس.
الصورة الذهنية
لرؤســــاء مصر:
ـــــــــــــــ
بعد رحيل الملك وإلغاء النظام الملكى، وقيام الجمهورية ظلت وسائل الإعلام تؤله الرئيس، وتصفه ببقايا الصفات القدسية التى توارثناها عبر تاريخنا، فهو دائما ذات مصونة لا تُمس، فهو صاحب السيادة والفخامة والعزة، وهو الحاكم الملهم العليم ببواطن الأمور، وهو المفكر الوحيد وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة دون خبرة كافية، وهو رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذى يرتدى وشاح القضاء على لباسه العسكرى، فى إشارة إلى امتلاكه القوة والعدل، وهو أيضًاً المشرّع الأوحد، فبإشارة من أصبعه ينطلق (ترزية القوانين) فى غيّهم، فكل ما ينطق به حكمة تتصدر صحف الدنيا، وهو لا يريد إلا المصلحة العامة ومصلحة الوطن، وأن كل الأمور تقضى بتوجيهاته، وهو أيضا المتدين الخلوق والمتواضع الرحيم الذى يستمع للجميع ويحل مشاكلهم.
وقد حكم مصر أربعة رؤساء هم:
1 ـ محمد نجيب : ( 18 يونيو 1953 ــ 14نوفمبر 1954 ).
2 ـ جمال عبد الناصر : ( 23 يونيو 1954 ــ 28 سبتمبر 1970 ).
3 ـ أنور السادات: ( 18 أكتوبر1970 ــ 6 أكتوبر 1981 ).
4 ـ حسنى مبارك : ( 14 أكتوبر1981 ــ11 فبراير 2011 ).
محمد نجيب:
ــــــــــ
عند وقوع انقلاب 23 يوليو 1952 كان الإعلام محصوراً فى ثلاث وسائل: الصحف والإذاعة والجريدة الناطقة ؛ والصحف بطبيعتها لم تكن مؤثرة فى السواد الأعظم من الشعب، الذى ارتفعت نسبة الأمية بين أفراده، ولم تكن الإذاعة أفضل حالاً، فلم تكن أجهزة مذياعها متوافرة سوى فى قصور الباشوات ودواوير العمد وبيوت الأعيان وموظفى الحكومة وبعض المقاهى، وكانت الجريدة الناطقة تعرض قبل عرض الفيلم فى دور السينما، وتخاطب شريحة محددة من سكان المدن حيث توجد دور العرض.
ومع الساعات الأولى للانقلاب الذى أُطلق عليه آنذاك «حركة الجيش المباركة» حرص محمد نجيب على الترويج لـ « كذبة الأسلحة الفاسدة فى حرب فلسطين » التى اتخذها ضباط الانقلاب ذريعة له ، كما حرص على الظهور فى زى عسكرى حاملاً عصاه المارشالية وبايب يتدلى من زاوية فمه بصفته قائداً للحركة مع أخبار متناثرة عن كونه أيضا سليل أسرة عسكرية عريقة ، واهتز طرباً مع مونولوج اسماعيل ياسين الشهير : « 20 مليون ، والجيش ونجيب عملوا ترتيب » ، كما حرص أيضا على أن يبدو فى صورة المتدين الذى يحرص على أداء الصلوات فى المساجد الكبرى ، التى تضم رفات الأولياء، والجلوس فى خشوع لسماع خطبة الجمعة، وإظهار الود والتوقير لفضيلة الإمام الأكبر؛ فشيخ الأزهر دائماً هو المفتاح السحرى للدخول إلى قلوب المصريين ، وأيضا لا يأنف الذهاب إلى المحفل الماسونى للتهنئة بالعيد، ليؤكد أنه جاء رئيساً لكل المصريين، والتركيز على أن يبدو ودوداً مع الجميع ، فهو يعامل الجميع بتواضع وطيبة قلب، ولا يأنف الجلوس إلى جوار عامتهم والربت على أكتافهم.
.. ولم يغفل نجيب توظيف الصورة الفوتوغرافية فى خلق صورة ذهنية له رسخ من خلالها أنه يعيش حياة بسيطة مثل أواسط الناس من خلال دعوته لمصور مجلة «المصور» أحمد سليمان فى سبتمبر 1953 لتصوير أحداث يوم من حياته ظهر فيه بالروب والبيجاما والقبقاب وصابون الحلاقة. وقد أثارت الصور إعجاب العامة وحبهم لرجل منهم يحكمهم ويحيا حياة بسيطة مثلهم بعيداً عن بذخ القصور وتيه السلطان.
نجيب رجل مصر القوى ، هكذا قدم نفسه
مع شيخ الأزهر محمد الخضر حسين ، دائما شيخ الأزهر
هو المفتاح السحرى للدخول إلى قلوب المصريين
فى المحفل الماسونى للتهنئة بالعيد
فى فراشه بالروب والبيجاما
صابون الحلاقة على وجهه
يتوضأ والقبقاب فى إحدى قدميه
جمال عبد الناصر:
ــــــــــــــــ
كان الهم الأول لعبد الناصر هو إيجاد صحافة موالية تنقل عنه وتخلق له الصورة التى أرادها لنفسه ، فأصدر جريدة الجمهورية التى خيّبت آماله بمحدودية توزيعها، لدرجة أنه فكر فى إغلاقها، ثم وجد أنه لا مفر من تأميم الصحافة وإنشاء التليفزيون العربى، وقام بتزويد الميادين العامة والساحات الشعبية ومراكز الشباب بأجهزته لنقل صورته وخطابه إلى الجماهير، وأحاط نفسه بالعديد من مؤلفى الأغانى والملحنين الذين تغنوا به وله.
جمال يا حبيب الملايين...عبد الحليم حافظ
محمد عبد الوهاب ـ اغنية ناصر
وقد تبلورت صفة الصمت والكتمان وتأصلت فى شخصيته بانضمامه إلى العديد من التنظيمات السرية فى آن واحد ؛ فهو قائد تنظيم الإخوان المسلمين داخل الجيش الذى اتخذ لنفسه اسما حركيا ( البكباشى عبده ) ، وهو عضو حدتو الذى اتخذ لنفسه اسما حركيا ( موريس ) حتى أصبح لغزاً ؛ فهو الرجل ذو العلاقة الغامضة بإسرائيل ؛ فحينما كان رئيس أركان حرب الكتيبة السادسة مشاة ضمن القوات المٌحاصَرة في بلدة عراق المنشية قطاع الفالوجا ، كان يتحدث عبر خطوط الجبهة مع اليهود المٌحاصِرين للفالوجا ، ويتلقى هدايا البرتقال والشيكولاتة من إيجال يادين الذي كان رئيساً لأركان حرب جنوب فلسطين ، وهو أيضا الرجل ذو العلاقة الغامضة بالأمريكان فقد ذكر مايلز كوبلاند ( مندوب المخابرات المركزية فى مصر) فى كتابه لعبة الامم عن علاقته مع تنظيم الضباط الأحرار ومع جمال عبدالناصر خاصة: (لم يكن انقلاب 23 يوليو لينجح لولا أن هناك تنسيقاً بين أمريكا وإنجلترا على ألا تتدخل الأخيرة فى الأحداث، وذلك لتصفية الحسابات القديمة مع الملك فاروق عقاباً له على إرسالة الجيش المصرى إلى فلسطين عام 1948) .
وقد ساعد كل هذا الغموض الذى أحاط بشخصية عبد الناصر إلى جعله شخصية أقرب إلى الأسطورة وإظهاره فى صورة الزعيم القادر على تحقيق المستحيل ،وإثارة حماس الجماهير وحناجرها بإشارة من يده ، إضافة إلى حرصه على أن يبدو شديداً فى الحق، ملتصقاً بشعبه مهموما بأحواله، متديناً دون تزمت ، وهو الرجل الصعيدى المحافظ أسرياً دون إغفال لدور المرأة، والمنحاز للفقراء ، والمتمسك بالعروبة ، والمتحدى انتصاراً للكرامة الوطنية ، وهو أيضا الشخص البسيط المحب للفكاهة والذى يهوى الشطرنج لعبة الذكاء، ويعشق التصوير الفوتوغرافى ويحب مشاهدة أفلام السينما.
عبد الناصر.. تحية الزعيم لجماهيره
يهوى الشطرنج " لعبة الذكاء "
مع أسرته على الشاطئ يسجل بكاميرته مرح أطفاله
يسجل بكاميرته فرحة ابنته منى فى ليلة عرسها
السادات :
ـــــــــ
ولكن سرعان ما احترقت هذه الصورة عندما انحنى أمام تمثال عبد الناصر بعد أداء يمين تولى السلطة قائلا : « لقد جئت إليكم على طريق عبد الناصر»، وهو ما أثار استياء الشعب المصرى المتدين بطبعه والذى يكره الوثنية، فأدرك البسطاء أنهم أمام شخص فهلوى يلعب بالبيضة والحجر، أو كما يقول أولاد البلد : « ابن حنت ».
ولم يغفل السادات دور الصورة الفوتوغرافية فى رسم الصورة الذهنية التى يريدها، فنشرت له الصور بالعباءة والجلباب البلدى، وظهرت زوجته جيهان وهى ترتدى ملابس القرويات فى ميت أبو الكوم. وهو أيضاً الذى قبل زمالة بول هاريس مؤسس أندية الروتارى أحد روافد الماسونية، التى أطلق العنان لأنشطتها فى مصر بعد السماح بانعقاد مؤتمر نوادى روتارى الشرق الأوسط فى الإسكندرية فى 5 ابريل 1978 برعايته وحضور ممدوح سالم رئيس الوزراء ومحب استينو وزير السياحة وروبرت مانشستر ممثل الروتارى الدولى * (1) ، وقد أشارت « دائرة المعارف الماسونية « إلى أن المحفل السامى الماسونى السورى فى اجتماعه ليوم 21/ 2/ 1958 إعتماد أنور السادات أستاذاً أعظم شرقى فى المحفل الماسونى الأكبر *(2).
وقد ساعده الظرف التاريخى على تحسين صورة السادات بالانتصار العظيم فى أكتوبر 1973، لكنه حوّله إلى حالة من الاستعراض الشخصى بلبس البذات العسكرية للأسلحة المختلفة، بما يتفق وكل مناسبة ، وهو ما كان مثار سخرية الشارع ، الذى عبر عنها فى صورة نكتتين، وهما أن السادات عندما ذهب إلى مركز تنظيم الأسرة لبس «لولب»، وعندما ذهب إلى مركز رعاية الطفولة لبس «بامبرز».
فالسادات لم يُحسن استغلال النصر التاريخى بما فعله من تصرفات، وما تبعها من تداعيات وأحداث أهدرت قيمة النصر العسكرى، ولم تحقق المردود السياسى المستهدف منه بشكل يرضى القوى السياسية المصرية وفصائل النخبة المصرية من المثقفين والكتاب والصحفيين ورجال الدين الإسلامى والمسيحى، الذين طالتهم إساءات السادات وغروره ونالت منهم، كما أن المواطن البسيط بدأ يفقد الثقة فى أحاديث السادات عن الرخاء القادم فاندلعت مظاهرات 18 و19 يناير 1977 ، فلم يحقق الســادات الصــورة المنشودة فأصبح على حــد تعبير المراجـع الأجـنبية «منبوذاً» Outcast، وهو ما جعل السادات يستنسخ تجربة محمد نجيب بدعوته للمصور فاروق إبراهيم مصور« أخبار اليوم » فى مارس 1981 لتصوير يوم فى حياته من خلال صور ظهر فيها بالملابس الداخلية، وأيضا وهو يحلق ذقنه ويمارس رياضة اليوجا، والسباحة فى حمام السباحة بقصره، الغريب فى الأمر أن الصور كانت موضع سخرية الشعب المصرى الذى أطلق تعبيره اللاذع: « والله ونلتها يا خيشة !! » فلم يفلح السادات فى كسب ثقته وتحسين صورته أمامه، فبينما كان السادات يمارس رياضة السباحة فى حمام قصره كانت المياه لاتصل إلى المنازل إلا فى ساعات قليلة من النهار، ولا تصل إلى الأدوار العليا فى المنازل مطلقاً والشوارع غارقة فى مخلفات الصرف الصحى.
وقد أعلن الشعب المصرى رأيه صراحة فى السادات بعد اغتياله عندما لزم منازله فبدت الشوارع شبه خالية؛ ليتم التغيير وانتقال السلطة بسلاسة وليترك السادات يوارى التراب دون مشيعين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* (1) جريدة الأهرام : 6– 4 – 1978
*(2) محمد موسى النبهانى ، النشاط الماسونى فى الوطن العربى ـ الجزء 1 ـ ص74 ، الدار القومية للكتاب العربى ـ الطبعة الأولى ـ بغداد 1985.
بالجلباب والعباءة والمسبحة
جيهان فى ملابس القرويات
فى فراشه بالبيجاما
بملابسه الداخلية يحلق ذقنه
مستقياً على الأرض يمارس اليوجا
فى حمام السباحة بقصره
الصلاة فى برنس الحمام
السادات يصف انتفاضة شعبه بـ " انتفاضة الحرامية "
حسنى مبارك:
ـــــــــــ
الصدفة وحدها هى التى أتت بمبارك إلى كرسى الحكم؛ فقد جاء من وسط دوامات الدم وعواصف اللهب، فهو مجرد موظف بدرجة رئيس جمهورية، ذو خلفية عسكرية ولا يجيد سوى التحدث بلغة «القشلاقات» Parracks وهى لغة خشنة تفتقد الأدب والتهذيب ، ولم يبذل أدنى جهد لتغيير هذه الصورة فهو يدرك حقيقة قدراته، فهو أخير دفعته فى الكلية الجوية، وهو دائما فى آخر الصف وذيل السرب، وعندما عينه السادات نائباَ للرئيس كان موضع نكات وقفشات وسخرية رجالات الدولة المقربين من الســادات لدرجة أن أحـدهم أطلق علية لقب : "الأفندى أبو نوتة"، لأنه كان يمسك بأجندة طوال الوقت يدوّن فيها كل ما يقوله السادات فى اصطناع للطاعة وتعويض نقص القدرات وبطئ الفهم ، هو ما حاول إخفائه بقناع باهت وابتسامة لزجة ، أثارت سخرية رجل الشارع الذى وصفه بـ «البقرة الضاحكة» La vache qui rei.فلم تكن لمبارك صورة مشرقة يقدمها لشعبه حتى الضربة الجوية، فهو ليس قائدها الأوحد، كما أن وراءه الكثير الذى حاول طمس تفاصيله؛ فهو الذى ارتضى لنفسه القيام بدور كومبارس فى فيلم "وداع فى الفجر" بطولة شادية وكمال الشناوى وإخراج حسن الإمام من إنتاج كمال الشناوى عام 1956.
وهو الشاب المسلم الذى ارتضى لنفسه اسم جورج * فى سلوك انتهازى افتقد المبادئ من أجل الزواج من التلميذة الجميلة «فاتنة سانت كلير» رئيسة فرقة الباليه والسباحة بالمدرسة سوزان صالح ثابت، التى أصبحت فيما بعد سوزان مبارك، والتى سبق تعميدها كمسيحية فى كنيسة "بونتى بريد" باسم "سوزان بالمر ثابت"؛ وكان فى قبوله الاسم المسيحى بدلا من اسمه المسلم إرضاء لأقرباء لها متشددون دينيا من الكاثوليك المعتنقين للماسونية، ونتيجة لهذه الزيجة حصل على الجنسية البريطانية منذ عام 1965؛ بما يخل بشروط تولى رئاسة الجمهورية !!
.. ومبارك أيضا هو الذى قبل أن يصدر طابع بريد من كيان معاد، يؤكد أنه تفانى فى خدمة الأعداء، وهو الذى لم ينف تصريحات العدو بأنه كنزهم الاستراتيجى وحارس أمنهم الشخصى على مدى ثلاثين عاماً، وهو الذى قبل الصورة المهينة التى ظهر بها فى المحكمة متمارضاً مستلقياً على قفاه يعبث بأصبعه فى أنفه وفمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* روز اليوسف ـ كتب توحيد مجدى ـ عائلة مبارك البريطانية ـ العدد 1925 - الجمعة الموافق – 7 اكتوبر 2011
الفريق محمود شاكر عبد المنعم القائد الحقيقى للضربة الجوية
يسلم الأوسمة لرجاله وعلى يمينه حسنى مبارك وعلى يساره
المشير أحمد إسماعيل.
مبارك الأخير على الدفعة؛ فى آخر الصف وفى ذيل السرب.
ارتضى لنفسه القيام بدور كومبارس فى فيلم "وداع فى الفجر"
بطولة شادية وكمال الشناوى وإخراج حسن الإمام من إنتاج
كمال الشناوى عام 1956.
طابع بريد من كيان معاد يؤكد أنه تفانى فى خدمة الأعداء.
مبارك مستلقيا على قفاه فى مشهد مهين افتقد الكبرياء العسكرى
أثر الصـورة الصحـفية
فى صنــع القــــــرار:
ــــــــــــــــــــــ
أصبحت الصورة الفوتوغرافية أكثر أهمية وتأثيراً من الكلمة، وهو ما جعل أثرها كبيراً فى دوائر صنع القرار؛ فصورة واحدة قد تتسبب فى أحداث وقرارات مصيرية؛ فقد كان لصورة وكالة الأسوشيتد برس التى التقطها المصور نك أوت فى 8 يونيو 1972 لطفلة فيتنامية عارية تهرب مذعورة من قريتها ترانج بانج، التى تعرضت لقصف بالنابالم، أثر بالغ فى إثارة استياء العالم وسخطه، وأحرجت الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون أمام الشارع الأمريكى، الذى روّعته بشاعة الصدمة، فخرجت التظاهرات منددة بالحرب القذرة فى فيتنام، ولم يجد نيكسون آنذاك تبريراً سوى التشكيك فى كون هذه الصورة مباشرة وحقيقية، ولكن هذا التشكيك لم يلق تصديقا من الرأى العام الذى اتهم نيكسون بالكذب.
الطفلة كيم فوك تهرب عارية من قصف النابالم
وكان لصورة أخرى نشرتها وكالة "أسوشيتد برس" عن مجازر صبرا وشــــاتيلا أثرها البالغ فى إيقاظ الضمير العالمى، لدرجة جعلت الجمعية العامة للأمم المتحدة تدين المجزرة فى سبتمبر 1982 وتندد بالوحشية الإسرائيلية، وتصدر قرارا تطالب فيه مجلس الأمن بالتحقيق فى المذبحة.
وأيضا كان لصورة التقطها سائق صومالى يعمل مع طاقم صحفى بريطانى وقع الصدمة على المواطنين الأمريكيين الذى طالبوا بالانسحاب الفورى من الصومال وتصويت الكونجرس بأغلبية 226-201 على الانسحاب، الذى تم نهائياً فى 31 مارس1994 وكانت الصورة لصوماليين غاضبين يسحلون جثة أحد الطيارين الأمريكيين فى شوارع مقديشيو بعد أن سقطت طائرته من طرازهوك فى 3 أكتوبر 1993.
وقد لعبت صورة نشرها نشطاء «الفيسبوك» لجثمان الشاب القتيل خالد سعيد دورًا فى إعادة النظر فى التكييف القانونى والقيد والوصف لقضيته، ففى البداية تم التعامل مع الواقعة على أنها حادثة انتحار؛ واستمعت النيابة إلى أقوال القتلة بوصفهم شهودا!!
وبعد نشر الصورة وبها أثار العنف الوحشى، صدر قرار النائب العام بإعادة استخراج جثة الشاب، وندب لجنة ثلاثية من الطب الشرعى بالقاهرة برئاسة كبير الأطباء الشرعيين لفحص الجثة وإعادة تشريحها لبيان سبب الوفاة. وبناء عليه أحال النائب العام الشرطيين المتهمين بتعذيب الشاب حتى الموت إلى المحاكمة، ليواجها تهم «القبض على شخص دون وجه حق وتعذيبه بدنيا واستعمال القسوة». وقد حكم عليهما فى 26 أكتوبر 2011 بالسجن المشدد 7 سنوات لكل منهما.
وكان لصورة أخرى نشرتها وكالة رويتر فى 17 ديسمبر لفتاة مصرية تحت أقدام جنود من الشرطة العسكرية التابعة لوحدات الجيش المصرى ، والتى تصدرت قصتها كبريات صحف العالم ؛ لتروى وقائع قصة صحفية عن بربرية التعامل مع المتظاهرين فى مصر ، اللقطة تظهر مجموعة من الجنود يسحلون فتاة ، وأحدهم يقفز عليها بالبيادة أكثر من مرة، وجندى آخر يضع بيادته العسكرية على صدرها وهى تسحل وتُعَرَّى من ملابسها وعندما تحاول سيدة كبيرة السن الذود عن الفتاة الشابة يضربها الجنود .
كان لهذه الصورة وقع الصدمة على الرأى العام المصرى ، فخرجت مظاهرات النساء فى مصر لتدين هذا الفعل وهو ما حدا بقيادة المجلس العسكرى لتقديم الاعتذار والتحقيق فى الواقعة بعد أن شككت فيها أول الأمر ، ثم تجاهلها لعدة أيام .
.. تدخلت لانقاذ الفتاة فنالها " بطش العسكر "
الصورة الصحفية كدليل
إدانـــــــــة فى الجـرائم :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرسى حكم محكمة أمن الدولة العليا فى قضية أحداث 18 و19 يناير 1977 مبدأ قانوني في غاية الأهمية، فيما يتعلق بالصور الفوتوغرافية كأدلة اتهام في القضايا المنظورة أمام القضاء ، جاء فيه :
" بالنسبة إلى الصور الشمسية التي قدمت في الدعوى تدليلا على ثبوت الاتهام قِبل من أسندت إليهم التهم، فإن تلك الصور يمكن اعتبارها من قبيل قرائن الأحوال، التي لابد أن تتضامن مع أدلة أو قرائن أخرى، بما يعززها ويدعمها من خلال هذا التقييم لتلك الصور الشمسية، فإن المحكمة عرض لها بالبحث والمناقشة، وقد استبانت من مطالعتها لتلك الصور أنها قد التقطت لجمع غفير من الناس دون تمييز من بينهم وجها لأحد الأشخاص بدا صاحبه كأنه محمول على الأعناق، إلا أن المناظرة التي أجرتها المحكمة لتلك الصورة ومقارنة ذلك الشخص المحمول بالمتهم قد أسفرت عن عدم إمكان القطع بأن الصورة هي لذلك المتهم بل إن المناظرة والمقارنة لم ترجح احتمال أن يكون المتهم صاحب الصورة، ونفس هذه النتيجة قد كشفت عنها مناظرة لبعض الصور المقدمة في الدعوى، هذا بالإضافة إلى ما هو معروف من إمكان إحداث تغيير وتعديل في الشكل والملامح تقيمها الأساليب العلمية الحديثة، وفضلا عن ذلك فإن تلك الصور لا تنبئ بذاتها عن مكان وزمان وملابسات التقاطها؛ فلا يمكن القول مثلا وعلى وجه القطع واليقين إن هذه الصورة أو تلك قد التقطت يومي 18و 19 يناير 1977 وإنها صورة مظاهرة كانت في هذا الشارع أو ذاك من شوارع القاهرة وأن تلك المظاهره كانت معادية لنظام الحكم القائم في البلاد.
.. كما أن تلك الصور ومع الفرض الجدلي المحض أنها خاصة بالمتهمين الذين نسبت إليهم فإنها لا يعتد بها في مجال التدليل على أنها التقطت في زمان معين هو يوما 18و19/1/1977 أو غيرهما من الأيام وفى مكان معين هو شوارع القاهرة وميادينها وفى مناسبات وملابسات، فضلاً عن كونها لم تفصح يقينا عن أنها خاصة بالمتهمين المنسوبة إليهم، ولم تنبئ أن هؤلاء المتهمين ينتمون لهذه المنظمة أو تلك، وان هدف المنظمة هو الإطاحة بالنظم الأساسية للمجتمع عن طريق استعمال القوة والإرهاب، وبالتالي، فإن المحكمة في مقام التدليل على ثبوت الاتهام تطرحها طرحا ."
أخلاقيات الصورة الصحفية:
Ethics of journalistic Photo
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ظهر مفهوم أخلاقيات الصحافة فى السويد فى عام 1916 ثم فى فرنسا عام 1918 ، ثم اعتبر هذا المفهوم من أهم الأسس التى تقوم عليها نظرية المسئولية الاجتماعية ، وهو مجموعة من المعايير الفنية المرتبطة بمهنة الصحافة والتى يلتزم بها الصحفيون فى عملية استقصاء الأنباء ونشرها والتعليق عليها والتقاط الصور وفى طرحهم لأرائهم .
مع الساعات الأولى من مصرع الأميرة ديانا فى 31 أغسطس 1997، برزت قضية القواعد الأخلاقية والقانونية لإعادة الانضباط إلى الصورة الصحفية وعمل المصور الصحفى، حيث ناقش مصورو الصحف الرصينة فى اجتماع الجمعية الملكية للتصوير الحادث، واعتبروه فرصة جيدة لإظهار ما يعتنقونه من أخلاقيات فى مجال التصوير، مثل الموضوعية والتغطية المتوازنة، وأعلنوا أن ما حدث من مصـورى صحــف النفــــايات حسب التعـبير الإنجليزى Rubbish) ) من مطاردات فضولية وغير منضبطة لموكب الأميرة كان سبباً رئيسا فى الحادث المأساوى، ومن ثم يجب العودة إلى حدود المهنية الصارمة وإقامة الحواجز بينهم وبين مصورى صحف الإثارة؛ تلك الحواجز التى كانت قد تلاشت خلال السنوات الأخيرة لرغبة الجمهور فى التعرف على أخبار المشاهير.
وكان فى مقدمة القضايا المثارة:
• قضية مصداقية الصورة وحمايتها من الحجب أو التلاعب فى تفاصيلها أو استعمالها فى غير الغرض الذى التقطت من أجله أو إساءة توظيفها بإقحامها فى غير سياقها أو وضعها مع عناوين أو نصوص لا توجد رابطة حقيقية بينها وبين مضمون الصورة.
• قضية احترام الخصوصية والحدود التى يجب أن يتوقف كل من المصور الصحفى والقائم بعملية الاتصال المصور عندها، بما لا يجوز معه هتك ستر، أونشر فحش أو انتهاك حرمة الأماكن التى حددها القانون، والتلصص على أصحابها واستراق الصور لهم فى غفلتهم ودون إذن منهم، وكذلك الموازنة بين حق الشخصيات العامة فى الخصوصية، وحق الرأى العام فى متابعتهم، والحفاظ على حقوق الذين لا يريدون أن يكونوا مجالاً للتصوير.
• قضية احترام حقوق الملكية الفكرية للصور الصحفية، وحقوق النشر والحفاظ على حق المؤلف، وعدم جواز استخدام الصور دون الرجوع إلى أصحاب حقوق ملكيتها، وعدم جواز انتهاك حق المؤلف باستخدام المعالجات الرقمية فى تشويه الصور الصحفية الأصلية بدون إذن وتصريح المؤلف.
• قضية احترام القوانين والمواثيق الدولية فيما يتعلق بشأن تصوير الأسرى واحترام التقاليد العسكرية العريقة، التى تلتزم باحترام جثمان الموتى من الخصوم واحترام حقوق السجناء.
• قضية احترام الضعف الإنسانى لضحايا الحوادث والكوارث والجرائم والتعامل معهم باهتمام وتعاطف خاص، وتجنب التطفل على لحظات الحزن والأسى الخاصة بهم وعدم تصويرهم إلا فى أضيق الحدود، التى تقتضيها الضرورة، وفى هذه الحالة يكون التركيز على تصوير حالة الضعف، لا على شخوص الضعفاء.
• قضية الامتناع عن تصوير المشاهد التمثيلية أو المفبركة، وإدخال الغش والتدليس بتقديمها للمتلقى على كونها حقيقة أو حدثا أو قصة خبرية.
حقوق البيئة والحيوان:
ولم تقتصر مدونات السلوك للمصورين الصحفيين على حقوق الإنسان فقط، بل تعدتها إلى حقوق الحيوان والبيئة بإرساء أخلاقيات تصوير الطبيعة من خلال عدد من القواعد التى أقرتها جمعية تصوير الطبيعة بأمريكا الشمالية:
• البعد عن التأثير على دورة حياة الحيوان.
• احترام حاجات الحيوان الروتينية.
• استخدام العدسة المناسبة لتصوير الحيوانات البرية، وعدم ترويع الحيوانات من وجودك بالابتعاد عنهم قدر الإمكان واستخدام عدسة ذات قدرة تقريبية أعلى.
• مراعاة هشاشة النظام البيئى بالالتزام بالطرق ذات التأثير الأقل عليه.
صــــورة ميركل
وحرب التابلويد:
ـــــــــــــــ
ورغم ذلك لم تتوقف تجاوزت المصورين.. لكن ما يجمع عليه أستاذة وخبراء الإعلام هو أن نشر الصور المنحطة، التى تستهدف التشهير والتشنيع والمبالغة، لا يعبر عن السقوط المهنى والأخلاقى للمصور فحسب بل يتعداه إلى انحطاط مستوى الشعب والصحيفة معاً. *
* د. عبد اللطيف حمزة ـ المدخل فن التحرير الصحفى.
فى إبريل 2006، أعربت الحكومة الألمانية عن انزعاجها من قيام صحيفة "ذى صن" الشعبية البريطانية بنشر صورة شبه عارية المؤخرة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهى تهم بارتداء لباس البحر على أحد الشواطئ الإيطالية، حيث أمضت عطلة عيد القيامة على جزيرة ايشيا الإيطالية قرب كابرى فى خليج نابولى.
وقال مساعد المتحدث باسم الحكومة الألمانية توماس ستج فى لقاء مع الصحافيين "تأمل المستشارة أثناء عطلتها من أن تتمكن من الاستراحة وتمضية الوقت مع زوجها لا أن تكون معرضة باستمرار للمصورين المتربصين".
وأوضح ستج أن ميركل لا تنوى الادعاء على الصحيفة البريطانية. وقال "وجهة نظر الرأى العام الألمانى فيما يتعلق بنشر هذه الصور واضحة جدا وهذا يكفيها".
وهو ما أشعل ما أسماه خبراء الإعلام "حرب التابلويد فى أوربا" بين صحف ألمانيا وإنجلترا، فقد نشرت صحيفة بيلد الأكثر انتشارا فى ألمانيا مقالاً بعنوان "عار عليكم! ما كنا أبدا لنظهر ملكتكم فى ثوب داخلي". ولاحظت صحيفة برلينر تسايتونج أن "المعلومة الوحيدة التى قدمتها الصحيفة أن للمستشارة مؤخرة، وهو ما قد يكون معلومة جديدة لقرائها". وتابعت الصحيفة ساخرة : "يبدو أن البريطانيين لا يعرفون الشيء الكثير عن ألمانيا بعد عام 1945".
صورة ميركل التى أثارت استياء الألمان
شهادات عن أهمية
الصــورة الصحفية:
ــــــــــــــــ
ورغم بعض التجاوزات فى إساءة استخدام الصورة ومواضع توظيفها؛ يظل المجد للصورة الصحفية لكونها وثيقة تاريخية وثقافية؛ جعلتها من أهم النوافذ للإطلال على العصر الذى التقطت فيه وملامحه وأحداثه ؛ يقول فرنسيس هنرى تايلور:
" لقد دخل إلى حيز الوجود أدب بصرى لم يسبق له مثيل، يقرأ فيه الناس الصور تاركين للألفاظ واجب نقل الأفكار المجردة غير القابل للانتقال فى أشكال مرسومة ".
ــ ويقول روبرت جيلام سكوت :
"إن الصور تمثل لغة مرئية يمكننا من خلالها أن نسجل ما لنا من خبرات داخلية وخارجية عن عالم لا نستطيع التعبير عنه بالكلمات ".
ــ ويقول بيل جيتس رئيس شركة مايكرو سوفت :
" إن من يسيطر على الصورة ، يسيطر على العقول . "
ــ ويقول آنوريه دى بلزاك أمير الرواية الفرنسية عن دور الصورة فى الكشف عن المشاعر وتعرية النفس البشرية من خداعها :
" أنا أخشى ذلك الصندوق العجيب المخيف الذى يسمونه الكاميرا ؛ فكل مخلوق يتشكل كيانه فى رأيى من طبقات بعضها من فوق بعض بل هى متداخلة مع بعضها البعض إلى ما لا نهاية ، ولذلك فكل صورة تلتقطها الكاميرا هذه إنما تختلس أو تختزل واحدة من تلك الطبقات البالغة الدقة والخلق والإعجاز، فإذا أمعنت الكاميرا فى تصوير المرء المسكين فإنها تجرده من طبقات وجوده ذاته تأخذها من كيانه وتحولها إلى صور مطبوعة .. فلا يبقى منه سوى شغاف من ذاكرة .. أو هياكل بغير جوهر أو مضمون .. ".
ــ ويقول الباحث الاجتماعى الأمريكى لويس هاين:
"لو استطعت أن أعبر بالكلمات عما أريد لما حملت الكاميرا معى ."
ــ ويقول مؤرخ التصوير الفوتوغرافى هيلموت جيرنشم:
" الصورة الفوتوغرافية هى اللغة الوحيدة المفهومة فى كل أرجاء العالم والقادرة على مد الجسور بين الأمم والثقافات، إنها تربط عائلة الإنسان، مستقلة عن الهيمنة السياسية، فالناس خلالها أحرار. إنها تعكس بصدق الحياة والأحداث، وتسمح لنا أن نشارك فى آمال الأخرين ويأسهم، وهى تنير الظروف السياسية والاجتماعية، ونصبح معها شهود عيان على إنسانية البشر وتوحشهم . "
ــ ويقول جلال الدين الحمامصى:
"الصورة الصحفية تظل راسخة فى الأذهان بعكس المقدمة الصحفية فإنها تتبخر مهما كانت ألفاظها قوية، ومعبرة. "
ــ و يقول د. بطرس غالى ( أمين عام الأمم المتحدة الأسبق ) عن تأثير الصورة الصحفية فى صنع القرار السياسى:
"إن الصورة الصحفية أصبحت العضو السادس فى مجلس الأمن الذى يملك حق الفيتو ".
ــ ويقول بورديه فى كتابه " الحرب والصورة":
"السيطرة على الصورة تمثّل الخطوة الأولى لحسم المعركة، ومن ثم كان التوظيف المحموم للصورة من أجل صنع الواقع، حيث تدور رحى الحرب بين متسابقين على من يملك قدرة فرض الواقع الذى يشاء وحرمان الخصم من المشاركة أو تبديل هذا الواقع الافتراضى بالضرورة، أن تكون مصادر انطلاق الصورة هدفاً مركزياً فى أجندة الحروب الأخيرة. ففى حرب كوسوفو العام 1999 قصفت قوات الناتو مبنى التليفزيون فى بلجراد وتدميره، وفى 27 مارس 2003 قصفت القوات الأمريكية مبنى الإذاعة والتليفزيون فى بغداد، وكادت تلقى قناة الجزيرة المصير نفسه فى العام 2004، وفى يناير 2006 دمّرت القوات الإسرائيلية مبنى الإذاعة الفلسطينية ومبنى التليفزيون فى مدينة البيرة وهدّدت بقصف مبنى التليفزيون فى مدينة غزة. وفى 16 يوليو 2006، أى بعد ثلاثة أيام على اندلاع الحرب بين حزب الله وإسرائيل، قامت الأخيرة بتدمير مبنى تليفزيون المنار. "
ــ ويقول الكاتب الصحفى حلمى النمنم:
"الصور الصحفية بمعيار اليوم هى وثائق لا غنى عنها لمن يريد أن يدرس ويتأمل العصر الذى التقطت فيه؛ نقف من خلالها على التحولات السياسية والإنسانية التى تقع وتحدد مصائر الأفراد والجماعات ".
ــ الناقد الأدبى عبد الله الغذامى :
لقد امتصّت الصورة الطاقة الإبداعية للغة، فتحوّلت هى ذاتها إلى لغة، فبعد أن كان الفنان يستعين بالكلمات المجرّدة من أجل توصيف واقع ما، نجحت اللغة البصرية فى اقتحام المجال الإبداعي، حيث يتحول الموصوف اللامرئى إلى مادة بصرية قادرة على الإفصاح عن ذاتها بلغة صورية مكتنزة بالدلالات والإيحاءات، وأشكال التعبير التى تقتحم الخيال الإنسانى، وتزخمه بحزمة إشارات بصرية تضاهى بل تتفوق على القدرة الإبداعية والقوة التعبيرية للغة المجرّدة.
ــ ويعرب د. جلال أمين فى كتابه عن "العولمة" عن مخاوفه من طغيان ثقافة الصورة على الثقافات التقليدية قائلاً:
" ومن الغريب أن القلق المتزايد، داخل المجتمعات المتقدمة اقتصاديا من التهديد، الذى تتعرض له بعض أنواع الحيوانات والطيور، التى يهددها التقدم التكنولوجى بالانقراض، لا يقابله قلق لما يحدث لثقافات الأمم المختلفة من وراء هذا التقدم التكنولوجى نفسه، مع أن هذه الثقافات مهددة هى أيضا بالانقراض، والخسارة فى هذه الحالة لا تقل فداحة ".
***
ولا شك أن مخاوف د . جلال أمين حقيقية وهو ما دفع د . نبيل على فى كتابة «العرب وعصر المعلومات» للتساؤل : كيف ندرأ عن الضعاف فى عالمنا خطر تحول هذه القدرة فى يدى الأقوياء إلى «هيروشيما» جديدة معلوماتية تسحق عقولهم وتقتلع جذورهم الحضارية ؟
.. ولاشك أن تلك المخاوف حقيقية ؛ فالمشهد الإعلامي فى مصر كارثى بكل المعايير ، ولا يوجد له نظير في دولة في العالم ؛ فالسمة الغالبة عليه هى الفوضي والانفلات وغياب المعايير المهنية فى ظل هذا الكم الهائل من الإصدارات الصحفية والقنوات الفضائية ؛ فالفضاء المصري يستقبل 600 قناة علي «نايل سات» لا تعمل بترخيص إلا 81 قناة منها فقط فى غياب قانون لتنظيم البث الفضائي ، فجهة الترخيص هي الهيئة العامة للاستثمار التي تشرف علي الفضائيات وتتعامل معها كما تتعامل مع شركات الشيبسى واللبان والمياه الغازية ، ودون أن تسأل عن مصدر التمويل أو سر التكالب علي أمتلاكها ؟!!! .
***
.. والحل يخلص فى تفعيل دور نقابة الصحفيين فى محاسبة أعضائها وتفعيل ميثاق الشرف الصحفى ، وإنشاء هيئة ضابطة للبث الفضائى على شاكلة هيئة الاتصالات الفيدرالية في أمريكا (FCC) ، ومكتب الاتصالات في دول الاتحاد الأوربى (EPRA ) ، وتكون هيئة معنية بمتابعة تنظيم وسائل الإعلام «لغرض الدفاع القومي» ولغرض تعزيز الهوية المصرية وحماية المشاهد وسلامة الأرواح والممتلكات ، وتلقي الشكاوي من الجمهور في حق وسائل الإعلام أو الفضائيات التي ترتكب أخطاء وفحص تلك الشكاوي والبت فيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق