الأربعاء، أبريل 27، 2016

ياسر بكر يكتب : طه حسين .. هل تنصر في فرنسا ؟ ( الحلقة السادسة )



ياسر بكر يكتب : طه حسين .. هل تنصر في فرنسا ؟

( الحلقة السادسة )


.. قال فريد افندي شحاتة في تصريح نشرته مجلة الإذاعة والتليفزيون المصرية :
" إن طه حسين قد تعمد لاعتناق النصرانية، وأقيمت الطقوس المؤدية لذلك في كنيسة قروية بفرنسا " .

اعتناق طه حسين للنصرانية أو أي ديانة أخرى أمر شخصي، وحق كفله له الدستور والقانون وسائر المواثيق الدولية المتعلقة بحرية الاعتقاد، ولا يعنينا في قليل أو كثير سوى عندما نتطرق إلى بحث قضية واحدة وهي قضية المستخفين بعباءة الإسلام لهدمه من داخله من أمثال السبئية والكيسانية والشعوبية والديصانية، وإنتاج المستشرقين الذين كان أغلبهم يجهلون اللغة العربية فبقي الشرق عصياً عليهم، وبقوا خارجه لا يستيطعون  نيلاً منه أو من الإسلام، والذين وجدوا ضالتهم في طه حسين الذي دأب منذ عودته من فرنسا على إثارة حرب شعواء على الإسلام والمؤسسات الإسلامية بإثارة قضايا تفضح عدم إلمامه بتفسير التاريخ والدراية بفقة اللغة العربية وتطور الخط العربي، مثل إنكار الوجود التاريخي لسيدنا إبراهيم وولده اسماعيل، وإنكار الوجود التاريخي لعبد الله ابن سبأ في محاولة لتبرئة اليهود من أحداث الفتنة الكبرى في عهد الخليفة عثمان بن عفان وامتدادتها في عصر سيدنا على وبنيه الذين اكتووا بها وهو ما يسمي بـ " إشكالية عبد الله بن سبأ " .
.. وكانت حيله تنطلي على البسطاء وأشباة المتعلمين بادعاء البحث العلمي عبر طرح التساؤلات لما أسماه ـ زوراً ـ بمنهج الشك لينتهي بالتسليم بالشك دون جواب على تلك التساؤلات، أو القدرة على إقامة دليل؛ فالشك قرين الاحتمال، وليس قرين النفي أو الثبوت ما لم يقم دليل على أى منهما، ليقفز بما ادعاه من شك إلي أفاق من التشكيك بغير سند . . 

.. لذا فإننا نطرح قضية إعتناق طه حسين للنصرانية من منطلقات ما أشاعه من قضايا وأفكار تمت إثارتها بمعرفته أو بالوكالة عن القوى الخفية التي كانت تحركه من خلف الستار، وكلها تحمل فكر الكولينزم وهي مسكونة بروح الآخر وموجه أيدلوجيا منه بما يخدم أغراضه ويضر بتوجهاتنا وعقائدنا ومصالحنا، وقد تم إذابة تلك الأفكار التي حملتها تلك القضايا باحترافية في الفكر والثقافة العربية بما يجعل تميزها صعباً على غير الباحث المحترف والدارس  الخبير، بل أن الأخطر من ذلك أنها صارت إطاراً مرجعيا يستقى منه في مرحلة ما بعد الكولينزم  .

.. لسنا دعاة، .. ولسنا قضاة، .. وتلك حدود تناولنا لقضية " اعتناق طه حسين للنصرانية "، والتي فجرها تصريح  فريد افندي شحاتة.. الذي كان معيناً من قبل جزويت القاهرة سكرتيراً لطه حسين هبة منهم لطه حسين على مدى 40 سنة قضاها أقرب إلى العبد في خدمة سيده، .. وكان لا يتحدث معه إلا بالفرنسية، .. وقد شغل فريد افندي شحاتة تلك الوظيفته خلفاً لشقيقه الدكتور توفيق شحاتة، الذي حصل على الدكتوراة في القانون الدولي وأراد أن يتفرغ للعمل بالتدريس في الجامعة، كان فريد افندي شحاتة مخزن أسرار طه حسين وعينيه اللتان يقرأ بهما وعكازه الذي لا يتحرك بدونه؛ لذا.. فشهادته لها أهميتها الخاصة، .. غير أنه لا يمكن الأخذ بها على علاتها وعواهنها دون فحص أو تمحيص وخاصة أن طه حسين بين يدي الله !!

.. الرجل ليس مستفيداً بتقديم شهادة مكذوبة!! .. بل على العكس حال كونها حقيقة؛ فالضرر واقع عليه، وعلى من وظفوه سكرتيراً لطه حسين في خدمة المشروع الاستشراقي  للتشكيك في الديانة الإسلامية والتاريخ العربي ومحاولة قطع العلاقة بين مصر وعالمها العربي والإسلامي ودفعها إلى الارتماء في جوف الغرب!!، .. وأيضا لم يعرف عن الرجل سابقة في الكذب !!

طه حسين مع زوجته سوزان بريسو راعية مشروع تنصيره
كتب الأستاذ أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة المُنحل بقرار ضباط انقلاب 23 يوليو 1952 ثلاث مقالات نُشرت تباعاً بداية من عدد اكتوبر 1979 في مجلة الثقافة المصرية التابعة لوزارة الثقافة في مصر حول اعتناق طه حسين النصرانية رجح فيها بشكل ظني إحتمال صحة الواقعة التي رواها فريد افندي شحاتة .. أعتمد الأستاذ أحمد حسين فيها على تأوليل ذاتي لبعض العبارات الملتوية التي أوردتها سوزان بريسو الشهيرة بـ " سوزان طه حسين " في كتابها بعنوان : "معك "، ورغم ذلك فقد أغفل الرجل الكثير من العبارات التي لا يعوزها الوضوح وتؤكد ما قاله فريد افندي شحاتة، وأن روايته تفسر لنا الأمر كله، وهو أن أشخاص ذوى نفوذ أشرفوا على عملية إعداد طه حسين وإعادة غرسه ومولوها بعد أن حددوا الدور الخطير الذي سيقوم به، بعد أن منحوه شهادة الدكتوراة المصنوعة، والزوجة الفرنسية، والبيت الوثير الذي أبعده عن معاناة سكنى الربع، والحياة الناعمة بعد حياة قاسية قال عنها لابنته في نهاية الجزء الأول من " الأيام ":

" كان أبوك ينفق الأسبوع لا يعيش إلا على خبز الأزهر، وويل للأزهريين من خبز الأزهر، وإن كانوا ليجدون فيه ضروباً من القش وألواناً من الحصى، وفنوناً من الحشرات .

وكان ينفق الأسبوع والشهر والأشهر لا يغمس هذا الخبز إلا في العسل الأسود، وأنت لا تعرفين العسل الأسود ، وخير لك ألا تعرفيه".

.. ويرد طه حسين ذلك الفضل في تلك النعم التي آلت إليه إلى ملاك يحنو على سرير ابنته إذا أمست وإذا أصبحت، ولن يستطيع هو وابنته أداء دينه !!

معه الحق عندما يتحدث عن أولياء نعمته، .. ولنا الحق أيضا أن نلاحظ الفرق بين "عطاء الله " وما قصده من "ملاك يهب" في حدود اللغة التي انزلها على الأسماء والأفعال ليبني منها نصاً يحمل إلينا معنى!!.. فقد منحوه كل شهوات نفسه، وكانت الضمانة الوحيدة لبقائه في قبضتهم وأسيراً لأهوائهم وتنفيذ رغباتهم هو إعتناقه النصرانية؛ فإذا أخل بعهده معهم فضحوه .

 .. وأهم تلك العبارات التي وردت في الكتاب بعنوان " معك " التي تدعم شهادة فريد افندي شحاتة:

أولاً : تزوج طه حسين من سوزان بريسو الشهيرة بـ " سوزان طه حسين " بمباركة الأسرة كلها وأحد أفرادها قس تحدثت عنه سوزان كثيرا بمسمى " عمي القس "، وهو كلام لا ينطلي على عقل عاقل؛ فالقس ابن بار من ابناء الكنيسة الغربية الكاثوليكية في فرنسا التى كانت تعتبر نفسها حامية المسيحية .. ومهمته رعوية في المقام الأول، وتبشيرية في المقام الثاني أي إبلاغ رسالة السيد المسيح إلى الذين لم تبلغهم تلك الرسالة وليس أن يزوج النساء من رعاياه لغير أبناء دينه الذي وهب نفسه لخدمته!!.

ثانياً : تقول سوزان بريسو الشهيرة بـ " سوزان طه حسين " في صفحة 24 من كتابها بعنوان : " معك " عن قصة زواجها :

" وجاءني أكبر عون من عم لي كنت أكن له إعجاباً عظيماً، وكان هذا العم قساً، فقد حضر وتعرف بطه، وتنزه معه وحيداً في حقول البيرنيه ( قرية في جنوب فرنسا ) ثم قال لي عند العودة :" بوسعك أن تنفذي ما عزمت عليه .. لا تخافي بصحبة هذا الرجل يستطيع المرء أن يحلق فوق الحوار ما استطاع إلى ذلك سبيلا ً، وأنه سيتجاوزك باستمرار"

ثالثاً : تقول سوزان بريسو الشهيرة بـ " سوزان طه حسين " في صفحة 66 من كتابها بعنوان : " معك ":

" وحضر إلى باريس لرؤيتي بمناسبة ذكرى زواجنا كل من عمي القس وعمي هنري، شقيق أبي " .. ومعني أن تضيف كلمة " شقيق أبي" يعني أن علاقتها المزعومة بعمها القس لم تكن عمومة الدم ولكنها العمومة العقائدية والرعوية التي تربط راعي الكنيسة بشعب رعويته !! ، فضلاً عن كون الفتاة من أسرة تنتمي إلى الطبقة الدنيا، وكانت علوم اللاهوت في ذلك الوقت مقصورة على طبقات عليا بعينها؛ وهو ما يرجح أن ذلك القس أحد المشرفين على مشروع إعداد طه حسين .

.. وخاصة أن سوزان بريسو الشهيرة بـ " سوزان طه حسين " شخصية شديدة الغموض .. يقول زينا ويجان، وبرنو رونفار الباحثان الفرنسيان اللذان بحثا في السيرة الشخصية لها :

 " رغم أبحاثنا المتعلقة بأسرة سوزان لم نتوصل إلى توضيح كامل لمسار آن مرجريت بريسو (والدتها ) وبنتيها سوزان وأندرية منذ ولادتهما بمنطقة بورجونية حتى باريس مرورا بمونبليه" .

.. والكلام عن كونها كانت طالبة بالسربون محض اختلاق، يقول الباحثان:

".. ولم نتمكن من التحقق أنها حصلت على الشهادة الابتدائية  لأن سجلات شهادة الدراسة الابتدائية لم تودع في الأرشيف الإقليمي بمنطقة الكوت دور" .

وفي إطار معرفة القدر الذي نالته سوزان بريسو الشهيرة بـ " سوزان طه حسين " من التعليم، وخاصة أنها كانت فقيرة وكان أبوها مفلسا وبدون عمل، ومنفصل عن والدتها وإن لم يكونا مطلقين، ولم يكن قادرا على دفع المصاريف المرسية لابنته، وقد ادعت سوزان أنها أُعفيت من المصاريف لكونها حفيدة معلم رسمي .. يقول الباحثان :

"حاولنا أن نعرف ولكن عبثا إذا ما كانت سوزان وهي حفيدة معلم رسمي قد استفادت من مجانية التعليم المخصص لأبناء المعلمين أو على الأقل لبعثة دراسية " .

يقول د. محمد القصاص أستاذ الآداب الشرقية بآداب عين شمس الذي استأجر غرفة لدي والدة سوزان بريسو الشهيرة بـ " سوزان طه حسين " أن : " السيدة وابنتها كانتا في غاية البؤس وأن مصدر دخلهما الوحيد كان إيجار تلك الغرفة !!" .

رابعاً : : تقول سوزان بريسو الشهيرة بـ " سوزان طه حسين " في صفحة 24 من كتابها بعنوان : " معك ":

" لقد قالت لي صديقة عزيزة ذات يوم : " لقد كان عليك أن تضطلعي بهذه الرسالة "، .. الربط بين كلام القس بأن طه حسين " سيحلق فوق الحوار، ما استطاع إلى ذلك سبيلا وأنه سيتجاوز زوجته باستمرار"، وبين كلام صديقة الزوجة عن: " اضطلاع الزوجة بهذه الرسالة" يشي بالكثير في ظل فهم الدور الذي اضطلع به الشبان والشابات الفرنسيات في إرساليات التبشير في مطلع القرن الماضي وخاصة في أفريقيا .
خامساً : تقول سوزان بريسو الشهيرة بـ " سوزان طه حسين " في صفحة 21 من كتابها بعنوان : " معك " تصف اللحظات الأولى بعد موته:

" أما القس الشاب الجديد لحي الزمالك ، لم يسبق له أن رأى طه، وكان قد قرأ له كتابه الأيام ، وتمنى من كل قلبه أن يراه، وفكرت أن بوسعه أن يرى هذا الوجة حتى في سكون الموت، ولقد رآه " .

توقف قليلاً أمام كلمة " ولقد رآه " وتأمل معناها في سياق عبارتها؛ .. فبهذه الكلمات تلقي سوزان بريسو الشهيرة بـ " سوزان طه حسين" الضوء على اللحظات الأولى بعد موته، وكيف استدعت قس كنيسة الزمالك الكاثوليكية للصلاة عليه قبل أن يتسلم الدكتور عبد القادر حاتم الجثمان لتجهيزه للخروج في جنازة رسمية من جامعة القاهرة والصلاة عليه في مسجد صلاح الدين على الضفة الشرقية للنيل من ناحية المنيل .
.. ويبقى السؤال : هل مات طه حسين على النصرانية ؟!

أمامنا ثلاث شهادات تفيد أنه رجع عن النصرانية، وعاد إلى حضن الإسلام لكنه لم يجرؤ على المجاهرة بذلك، أو العدول عما سبق أن روجه من أفكار بطرق العلنية وأشاعها بالذيوع عبر وسائط الإفشاء العلنية لضغوط شديده من داخل بيته ومن خارجه :

الشهادة الأولى :
ـــــــــــــــــــــــــ

شهادة  الشيخ عبد الله المنيعي مدير إدارة الثقافة بوزارة المعارف السعودية التي أدلى بها لجريدة "البلاد" السعودية في عددها الصادر بتاريخ 16 يناير 1955 جاء فيها :

" وحينما تهيأ طه حسين للقيام بالعمرة عُهد إلىّ لمرافقته في رحلته الروحية ، وقد قام طه بالتنبية على مرافقة وهما يغادران جدة قاصدين البيت الحرام في مكة المكرمة أن يوقف الركب عن الحديبية ، فلما توقفوا عندها ترجل طه حسين وقبض من تراب الحديبية قبضة فشمها ثم تمتم ودموعه تنساب على التراب قائلاً : " إني لأشم رائحة محمد صلى الله عليه وسلم في هذا التراب الطاهر "
وتوجهنا إلي الكعبة؛ فتسلم الحجر، وقبله باكيا ".

الشهادة الثانية :
ـــــــــــــــــــــــــــ

وهي شهادة الدكتور عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ الإسلامي  في حفل تأبين الأستاذ أنور الجندي أكثر من تصدى بالنقد لمغالطات طه حسين وافتراءاته، وقد أقيم هذا الحفل بمبنى نقابة الصحفيين المصريين: 

" أكد عويس بأن طه حسين تاب في آخر أيامه، ولكنه كان عاجزاً عن إعلان توبته، والتنكر لبعض ما كتبه حيث منعه أناس من خارج بيته ومن داخله، واستدل د . عويس على توبة طه حسين بما سبق أن جاء في شهادة الشيخ عبد الله المنيعي .
وأضاف إليها أن من شهد هذا الموقف قد ذكر أن طه حسين كان يردد عبارات التوبة بأنه أخطأ في حق دينه .

 وذكر د. عبد الحليم عويس في شهادته واقعة أخرى تؤكد توبة طه حسين وهذه الواقعة يشهد عليها اثنان من تلامذة طه حسين مازالا على قيد الحياة حينذاك وهما : د. محمد عبد المنعم خفاجي (85 سنة ) ود . علىّ علىّ صبح (عميد كلية اللغة العربية بالأزهر بالقاهرة) حيث ذكر أنهما ذهبا إلى طه حسين وهو محمول على الأيدي بعد جلسة مجمع اللغة العربية في أواخر حياته وقالا له : بحق الله أكتبت (في الشعر الجاهلي) عن علم أم كتبته للدنيا والشهرة ؟! فأجاب طه حسين : بل كتبته للدنيا والشهرة !! واستحلفهما أن يكتبا هذه الشهادة، ويوقعا عليها ليظهرا توبته للعالمين .. 

الشهادة الثالثة :
ـــــــــــــــــــــــــ

وهي شهادة الدكتور عبد الهادي التازي التي أوردها د . محمد عمارة في كتابه بعنوان : " طه حسين من الانبهار إلى الانتصار للإسلام" والذي صدر اكتوبر 2014 كهدية مع عدد مجلة الأزهر والتي جاء فيها أنه :

" عندما دعا الملك محمد الخامس طه حسين لزيارة المغرب كنت مُعيناً من قبل الملك مرافقا لطه حسين وفى أحد أيام الزيارة طلب طه حسين مني أن أذهب به إلى مسجد القرويين ليصلى ركعتين لكنه طلب مني كتمان أمر هذه الزيارة وخبر هذه الصلاة عن زوجته سوزان بريسو الشهيرة بـ " سوزان طه حسين " 
.
.. عاد الرجل عن ضلاله في ستر من الخلق، وترك ما أشاعه من مغالطات فوق رؤوسهم كالقدر المعلق ؛ فلم يكن ما قاله الرجل من افتراءات حبيس جلسة مسامرة بين أصدقاء يمكن احتواء تداعياتها، أو حديث شخصي يمكن تدارك أخطاره؛ فكل ما قاله عهد به إلى وسائط العلنية والزيوع والإفشاء بما لا يجوز معه التراجع عنه في خفاء، وخاصة أن كتاباته مازالت متدوالة ويعاد طبعها وتلقى قبولاً من أهل الغفلة حتى الآن، وتعد إطاراً مرجعيا يستقون منه معلوماتهم !!

.. يرحم الله طه حسين؛ .. فنحن لا نملك إلا دعاء إلى الله أن يتولاه بواسع مغفرته ورحمته،.. وأن نرفع أكف الضراعة إليه سبحانه وتعالى أن يرحم ضعفنا، وآلا يبتلينا بالدخول في تجربة مثل تجربة طه حسين .

***

الحلقة القادمة : طه حسين .. والصهيونية !!

الأحد، أبريل 17، 2016

ياسر بكر يكتب : .. تسليم طه حسين على " سركي " للجامعة الأميرية!! ( الحلقة الخامسة )



ياسر بكر يكتب : .. تسليم طه حسين على " سركي " للجامعة الأميرية!!

( الحلقة الخامسة )
ــــــــــــــــــ

.. قد يظن البعض أنني بصدد القذف في حق طه حسين أو تحقيره بتصويره في صورة الرسائل والطرود التي تسلم على "سركي" أو الأمتعة التي تسلم على " بوليصة شحن "، فلم أقصد ذلك مطلقاً، .. وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين الذين يسيرون على درب طه حسين في تحقير خلق الله .. وهو داء بدأ مع طه حسين صغيراً في طفولته ثم كبرت أعراضه معه بمرور السنين؛ فالرجل في مرحلته الأولي إعتاد تحقير ذاته جلبا للتعاطف فيصف نفسه بـ "الثمامة " والثمامة هي كومة العشب الطفيلي الذي لا فائدة ترجى منه سوى بالتجفيف والحرق في أفران القرية، .. ويصف نفسه أيضا في جلسته بالقرب من مجلس والده وأصدقائه بـ " مزجر الكلب " أى منزلة الكلب، وهي مكانه لا يوجد ما هو أحقر منها في موضع الهجاء.

.. ثم انتقل طه حسين في مرحلة الثانية ومعه دائه إلي إطلاق لسانه في الآخرين مثلما فعل بالشيخ عبد العال شيخ الكتاب في عزبة الكيلو عبر صور بصرية لا نعرف كيف آلت إليه؟!، وكذلك عريف الكتاب، بل لم يسلم جده لأبيه من لسانه؛ فقد نعته بـ "ثقل الظل"، وادعائه بالباطل على شيوخه في الأزهر، وتجاوز حدود اللياقة مع والده عندما أبدى أعتراضا على تدخينه السجائر بقوله: ".. وأنت مالك" ، ولم يجد الأب إزاء وقاحة ولده سوى التذرع بالحكمة والصبر؛ فأرسل ابنته لشراء السجائر ليقدمها له.. 

.. لينتقل بعد ذلك إلى مرحلة كبرت فيها علته فجمعت بين الصفاقة والغرور؛ فكانت نفسه المتعاظمة وذاته المتخضمة تتحوم حول فرائسه من سماء أوهامه بعد أن صار في حماية المستشرقين الذين تدعمهم حكومات وكنائس بلدانهم في ظل الامتيازات الأجنبية في مصر؛ فأمن العقاب؛ وأساء الأدب ؛ فهو لا يفتح فمه إلا ليطعن في الإسلام أو يغمز في النبي وآله وصحابته أو يشكك في التاريخ أو أو يفتري على اللغة، أو ليقذف أحد بنقيصة أو يلصق به عيب؛ .. فصديقه الأزهري محمود حسن الزناتي نواسي الشعر والهوى بما يعني أنه فاحش القول مُولع بـ "عشق الغلمان"، وأحمد أمين ناكر للجميل، .. كان يلجأ إليه في علاج مشكلات أبنائه ثم انضم إلى السنهوري في التأمر ضده وتنكرا له، ومكرا به، والشيخ عبد العزير البشري لم يكن له من عمل في وزارة المعارف سوى "لضم السبحوتوفيق الحكيم يستبيح لنفسه مكافأة مجمع الغة العربية ولا يؤدي عنها عملاً، وأنه لايعد من الأدباء، والشاعر حافظ ابراهيم كان متسولاً يتلقى الصدقات، و د. زكي مبارك مرتشي يتنافى سلوكه مع كرامة أستاذ الجامعة، وانه كان يُنجح بعض الطلاب من أمثال فؤاد سراج الدين مقابل زجاجة كولونيا، وأن د . محمد مندور ليس ذا بال في الثقافة، .. والأكثر من ذلك أعطى طه حسين نفسه الحق في أن التحدث عن علاقة غير شرعية للعقاد بإحدى السيدات؛ ليخوض في الأعراض وقذف المحصنات!!

.. كانت تلك المراحل الثلاث ملامح شكلت العمود الفكري والتكوين النفسي لطه حسين ولا يمكن إغفالها عند الحديث عنه، فهي مؤهلاته في قدرة الاجتراء وجرأة الادعاء، .. وكانت تلك مسوغات اختياره للدور الذي أُعد له في مشروع اختراق الفكر العربي، ومن ثم كان المستفيدون من هذا المشروع أحرص على عدم المساس بطه حسين، وهو ما قصدته بعبارة تسليم طه حسين على " سركي " للجامعة الأميرية التي صدر مرسوم بها في 11 مارس 1925 هو ما جاء بالحرف الواحد في عقد انتقال الجامعة الأهلية إلى وزارة المعارف العمومية والذي جاء فيه :
بناء على العقد المحرر بين حسين رشدي باشا رئيس الجامعة وحضرة صاحب المعالي أحمد زكي أبو السعود وزير المعارف في يوم الأربعاء الموافق 12 ديسمبر 1923 بوزارة المعارف العمومية لتحقيق انتقال الجامعة إلى وزارة المعارف العمومية في مادته الأولي :

" تنازل حضرة صاحب الدولة حسين رشدي باشا رئيسها عن الجامعة مع كل ما تمتلكه من منقول وعقار إلى وزارة المعارف العموميةعلى الشروط الأتية :
.........
.........

وجاء في الشرط الرابع من المادة الأولى :

" أن تُحترم تعهدات الجامعة نحو أساتذتها وموظفيها الحاليين . أما فيما يتعلق بالدكتور طه حسين فقد رئي نظراً لحالته الشخصية أن يبقى أستاذ بكلية الآداب ".

.. وليس إدراج شرط بقاء طه حسين في الجامعة في عقد انتقالها إلى الدولة ما يبرره سوى مخاوف القائمين على الجامعة الأهلية من أن يتم الاستغناء عنه من قبل الإدارة الجديدة عندما تصبح الجامعة أميرية بسبب عقبتين :

أولاهما : عقبة الكشف الطبي .

وثانيهما : عقبة استيفاء أوراق إستخدامه، وخاصة أن طه حسين ليس مؤهلاً لتلك الوظيفة، والطعون كثيرة على شخص الرجل الذي تم تكبيره بالدعاية والشهادت المصنوعة بغير استحاق، .. وهو ما يطرح السؤال: .. منذ متى، وتحت أي مُسمى قانوني أو أخلاقي يتم تعيين أساتذة الجامعات نظراً لـ "حالتهم الشخصية " رغم أن الجامعة الأميرية قد استغنت عن د . أحمد ضيف ود. عليّ العناني وكلاهما حاصل على "دكتوراة الدولة"، وكانا يشغلان موقع الاستاذية ؟!!

وسرعان ما ظهرت تداعيات هذا الاتفاق في ديسمبر 1925 ، تقول سوزان بريسو الشهيرة بـ " سوزان طه حسين في كتابها بعنوان : "معك" الذي يعد كشف حساب لسيدة فرنسية مسيحية كاثوليكية عن زواجها من رجل عربي مسلم من صعيد مصر أعمى، والمهمة التي جاءت إلى مصر من أجلها :

" .. كان من المتفق عليه أن طه حسين أستاذ بكرسى؛ وبالتالي فهو في الدرجة الثانية من التصنيف، إلا أنه يكتشف في ديسمبرأنهم وضعوه في الدرجة الثالثة " . ـ ص 76

.. يقول طه حسين في حديثة إلى سكرتيره د. محمد الدسوقي الذي نشره في كتاب  بعنوان : "  طه حسين يتحدث عن أعلام عصره":

 " ولما أصبحت الجامعة الأهلية جامعة حكومية ناقش مجلس الجامعة موضوع هيئة التدريس، وكان رأي أعضاء هيئة التدريس أن أظلّ في درجة مدرس، ولكن الملك فؤاد لم يوافق على هذا وقال إن طه حسين يجب أن يكون أستاذا ."ـ ص 74

.. بما يعني أن طه حسين قد تم تعيينه في درجة الأستاذية تلبية لرغبة ملكية لا علاقة لها بمسوغات الاستحاق أو قواعد الترقي أو البحث العلمي، وهو ما يكشف أكاذيبه اللاحقة عن استقلال الجامعات ويكشف زيف ادعاءاته مناصروه من حثالة الأفاقين الذين ساروا في ذيل أكاذيبه ورفعوا شعاراته إلى يومنا بما أسموه " حركة 9 مارس".

.. فقد أمن طه حسين على وظيفته بمقتضى البند الرابع من المادة الأولى من عقد انتقال الجامعة الأهلية إلى وزارة المعارف ؛ فأساء الأدب وأطلق يده في شئون كلية الآداب وراح يمنح حثالة الفرنسيين الذين استجلبهم للتدريس حقوقاً تجور على حقوق نظرائهم الانجليز في الوقت الذي اشتد فيه الصراع بين الثقافة الفرنسية والثقافة الانجليزية لأسباب استعمارية، ولم يكن أمام هؤلاء الانجليز سوى الشكوى إلي سفارتهم، وأمام ضغوط الإنجليز لم يجد اسماعيل صدقي عدو الشعب وصديق الإنجليز سوى حلاً مرناً يحفظ لطه حسين ماء وجهه دون الخوض في مدى استحقاقه .. ولا يخالف العقد المبرم بين الجامعة الأهلية وبين الحكومة ممثلة في وزارة المعارف؛ فكان نقله إلى وزارة المعارف .. وأختار طه حسين لعبة التصعيد .. ودخلت الأحزاب معه إلى حلبة اللعبة .. وجاء الأمريكان ليضعوا قواعد ترسيم اللعبة بعرض سخي حملة الطالب مصطفى أمين ـ الذي كان في طور الإعداد للعمالة ـ إلى طه حسين بإلقاء بعض المحاضرات بقاعة إيورت بالجامعة الأمريكية، لتبدأ آلة الصهيونية في الطنطنة لطه حسين بمقولة : " إذا كانت الحكومة المصرية قد أقصت طه حسين عن عمادة كلية الآداب فإن أمته قد جعلته عميداً للأدب العربي " .. وهو كلام فضفاض خاوي من أي معني ولا ينطوى على شيء سوى روح الدعاية؛ فالعميد المزعوم في أول محاضرة له قد تلجلج في أكثر من موضع وأخطأ في قراءة خمسة أبيات من إحدى قصائد البحتري !!

.. وعاد طه حسين إلى الجامعة في تظاهرة طلابية نظمتها الأحزاب محمولاً على كتفي الطالب إبراهيم عبده الطالب في كلية الآداب ( .. والذي صار فيما بعد د. إبراهيم عبده أستاذ الصحافة بها ) .. حمله الطالب المذكور من محطة الترام بميدان نهضة مصر حتى أعتاب مكتبه بكلية الأداب !!

يدعي د . محمد حسن الزيات صهر طه حسين في كتابه بعنوان : "ما بعد الأيام" أن  :

" قرار خلع طه حسين من الجامعة كان لرفضه منح الدكتوراه الفخرية للملك فؤاد " !! .

.. وهو كلام عار من الصحة ولا يتفق مع طبائع الأمور ولا يستقيم معها، وخاصة عندما نتثبت أن طه حسين كان أسير إحسانات الملك فؤاد وبإقرار طه حسين شخصياً فى ثلاث مواضع في حديثه إلى سكرتيرة د . محمد الدسوقي، نشره في كتاب بعنوان : "  طه حسين يتحدث عن أعلام عصره":

" 1ـ الملك فؤاد هو الذي اقترح تعييني في درجة أستاذ .

 بعد عودتي من البعثة قابلت الملك فؤاد وبعد انتهاء اللقاء وجدت أمين القصر ينتظرني في الطابق الأول ليعطيني مظروفاً به مائة جنيه .

3 ـ وعندما ألفت كتاب بعنوان : " من الأدب التمثيلي " حملته لأقدمه هدية إلى الملك فؤاد، وعند انصرافي وجدت أمين القصر ينتظرني ليعطيني مظروفاً به مائة جنيه أيضا .

4 ـ وعندما رفضت الجامعة زيادة مرتبي مبلغاً أدفعه لسكرتير يقرأ لي ويعاونني في أعمالي لجأت إلى الملك فؤاد؛ فأمر بزيادة راتبي إلى أربعين جنيهاً بدلاً من 33 جنيها"

.. بينما يدعي طه حسين أن الملك فؤاد أحس تعريضاً به عند زيارته للجامعة في محاضرة ألقاها أستاذ التاريخ الإنجليزي الجنسية عن : "تطور الدستور الإنجليزي "؛ فأسرها الملك في نفسه!! .. وهو كلام يجافي المنطق !!، فكان الأولى معاقبة الأستاذ المحاضر بدلاً من نقل عميد الكلية !!

لكن الذي لاشك فيه أنه لا يمكن فهم الالتواء في فكر وسلوك طه حسين دون إلقاء الضوء على أمرين هامين هما :

ـ ما يعرف بـ "المشكلة الهوميرية" .

ـ مذهب الشك الذي أدعى أنه عمل بمنهجه .

أولاً :  " المشكلة الهوميرية " :

وتتلخص المشكلة الهوميرية في : " أي جدوى تُنتظر من رجل لا يرى الأشياء بعينه " .. وقد أُثيرت تلك القضية عند دراسة الأوربيين للنصوص القديمة وشرحها، وجري الحديث عنها بسبب عمى هوميروس شاعر اليونان القديم ومؤلف الإلياذة والأوديسيا، وعن صعوبة التأويل لكلماته ما دام هو نفسه لا يستطيع أن يرى عم يدور الحديث!! ، وكتب هيراقليط : "الناس مخدعون في معرفة المرئي، فما بالنا بهوميرس وهو أحكم الهلينيين كان صبيانه يخدعونه أيضا قاتلين القمل وقائلين : " كل ما رأيناه وأخذناه رميناه، أما ما لم نره فهو ما نحمله "

يعود نيتشه إلي هذه المسأله ولكنه كان أكثر قتامة من هيراقليط فيقول:

"ما يحتاج إلى البراهين الأشد تعليلاً والأشد رسوخاً هو الوضوح لأن عينينا ينقصها الكثير كي تراه".

أدرك طه حسين هذا بفطرته في قوله في الجزء الأول من الأيام :

" ذلك انه سمع اخوته يصفون ما لا علم له به فعلم انهم يرون ما لا يرى"، لكنه مالبث أن أنكره طوال عمره ، ليقر به في آخر ما نطق به قبل الموت في سخرية مريرة ـ حسب رواية زوجته في كتابها بعنوان:"معك":

" آية حماقة، هل يمكن أن نجعل من الأعمى قائد سفينة ؟! "

ثانياً : مذهب الشك :

وقبل أى كلام نؤكد أن واضع مذهب الشك هو الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه بعنوان : " المنقذ من الضلال " ـ ولد الغزالي سنة 1058م ـ، وجاء ديكارت ـ ولد ديكارت سنة 1601 م ـ بعد ستة قرون بوقاحة الأوربيين فانتحله عنه دون إشارة أو تنبيه !!

يقول الإمام أبو حامد الغزالي: " إن ما أسعى إليه هو معرفة حقائق الأشياء، إذن من الضروري أن أتبين معنى المعرفة" .

ويعرض الغزالي العالم العربي المسلم واسع التجربة والمبتلى بالبحث العلمي نفسه وعلمه على مقاييس التحقيق الممكنة ليصل إلى الحقيقة ولبيان المقاييس عرض علمه على الحواس والإدراك ثم العقل.

.. ثم يأتي صعلوك متشرد يُدعي ديكارت فينتحل مذهبه دون تجربة أوقراءة سوى إدعاء صفيق بالتشكك في علوم لم يحصلها!!

وهذا ينقلنا أيضاً لما ادعاه طه حسين من أنه انتهج مذهب الشك، فلا علاقة لما قال به طه حسين بمذهب الشك االذي وضعه الإمام أبو حامد الغزالي، والذي انتحلة ديكارت، .. فطه حسين يبدأ بالشك لينتهي إلى التشكيك ليحقق أهم أهداف الاستشراق ؛ فالشك قرين الأحتمال ، وليس قرين النفي .. والنفي لا يثبت ما لم يقم دليل ثبوت عليه !!

.. وللحديث شجون .. وبقية .

***

الحلقة القادمة : طه حسين .. هل تنصر في فرنسا ؟