الأحد، ديسمبر 16، 2018

حكايات تافهه جداً: روابط تحميل " حكايات من زمن الخوف"، ياسر بكر ـ ج 3...

حكايات تافهه جداً: روابط تحميل " حكايات من زمن الخوف"، ياسر بكر ـ ج 3...: روابط تحميل " حكايات من زمن الخوف" ، ياسر بكرـ ج 3 بصيغة pdf: النسخة الرقمية على الرابط : http://www.mediafire.com/fi...

كتاب حكايات من زمن الخوف، ياسر بكر (الجزء الثالث) بصيغة word


 كتاب حكايات من زمن الخوف، ياسر بكر (الجزء الثالث) بصيغة word


النسخة الرقمية من الكتاب  pdf على الروابط :
وعلى الرابط
 وعلى الرابط :

https://play.google.com/books/reader?id=715cIgAAAEAJ&pg=GBS.PA0

وعلى الرابط

https://ia601403.us.archive.org/17/items/3_20200124_20200124_2137/%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA%20%D9%85%D9%86%20%D8%B2%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%88%D9%81%D8%8C%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%B1%20%D8%A8%D9%83%D8%B1%20%D9%80%20%D8%AC%203.pdf

 حكايات من زمن الخوف 

(الجزء الثالث)

 ياسر بكر

***

« ـ ها أنت تقفز للنهاية .. هلا حكيت الحكاية
ـ .. ولمن أقول؟!
ـ هذى صفوف السنط والصبار تنصت للحكاية .
ـ ألها عقول؟!
ـ ماذا يضيرك .. ألق ما فى القلب حتى للحجر، أو ليس أحفظ للنقوش من البشر؟!»

نجيب سرور
من ديوان «لزوم ما يلزم»


صحافة الوطن

( 1978 ـ 2014)


( الجزء الثالث )





قالوا عن الصحافة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

     • ( إنك لا يمكن أن تفكر إلا برضاء الملك ) .

                                                                  فولتير


     • (لقد قيل لى إنه وضع خاص عن حرية الصحافة؛ فعلى شرط ألا أتكلم فى كتاباتى لا عن الطباعة، ولا عن الديانة، ولا عن السياسة، ولا عن الأخلاق، ولا عن ذوى المناصب، ولا عن الهيئات الرسمية، ولا عن الأوبرا، ولا عن أى شخص له مكانة ما، وبخلاف ذلك تستطيع طبع كل شئ بعد تفتيش رقيبين أو ثلاثة).

من مسرحية زواج فيجارو
للكاتب الفرنسى بو مارشيه 

    •(إن الأوروبيين يصفون الصحافة بأنها «الأدب العاجل» وبأنها «أدب غير خالد» ذلك بأنها أدب وقتى، والمحرر الصحفى لا ينفق فيها من الجهد ما ينفقه الأديب، وأن الصحفيين هم حثالة الأنتليجنسيا) .

د. عبد القادر حمزة
من كتابه «المدخل إلى فن التحرير الصحفى»

    •(أبحث عن حقيقة الأمة في حبر المطابع وصفحات الصحف.. أعني الصحف «سيدة صوتها» لا الصحف «صوت سيدها».) .

تشرشل
الفصل الأول :
الدخول إلى المتاهة
     
.. عن تجربتي الشخصية مع صحافة الوطن سأكتب شهادتي ـ إن شاء الله ـ بأدق التفاصيل عن كل شئ، .. ولكن لماذا كل شئ؟!

    الإجابة ببساطة : لأنني على يقين أنه بداخل كل منا "كتاب نائم" في مكان ما من دهاليز العقل والوجدان هو نتاج المخزون المعرفي لذاكرتي القلب والعقل معاً،  وتكاد مهمة ذلك الكتاب النائم تطابق أداء الصناديق السوداء في الطائرات والقطارات الحديثة وأجهزة الربوت المختلفة الأنواع والمتعددة الأغراض، وهذا "الكتاب النائم" هو الفارق الجوهري بين الإنسان والفأر؛ فالإنسان كائن ذو تاريخ ويمكنه الإفادة ـ إذا أراد ـ من تجاربه ودروس تاريخه بعكس الفأر؛ فمنذ أن اخترع الإنسان المصيدة والفئران يسقطون فيها دون أن يتعلموا من التجربة شيئاً .

    .. ويستطيع الإنسان عندما يمتلك إرادة "البوح" والرغبة في "الفضفضة" أن يقلب صفحات ذلك "الكتاب النائم"؛ فتدب فيها اليقظة؛ بما يمكنه من رصد رموزه وفك شفراتها؛ فتنطلق معطياته في سهولة وسيولة؛ فإذا ما أجاد الإنسان تشكيل محتواه في ليونة، وعرض موضوعاته بوعي وتعقل دون بخس أو تزيد من خلال بنية سردية متماسكة القوام ومترابطة الوشائج والصلات المنطقية بين العلة والمعلول في لغة متسقة السياق تجمع بين دقة اللفظ وأناقة المعنى المبني على التحليل والتعليل القائم على "السببية التاريخية"؛ فإنه ـ ربما ـ يضيف للتجربة الإنسانية معرفة تزيدها ثراء !!

     أما دافعي لتلك الشهادة وبأدق التفاصيل في هذا الجزء عن "صحافة الوطن"؛ فهما سببان:

      أولهما : أن الصحافة منذ بدايتها قديما نقشاً على الحجر، وإلى أن ارتدت أثوابها الالكترونية في عصرنا الحالي هى البروفة الأولية المنطبعة للتاريخ؛ فالتاريخ خبر عن حدث؛ ومن هنا تجئ العلاقة الوثيقة والصلة الحميمة بين الصحافة والتاريخ؛ فالصحفيون هم جامعو الأخبار أي جامعو المادة الأولي لكتابة التاريخ، وهم أيضا ناشروها أي هم الناشرون للبروفة الأولية المنطبعة للتاريخ، وتتجسد القرابة بين الصحافة والتاريخ في أن كليهما ينتمي إلي دائرة العلوم الإنسانية التي تهتم بالإنسان وأفعاله وعلاقاته أي أن كليهما "رصد كامل لحياة المجتمعات" .

     وإذا كان التاريخ يركز الاهتمام علي الأحداث الكبيرة والزعماء والشخصيات المؤثرة فقط، فإن الصحافة تحرص على تقديم صورة كاملة للعصر التي صدرت فيه من خلال رصد الأعمال الكبيرة والصغيرة، وإلقاء الضوء على الملوك والرؤساء والزعماء والفلاسفة والفنانين والشعراء والكتاب والمبدعين والتجار والصناع و"حثالة الناس" من الصعاليك والقوادين والغانيات والمجرمين على حد سواء .

     وقد كانت الصحافة في مصر في أغلب فتراتها منفذة لـ «التصورات الخاصة» التي يطرحها القائمون على السلطة؛ بما جعلها إحدى وسائل الاستبداد والطغيان والتضليل من خلال ممارسات مضللة ومنحرفة لإخفاء الحقائق والتمويه أو حجب الأحداث والمعلومات أو تقديمها بصورة انتقائية أو وفقاً لتفسـير وحيد ومطلق؛ بما أفقـدها المصداقية وجعلها إحـدى أدوات «صناعة الكذب»، وتزييف التاريخ في بروفته الأولى المنطبعة.

    ثانيهما : أن الصحافة ليست شأن شخصي يخص القائمين عليها فقط، لكنها صحافة وطن بأكمله بجغرافية أرضه وتاريخ أزمنته ومعالم حضارته وثقافته وملامح ناسه على مر العصور .

     لذا لن أغفل من الحقائق وتفاصيلها شيئاً .. لن أتناول الأحداث الكبيرة فقط، وأغض الطرف عنما يعتقد البعض أنه وقائع بسيطة وصغيرة وغير مؤثرة أو تافهة؛ فقد تضفي تلك التفاصيل الصغيرة على مسرح الأحداث أجواء من السطوع والوضوح والأبدية التي يصعب على المتلقي استحضارها بدون ذكر تلك التفاصيل.. سأتحدث عن شهود الحق،  ومن شهدوا بالزور على وطني ممن كتبوا بـ "ظهر القلم" أو بـ"نصف القلم" أنصاف الحقائق أو أرباع الحقائق التي هى الكذب الأسود بعينه، أو من كتبوا اللا حقائق!!

    .. سأكتب عن "القديسين في محراب الكلمة"، و"المتبتلين بترانيم الحق"، وسأكتب أيضا عن "صناع الكذب"، والمدلسين والأفاقين والمتكسبين من التملق والأغوات والشماشرجية و"عساكر المراسلة" و"بنات الكنترول"، و"العصامين النوابغ"، و"قطط الليل"، و"صبيان القعدة" في شارع الصحافة .. لن أمضي واترك تجربتي لتصير هى والعدم سواء بسواء، ولتصبح نسياً منسياً في ذاكرة التجربة الإنسانية .. لن أصير رجل عابر في ظروف عابرة .. سأخمش تجربتي حروفاً على وجه الزمن خاصة أنني موقن أن زمن الكتابة الإنشائية الحالمة برموش الأعين تحت الأضواء الحالمة في ظلال شجر الزيزفون قد مضى إلى غير رجعة، وأن عصر البلاغة والكناية والاستعارة والمجاز وغيرها من ألوان المحسنات وأشكال البديع قد أصبح مورثاً تراثياً في سجلات التاريخ، .. انتهى عصر الطبلة والربابة والعنتريات التى ما قتلت ذبابة، وأننا نعيش الآن في زمن الكتابة بحد السكين ونصل الخنجر .. زمن أدواته المعلومات والوثائق والأرقام والإحصائيات؛ .. فالكتابة في عقيدتي عمل انقلابي ضد قوى الفساد والإفساد والظلم والظلام والجهل والجهالة والاستبداد واللصوصية والقهر والهوى والغرض .

      .. سأكتب ـ إن شاء الله ـ كل شئ، .. ولن أغسل أحداً من أوزاره، وأيضا لن ألصق بأحد ما لم يفعله .. لن أضفي هلات النورانية الملائكية على أحد، ولن أقدم شهادة إشادة بأحد بغير استحقاق، ولن أخلع مسوخ الشياطين الشوهاء على أحد دون حيثيات .. لن أدلس لأحد أو على أحد .. باختصار لن أكون شاهداً بالزور على وطني أو على أحد من أهله .

      سأكتب ـ إن شاء الله ـ تجربتي التي هى نتاج لمنهج "الملاحظة بالمشاركة" أو "التأريخ بلا وثائق" .

***

البداية :
ــــــــــــ

    في الأسبوع الأول من يوليو 1978 أنهيت فترة التجنيد الإجباري بالقوات المسلحة بدرجة جندي مقاتل مجند مؤهلات عليا، وبتقدير "قدوة حسنة"، وخرجت إلى الحياة المدنية أبحث عن فرصة عمل و"لقمة عيش".. كان كل ما في حافظة نقودي مبلغ لا يتجاوز 6 جنيهات هى ما تبقى من مكافأة نهاية الخدمة بالقوات المسلحة بعد أن اقتطع حضرة صول المهمات بالكتيبة "درجة مساعد" لنفسه منها ثلاث جنيهات بالتواطؤ مع صول الشئون المالية على سبيل الأتاوة مقابل استلام المهمات الميري دون عنت أو مضايقات تسود قرص الشمس في العينين .. كنا نحفظ أساليب تلك المضايقات عن ظهر قلب، وكان أبرزها أن الصنف المراد تسليمه غير مطابق لكارت الوصف الميري للأصناف أو إهلاك الصنف بإساءة استعماله في غير الأغراض المخصص لها!!، وهما ادعاءان ـ إن ثبت أحدهما أو كلاهما ـ قد يكلف الكثير من الجهد والوقت والمال ويطال السمعة، وقد يحمل اتهاما بتبديد عهدة ميري أو إساءة استخدامها بما ينطوي على جرم يستلزم المحاكمة العسكرية؛ لذا فقد كنا ندفع صاغرين.

     خرجت إلى الحياة المدنية أبحث عن فرصة عمل و"لقمة عيش"..، وكان علىً أن أطرق الأبواب التي أعرفها منذ أن عملت وأنا طالب في مجال الصحافة، كان ما يؤرقني تلك المخاوف المفزعة أن تنفذ نقودي قبل أن أحصل على عمل؛ فحاولت الاقتصاد في المصاريف قدر الطاقة فما كنت أستطيع الذهاب إليه سيراً على الأقدام مشيته .. أما المشاوير البعيدة فقضيتها بركوب الأتوبيس درجة ثانية، كانت تذكرة أتوبيس الدرجة الثانية بقرش صاغ، وتذكرة أتوبيس الدرجة الأولى بقرشين صاغ؛ فلا بأس من ركوب الدرجة الثانية خاصة أن  الدرجة الأولى لا تصل قبل الدرجة الثانية !!

    .. وفي حر الصيف عرفت قسوة العطش في شوارع القاهرة توفيرا لقرش صاغ ثمن كوب من عصير القصب، وعانيت قرصة الجوع؛ فقد كان زادي اليومي لقيمات من شطيرة خبز بلدي بالفول المدمس، أو لقيمات بالطعمية، وفنجان من القهوة، وعانيت مخاوف من يعيش بلا سند في مدينة بلا قلب، ويخشى أن تنفذ نقوده وتنقطع به السبل!!

    لكن في كل الأحوال تعاملت مع الحال بما يحفظ على كرامتي ويظهرني بمظهر الغني المتعفف؛ فقد كنت حريصا على حسن مظهري،  ونظافة ملبسي وأناقة هندامي، وأن يبدو حذائي دائماً لامعاً براقاً .

    .. طرقت الأبواب .. رحب بي بعضهم، واعتذر لي آخرون عن عدم توافر فرصة عمل، وأنكرني البعض، وتظاهر البعض بأنه لا يعرفني؛ فقد نقص وزني كثيراً، وتسافل أخرون، ولم تفاجئني تلك الأفعال فقد كان أكثرها متوقعاً !!

    لكن ما فاق سقف توقعاتي وتجاوز حدود خيالي كان في لقاء أثنين ممن تحوطهم شبهات في مؤسسة "دار الشعب"؛ .. ففي ذات صباح  صيفي ينذر بيوم شديد القيظ ذهبت إلى مؤسسة دار الشعب بشارع القصر العيني .. قدمت بطاقتي إلى موظف الأمن، وأبديت سبب الزيارة في دفتر الأحوال .. أصطحبني الموظف إلى غرفة مكتب الأستاذ أنور زعلوك وبعد أن طرق الباب دخل وقدمني للرجل الذي أشار إليه بالخروج !!

    وظللت واقفا بينما زعلوك مسترسلاً في كلام هزلي مع أحد مرؤسيه الذي يدعى ياقوت صعوان، كان صعوان يدعو زعلوك إلى العشاء في مسكنه بالمنيل وشرب كأسين من الويسكي، وسماع عزف  صعوان على العود !!

    .. وأدركت من حالة التجاهل التي عاملني بها كلا المشبوهين أنني أمام حالة من السادية الناجمة عن الإحساس الشديد بالدونية يجب التعامل بها بكياسة وحزم عند الاقتضاء؛ فجلست على أريكة في مواجهة مكتب زعلوك، ووضعت ساقاً فوق الأخرى بشموخ وكبرياء، وفوجئت بصعوان يقول لي في حدة :

    ـ مين سمح لك تقعد ؟!

    وبهدوء قلت بهدوء :

   ـ جلست انتظر حتى تفرغ من دعوة العشاء، وشرب الويسكي، وتنتهي من وصلة العود ؟!

    وبحدة وغيظ قال صعوان :

    ـ اتفضل اطلع بره .
    وقلت بهدوء :

   ـ هوا فيه حد ضحك على حضرتك، وفهم سيادتك إني قاعد في بيت أبوك ؟!

     واندفع صعوان نحوي كالثور الهائج لكنه فوجئ بأنني وقفت بسرعة، واتخذت وضع الانقضاض؛ فقد علمتني الجندية في قواعد الالتحام المباشر والاشتباك الفردي بدون سلاح أن سرعة التوقيت والارتكاز هما نقطتا الفصل بين النصر والهزيمة، وهما العامل الحاسم لشن هجوم مضاد ومباغت على الخصم لإحكام السيطرة عليه .. وحدجته بنظرة ألقت الرعب في نفسه، وقلت بحزم:

    ـ لو لمست طرف قميصي سأضربك علقة موت .

     .. وبغريزة "السجين المتمرس" استشعر زعلوك رائحة الخطر؛ فنادى على صعوان بحزم، وأمره بالجلوس عل مكتبه، وبأسلوب "كلب الصيد المدرب" امتثل صعوان بسرعة مذهلة، وجلس على مكتبه يلهث، وسألني زعلوك بهدوء عما أريد؛ فأعدت عليه ما سبق أن قاله موظف الأمن حين دخولي إلى مكتبه؛ فقال :

     ـ لا توجد وظائف .
    ولم أرد عليه، وانصرفت مسرعاً؛ فقد كنت أعرف الفخ الذي ينتوي نصبه لي !!

     زعلوك كان أحد المحكوم عليهم قضائياً بالسجن في قضية تزوير نقود ورقية من فئة الـ 5 قروش (الشلن)، وقد أصدر الرئيس السادات قرار بالعفو الصحي عنه وإعفائه من استكمال مدة العقوبة!!؛ لاستخدامه مع آخرين في تشوية مرحلة عبد الناصر، وقد رد زعلوك الجميل بتأليف مجموعة قصص قصيرة بعنوان: "مايو يا حبيبي"  ضمنها الكثير من الأكاذيب في تناغم مدروس مع ما كتبه الجاسوس مصطفى أمين .. يقول أمين  في كتابه بعنوان : "سنة ثانية سجن":

    "روى لي جاري في الليمان أنور زعلوك صاحب جريدة الحقائق كيف أن زبانية صلاح نصر ضربوه بالأيدي والعصي، وداسوا عليه بالأقدام، وجردوه من ملابسه حتى أصبح عارياً تماما كما ولدته أمه، وعلقوه في كلبش من الحديد من القدمين كالذبيحة، وتركوه بلا أكل ولا شرب، وأدخلوا آله حادة في شرجه، وبدأوا ينفخون بطنه، وهو يتلوى من الألم والعذاب، وأغمى عليه، وأفاق فوجد نفسه في بركة من الدماء، ثم قاموا بخلع أظافر أصابعه، وهددوه بإحضار زوجته وأخواته وبناته.".

     وهو كلام لا يختلف في مضامينه كثيرا عن أكاذيب زينب الغزالي، والصحفي أبو الخير نجيب عميل جمعية "أخوان الحرية" التابعة للمخابرات البريطانية، والصحفي عادل سليمان الصحفي بجريدة "الجمهورية"، والصحفي عبد الحميد الإسلامبولي الصحفي بجريدة "الأهرام"، وهذيان الصحفي إسماعيل المهداوي.

    .. لا أنكر أن مئات الألاف من التجاوزات قد وصمت الحقبة الناصرية .. لكن هذا ليس مبرراً للعملاء والمجرمين وخونة الأوطان واللصوص والأفاقين لينتظموا بإفكهم تحت لواء الزيف ليظهروا في الواجهات وفي مقدمة الصفوف بملابس الفرسان وسمت المناضلين والمدافعين عن القيم والأوطان .

     .. كانت حالة الرفاهية ورغد العيش وراحة البال التي يعيشها بعض الصحفيين من أمثال زعلوك وصعوان نتاج ظرف سياسي تم فيه إصدار "لائحة أجور الصحفيين" التي أقرها مجلس الشعب ووافق عليها الرئيس السادات في 1975 وبأثر رجعي من عام 1974، ونقلت تلك اللائحة الصحفيين والإداريين بالصحف وعمال المطابع نقلة كبيرة في الأحوال المالية وما ترتب عليها من تغييرات اجتماعية احدثت خللاً في سلوكيات بعض محدثي النعمة من ذي الثقافة البائسة الضحلة والأخلاق المهترئة في الوسط الصحفي !!

     كان الرئيس السادات يهدف إلى حشد الصحفيين خلف مشروعه الذي كان شائهة الملامح آنذاك، خاصة أنه حل مجلس نقابة الصحفيين للمرة الثانية بعد حرب أكتوبر 1973 .. كانت المرة الأولى لحل مجلس النقابة في عهد الرئيس السادات في سنة 1972 عندما استشعر الرئيس السادات أن أعضاء من المجلس ينتمون إلى مراكز القوى، ويشككون في قدرته على إدارة الأمور وحكم البلاد .

      وكان ردة فعل الصحفيين هى ترشيح الأستاذ عبد المنعم الصاوي نقيباً للصحفيين والاحتشاد خلفه لإنجاحه رغم أن الأستاذ الصاوي كان آنذاك مفصولاً من عمله في جريدة الجمهورية .. وفهم السادات مضمون الرسالة ولم يشأ أن يضع نفسه في مأزق الرئيس عبد الناصر مع نقابة الصحفيين سنة 1956 عندما انتخب الصحفيون الأستاذ حسين فهمي الصحفي اليساري نقيباً لهم وهو معتقل في سجون الناصرية !! .. مارس السادات مع النقابة لعبة "الهروب إلى الأمام"؛ فأبدى احترامه لإرادة الصحفيين ورضائه عن اختيارهم !! وقدم لائحة أجور الصحفيين هدية للأستاذ الصاوي .. صدرت لائحة الأجور لأول مرة وأخر مرة بعد 34 سنة من إنشاء نقابة الصحفيين.

***
      صار الأستاذ الصاوي ـ فيما بعد ـ وزيرا للإعلام في نظام السادات، بينما كانت السيدة زوجته اعتدال ممتاز مديراً للرقابة على المصنفات الفنية .

***

    هكذا تغيرت الظروف بعد أن جرت في النهر مياه كثيرة تفرق بعضها في الجداول والترع وتناثر أكثرها هباء في بحور المصب، كانت القاهرة تجاهر بعهرها جهاراً نهاراً وهي تمارس "الزنا السياسي"، و"اللواط الاقتصادي"، وقد تلطخ وجهها الحضاري بإعلانات سلع انفتاح "السداح مداح"، وأصبح وجهائها هم "القطط السمان" من تجار الخيش والخردة واللحوم الفاسدة وسينما المقاولات والطفيليين والموظفين من قليلي الحيلة وبائسوا الكفاءة الذين جندوا أنفسهم في خدمة الفساد المدفوع الثمن تحت شعار :"شيلني واشيلك .. نفعني واستنفع"، وتحت هذا الشعار كان كل شئ قابلاً للموائمات والمساومات والبيع والشراء، ولم يكن حال كبار الموظفين الأكفاء أفضل بعد أن اجتذبتهم وظائف البنوك والشركات الغربية وأصبحوا أدوات تلك الوظائف في الإفساد ونهب موارد الدولة لمصلحة من يدفع لهم؛ ومع قدوم الشركات المتعددة الجنسيات جاءت عصابات المافيا لحماية مصالحها وإزالة العوائق أمامها .. وبقي القطاع العام على أسوأ مما كان عليه.

      ونشأ ما يسمى بالاقتصاد "الريعي" الذي يعتمد على عائدات السياحة، ودخل قناة السويس، وعائدات العمالة المصرية في الخارج، والمساعدات الاقتصادية الخارجية، ولم تعد مصر بلداً منتجاً، وتآكلت الأراضي الزراعية أمام النمو العمراني، وتزايد اعتماد مصر الغذائي على الخارج.

      وكانت البني التحتية شبة معطلة؛ فمخلفات الصرف الصحي تملأ الشوارع، والتليفونات لا تعمل، ووسائل المواصلات إهانة يومية لكرامة الإنسان،.. وبدأ مسلسل هدم ركائز التعليم الأساسى، وتقليص الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية المجانية، وتقليل الخدمات الاجتماعية، وإزالة مقومات الإسكان الاجتماعي من حيث الخصوصية والتجانس بحشو الناس بفئاتهم المختلفة ثقافيا واجتماعيا في حزام العشوائيات المسمى بـ "المدن الجديدة" حول القاهرة، والتي أضافت أعباء غير محتمله على مرافق القاهرة المتهالكة !!

     وانقلب الهرم الاجتماعي كان البعض يزداد ثراء على نحو مستفز، وتدهورت ظروف عيش الكثيرين من المصريين وترسخ الفساد، وبدأ السادات يبشر بالرخاء القادم عاماً بعد عام من خلال مشاريعة الوهمية عن "الأمن الغذائي" و"الثورة الخضراء" .. ويمر العام، ولا يتحقق شئ، ولا يخجل الرئيس من وعوده المكذوبة .. ويجدد أكاذيبه؛ فـ "التأجيل" احد أهم وأقدم أساليب "التلاعب بالوعي" والتضليل التي ذكرها هربرت شيللر في كتابه بعنوان :" The Mind Mangers المتلاعبون بالعقول"!! .

    .. باختصار لم يحقق السادات وعوده بالديمقراطية والرفاهية؛ فلا أعطى الخبز، ولا قدم الحرية !!

      وبدأت ظاهرة تزاوج السياسة والمال عبر المصاهرة تلك الحالة التي أطلق عليها البعض :  "عثمنة مصر" من خلال إسناد كل المشاريع الضخمة (مدن القناة ـ كوبري اكتوبر ـ الصالحية الجديدة ـ غرب النوبارية)  إلى شركة «المقالون العرب»، وإطلاق يد عثمان أحمد عثمان صهر الرئيس السادات في تنفيذ مشروعات الاستثمار في المصارف، والشركات الغذائية والمنتجات الخشبية، وهو ما عبر عنه الشاعر نجيب سرور في قصيدته بعنوان:"الشيخ قفاعة" قال فيها :

    " ..عصابة واسمها دولة
أشكول أحمد أشكول
عثمان أحمد عثمان
عثمان يعني الثعبان
بالفصحى ومين ها يقول
والباطل فن وكار
وسياسة (...)*(1) أفكار
والبسوا خوازيق و(...)*(2)"
     كان ضباط هيئة الرقابة الإدارية يرفعون التقارير بفساد الـ "عثمنة"، وغيرها من أشكال الفساد التي تنخر في هياكل الدولة إلى الرئيس السادات، وطالت اتهامات بالفساد أفراد من أسرة السادات والمقربين له؛ فلما ضاق بتلك التقارير ألغى الهيئة بزريعة أنها تعوق بقوانينها العقيمة، وأساليبها البالية تحقيق نتائج إنجازاته للعبور بمصر إلى مصاف الدول المتقدمة .. والحقيقة أن الكثير من أفراد هيئة الرقابة الإدارية كانوا وطنيين وشرفاء، وقلة منهم أصابهم الفساد وضرب فيهم عطن الانفتاح مثل أكثر ناس أهل مصر، وانسحب الفساد والعطن والعفن ليلوث القيم المتوارثة فيها لتحل محلها قيم النفعية والمصلحية على حساب الصالح الوطني.

***

    .. وزاد من خطورة الأوضاع وتفاقمها أن الرئيس السادات أطلق العنان لجماعة "الإخوان المسلمين" في الحياة العامة، وقدم لهم ما يجدد شباب التنظيم الذي شاخ في سجون الناصرية بتكوين "الجماعات الإسلامية" التي سرعان ما أصبحت رافداً هاماً من روافد "الإخوان المسلمين" .

      .. كان مكمن الخطورة في ذلك أن الرئيس السادات ـ في لحظة غفلة سياسية ـ خلط سماحة الدين بديناميت السياسة، وصنع منهما وحشا أسطوريا شرسا له ألف وجه ومليون قناع وألف ذراع .. لم يرتوي ذلك الوحش من دماء ضحاياه الذين كان أحدهم الرئيس السادات، وظل متعطشاً للمزيد .

     كان للتمويل السعودي الدور الفاعل فى حالة الأخونة والهوس الديني التى ضربت المجتمع المصري وأصابته بأعراض التخلف البدوي القادم عبر الصحراء عبر ممارسة تنطعات الفكر الوهابي التي أعادت مصر عقود إلى الوراء.

    وتولت المخابرات الأمريكية، وغرفتها الثانية في المنطقة بعد إسرائيل (المخابرات السعودية) برئاسة كمال أدهم صهر الملك فيصل، والرئيس السادات وضع خطة وتنفيذها لدفع المجتمع المصري للحالة الدينية (الإسلامية) التى شاعت فى مصر وقتها (حالة التنطع المتمثلة في التدين الطقوسي القشري "التدين الشكلي" دون أن يكون له مردود أخلاقي في السلوك، فلا حرج من ممارسة الكذب والنفاق وتقاضي الرشوة دون إحساس بالذنب؛ فالذين يمارسون ذلك النوع من التدين هم الكذابون بمنتهى الصدق والغشاشون بمنتهى الضمير والنصابون بمنتهى الامانه والخونة بمنتهى الاخلاص والداعمون لاعداء الوطن بكل سخاء والمخربون لبلدانهم بكل وطنيه، وهم لا يدافعون عن دينهم إلا إذا تأكد لهم أنه لن يصيبهم أذى من ذلك، ويوظفون النصوص الشرعية لأغراض السياسة وخدمة رأس المال واجتلاب المنافع، ويحولون النص الديني إلى ساحة للعراك السياسي على المصالح الضيقة، .. وفي الخطاب العام الذي تبنته مؤسسة الأزهر تم استبدال آيات قتال اليهود بآيات الدعوة إلى السلم والتصالح)، وكان من أشد مؤيديها شيخ الأزهر آنذاك فضيلة الإمام عبدالحليم محمود وهى الخطة التى نالت إعجاب انور السادات وكانت تقوم على تأسيس أكبر عدد من المعاهد الأزهرية والإيعاز لطلابها بالتصادم مع الطلبة اليساريين والأقباط، كما حظيت تلك الخطة بدعم المهندس عثمان أحمد عثمان بتوفير دعم مالي سخي خصماً من الوعاء الضريبي لشركة "المقاولون العرب"، وعدد من الإعلاميين كان على رأسهم المذيع أحمد فراج الذى استقدم فضيلة الشيخ متولي الشعراوي من السعودية ليكون رأس حربة هذا المشروع.

     كانت الخطة قائمة عل تحجيم معتنقي الفكر اليساري وإبعادهم عن مواقع المسئولية والإعلام والفكر في المجتمع المصري والصدام مع الأقباط وتسفيه معتقدات دينهم والتضييق عليهم في كنائسهم.

     كان الرجل الأهم في تنفيذ الخطة هو الشيخ محمد الغزالي، والذى أفتى بعد ذلك بقتل د. فرج فودة في عهد الرئيس حسني مبارك!!، وكان للدكتور يوسف القرضاوي فيها دور موسمي عبر إلهاب المشاعر في خطبتي العيدين في ساحة ميدان عابدين، وإصدار الفتاوي التي تخدم التوجه المنشود .

   كان الغزالي يقود القطيع الوهابي من فوق منبر مسجد عمرو بن العاص وعندما أفاق الرئيس السادات من غفلته عندما بدأ شركاؤه في مشروعه لدفع المجتمع إلى حالة "التأسلم" في الانتقاد الحاد والجارح لمشروعه للسلام مع الصهاينة إلى الحد الذي بلغ اتهامه شخصياً بالخيانة.

     كان الأمر قد فاق كل الحدود والتصورات وخرج عن السيطرة؛ فلم يستطع سوى منع الشيخ الغزالي من الخطابة في المسجد المذكور وأسند إليه القيام بعمل إداري بوزارة الأوقاف؛ مما حدا بـ "الإخوان المسلمين" لدفع الفتى عبد المنعم أبو الفتوح ـ طالب الطب ورئيس أتحاد طلبة جامعة القاهرة ـ بإثارة هذا الأمر بأسلوب لا يليق في الخطاب مع رئيس الجمهورية أثناء لقاء الرئيس السادات بطلبة الجامعات في فبراير 1977 بالقناطر الخيرية.

    .. ولأن الإخوان المسلمين" يجيدون الظهورفي طور "الاستشهاد" ويعشقونه دائماً؛ فقد قام جهاز "نشر الشائعات الإخواني" بالترويج أن الرئيس السادات ينتوي اعتقال الشيخ الغزالي، ومن ثم تم تدبير مكان آمن للشيخ عميل جهاز المخابرات الأمريكية C.I.A، وغرفتها السعودية بإلحاقة في وظيفة أستاذ زائر (وليس أستاذ مقيم) في جامعة قطر لمدة أربع سنوات ليتمتع الشيخ "العميل" بكل امتيازات الأستاذ الزائر التي تتمثل في الإقامة في أحد فنادق الدوحة إقامة كاملة Full Board على نفقة الجامعة (مسكن وإعاشة وخدمة تشمل جميع الخدمات الفندقية)، بينما كان الأستاذ المقيم يتقاضى إضافة إلى راتبه بدل مسكن فقط، ويتولى بنفسه تدبير أمره !!

      لم تكن خطة صبغ المجتمعات بالهوس الديني وضربها بنوازع التطرف لخدمة أغراض السياسة وليدة العصر أو ابداعاً أمريكيا خالصاً من ابتكار المخابرات الأمريكية C.I.A رغم كثرة الكتب التي نشرت حول دور الولايات المتحدة في هذا المجال؛ فقد كانت المخابرات البريطانية صاحبة السبق في تحريف الأديان، وتشوية المفاهيم واستغلالها في تحقيق مصالح سياسية فقد صنعت "الوهابية"، وجندت ودربت عميلها محمد ابن عبد الوهاب لخلق مذهب ينتاسب مع أعراف البدو والصحراء، ويبيح قتل الخصوم وإشاعة الفوضى وتدمير التراث وطمس الهوية الحضارية والثقافية لبلاد الحجاز، وتأجيج الصراعات بها وصولاً إلى اسقاط الدولة العثمانية وتمزيق المنطقة لأغراض تتصل بخدمة مخاض الكيان الصهيوني المنتظر في فلسطين، وكذلك الترويج للمذاهب الغريبة التي نشأت في الهند (القادينية ـ الأحمدية ـ الأغاخانية)، وكانت ذروة الانتقام من العالم السني باعتداله ووسطيته هو إنشاء جماعة "الإخوان المسلمين" للحفاظ على المستعمرات البريطانية في البلدان المسلمة في حالة تخلف ونزع إرادة وثقافة المقاومة لديها على يد رجل مجهول الأصل والهوية والنسب يدعى حسن البنا يعد من أخطر عملاء المخابرات البريطانية في العالم الاسلامي، وكانت الجماعة ترفع شعارات إسلامية في كلماتها، وتمارس طقوس ماسونية في أفعالها وتقوم على مبدأ المؤامرة والسرية ويتبادل اعضاؤها تحيات مشفرة وكلمات مرور سرية ولا يتوافر قوائم رسمية بأعضائها !!

      وجاء الأمريكان بعد ذلك ليكملوا الدور الذي بدأه البريطانيون وكانت أولى عملياتهم في مصر العملية المدونة في ملفات المخابرات المركزية الأمريكية C.I.A. باسم : "الزير السمين على عرش مصر".

      وهي أول عملية سياسية بمكياج  "الدين الإسلامي"؛ فـ "الزير السمين" هو الملك فاروق، وكانت الخطة تهدف إلى السيطرة عليه من خلال إقناعه أنه "أمير المؤمنين"؛ فمصر دولة إسلامية ولا يمكن حكمها دون تنامي الشعور الديني عند حاكمها مع زيادة مساحة العدالة الاجتماعية بما يحمي عرشه ويضمن استمراره في الحكم دون متاعب .. كانت C.I.A تحاول بتلك العملية أن تتجنب أثار الثورة الشعبية التي بدت شواهدها، وأوشكت أن تنلع في مصر بعد تردي الأوضاع من خلال ثورة سلمية يقودها الملك .

    .. وأوصت C.I.A الملك بإطلاق لحيته، ومنح الأزهر بعض الهبات بسخاء مما جعل علماؤه يخدعون أنفسهم ويخدعون الناس بإطلاق لقب "خليفة المسلمين" على الملك، بعد أن اصطنع لنفسه نسباً بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأطلق على نفسه "الملك المؤمن".
    .. واستهزأ الشعب باللقب ووصفوا صاحبه بـ "خليفة المسلمين في أوبرج الهرم ".. بعد أن قالوا عنه :"ملك مصر والسودان وسامية جمال".

     .. وهكذا تحولت أولى خطط C.I.A في مصر إلى نكتة .

     .. وراحت C.I.A  تبحث عن "الثورة السلمية" في اتجاه أخر من خلال وضع يدها على تنظيم "الضباط  الأحرار" أحد تشكيلات "الحرس الحديدي"، و"فداء الملك" بعد إدماجه مع جماعة "الإخوان المسلمين".

      برع الأمريكان في إنشاء الكيانات المتطرفة بغطاء ديني وقد نشرت كتب عديدة عن ذلك الدور أهمها كتاب بعنوان :"لعبة الشيطان .. دور أمريكا في نشأة التطرف الديني" الذي يعرض بشكل فريد لجانب لم يحظ بالكثير من الإهتمام بالكشف عن أبعاد هذا الدور في تشجيع وتمويل نمو قوى التشدد التي تلتحف برداء الإسلام على النحو الذي وصلت إلى ما هي عليه من خطر على مجتمعاتها، ولعل هذه الحقيقة تصدم الكثيرين ممن يقوم تصورهم على وجود علاقة عداء بين الولايات المتحدة والإسلام أو الحركات الإسلامية والذي جاء في إطار سعى الإدارات الأمريكية المتعاقبة أياً كانت لتحقيق مصالحها القومية ومنها الدعم الأمريكي لحركة الإخوان المسلمين في مصر خلال الخمسينات، وكذلك دور واشنطن في دعم رجال الدين في إيران على النحو الذي انتهى بهم إلى الإطاحة بالشاه حليف أمريكا الأساسي، وحركات الجهاد في أفغانستان الأمر الذي انتهى بظهور بن لادن وتنظيم القاعدة.

     كان اللعب بـ "ورقة الدين" لعبة قديمة قدم التاريخ المصري بداية من فكرة "الفرعون الإلة" أو "الفرعون ابن الإلة" أو "الفرعون ظل الإلة"؛ فعندما جاء الإسكندر الأكبر إلى مصر كانت الأحلام تملأ رأسه وكان يسعى للخلود، ووجد الطريق السهل بادعاء بنوة الإلة أمون، وفتحت تلك الأسطورة أمام الإسكندر أحضان الشرق؛ فزيارة واحدة لمعبد أمون أغنته عن تشييد عشرات القلاع الحصينة؛ وفهم نابليون بونابرت "أصول اللعبة" مبكراَ، وعرف أن الطريق إلى قلوب المصريين يبدأ بالمسجد وينتهي بالضريح .. فأعلن أنه من أولياء الله .. واصفياء الله .. والممثل الشخصي باسم الله، وادعى محبته لنبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

       لكن بونابرت بينه وبين نفسه كان يؤمن بأنه دجال؛ ففي منفاه في جزيرة سانت هيلانة اعترف بأن ما فعله في مصر هو دجل من طراز رفيع وأضاف أن :

    "على الإنسان أن يصطنع الدجل في هذه الدنيا؛ لأنه السبيل الوحيد للنجاح" .
       وجاء الرئيس السادات ليغرق مصر في حالة من "الدجل" باسم الدين، وصاحب تلك الظاهرة حالة من التناحر بين فصائل "الإسلام السياسي"؛ فالجماعة الإسلامية ترى الإخوان المسلمين أصحاب بدع، والإخوان المسلمين يرونهم جماعة مصنوعة حكومياً من المتكسبين والمعطوبين اجتماعياً الذين يعيشون خارج العصر؛ فقد كان الإخوان يرون أن كل من ليس معهم فهو عليهم؛ فقد ظل غلاف مجلة الدعوة الناطقة باسمهم على مدى عدة أعداد تتصدره صورة للشيخ الشعراوي وهو يمسك بسيجارة لإهانته وللتشهير به وللإساءة إليه بين جمهوره ومحبيه، وفي الوقت ذاته كان الشعراوي يكرس لفكرة طاعة الحاكم، وعدم جواز الخروج عليه لدرجة السقوط في مقولته الشهيرة عن الرئيس أنور السادات في مجلس الشعب في 20 مارس 1978 التي ظل يستغفر الله عنها حتى نهاية عمره:

      "والذي نفسي بيده لو كان لي من الأمر شيء لحكمتُ لهذا الرجل الذي رفعنا تلك الرفعة وانتشلنا مما كنا فيه إلى قمة .. ألا يُسألَ عمَّا يَفعل!".!

     فقد كانت تلك المقولة من دواخل نفس الرجل في إطار المناورة السياسية بالمخالفة للشريعة، وللمبدأ الشرعي:"المسلمون عند شروطهم"؛ وبناء عليه فالبيعة لا تنفصل عن الموقف الذي نشأت عنه؛ لذا فالشورى واجبة وملزمة والمحاسبة والمساءلة واجبة .
       وقد انبرى الشيخ عاشور محمد نصر (عضو مجلس الشعب عن إحدى دوائر الإسكندرية) للرد على الشيخ الشعراوي، والأخذ بيده لإقالته من عثرته بقوله:

       ـ "اتق الله يا رجل، مفيش حد فوق المساءلة، لترع الله ".

       لكن الغضب كان قد استبد بالشيخ الشعراوي، وامتلك ناصيته فرد عليه بعثرة أخرى من عثرات اللسان ـ يغفر الله له ـ قائلاً :

    ـ "أنا أعرف بالله منك، أنا أعرف بالله منك،… أنا أعرف بالله منك"، .. أعادها ثلاثاً؛ فصاح الشيخ صلاح ابو اسماعيل :

      "لقد كذبت يارجل بل كدت تكفر؛ ..فاستغفر الله فهذه الصفات لاتمنح لبشر إنما اختص بها المولى سبحانه".

       كان الشيخ الشعراوي مطلوباً للمثول أمام مجلس الشعب في استجواب تقدم به النائب عادل عيد عن وقائع فساد مالي في المجلس الأعلى للشئون الاسلامية الذي كان يترأسه محمد توفيق عويضة ضابط المخابرات السابق والمدعوم بقوة من دوائر صنع القرار بما جعله مارقاً من صلاحيات ومساءلة وزير الأوقاف؛ فقد كتب مصطفى أمين في عموده بعنوان:"فكرة" :

       "كانوا يقولون لى أن سكرتير المجلس الأعلى للشئون الاسلامية مسنود.. وأن كل وزير اوقاف أراد ان يخرجه من منصبه هو الذى خرج من منصبه.".

      وبالفعل خرج الشيخ الشعراوي من الوزارة بعد أن تم التشويش عليه في الاستجواب بمعرفة حلمي عبد الآخر وزير شئون مجلس الشعب، وسيد مرعي رئيس المجلس؛ كان الشيخ الشعراوي يود أن يجعل من الثناء على شخص الرئيس السادات درعاً يحميه في معركته؛ فكانت المقولة التي أسقطته وجعلته في مرمى نيران الجميع، وكان أكثرهم شراسة خطباء المساجد التابعين للوزارة التي يترأسها !!، وكانت الرسالة الأخيرة للشيخ الشعراوي هي قيام مجهولون بسكب البنزين على باب شقته بحي الحسين وإشعال النيران به، وفهم الشيخ مضمون الرسالة وانسحب في هدوء .

      كان الرئيس السادات لا يجرؤ على إغضاب الشيخ الشعراوي وأيضاً لا يقوى على الاستغناء عن الخدمات القذرة التي يقدمها محمد توفيق عويضة ضابط المخابرات السابق؛ فأسند إليه رئاسة وفد مصر في «منظمة العالم الإسلامي» بعد عزله تأديبياً من رئاسة المجلس الاعلى للشئون الاسلامية؛ فقد كان عويضة يقوم بتنظيم الاستقبالات الشعبية للرئيس السادات أثناء زياراته لأمريكا وحشد المهاجرين المصريين هناك للترحيب به خاصة مع بروز كيان "أقباط المهجر" ودور البابا شنودة في تحريكه لإثارة قضايا عن اضهاد مزعوم للأقباط في مصر!!

     وصاحب تلك الحالة من الهوس الديني المختلط بالفساد التى ضربت المجتمع المصري تغير الظرف السياسي بعد إنشاء المنابر التي تحولت فيما بعد إلى أحزاب لاستكمال ديكور التحول السياسي "المزعوم" من التنظيم الواحد "الاتحاد الاشتراكي" إلى التعددية الحزبية؛ فكان «المسخ السياسي» بمكياج ديمقراطي وعضلات ديكتاتورية، ومُنحت تلك المنابر الفرصة لإصدار صحف تعبر خطابها المصنوع في أقبية السلطة .


     كانت ظلال انقلاب 23 يوليو 1952، وروح الحكم العسكري وفكره مخيمة على تلك "الكيانات الديكورية"؛ ففي الوقت الذي روج الرئيس السادات للتعددية السياسية من داخل كيان الاتحاد الاشتراكي التي بدأت سنة 1974 بإعلان السادات ما يُسمى بـ "ورقة أكتوبر" بهدف منح "قبلة الحياة" لجثة الاتحاد الاشتراكي الهامدة، والتي أسفرت في سنة 1975عن تأسيس ثلاثة منابر داخل الاتحاد الاشتراكي، وهذه المنابر هي منبر الوسط (مصر العربي) الذي كان الرئيس أنور السادات قابضا على مقدراته ومحركاً لفاعلياته رغم ادعائه بأنه أسند رئاسته إلى اللواء ممدوح سالم خادمه الأمين وذراعه الأيسر في انقلاب 15 مايو 1971، وكان ذراعه الأيمن فيه الفريق الليثي ناصف الذي قتل في حادث مأساوي أشاعت السيدة زوجته أن الرئيس السادات هو الذي دبر حادث اغتياله، ومن بعد ممدوح سالم ادعى السادات إسناد رئاسة الحزب إلى صهره محمود أبو وافية، وكان رئيس منبر اليمين (الأحرار الاشتراكيين) مصطفى كامل مراد أحد ضباط انقلاب 23 يوليو 1952وكان رئيس منبر اليسار (التجمع الوطني التقدمي الوحدوي) خالد محيي الدين أحد ضباط انقلاب 23 يوليو 1952!! وفي نوفمبر 1976 صدر قرار بتحويل هذه المنابر إلى أحزاب سياسية بالمخالفة للدستور ثم صدر قانون تنظيم الأحزاب في يونيو 1977 والذي يقضي بالتحول إلى النظام التعددي مع عدم إلغاء الاتحاد الاشتراكي الذي أعطيت له الكثير من الصلاحيات، ثم تأسس الحزب الوطني الديمقراطي على أنقاض "حزب مصر" في عام 1978، وقد ترأس هذا الحزب الرئيس السادات نفسه، بعدئذ تحول كل أعضاء حزب مصر له.

      وفي ذات العام نشأ حزبي العمل والوفد، فنشأ حزب العمل في يوليو 1978 بزعامة إبراهيم شكري الذي تولى رئاسة الحزب، وأطلق السادات نكته المشهورة بأنه :

     (بعثت للابراهيم شكري شوية أعضاء من عندي !!) .. يقصد من حزبه.
       وكان من ضمن الأعضاء المبعوثين محمود أبو وافية عديل السادات الذي تولى منصب الأمين العام لحزب العمل، كان الأمر كله عبثياً، وقد تم ذلك كله بموجب رغبة الرئيس السادات في إنشاء كيان يحمل طابع الحزب لمواجهة المد اليساري الجارف لحزب التجمع بهذا الكيان الجديد، أما الوفد فقد نشأ في 4 فبراير 1978 بزعامة فؤاد سراج الدين.

    رغم الادعاء الدائم والكاذب للرئيس السادات أن مرحلة يوليو 1952 قد انتهت بهزيمة 5 يونيو 1967، وأن عهد جديد بدأ في عمر مصر بعد أكتوبر 1973، وبعد توقيع اتفاقية السلام ادعى الرئيس السادات أن مرحلة أكتوبر قد أنتهت بما يستلزم مدنية الدولة (مرادف لعسكرة مؤسسات الدولة)، وتحديث أدائها ونقلها إلى مصاف الدول المتقدمة، لم يكن الرئيس السادات صادقاً فيما يدعيه، والدليل أنه عندما اختار نائبه جاء به من المؤسسة العسكرية وهو الفريق حسني مبارك !!

     كانت ادعاءات الرئيس السادات الكثيرة والمتنوعة تستلزم الكثير من البروباجندا، وتقتضي الإغداق على الصحف، وخلق طبقة جديدة من الصحفيين تدين بالولاء للحكام الفرد ومشروعه الشخصي على حساب الانتماء للوطن، بما يقتضي انتقاء الصحفيين وفق حزمة من القواعد والمعايير التي تخدم ذلك التوجه.
     وكان التوجه الجديد يهدف إلى هدم شخصية المواطن المصري، وكان الأمر مرتبط بإنشاء وطن نموذج يتم فيه محو شخصية الناس في محاولة إعادة بنائها انطلاقا من عدم، وتحويلها إلى صفحة ورقية بيضاء يسهل الكتابة عليها بعبارات جميلة وبراقة من نوعية :"الدولة الحديثة"، و"دولة العلم والإيمان"، و"صبر المؤمن، وصمت الواثق"، و"أصبح للوطن درع وسيف"، و"حرب الأبطال وسلام الشجعان"، و"بطل الحرب والسلام"، .. والتي أوجزها خطاب الرئيس السادات في الكنيست والذي كتبه إثنان من المصريين الصهاينة هما د. بطرس غالي ود. مجدي وهبة أستاذ الأدب الإنجليزي بآداب القاهرة والإثنان متزوجان من يهوديتان.

     .. وأيضا كان التوجه إلى تغيير البنية الاجتماعية للمواطن عبر تغيير نمط حياته وقيمه الأصيلة التي تبلورت خلال عقود من الزمن عبر توجيه الصدمات التي تجعل المستحيل السياسي حتمية سياسية، وتوجيه سلوكه نحو نمط الاستهلاك، وقد ساعد في الإسراع إلى ذلك التوجه فساد الطبقة العاملة المصرية التي تعودت أن تحصل عل الكثير من المكتسبات المالية دون بذل جهد في العمل أو تحقيق إنتاج حقيقي؛ مما سهل وضعهم لاحقا أمام حتميتين : "إما الخصخة أو الموت جوعاً".

      وفي هذا الاتجاة نشأ تحالف فساد الدولة العميقة وطبقة محدثي النعمة العائدين من دول النفط بسلوكيات "السلفية المحافظة" المؤسسة على خزعبلات "الوهابية"، وفي هذا الاتجاة أيضا نشأ تحالف فساد الدولة العميقة وانتهازية عمالة الفكر في الصحف ووسائل الإعلام !!

     كان "الإرهاب" الفكري من أهم وأخطر أساليب تنفيذ هذا المشروع عبر "التكفير" أو "الاتهام بالشيوعية" التي كان البسطاء يختزلونه في كلمة "أحمر"؛ فيكفي أن يُقال أن "فلان أحمر" حتى يفهم "أنه شيوعي"؛ فيصير منبوذاً يلاقي الأهوال وصعوبات الحياة.

       وكان هذا المشروع يصب في قناة تنفيذ شروط مشروع "السلام السادتي" مع دولة الكيان الصهيوني عبر خمسة محاور تمس دعائم المقاومة وثقافة الممانعة في المجتمع المصري هى :

    1 ـ ضرب الحركة العمالية؛ بإقصاء القيادات العمالية الحقيقية، واستبدالها بقيادات مصنوعة تدين بالولاء لشخص الحاكم وما تجنيه من مفاسده.

   2 ـ ضرب الحركة الطلابية بإصدار لائحة طلابية تحظر العمل السياسي في الجامعات، وإقصاء الكوادر الطلابية الحقيقية واستبدالها بقيادات مصنوعة أمنياً، وضرب ركائز التعليم الرسمي للدولة، وإفساح وسائل الترقي للأساتذة من أهل الولاء رغم قدراتهم العلمية المحدودة.

     3 ـ البدء في خصخصة القطاع العام الذي تحمل اقتصاد الدولة طوال سنوات الهزيمة والاستنزاف والحرب.

    4 ـ السيطرة الحكومية على النقابات المهنية، والأحزاب السياسية والجمعيات الخيرية.

   5 ـ البدء في تعمير مدن القناة وإعادة الملاحة في قناة السويس وجعلهما رهينة تحت سيطرة مدفعية العدو وطيرانه، مقابل إعادة الجانب الإسرائيلي لـ "كعكة الرمال" في سيناء إلى مصر شريطة أن تظل خالية من البشر، ومنزوعة السلاح، وخاوية من مشاريع التنمية والعمران.

    ولم تكن صحف المنابر "المزعومة" بعيدة عن ذلك التوجه في إشاعة تلك البروباجندا أو الالتزام بقواعد انتقاء الأبواق الصحفية من خدم السلطان؛ فقد كانت صحافة المنابر ـ التي تحولت إلى الحزبية فيما بعد ـ مقيدتان بقيدين يشدانها إلى التبعية للنظام وهما قيد الدعم الحكومي وقيد التحكم في حصة الورق المدعوم المخصصة لها، وبدون الحصول عليهما لا يمكنها الاستمرار!!

   كانت أفعال الرئيس السادات تفضح ادعاءاته؛ فعندما انشأ الرئيس السادات الحزب الوطني الديمقراطي انضم اليه كثيرون وبسرعة، وقبل إعلان برنامج الحزب؛ فكتب مصطفى أمين مقالاً بعنوان: "المهرولون" قال فيه :

    "لقد هرولوا.. أي اسرعوا.. أي اسرعوا بلا تفكير، وإنما هي المصلحة ومنافقة الرئيس."

      وغضب الرئيس السادات، ومنع مصطفى أمين من الكتابة !!

     كانت الأحزاب في عهد الرئيس السادات تنشأ بقرارات فوقية عليا دون أن يكون لها قواعد جماهيرية في الشارع أو برامج قابلة للتنفيذ؛ لذا فقد تحولت جميعها إلى مجرد حجرات تحمل لافتات تخلو من مضامين مسمياتها وتصدر صحفاً عالية الضجيج دون توجه حقيقي!!

     حكى لى الأستاذ جميل عارف مدير تحرير مجلة أكتوبر أنه يمتلك تسجيلاً صوتيا للرئيس أنور السادات في حوار مع الأستاذ أنيس منصور حول تصور الرئيس السادات لمفهوم "حرية الصحافة" .. جاء فيه :

     ( ـ الرئيس السادات : على فكرة يا أنيس .. أنا ناوي ألغي الرقابة على الصحف .

     ـ الأستاذ أنيس منصور: كان العالم كله يصفق لك ياريس !!

    ـ الرئيس السادات : وناوي كمان أرفع الرقابة عن برقيات الصحفيين الأجانب.

    ـ الأستاذ أنيس منصور: لكن يا ريس دي إجراءات تنطوي على مخاطر كثيرة !!

    ـ الرئيس السادات : لا مخاطر ولا حاجة أصل أنت لسه عودك أخضر يا أنيس، والسياسة دي بحورها غويطة ولازم تبقى فيها حويط .. وطول ما أنت جنبي هتتعلم مني كتير .

      ـ الأستاذ أنيس منصور: طبعاً يا ريس .

    ـ الرئيس السادات : هوا أنت فاكر يا أنيس إني هسيب الحبل على الغارب، ده أنا هختار رؤساء التحرير بموصفات خاصة وأخربشهم واجرحهم وأخليهم يعملوا اللي أنا عايزه .) .
     .. وبإنزال تلك المعايير التي جاءت في حديث السادات على القيادات الصحفية في عهده كانت المحصلة إيجابية في مجملها تقريبا !!

    كانت القيادات الصحفية في عصر السادات الذين تم إنزال معايير السادات عليها هم : موسى صبري، إبراهيم نافع، إبراهيم سعدة، محسن محمد، محمد عبد الجواد، ممدوح رضا، محمد وجدي قنديل، مرسي الشافعي، صلاح حافظ، فتحي غانم، مفيد فوزي، أنيس منصور، أمينة السعيد، صبري أبو المجد، حسن إمام عمر، كمال النجمي، د .حسين مؤنس، مكرم محمد أحمد .

      .. هكذا أحكم السادات قبضته على الصحافة المحلية، أما الصحافة العالمية فكان لها شأن آخر !!؛ فقد كانت تخضع للرقابة على المطبوعات والصحف الأجنبية الكائن بمبنى الهيئة العامة للاستعلامات القديم فى شارع طلعت حرب بجوار سينما راديو.. وكان أشهر الرقباء الأستاذ طلعت خالد شراب وجاء من بعده الأستاذ لطفى عبدالقادر..

شـــــركة الـــــــراديو
 الدولى «ماركونى» :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
     كانت شركة الراديو الدولى «ماركونى» من أول الشركات الاستثمارية فى مصر بعد الانفتاح، وكانت مسئوولة عن المكالمات الدولية والكابل البحرى ونقل مباريات الكرة الخارجية.. وقد تم منحها مقراً بمبنى وكالة أنباء الشرق الأوسط، وكان ذلك المقر ملحقاً به غرفة كبيرة مزدحمة بأجهزة تسجيل «٤تراك»،وكانت مهمتها مراقبة مكالمات المصريين والأجانب الواردة من الخارج والصادرة إلى الخارج، والتنصت عليها..

       بالإضافة إلى الأساليب التقليدية في التنصت على المكالمات الداخلية للمواطنين من خلال الغرفة الرئيسية بسنترال رمسيس بمعرفة المخابرات العامة، ومباحث أمن الدولة، واختراق حرمة الحياة الخاصة للمواطنين عبر زرع أجهزة التنصت في منازلهم أو مكاتبهم عبر تجنيد الخدم والسائقين والسعاة والسكرتيرات وعمال التليفونات والكهرباء والسباكة والدهانات.

      كان من نتيجة التنصت عل حياة المواطنين الكشف عن قضايا هزلية أهمها ما أطلق عليه اللواء نبوي إسماعيل "عملية التفاحة" .. وهي قضية هزلية تم اتهام أحد الوزراء السابقين (د. أحمد حسن الزيات)، وأخرين (محمود القاضي ـ قباري عبد الله ـ حسين عبد الرازق ـ د. فؤاد مرسي ـ د. محمد أحمد خلف ـ صبري مبدى ـ فريدة النقاش ـ د. لطيفة الزيات ـ د. أمينة رشيد) بالتجسس لصالح الاتحاد السوفيتي .. وقد برأ القضاء الجميع .

       كان التناقض واضحاً بين "طنطات" السادات عن الديمقراطية والحرية اللتين وفرهما خلافا لعصر عبد الناصر وبين ما يفعله !!.. كان الرئيس يتغنى بالحرية؛ رغم أن الصحف المحلية محكومة بالرقابة الذاتية لأهل الثقة من رؤساء التحرير، والصحف والمجلات الأجنبية مراقبة وتمنع من الدخول لمجرد لفظ، والتنصت على مكالمات المواطنين واختراق حرمة الحياة الخاصة مستمر!!

الصحافة بين السلطة والسلطان:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     وفي ظل هذا المناخ المتوتر، تفتق ذهن «ترزية القوانين» عن حل ظنوا أنه العلاج الأمثل لقضية الصحافة، والإرضاء الكافي لكل الأطراف المتنازعة حول حريتها ، فادعوا بأن الصحافة سلطة رابعة، وأن مكانها اللائق لا يكون إلا بين السلطات!!

      وسارع مجلس نقابة الصحفيين برئاسة النقيب الأستاذ عبد المنعم الصاوي إلي تبني الفكرة، وضمنها التقرير الذي قدمه إلي الجمعية العمومية في 7 مارس 1975 وجاء فيه :

   «.. أننا نتطلع بالفعل إلي الصحافة كمؤسسة دستورية تقف كسلطة رابعة على قدم المساواة مع المؤسسات الدستورية الأخرى . إننا نؤمن أن رسالتها لا تقل عن رسالة مجلس الشعب أو الحكومة أو التنظيم السياسي، بل إننا نؤمن أنها تقود خطوات الجماهير وتوجه مسارها عبر المؤسسات الأخرى»  .

    وفي 14 مايو 1978 جرى استفتاء يستهدف ضرب المعارضة الوطنية بحرمان بعض فئاتها من المشاركة في الحياة السياسية، وجاء مبدأ سلطة الصحافة في ذيل القائمة التي تضمنها الاستفتاء.

مفهوم «السلطة» :
ــــــــــــــــــــــــــــــ

      «السلطة» في المصطلح القانوني هي مكنة إصدار الأوامر والنواهي، وحمل الكافة علي الانصياع لها جبراً عند الاقتضاء، وهي لا تكون بهذا الوصف إلا لهيئة عامة تقوم بوظيفة من وظائف الدولة كالهيئة التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ فهذه الهيئات تمثل الدولة وتقتسم وظائفها، وهي لا تستمد سلطاتها من سلطة أعلى منها بل تستمدها من الأمة مصدر السلطات .

      بهذا المفهوم ،  كانت بدعة «الصحافة  سلطـــة رابعـــة» مجرد نكتة سخيفة لا تصدر عن عاقل؛ إذ كيف تكون الصحافة سلطة ؟!، والصحفي لا يملك إلا قلم، وعدسة تصوير !! .. وأيه مُكنة للصحفي في ذلك لإصدار الأوامر والنواهي، وأي قدرة له لاستخدام قوة الجبر لتنفيذها عند الاقتضاء؟!

        .. باع الرئيس السادات الوهم للصحفيين، حتى أفاقوا منه في 2 سبتمبر 1981 علي قرار رئيس الجمهورية رقم 489 بنقل 66 صحفي إلي هيئة الاستعلامات وغيرها من الجهات الإدارية (هيئة الكهرباء ـ شركة باتا ـ مؤسسة الدواجن).


السيدة أم مسعود :
ـــــــــــــــــــــــــــــ


     ومر شهر ولم أوفق في الحصول على عمل، وكان من المفترض أن أقوم بسداد الإيجار الشهري (5 جنيهات) للغرفة التي أقيم فيها في حارة عامر بالجيزة ببيت السيدة أم مسعود، وهى سيدة مسيحية من صعيد مصر تعي بفطرتها رسالة السيد المسيح في التراحم وإفشاء السلام ونشر المحبة .

    .. ولم يكن لدي من النقود ما يفي بالغرض، وقبل أن يطالبني البواب بالأجرة ذهبت إلى السيدة أم مسعود وعرضت عليها الأمر .. تفهمت السيدة الموقف، وتمنت لي رعاية السيد المسيح، وبركة السيدة العذراء، ووعدتني بالصلاة من أجلي ليسهل الله لي المقاصد، وقالت بحنو:

      ـ "إذا احتجت حاجة يا ولدي تعال، .. إحنا أهل .. الكتف ميه، والكتف زاد"، وأشارت إلى كتفيها .

***

      .. وفي منتصف الشهر التالي .. جاء الفرج من خلال فرصة عمل هزيلة بجريدة "التعاون الرياضي" التابعة لمؤسسة "التعاون"، .. ووضعت إحدى قدمي على "بداية المتاهة".



الفصل الثاني:
ـــــــــــــــــــــــــــ
                        "التعاون الرياضي"



        اتيحت لى فرصة هزيلة ومتواضعة للحصول على عمل في جريدة "التعاون الرياضي"، وهى جريدة رياضية محدودة التوزيع باهتة الملامح تتبع مؤسسة التعاون، ولم يكن أمامي فرصة للإختيار؛ فقبلت قبول المضطر، واعتبرتها "نقطة بداية" .

      كانت مصادر الأخبار للجريدة منحصرة في أخبار اتحاد كرة القدم بالجبلاية، والنادي الأهلي بالجزيرة، ونادي الزمالك بميت عقبة، وبعض أندية الدرجة الأولى في الدوري العام بالقاهرة؛ والمجلس الأعلى للشباب والرياضة، وكانت كلها مسندة إلى محررين يرفضون أن يشاركهم أحد في تغطية أخبارها، وكانت إدارة الجريدة تدعمهم بزعم الحفاظ على "أخلاقيات المهنة"، وحماية المصادر!!

      .. وأمام حالة "الإنسداد"المتعمد  للوصول إلى مصادر الأخبار .. أصبحت كلها تقريباً موصدة في وجهي .. وعرضت الأمر على الأستاذ أحمد المنشليني رئيس التحرير؛ فقال لى :

      ـ " أنا غير معني بكيفية حصول المحرر على الأخبار .. المهم أن يكون لدي في أخر الأسبوع منها ما يكفي لإصدار الجريدة .. تصرف وهات لي أخبار بأى شكل !!" .

     كانت كلمات الأستاذ المنشليني لا تحمل في مضمونها أى كود مهني أو أخلاقي للأعراف والتقاليد الراسخة والمتعارف عليها التي تنظم سير العمل الصحفي باعتباره منظومة "عمل جماعي"، ومع ذلك تظاهرت أمامه بالإقتناع!! .

      كانت المعضلة الثانية هي الحصول على "بطاقة هوية صحفية" تفيد عملي بالجريدة (تحت التمرين)، وتسهل دخولي إلى مصادر الأخبار، وهو الأمر الذي رفضته إدارة الجريدة بزعم أنني محرر بـ "القطعة"، وليست لي صفة قانونية في سجلات المؤسسة !!

     .. كان علىّ أن أتجاوز كلا المعضلتين اللتين كانتا مجتمعتين أو منفردتين كفيلتين بتدمير فرصتي في العمل وجعلها أثراً بعد عين !!

      وبدأت أدق أبواب مصادر الأخبار غير المطروقة للرياضات المنسية في اتحاد السباحة، والملاكمة، والهوكي، وتنس الطاولة، والفروسية، والبولو، والسلاح، والكاراتية، والخماسي الحديث، وكرة اليد، وكرة السلة، ولقيت ترحيباً وتعاوناً من مسئولي تلك الألعاب .

      ولم تمضي فترة وجيزة حتى كانت لى صفحة كاملة أتولى تحريرها عن تلك الألعاب !!

فن الخبر :
ــــــــــــــــــ

     كان المتعارف عليه في صياغة الخبر في الجريدة والذي يقيّم سكرتير التحرير الخبر على أساسه فيشيد به أو يستبعده أو يطلب استكماله هو القياس على مسطرة استيفاء الخبر للأركان الستة : ماذا حدث؟، ومن الفاعل؟، وأين ؟ ومتي؟، ولماذا؟، وكيف؟.

     كان من المفترض أن أخرج من المفهوم التقليدي لكتابة الخبر، وخاصة أنه لم يستقر حتى الآن على مفهوم محدد لتعريف الخبر، كان المتحذلقين من أدعياء الصحافة يرددون أقدم تعريف للخبر الصحفي الذي صاغة لورد نورثكليف سنة 1865 حيث عرف الخبر الصحفي بأنه :

         "الإثارة، والخروج عن المألوف."، ومثال ذلك : «الرجل الذي عض الكلب»، وهو تعريف يتضمن كناية عن المبالغة التي تخلق الإثارة عبر ما هو مستغرب، وظل هذا التعريف سائداً في الصحافة الأميركية وصحف التابلويد في أوربا حتى منتصف القرن العشرين، ويردده في مصر بعض الصحفيين وأساتذة الإعلام منسوباً إلى "المتأمرك" مصطفى أمين.

      بينما كان جوزيف بولتيزر رئيس تحرير "نيويورك ورلد"، والذي وصل بتوزيعها إلى المليون نسخة يرى أن الخبر :

     "الجدة والتميز والدراما والرومانسية والإثارة والتفرد وحب الاستطلاع والطرافة والفكاهة، وأن يكون صالحا للنقاش بين القراء".

       بينما رأى فريز بوند في كتابه بعنوان : "فن التحرير الصحفي" أن الخبر: "تقرير وقتي عن أي شئ مثير للإنسان".

        تباينت التعريفات عن مفهوم الخبر، لكن جمع بينها جميعا وبلا استثناء عنصر "الإثارة" ليصبح الخبر خبراً؛ وهو ما يرتقي بعنصر «الإثارة» في مضمون الخبر حد القاعدة؛ لذا كان من أهم اهتماماتي تضمين الخبر لعنصر "الإثارة"، كما كان فريز بوند يرى أن أهم وسائل اجتذاب القارئ هو مخاطبة "الرغبات المكبوتة" داخلة ومحاولة التنفيس عنها خاصة في المجتمعات المغلقة أو التي تعاني الإهمال، والقهر السياسي، وغياب العدالة الاجتماعية .

       .. ولمخاطبة "الرغبات المكبوتة" لدى الحالمين بـ "الترقي الاجتماعي" كانت الصورة الصحفية باعتبارها جملة بصرية مفيدة من أهم عناصري، ووسائلي لاجتذاب هؤلاء، ومحاولة إقناعهم أن أحلامهم مشروعة وممكنة؛ فالباحثين عن صورة نمطية لـ "فتاة الأحلام" كانت صور الأسماك الفضية من ساحرات لعبة السباحة في لباس البحر الأنيق بألوانه الزاهية الخلابة، وصور الفراشات من جميلات لعبة التنس في التنورات والتيشرتات الناصعة البياض تكفي دون أو ابتذال أو إسفاف، وللباحثين عن القوة كانت صور أبطال المصارعة وكمال الأجسام والملاكمة تفي بالغرض، وللراغبين في الوجاهة الاجتماعية كانت صور نجوم الفروسية والسلاح كفيلة بدغدغة المشاعر.

    .. وبدأت أحقق بعض الانفرادت الصحفية، وكان أهمها نشر خبر البدء في تطبيق نظام الاحتراف الرياضي في مصر،  والذي أعلن عنه عبد العزيز الشافعي رئيس جهاز الرياضة في مشروع مقدم إلى مجلس الشعب تحت بند أسماه:"التمويل الشعبي للرياضة"، وقد سبقت بهذا الخبر كل صحف مصر في ذلك الوقت .

     .. وذات صباح استدعاني الأستاذ أحمد المنشليني رئيس التحرير وأخبرني أنه قرر إسناد باب "بريد القراء" إلىّ .. كان محرر الباب هو الأستاذ سيد الهادي سكرتير التحرير، ولما حاولت الاعتذار قال الأستاذ المنشليني بحزم :

    ـ ده تكليف .

     وأسقط في يدي، ولما عرضت الأمر على بعض الأصدقاء نصحني أحدهم باستئذان الأستاذ سيد الهادي، وفعلت، .. ولقيت تشجيعاً منه من «تحت الضرس»، وبابتسامة باهتة تخفي أكثر مما تعلن قال :

     ـ شد حيلك .

    وبدأ مسلسل المضايقات المتوقعة .. كان الأستاذ سيد الهادي يتسلم رسائل البريد من الموظف المختص ويفض مظروفتها ويختار من بينها ثلاث رسائل لا أكثر ويعطيهم لي .. كانت الرسائل الثلاث المختارة غالباً ما تكون هزيلة ومتشابهة ولا تصلح للنشر !!

     .. ولم أرغب في الشكوى وخاصة أن لدي الحل في نموذج مشابهة وهو نموذج باب بعنوان : "أنت تسأل، .. والعميد على قنديل يجيب" الذي كان يكتبه العميد على قنديل مدير تحرير الصحيفة، ورئيس لجنة الحكام باتحاد الكرة .

       كان عنوان الباب :"أنت تسأل"، وضمير المخاطب :"أنت" يعود على القارئ الذي لم يكن له أي دور في السؤال .. كان العميد على قنديل يضع الأسئلة التي تروقه، ويتولى الإجابة عليها !!

       وبدأت في صياغة رسائل من بين أفكاري ضمنتها أفكار عن رسالة الرياضة في الارتقاء بالأخلاق وصحة الأجساد وسلامة العقول، وعن التاريخ الرياضي لنشأة المسابقات الرياضية، ووسائل إعداد البطل الأوليمبي، وأخلاقيات التشجيع الرياضي المتحضر ودورها في البناء والتقدم، والهوس الرياضي وأثره في نشر التعصب والهدم والتدني ونشر الكراهية، ودور الرياضة باعتبارها أحد أهم أشكال القوى الناعمة في نشر رسائل التأخي بين الشعوب عبر جاذبية القيم والرموز والنجوم الرياضية .. ولم أنسى بالطبع مغازلة أحلام الفقراء في قرى ونجوع مصر الحالمين بـ "الترقي الاجتماعي"، وإقناعهم بأن أحلامهم مشروعة وممكنة .

       وبدأ باب :"بريد القراء" يحرز ناجحاً غير مسبوق، وبدأت أٌفكاره تلقى قبولا من القراء،.. وبدأ بعض القراء يتوافدون على مبنى الجريدة لتسليم رسائلهم بأيدهم .. وتقديم الشكوى للمسئولين من عدم نشر رسائل سابقة أرسلوها بالبريد.

       .. واستدعاني الأستاذ أحمد المنشليني رئيس التحرير، وسألني عن رسائل القراء، وأخبرته بأن الأستاذ سيد الهادي لا يعطيني أكثر من ثلاث رسائل أسبوعياً!!، واستدعى الأستاذ المنشليني الموظف المختص بإحضار الرسائل من صندوق بريد المؤسسة، وأمره بتسليمها لي شخصياً.

       .. وبدأت الحيوية تدب في فقرات الباب، وظهرت أمارات الثراء في مضمونة بعد أن توافرت له الرسائل الحقيقية التي تمثل نبض الشارع الرياضي بما تتضمنه من أفكار متعددة، وانتماءات متنوعة، وأذواق مختلفة.

      .. ومع استمرار نجاحي بدأت "الغيرة المهنية" تأكل قلب الأستاذ سيد الهادي، وبدأ حربه "المكارثية"* ضدي، وبدأ يدس لي لدى المسئولين، وكان أسهلها إتهامي باعتناق الشيوعية، وأنني منتمي لأحد تنظيماتها، وأنني أروج لأفكارها في صياغة رسائل البريد !! .. يا سبحان الله .. أفكار شيوعية في بريد قراء صحيفة رياضية !!


       كان ذلك الإتهام كفيلاً بإنهاء علاقتي بالصحيفة بعد تنكيل الرئيس السادات بكل من يشاع عنه مثل هذا الاتهام .. كان الرئيس السادات يعتبر الشيوعيون هم المسئولون عن "انتفاضة الخبز" في 18 ، 19 يناير 1977.
     .. هاجر الكثير من كبار الصحفيين المصريين الذين طالهم مثل هذا الاتهام من مصر .. واختاروا منافي إختيارية في دول الخليج وأوربا، ونشأت ظاهرة "الصحافة المهاجرة" !!

       كان الرئيس السادات يعاني «فوبيا الشيوعية»، وهوس الإساءة إلى مصر التي خلط بينها وبين شخصه، فكل انتقاد لسياساته إساءة إلى مصر.

       .. كان كبار الصحفيين يشفقون على شاب مثلي من مغبة وثقل مثل هذا الافتراء .. لكن كان العجز سيد الموقف !!

     .. واستدعاني الأستاذ أحمد المنشليني رئيس التحرير، وأبلغني شكره عن مجهوداتي في الفترة التي قضيتها في الجريدة، واعتذاره عن استمراري في الجريدة، وشكرته، وأثنيت ـ على سبيل المجاملة ـ على أستاذيته التي تعلمت منها الكثير .

***

.. لم أشأ أن أخسر معركتي قبل أن أبدأها، وذهبت إلى غرفة مكتب الأستاذ سيد الهادي وشكرته، وأبلغته أنني قد قبلت التحدي .

     .. كان من أهم المبادئ التي تعلمتها مبدأ "اشكر عدوك"؛ لأنه أعطاك الفرصة لاكتشاف قدرات ذاتك على إبداع الاستجابة للتحدي، وخوض المعارك بفروسية ورجولة وشرف؛ فقد قام التاريخ وبُنيت الحضارة في مصر القديمة على فعلين هما : إثارة التحدي، وإبداع الاستجابة قبل أن تعرف الدنيا معنى «الضمير» ومفهوم «الشرف الإنساني» اللذان افتقدناهما في زمن العلاقات المحكومة بـ «الصراع»!!

الفصل الثالث:
ـــــــــــــــــــــــــــ
                        "السياسي المصري"

     .. وخرجت من جريدة "التعاون الرياضي"، ولم أنظر ورائي .. وقررت إعطاء نفسي فرصة للتفكير الهادئ المتعقل، وفي صباح اليوم التالي زارني أحد الزملاء، وأبلغني أن الزملاء قد تحدثوا في أمري مع الأستاذ عباس الشهاوي نائب رئيس تحرير جريدة "السياسي المصري"، وأن الرجل في انتظاري.

      .. وأبديت موافقة، ولم أكن متحمسأ .. خاصة أن جريدة "السياسي المصري" كانت تتبع نفس المؤسسة التي تصدر جريدة "التعاون الرياضي".. أي أن مناخ العمل وطبيعة الفكر لن تختلف كثيراً .. إضافة إلى أنني لم أكن راغباً في أن تكون أعمالي مجرد ردود أفعال .. كنت راغباً في إعادة ترتيب أفكاري وأوراقي من جديد، وتقييم تجربتي السابقة بما لها وما عليها .. وما لي ، وما علىّ، خاصة أن بعض زملاء الدراسة قد شغلوا مواقع صحفية متميزة في صحف رصينة بالمحسوبية وصلات القرابة بشخصيات نافذة في دوائر صنع القرار أو في "الوسط الصحفي".

      .. وبعد تفكير عميق رأيت أنه من الأفضل قبول فرصة العمل هذه؛ لكونها في نفس المؤسسة وفي جريدة سياسية أكبر وأفضل من الجريدة السابقة؛ بما يمثل رد اعتبار لى، ودحض لما أُلصق بي من باتهام مغرض مكذوب .

      وفي الأسبوع التالي ذهبت إلى مؤسسة التعاون للحصول على بعض مستحقاتي المالية، وقابلت الأستاذ عباس الشهاوي الذي أبدى موافقته على إلحاقي بالعمل بجريدة "السياسي المصري" بعد موافقة الأستاذ سيد الهادي، وبلا مبالاة قلت :
    ـ أب تو يو Up To You .. شأنك .. نطقتها بلكنة إنجليزية بثقة من لا يعنيه الأمر وبهدوء وأناقة .

    ورفع الأستاذ عباس الشهاوي سماعة التليفون على الأستاذ سيد الهادي، وقال:

    ـ يا سيد .. إحنا عايزين نضم الأستاذ ياسر لأسرة "السياسي المصري" .. عندك مانع ؟!

   .. ورد سيد :

   ـ لا .. بس ده شيوعي .

     ورد الأستاذ عباس الشهاوي ضاحكاً :

     ـ وماله .. عز الطلب .. إحنا بنحب الشيوعيين !!
     .. ومُني الأستاذ سيد الهادي بخيبة أمل أخرى وهزيمة جديدة لم يحسب لهما حساباً !!

     ووضع الأستاذ عباس سماعة التليفون بهدوء، وقال لي :

     ـ يمكنك العمل في قسم التحقيقات .. اجتماع القسم يوم الأحد من كل أسبوع في تمام العاشرة صباحاً .

   ***

      في اجتماع القسم .. كنت أعرف كل الزملاء تقريباً، وتعرفت على المشرف على القسم الأستاذ عبد الستار الطويلة، الذي قدمت إليه عدة مقترحات لموضوعات صحفية وافق على بعضها .

   وبدأت العمل ..

***

       كان من أوائل التحقيقات التي كتبتها تحقيق نشر على صفحة كاملة عن أفلام نصر أكتوبر، وكيف لم يتم  الاستعانة باللقطات التسجيلية التي تمت لعملية العبور بما تتسم به من احترافية ودقة وانضباط ، والاستعاضة عنها بلقطات تمثيلية من أداء الممثلين الكومبارس الذي اتسم بالهرجلة والافتعال والعشوائية .

    نال التحقيق إعجاب الأستاذ عباس الشهاوي، واستحسان الأستاذ عبد الستار الطويلة مسئول قسم التحقيقات، وأشاد به الأستاذ منير مطاوع مسئول الديسك، وأبدى إعجابه بأسلوبي في الكتابة، وأضاف أنني غللت قلمه عن تغيير أي كلمة أو حرف في التحقيق، وأن دوره اقتصر على ضبط بعض علامات الترقيم فقط.

      وكان التحقيق الثاني مسلسل من سبع حلقات بعنوان : "ماهي حكاية الجماعات الإسلامية ؟!"، نشرت منها ست حلقات، وتزامن نشر الحلقة السادسة مع نشر جريدة "الأهرام" في يناير 1979 في صفحتها الأولى خبراً مترجماً عن صحيفة "واشنطن بوست" الوثيقة الصلة بالمخابرات المركزية .C.I.A مفاده أن :

    "المخابرات المركزية الأمريكية .C.I.A تلقت تكليفاً من د. بريجنسكي مستشار الرئيس الأمريكي لشئون الأمن القومي بتحضير وإعداد دراسة شاملة حول الحركات الإسلامية في جميع أنحاء العالم العربي، وهى الخطة التي أطلقت عليها .C.I.A الأسم الكودي :"صلاة الجواسيس"، وأن المخابرات المركزية ستعتمد في هذه الدراسة على مصادر بشرية تنتمي إلى تلك الحركات؛ وذلك حتى تعرف الإدارة الأمريكية أفضل أساليب التعامل معها حتى لا تتكرر مفاجأة الثورة الإيرانية." .

      .. كان الحوار بين السفارة الأمريكية في القاهرة وجماعة  "الإخوان المسلمين" قد بدأ في منتصف سنة 1977، وبالتحديد بين فوستر المسئول السياسي للسفارة وعمر التلمساني  المرشد العام للإخوان .. وكان الرئيس السادات على علم بتلك الاتصالات .

   .. كنت قد أعددت الحلقة السابعة، وصدرت الأوامر بالتوقف عن النشر، فبعد نشر الخبر في جريدة "الأهرام" أخذ الجميع يتحسسون رؤوسهم، وسارع الجميع بتكذيب الخبر ا(لأهرام ـ السفارة الأمريكية ـ رئاسة الجمهورية ـ السفارة الأمريكية)، كانت العلاقات بين السادات والجماعات الإسلامية قد وصلت إلى طريق مسدود بعد أن أيقن السادات أن "الإخوان المسلمين" خدعوه، وبدأت الجماعات المتطرفة تتهم الحكومة المصرية بالتواطؤ مع الأمريكان للتخلص منها .. وفي نفس الوقت أعلن الطلبة الإيرانيون الذين اقتحموا السفارة الأمريكية في طهران أنهم وجدوا وثائق تفيد التورط المصري مع الأمريكان في ملف "الجماعات الإسلامية"

      .. وأبلغني الأستاذ عبد الستار الطويلة بالتوقف عن النشر، وأن هذا يكفي، .. ولم أرغب في التوقف أمام الأمر طويلاً أو مناقشته كثيراً؛ فقد كنت أعلم "أصل الحكاية من بدايتها"..

      وقلت في نفسي يا سبحان الله في أقل من ثلاثة أعوام يتم اتهامي ظلماً باتهامين على طرفي نقيض وكلاهما أبشع من الآخر .. من الاتهام المكارثي بالشيوعية إلى الاتهام بجمع المعلومات لحساب الأمريكان !!

      .. وظل السؤال يصرخ بداخلي، ويداهمني من آن لآخر مثل صداع مزمن: هل تم خداعي تحت مسمى "العمل الصحفي"، ولحساب من ؟!!، ولم أجد إجابة، وآثرت الصمت؛ .. فقد كنت أدرك حجم المتاعب التي يعاني منها الأستاذ عبد الستار الطويلة بعد سحب كارنية رئاسة الجمهورية منه بأمر الرئيس السادات، ومنعه من تغطية أخبار رئاسة الجمهورية، ومضـايقات الأستاذ مرسي الشافعي له في "روز اليوسف"؛ مما حدا به لتدبير أمور حياته إلى العمل في مجـال الإعـــلانات، والعمل ـ لبعض الوقت ـ في مجال العلاقات العامة في شركات رجل الأعمال بسيوني جمعة.. كان كلانا فيه ما يكفيه ويزيد.

     .. في تلك الفترة حدث تطور نوعي في أداء الجماعات الإسلامية مع دفعة 1979 طب القاهرة، وكانت من أقوى الدفعات في العمل الإسلامي الموجه حكوميا، وكان من أبرز رموزها حلمي الجزار الذي تمت مبايعته أميراً للجامعات الإسلامية على مستوى الجمهورية، وبدأت الجماعات الإسلامية تخرج من داخل أسوار الجامعات إلى الشارع، وبدأ الشاب الفقير ينتقل إلى مراتب الثراء والوجاهة؛ فكان حقل زفافه في سرس الليان دربا من دروب البذخ في الأساطير، وبدأت الجماعات الإسلامية تتفلت من عقلها، وبدأت تمارس العنف في الجامعات، وتحاول أن تفرض تنطعات الوهابية على الطلبة بل وحاولت تجاوز كل الخطوط في فرض ذلك الفكر على المجتمع .

        ثم كان التحقيق الصحفي الهام الذي أعددته عن قانون "ترقية أساتذة الجامعات عن طريق الإعلان" .. وهو قانون مشبوهة لتخطي أهل الكفاءة والاستحاق لصالح أهل الولاء، وترجع خلفية إصدار هذا القانون لمطالبة الأساتذة الذين أدوا خدمات لنظام الحكم لدعم سياساته بمكافآت وظيفية مقابل تلك الخدمات.. ولم ينشر التحقيق، ولم يتم قيده في سجل الإنتاج الخاص بي .

      ثم كان التحقيق عن "لائحة الطلاب الجديدة" والتي تحظر العمل السياسي في الجامعات !! .. وهو قانون يكيل بأكثر من مكيال !! وفي لقاء صحفي مع د. إبراهيم بدران قال لي عن شباب "الجماعات الإسلامية":

       ـ "دعوهم وشأنهم؛ فهم أطهر الشباب قلباً، وأزكاهم نفساً".

     .. وعجبت لذلك التمييز الرخيص والمُغرض بين طلبة الجامعة !!

      وحدث أن استضاف الأستاذ ممدوح رضا رئيس مجلس إدارة مؤسسة التعاون ورئيس تحرير "السياسي المصري" د . مصطفى كمال حلمي وزير التربية والتعليم في ندوة بالجريدة .. لم تكن الندوة لأسباب صحفية،  ولكنها كانت لأسباب نفعية من أجل الحصول على حصة من طبع كتب الوزارة؛ لتشغيل مطابع المؤسسة في دار السلام، وعلى مائدة الحوار طلب منا الأستاذ ممدوح رضا توجيه الأسئلة إلى الوزير، ولما جاء دوري قلت لمعالي الوزير :

       ـ لديّ ثلاثة أسئلة أرجو أن يتسع لها وقت معاليكم .

      وقال السيد الوزير :

     ـ تفضل .

     وقلت :

     ـ السؤال الأول : لماذا يلقى الكتاب المدرسي عزوفاً من التلاميذ بينما يلقى الكتاب الخارجي قبولاً ورواجاً تجارياً يقدر بالملايين ؟!.

     وبابتسامة هادئة ذات مغزى نظر الوزير إلى الأستاذ ممدوح رضا، وقال :
    
     ـ السؤال الثاني ؟!

      وقلت :

     ـ لماذا الاصرار على إصدار قانون "ترقية أساتذة الجامعات" رغم ما يلقاه من معارضة الأساتذة .. الذين هم "أهل مكة الأدرى بشعابها" ؟!.

     ولم يجب الوزير، وسأل :

     ـ السؤال الثالث .

     قلت :

    ـ عن اللائحة الطلابية ...

     .. وقبل أن أكمل .. أخرج سيادة  الوزير قطعة شيكولاتة من جيبة وقدمها لي قائلاَ :

       ـ تاخد  البنبونة دي، وتسكت، .. ولا عايزني أجيب على الأسئلة، .. وأضاف: الإجابة هتسبب لى حرج .

      وقلت :

      ـ وأنا لا أرضى الحرج لسيادتك.

       .. كان صمت الوزير إجابة .. ومددت يدي وأخذت قطعة الشيكولاتة.

       بعد أن انصرف السيد الوزير .. استدعى الأستاذ ممدوح رضا الأستاذ محمد جبر سكرتير التحرير، وقال له :

    ـ يبدو أن الجدع اللي اسمه ياسر ده شيوعي زي ما بيقولوا .. ياريت تنهي علاقته بالجريدة .

     وقال الأستاذ محمد جبر :

    ـ حضرتك إديني بعض الوقت حتى لا يتم الربط بين إنهاء علاقته بالجريدة، وما حدث اليوم في لقاء معالي الوزير .

***
       وبدأت المضايقات .. وتضألت فرص النشر .. وبدأ المسئولون يتخطونني في دوري في التعيين، ولما شكوت الأمر إلى الأستاذ عباس الشهاوي قال لي :

     ـ التعيينات اختصاص أصيل للأستاذ ممدوح رضا لا يشاركه فيه أحد، .. ولا دخل لأحد منا فيه ولو بالمشورة أو الاقتراح أو حتى مجرد التوصية أو إبداء الرأي!! .

      .. وحزمت أمري وقررت أنني لن أخسر شيئاً بالمواجهة، ودخلت إلى مكتب الأستاذ ممدوح رضا، وطالبت بحقي في التعيين .. وبأسلوب مراوغ وعدني خيراً .


***

     .. جمعتني الصدفة البحتة في إحدى المناسبات الاجتماعية بالسيدة ليلى عبد الرحمن مديرة العلاقات العامة بوكالة أنباء الشرق الأوسط وزوجة الأستاذ ممدوح رضا، وسألتني :

     ـ عامل إيه مع ممدوح ؟!

    وشكوت إليها أنه تخطى دوري في التعيين أكثر من مرة، وقالت ضاحكة :

     ـ  لن أفيدك كثيراً في هذا الأمر .. ممدوح مبقاش يسمع كلامي .. كان بيسمع كلامي لما كنت حلوة !!

      وبادلتها الضحك قائلاً على سبيل المجاملة :

     ـ .. وحضرتك مازالت جميلة الجميلات، و"ست الهوانم" .

       في تلك الليلة انتحى الأستاذ كامل زهيري نقيب الصحفيين آنذاك بي جانباً، وذكر لى الكثير عن السيدة ليلى عبد الرحمن، وأنها من أهم السيدات الناشطات في مجال المعلومات اللائي قدمن لأجهزة المعلومات المصرية خدمات جليلة أهمها الكشف عن "وثائق حلف بغداد" التي تمكنت من الحصول عليها عبرصداقتها بدبلوماسي تركي استطاعت من خلاله اختراق السفارة التركية، وذكر لي أن تلك الواقعة كانت السبب في زواجها من الأستاذ ممدوح رضا الذي كان يعمل مع تلك الأجهزة في مجال السفارات .. كانت العلاقة بين زهيري ورضا متوترة منذ أن تزاملا معاً في مجلة "روز اليوسف".. كان سيادة النقيب يتحدث عن السيدة وزوجها بقرف وبكلمات تقطر كراهية، وتفيض بالإشمئزاز، وكان يصطنع بذكاء فواصل من الفكاهة تخفف من سخف ما يتقول به عليهما، وما يقوم به من تلميح سمج وتعريض بشخصي مفاده أنني أعمل في صحيفة تعد "وكراً للبصاصين"!!

     .. والحقيقة أن سيادة النقيب لم يكن منزهاً عما يرمي به غيره؛ فقد كان من أبرز قيادات "التنظيم الطليعي" في الوسط الصحفي، وكان من أهم المتعاملين مع مصطفى أمين؛ فقد جاء في التحقيقات أنه كان ضيفه على الغذاء قبل القبض عليه بيومين، وأنه سلمه مواد صحفية، وتسلم منه أموالاً، وأنه حذر مصطفى أمين من السفرجي الجديد (الذي كان في الحقيقة فرد مخابرات شارك في العملية)، وأبدى ارتيابه منه!!، وبعد سجن مصططفى أمين انضم إلى منظومة الدعاية الناصرية التي كان يقودها الصحفي محمد حسنين هيكل، وظل يتلقى منه مخصصات شهرية من الويسكي والسيجار والأموال حتى وافته المنية.

       وقبل أن أغادر المكان قلت لسيادة النقيب :

        ـ أود أن استوضح من سيادتك أمر، .. لقد ورد في مدونة أخلاق المهنة التي أعدها نادي الصحفيين الفرنسيين أنه :"يجب على الصحفي ألا يخلط بين عمله، وعمل رجل البوليس." .

    كنت أعرف ولع سيادة النقيب بالثقافة الفرنسية وأنه أحد منظري "التبعية الثقافية" لها، وامتقع وجه الرجل، وسألني ماذا تقصد ؟!

     وقلت :

      ـ لا شئ .. مجرد استفسار حول فلسفة القانون .

       .. كان سيادة النقيب مثل الكثيرين من صحفيي "الصحافة التعبوية" في حقبة الناصرية يجيد الإدعاء ورفع الشعارات الإنسانية والأخلاقية والمهنية والوطنية وهو عار منها تماماً، وقد فضحته الظروف عندما كتب مقالاً في عموده الثابت بجريدة الجمهورية بعنوان : "من ثقب الباب" دعى فيه إلى الاحتفال بذكرى مرور 200 سنة على الحملة الفرنسية على مصر وزعم أن الحملة جاءت معها ببعثة علمية كان من أهم ما أنجزته كتاب "وصف مصر"، كما أن الحملة رغم طابعها العسكرى جاءت معها ببشائر التحديث والتنوير ومبادئ الثورة الفرنسية إلى بلادنا، وفى هذا السياق طرح بعض الشعارات الزائفة التي يجيد صكها: «ذهب المدفع، .. وبقيت المطبعة»، كناية عن المطبعة التى جاء بها بونابرت مع حملته إلى مصر.

       .. والحقيقة أن حكاية "المدفع الذى ذهب والمطبعة التى بقيت" مجرد أسطورة من أساطير "الدجل الفرانكفوني" التي لا علاقة لها بحقائق التاريخ، فالمطبعة التى أتت مع الحملة الفرنسية جاءت لتطبع الأوامر العسكرية والمنشورات التى يصدرها قواد الحملة لتضليل الشعب المصري وتزيف وعيه، هذه المطبعة ذهبت مع الحملة ومدافعها التي  قتلت 30 ألف مصري في ثلاث سنوات وقصفت القاهرة مرتين دمرت فيهما ألاف البيوت والمتاجر وبيوت العبادة،  وجنودها الذين اقتحموا صحن الازهر بالخيول، وداسوا بأقدامهم المصاحف ودنسوها بالأوساخ.

    .. والحقيقة أن سيادة النقيب كان يرمى من وراء زيف دعاواه ورطاناته اللغوية عن "المطبعة والمدفع"، و"النور والنار" هو مغازلة الفرنسيين لجني منفعة شخصية والحصول على منحة دراسية من إحدى الجامعات الفرنسية لابنه الأصغر أخر العنقود؛ فكان حديثه عن المطبعة درباُ من الأباطيل خلط فيها عن عمد بقصد وسوء نية بين مطبعة المحتل، والمطبعة الوطنية (مطبعة بولاق)التى شيدها محمد على بعد ذهاب الحملة بسنوات، والتي قدمت أهم المطبوعات المصرية المترجمة فى القرن التاسع عشر .. وقد أغفل سيادة النقيب عن عمد وبسوء نية أن المطبعة جاءت إلى الأستانة عاصمة الدولة العثمانية التي كانت مصر من أهم ولايتها في منتصف القرن 17 أي قبل الحملة الفرنسية بـ 130 سنة، وأنها كانت في طريقها إلى مصر بعد أن وجدت في كلا من لبنان وسوريا منذ سنة 1710 أي قبل الحملة الفرنسية بـ 68 سنة .
      كان سيادة النقيب لا يكف عن صك "الشعارات النقابية" التي يستخدمها في إذكاء حماس شباب الصحفيين الذين دأب على استخدامهم كـ "وقود" لمعاركه الشخصية التي لم تسفر عن مكاسب حقيقية لجموع الصحفيين.

***

     .. ولأنني قد تعودت ألا أخذ الأمور على عواهنها؛ فكل ما ينقل إلى مجرد خبر يحتمل الصدق ويحتمل الكذب؛ فكنت لا أتعامل مع يتداوله الآخرون من هذا القبيل بوصفه من "المُسلمات"، ولا أنقل الخبر إلى خانة المعلومة قبل إخضاعه لآليات دقيقة من الفحص ومناهج التمحيص، وقضيت ليلتي في التفكير ولم أذق طعم النوم، وفي الصباح ذهبت إلى إحدى المكتبات بوسط البلد التي تبيع الكتب الممنوعة رقابياً، والتي يجري تهريبها من مكتبات بيروت لحساب بعض الباحثين عن المعرفة "الممنوعة" في بلدنا، وهمست في أذن البائع :

     ـ "أريد مذكرات صلاح نصر .".

    .. وتظاهر البائع كأنه لم يسمعني، ودخل إلى صاحب المكتبة الذي أشار لي بما يفهم منه :"عدي بعد يومين." .

      بعد يومين .. أصبح الكتاب بين يدي، وقرأته بإمعان وعرفت الكثير .. كان أخطر ما عرفته عن دور واجهات الصحف ووكالات الأنباء وغيرها من المصادر المعلنة للأخبار في جمع المعلومات التي يتم توظيفها في خدمة العمل السري الخفي!!، تحدث صلاح نصر في مذكراته صراحة أحيانا، وبالتلميح أحيانا عن دور بعض النساء والشواذ في الكشف عن قضايا تخابر ومؤمرات لم يكن في استطاعة الرجال والأسوياء منهم أن يصلوا إليها؛ ولأن الأستاذ ممدوح رضا قد أفاض في كتابات صحفية في سرد وقائع فساد صلاح نصر، فقد بادله صلاح نصر الخصومة بذكر بعض ما يسئ إليه ويحقره، ويصم السيدة زوجته .. كان أهم ما استرعي انتباهي هو أن السيد صلاح نصر قد أفشى أسرار تمس العمل في الجهاز الذي ظل على رأسه على مدى 10 سنوات، وأن تلك الأسرار تتعلق بشخصيات مازالت على قيد الحياة وتمارس أدوار في الحياة العامة، وأنه من المفترض أن تظل تلك الأسرار حبيسة الدائرة الضيقة للعاملين في المجال، والعالمين ببواطن الأمور.

          .. وقادني هذا الخاطر إلى التساؤل: هل مذكرات صلاح نصر هذه حقيقية أم منتحلة؟!، وسرعان ما أدركت سخف السؤال؛ فصلاح نصر مازال على قيد الحياة، ويملك من الوسائل والحيل الكثير مما يمكنه من نفي ما ليس له به صلة، وخاصة أن الكثير من الصحفيين يتسابقون لسماعه والنقل عنه .

     .. وخلصت في النهاية أن شهادات جميع الأطراف ممن أستمعت إليهم أو قرأت لهم محكومة بعلاقات العداء ومشاعر الكراهية المتجذرة في القلوب لأسباب مختلفة؛ لذا فقد اعتبرتها "شهادات مجروحة" موصومة بالهوى والغرض ويصعب الوثوق بمن أدلوا بها؛ بما يجعل مضامينها لا ترقى إلى مراتب الصدق، ولا تهبط إلى مدارج الكذب، ولا تبارح موضع "الشك الحذر"!!

       لكني توقفت طويلاً أمام واقعة صغيرة ذكرها صلاح نصر، وهى حديث دار بينه، وبين مصطفى أمين:

      " مصطفى أمين:

     ـ عندي شاب واعد في الجرنال .. أقترح أن تراه؛ فأنا أرشحه للعمل معكم.
       صلاح نصر :

      ـ مين ؟!

     مصطفى أمين:

     ـ ا . س .
    
     وضحك صلاح نصر قائلاً :

     ـ ده العنصر بتاعنا ، واحنا اللي زارعينه عندك .".

***
     
     
         وقررت أن أضع حداً لهذا العبث واستنزاف جهدي فيما لا طائل من ورائه سوى بعض المكاسب المؤقتة التى تكفي بعض مطالب العيش بالكاد، وقررت إنهاء علاقتي بجريدة "السياسي المصري"،.. وفي الصباح ذهبت إلى مكتب الأستاذ محمد جبر سكرتير التحرير، وأبلغته باعتذاري عن الاستمرار في العمل بالجريدة، ولما سألني عن السبب قلت:

      ـ أفضل الاحتفاظ بأسبابي لنفسي .
***
    .. كنت قد تعلمت درساً هاما من كتاب سن توز بعنوان :"فن الحرب"، وهو الكتاب الذي تدرسه الأكاديميات العسكرية لطلابها، وتحرص الشركات العالمية على تلقينه لوكلائها التجاريين باعتباره "إنجيل" الحرب والتجارة .. كان الدرس هو : "إذا فتح لك عدوك باباً؛ فلا تدخل منه؛ فالخطر ورائه."؛ لذا فقد أغلقت باب الحوار، والتزمت الصمت، .. واحتفظت بأسبابي .

      .. كانت المفاجأة والصدمة اللتان أحدثاهما قراري المفاجئ ثقيلة على إرادة من يكيد لي في الخفاء، وجعلتاه عاجزاً عن الفعل ورد الفعل !!

        وبعد اسبوع من قطع علاقتي بالصحيفة والانقطاع عن الذهاب إليها فوجئت بنشر تحقيق لي كنت قد قدمته للمسئول عن : "سرقة الآثار المصرية والاتجار بها عالميا" .. نشر التحقيق منسوباً إلى قسم التحقيقات الصحفية، وبدون ذكر اسمي !!

      .. وأدركت مدى مأزق الصحيفة .

الفصل الرابع :
ـــــــــــــــــــــــــــ
                          مجلة المصور

    بعد إنهاء علاقتي بجريدة «السياسي المصري» .. كنت مجهداً .. فمنذ أكثر من عامين لم أخلد إلى الراحة يوماً واحداً.. ولم أحصل على أجازة؛ فقررت البقاء في البيت، وأمضيت وقتي في القراءة وسماع البرنامج الموسيقي عبر المذياع، .. وشجعني على ذلك ما لدي من بعض المال المدخر، فقد تعلمت فضيلة الإدخار .. كنت قد تعلمت في سنوات الدراسة في آداب القاهرة أن إهمال صغائر الأمور يعصف ويضيع  كبارها، .. تعلمت الحرص والحكمة، ولم أجنح إلى سفه الشح أو الإقلال والبخل .. كنت أضع الحكمة الإنجليزية على رأس معتقداتي:  «take care of thepennies and the pounds will take care of themselves حافظ على بنساتك (البنس عملة إنجليزية تساوي المليم تقريباً)، أما الجنيهات فستحافظ على نفسها».

     .. لم أكن أخرج من البيت إلا لإحضار طعامي .. كنت أصحو من نومي متأخراً بعد فوات موعد الإفطار،وكان طعام الغذاء دائما مقصوراً على قطعة من الجبن الأبيض، وشطيرة من الخبز الأسود، وأعواد الجرجير، ودوائر الطماطم، وشرائح الخيار،.. وكان العشاء مكوناً من بعض ثمار الفاكهة، وكوب صغير من الزبادي.

      .. كنت أخرج أحيانا في المساء للتريض والسير لبعض الوقت على كورنيش النيل في منطقة الجيزة بالقرب من مسكني، .. وكنت أقضي تلك الأوقات مستغرقاً في التفكير فيما كان، .. ولكني كنت دائما حسن الظن بالله واثقاً به، وأن الغد الآتي أفضل .

     .. واستمرت تلك الحالة قرابة الشهر .. وفي صباح يوم استيقظت مبكراً على غير العادة وقررت أن أكسر تلك الحالة، وأن أبحث عن عمل قبل أن يداهمني الوقت وتنفذ نقودي وأجد نفسي في موقف المضطر، وأقبل ما لا يناسبني، وذهبت إلى صحيفة «أخبار اليوم»، وقابلت بعض الزملاء، كانت الفرص المتاحة لا تروقني، ولما كنت على مقربة من جريدة الأهرام، وجدتها فرصة لزيارة الأستاذ ثروت أباظة دون أن أطرق موضوع التوظف؛ فالتوظف في الأهرام يتطلب على الأقل واساطة وزير .

      وسألني الأستاذ ثروت عن أحوالي، وقلت له أنني بدون عمل الأن، وعلى الفور ودون أن أطلب رفع الأستاذ ثروت سماعة التليفون وطلب الأستاذ صبري أبو المجد في دار الهلال وطلب منه أن يوظفني في إحدى مجلات الدار، وأبدى الرجل استجابة، ونظر إلىّ الأستاذ ثروت قائلاً :

      ـ تروح حالاً تستلم وظيفتك .

     لم تكن علاقتي بالأستاذ ثروت أباظة أكثر من علاقة محرر بأحد مصادرة، كانت بعض الأحاديث التي أجريتها معه قد نالت إعجابه خاصة ذلك الحديث الذي أكد فيه أن «عتريس» هو الاسم الحقيقي للرئيس جمال عبد الناصر؛كنت قد أبديت إعجابى الشديد بالرمز فى شخصية عتريس، وأبديت الدهشة لغرابة الاسم!! لكن الأستاذ ثروت أباظة أكد ليبثقة : «إنه الاسم الحقيقى لعبد الناصر.».

     .. كنت قد ظننت للوهلة الأولى أنه يمزح، وأننا بصدد دعابة تستلزم الابتسام، ولو على سبيل المجاملة، لكن الأستاذ ثروتاسترسل في سرد الحكاية مع مزيد من التأكيد : «إنها الحقيقة، وكلمة عتريس مشتقة من الفعل عترّس (فى اللغة العامية) ومعناه عنف وغلظ» .

      في دار الهلال قابلت الأستاذ صبري أبو المجد رئيس تحرير مجلة «المصور» كان الرجل هادئاً إلى حد السماجة، ولا يبدو على وجهه أثراً لأي تعبير أو انفعال، وكأن صاحب هذا الوجه قد مات من سنين !! .. نقلت إليه رغبتي في العمل بقسم التحقيقات، ورد في هدوء :

      ـ المتاح الآن فرصة عمل في سكرتارية التحرير الفنية بالمجلة .. هل تناسبك؟!

     قالها الرجل على سبيل «التطفيش» على أمل أن يأتي الرفض من جانبي؛ فيحل الرجل نفسه من وعده للأستاذ ثروت بدون حرج .

     وسرعان ما تفهمت الموقف، وقلت بدون تردد:

      ـ موافق . 

       واستلمت العمل وأثناء التعارف مع المدير الفني الذي سأعمل تحت رئاسته أبلغته أن الوقت ليس في صالحي،.. وأن أمامي مدة شهر واحد فقط؛ فإذا صدر قرار تعييني .. خير وبركة، وإلا فسوف اضطر لعدم الاستمرار؛ فقد مضي على تخرجي 4 أعوام .. والوقت لا يحتمل الإضاعة أو المغامرة!!

      .. تفهم الرجل الأمر، وقبل انتهاء مهلة الشهر صدر قرار بتعييني سكرتير تحرير فني لمجلة «المصور» .

        .. وبدأت أتصفح الأعداد القديمة من المجلة لأقف على اتجاه الريح في تناولها للأحداث وأسلوب تحريرها، وكانت الصدمة الأولى؛ فالمجلة عدد صفحاتها 80 صفحة يتولي الأستاذ صبري أبو المجد تحرير أكثر من 21 صفحة منها ما بين مقاله في الإشادة بإنجازات وشخص الرئيس السادات، وباب أسماه «سنوات ما قبل الثورة»، خصصه لكشف مفاسد عصر ما قبل انقلاب 23 يوليو 1952 بما عجل بحدوثه، إضافة إلى تحرير باب «أخبار المصور» .. كان الأستاذ صبري أبو المجدلا يكف عن منح نفسه ـ دون سند من الحقيقة أو الواقع ـ لقب «المؤرخ»، وأنه التلميذ النجيب لعبد الرحمن الرافعي في مدرسة الحزب الوطني القديم، وامتداد له في الكتابة «التأريخية»، .. والحقيقة أن كلا من عبد الرحمن الرافعي وصبري أبو المجد كانا مدعيين، ولا علاقة لكليهما بالكتابة التأريخية ولا دارية لكليهما بحدودها الدقيقة ومعاييرها وضوابطها ومناهجها الصارمة!!

      .. كان كل ما يفعله الأستاذ صبري أبو المجد هو تجميع أرشيفي لمواد صحفية سبق نشرها، وهو ما تم إعادة صياغته صحفياً ـ فيما بعد ـ على يد الأستاذ جمال بدوي في باب حمل عنوان :»في المصور من 70 سنة».

      لم تخب فراستي في قراءة ما وراء ملامح وجه الأستاذ صبري أبو المجد الميتة، ونظراته «الفئرانية» المتلصصة والمتسقة مع طبائع الجرزان؛ فمظهره لا يخفي حقيقة مخبره من بؤس الموهبة الصحفية والقدرة على الإدعاء الكاذب، والغدر الجبان؛ فالرجل أحد «البصاصين»القدامى في خدمة «العسس»، ولا يتورع عن عمل أي شئ شريطة أن يكون في الخفاء، وأن يحصل على الثمن، وله سوابق كثيرة أهمها أنه أبلغ القسم المخصوص (البوليس السياسي) عن ابن خالته الصحفي المناضل سعد زغلول فؤاد الذي قام بعمليات فدائية ضد الإنجليز، والذي لجأ إليه طلباً للمبيت؛ فأقنعه أن يأخذ حماماً ويغير ملابسه حتي ينزل لشراء طعاماً للعشاء، وذهب ليتصل بالبوليس السياسي، ويخبره بوجود سعد زغلول فؤاد في شقته.

الواقعة الثانية :

     عندما سلمه عبد الفتاح باشا حسن وزير الشئون الاجتماعية الأسبق في وزارة ما قبل انقلاب 23 يوليو 1952 مقالاً للرأي للنشر بصفحة الرأي في مجلة «المصور» .. كان المقال ينتقد تصريح الرئيس السادات بشأن توصيل مياه النيل لإسرائيل لتكون ماء زمزم لجميع الأديان ـ على حد قول السادات ـ؛ وفوجئ عبد الفتاح باشا حسن عند القبض عليه ضمن معتقلي سبتمبر 1981 بأن سلطات التحقيق تواجهه بأصل ذلك المقال الذي سلمه لصبري أبو المجد كأحد أدلة ثبوت الاتهامات المنسوبة إليه .


أغلفة «المصور»:
ـــــــــــــــــــــــــــــ

    
 كان مجموع أعداد «المصور» 54 عدد في السنة، .. وكان  الأستاذ صبري أبو المجد يضع على غلاف 50 منها صور للرئيس أنور السادات، أما الأربعة المتبقية فكان يضع على أحدها صورة لطفلة تحمل فانوس رمضان بمناسبة حلول الشهر الكريم، وعلى الثاني صورة لطفلة تلهو ببلوناتها بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك، وعلى الثالث صورة لوقفة الحجيج بعرفة بمناسبة عيد الأضحي المبارك، وعلى الرابع صورة للمصريين في الحدائق العامة بمناسبة احتفالات شم النسيم !!

كبيرهم «هجاص» :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

     في تلك الأثناء أتيحت لي فرصة الأقتراب من الأستاذ فكري أباظة الذي كان يطلقون عليه «الباشا»، وكانوا يعتبرونه «عميد الهلاليين» نسبة إلى العاملين بدار الهلال .

     كان الرجل يعيش طوال الوقت في الماضي وأحداثه، والحقيقة أنه كان «فشّاراً» من طراز رفيع، ولكنهكان «فشّاراً» ظريفاً.

      لكن شاء حظه العاثر معي أن يسقط في سقطتين :

      السقطة الأولى : أنه كتب مقالاًبعنوان : «نعم أحرقت مذكراتي!!» أدعى فيه أنه أحرق مذكراته خشية أن يساء فهمها أو أن يصيب رذاذ الأحداث فيها بالأذى أشخاص لا ذنب لهم « .

     ولأنني كما قلت ـ سابقاً ـ ليس من عادتي أن أخذ الأمور على عواهنها أو أقبل الكلام على علاته؛ فليس في قاموسي ما يُسمى بـ «المسلمّات»؛ فقدت أجريت تحقيقاً استقصائياً عن ذلك الأمر ثبت لي من خلاله أن الرجل لم يكتب مذكراته ولم يحرقها وأنه مجرد «هجاص».


      السقطة الثانية : أن الرجل «الهجاص» ادعى بعد زيارة السادات لإسرائيل أنه كان صاحب رؤية وسبق في هذا المضمار؛ فقد كتب مقال بعنوان:«الحالة ج» بتاريخ  18 – 8 – 1961نشر في العدد  1923من مجلة «المصور» دعى فيه إلى الصلح مع إسرائيل وإدماجها في نسيج المنطقة بعد تخليها عن نوازعها العدوانية؛ مما تسبب في عزله من رئاسة مجلس إدارة دار الهلال.

       .. لكن الحقيقة  أن الرجل لم يكن يمتلك القدرة والشجاعة على كتابة مثل هذا المقال، وأن المقال قد تم إطلاقه من خلاله كـ «بالون اختبار»  بمعرفة مسئولي الإعلام في النظام السياسي القائم آنذاك للوقوف على الرأى العام من مشروع أمريكي مقدم إليه لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي بعد مناقشات جرت بين الرئيس عبد الناصر والرئيس الأمريكي جون كيندي، ولو لم يكن المقال متفقاً عليه لما أفلت من مصفاة النقيب الحكومي،  وقد كانت الأزمة المثارة حول المقال «أزمة مفتعلة»!!، وإلا كانكاتبه نزيلاً في السجن الحربي.

    .. لم أستشعر أحتراماً للرجل .. ولم أعد ألقى بالاً لما يقول.


مبنى المبتديان:
ــــــــــــــــــــــــ

      كان مبنى المؤسسة بشارع المبتديان بواجهته الضخمة ومدخله الفخم الأنيق بالأعمدة الضخمة والسلالم الرخامية والسجادة الحمراء التي تغطي درجاتها، وتمثال جرجي زيدان في واجهتها .. كان المكان بكل ما يحتوية من سمات الفخامة يحمل طاقات سلبية انعكست موجاتها على العاملين به، .. واكتشفت بعد فترة*أن هذا المبنى لم يكن مشييداً ليستخدم مبنى لمؤسسة صحفية، ولكنه كان مستشفى شيده الإنجليز لعلاج الجرحى من جنود الحلفاء أثناء الحرب العالمية الأولى، وهذا يفسر الكم الكثير من الغرف في الدوريين الثاني والثالث، بينما كان الدور الأول مخصصاً للمشرحة وثلاجات حفظ جثث الموتى، وكان مخصصاً لها باب ناحية شارع الخليج المصري (شارع بورسعيد حالياً)، وكان باب الأستقبال عبارة عن باب جانبي بشارع المبتديان (شارع محمد عز العرب حالياً).


     .. أهدى الإنجليز المبني بعد انتهاء الحرب لورثة جورجي زيدان تقديراً لما قدمه جورجي زيدان من خدمات لدعم الصهيونية العالمية، ونشر مبادئ الماسونية في الشرق باعتباره مؤرخ الماسونية وصاحب الكتاب الوحيد المعتبر من أهلها بعنوان : «التاريخ العام للماسونية منذ نشأتها إلى هذا اليوم»، ومكافأة له على جهوده في تضليل الشعب المصري وتغييبه عن حقيقة ما يجري في فلسطين من خلال ما كتبه عن رحلته إلى فلسطين في سنة 1912 قبل موته بعامين، والتي روج فيها لكذبته الساقطة والسافلة بأن العرب يبيعون أرضهم للصهاينة، وتحدث عن أسطورة التفوق الصهيوني في الصناعة والزراعة وأساليب التعليم في مدارس الصهاينة وأشاد بالجامعة العبرية، ونصح العرب بضرورةالتفاعل الثقافي والتبادل الحضاريمع الصهاينة، وتلك كانت أول دعوة للتطبيع التي غرست بذرته الأولى !! .

        .. والحقيقة أنه لم يكن لـ «جورجي زيدان» قيمة حقيقية في الأدب أو التأريخ؛ فقد كان مجرد إسكافي يعمل في تصليح النعال في بيروت، وتعلم اللغة الإنجليزية في مدارس إحدى الإرساليات التبشيرية قبل أن يحضر إلى مصر، وعندما جاء إليهاخضع لأساليب الصقل الماسوني التي يتبعونهالنقل الرعاع وحثالة البشر إلى واجهات المجتمعات بتوظيفه مترجما في مكتب وزارة المستعمرات البريطانية في مكتب القاهرة، وبعد فترة أنشأ مجلة «الهلال» لتكون ساتراً لنشاطه في خدمة المخابرات الإنجليزية.

  .. لم يكن جورجي زيدان يعرف شيئاً عن التاريخ العربي والإسلامي؛ فالمؤلف الحقيقي لـ «روايات تاريخ الإسلام» هو الأستاذ عبد السلام شهاب الذي كان يعمل مصححاً بمجلة الهلال والذي باعها للمجلة؛ لينشرها جورجي زيدان باسمه بعد أن تولى خبراء «الاستشراق» توجيهها من منظور استعماري (كولونيالي)؛ فجاءت محمله بما فيها من نزعة عنصرية في رؤيتها للشرق، تلك النزعة التي أوضحها بعد ذلك جليًّا المفكر الأمريكي الفلسطيني المولد إدوارد سعيد في كتابه «الاستشراق».


زملاء العمل :
ــــــــــــــــــــــ

      كان أغلب زملاء العمل في «المصور» من غير المؤهلين إطلاقا للعملالصحفي ولا لغيره من الأعمال؛ فأكثرهم من غير المؤهلين علميا أو تعليميا،ً وكان اختيار تلك النوعية مطلوباً لترسيخ الإحساس بالدونية وإشاعة ثقافة التخلف لدى القارئ المصري الذي لا يمثل إلا 10 % من مجموع الشعب المصري الذي يعاني 60% منه من الأمية..كان عدد الحاصلين على مؤهل دراسي في المجلة يبلغ بالكاد عدد أصابع اليد الواحدة؛ فالمحرر العسكري حمدي لطفي تم تعيينه بالمجلة بشهادة محو الأمية، وعبد المنعم الجداوي محرر الحوادث تم تعيينه أيضا بالمجلة بشهادة محو الأمية، ومع ذلك يصر على وصف ما يكتبه من سردللجرائم أنه «عرض وتحليل»، وهو أمر يدعو للدهشة والعجب؛ فإذا ما افترضنا أن ما يكتبه «عرض للجريمة» من منطلق أنه تدوين سردي لما يسمعه من مأموري الضبط، فمن أين له بالقدرة على التحليل وهو لم يدرس شيئاً من علم الاجتماع أو علم النفس؛ فقد أساء الرجل بجهله إلى المواقع القانونية لكثيرين ممن شملهم اتهام في بعض القضايا التي تناولها، وكان محيي الدين فكري المحرر الرياضي راسب ابتدائية، وكان عبد النور خليل المحرر الفني حاصل على شهادة الإبتدائية، وكان عبد التواب عبد الحي المحرر الدبلوماسي راسب بكالوريا، وكان صالح مرسي رقيب البحرية المتطوع حاصلاً على الإعدادية.. استقال مرسي من البحرية، والتحق بـ «روز اليوسف» التي لفظته مبكراً؛ فتم إلحاقه بـ «المصور» ليصبح كاتباً لقصص البطولة الخفية من ملفات المخابرات المصرية، كان صالح مرسي بنرجسيته المعهودة لا يكف عن التأكيد أنه صانع الصورة الذهنية لـ «جهاز المخابرات» عبر المعالجات الدرامية لبعض ملاحم البطولات، وكان غالبا ما يأتي صوته إليّ متسائلاً .. قرأت، إيه رأيك ؟! وكان رأيي دائما: «أنه لا بأس من بعض أدب الكذب الجميل!!»؛ فكثيراً من رواياته تحمل في بنائها خللاً يهدد بنسف سياق الحدث تماما ويمحو مصداقيته !! كان صالح مرسي يغتاظ ويحاول إغظاتي بتقليد نبرات صوتي بصوت أجش يحمل أداء صبيانيا تعودت عليه عندما ابتليت بعداءات الصغار في الوسط الصحفي في «سنوات فساد الهواء والذمم» في أروقته !!
     كانت التجربة قد علمتني ألا أتوقف كثيراً أمام عوارض الأمور وممارسات الغلمان وعساكر المراسلة في الصحافة.. لكن كان السؤال دائماً يسكن داخلي ويصرخ في دهاليز العقل: إذا كنا نملك هذا المنهج العلمي في التناول، وهذا الانضباط السلوكي في الأداء؛ فلمًّ لا يستطيع المواطن المصري ركوب الأتوبيس حتى الآن؟!

   .. ولماذا فشل هذا الموطن في التعامل بتحضر مع حذائه عند دخول المساجد؟!

     كانت الكتابات تمثل الحلم والأمنية، وتسهم في حالة من التعويض النفسي .. وتُعلي الفخار الوطني المتوارث في الأغاني من نوعية «وزعيمك خلاكي زعيمة في طريق الخير والعمران»  .. بينما كان لرجال المصاعب الحقيقية رأي آخر ففي لقاء أمين هويدي رئيس المخابرات الأسبق مع مجلة «المصور» حكى الرجل حكاية « الحفار  Kentining 10» أو «العملية الحاج»  عبر التفاصيل الدقيقة والرقيقة في التعامل مع الخطر؛ فمصر كانت تعيش أجواء الهزيمة .. وإسرائيل ماضية في جموحها إلى نهاية الشوط لاستخراج البترول المصري من خليج السويس، .. والجنرالات في إسرائيل أصبحوا نجوم المجتمع الإسرائيلي وأصحاب الكلمة العليا فيه بحيث أصبح كافيا لإنجاح مناسبة ما أن يتم الإعلان عن حضور أحد الجنرالات لها !!.. وزاد من صعوبة العملية أن الحفار الذي استأجرته إسرائيل للمهمة صناعة شركة إنجليزية والشركة المالكة بلجيكية والقاطرة التي تسحبه إلى موقع الحفر هولندية، ومعني تدميره في خليج السويس .. يهدد بنشوب حرب عالمية في المنطقة أو أن تقوم إسرائيل بتدمير آبار بترول بلاعيم !! .. فالأهداف كلها على رقعة الشطرنج؛ كان ثمن تدمير ميناء إيلات قصف معامل تكرير البترول في السويس، لذا رأت.C.I.A حلاً ذكيا وهادئاًعن طريق مقرها في السفارة الأسبانية بالقاهرة بتسريب صور الحفار وخط سيره إلى المخابرات المصرية، مع التوصية بالتعامل معه في مكان بعيد عن المنطقة، ولا يحمل بصمات منفذيه، .. ودون إعلان أو حماقة .

       كان من الحاصلين على مؤهل عالي في المجلة الأستاذة مصطفى نبيل ومحمد سعيد وصافي ناز كاظم ومجدي نصيف وشريف الشوباشي، وكان المحررين غير المؤهلين يطلقون عليهم لقب «البهائيين»نسبة إلى الأستاذ أحمد بهاء الدين الذي عينهم في محاولة لتطوير الصحافة، وتجديد دمائها !!

       كانت الصحفيات في المجلة نموذج صارخ للإساءة لكرامة وإنسانية المرأة في الحياة العامة؛ فقد استطاعت (ب . ب.) الانتقال من وظيفة سكرتيرة إدارية بمجلة «سمير» إلى وظيفة صحفية بمجلة «المصور» عبر علاقة فراش بأحد المسئولين من «المراهقين العجائز»، واحترفت بعد ذلك «الدعارة المقنعة»، وكونت ثروة هائلة عبر علاقات الفراش المتعددة بالمسئولين الذي خصصوا لها الأراضي المملوكة للدولة بالملاليم لتبيعها بالملايين، واحترفت القيام بأعمال السمسرة وتأجير الشقق المفروشة بحي الزمالك لراغبي المتعة الحرام بالساعة، وبلغت بها الوقاحة مبلغها باستقبال إسرائليين في مكتبها، وقبلت دعوتهم للسفر إلى هناك، وسافرت إلى هناك عدة مرات !!

     كان النموذج الثاني هو الصحفية ( ل.م.) مساعدة إحدى حائكات الملابس الحريمي التي تم استقدامها لتنفيذ رسوم البترونات التي يتم توزيعها هدايا مجانية مع مجلة «حواء»، وعبر علاقة فراش بأحد المسئولين من «المراهقين العجائز» تحولت مساعدة الحائكة إلى صحفية تحمل بطاقة نقابة الصحفيين .

    النموذج الثالث هو الصحفية (س. ش.) التي انتقلت من وظيفة سكرتيرة إدارية بمجلة «ميكي» عبر إعدادها للسهرات ودعوات العشاء، وجلسات السكر والمزاج لـ «المراهقين العجائز» في منزلها بمصر الجديدة .

      النموذج الرابع هو الصحفية (ص. ن.) السحاقية التي ارتبطت بعلاقة شذوذ بمطربة مصر الكبيرة، وكان من أخطر فضائحها هو تزويجها من الساعي(سليم. ع.) ليقوم بدور المحلل كي يتثنى لها العودة إلى عصمة زوجها بعد أن استنفذ مرات الطلاق الثلاث المحددة شرعاً!!

       النموذج الخامس هو الصحفية (س. ج .) التي ذهبت إلى السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وأقامت علاقة مع السفير الإسرائيلي موشى ساسون، وسافرت إلى إسرائيل وعادت لتروج دعاوى وقحة عن:»أعرف عدوك من غرف نومه»، و»البحث عن السلام والتطبيع بالجنس»، وهو نفس الدور الذي لعبته العاهرات الصهاينة من أمثال بولندا جابي، وإيرين نجار، وبولاند هارمر التي ارتبطت بعلاقة مع تقي الدين الصلح، وليليان كوهين،وشولا كوهين (لؤلؤة إسرائيل) في بيروت التي تمت مبادلتها بـ 3 من الطيارين السوريين، والقودات والعاهرات من عائلات قطاوي وموصيري وشيكوريل وصيدناوي.. كانت النقلة النوعية في أسلوب جمع المعلومات باستخدام الجنس هى استبدال العاهرات الصهاينة بالساقطات من المصريات!!

       النموذج السادس والصارخ هو الصحفية (س. س.) حاملة الشهادة الإعدادية، لكن  مؤهلاتها الحقيقية تكمن فى أنوثة فطرية تتسم ببدائية  لم يتم صقلها أو إخضاعها لقواعد التأديب ومضابط السلوك وتكوين جسدى أنثوى غجرى متوحش تتفجر منه شلالات الرغبة، وبشرة بيضاء فى لون الجير المُتسخ، وهو ما جعلها وجبة جنسية تغرى بعض عواجيز الصحافة بــ «الرمرمة «.

       .. وعندما عيين أخاها فى أحد مناصب  الرفيعة فى الدولة، لم تضع الفرصة، ففى اليوم التالى مباشرة ذهبت إلى رئيس مجلس إدارة الصحيفة وطلبت تعيينها مديرة تحرير، حاول الرجل أن يبدو لطيفاً معها، وأبلغها أنه وقد أصبح أخيها من كبار رجال الدولة فمن الطبيعى أن ينعكس هذا على وضعها  المهنى، وأقترح أن تترك له هذا فى الوقت المناسب،ولكن من المستحيل تخطى زملاء أحق منها يرأسونها فى العمل لعدم أحقيتها، وخاصة أنها بدون شهادة جامعية، لكنها لم تتقبل ذلك وراحت تجادل الرجل بشدة فى إلحاح على طلبها وصل إلى حد البكاء.

    .. وراحت تكيد للرجل ، فجلست فى اجتماعات التحرير بين أعضاء أسرة الصحيفة وقد وضعت ساق فوق ساق حتى أنحسرت تنورتها عن بياض فخذيها وظهرت أطراف ملابسها الداخلية ، وراحت تقاطع الرجل أكثر من مرة قائلة :

       «أبيه بيقول كيت ....... و أبيه رأيه كذا وكذا.....».

      استشاط الرجل من الغضب وقال :

      ـ «أبيه فى البيت وانتو قاعدين أمام التليفزيون بتقزقزوا لب وسوداني، أما فى العمل وأمور الدولة ومصالح الوطن فالسيد (س.) لديه قنوات رسمية لإبلاغى بالتعليمات»!!.

    .. ولأن الشر دائما ضرير؛ فقد وقعت(س. س .) فى شر أعمالها؛ وسببت حرجاً لأخيها جعله فى نص هدومه عندما سافرت إلى أوربا؛ ولأن الدناءة طبع فقد أرتمت فى أحضان رجل قدم لها نفسه على أنه من دولة عربية شقيقة، رأت فيه صيدها ورأى فيها ضالته ؛ فاصطحبها إلى فندق بأطراف العاصمة باريس بعد أن حجز غرفة بجواز سفرها، بعد أسبوع وبعد أن قضى منها وتره، تركها نائمة فى العسل فى فراش الدنس،وغادر إلى حال سبيله، لتصحو على كارثة وتفيق على صدمة مبالغ الفاتورة الهائلة، الطامة الأكبر التى جعلت الأرض تدور تحت أقدامها؛ اكتشافها أن الرجل يحمل جنسية  كيان معاد؛ تحرك أكثر من مسئول لاحتواء الموقف مجاملة لشقيقها، وصدرت التعليمات بأن يُكفى على الخبر ماجور، وعادت»الحلوة البلحة المقمعة»إلى أرض الوطن وعارها يلوث فخذيها لتواجة الجميع بنظرات وقحة وعيون تندب فيها رصاصة!!

      كان عدد النساء العاملات في مجال الكونترول 44 سيدة ـ حسب التحقيقات الرسمية في قضية انحراف المخابرات التي أجرها حلمي السعيد ـ معظمهن من الصحفيات ومذيعات التليفزيون وممثلات السينما والمطربات والراقصات وسيدات المجتمع وبنات الجامعة .

***

       .. وجدت نفسي في علاقة زمالة مع «حُثالة ناس قاءها زمن ردئ»؛ فكلهم تقريباً يعانون من عقد ونقائص الجهل وسلبيات النشأة الأولى التي كانوا يدارونها بالاستعلاء الغبى والإدعاء العقور، وكانت معظم مفرداتهم تحمل ألفاظ بذيئة وكلمات الجنس الفج !!، وكان الأسلوب الأمثل للتعامل معهم هو التجاهل وعدم الاعتراف والتسفية إذالزم الأمر!!

      لم يكن حال الصحافة في دار الهلال ومستوى الصحفيين بدعاً؛ فـ «روز اليوسف» القريبة من دار الهلال على ناصيتي شارع المبتديان والقصر العيني لم تكن أفضل حالاً؛ فعدد الصحفيات العاملات في مجال «نساء الكنترول» يكاد يشملهم جميعاً وهم :

       (ن. ع.)، و(م. ع.)، و(ف. م.)، و(م. ع.)، و(ف. ع.)، و(ف. س.) يضاف إلى سيدات الكونترول في «روز اليوسف» كلاً من (هـ .ح.) زوجة الصحفي (ص.ح.)، و(ف. ع.) زوجة الكاتب (ع. ط .) التي اعترفت في مذكراتها المنشورة بمجلة «حواء» أنها أقامت علاقات جنسية مع بعض الرجال لتلبية حاجاتها «البيولوجية» أثناء وجود زوجها في السجن !!.

      .. الحمد لله؛ كان على أن أتكييف مع أجواء العمل دون أن يصيبنى رزاز أوساخها أو فساد هوائها .. كنت في شرخ الشباب .. وقد مكنتي تجاربي وقرأتي الكثيرة والمتنوعة أن أكوّن منظومة قيم للتعامل مع ذلك المناخ العطن الموبوء بالعفن والنتن؛ فكنت لا أتبادل الحديث مع أحد إلا مضطراً وبقدر الحاجة، ولم أسعى لصداقة أحد ولم أسمح لأحد أن يقترب من حدود الصداقة معي، كنت أقابل الدعابات وأسئلة التعارف بالتجاهل، وكانت تعاملاتي في حدود إنجاز العمل فقط.


       ذات صباح استدعاني الأستاذ صبري أبو المجد إلى مكتبه، وبادرني قائلاً:

      ـ أنت ليه يا ابني دائماً متجهم وعبوس في التعامل مع الزملاء؟! .. دول بيقولوا أن : «وجهك لا يبتسم للرغيف السخن !!» .


     وبدون تفكير قلت :

      ـ دي ملامح وجهي، وحكاية الابتسام للرغيف السخن دي من خيالات الجياع الحالمين بـ «سوق العيش»!!

      وأضفت دون أن أترك له فرصة التعقيب:

     ـ تأمر سعادتك بحاجة ؟!

      فأسقط في يده وقال :

      ـ اتفضل .

     .. وأدركت نجاح خطتي في التعامل الحذر والمحترم والجاد ودون صدام مع «حُثالة ناس قاءها زمن ردئ».

     كنت أقضي أوقات الفراغ خلال ساعات العمل في القراءة والإطلاع على ذخائر دار الهلال الثمينة في أرشيف الصور والمعلومات والمكتبة، وأفدت منها ثروة ثقافية ومعلوماتية وحضارية هى زادي إلى الآن في الحياة ورأسمال مؤلفاتي؛ فقد تعلمتمن الأستاذ عبد الستار الطويلة أن الصحافة رسالة وعلم وفن وصناعة وتجارة، وبدون أيهم لن تنجح أو تستمر أو تلقى قبولاً ودعماً مجتمعياً  أو رضا من القائمين عليها، وأن الصحفي الناجح هو الذي يجيد تسليع منتجه الإعلامي وتسويقه والإفادة من عائده .

     .. ورغم منظومة القيم التي ألزمت نفسي بها في التعامل الحذر؛ فلم تخلو ظروف العمل من بعض المنغصات؛ فقد قال لي أحد زملاء العمل بأنه يشاع في المؤسسة أنني فرد مخابرات، وأن المخابرات العامة هي التي قامت بتعييني في المؤسسة، وقابلت الخبر بالتجاهل التام، ولم أعره اهتماماُ، لكنني بأساليبي الخاصة في الاستقصاء بدأت في تتبع مصدر الشائعة، وخلصت أن مصدر الشائعة حمدي لطفي المحرر العسكري «السكير» الذي أراد أن يصرف الانتباه عن دوره القذر في كتابة التقارير عن الزملاء وجلب الأذى لهم، بتقديم مصدر بديل يحظى بالكراهية؛ فاختلق الحكاية وألصقها بي.

     كان الموقف الثاني من الصحفية (ب . ب.) التي كانت تدرك بمشاعر الأنثى اللعوب أنني أشعر بالقرف من مسالكها، وقد تناهى إلى علمي أنها ذهبت لتقوم بدور الخادمة للسيدة زاهية أبو العطا حمودة والدة الأستاذ أسامة الباز في منزلها بالمعادي مقابل أن يدفع بها أسامة عبر صلاحياته لتصبح رئيس تحرير مجلة «حواء».. وكانت تعرف العلاقة الحميمة بين أسامة والسيدة والدته .

     ولم تفلح محاولتها تلك؛ فلم يكن أسامة الباز الطرف الأقوى في تلك الاختيارات التي كان منوطاً بها منصور حسن وزير الإعلام وحُسم الاختيار لصالح الأستاذة سعاد حلمي؛ فلم تشأ (ب . ب.) ان تخرج من المولد بيدين فارغتين فوثقت علاقتها بشقيقه د. فاروق الباز، وادعت أنها حصلت منه على انفراد صحفي بتصوير أحجار لنيزك سقطت عند سفح الهرم، والحقيقة أن صور تلك الأحجار لم تكن سوى بعض الأحجار المهملة الملقاة أسفل الهرم، والتي جري تلوينها باستخدام أسبراى الألوان الفسيفورية، كانت صور الأحجار من النماذج البدائية لاصطناع الصورة الصحفية، ونقلت وجهة نظري إلى المسئولين من منطلق إبراء الذمة، وبدلاً من أن تشغل صور الأحجار صفحة الغلاف بأكملها اكتفى المسئولون باختزالها في عنوان صغير على شريط مائل أسفل الغلاف .

     ودخلت (ب . ب.) إلى مكتبي غاضبة في ظهيرة ذلك اليوم وقالت:

      ـ على فكرة اللي ما بيحترمش زميلاته .. يبقى ما بيحترمش أمه .

     كنت كما سبق أن قلت أنني قد تعلمت درساً هاما من كتاب سن توز بعنوان :«فن الحرب»، وهو الكتاب الذي تدرسه الأكاديميات العسكرية لطلابها، وتحرص الشركات العالمية على تلقينه لوكلائها التجاريين باعتباره «إنجيل» الحرب والتجارة .. كان الدرس هو : «إذا فتح لك عدوك باباً؛ فلا تدخل منه.»؛ لذا فقد أغلقت باب الحوار قائلاً :

      ـ شكراً على النصيحة.

     والتزمت الصمت الذي طال لسنوات،.. ولم تكف (ب. ب.) عن تقديم الرشاوى الجنسية من بضاعتها الرخيصة التي أصابها الترهل للمسئولين مقابل الحصول على مزايا مهنية ومكاسب مالية؛ فقد عاودت الكرة مرة أخرى للحصول على رئاسة تحرير مجلة «حواء» بإقامة علاقة مع مسئول بالدار، وذهبت لقضاء أسبوع معه في الإسكندرية لإعادة تأسيس شقته هناك وتجديد مفروشاتها، ونافستها في تلك الوضاعة الصحفية الشابة (ن. ع.) إلا أن رئاسة الجمهورية حسمت الاختيار لصالح الأستاذة إقبال بركة .

    .. ولم يكن أمام (ب. ب.) فرصة أخرى لممارسة عهرها والحصول على الثمن؛ فقد ألقت بها أيام العمر إلى سنوات التقاعد القانوني بالإحالة للمعاش .

الرجل الثاني في المجلة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     كان الرجل الثاني في المجلة هو مدير التحرير الأستاذ فوميل لبيب وهو رجل طيب القلب .. محدود الكفاءة .. ضيق الحدود .. ضعيف الإلمام بخفايا عوالم الصحافة .. يعشق مظاهر السلطة المرضية، ويفتقد القدرة على الإمساك بمفاتيحها الحقيقية .. كان فوميل لبيب في ذيل قائمة مديري التحرير العاملين في خدمة بعض مؤسسات السلطة بعد ابراهيم عامر وابراهيم البعثي وصبري أبو المجد، وبدأت القائمة تخلو بموت ابراهيم عامر وابراهيم البعثي وترقية صبري أبو المجد إلى منصب رئيس تحرير المصور لينفرد فوميل لبيب بموقع مدير التحرير دون القدرة على الوفاء بمقضياته؛ أساءفوميل إلى مقتضيات منصب مدير التحرير وبدد هيبته في اللهث وراء مسئولي السفارات الأجنبية للترويج للمزارات السياحية في بلدانهم، وشركات السياحة المحلية لتنشيط برامجها، والدعاية لممثلات الصف الثاني عبر موضوعات صحفية أزال فيها الخط الفاصل بين التحرير والإعلان، ولم تفد منها المؤسسة .

      كان فوميل ينتهز فرصة وجود إحدى ممثلات الصف الثاني في مكتبه ليطلب عرض ماكيت المجلة عليه، ويقوم بتعنيف سكرتير التحرير أمامها دون سبب واضح في إطار حالة من حب الاستعراض «المنظرة المرضيةHysteria»، وهو الأمر الذي رفضته بشدة وتصديت له بحزم، وهو الأمر الذي حاول فوميل أن يصوره للرؤساء على أنه تجاوز لحدود اللياقة في التعامل مع الرؤساء بما يستوجب المساءلة القانونية، ولم يستطع إقامة الدليل على ذلك، ولما لم يفلح حاول أن يصور الأمر على أنه يتصرف في حدود «سلطة أبوية»، ورفضت ذلك أيضا؛ فقد آليت على نفسي ألا أتعامل مع الغير إلا برجولة وندية وألا ادخل في مهاترات مع من هم دوني ولا أتعامل معهم إلا في حدود ضرورات التعايش الاجتماعي، وأسرها فوميل في نفسه، وجاءته الفرصة على طبق من ذهب عندما التحقت بالدراسات العليا بكلية الإعلام ـ جامعة القاهرة؛ فبدأ التضييق علىّ في مواعيد حضور المحاضرات، وإحالتي للتحقيق بمعرفة إدارة الشئون القانونية وخصم مبالغ من الراتب الشهري، وعندما ناقشته في أهمية الدراسة لرفع الكفاءة العلمية والمهنية للعاملين قال :

     ـ ماذا تفيد منك المجلة عندما تصبح برفيسور دكتور؟!!

     .. كان هذا التساؤل الإنكاري يعكس فكر الرجل، ومدى فهمه لأخلاقيات العمل المؤسسي في الإدارة Ethics Of Corporation والارتقاء بالموارد البشرية، وتقدمت باعتذار للجامعة عن الاستمرار في الدراسات العليا .

مكرم محمد أحمد :
ـــــــــــــــــــــــــــــ

       ولم يستمر الحال طويلاً فمع منتصف شهر يوليو 1981 أُعلنت أنباء تغيير القيادات الصحفية وإسناد إدارة مؤسسة دار الهلال ورئاسة تحرير المصور إلى الأستاذ مكرم محمد أحمد .. كنت أعرف مكرم محمد أحمد لكنها لم تكن معرفة مشجعة؛ فقد كان أول صحفي مصري يقص شريط التطبيع الصحفي مع دولة الكيان الصهيوني، ولم يكتفي بذلك بل قام برعاية  بعض الأجهزة الأمنية بإفساد المؤتمرات الجماهيرية لبعض أطياف الصف الوطني لمناهضة اتفاقية «كامب ديفيد» والتطبيع مع الكيان الصهيوني، بعد أن سافر إلى إسرائيل مع الوفد الصحفي المرافق للرئيس السادات في أول زيارة له لإسرائيل في نوفمبر 1977، وقد شاهدت بعيني خالد محيي الدين رئيس حزب التجمع وهو يمسك بعنق مكرم محمد أحمد ويتوعده إذا سولت له نفسه محاولة إفساد المؤتمر الذي يعقده الحزب لمعارضة إتفاقية «كامب ديفيد».

     عدها سافر مكرم محمد أحمد إلى إسرائيل في زيارة لمدة أسبوعين أجرى خلالها حوار مع مناحم بيجن نشرته الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 10/2/1980 بعنوان: (أسبوعان في إسرائيل حوار ساخن في مكتب بيجن رئيس الوزراء).قال بيجن أنه ومكرم تحدثا في هذا الحوار كأصدقاء،وأشادمكرم بالترحاب الشديد الذي لاقاه من بيجن ومستشاريه الذين حضروا الحوار .

      .. ونقل مكرم رسائل بيجن إلى الشعب المصري ومنها:

      (لنا حق الاستيطان في يهودا والسامرة أي في الضفة الغربية وقطاع غزة لأنهما من أرض إسرائيل كما جاء في التوراة)، و(لن نقبل بإقامة دولة فلسطينية، لأنها سوف تكون قاعدة للسوفييت) .. كل هذه الأكاذيب وغيرها رددها مكرم محمد أحمد على صفحات الأهرام نقلاً عن بيجن دون أن يفندها أو يفضح كذبها .. بل واختتم مكرم حواره مع بيجن قائلاً: (بيجن يستحق احتراماً مصرياً كافياً) .

     نُشر الحوار ومعه صورة لرئيس وزراء الكيان الصهيونى الذى وضع نعل حذائه فى مقابل وجه مكرم الذي جلس فى ذلة أمام سفاح دير ياسين قاتل الأطفال، لينقل رسائله الوقحة إلى الشعب المصرى، وينقل رسالته البصرية التي حملتها الصورة إلى الصحافة المصرية !!

     وتقمص مكرم دور الداعية والمُنظر لفكر التطبيع فعلى الصفحة السابعة من جريدة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ يوم الثلاثاء 26 / 2 / 1980صباح اليوم الذي تم رفع علم الكيان الصهيوني في قلب القاهرة، وسلم فيه إلياهو بن اليسار أوراق اعتماد إلى الرئيس السادات كأول سفير كتب مكرم على صفحة كاملة مقالاً بعنوان:

    (أول أيام التطبيع والأخطار الواهمة التي يراها الرافضون لمسيرة السلام) جاء فيه :

    (الواهمون فقط، هم الذين يرون أن تطبيع العلاقات سوف يلحق أفدح الأضرار بالمصالح الحيوية لمصر)، ولم يفوت مكرم الفرصة لتسفيه الرافضين للتطبيع، وتسفيه منطقهم قائلاً :

    (منطق لا يستند إلا على زخرف الكلمات، وعندما تحاول أن تبحث عن مدلول لهذه الكلمات، فإنك لا تجد تحت القبة شيخاً، ولا عفريتاً، وإنما تجد فقط الخواء) .

     وقد شاهدت مكرم محمد أحمد في انتخابات نقابة الصحفيين في يوم الجمعة 3 مارس 1981 وهو يأتي أفعالاً لا تليق لصالح مرشح الحكومة صلاح جلال، ويرقص بعصا يُرهب بها أنصار المرشح المنافس على سلم النقابة، وبعد إعلان فوز صلاح جلال دعى المؤيدين لشرب نخب النصر على حساب الحكومة في بار «الكاب دور».

     كان الصديق الوحيد لمكرم محمد أحمدفي نقابة الصحفيين هو الأستاذ فاروق عبد السلامتجمع بينهما «جلسات السكر»في ركن من حديقة النقابة ونفور الزملاء، وللأستاذ فاروق عبد السلام قصة طريفة .

    كان الأستاذ فاروق عبد السلام الذي أصبح رئيس تحرير مجلة «الإذاعة والتليفزيون» في التسعينيات من القرن الماضي من ظرفاء «أهل الكيف»، .. وحدث في الستينيات من القرن الماضي حين كان المد الناصري في أوج تلاطم أمواجه أن ألمت بالأستاذ فاروق عبد السلام ضائقة أعجزته عن شراء أردئ أنواع المُسكرات التي اعتادها .. وكاد أن يجن!!

       .. كان الأستاذ فاروق عبد السلام يعمل آنذاك محرراً في مجلة «أخر ساعة»، وكان يعاني أزمات كثيرة ومتنوعة تنبئ عن خلل مزمن في أحواله المالية، لذا أطلق عليه اصدقاؤه صفة : «القشلان» أي المُفلس  .. وكان الأستاذ فاروق يعتبر لفظة «القشلان» توصيفاً لحاله، وليست قدحاً في شخصه .

     ضاقت الحالة بـ «القشلان» .. خاصة بعد أن امتنع أصحاب البارات عن تقديم المشروبات له «ع .. الطباشيرة» .. وكانت «الطباشيرة» نظام معمول به في المقاهي البلدية، وحانات البوظة والخمارات والبارات حيث يقوم القهوجي أوالخمّار أو البارمان بقيد مديونيات الزبائن المؤجلة الدفع بقطعة من الطباشير على سبورة بجوار المشربية (النصبة) أو البار، .. وتفتق ذهن «القشلان» عن  حيلة تحقق له الغاية لحين ميسرة؛ فذهب مسرعاً إلى الأستاذ جميل عارف مدير التحرير، وأسر في أذنه ببضع كلمات، أخرج على إثرها الأستاذ جميل ورقة من درج مكتبه، وكتب أمراً إلى خزينة المؤسسة بصرف مبلغ 50 جنية للأستاذ فاروق تحت حساب نفقات مهمة صحفية في أسوان، وقال له وهو يودعه:

        «ما تنساش تبعت لي الصور مع أول طائرة .. وسيتولى محرر آخر ومصور تغطية الحدث في منطقة الجيزة «

    .. قبض «القشلان» الخمسين جنيها وذهب ليروي ظمأه من «منقوع البراطيش» في بار «شينو»، وليسد رمقه من مشهّيات الخمر .. وفي الصباح لم يكذب الأستاذ جميل الخبر وأرسل محرراً ومصوراً إلى منطقة أهرامات الجيزة .. لكنهما سرعان ما عادا ليبلغاه بأنه لا شئ هناك !!

    .. وأدرك الأستاذ جميل عارف أنه سقط ضحية لأحد مقالب «القشلان» ، وراح يبحث عنه في بارات وسط البلد، .. وبعد يومين ظهر «القشلان»  في صالة التحرير .. وأمسك الأستاذ جميل عارف برقبته، وراح يصرخ بأحط الألفاظ ورذاذ لعابه يتناثر من فمه، وهو يلعن أباه، ويشتم أمه، ويسب جدوده الأقربين، والأبعدين، وكل من له صلة به، أو بتربيته وسط ضحكات الصحفيين الذي علموا بحقيقة الأمر!!

      كان «القشلان» قد أسر للأستاذ جميل عارف بأنه قد علم من مصادره الخاصة أن ثمة مشروع ضخم تجري دراسته سراً لنقل هرم خوفو من الجيزة إلى أسوان بالطريقة التي تنقل بها معابد فيلة ليأخذ مكانه بجوار السد العالي .. وأن المشروع سيتم الترويج له سياحيا في المستقبل القريب حيث يجري بعد إتمامه استجلاب الوفود السياحية من مختلف بلدان العالم ليشهدوا الإنجاز المصري العملاق الذي جعل الصرحين الأشمين متجاورين في مشهد يعكس شموخ الماضي وعظمة الحاضر، ويتم إضفاء المؤثرات عليه ضمن مشروع «الصوت والضوء» .. هرم «خوفو» إلى جوار سد «ناصر».

     بلغ الأمر مصطفى أمين فراح في نوبة ضحك، وأخذ جسده الضخم يهتز حتى كاد أن يسقط من على كرسية، .. وراح يستعيد الحكاية من أكثر من طرف، وفي كل مرة يسقط في دوامة من الضحك .. ثم استدعى الأستاذين جميل عارف وفاروق عبد السلام «القشلان» وسمع منهما واستغرق في نوبة من القهقهة .. ثم صمت .. وأخذ يدق بقبضته زجاج مكتبه .. وانتظر الجميع حكم الأستاذ .. قال مصطفى أمين :

     (يتم اعتبار مبلغ الخمسين جنية التي صرفها الأستاذ فاروق عبد السلام مكافأة «بدل ابتكار» لأنه لو صح ما تخيله لكان سبقاً صحفياً رائعاً تحسدنا عليه صحف العالم، .. ويُصرف مبلغ مائة جنية للأستاذ جميل عارف لأنه من المفترض أن تكون ثمة ثقة بين مدير التحرير وزملائه المحررين، وحيث أن الأستاذ فاروق عبد السلام أساء إلى تلك الثقة بدعابة ضايقت مدير التحرير بما يستلزم تعويضه عنها؛ بما يجعله مستحقاً لمكافأة «بدل حرق دم»!!

        وخرج جميل عارف وفاروق «القشلان» من مكتب مصطفى أمين «صافي يالبن .. وحليب يا قشطة».

***

       في سنوات الدراسة بآداب القاهرة لم يكن لمكرم صديق سوى الأنسة بهيرة مختار التي جمعته بها مساحة من الألم الاجتماعي؛ فمكرم ابن لصناع قباقيب «نعال خشبية» فقير بعزبة المغربي مركز منوفـ محافظة المنوفية، وبهيرة هى ابنه أنيسة مصطفى «أنوسة المصرية» عالمة شارع محمد على، التي حكىفيلم «خللي بالك من زوزو» بعضاً من قصتها نقلا عن «مذكرات حسن الإمام» الذي كان يسكن غرفة فوق سطوح العمارة التي تسكنها في شارع محمدعلى.

***

     جاء مكرم محمد أحمد فى أول يوم عمل فى «المصور» فى عز حر يوليو أو كما يقول العامة «في شرد بؤنة»مرتدياً بدلة شتوية كالحة اللون من طراز عفى عليه الزمن وتجاوزتهاموديلات الأناقة .. كان مظهره صادماً، وأثار هندامه الرث استياء الجميع، ومع أول يوم بدأ بمظلة حماية من الرئيس فى إهانة كبار الصحفيين وتهميشهم ضمن خطة «تلجيم الجياد»، وتحطيم  شباب الصحفيين بتنفيذ سياسة «قتل الأجنة الموهوبة» فى العمل الصحفى؛ عبر التجاهل والتسفية، وعدم الاعتراف كما جعل الأولوية لمعيار الولاء لا لمعيار الكفاءة !!

      كانت كل الرسائل تحمل في طياتها معاني «الإرهاب» بعد أن غسل كبار الصحفيين أيديهم من سياسات السادات المراوغة، وتردت الأحوال الاقتصادية التي أدت إلى «انتفاضة الخبز» التي يصر السادات على تسميتها «انتفاضة الحرامية»، وحالة الغموض الذى يحيط بالكثير من بنود اتفاقية كامب ديفيد، وما ينشر في الإعلام الغربي عن ملاحق سرية للإتفاقية إضافة إلى هجوم «الصحافة المهاجرة» في أوربا على سياسات السادات .. وأصبح السادات موضوعا للنكات والنوادر من صغار الصحفيين فى حديقة نقابتهم، والتي كانوا يطلقون عليها : «الأضاحيك» تيمناً بالجبرتي في وصفه لسخرية المصريين من نابليون، وهو ما لم يعد يتحمله بعد الهالة التى أحاطه بها الإعلام الوطنى بعد حرب أكتوبر، والأساطير التى نسجها حوله الإعلام الغربى المملوك للصهاينة بعد زيارته لإسرائيل، وزاد من مرارة السادات فشله فى تحويل نقابة الصحفيين إلى نادٍ، وأنه فوجئ بالمعارضة الشرسة لمرشح الحكومة في نقابة الصحفيينوالذي فاز بفارق صوت واحد رغم كل ما بذلته الدولة من الوعد والوعيد !! .. وبَّخ السادات وزير إعلامه وطلب منه أن يترك له الأمر؛ وأنه بنفسه سيختار القائمين على إعلامه على عينه .. وكانت تلك الاختيارات التي جاء من ضمنها مكرم !!

     .. أتى مكرم محمد أحمد إلى دار الهلال محملاً بالقيم الرخيصة، والمفاهيم الدونية،والألفاظ الوضعية، والإشارات البذيئة بالأيدي والأصابع للطبقة التي جاء منها من أسفل السلم الاجتماعي، وزاد من تدنيهقلة القيمة وفقدان الاحترام في الوسط الصحفي.

الدفاع عن حل مجلس
إدارة نقابة المحامين :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    عابت نقابه المحامين على الرئيس السادات إصداره لما أسموه «القوانين سيئة السمعة»، وجاءت معارضة اتفاقية كامب ديفيد لتزيد الفجوة اتساعاً ولم ينجح الرئيس السادات في احتواء المعارضة الشرسة للمحامين سواء بإثارةالفرقه بينهم واستقطاب محامين الاسكندريه لصفه وإصدار قانونا بعمل يوما للمحامين بالاسكندريه، ولما لم يفلح قام بإرسال رسالة إلى رئيس مجلس الشعب بالتحقيق في الأمور التي نسبها إلى مجلس نقابة المحامين من تجاوزات لدائرة العمل النقابي السليم واتخاذ مواقف تجافي الصالح العام، وقرر مجلس الشعب في 13 يوليو سنة 1981 تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في موضوع هذه الرسالة، وبعد التحقيق المنحاز لوجهة نظر الرئيس قام بإصدار القانون 125 لسنة 1981 بشأن تنظيم العمل بالمحاماة، وهو القانون التي حكمت المحكمة الدستورية العليا لاحقاً بعدم دستوريته، ..وأصدر وزير العدل قرارين أحدهما بحل مجلس نقابة المحامين والثاني بتشكيل مجلس مؤقت للنقابة برئاسة د. جمال العطيفي « نقيباً» وعضوية 35 عضواً يختارهم وزير العدل من بين رؤساء وأعضاء النقابات الفرعية للمحامين ومن غيرهم من المحامين المشهود لهم بالكفاية وخدمة المهنة... ويكون لمجلس النقابة العامة بموجب قانون المحاماة.... كما يكون للنقيب المؤقت جميع الاختصاصات المقررة لمجلس النقابة العامة بموجب قانون المحاماة... كما يكون للنقيب المؤقت جميع الاختصاصات المقررة للنقيب .

     وكتب مكرم أول مقال له في «المصور» في تبرير ما فعله الرئيس مع الإشادة بحكمته في قيادة سفينة الوطن، وأعجب الرئيس بأباطيل مكرم وقدرته على الموالسة والتدليس والمرواغة والمكابرة وخلط المفاهيم وإلباس الباطل ثوب الحق وإكساب الأكاذيب مظهر الصدق وإدخال الغش على القراء، والتلاعب بوعيهم، .. واستشعر الرئيس السادات أن اختياره قد صادف أهله !!

التصريح الرئاسي
بنهب المـال العام :
ـــــــــــــــــــــــــــــ

     وتصادف مع الأيام الأخيرة من نفس الشهر أن دعى الرئيس السادات رؤساء التحرير وقيادات الحزب الوطني لحفل إفطار رمضاني بمقر إقامته في المعمورة بالإسكندرية، وذهب مكرم محمد أحمد إلى بمظهره المزري وهندامه الرث الذي أتى به دار الهلال في أول يوم عمل، وفاجأ الرئيس السادات الجميع بتوبيخ مكرم على مظهره المزري قائلاً :

    ـ أيه ده يا مكرم، مش عارف تلبس كويس يا ابني .. أنا مديك مؤسسة كبيرة .. أنا محبش حد شغال معايا يبقى تعبان ولا مظهره وحش .. تيجي المرة الجاية لابس كويس، وبمظهر لائق برئيس تحرير يعمل معى .

   كان هذا تصريح رئاسي لمكرم بنهب أموال المؤسسة وتجريف مواردها، وكان أول ما فعله مكرم تهميش دور مجلس الإدارة وتجميد أنشطة الجمعية العمومية وتسفية أداء اللجنة النقابية،ولضبط الأداء الصحفيفي مجلة «المصور» بما يتوافق مع نبض الأداء الأمني استقدم مكرم بعض المتعاونين مع جهات أمنية وأسند إليهم وظائف صحفية وكان من أبرزهم هؤلاء جمال الألفي الذي أخفي رتبة اللواء وراء درجة «الدكتوراة»، واستكتب آخرون في القسم الخارجي ومنهم : محمد وهبي وإيناس نور وفريدة الشوباشي ورضا حماد وسامي عمارة وسناء السعيد ودسوقي سعيد ومصطفى عبد الله .

    .. وبدأ يوثق علاقاته بأجهزة الدولة التي راحتتستخدمه في بعض المهام الخاصة بغطاء ومظلة العمل الصحفي .

     وبدأ يوثق علاقاته ببعض القيادات المؤثرة في مواقع السلطة؛ ففي ذات مساء دق جرس التليفون في مكتبه وكان المتحدث هو (م.ع.ج.) أحد كبار المسئولين، وكان يطلب من مكرم أن يتولى عن طريق محرري مجلة «الكواكب» تدبير أمور إحياء حفل زواج ابنته عن طريق المشاركة المجانية لبعض المغنين والمغنيات والراقصات .

     وأمر مكرم الأستاذ سيد فرغلي نائب رئيس تحرير «الكواكب» بتولي الأمر، وقد قام فرغلي بإتمامه على أكمل وجه .
     .. بعدها تم تعيين ابن الراقصة سهير حسن الشهيرة بـ «هياتم»، وابن مدير تحرير الكواكب (ي . ف .)، وابن (ع. ع.) الصحفي بمجلة «المصور» في وظائف حساسة !!

     .. هكذا رأيت أساطين الرجال على حقيقتهم عندما يبتلون بـ «فتنة المال»، ويمتحنون بـ «عرض الدنيا»،.. وعرفت كيف تدار الأمورفي الخفاء!!

«خديعة اليمن»
.. وحكم الإعدام :
ـــــــــــــــــــــــــــ

      ظل مكرم محمد أحمد يزهو ويفاخر طوال حياته بواقعة الحكم عليه بالإعدام في اليمن في الستينيات من القرن الماضي، ويعتبرها إحدى العلامات المضيئة في تاريخه الصحفي «المزعوم»، ويرجعها إلى شجاعته في الحق وبحثه الدؤب والجاد عن الحقيقة حتى لو كلفه حياته ذلك دون أن يذكر «القصة المخزية» وراء الحكاية.

    .. كان وراء الأكمة جرماً أخلاقيا وصحفيا ارتكبه مكرم لا يليق بمحرر عسكري مصاحب للقوات المسلحة المصرية في حرب اليمن بما استوجب محاكمته عسكرياً والحكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص، ولم ينقذه من الموت سوى تدخل محمد حسنين هيكل لدى الرئيس عبد الناصر لعدم التصديق على الحكم والعفو عنه، لم يكن الأستاذ هيكل يختلف كثيراً عن تلميذه «الفتى مكرم»؛ فقد أهدى هيكل عميل المخابرات الأمريكية إسرائيل أخطر معلومة في حرب 1967 عبر مقاله في عدد جريدة الأهرام رقم 29386 الصادر في 26 مايو 1967 بعنوان : «الصدام بالسلاح محتم .. لماذا؟!»، والذي أعلن فيه استراتيجية مصر في الحرب على الملأ، وأنها لن تبدأ بالضربة الأولى .

     وترجع الحكاية إلى أن مكرم تودد إلى أحد ضباط المخابرات الحربية المصرية في اليمن حتى اكتسب صداقته بقصد الاحتيال عليه والغدر به .. كان ذلك الضابط يعاني متاعب مثل غيره من الزملاء من مختلف الرتب نتيجة صعوبة توافر المعلومات الكافية عن أرض القتال، وعدم وجود خرائط دقيقة لدرجة أنهم كانوا يستعينون بالخرائط المطبوعة في كتب الجغرافيا المدرسية، وكم الخسائر الهائلة في الأرواح والمعدات والأموال والذهب الذي يدفع لشيوخ القبائل لتخفيف الضغط على القوات المصرية؛ فقد كان رجال القبائل يذبحون الجنود ويتركون جثثهم بغير رؤوس لتعود في صناديق إلى مصر لتدفن تحت حراسة الجنود .. كانت حرب اليمن بالنسبة للقيادة السياسية المصرية أقرب إلى «المغامرة الصبيانية» منها إلى أي شئ آخرمما حدا بالمشير عبد الحكيم عامر إلى القول: «اليمن دي مش بلاعة فلوس .. دي خرارة!!»، بينما كان العدو الحقيقي يمتلك الخرائط المجسمة في غرفة عمليات في العاصمة البريطانية لندن يديرها روبرت كومر مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، ويدير الخبراء العسكريون الإسرائيليون العمليات على الأرض،  وانتهز مكرم الفرصة وأخبر ذلك الضابط أن لديه زجاجة خمر أحضرها أحد الأصدقاء من القاهرة، وأنه يمكنهما قضاء سهرة ممتعة ينسيان خلالها متاعب اليمن والميدان القتال والدم، وفي جلسه السكر وتحت تأثيره راح ذلك الضابط يهذي بالكثير من الأسرار.

     .. وفي سقطة أخلاقية وصحفية لم يكذب مكرم الخبروكتب ما آل إليه بطريق «الخديعة الاحتيال»، وضمنه رسالته الصحفية لينشر في جريدة «الأهرام» بدون تصديق جهة الاختصاص حسب العرف العسكري؛ لتصبح معلومات مجانية تضر بقواتنا في اليمن، ولا تفيد إلا الأعداء .

الدفاع عن جـــرائم
التعـذيب الممنهج  :
ـــــــــــــــــــــــــــــ

    بعد اغتيال الرئيس السادات كتب مكرم محمد أحمد مقالاً في «المصور» دفاعاً عن جرائم «التعـذيب الممنهج» التي ترتكب بحق المتهمين ضمنه ما معناه أن المؤامرة كانت في حجم جبل الجليد الجزء اليسير هو الذي يطفو فوق الماء ويظهر للعيان والجزء الأكبر هو المخفي تحت الماء .. وكان لابد من بعض الإجراءات الاستثنائية لاستنطاق هؤلاء.

     كان هذا المقال من أهم الحيثيات التي اتخذها  تنظيم «الناجون من النار» ذريعة لمحاولة اغتياله، وكان التعـذيب الممنهج الذي تم بحق هؤلاء المتهمين هو سبب إصرارهم على اغتيال اللواء حسن أبو باشا مدير مباحث أمن الدولة ـ آنذاك ـ والذي أصبح فيما بعد وزيراً للداخلية، والذي يزعم المتهمون أنه داس بقدميه على المصحف الشريف أثناء التحقيق معهم .. بينما أصر أبو باشا على الاعتصام بإنكار الواقعة، وغيرها من وقائع التعذيب.

الحصانة البرلمانية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

       .. وتمت مكافأة مكرم بتعيينه عضوا في مجلس الشورى، وتحت مظلة «الحصانة البرلمانية»، وبرعونة الآمن من المساءلة راح يرتع في دار الهلال يستبيح مواردها وينكل بكل من يعترض طريقه، وأخذ منفرداً في اتخاذ إجراءات تحوطها شبهة مخالفة القانون منها:

     ـ فك الوديعة التي تركها أولاد زيدان وقدرها 7 مليون جنية، وتبديدها (كان سعر الدولار وقت ربط الوديعة 32 قرش) بالمخالفة لشرط الإيداع، ألا يتم فك الوديعة إلا في حال حدوث كارثة تُلمبمطابع المؤسسة يصعب تفادي أثارها، أو أرتفاع أسعار الورق بشكل مبالغ فيه بما يشكل فجوة كبيرة بين تكلفة المطبوع وسعر البيع !!؛ .. وشكل فك تلك الوديعة مأزق قانوني جاء حريق إحدى ماكينات الطباعة بمثابة طوق النجاة منه؛ بما جعل ذلك الحادث ينطوي على بصمات الشبهة الجنائية.

     ـ الاستدانة من البنوك وتوريط دار الهلال في شراء ماكينات طباعة من طراز قديم ويعلوها صدأ ظاهر ولا يوجد لها قطع غيار وبقيمة أقل من قيمة القرض الذي حصل عليه لهذا الغرض من البنك الأهلى (20 مليون جنية.).

    ـ التفريط في أصول دار الهلال (أرض عين الصيرة ـ أرض وسط البلد.).

    ـ عدم تسليم أموال قيمة عقد مطبوعات الريان ( 10 مليون جنية ) لأجهزة التحفظ وإدارة ورد أموال المودعين!!

     ـ عدم القيد الدفتري لقيمة الهدايا والتبرعات التي حصلت عليها دار الهلال بمناسبة العيد المئوي للدار 1992.

وظهرت أمارات الثراء على مكرم فارتدى البدل الأنيقة السنييه من موديلات بيوت الأزياء العالمية وركب السيارات الفارهة واقتنى الشقق الفاخرة في الأحياء الراقية بالقاهرة والإسكندرية، وأصبح من ملاك العزب والقصور والشاليهات الفاخرة في مصايف الأثرياء في مارينا وشرم الشيخ .

استقبال الإسرائيليين
في دار الهــــــــــلال :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     وفي أبريل 1984 ودون مرعاة لمشاعر العاملين أو سكان شارع المبتديان الذين استرعى انتباههم الخدمات الأمنية المكثفة فيالشارع أمام دار الهلال .. استقبل مكرم محمد أحمد في مكتبه عدداً من الإسرائيليين من أعضاء «حركة السلام الآن» الإسرائيلية، وهم: يورام ابن بورات، وجانيت أميجاد، وموسى ابن آرتس، ودادا ابن شتريت وشمعون شامير رئيس المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة الذي يعد «وكر الجواسيس»، وقد نشرت مجلة «أكتوبر» الخبر في عددها الصادر يوم الأحد 29 أبريل 1981.

      وقد استشهد د. عبد المنعم سعيد بتلك الواقعة عندما استدعاه مكرم محمد أحمد للتحقيق في نقابة الصحفيين فيما هو منسوب إليه من اتهام باستقبال إسرائيليين في مكتبه بجريدة الأهرام، وسخر من أداء مكرم واتهمه بـ «فقد الذاكرة» و«عدم التدقيق» و «فقدانالانضباط»، ولم يمثل أمام لجنة التحقيق إلى الأن .. بينما تمت معاقبة د. هالة مصطفى بعقوبة «لفت النظر»، وحسين سراج بـ «تعليق عضويته النقابية لمدة 6 شهور» .

      .. واحترف مكرم محمد أحمد أساليب عديدة لطلب الدعم الحكومى؛ وكان يحوِّل أكثره إلى حساباته الشخصية؛ وضاق المسئولون ذرعا بمطالبه التى لا تنتهى وجشعه الذى لا آخر له؛ فقد كان حريصا على إفراغ خزينة الجريدة من كل مليم يدخلها من إيرادات بصرف بدلات لسفريات وهمية وعمولات لأعمال لم تتم؛ فأصبحت الخزينة خاوية وعجزت عن  سداد أثمان الورق والأحبار للموردين، فامتنعوا عن التوريد فخلت المخازن من مستلزمات الإنتاج وأصبحت المطابع مهددة بالتوقف؛ ولم تفِي الجريدة باستحقاقات العاملين من تأمينات وضرائب وعلاج؛ فاجتمع العاملون وقرروا الدخول إليه للمطالبة بحقوقهم؛ استقبلهم مكرم محمد أحمد بقرف ساخراً من مطالبهم،وشد نفساً عميقاً من أنفه وأخرجه من فمهمحدثاً صوتا بذيئاً تُجيده العاهرات كإحدى وسائل ترويج بضاعة الزنا؛ ولم يكتفِ بذلك بل أشار بأصبعه إشارة لا تخلو من بذاءة وسوء خلق .

    قابل العمال استفزازات مكرم محمد أحمد ببرود مصرِّين على أخذ الحق، وهو حرفة لا يُجيدها إلا العقلاء، وأمام إصرارهم فقد مكرم محمد أحمد أعصابه فسبهم بأقذع الألفاظ وهددهم باستدعاء مباحث أمن الدولة .. لم يحرِّك العمال ساكناً، ولم يرتعش لهم جفن، وأجابوه :

      ـ نتحداك أن تفعل؛ نحن الشرفاء  أصحاب الحق؛ وأمن الدولة لأمثالك من اللصوص، ونحن معتصمون، ولن نبرح المكان إلا بعد أخذ حقوقنا كاملة .

    استشاط مكرم محمد أحمد غضباً؛ فنهض من على مكتبه وهو يفك أزرار سرواله فى إشارة وقحة إلى عورته، وهمهم بكلمات غير مفهومة تآكلت حروفها؛ وأتى بحركة لها دلالتها الوضيعة .

     ردّ العمال بغضب: كلنا رجال وليس بيننا لوطي أو عاهرة  يا حرامى يا (...) يا بن ( ...) .

      فقد بعض العمال أعصابهم، وحاولوا الهجوم عليه، بينما علت حناجر الآخرين  بصياح زفة التجريسة :

    ـ «الحرامى أهو ..  الحرامى أهو ..» .

     هرب مكرم محمد أحمد من مكتبه كالفــــأر المذعــور، ولاحـقه العمـال على ســلالم المؤسسة، ورموا به مثل كيس قمامة إلى رصيف الشارع، فى سابقة لم يشهد مثلها تاريخ جريدتنا، ولم يشهد سكان شارع المبتديان لها مثيل.

    .. وكانت النهاية؛ فقد استشعر المسئولون الحرج، وصدر قرار إعفاء مكرم من رئاسة دار الهلال ورئاسة تحرير المصور .

     وبعد خروج مكرم من دار الهلال ، تولى خلفه الأستاذ عبد القادر شهيب توفيق أوضاعه، وتسوية مخالفاته المالية،وإسدال الستار على تجاوزاته الإدارية؛ بأن دعى «الجمعية العمومية لدار الهلال» في 2005 وأقنعهم بالموافقة العمياء على 24 ميزانية لـ 24 سنه في جلسة واحدةعن سنوات مكرم محمد أحمد بزعم غلق صفحة الماضي، ونال أعضاء الجمعية العمومية مقابل تلك الموافقة مكافأة مالية قدرها 200 جنية لكل منهم، ووجبة كفتة من أحد المحلات الرخيصة بحي السيدة زينب.

    .. وسار عبد القادر شهيب على نهج مكرم في الإدارة بالتفريط في بعض أصول المؤسسة (أرض حدائق القبة) لسداد مديونيات قديمة ودفع أجور العاملين، ولم يقدم جهداً صحفياً يرقى إلى مستوى التقييم، وأخفق في الارتقاء بالمطبوعة، وجعلها قادرة على المنافسة !!

     .. ولم يتعلم مكرم الدرس؛ فما حدث له في دار الهلال حدث معه في نقابة الصحفيين أثر قيامه باستفزاز الصحفيين بتصريحات غير مسئولة .. كان الصحفيون مكلومين بمقتل زميلهم الأستاذ محمد محمود برصاص قناصة الشرطة أثناء ثورة 25 يناير 2011، وجاءت تصريحات مكرم لتزيف الحقائق بمغالطات مفضوحة، وراح يصب الزيت على النار فأهانوه، وطردوه شر طردة!!

       .. وبعد فشل ثورة 25 يناير 2011 شأن كل الثورات التي لم تكتمل تم استخدام مكرم في بعض أحداث «الثورة المضادة»، وإعادة تدويرة بوضعه على رأس «المجلس القومي لتنظيم الإعلام» أحد القيود على حرية تداول المعلومات والذي أعاد الحريات الدستورية إلى الوراء إلى ما يقرب من 7 عقود مضت .

     رغم بذاءة مكرم في التعامل مع الزملاء إلا أنه كان يتفادى الاصطدام بي، رغم التفافه الدائم في الخفاء للإضرار بي وظيفياً ومالياً ، وسأحكي هنا ثلاث حكايات هى :

1 ـ حكايتي مع الوزير الكفراوي :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      لم يعد السكن في حجرة في بيت السيدة الفاضلة أم مسعود في الجيزة مناسباً، ولم استطع بما ادخرته من أموال الحصول على سكن مناسب في ضوء انخفاض المعروض من شقق الإيجار، وانتشار ظاهرة التمليك وبدعة «النصف تمليك» و«الربع تمليك»، وبمناقشة الأمر مع صديقي الأستاذ محمد رأفت (يرحمه الله) محرر شئون الإسكان بجريدة الجمهورية اقترح علىَ الحصول على شقة بإحدى المدن الجديدة في مدينة 15 مايو حيث أن مداخراتي المحدودة تسمح لي بذلك، وسعى الرجل في إجراءات تخصيص شقة لي بموجب خطاب من نقابة الصحفيين، وظللت أدفع ربع راتبي الشهري الشامل أقساطاً لتلك الشقة المزعومة قبل استلامها بثلاث سنوات ونصف تقريباً، وعندما حان وقت الاستلام لم أجد ما يمكن أن يطلق عليه على سبيل التجاوز أنه «شقة»؛ فلا أبواب وطلائات ولا سباكة ولا كهرباء!! .. وأمام عقود الإذعان الحكومية والتي لا ترتب حقوقاً للمواطن تجاه الجهات الحكومية عندما تسرق أو تخون أو تخل بتعهداتها اضطررت لاستلام ما يفترض كونه «شقة»، ومحاولة إعدادها للسكنى بقدر الإمكان !! .. لتبدأ معاناة جديدة مع وسائل المواصلات وانقطاع المياه لفترات طويلة تصل إلى بضع أسابيع وانقطاع الكهرباء لعدة أيام وغرق المدينة في مخلفات الصرف الصحي وندرة منافذ الحصول على الاحتياجات المعيشية .

      .. ومن شدة الغيظ كتبت مقالاً نشر في صفحة الرأي بالمصور عن معاناة سكان المدن الجديدة،  وقلت فيه بالحرف الواحد أن الحكومة تسرق الفقراء مرتين: مرة بالتكلفة المبالغ فيها لأسعار الوحدات، والمرة الثانية: بإنقاص الخامات المفترض استخدامها في البناء واستبدالها بخامات وأدوات رخيصة وشديدة الرداءة، وحمَّلت الوزير حسب الله الكفراوي المسئولية عن تلك المخالفات والسرقات!!

    وغضب الوزير الكفراوي وأسرع مكرم محمد أحمد يسترضيه، وأرسل محرراً ليجري معه حوارا نشر على ثلاث صفحات  تحدث فيه عن إنجازاته الوهمية و«المزعومة»، ومنحه مكرم فوق «البيعة» وعلى سبيل «البقشيش» لقب: «خوفو مصر الحديثة» في عمود صحفي كتبه بنفسه ووقعه باسم «المصور»، ولم يعنيني الأمر وأنا أرى صحيفتي تخزلني؛ فقد قلت ما عندي بأمانة وصدق، وأصاب ما قلته الهدف في مقتل!!، وكل ما سيقال بعد ذلك محض تدليس لحفظ ماء الوجه ورعاية المصالح المتشابكة.

     في الأسبوع التالى كنت أصلي الجمعة في أحد مساجد المدينة، وكان الكفراوي يصلي الجمعة بنفس المسجد، وبعد انتهاء الصلاة اشار أحد موظفي جهاز المدينة إلى الكفراوي قائلا :

ـ هوا ده الصحفي ياسيادة الوزير .

    واندفع الكفراوي نحوي مثل الجمل الهائج والزبد يخرج من فمه، ورزاز لعابه يتناثر مع كلماته الغاضبة في مشهد منفر ومثير للإشمئزاز، ووكزني بعنف في كتفي ووصفني بـ «قلة الأدب».. لم أنطق بحرف، ولم أفعل شيئاً؛..فمثل هذه المواقف لا تؤمن عواقبها مع تواجد التجمعات البشرية التي تسودها روح القطيع، فقط نظرت إلى قائد الحرس؛ وتفهم الضابط الشاب مغزى نظرتي؛ فنظر إلى الكفراوي وقال بحزم :

   ـ اتفضل يا سيادة الوزير !!

     ورحت أقارن بين كياسة ورقة وعذوبة د. مصطفى كمال حلمي وحماقة وهمجية و «سوقية» الوزير الكفراوي، لم يكن الكفراوي «خوفو مصر الحديثة» وهو اللقب الذي صكه مكرم وتداوله محررو الوزارة المرتشون من تخصيص الشقق لهم بغرض الاتجار،والمتكسبون من أموال عمولات الإعلانات؛ فقد ارتكب الكفراوي إضافة إلى جرائمه السابقة أبشع جريمة في حق مصر باختيار مسار «ترعة السلام» في سهل الطينة المتجدد الملوحة؛ فلم يفد منها أحد من أهل سيناء بشربة ماء أو زراعة شجرة زينون واحدة !! .. هكذا أُسقطت سيناء بين مخالب «الإرهاب الأسود».

     .. وصدقت كل كلمة كتبتها؛ فقد كشفت تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات الكثير من الفضائح وقضايا الفساد المسكوت عنها في المجتمعات العمرانية الجديدة ممثلة في الاعتداء على المال العام والنهب المنظم له لصالح كبار المسئولين، وتقدر أموال هذه الاعتداءات بالمليارات فى المدن الجديدة مثل مدينة 6 أكتوبر و15 مايو والعبور والشروق والعاشر من رمضان بتخصيص أراضى الدولة المرفقة من أموال الفقراء بالمخالفة للقانون ودون اتباع اللوائح العقارية والمالية فى عملية التخصيص، ودون سداد مستحقات الدولة من جراء عمليات تخصيص تلك الأراضي .

2 ـ حكايتي مع عائشة صالح :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   جاءت الأستاذة عائشة صالح إلى مجلة «المصور» بعد خلاف مع أنيس منصور في مجلة «أكتوبر».. تميزت عائشة صالح بقدرتهاعلى كتابة أروع «بروفيل  صحفى» فى الصحافة العربية بأرشق عبارة وأدق لفظ فى سياق يجمع بين العفوية والعذوبة؟!؛ فصارت كاتبة لها مذاق خاص ونكهة فريدة .

      وحدث أن وقعت عائشة صالح في أزمة بعد أن أجرت حوار صحفياً مع الممثل عادل إمام بمناسبة ادعائه محاربة الإرهاب بالفن، وذهابه إلى أسيوط تحت حراسة الشرطة ليعرض إحدى مسرحياته .. في هذا الحوار أدلى عادل إمام بأقوال اعتبرها الأستاذ مرتضى منصور المحامي (أحد رجالات القضاء السابقين) سباً وقذفاً فى حقه، ولجأ إلى القضاء الذي قضى بحبس عائشة صالح لمدة شهر، وأثناء محاولتها الحصول على دعم المجلة لقضيتها أقنعها مكرم محمد أحمد بدخول السجن لقضاء مدة العقوبة على وعد أن يتوسط لها لدى مسئولي تنفيذ الأحكام لقضاء مدة العقوبة فى مستشفى السجن فى مجاملة فجةللممثل عادل إمام .

     وترجع وقائع تلك الحكاية وتفاصيلها عندما دخلت عائشة صالح إلى مكتبى باكية، وقلت لها: خير ؟

    قالت وقد غلبها البكاء : صدر حكم علىَّ بالسجن لمدة شهر .

    قلت منزعجاً: ليه ؟!

    قالت: هل تذكر الحوار الذى أجريته مع الممثل عادل إمام ؟!

    قلت: ماذا به ؟

   قالت: به أقوال لعادل إمام اعتبرها الأستاذ مرتضى منصور المحامي (أحد رجالات القضاء السابقين) سباً وقذفاً فى حقه !!

    قلت: وأين شريط تسجيل اللقاء ؟

    قالت: معى .

    ومدت به يدها إلىَّ، أخذته منها ووضعته فى درج مكتبى وأغلقت عليه !!

    قالت: بِمَ تفكر ؟

    قلت: بلا شيء؛ اذهبى أولاً إلى مكرم محمد أحمد واحكى له المشكلة؛ وعلى ضوء رده سنتصرف؛ وإذا سألك عن شريط اللقاء قولى له : إنه مفقود وسط الأوراق وستبحثين عنه !!

    ذهبت عائشة صالح وغابت بعض الساعة؛ وعادت مستبشرة .. بادرتها بالسؤال : خيراً ؟

    قالت : اطلب لى قهوة .

    قلت وقد أصابنى ضجر: خيراً ؟

     قالت: أقنعنى مكرم محمد أحمد ألا أقدم شريط التسجيل للمحكمة، وسيتولى هو بنفسه تدبير إقامتى  فترة العقوبة بمستشفى السجن، وهذا هو أخف الأضرار.

    قلت غاضباً: إنه الجنون بعينه ؟

     قالت وقد امتقع لونها وابيضت شفتاها حتى صارت فى شحوب الأموات: وماذا أفعل ؟

    قلت: يمكنك فعل الكثير دفاعاً عن نفسك وشرفك الشخصى والمهنى وكيان أسرتك ومستقبل ابنك الوحيد وشرفه؛ فحكم الإدانة عنوان الحقيقة، وهو بمثابة وشم العار الذى لا يمحوه الزمن ولا يُمحى من ذاكرة الخلق!! اتركى لى الأمر، وسأرد عليك تليفونيا فى المساء .

     .. ذهبت إلى إحدى شركات الكاسيت ونسخت خمس نسخ من الشريط، وأخبرت عائشة صالح تليفونياً أننى سأتواجد أسفل مسكنها في شارع شريف بعد ربع الساعة؛ بادرتنى متسائلة: إلى أين ؟

     أجبتها: إلى مكتب صديقى المحامى، نأخذ بالأسباب، والله المستعان.

ذهبنا سويا إلى مكتب صديقى الأستاذ مجدى عكاشة المحامى بالنقض بشارع شريف؛ قابلنا ضاحكا وقال: « خير» ؟!

     قلت: خير، وضحكنا معاً

         .. وفى المحكمة  قدمنا شريط التسجيل اللقاء، ودفع محامى الأستاذلبيب معوض محامي عادل إمام بعدم جواز الأخذ بما جاء فيه لأنه سُجل بدون إذن نيابة، وترافع الأستاذ مجدى عكاشة المحامى مؤكدا أن جهاز التسجيل أصبح من آليات العمل الصحفى فى أحدث تقنياته، وأنه أصبح البديل عن التدوين، وقدم للمحكمة صوراً فوتوغرافية للقاء يظهر فيها التسجيل فى مرمى بصر عادل إمام؛ بما يعنى موافقته على التسجيل والنفى لأى جهالة به؛ أخذت المحكمة بدفاعه وبرأت عائشة صالح واعتبرتها شاهدة؛ وقد أرسى هذا الحكم مبدأً قانونياً هاماً فى العمل الصحفى .

      أغاظ ذلك مكرم محمد أحمد؛ سبَّنى ؛ ولم أُعر لسفالته اهتماماً؛ فقد وشمته بختم النار بالعار الذي لن يمحوه الزمن.


3 ـ حكايتي مع ليلى الغندور :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

       جاءتني زميلتي وجارتي في مدينة الفسطاط الأستاذة ليلى الغندور الصحفية بـ «المصور» وهمست في أذني :

     ـ أنا في مشكلة .

      ـ قلت : خير .

     ـ قالت : الأستاذ مكرم محمد أحمد يرغب في الزواج مني .

     ـ قلت : مبروك .. فين المشكلة ؟!

     ـ قالت : أنه يريده زواجاً عرفياً مقابل أن يودع في حسابي 50 ألف جنية ويشتري لي غرفة نوم وقد أرسل سائقه الخاص معي إلى أحد معارض الموبيليا لاختيارها .

    وصمت ، وطال صمتي ، حتى قطعته بقولها :

     ـ لم أسمع رأيك .

      ـ فقلت : لا شك أنك في موقف صعب؛ فالزواج العرفي هو زواج الساقطات، ولا توجد امرأة محترمة ترضاه لنفسها أو ترضى به لغيرها؛ فالزواج العرفي يجعل المرأة مجرد «وعاء متعة»، ولا يرتب لها حقوقاً .

     ـ قالت : والحل ؟!

         ـ قلت :حتى لا يعتقد مكرم محمد أحمد أنك وحيدة وصيد سهل يمكنه الانفراد بها متى شاء والخلاص منه متى أراد .. أشركي ابن عمك الأستاذ الدكتور أحمد الغندور في الأمر.

     قالت : ده رأيك ؟!

      قلت : نعم .

     أخرجت الأستاذة ليلى الغندور هاتفها المحمول، واتصلت بابن عمها وحكت له الحكاية؛ فأتصل بالأستاذ مكرم محمد أحمد وأبلغه بأنه يشرفه مصاهرته، وطلب منه تحديد موعد لقراءة الفاتحة والاتفاق على التفاصيل.

      .. وأُسقط في يد مكرم واتصل تليفونيا بالأستاذة ليلى الغندور وطلب منها تأجيل مشروع الزواج.

      في اليوم التالي استدعى مكرم ليلى إلى مكتبه وأخذ يعنفها، وأمام غضبه قالت ليلى : « أنني من قمت بتقديم النصيحة التي أوقعتها فيما أغضبه»، وضاعف ذلك من غضب مكرم وثورته .

    .. ومع منتصف النهار .. دخل إلى مكتبي صديقي الأستاذ سيد زكي (يرحمه الله) ، وقال لي :

    ـ ماذا فعلت بمكرم ؟ وما حكاية ليلى الغندور؟!

     وحكيت له الحكاية؛ فقال :

     ـ ده ناوي يرفدك .

وبهدوء قلت :
ـ إنه أجبن وأضعف من أن يفعلها في مثل هذا الموقف، وفي مثل هذا التوقيت.

      وكانت رحمة ربنا .. فطرد العمال مكرم من الدار بعد تجريسه بصياح زفة التجريسة :

 «الحرامى أهو ..  الحرامى أهو ..» .

    وجاءت التغييرات الصحفية لتطوي صفحة شوهاء من كتاب «صحافة الوطن».

الفصل الخامس :
ـــــــــــــــــــــــــــ
                 إرهاصات ثورة يناير

      كانت هذه تجربتي مع صحافة الوطن أنقلها بكل أمانة .. لم أكتب إلا ما أعتقد أنه الحقيقة؛ .. ولأنني على يقين أن الكاتب حين يكتب يتعبد إلى الله ويتقرب إليه بكل كلمة حق يسطرها بقلمه، ويسجد لجلاله سبحانه بكل حرف يخطه بيمينه.

     .. وعندما يسقط الكاتب في مأزق الغواية، فيتبع الهوى ويميل بشق قلمه نحو الضلال أو يكتب بـ «نصف قلمه»، والكتابة بـ «نصف القلم» تعبير مجازي عن كتابة أنصاف الحقائق التي هي الكذب الأسود بعينه على طريقة : «ولا تقربوا الصلاة»؛ فإن الكاتب يصبح غير باحث عن الحقيقة، وتتحول عبادته لله إلى عبادة الطاغوت؛ فيتصدق بقلبه وقلمه على الشيطان؛ فيحمل وزر ضلاله ووزر من أضلهم بغير علم.

       .. وقد انطلقت من خبرة 37 عامًا في الحقل الصحفي؛ قضيت منها ثلاثين عامًا في المطبخ الصحفي أجدت خلالها تكنولوجيا العمل الصحفي والتواصل والاتصال الجماهيري وفنون إخراج الصحف وطباعتها عبر إجادة التعامل مع برمجيات معالجة النصوص وبرمجيات معالجة الصور، وفنون مخاطبة الرؤية البصرية ( الجرفك أرت)؛ وعوامل الإبراز وفنون الإخراج الصحفي بمدارسه المختلفة بما تحمله من إيحاءات ورسائل ملغومة بالهوى والغرض، وتوظيف الصورة الصحفية بما تحمله من تكوينات وأضواء وظلال وزوايا وأبعاد باعتبارها جملة بصرية مفيدة في خدمة توجهات القائم بعملية الاتصال عبر خلق حالة من الاعتياد الناجم عن الإغراء والإغواء بجاذبية القيم والرموز، وغيرها من الاستمالات المختلفة.

     .. أجدت فنون "التلاعب بالوعي" ـ استغفر الله عنها ـ عبر أساطير التلاعب بالوعي والعقول، وفهم أساليب "التسمم السياسي"، وأجدت القيام بعمل "تقويمات سلبية موازية" لتسطيح الحقائق تعيد المنظور إلى الوضع الذي يهدف إليه القائم على الإتصال؛ حتى صرت من أمهر طهاة السم الصحفي الزعاف الذي ينفذ إلى العقول، وصرت أُلقب بين الزملاء بـ "صانع النجوم"؛ فكما يلف الطقس Atmosphere  أجساد البشر فيشعرهم بالحر والبرد والرطوبة ورزاز المطر وعصف الرياح، فإن الأجواء الثقافية والمعلوماتية والتأثيرات العقلية Noosphere تحيط برأسه فتشعره بالخوف والأمن والحب والكره والقلق والاطمئنان والإقبال والإعراض، والجاذبية والنفور، وتترك بصماتها على مزاجه وتحدد سلوكه وتحرك دوافعه وتثير غرائزه وتحرك دوافعه أو تثبط عزائمه!!

       .. من خلف الكواليس شاهدت الحقائق سافرة.. عارية من كل زيف، تلك الحقائق التي حالت الظروف دون تقديمها في حينها، لكني كنت موقناً أنها سوف تصبح يوما سطورًا في كتاب التاريخ الذي لا تصفر أوراقه بفعل الزمن، وتظل خزائنه البلورية تشع بالضياء الذي يجذب عقول ويخطف أبصار الباحثين عن الحقيقة.
       .. في تلك الأيام عرفتُ كيف تُصنع الأكاذيب، وتُغزل خيوط الوشايات وتُنسج الدسائس وتُحاك الخدع والأباطيل!!

         .. وخبرتُ كيف تصنع النجوم في كل مناحي الحياة، ومن الذي يحدد الإطار الذي يبدو فيه النجم سواء في مجال السياسة أو الفن أو الأدب أو الاقتصاد أو الطب أو العلم أو أوكار الجريمة!!. سواء كان هذا النجم حقيقيًا أو زائفًا أو عابرًا في ظروف عابرة!!

     .. وعرفتُ كيف يتم ترويج وتسويق ذلك النجم للقارئ كل صباح، وفرضه عليه وحصاره به في بيته ومكان عمله وفي المقهى وفي الشارع وفي سيارته وفي المواصلات العامة .

       .. وعرفتُ كيف تُصاغ الأحداث في إطار الوجهة المرسومة التي يحددها القائمون على عملية الاتصال، والتي قد تختلف في الكثير من تفاصيلها مع حقيقة الوقائع على مسارح الأحداث!!

         وشاهدتُ بعينيي ما تمر به المواد الصحفية من معالجات تتعرض أثناءها للحذف والتعديل والتنقيح والتحوير والإضافة والتلفيق والفلترة؛ لتصل إلى القارئ في قوالب منمقة ترضي الحكومة، وتدعم سلطتها الفكرية ونفوذها السياسي.

      .. وأُتيحت لي فرصة الاقتراب من كبار الصحفيين في حياتهم العادية بدون زيف أو ادعاء .. كما أتُيحت لي الفرصة في أن اطلع على أغلب مذكرات الصحفيين المنشورة تقريبا، والتي تتناول بعض الأحداث التي كنت شاهدها بالعيان أو كنت قريبا من مسرح أحداثها، فلم أجد في أغلب تلك المذكرات سوى تكريساً للكذب عن عمد وبسوء نية، وأن معظمها لم تخرج عن كونها محاولات لغسيل السمعة، وغسل اليد من ممارسات لا مهنية ولا أخلاقية في العمل الصحفي؛ فبعض هؤلاء من يلوى عنق الحقيقة لصالح الأيدلوجية، والبعض الآخر لطخ وجه الحقيقة بمختلف الألوان والأصباغ ليستر شرور نفسه، ويوارى سيئات أعماله من شطحات، وسقطات،وأهواء، وانحيازات.

     .. وبذلك يمكن القول إن الصحافة المصرية في مجملها فيما عدا بعض الاستثناءات المحدودة كانت أشبة بالمنشورات الإدارية لا تردد إلا ما تراه الحكومة، ولا تكتب إلا ما يمليه الحاكم، أي أصبحت مهمتها الأولى تنفيذ الأوامر دون محاولة تفنيدها أو استثمار ذلك في بناء رأي عام حقيقي لكونها فاقدة الحرية وفاقدة للمعايير المهنية الصارمة، وعاجزة عن خلق رسالة إعلامية مبتكرة وذات خصوصية !!
     .. وكان البلاء الأعظم الذي ألم بها قادماً من داخلها؛ حيث أصيبت الصحافة بلعنة «العصاميون النوابغ»، وهم الصحفيون من بعض أبناء الطبقات الدنيا، الذين نالوا حظاً من التعليم مكنهم من «التوظف» في الصحف والتأثير في الرأي العام ونشر أنماط من سلوك طبقتهم وفرض قيمها، وهذا النوع من الصحفيين مدرب تماماً كلاعبي السيرك على السير فوق حبل مشدود، ومعتاد ألا ينحرف عن الخط المرسوم له قيد شعرة، .. ووجدت السلطة ضالتها في هؤلاء، فأغدقت عليهم من «الإنعامات»؛ وفى سبيل الحفاظ على هذه «الإنعامات» التي مكنتهم من تغيير واقعهم الاجتماعي؛ قام السادة «العصاميون النوابغ» بإتباع أسوأ أساليب البيروقراطية العتيدة لتصفية الصحافة تماما من الأقلام الحرة التي ترفض العزف على إيقاع الحاكم، وقتل «الأجنة الموهوبة» في العمل الصحفي، وخلق طبقة عازلة بين الحاكم والمحكوم؛ فكلاهما لا يسمع عن الأخر إلا ما يسر ويطرب؛ فالحاكم لا يرى المحكوم إلا سعيدا بحكمه متفانياً في تأييده، والمحكوم لا يرى الحاكم إلا بطلاً أسطورياً لا ينطق عن الهوى؛ فكل تصرف يصدر عنه عبقرية، وكل كلمة ينطقها نفحة من الحكمة تتصدى لها دوائر صنع القرار في أرجاء المعمورة بالبحث والدراسة، واستخلاص الدروس المستفادة !!

         .. ولم تكتف السلطة بذلك فحسب، بل مضت في غيها لإحكام قبضتها في السيطرة عليها بفرض الرقابة بأنواعها (رقابة الأجهزة ـ الرقابة الذاتية) عليها تارة، وتارة أخرى بفرض سياسات أفضت في النهاية إلى خلل في هياكلها المالية والإدارية، وهو ما أوقع المؤسسات الصحفية في الأسر الدائم لطلب المعونة من الحكومة، مما جعل كلمتها نافذة داخل الصحف.

   .. وفي ظل أزمة الصحافة «نشأت أخلاق الأزمة»، ولم يكن أمام بعض شرفاء الصحفيين سوى الخنوع لممارسات الدولة تحت وطأة «لقمة العيش»، والبعض الآخر انتقلت إليه عدوى «أهل الثقة»، وكلا الفريقين خان عهد الوطن، وفرط في شرف الكلمة!!


   .. وكان الجديد في الأمر ظهور جيل ثان من الصحفيين نشأ وتربى على أن ينجح صحفيًا بوسائل غير صحفية، وأهمها الدخول إلى المهنة من "بوابة الأمن"، ومن "بوابة الدعارة"، ومع ممارسات ذلك الجيل تم رصد ظاهرتي «عساكر المراسلة» و«بنات الكونترول» في الصحافة المصرية، وأصبح الكثيرون يتعاملون بافتراض أن الأصل في الصحفي أنه عميل للمباحث أو المخابرات، وأن وجوده في مهنته يرتبط بكتابة التقارير عن زملائه ومصادره وعن عامة الناس وخاصتهم، وانتشرت النكتة القائلة : «ما مخابرات إلا بني أدم»!!
«عساكر المراسلة»:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

        .. كما أتيح لي أيضا أن أعايش من هتكوا عرض الكلمات، واستباحوها من صناع الأكاذيب والذين يُطلق عليهم «عساكر المراسلة»، وعساكر المراسلة هم الجنود غير المؤهلين الذين يقع عليهم اختيار الضباط لخدمتهم، وغسيل ملابسهم الداخلية، وتلميع أحذيتهم، و«عساكر المراسلة في الصحافة» هم مجموعة الصحفيين الذين تقوم أجهزة الدولة بزراعتهم في المؤسسات الصحفية بعد أن تنتقيهم بعناية من بين أكثر الشخصيات دونية وانتهازية ثم تختبرهم وتدربهم، قبل أن تقوم بنشرهم في الصحف لينفذوا تعليماتها في حراسة ثقافة التخلف وإشاعة القيم السلبية التي تحول دون محاسبة القائمين على الأمر، أو الدفع في اتجاه التغيير، بالإضافة إلى التجسس على زملائهم ومصادر استقاء الأخبار الصحفية والاختراق والتخريب، والدعاية للدولة والدفاع عن سياساتها حين تخون أو تستبد أو تزور أو تسرق أو تخرج عن الشرعية.

     وتقوم أجهزة الأمن بغض الطرف عن فسادهم تارة، ودعمهم في مواقعهم تارة أخرى عبر تبييض تواريخهم السوداء، وغسيل شخوصهم من العفن الذي يملؤها، وإغراقهم بمكسبات الطعم واللون والرائحة، ووضعهم في دائرة الضوء لتلميعهم من خلال وسائل الانتشار المجتمعي كالإذاعة وتليفزيون الدولة والفضائيات الخاصة والصالونات والمنتديات الثقافية والجوائز "المفبركة"، ولا مانع من إرسالهم في رحلة إلى خارج البلاد لبضعة أسابيع للحصول على درجة علمية مزيفة من جهة وهمية؛ لتصبح أسماءهم مقترنة بحرف (الدال) وما شابه من فنون غسيل البشر لتزويدهم بما يمكن أن نطلق عليه «عدة الشغل»، التي تساعدهم في عمليات الخداع والاحتيال والتموية للحصول على المعلومات!!

بنات الكونترول :
ـــــــــــــــــــــــــــ

      ولم يقتصر الأمر على ذلك بل امتد إلى استخدام فتيات السيطرة في الصحافة المصرية (بنات الكونترول)، من خلال تدريب مجموعات من فتيات الإعلانات والصحفيات اللائي أتين من أسفل السلم الاجتماعي بطموح لا يتناسب مع تواضع موهبتهن الصحفية على أعمال قذرة بهدف السيطرة على بعض السياسيين وبعض الكتاب وبعض المثقفين وبعض رجال الأعمال عبر توريطهم في ممارسات لا أخلاقية وابتزازهم والضغط عليهم، وهو أسلوب أدخله أحد القوادين ممن تولوا مهمة الإعلام والقيام على أمر الصحافة، وهو أسلوب تم استنساخه من طريقة عمل الوكالة اليهودية العالمية في استخدامها للنساء في مكاتب فرعية تحمل في ظاهرها الطابع الصحفي أما باطنها فيتسع للكثير.

مبارك في بدايته
.. لم يكن فاسـداً :
ـــــــــــــــــــــــــ

       لم يكن الرئيس مبارك في بداية سنوات حكمه فاسـداً؛ فقد جاء إلى الحكم بطريق الصدفة عبر عواصف النار ودوامات الدم، وكان يدرك أن "الاستفتاء الشعبي" عليه كان صورياً لإضفاء الشرعية على الرئيس الذي لم يختاره الشعب ليصبح رئيساً للبلاد لمدة 6 سنوات قابلة للتجديد، قضى مبارك 5 فترات كان أفضلها الفترتين الأولى والثانية؛ فقد بدأ الفترة الأولى بالإفراج عن المعتقلين الذين سجنهم السادات، وأعلن أنه لن يُقصف قلم، ولن يُضار صاحب رأي، ولن تُغلق صحيفة مع وعود بتحسين الأوضاع على كافة الأصعدة ومحاربة الفساد مع التأكيد أنه لن يستمر في الحكم لأكثر من فترتين.

       لم يكن مبارك فاسداً منذ البداية لكن المنتفعين وبطانة السوء، وغياب الديمقراطية، وغياب المحاسبة الشعبية دفعاه إلى ما انتهى إليه؛ فـ "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة".. واقع الحال يؤكد أنه لم يستوعب التاريخ، ولم يتفهم حركته؛ فقصفت الأقلام، وأغلقت جريدة "الشعب" بقرار إداري، وأصبح الصحفيون زوار دائمين على أقسام الشرطة، والنيابات، والمحاكم، وأمسى بعضهم نزلاء السجون بعد الحكم عليهم في قضايا نشر؛ فطبيعة تولي "الحاكم الإجباري" والذي كانت تحكم به مصر كانت تضع كل السلطات والصلاحيات في يد الرئيس في ظل صورية البرلمان في سن القوانين، ومحاسبة الحكومة التي نجحت في استئناس أعضاء البرلمان الذي ينتمي أغلبهم إلى الحزب الوطني عبر المصالح (أراضي ـ قروض ـ حصانة ـ امتيازات)، وبذلك انتهت دولة القانون وتحطمت الشخصية المصرية تحت وطأة القهر، والإحساس بالدونية، وفقدت أهم سماتها وهى "الثقة بالنفس"، وانتشرت في أوساط الناس كلمة "مفيش فايدة" وأصبحت الحقوق الطبيعية في التوظف والحريات الدستورية والعيش الكريم حلما بعيد المنال، وسادت سلوكيات "الأنامالية"، وانتشر سرطان الفساد في كل أنحاء مصر.

      وبلغت تراجيديا «الرئيس والصحافة» ذروتها عندما استغل طاقاتها في توجيه الدعوة لدعم مشروع "التوريث"، من خلال التلويح الدائم بأن البديل لحكمه هو "جماعة راديكالية" تنتمي إلى قوى الإسلام السياسي، وبلغت الحماقة أوجها في تخيير الشعب بين قبول فساد نظامه أو الفوضى العارمة التي خطط لها من خلال السياسات المتخلفة التي يكتوي المصريون بنارها حتى الآن!!

      كانت "الإعلام الرسمي" المملوك للدولة هو الوسيلة الوحيدة التي تستطيع مخاطبة المواطن المصري، وكانت تُقدم الرئيس في صورة نمطية لا تتغير مفادها أنه منبع الحكمة، وصمام الأمان، وأن بقاءه في الحكم هو السبيل الوحيد لنهضة البلاد ورفاهية المواطن، وكان التلويح بـ "الاستقرار" السبب الأوحد الذي يسوقه الرئيس وحاشيته للبقاء في الحكم.


إرهصات ثورة يناير :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      ومع التحدي الذي جلبته الإنترنت بدأت إرهصات ثورة يناير؛  فبدأت تولد في الفضاء الافتراضي للإنترنت ما يسمي بـ "الإحتجاجات الرقمية E- Protests" التي لاقت قبولاً من المواطن المصري لخلوها من عنف الإحتجاجات العادية، وكونها في مأمن من بطش وإيذاء الشرطة، ونشأ ما يُسمى بـ "مواقع التواصل الاجتماعي Social Media" التي أوجدت ما يُعرف بالـ "المجموعات  Groups".

      .. أوجد الفضاء الافتراضى الالكتروني Cyberspace ما أطلق عليه أندكت اندرسون "المجتمعات الخائلية Virtual Communities" من خلال التنسيق والتفاعل بين الأفراد من ذي العواطف والمعتقدات والأفكار والانتماءات المتقاربة الذين لا يرتبطون معاً بصلات وشائجية، وتنظيم صفوفهم عبر الفضاء الافتراضي؛  ليبدأ تنظيم الصفوف على الأرض.
     ففي عام 2004 كون مجموعة من النشطاء السياسين "الحركة المصرية من أجل التغيير" التى رفعت شعار "كفاية" لرفض التجديد للرئيس مبارك لفترة خامسة، وقطع الطريق على محاولات التوريث ورفعت شعار :"لا للتمديد ..لا للتوريث".

    .. وبدأ عنف الشرطى يتزايد، واشتدت القبضة الأمنية، وراحت تمارس الترويع بدون مبرر من خلال الخطة "ردع" التي أعدها اللواء أحمد رشدي وزير الداخلية الأسبق بزعم إعادة الإنضباط إلى الشارع المصري في الثمانينيات من القرن الماضي، وأخرجها من الأرشيف اللواء عدلي فايد مدير الأمن العام، وأقرها اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية لبث الرعب في قلوب المواطنين عبر تحويل أقسام الشرطة إلى "مسالخ بشرية" يتم تعليق الضحايا مثل الذبائح في أقبيتها، وممارسة "التعذيب الممنهج" بالصعق بالكهرباء، وهتك الأعراض، وإهانة كرامة الرجال وإنسانيتهم بإذلالهم، والعبث بمؤخراتهم بالعصي والأصابع؛ فقد نشر نشطاء فيديو إدخال العصا في دبر عماد الكبير على أيدي أفراد من جهاز الشرطة في أحد الأقسام وتصوير عملية التعذيب بمعرفتهم، وتداوله بقصد التفاخر، وتلفيق القضايا، واحتجاز النساء رهائن لحين تسليم المطلوبين .
      كان اللواء عدلي فايد مدير الأمن العام ضابط متواضع الكفاءة وكانت كل مؤهلاته أنه دفعة حبيب العادلي وحسن عبد الرحمن في كلية الشرطة؛ فأتوا به من منطلق كونه من "أهل الثقة"، وقد كلف ذلك الاختيار مصر الكثير؛ فالرجل بأدائه الردئ أفسد العلاقة بين أهالي سيناء ووزارة الداخلية باعتقال قرابة 4 آلاف من أبناء سيناء اعتقالاً عشوائياً بتوسيع دائرة الاشتباة عقب حوادث إرهابية، وأهان شيوخ القبائل، وانتهك حرمة المرأة البدوية باحتجازها رهينة في أقسام الشرطة حين تسليم ذويهم، وهى إهانات لا يقبلها المجتمع السيناوي، ومازالت سيناء إلى يومنا هذا تجني ثمار الإرهاب الذي وضعت بذوره تصرفات غير مسئولة لضابط ضعيف الامكانيات .

      .. واستحدثت الشرطة الاستعانة بقطعان البلطجية لتأديب بعض المعارضيين السياسيين والنشطاء؛ فتمت إهانة المهندس ابراهيم شكري رئيس حزب العمل في 2004 أثناء حضورة مؤتمر شعبي في باب الشعرية لمناهضة التمديد .. والتوريث على يد إحدى النساء القوادات المسجلات خطر "دعارة" تدعى "أم أحمد"؛ مما اضطر الرجل لاعتزال الحياة السياسية، ولزوم بيته حتى وافته المنية .

       .. وفى 25 مايو 2005 تم الاعتداء على الأستاذة نوال على الصحفية بجريدة الجيل أمام نقابة الصحفيين أثناء دخولها إلى مبنى النقابة لحضور دورة فى اللغة الإنجليزية .

     .. نشر المدون وائل عباس صور الاعتداء على الأستاذة نوال على من خلال مدونته Blog بعنوان :"الوعي المصري" التي دأب من خلالها على فضح تجاوزات الشرطة ومنها واقعة تعذيب عماد الكبير، وكانت اللطمة القاسية لنظام حسني مبارك هو إعادة نشر مجلة The Economist على غلافها صورة الاعتداء على الأستاذة نوال على، ونقلته عنها بعض الصحف العالمية !!

     وزاد من تشجيع المدونين المصريين Bloggers  على فضح تشوهات نظام حسني مبارك رعاية محرك البحث العملاق جوجل Google للتدوين والتشجيع عليه باستضافة المدونات مجاناً حتى بلغ عدد المدونات في مصر180 ألف مدونة*(1) قبيل ثورة يناير2011 حملت لافتات تدل على القهر مثل مدونة "مواطن مصري واخد على قفاه"، وبعضها يدل على التهميش مثل مدونة "مرفوع من الخدمة"، وبعضها يدل على الانعزال والشعور بالاغتراب مثل مدونة "مدونة تهتم بإثنان فقط : أنا ونفسي"، وبعضها يدل على المعاناة مثل مدونة "لقمة عيش"، وبعضها يدل على اليأس مثل مدونة "خربانة يا جدعان".

       كانت المدونات أحد أشكال "الإعلام البديل Alternative Media" للتعبير عن أوجاع المهمشين الذين لم تتح لهم فرصة للتعبير عن أنفسهم في وسائل الإعلام الرسمية .

     .. واصبحت المدونات أحد أشكال ممارسة "الديمقراطية الرقمية"*(2)، وساهم في تنشيط المدونات والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ظهور ما يسمى بظاهرة "المواطن الصحفي" الذين سارعوا تسجيل وقائع الأحداث وتصويرها بكاميرات هواتفهم المحمولة ونقلها عبر صفحاتهم على الانترنت .. واصبحت العديد من تلك الصفحات لها ميزة الـ "سبق الصحفي"، وأصبحت وسائل الإعلام الرسمية تنقل عنهم!!.

       ولم يهتم نظام حسني مبارك بتلك الإرهاصات واعتبرها ممارسات مشاغبة لـ "شوية عيال لاسعة" دون أن يتفهم أن الانترنت أسقط حواجز الحدود وقيود الرقابة، وأن عصر "الكتابات العابرة للحدود" قد بدأ، وأن العالم بصدد فكر لا يقتصر على الأوطان داخل الحدود التي حددتها الخرائط، ولا على الشعوب بأجناسها المختلفة وقومياتها المتعددة بل ينتمي إلى الإنسانية، وأن الذين يمارسون ذلك النشاط يعدون مواطنون عالميون .

      كما أن الانترنت أعطى مستخدميه القدرة على التخفي بارتداء "طاقية الإخفاء الإلكترونية" التي تمكن المستخدم الواحد من التعامل بأكثر من اسم مستعار، وأكثر من هوية مزيفة؛ فما كان خيالاً بالأمس أصبح واقعاً ملموساً اليوم !!

          .. وفي ظل ميزة «التفاعلية النشطة  Interactive Communication» التي تتيح تجميع الألاف من البشر في دقائق حول مناقشة الأفكار وبلورتها وتنقيحها بحيث تبدو مثل كرة الثلج التي سرعان ما يزداد حجمها ويتغير مسارها في دقائق قليلة؛ وساعد على ذلك أيضاً ليونة وسهولة تشكيل المعلومات الرقمية وصياغتها في قوالب مختلفة قابلة للحفظ في أوعية الكترونية، ويسهل استعادتها وتداولها، ففي عام 2008 قرر عمال غزل المحلة الإضراب في السادس من أبريل، وقرر ناشطون على النت مساندة الإضراب، وتبني اقتراح الأستاذ مجدي أحمد حسين ليشمل الإضراب مصر كلها وخلال ساعة انضم أكثر من 70 ألف مشترك إلى إحدى صفحات الإضراب على "الفيس بوك".

     كان ما حدث يوم 6 ابريل جرس إنذار للنظام؛ فقد أدرك الأستاذ عبد الله كمال الصحفي بـ "روز اليوسف"، وعضو أمانة السياسات بالحزب الوطني أن الإنترنت أصبح لاعب جديد على الساحة وأنه سيغير شكل الحياة السياسية في مصر خلال سنوات، وأوصى بوجوب تحقيق أقصى استفادة منه، فاستحدث الجهاز الأمني فرعاً للإنترنت، وكون الحزب الوطني لجان الكترونية تحوي مئات الشباب الذين توظفوا مقابل أجور خيالية للقيلم بوضع التعليقات المؤيدة للحكومة وللحزب دون القيام بإصلاحات حقيقية .

         كانت كل الشواهد تشير إلى أن دور الرئيس مبارك قد انتهى وأن من الأفضل إقناعه بالتخلي طواعية عن الحكم لكن عناد الرجل في التشبث بالسلطة فاق كل الحدود والتصورات؛.. فقد احتوى خطاب أوباما في نصه الأصلي بجامعة القاهرة على العبارة: "آن للرئيس مبارك أن يعتزل ويستريح"، وبذل د. عبد المنعم سعيد جهود كبيرة مع مسئولي السفارة الأمريكية بالقاهرة مستعينا بصديقة السفير الإسرائيلي ليتم حذف تلك العبارة، وتمت مكافأة د. عبد المنعم سعيد على ذلك بتعيينه رئيساً لجريدة الأهرام .

       وبعد ذلك دعى عماد الدين أديب في مقال بعنوان :"الخروج الآمن لمبارك"، دعى فيه الرئيس مبارك إلى التخلي طواعية عن السلطة شريطة تأمينه هو وأفراد أسرته من الملاحقة القضائية، وبالطبع لم يكن أديب يستطيع كتابة مثل هذا المقال بدون ضوء أخضر، ومظلة حماية من جهات خارجية .

      .. وعندما جاء د. محمد البرادعي إلى مصر استقبله في المطار مئات من الشخصيات العامة والنشطاء السياسين، وأطلق الشاب محمود الحته على موقع الفيس بوك صفحة بعنوان : "البرادعي رئيساً لمصر"، وبعد ساعات كان عدد أعضاء الصفحة 150 ألف عضو، وبدلاً من أن يتفهم نظام مبارك رغبة الناس في التغيير وإحداث إصلاحات جذرية تحسن من واقع المواطن المصري لجأ إلى الإساءة للبرادعي، وطالت الإساءات بشكل فج  أفراد من أسرته .

      كانت التقارير الأمنية التي يرفعها اللواء حبيب العادلي واللواء حسن عبد الرحمن مدير مباحث أمن الدولة تشير إلى أنه تم "تدجين الشعب المصري"، وأنه لن يستطيع أن يرفع رأسه، ولن يستطيع أن يكسر حاجز الخوف .

     .. ثم كانت واقعة قتل الشاب السكندري خالد سعيد في 6 يونية 2010 على أيدي شرطيين سريين من قوة قسم شرطة سيدي جابر .. وتم التعتيم على القضية في الإعلام الرسمي، وعندما تناول بعض النشطاء الواقعة قام الإعلام الرسمي بتشوية الضحية بإطلاق صفات سلبية على الشاب القتيل مثل "عاطل الإسكندرية"، و"شهيد البانجو"، و"الديلر" بمعنى تاجر المخدرات، والهارب من أداء الخدمة العسكرية .

     وانبرى شباب النشطاء عبر صفحاتهم الإلكترونية يفندون أكاذيب الإعلام الرسمي بالوثائق والمستندات التي كان أهمها "شهادة أداء الخدمة العسكرية"، وتسجيل شهادات شهود الواقعة عبر وسائط "المالتي ميديا Multi  Media"، ونشرها على المواقع، وكانت من بينها الصورة البشعة للشاب القتيل في المشرحة وبها أثار التعذيب الوحشي .. كانت الصورة البشعة صادمة لـ «الأغلبية الصامتة» من جموع الشعب المصري التي ارتأت أن "الصمت الجبان" هو السبب في قتل ابنائها وتعذيبهم وإهانة كرماتهم على أيدي الشرطة وبقاء ابنائهم عاطلين ومهمشين دون تعليم جيد أو رعاية صحية، وزاد من إحساس تلك الطبقة بالقهر تزوير الانتخابات البرلمانية في 2010، واستخفاف الرئيس مبارك بهم بقوله : "خليهم يتسلوا" !!

      وعندما أنشأ المهندس وائل غنيم مدير التسويق لشركة جوجل بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا صفحة على الفيس بوك بعنوان:"كلنا خالد سعيد" يعاونه في إدارتها الشاب عبد الرحمن منصور الطالب بكلية الإعلام ـ جامعة المنصورة بلغ عدد المشاركين في الصفحة خلال دقيقتين 300 مشارك، في اليوم الأول بلغ عدد المشاركين 36 ألف مشترك ليصل بعد ذلك إلى أكثر من نصف مليون خلال أيام، وليبلغ مساء يوم 25 يناير 2011 مليون مشترك .

    .. وأنشأ محمد ابراهيم الشاب المصري المقيم في إنجلترا صفحة بالإنجليزية على الفيس بوك بعنوان: «كلنا خالد سعيد» لتعريف العالم بقضية مقتل خالد سعيد كان لتلك الصفحة دوراً هاما في حشد الدعم للقضية من مختلف الجنسيات حول العالم ,

     وقد تمت الدعوة للتظاهر يوم 25 يناير 2011 عبر صفحة "كلنا خالد سعيد"، واستجاب للدعوة 100 ألف مواطن خلال ساعتين، وكسر الشعب المصري حاجز الخوف، وتم تحديد وسائل انطلاق التظاهرات سيرا على الأقدام وتحديد أماكن تجمعاتها وأساليب عملها من خلال ما تعلمه الشباب المشارك عن "حرب اللاعنف" من مؤلفات بريجنسكي، وجين شارب، وجوزيف ناي، ومطبوعات أكاديمية التغيير في قطر .

       كان الذي استرعى انتباهي هو استخدام هؤلاء الشباب الصغار لـ "الإستمالات العاطفية" للشارع المصري من خلال الهتاف : "يا أهالينا ضموا علينا"؛ بما يعكس وعياً وفهماً لـ « سيكولوجية الجماهير» طبقا للمفاهيم التي وضعها جوستاف لوبون لردم الفجوة بين علم نفس الفرد وعلم نفس الجماهير؛ فدافع عنهم الأباء، واحتضنهم الأمهات، ومع حلول المساء جاء شباب الأتراس إلى ميدان التحرير ليشعلوا شماريخهم مما اضفى أجواء احتفالية على الميدان بألعابهم النارية وأغانيهم المرحة، وأدخل  إحساساً بالبهجة على المتظاهرين، وكانت انطلاقة ثورة شعب مصر الحقيقة لأول مرة في تاريخه .

 ***
     
 .. وكانت ثورة 25 يناير 2011، .. وكانت صورة الشاب السكندري القتيل خالد سعيد هى الصورة التي أطلقت شرارة الثورة .

    لكن الذي يجب أن يعرفه المواطن المصري أن الرئيس مبارك لم يتخلى طواعية عن السلطة كما أشيع، وتم نقله للكافة عبر كلمة قصيرة متلفزة ألقاها اللواء عمر سليمان؛ فقد كان الرئيس مبارك مصراً على إبادة المتظاهرين، وإراقة الدماء، وقد ذهب إلى غرفة عمليات القوات المسلحة، وقام بالتوقيع على الخطة "إرادة" التي أُعدت للتنفيذ عن طريق القوات الجوية في حال حدوث شغب في البلاد، وهو ما يعني قتل 3 مليون مصري متواجدين في ميدان التحرير.

     .. ورفضت القوات المسلحة تنفيذ الخطة تنفيذ ارادة في مواجهة الثوار، وقررت حماية الثوار والاحتماء بهم؛ بالقيام بانقلاب ناعم بغطاء من إرادة شعبية حسبما جاء في مذكرات الفريق سامي عنان التي نشرت بعض حلقاتها في الصحف ثم اختفت في ظروف غامضة .

     اتفق المجلس العسكري علي عدم تنفيذ تعليمات مبارك لأن الخيار بين بقائه في الحكم، وإبادة 3 ملايين مصري كان مرعباً .. وبعد أن علم مبارك بقرار الجيش اتصل بالمشير وسبه، وقال له :

ـ "انتوا بتخونوني".

     وتمادى مبارك في تسفله على القيادات العسكرية؛ فأصدر المشير طنطاوي التعليمات بتحويل ابراج الدبابات تجاه القصر الجمهوري في رسالة معلنة وواضحة لمبارك والمتعاطفين معه، وكان يوما عصيبا علي أسرة مبارك .. بكى أفراد من الحرس، وتشاجر علاء مبارك مع شقيقه جمال، وحمله المسئولية عما يحدث لوالده هو اصدقائه من "غلمان أمانة السياسات" وبكت سوزان مبارك،     .. وحلقت طائرات حربية فوق مبنى وزارة الداخلية لتحمل رسالة مماثلة إلى اللواء حبيب العادلي مفادها أن :"كل شئ قد انتهى.".

     كان خلع مبارك أشبة بعملية خلع ضرس صعبة؛ فقد عبر المخلوع بما ينبئ عن سوء نواياه تجاه الوطن وناسه، وأفصح عن الدماء السوداء في قلبه في جملة تطفح بالغل والكراهية والنذالة والخسة وفقدان الشرف؛ فقال :

     ـ هو طنطاوي عاوز البلد يبقي يشيلها، وانا حخليها خرابة..

***
     بعد مرور عام على الثورة، وفي الذكرى الأولى لها كتبت مقالاً بعنوان : "ياسر بكر يكتب : عفوا سيادة المشير .. ليس تمام يا أفندم!!" أبديت فيه مخاوفي مما يجري على الأرض .. وقد تحقق ما كنت أحذر منه؛ وفشلت ثورة 25 يناير 2011 شأن كل الثورات التي لم تكتمل !!

     نص المقال :

      "ياسر بكر يكتب : عفوا سيادة المشير .. ليس تمام يا أفندم!!

       أُشهد الله أننى لم أكن انتوى الكتابة فى هذا الأمر لولا دعوة كريمة وردت إلى من المشير طنطاوى فى (خطابه التصالحى) عبر تليفزيون الدولة بمناسبة 25 يناير، بدأ المشير كلمته بتوجيه التحية للجميع على طريقة "شُوبَش" يا ولاد الحِتة؛ فبعد تحية الرجالة والجدعان، والصحبة الحلوة اللى شرفونا،  أخذ المشير على طريقة سلفه مبارك فى الطعن فى الموقف الوطنى لكل من اختلف معه أو انتقد أفعال مجلسه الأعلى، ومطالبتهم بمراجعة موقفهم الوطنى؛ فقال فى كلمته نصا وبالحرف الواحد:

     (.. ومن المؤكد أن كل من اختزل دور القوات المسلحة ومجلسها الأعلى ودورها الوطنى فى موقف ما ، عليه أن يراجع موقفه الوطنى) .

     ولأن الدعوة كريمة، فلم أكذب خبر وبدأت المراجعة فى التو واللحظة، ولِمّ لا ؟!، فالشيطان شاطر، والنفس أمارة بالسوء، ومن الممكن أن أكون بدون قصد سقطت فى شراك دولة العدو أو خدعتنى جاسوسة حسناء، أوأصبحت من أصحاب الأجندات الأجنبية أو أمسيت من القلة المندسة وخاصة بعدما ظهرت علىّ علامات الثراء المفاجئ فاشتريت للعيال أثنين كيلو برتقال، وكيلو كامل بـ "طبة الميزان" من لحم الجمعية !!

     بدأت المراجعة بطرح عدة أسئلة على نفسى بطريقة وكيل النيابة الشاطر على أمل أن أضبطنى متلبساً، لكنى كنت حويط ولم تنفع معى كل الحيل لأقر وأعترف !!، فجاءت إجاباتى كلها موزونة بميزان الذهب، وأصررت أمام نفسى على أننى أعشق جيش بلدى الذى أديت خدمة العلم تحت لوائه، ودفعت ضريبة الدم فى عام خدمتى الإجبارية، وأننى أوقن أن جيش بلدى هو سترى، وغطائى،  ودرعى، وخندقى الأخير .

      ورحت أتعجب من حالى، وأستعجب من أمرى، واتسأل : إذا كنت أحب جيش بلدى كل هذا الحب، فلماذا كل هذا الضيق من أفعال مجلسهم الأعلى ؟!

       وأخذت أضرب أخماس فى أسداس، وخاصة أن (المنايفة) بلدياتى  يحبون الجندية لدرجة أنهم صكوا مثلاً صار من التراث الشعبى، وأصبح من مأثور القول، وهو قول المنوفى محدثاً نفسه :

 "شريطين على كُمى ، ولا فدانين عند أمى !!"

      .. وبعد أخد، ورد، ويا ترى،  ويا هل ترى إيه الحكاية والرواية ؟! 

     .. ولأننى فلاح قرارى أعشق البحث عن "الإنة"، ومعرفة "الفولة"، وأصل المشكلة من أول "الطقطق لغاية السلامو عليكم"؛ رحت أفتش فى طوايا النفس؛ فقلت لنفسى يجوز لأننى أكره فرعون الذى قال بنص القرآن الكريم: (أنا ربكم الأعلى) والمجلس العسكرى لا يكف ليل نهار عن تذكيرنا بأنه: (مجلسنا الأعلى)، ولكنى سرعان ما طردت هذا الخاطر السخيف، واستعذت بالله من همزات الشيطان .
   
       ولأن فى الإعادة إفادة بدأت مرة أخرى فى استعادة تفاصيل المشهد بداية منذ نزول الجيش عشية 28 يناير، وفى أقل من ساعتين سيطر على مفاصل البلاد، لكن الذى حمى الأحياء هم أبنائنا شباب اللجان الشعبية الذين كانوا يطرقون أبوابنا لطمئنتنا، والاطمئنان علينا، بل وفى أغلب الأحيان قضاء حوائج الشيوخ أمثالى من الخبز والدواء .

      مع ظهر يوم 2 فبراير وقف الجيش يشاهد الفلول من راكبى الجمال والخيول و"عربات الكرته"، وهم يسحقون المتظاهرين فى الميدان، والتمسنا له العذر فجيش مصر أكبر وأعظم من أن يكون طرفاً فى "خناقة" !!!

     لكن مع الساعة السادسة من مساء يوم الخميس 10 فبراير، ومع البيان الأول للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، أدركتُ وهو مجرد رأى صواب يحتمل الخطأ أو رأى خطأ يحتمل الصواب أن القادة أداروا معركتهم بذكاء فلن يتورطوا فى حمامات دم فى ميدان التحرير الذى كان مبارك ينتوى تنفيذ الخطة "إرادة" فى ساحته لسحق المتظاهرين على طريقة ميدان التينامين فى الصين 1989 .

     كما أدركت أن القادة  قرروا أن : "يتغدوا بمبارك قبل أن يتعشى بهم"، فى انقلاب عسكرى ناعم مغلف بإرادة شعبية  !!، يعنى من الأخر وعلى رأى أولاد البلد ـ دوغرى وعلى بلاطة ـ الجيش حمى الثورة واحتمى بها، ومحدش أحسن من حد، ولا فضل لأحد على آخر !!
      ***

      يا سيادة المشير ، تمام يا فندم، لقد راجعت موقفى الوطنى، والتمس ـ التفضل ـ من سيادتكم بمراجعة موقفكم الوطنى أيضاً، وإعداد كشف الحساب قبل 30 يونيو 2012، وأتعشم أن تجيب عن هذه الأسئلة قبل أن ينفذ رصيدكم لدى الشارع الذى أصبح المصدر الفعلى للسلطات :


     1 ـ لماذا تركتم جرذان  مبارك شهرين كاملين يعيثون فى البلاد فساداً ويطمسون أدلة ثبوت قتل المتظاهرين، ويفرمون الأوراق، ويهربون الأموال ؟

       2 ـ .. ولماذا انقلبتم على التعديلات الدستورية والإرادة الشعبية التى قال بها الشعب فى استفتاء 19 مارس 2011 ؟!

       3 ـ .. ولماذا قدمتم شباب الثوار للمحاكمات العسكرية ؟!

    4 ـ .. ولماذا استدعيتم رجالات من قضاة مصر للمثول أمام النيابة العسكرية؟!

      5 ـ .. ولماذا كل هذا العنف فى ميدان التحرير، وماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء ؟!

    6 ـ .. ولماذا أبقيتم على أبواق مبارك فى تليفزيون الدولة، وصحفها؟!

  7 ـ .. ولماذا انتهاك أعراض، وأجساد حرائر مصر فيما أسموه (كشوف العذرية) وسحلهم فى الشوارع؟!

***

     عفوا يا سيادة المشير؛ فلا خير فى إن لم أقلها ولا خير فيك إن لم تسمعها، فكلانا أنا وأنت أمام الدستور والقانون سواء، ولا أحد منا له فى مصر نصيباً أكبر من الآخر؛ فكلانا له فيها تاريخ وعَرّق وأبناء ومقبرة تضم رفات الأباء والأجداد.".

***

    وفي يوم الخميس 29 أكتوبر 2014 انتهت سنوات خدمتي القانونية في مجلة "المصور" ببلوغ سن الإحالة للمعاش، وتحررت من قيود الوظيفة، وقررت أن أكتب شهادتي على العصر، والبوح ببعض أسرار وخفايا بعض الحكايات من «زمن الخوف» .


             
الفصل السادس :
ـــــــــــــــــــــــــــ

حكايات من زمن الخوف

 حالت الظروف التي أحاطت بالصحفيين، .. وألمت بالصحافة، وأوقعتها في أسر الرقابة والخنوع للحاكم وجعلتها رهينة المحبسين .. محبس التبعية للحاكم، ومحبس الدعم الحكومي الذي بدونه لا يمكنها الاستمرار؛ فحالت دون نشر حقيقة الخبر عن حقيقة الحدث كما جرت وقائعه على الأرض !!..؛ لذا فقد أعدت نشر بعض الوقائع كما حدثت في الواقع دون تحريف أو فلترة أو تنميق ليس بغرض مساءلة الماضي بما يحمله من صوابات وأخطاء؛ إنما بغرض الحوار مع المستقبل؛ فالماضي لن يعود .. لقد أصبح تاريخاً، وأهمية «التاريخ» أنه الحدوث في نهر الزمن المتدفق من الماضي عبر الحاضر ليصنع المستقبل .. لا أخفي عشقي للتاريخ، وتفهم مقاصده منذ قرأت في شبابي كتاب بعنوان: «الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ» للإمام شمس الدين السخاوي من أعلام العصر المملوكي، ولكني أرفض تماماً فكرة العيش أسير أحداثه مهما كان سحره أو قبحه في واقعه أو في خيالي.

     .. كما إن الحكي هنا ـ أيضاً ـ استجابة لرغبة ذاتية للتخلص من «كراكيب الذاكرة» من أجل الاستشفاء والتداوي بـ «مُر وعلقم» الكتابة مما أصابني من أوجاع النفس في سنوات العمل الصحفي!!

      . وفي الحكي أقدم الحكاية التي وراء الحكاية، .. والحكاية من داخل الحكاية، .. والحكاية بما تحمله من معاني وأكواد ورموز وشفرات .. أقدم ملامح مكان وزمن وأخلاق وسلوك ناس عاشوا فيهما .. أقدم «حكاية وطن» من خلال وهج وسحر الحكيّ،.. وأرسم صورة لـ «وجه الوطن» عبر فسيفساء الحكايات.

      .. فكانت هذه الـ «حكايات من زمن الخوف».. وفي زمن الخوف تكون الحكايات دائما واجفة مرتعشة مثل ضوء البرق .. يخطف الأبصار لكنه قد ينير للحظة وسط العتمة طريقاً .. تكون الحكايات خائفة مثل الهمس الجبان الذي ينتظر الفرصة المواتية التي تجعله أقرب إلى صوت الرعد الذي ينطلق زاعقاً ليمزق حاجز الصمت، ويهتك حجب الكتمان !!.

     كانت أولى الحكايات التي استرعت انتباهي «موت د. درية شفيق» بهذه الطريقة الدراماتيكية .. السيدة لم تنتحر في زمن القهر، وفقدان الحرية وبقائها رهن الإقامة الجبرية طوال 10 سنوات؛ فلماذا تنتحر وقد عادت لها حريتها وسمح لها بحرية التنقل والسفر إلى باريس ورؤية بناتها (عزيزة وجيهان)، وأحفادها ؟! .

درية شفيق
لم تنتحـــر :
ــــــــــــــــــ

      درية شفيق إحدى رائدات الحركة النسائية، والحاصلة على دكتوراة الفلسفة من جامعة السربون، ورائدة الصحافة النسائية في مصر، وصاحبة امتياز إصدار مجلة «بنت النيل»، وأشهر من واجهت الرئيس عبد الناصر بحقيقة أمره في «زمن الخوف» وأنه ديكتاتور لا يصلح لحكم مصر عندما جبن الرجال، وابتلعوا ألسنتهم؛ ففرض الإقامة الجبرية عليها في مسكنها .

      .. مازال البعض يتداول قصة موت درية شفيق في 20 سبتمبر 1975 في إطار «نقص المعلومات» أو في إطار «التعمية والتعتيم وتزوير التاريخ» على أنها حادث انتحار .. لكن الطبيب الشرعي د. أحمد فخري الذي فحص الواقعة كان له الرأي الفصل المدعوم بالدليل الفني !!

    فقد استرعى انتباه د. أحمد فخري أثناء المعاينة أن سور سطح المنزل المفترض أنها سقطت منه حديث الطلاء بالجير الأبيض، .. وأسرع الطبيب يمرر أصابعه على طلاء السور الجيري، وعندما تلوثت اصابعه بمادة الجير؛ أسرع يفحص نعلي حذاء درية شفيق من أسفل، ولما لم يجد بهما أثار لمادة الجير داخله شك أن المجني عليها قد أُسقطت ولم تسقط ولم تنتحر، وصار الشك يقينا عندما وجد أن ارتفاع السور 160 سم، وأن طول قامة الضحية 155 سم بما يتعذر معه إلقاء نفسها دون الصعود أعلاه بما يخلف أثاراً لمادة الجير على نعلي الضحية، وخاصة أنه لم يتم العثور في مسرح الحدث على كرسي أو سلم أو أشياء يمكن الاستعانه بها!!

      أهدرت النيابة الدليل الفني .. وقيدت الواقعة انتحاراً .

    .. ومازال خيط رفيع يصل بين شرفة الليثي ناصف في لندن، وسطح منزل درية شفيق وشرفة ميمي شكيب في القاهرة، وشرفتي سعاد حسني وأشرف مروان في لندن .

         كان أسلوب إلقاء جثث الضحايا من الشرفات أحد الوسائل الاحترافية للقتلة المتمرسين لإخفاء آثار التعذيب على أجساد الضحايا من كدمات وسجحات وجروح وكسور وردود .

الشيخ الشعراوي
وزوجة الرئيس .. والسؤال الناقص !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    بعثت السيدة جيهان السادات إلى الشيخ الشعراوي من يستطلع رأيه في مشروع قانون الأحوال الشخصية، وقال الشيخ : «إن الإنسان إذا تدخل في شرع الله أفسده»، وغضبت جيهان وأقسمت أن تطرد الشيخ من الوزارة إلا أن الشيخ فوت عليها تلك الفرصة بالاستقالة !!

     وفي حفل زواج جيهان الصغيرة من المهندس محمود عثمان كان الشيخ الشعراوي يجلس مع الرئيس، وعثمان أحمد عثمان، وجاءت جيهان السادات وقالت :
      ـ إزيك ياشيخ متولي .
      ـ الحمد لله .
      ـ عامل إيه بعد وفاة زوجتك ؟!
     ـ الحمد لله .
     ـ بنتك هيا اللي بتخدمك ؟!
     ـ نعم .

     وقبل أن تفتح فمها بسؤال آخر ..  قال الشيخ :

      ـ فيه سؤال نسيتي حضرتك تسأليه !! .. نسيتي تسأليني طبخين إيه النهاردة ؟!!

      .. واستغرق الرئيس وعثمان أحمد عثمان في نوبة ضحك، وانصرفت جيهان السادات، وهى تكاد تنفجر من الغيظ !!

الرئيس .. والمطربة
.. وأفراج الحصري :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

     داعبت المطربة أم كلثوم  أنور السادات بإحدى دعابتها المعتادة له في زمن «ما قبل الرئاسة»، ولم ترق الدعابة جيهان السادات فنهرتها قائلة : «احترمي نفسك .. أنت بتكلمي رئيس جمهورية .» .
       كان هذا الموقف إشارة لانحسار الحماية السياسية والسلطوية التي عاشت في كنفها أم كلثوم طوال حياتها، فأصبحت «ملطشة»، وتعرضت لمشاكل «مكايدة الحريم»، وتعثر مشروعها الخيري، وتم السطو عليه ومرضت ووافاتها المنية .
     
      وبدأت رحلة البحث عن من يملأ الفراغ الذي خلفته أم كلثوم .. أتجهت الأنظار في البداية إلى سوزان عطية، وإلى إجلال المنيلاوي ثم تمت المفاضلة بينهما، وانتهت تقارير الاستماع بأن كلتيهما لا تملك أداءاً مميزا، وأنهما تؤديان تقليداً لأداء أصوات معروفة وذائعة الصيت . 

     وبعد طول بحث أرشدت زوجة بهجت الدمهجوي رئيس قسم المراسم بمجلس الشعب عن أفراج الحصري الموظفة بالمجلس، وأفاضت في وصف جمال صوتها في الغناء في المناسبات الاجتماعية الخاصة، والتقطت جيهان السادات طرف الخيط .. وتم عمل اختبار للبنت، وتم تجييش المؤلفين والملحنين وعلى رأسهم محمد عبد الوهاب وأحمد فؤاد حسن لصقل موهبتها، غير أن البنت أبدت تخوفها من عدم موافقة والدها، وقيل لها : «ولا يهمك .»، وتم استدعاء فضيلة الشيخ محمود خليل الحصري لمقابلة الرئيس السادات الذي أخبره بما يُعد لابنته، ولما حاول الشيخ أن يبدي اعتراضا .. نهض الرئيس السادات واقفاً وماداً يده للمصافحة معلناً انتهاء المقابلة، وأن هذا قرار لا رجعة فيه.

       ظل الشيخ يشرب دموعه ويلعق أحزانه، وتفاقمت أواجاعه؛ فبعد أن كان يدعى لمحافل أهل العلم لتكريمه بصفته أفضل من رتل القرآن وجوّده في عصره .. كان يدعى لتوبيخه وإهانته على تهاونه مع ابنته التي تبرأت من اسمه، وحملت اسم «ياسمين الخيام» ذلك الآسم الذي اختاره لها د. رشاد رشدي المستشار الثقافي للرئيس السادات، وبلغت ذروة المأساة بالشيخ الجليل عندما أمسك أحدهم يده أمام الحجر الأسود، وهو يطوف بالكعبة قائلاً:
     ـ « ادعو ربنا يأخذ بنتك، ويرحمك من عارها .».
      
      ومضى فضيلة الشيخ الجليل في طوافه في صمت، ودون أن ينبث ببنت شفة ودموعه تنساب على وجهه، وتتخلل لحيته، وتبلل ملابس إحرامه !!
     .. وانتقل الشيخ الجليل إلى رحمة الله .. وقتل أنور السادات .. وذهبت «ياسمين الخيام» إلى مزابل النسيان مثل كل ظاهرة مصنوعة لا تلقى قبولاً مجتمعياً .

أسكندرية .. «أمانة»
يا حـــــاج رشـــاد !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

       كانت النار تحت الرماد في الإسكندرية ..  في مينا البصل والورديان معقل الصعايدة من عزوة رشاد عثمان وبلدياته .. كان الجميع يطالب بالثأر بعد مقتل شقيق رشاد عثمان على يد أحد أفراد أسرة السادات في خلاف على شحنة من تجارة «الكيف» !!

      .. كان رشاد عثمان بين نارين .. نار أعراف الثأر التي نشأ عليها وضغوط البلديات، ونار المصالح  التي يصعب التفريط فيها؛ فالرجل بدأ حياته «عتال»  بميناء الإسكندرية حتى صار مثالاً صارخاً لتلك الطبقة التي نشأت في عهد السادات، ونجح المسئولون في إقناعه بالتريث انتظاراً لقرار الرئيس و «أن الحي أبقى من الميت»؛ ولتبييض وجهه أمام العزوة والبلديات استصدوا تقريراً من الطب الشرعي نشر في جريدة الأهرام في صفحتها الأولى .. جاء فيه :

«أن القتيل مصاب بـ 37 طلقة بالظهر  .. وأن الحادث انتحار .».
    
 ولم يقتنع البلديات ، وظلت النار تحت الرماد .. وجاءت تقارير المعلومات تؤكد أن الوضع من المحتمل أن يتفاقم نحو الأسوء .. وأوصت التقارير بضرورة زيارة الرئيس للإسكندرية لنزع فتيل الأزمة.

    .. وزار الرئيس الإسكندرية، وقدم العزاء وفي إطار تهدئة النفوس وجبر الخواطر قال السادات لرشاد عثمان: «أنا سايب اسكندرية أمانة في رقبتك يا حاج رشاد»، وحكم الرجل الطفيلي الجاهل الإسكندرية بوعد شفهي من السادات، وتصرف في مقدراتها باعتبارها إقطاعية ورّثها له الرئيس؛ فزالت عنها المسحة الأوربية، وأصبحت أقرب إلى «عزبة الصعايدة» التي تصرف مخلفاتها في مياه البحر.
       ولم تبرأ الإسكندرية من سقمها إلى يومنا هذا .

جهيمان العتيبي ..
وسـوسـن بـدر :
ــــــــــــــــــــــــــ

    دفع جلالة الملك فيصل حياته ثمناً للإلتزام بالموقف العربي؛ ففي حديث دار بينه وبين كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي قال كيسنجر :

       ـ جلالة الملك طائرتي في المطار بدون بنزين؛ فهل تسمح جلالتكم بأن تأمر بتموينها ؟!

    ورد جلالة الملك فيصل :

      ـ يا سيادة الوزير : أنا شيخ كبير، وكنت أود أن أصلي ركعتين في القدس قبل أن ألقى ربي؛ فهل تحقق لي هذه الأمنية؟! .
ودفع جلالة الملك فيصل حياته ثمناً لموقفه على يد الأمير فيصل ابن مساعد الذي أُجريت له عمليات غسيل دماغ في أمريكا .

       وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل شعرت السعودية أن مصر خرقت الاتفاق وخانت الثقة، لم تكن السعودية في الواقع ضد الصلح مع إسرائيل، ولكن كانت معترضة على تخطيها من قبل السادات، وأسلوبه في التفاوض، وأزعجت الدبلوماسية السعودية الأمريكان بتعليق عضوية في جامعة الدول العربية، وتجميد عضويتها في منظمة العالم الإسلامي، ووقف المعونات الاقتصادية لها (5,3 بليون دولار)، وفي تلك الفترة استخدم السادات كل ما في قاموسه من شتائم ليسب النظم العربية التي رفضت سلامه؛ فوصف العراق بالبلطجة والدموية، وسوريا بالخيانة، والسعودية بالفساد ..

     .. وفشلت الجهود الأمريكية في إثناء السعودية عن موقفها، وأشترط الملك فهد إزاحة كل من بيجن والسادات عن سدة الحكم في بلديهما، وإعطاء حقوق مقبولة للفلسطينين بشأن القدس .

    كانت إزاحة بيجن سهلة أما السادات فدوره المرسوم لم ينتهي بعد بالنسبة للأمريكان والصهاينة!! وكانت الخطوة التالية هو مواصلة الضغوط الدبلوماسية المصحوبة بالعمل السري الخفي، وكانت الخطة تعتمد على فتح الثغرات في مناطق الضعف في الدول التي رفضت التسوية، وفي 20 نوفمبر 79 بدأ اقتحام واحتلال بيت الله الحرام في مكة المكرمة، والاعتصام فيه لمدة 22 يوم هى أصعب ألأوقات بالنسبة للسعوديين والمسلمين في جميع العالم الإسلامي، في تلك الأحيان أعلن قائد الاقتحام جهيمان العتيبي رفضه للحكم السعودي، ووصفه بأنه غير شرعي، واستنكر الفساد الأخلاقي والاجتماعي.

      كانت المؤامرة أمريكية من بدايتها وتم تنفيذها عن طريق رجلهم جهيمان العتيبي الذي سهلوا له المهمة في نصفها الأول، وتخلوا عنه في نصفها الثاني، وتركوه يُقتل؛ فقد أدى دوره، وكان المطلوب منه هو إحداث هزة في العرش السعودي وليس هدمه، .. وقد وصلت الرسالة !!

        كانت الرسالة الثانية :

       في يونيو  1979موَّل الأمريكان فيلم «موت أميرة»، وتم تصويره في مصر بدعم من رئاسة الجمهورية والرئيس السادات شخصياً، وتم تصوير مشاهد الفيلم بين القاهرة وبلطيم، وقامت بدور البطولة سوسن بدر، وكتب السيناريو والحوار صلاح جاهين، وقام بتمثيل دور ثانوي فيه، وأشرفت على الإنتاج شركة أفلام يوسف شاهين من خلال شركة وهمية تم اختيار اسم وهمي لها، وهى شركة «صن توب»، والفيلم يحكي فصة علاقة غير شرعية ربطت بين أميرة سعودية تدرس في كلية البنات ببيروت، وشاب فلسطيني يدرس في الجامعة الأمريكية هناك .
        كان الفيلم يحمل إساءات بالغة للأسرة الحاكمة في السعودية وأميراتها، وعرض الفيلم في 9 أبريل 1980 في قناة التليفزيون الإنجليزية «أى . تي . في» .

عمر خورشيد
تحطم  قيثارة :
ـــــــــــــــــــــــــ

      في الساعات الأولى من صباح يوم 29 مايو1981لقى عمر خورشيد مصرعه في حادث سير بينما كان عائدا مع زوجته عارضة الأزياء اللبنانية وخبيرة المكياج جيرالدين (دينا) من سهرة جمعته ببعض الأصدقاء، وفي الطريق غازل زوجته شابان يستقلان سيارة خضراء اللون من طراز «بويك»، واستشاط عمر غضباً، وعلى طريقة «فتوات الشوارع» قرر معاقبة الشابين، وانطلق خلف السيارة التى هربت إلى طريق مصر ـ إسكندرية الصحراوى، وأثناء المطاردة كان عمر يقود سيارته بسرعة 100 كيلو متر، وفى موقع بين منتصف المسافة بين فندق مينا هاوس ومطعم «خريستو»، اختل توازن السيارة، وفقد عمر التحكم فيها لتصطدم بجزيرة تتوسط الطريق، ويصاب عمر خورشيد بنزيف فى قاع الجمجمة، ويتوفى وهو فى طريقه إلى مستشفى الجمعية الإسلامية بالعجوزة، وتم نقل دينا زوجته للعلاج وهى مصابة بجروح بالغة، .. وقيدت القضية ضد مجهول .

      .. وسرت في الشارع المصري شائعات عن تصفية عازف الجيتار بمعرفة أجهزة أمن مصرية، وربطت تلك الشائعات بين علاقة ربطت عازف الجيتار، ونانا الإبنة الصغرى للرئيس السادات والأثيرة إلى قلبه .. كان الرئيس السادات يحاول الحفاظ على صورته كرجل ابن بلد وفلاح متمسك بالتقاليد ورئيس مؤمن، ولم يحل ذلك دون قيام جيهان زوجته اللامعة بالترويج لنموذج السادات «المتأمرك» بإدخال منصب «السيدة الأولى» إلى مصر، .. وسارت نحو التغريب من خلال ما اسمته قوانين حماية حقوق المرأة المصرية .. بذات الأسلوب الذي لجأت إليها رئدات الحركة النسائية في مصر (نازلي فاضل ـ صفية زغلول ـ هدى شعراوي) اللائي كن في الواقع عميلات للصهيونية العالمية والماسون .

     وسارت جيهان السادات في هذا الاتجاه بخطوات اتسمت بالرعونة التي رصدتها الصحافة العالمية في عدة صور منها صورة للمطرب خوليو أجلسيوس، وهو يحتضن السيدة جيهان من ظهرها، وصورة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر وهو يراقصها ويطبع قبلة على خدها.

    .. جعلت تلك  التصرفات الرئيس السادات مستهدفاً بحملة تشوية طالت زوجته وبناته، ومن ثم كانت شائعات الربط بين موت عازف الجيتار صديق الأسرة ، وعلاقة ربطت بينه وبين نانا الإبنة الصغرى للرئيس السادات.

اغتيال السادات :
ـــــــــــــــــــــــــــ

      قبل ظهر يوم 5 أكتوبر 1981 كنا  بصدد إنهاء العمل في مجلة «المصور» .. لم يعد مفتوحاً من صفحات المجلة سوى صفحتين مخصصتين للعرض العسكري الذي يحضره الرئيس السادات بعد الإنتهاء منهما تبدأ أجازة عيد الأضحى المبارك.

     حمل إلينا مدير التحرير خبراً مفاده أن البث التليفزيوني للعرض قد تعطل بعد سماع صوت طلقات نارية، وأن الأمر يبدو مربكاً.

    كانت أجواء سبتمبر تلقي بظلال من الغضب على أنحاء مصر، وكان السعوديون مصرون على إزاحة الرئيس أنور السادات عن سدة الحكم في مصر لينضموا إلى ركب الصلح مع إسرائيل؛ فهم لا يستطيعون نسيان إساءاته البالغة لهم، وبعد أن حصل الأمريكان من الرئيس السادات على كل ما أردوا .. لم يعد يلزمهم في شئ رأوا تحقيق المطلب السعودي؛ فطلبوا من المخابرات المركزية الأمريكية .C.I.A أن يدرسوا الأسلوب المناسب لوضع النهاية المناسبة لقصة السادات .

       وجاء التقرير أن :

     «السادات شخص مخادع، فهو يعطي كل الأطراف انطباعاً أنه يملكه ويسيطر عليه، وهذا غير صحيح لأنه في النهاية مثل الزئبق لا يمكن الإمساك به؛ فهو يشتري بسرعة ويبيع بسرعة، ولا يسأل عن الثمن؛ فالمهم عنده ليس المكسب والخسارة، وإنما الاستمرار في اللعب للنهاية .».

      وخلص تقرير المخابرات المركزية الأمريكية .C.I.A أن السادات شخص مغامر، ولا يمكن الوثوق به أو في تصرفاته، ولا يمكن التنبؤ بها، وأنه يمكن الرجوع في المسافة التي قطعها في الصلح مع إسرائيل بعد استرداد سيناء في 25 أبريل 1982، ومن ثم يكون من المصلحة وضعه على رف المعاش، ولأنه شخص عنيد، ولا يقبل ولا يستطيع العيش بعيداً عن السلطة؛ فالتعامل الأمثل معه لا يكون إلا بالرصاص .

     ضلل الأمريكان السادات قبل أن يسلموه لـ «تنظيم الجهاد» لقتله، وقاموا بتفريغه من عناصر القوة ليصبح شخصاً منبوذاً Out Coast كانت عناصر القوة لدى السادات : شعبيته الجارفة، ورغبته في البناء الأقتصادي ووعوده بالرخاء، وصورته في المجتمع الأمريكي، وتم تفريغ السادات من كل تلك العناصر وتجريده من أوراق اللعب؛ فقد خاصم السادات جميع القوى السياسية بقرارت 5 سبتمبر 1981، وغرقت مصر في بحر الديون الخارجية والعجز المالي المزمن، أما صورته في المجتمع الأمريكي فقد جرى تشويهها بعد أن وصفته وسائل الإعلام الأمريكية بالديكتاتورية وجنون العظمة .

حريق القاهرة
شهادات .. وحكايات :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

       لم يقدم فؤاد سراج الدين (وزير الداخلية آنذاك) طوال حياته معلومة واحدة تفيد في الكشف عن سر حريق القاهرة  26 يناير 1952؛ ففي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ذهب إليه كل من د. عبد العظيم أنيس ود. رءوف عباس (من قسم التاريخ الحديث بجامعة القاهرة) بحزمة من الأسئلة وتراوحت إجابات الرجل بين :

      ـ لا أعرف .. جائز .. ممكن .. محتمل ..!!

      وأعاد الكرة بعد ذلك  د. عبد العظيم رمضان ( المؤرخ ورئيس قسم الكتابات التاريخية بالهيئة العامة المصرية للكتاب) ولم تتغير إجابات الرجل .. جاءت محاولة د. رمضان لاستنطاق الرجل في وجود المؤرخ الانجليزي من أصل يوناني  ت. س. فاتكيوتس الذي تم استدعاؤه لفحص مذكرات النحاس باشا التي وجدت في خزينة أوراق د. محمد الظواهري (طبيب العيون بالإسكندرية)، ومطابقتها بالمذكرات التي قدمها سكرتير النحاس محمد كامل البنا !!

       لدينا أربع شهادات تؤكد أن الذي أحرق القاهرة هو تنظيم «الضباط الأحرار» ببودرة النابلم التي قدمها لهم الأمريكان، والتي لم تكن معروفة في ذلك الحين .

    الشهادة الأولى : شهادة حسن العشماوي في مذكراته بعنوان «مذكرات هارب».

    الشهادة الثانية : شهادة ابراهيم طلعت في مذكراته .

     الشهادة الثالثة : شهادة أحمد أبو الفتح التي دونها الزميل الأستاذ محمود فوزي .

      الشهادة الرابعة : شهادة سيد جاد عضو الحرس الحديدي في كتابه بعنوان: « الحرس الحديدي» .

         ملحوظة : ت .س . فاتكيوس مهتم بالشأن المصري وقد كتب كتابين عنه في غاية الأهمية هما : «عبد الناصر وصحبه»، و«الجيش المصري والسياسة».


موت ميمي شكيب
.. «دلوعة الهوانم» :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      
       في الساعات الأولي من صباح يوم 20 مايو 1983 استيقظ سكان شارع عبد الحميد سعيد بوسط البلد على صوت إرتطام جسد امرأة في ثياب منزلية برصيف الشارع أمام سينما أوديون، وتبين أنها النجمة ميمي شكيب جميلة الجميلات بمقايس الجمال في زمانها،.. و«دلوعة الهوانم» في السينما المصرية .. سقطت ميمي شكيب أو أُسقطت من شرفة منزلها !! .

     .. لا أعرف حتى الأن لماذا ربطت بين حادثي الموت المأساوي لكلاً من ميمي شكيب وسعاد حسني (يرحمهما الله) في كتابي بعنوان : «المذكرات والقتل النظيف»، ولا كيف فرض حادث وفاة ميمي شكيب نفسه علىّ بكل ملابساته، وتذكرت كيف تم انتداب المحامين للدفاع عن الجواسيس، وأهان طلاب جامعة القاهرة الأستاذ الدكتور جمال العطيفي لكونه قبل الدفاع عن ميمي شكيب في قضية غير حقيقة تم تلفيقها في إطار «التلاعب السياسي» وصراع الأجهزة في دول المنطقة !!

موت سليمان خاطر
حادث انتحار ؟! ، أم جريمة نحر ؟ !:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

       موت الرقيب مجند أمن مركزى / سليمان محمد عبد الحميد خاطر!!

       .. هل كان الموت حادث انتحار ؟! ، أم جريمة نحر ؟ !
.. تلك هى القضية .

      فإن صحت رواية الانتحار ، فلماذا ينتحر ؟ بعدما نقل إليه الصحفى مكرم محمد أحمد رسالة من جهة سيادية مضمونها بأن عليه أن يتحمل بضع شهور حتى يتم تسوية الأمر والإفراج عنه، حسبما أعلن مكرم ـ وهو حى يرزق ـ فى جمع من الصحفيين يزيد عن 750 صحفياً فى مؤتمره الانتخابى لمنصب النقيب فى مساء يوم الأربعاء 1 مارس 1989 بقاعة يوسف السباعى بمبنى نقابة الصحفيين القديم .

    .. وإن صحت رواية النحر، فمن صاحب المصلحة؟، ومن المستفيد؟، وهل عجزت الدولة عن حماية سجين فى محبسه؟!

     .. تساؤلات مشروعة يكفلها حق التساؤل، وهو حق إنسانى وتاريخى لا يسقط بالتقادم .

      .. ويظل واجب الإجابة عليها دينا واجب السداد فى عنق من يعرف الحقيقة ولا يسقط بالتقادم أيضا .

البيان الحكومى عن الانتحار :

     فى تمام الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر الثلاثاء 7 يناير 1986، أذاع راديو القاهرة في فى صدر نشرة الأخبار نبأ انتحار سليمان خاطر فى بيان رسمى صادر عن إدارة السجن الحربى !! ..

     .. كان البيان قصيرً ومقتضباً، .. وجاء نصه كما يلى :

       « في حوالي الساعة العاشرة من صباح الثلاثاء الموافق 7 يناير 1986 وأثناء المرور اليومي للحراس على الرقيب المسجون سليمان محمد عبد الرحمن خاطر المحكوم عليه في القضية رقم 143/ 85 جنايات عسكرية – السويس والمحبوس بمستشفى السجن الحربي للعلاج من مرض البلهارسيا وجد معلقا من رقبته بمشمع الفراش الخاص به بالقضبان الحديدية بشباك غرفته بالمستشفى فأبلغ الحارس طبيب المستشفى فورا الذي قام بفك رقبته، والكشف عليه، وإجراء عملية التنفس الصناعي له، وتدليك عضلة القلب إلا أنه كان قد فارق الحياة، وفور الإبلاغ بالحادث انتقل إلى مقر السجن المدعي العام العسكري ونائبه ورئيس النيابة المختص حيث باشرت النيابة العسكرية التحقيق على الفور، وقررت ندب كبير الأطباء الشرعيين بمصلحة الطب الشرعي التابعة لوزارة العدل وذلك لتشريح الجثة».

      الحادث فى صحافة القاهرة :

      فى اليوم التالى نشرت صحف القاهرة الثلاث (الأهرام ـ الأخبار ـ الجمهورية) البيان تحت عنوان: «انتحار سليمان خاطر في مستشفى السجن الحربي»،  .. «تقرير الأطباء الشرعيين: الوفاة بسبب إسفكسيا الخنق .».

      .. ونشرت جريدة الأهرام تحقيقا صحفيا، مع  بعض من وصفتهم الصحيفة بـ (علماء النفس) حاولوا فيه الإيهام بأن انتحار سليمان خاطرنتيجة طبيعية .. لأنه – على حد تشخيصهم لحالة سليمان خاطر دون سابق إجراء للكشف الطبى عليه – مريض بالاكتئاب المزمن .. ويعاني من الشعور بالذنب .. ومن الفصام العقلى!!

      وفى صباح الأربعاء 8 يناير صدرت مجلة «المصور» وعلى غلافها شريط باللون الأحمر بعنوان : «اللقاء الأخيرة مع سليمان خاطر في سجنه»، وعلى صفحتها الداخلية حوار رئيس التحرير معه في سجنه .. وحاول من خلاله الإيحاء بأن سليمان خاطر كانت تنتابه بعض حالات القلق والاكتئاب المفاجئة فى محاولة لتأكيد فرضية الانتحار !!

      .. ولم تخرج مجلة «أخر ساعة» عن ذلك الطرح ،  وزادت عليه بإجراء لقاء صحفى مع الطبيب الشرعى محمدى العراقى قام فيه بتمثيل كيف تمت عملية الانتحار تصويرياً، وعرض بمساعدة الدكتورة سمية حمودة مديرة المعامل قطعة القماش التى يقال أن سليمان خاطر قد شنق بها نفسه فى نافذة الغرفة، وأضاف أنها: « مصنوعة من نفس نوع القماش الذى تصنع منه ملابس الصاعقة وطولها 290 سم × 200 سم عرض»  .


وقائع القضية :

        المكان : النقطة 46 أمن مركزى برأس بركة ـ نويبع ـ جنوب سيناء ، اليوم: 5 أكتوبر 1985، الساعة : 45 ,16، منذ دقائق مالت الشمس نحو المغيب لتسقط فى مياه الخليج، لم يعد يظهر منها سوى بضع شعاع ينثر فى الأفق شفقاً أحمر، حكمدار النقطة رقيب مجند سليمان خاطر يقف منتصبا بالخوذة والشدة الميرى، لفحت وجهه نسمة خريفية أنعشت ملامحه المكدودة، نظر فى ساعته، باق من الزمن ساعة، ستون دقيقة بالتمام والكمال، وتنتهى نوبة حراسته ومعها سنوات تجنيده؛  فاليوم أخر يوم فى فترة تجنيده الإجبارية .

       بالأمس أقام له رفاق السلاح احتفالاً على قد الحال غنوا فيه «سينا رجعت كاملة لينا، ومصر اليوم فى عيد»  و»أمك تقولك يا بطل هات الانتصار»، وبعد أن تناولوا العشاء المكون من الجراية (الخبز الميرى) واليمك (الخضار المطبوخ بلغة القشلاقات)، ومع رشفاتهم لأكواب الشاى تمنوا للشاويش سليمان حياة سعيدة، وأن يذكرهم بالخير .. شكرهم الشاويش، وذهب لترتيب مخلاته (كيس اسطوانى من القماش السميك معد لحفظ الملابس وأدوات الإعاشة الخاصة بالجنود)، وتسوية هندامه استعداداً للسفر إلى مقر القيادة بشرم الشيخ لتسليم المهمات وإنهاء إجراءات فترة التجنيد، والحصول على شهادة أداء الخدمة بدرجة قدوة حسنة ، نظر فى ساعته مرة أخرى؛ دائما ما تكون الساعة الأخيرة ثقيلة وبطيئة، قال محدثاً نفسه : «فات الكتير ، ولم يبق إلا القليل»، غداً إن شاء الله يعود إلى قريته أكياد مركز فاقوس محافظة الشرقية؛ ليزرع الفدان الوحيد الذى تملكه الأسرة، والذى حمل عبء أشغاله نيابة عنه طوال فترة غيابه ابن عمته وصديقه شعبان.

      كذلك منى نفسه بأن يسعده الحظ ويعوض ما فاته من مقررات السنة الثالثة بكلية الحقوق جامعة الزقازيق التى التحق بها منتسباً .

    فى تمام الساعة 17، قطع اللحظة رؤيته لمجموعة من المدنيين يسيرون فى اتجاه نقطته، .. كانوا 12 شخصا من بينهم رجل ممتلئ يرتدي جلبابا من ذلك النوع الذي يرتديه السياح، وامرأة ترتدي مايوة قطعة واحدة .. وأخرى ترتدي مايوة «بكيني» ومجموعة من الصبية والفتيات .. صرخ فيهم بالعربية :«قف. ممنوع المرور»، وكررها بالإنجليزية «Stop . No passing»، لم يمتثلوا لأوامره ومضوا فى صعودهم نحو نقطة حراسته؛ بل أن أحدهم فى تحد وقح بصق على رمز السيادة على الأرض، أطلق سليمان النار من بندقيته عليهم؛ فقتل سبعة منهم، تبين فيما بعد أنهم يحملون جنسية دولة إسرائيل .

الرئيس مبارك أحاله
للقضـاء العسـكرى :

    بدأت قضية سليمان خاطر  قضية «مدنية» .. لكن الرئيس حسنى مبارك أصدر قراراً بإحالتها للقضاء العسكرى فأصبحت  قضيته «عسكرية» .

    .. بعد إلقاء القبض على سليمان اقتيد تحت الحراسة المشددة إلى ديوان قسم شرطة «نويبع»، وهناك أجاب على كل الأسئلة التي وجهها إليه مأمور القسم الذى تولى التحقيق معه .. وبعد أن انتهى التحقيق، سلمه المأمور إلى العقيد رضا الحمامى قائد ثاني قطاع الأمن المركزي بشرم الشيخ، والرائد أحمد الشيخ قائد ثاني سرية الأمن المركزى بنويبع .. بعد أن وقع الرائد أحمد الشيخ على المحضر الذى حرره المأمور بالاستلام؛ وقام الرائد أحمد الشيخ بنقل سليمان من مبنى القسم إلى مبنى القطاع في سيارة شرطة وسط حراسة مشددة ..

      .. فى تمام الساعة الثالثة والنصف من فجر يوم 7 أكتوبر 1985، وصل سليمان إلى سجن فنارةالعسكري مع مندوب من قطاع الأمن المركزي وسلمه المندوب بموجب الأمر رقم 11/ 200/ 85 بتاريخ 7 أكتوبر 85 إلى قائد السجن، العقيد محمد عبد الحميد على بعد أن أصدر قائد الجيش الثالث الميداني قراراً بحبسه حبساً مشدداً لمدة شهر من الساعة 14 يوم 6 أكتوبر 1985، .. وفى نفس اليوم توجه وكيل النيابة الأستاذ محمد نصر فتحي إلى قسم شرطة نويبع في تمام الساعة الثامنة والربع صباحا؛ لاستيفاء التحقيق، فلم يجد المأمور أو من ينوب عنه، .. وبالسؤال عنهما علم أنهما في مكان الحادث ، فقرر الانتقال إلى هناك..

      .. وهناك اطلع على المحضر رقم 186 لسنة 1985 الذى تم تحريره بمعرفة مأمور القسم فى ساعته وتاريخه، وتمت معاينة مسرح الحدث، وتحريز السلاح المستخدم فيه بمعرفة سيادته .

     .. وفى يوم 8 أكتوبر صدرقرار رئيس الجمهورية رقم 380 لسنة 1985 بإحالة «الجرائم المنسوب ارتكابها للرقيب مجند سليمان محمد عبد الحميد التابع لقوات الأمن المركزي، والتي وقعت منه بجهة جنوب سيناء بتاريخ 5 أكتوبر 1985 إلى القضاء العسكري، وما يرتبط بها من جرائم».

    .. هكذا تحولت قضية سليمان خاطر من قضية مدنية إلى قضية عسكرية!!

أوراق القضية رقم 143 لسنة 85
 جـــــنايات عســـكرية الســــويس :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      فى الصفحة الأولى من أوراق التحقيق مع الرقيب مجند سليمان خاطر فى مقر السجن العسكرى بفنارة يوم 8 أكتوبر 1985، والذى أجراه العقيد يحيى حسن قاسم رئيس نيابة السويس العسكرية فى الساعة التاسعة والخامسة والأربعين دقيقة مساءا، فى المحضر إشارة إلى عدم وقوع تعذيب أو إكراه على المتهم ويثبت رئيس النيابة حالة سليمان :

       «بدخول المتهم وجدنا أنه شاب فى نهاية العقد الثالث من العمر، قمحى اللون وشعره ناعم وليس بوجهه أو كفيه أو رقبته أى اصابات ظاهرة ويبلغ من الطول 180 سم، وكان مرتديا حلة السجن الزرقاء، وطلبنا منه خلعها لمناظرة جسده؛ فتبين خلوه من أى اصابات .

        س : هل وقع عليك أى اعتداء أو عنف طوال فترة احتجازك سواء فى النقطة أو فى قيادة قطاع الأمن المركزى بشرم الشيخ أو فى السجن العسكرى بفنارة؟

    ج : لم يتعد على أحد، ولا توجد بى أى اصابات، وقد عاملنى الجميع معاملة حسنة .

الحكم :

     قى 28 ديسمبر 1985، تم الحكم على سليمان خاطر بالسجن المؤبد 25  عاماً تقبلها الشاب راضياً بقضاء الله، بروح التدين التى تعد من أهم سمات الشخصية المصرية، لكنه أبدى مخاوفه من أن يؤثر الحكم على الروح المعنوية لزملائه؛ فيتقاعسوا عن أداء الواجب .

النقل إلى مستشفى السجن :

      وفى 30 ديسمبر 1985 تم نقله من سجن فنارة، وإيداعه السجن الحربي الرئيسي بمدينة «نصر» بالقاهرة فى زنزانه مستقلة تابعة لمستشفى السجن .

وفاة السجين :

       .. تقول مجلة المصور فى عددها رقم 3196 بتاريخ 10 يناير 1986 أنه:«أنتحر ليلاً» .
        .. وحسب الرواية الرسمية فى البيان الصادر : «أنه فى الساعة العاشرة من صباح يوم الثلاثاء 7 يناير، وعند مرور الحراس على غرفة المسجون سليمان خاطر وجدوا جثمانة مدلى من نافذة الغرفة، وحول رقبته الغطاء الخاص بسريره، وقد شنق به نفسه» .
      وهو ما يفتح باب التساؤلات على مصرعيه : ـ


      ـ التساؤل الأول : ألم تكن ساعات الليل وحتى العاشرة صباحاً ـ لو صحت الرواية ـ كافية لينفصل الرأس عن الجسد تحت وطأة ثقل الجسد ؟! (وهو ما لم يحدث كما هو مثبت فى تقرير مناظرة الجثة) .

      ـ التساؤل الثانى : كيف تكون جثة المنتحر شنقاً فى وضع القرفصاء ؟! .. حضر غسل الجثمان المهندس ابراهيم شكرى رئيس حزب العمل فى الثانية من صباح 8 يناير مع شقيقيه عبد المنعم وعبد الحميد خاطر !!

     ـ التساؤل الثالث : ما هو سبب تكسر أظافر يديه وما الذى أحدث الكدمات فى جانبيه الأيسر والأيمن، والسجحات على ساقيه والتى تشبه أثار السحل على الأرض ؟

      ـ التساؤل الرابع : إذا كان قد شنق نفسه بالغطاء الخاص بسريره؛ فما السر أن الجثة كان بها آثار خنق بآلة تشبه السلك الرفيع علي الرقبة؟
      ـ التساؤل الخامس : كيف دخلت قطعة القماش (بهذة الموصفات) إلى غرفة محبسه والتى تختلف موصفاتها عما جاء بالبيان الرسمى من أن الشنق تم بالغطاء الخاص بسريره (ملاءة سرير) ؟

       ـ التساؤل السادس : هل العلاج من مرض البلهارسيا يستأهل الحجز منفرداً فى زنزانة بمستشفى السجن؟!

      ـ التساؤل السابع :  لماذا لم يقدم جندى الحراسة للمحاكمة بتهمة الإهمال فى حراسة سجين ؟

     ـ التساؤل الثامن : لماذا رفض رؤساء أقسام التشريح فى الجامعات المصرية إعادة تشريح الجثة ؟

     ـ التساؤل التاسع : لماذا تم رفض طلب المحامين عن أسرة خاطر والتى تتمثل فى عريضة دعوى بتعديل طلباتهم فى يوم الثلاثاء 28 ـ 1 ـ 1986 والتى تتمثل فى ندب أساتذة الطب الشرعى بكليات الطب بالجامعات المصرية مع الطبيبين الفرنسيين العالميين البروفيسيور شوميت، والبروفيسيور دوريجون اللذين يمثلان المحامين بعد اعتذار رؤساء أقسام التشريح بجامعات القاهرة، وعين شمس والأزهر عن تنفيذ المأمورية ؟

      (المحامون من رموز مهنة المحاماة فى مصر وهم : عبد الحليم رمضان وأحمد مجاهد وشوقى خالد وكمال خالد وأبو الفضل الجيزاوى وعبد العزيز الشرقاوى).

     ـ التساؤل العاشر : لماذا أعلن اللواء أحمد رشدى وزير الداخلية أنذاك بيان الانتحار رغم أن السجين توفى فى مستشفى سجن تابع لجهة خارج دائرة اختصاصه ؟

       ـ التساؤل الحادى عشر والأخير : لماذا حفظ بلاغ أسرة سليمان خاطر الى النائب العام المستشار محمد عبد العزيز الجندى (النائب العام أنذاك ووزير العدل فى أول حكومة بعد ثورة 25 يناير 2011) يطعنون فى النتائج التى أعلنتها مصلحة الطب الشرعى حول تشريح جثة فقيدها ؟

***
      تساؤلات كثيرة يضيع صداها فى فراغ الصمت الخائن، وينطفئ وهجها فى أقبية التعتيم الجبان؛ فلا تصل إلى كشف المجهول!!

       .. ولكن يظل الرقيب مجند سليمان خاطر ، حارس بوابة الوطن .. خاطر فى ذاكرة مصر التى تأبى النسيان .

جيهان سعودي
أم جيهان «السادات»؟! :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   في سنة 1988 تزوجت السيدة جيهان صفوت رؤوف الشهيرة بـ «جيهان السادات» أرملة الرئيس الراحل أنور السادات من الحارس الشخصي لها العميد محمد سعودي، وظلت تحمل لقب «السادات» بدلاً من جيهان «سعودي» .

حادثة أحمد عدوية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
       في صباح يوم 22 يونيو 1989 أكتشف مدير أعمال المطرب الشعبي أحمد عدوية أن المطرب الشعبي في غرفته بفندق الماريوت في حالة إغماء، وتوجد أثار دماء على أغطية الفراش، وتم نقل عدوية إلى مستشفى مصر الدولي .

   وتم أخذ العينات وإرسالها إلى معمل التحليل، وفي اليوم التالي جاءت نتائج التحاليل لتثبيت وجود آثار بكميات كبيرة من الهيروين والمورفين والكودايين، وعلى الفور أبلغت المستشفى قسم الدقي بالأمر، وتحرر المحضر رقم 185 أحوالقسم  الدقي بتاريخ الأول من يوليو.

     .. توصلت تحريات فريق البحث الجنائي بقيادة العقيد إبراهيم بكير من قوة مباحث مديرية أمن الجيزة إلى أن الفاعل الأمير طلال بن ناصر الصباح أحد أفراد الأسرة الحاكمة الكويتية، والذي يعمل ضابط برتبة عقيد في الجيش الكويتي، وأرجعت التحريات سبب حدوث الواقعة إلى تخطي المطرب عدوية الحدود الفاصلة بين المطرب وجمهوره من أضواء المسرح وحدود أخلاقيات «الكار» والصهللة وجمع «النقطة» وإلقاء التحيات وانتزاع الإعجاب والتصفيق والتقاط الصور إلى غرف النوم؛ كانت الأميرة قد اعجبت بغناء عدوية فقدمت له هدية ساعة من الماس؛ فغني لها أغنية أعدها خصيصاً من أجلها :
« يا بنت السلطان .. حلمك على الغلبان
يا بنت السلطان .... حني على الغلبان
الميه في ايدكي يا شابة .. وعدوية عطشان
اديني .. اديني قطة .. الميه في ايدك سكر
يا بنت الغاليين مين في حلاوتك مين؟!!
يا للي جمالك فاكهة .. وكلامك فيتامين» .

        .. وارتفعت حرارة الإعجاب، وبلغت فراش الأميرة التي تمت بصلة للأمير طلال بن ناصر الصباح .. اختلفت الروايات وتضاربت لكونها قائمة على الإستنتجات والتكهنات حول كيفية حدوث الجريمة حتى حسمها حكم محكمة التمييز بالكويت .

     .. جاء حكم محكمة التمييز بالكويت برئاسة المستشار أنور العنزي كاشفاً للحقيقة وعنوانا لها بإصدارها حكماً بإعدام الشيخ طلال بن ناصرالصباح احد افراد الاسرة الحاكمة، وابن عم حاكم الكويت بعد إدانته بالاتجار بالمخدرات، وانتهاك حرمة جسد المطرب المصري أحمد عدوية، واستئصال أجزاء من جسده تمس ذكورته وتنتقص منها .

حادث الفنانة شــــريهان
الشائعات .. والحقيقة !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     في صباح 24مايو 1989 نقلت الأخبار تعرض النجمة الاستعراضية شريهان لحادث سير باصطدام سيارتها بعربة نقل محملة بالرمال كما جاء في المحضر رقم «13 أحوال شرطة سيدي جابر»، وبالذهاب إلى الموقع المحدد في المحضر لم يكن هناك ثمة أثر لحادث، فلا علامات لاحتكاك إطارات السيارتين بأسفلت الطريق، ولا ذرة رمال واحدة سقطت في نهر الطريق!!

      وصرح الأطباء أن الحادث تسبب لها في إصابات بالغة الخطورة وكسور في العمود الفقري، وسافرت النجمة بعد ذلك إلى فرنسا، لإجراء عمليات متتالية ـ حسبما أُعلن ـ وصل عددها إلى 30 عملية، بجانب تركيب 40 مسمارًا في عمودها الفقري (وهو كلام لا يتفق مع طبائع الأشياء، ولا يستقيم معها، ويندرج تحت مسمي الدجل الطبي) !!

        وتناثرت الشائعات في الشارع حول أسباب الحادث؛ فادعى البعض ـ كذباً ـ أن مرتكبي الحادث أفراد من جهة سيادية بتعليمات رئاسية لإبعاد النجمة عن علاء مبارك ابن الرئيس الذي شغفها حباً، وأرد الزواج منها على غير إرادة والديه !!، وعاود البعض ترديد تلك الشائعة مع نزول شريهان إلى ميدان التحرير في سمت المناضلة الثورية أثناء ثورة 25  يناير 2011؛ لتعطي انطباعاً زائفا أن القدر انتقم لها من عائلة الرئيس المخلوع !!، والحقيقة أن أسرة مبارك لم تكن في حاجة إلى مثل هذا التصرف الفج؛ فكان يكفي أن توعز إلى رئيس قطاع الإنتاج بالتليفزيون أن يشير لشريهان بالابتعاد عن محيط دائرة مبارك الابن .

      وادعى البعض ـ زوراً ـ أن مرتكبي الحادث مجموعة من البلطجية الذين استأجرتهم زوجة رجل الأعمال المهندس حسام أبو الفتوح للانتقام من شريهان التي أوقعت زوجها في شباكها، وحصلت منه على هدايا ثمينة أضرت بموقفه المالي !!

         لكن الحقيقة التي لم يذكرها أحد، وصمتت عنها شريهان أن مرتكبي الحادث هم الحراس الشخصيين لأحد أمراء الأسرة السعودية الذي استضاف شريهان في قصره في باريس، ومن باب المجاملة أعطاها كارت الفيزا الخاص به لشراء بعض المشتريات على ذوقها هدايا منه لها، وأساءت شريهان استخدام كارت الفيزا الخاص بالأمير، وتجاوزت المسموح به، .. وعادت إلى القاهرة تحمل مشترياتها في 12 حقيبة سفر كبيرة !!

       .. وعندما اكتشف الأمير حجم الكارثة جاء إلى مصر، وانتقم منها، وأغرى حراسه الشخصيين بها !!، .. ولأن الجريمة البشعة قد تمت على أرض مصرية، وبحق مواطنة مصرية؛ فقد تدخل أحد عواقل الأسرة السعودية لاحتواء تداعياتها بإرسال طائرته الخاصة لنقل شريهان للعلاج في باريس على نفقته الخاصة، ..  الذي لم تذكره شريهان  حتى الآن أن سبب الداء كان سعوديا .. وأن الدواء كان سعوديا أيضاً !!

إقالة الوزير «الشتام» :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      لقب المصريون اللواء زكي بدر وزير الداخلية بـ «الشتام»، ولقبه المثقفون بـ «البذئ»، ولقبته صحيفة الوفد بـ «عرعر» أى «الرجل العرة» .

   كانت شتائم «عرعر» للمثقفين والساسة وكبار الصحفيين ترضي الرئيس مبارك، وتثير ضحكه، وتدخل السرور على نفسه؛ فقد كان الرئيس مبارك يستخدم ذات الأسلوب البذئ من الشتائم التي تطول الأمهات والأباء مع مرؤسية (رئيس الديوان ـ سكرتيرة) .
       لكن الذي لم يخطر على بال الرئيس مبارك أن يتجاوز زكي بدر الخطوط الحمراء فى لقائه بضباط المعهد الدبلوماسى فى مؤتمر بمدينة بنها، ويسقط بذاءاته على شخص الرئيس مبارك بقوله :

       « أنا لا بتجوز عرفي ، .. ولا بصبغ شعري !!».

      .. وضج الضباط بالضحك؛ فقد كان القصد مفهوما، والمقصود معلوماً لهم؛ فقد كان الشارع المصري يتحدث عن زواج الرئيس من فنانة جذبت الأنظار بجمالها في مسلسل «رأفت الهجان»، ومذيعة التليفزيون (هـ . س) التي منعتها زوجته سوزان مبارك من تغطية أخبار الرئاسة، وسيدة من الإسماعيلية تمت بصلة قرابة لأحد المسئولين.

      .. كان هذاهو السبب الحقيقي لسرعة إصدار قرار إقالة «الشتام»!!

فائقة مصراتي
.. و«شائعة الإيدز»!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

       في سنة 1992 وبعد القبض على الجاسوس الإسرائيلي فارس المصراتي وابنته فائقة وابنه ماجد، اعترفوا بأنه دخلوا مصر مرات عديدة تحت ستار السياحة، وأنهم فضلوا الإقامة بحي مصر الجديدة، باعتباره حيا هادئا،، وتم ضبط أدوات التجسس المختلفة في الشقة التي يسكنها الجاسوس بالنزهة الجديدة، واعترفت ابنته فائقة مصراتي التى قبض عليها في الفراش مع شاب مصري بأنها استخدمت الجنس في جمع المعلومات من خلال غرف نوم بعض المصريين، وأكدت التحريات أن فائقة وهي فتاة جميلة ومدربة على أساليب الإغواء والإغراء كانت تخرج من مسكنها كل يوم في الثامنة مساء، ولا تعود إلا صباح اليوم التالي .

      كانت الكارثة أن أسرة مصراتي لم تسترعي انتباة الأجهزة القائمة على مكافحة التجسس، وأن الصدفة وحدها لعبت دورها في الكشف عن هؤلاء الجواسيس عندما بدأت فائقة مصراتي تلقي شباكها حول علاء مبارك نجل الرئيس، وبدأ الشك يداخل بعض أفراد الحراسة التي توصلت تحريات بعضهم إلى بعض المعلومات حول دور تلك الشبكة .

       وفي 29 مارس 1992، .. وأثناء إيداع فارس مصراتي قفص الاتهام، كشف الجاسوس عن عورته أمام الجميع، وتبول على هيئة المحكمة .. لم يكن الجاسوس يخشى أحد؛ فقد تمت مبادلته بمصريين محتجزين في إسرائيل، وهو يعلم أنه بعد دقائق سيكون في طريقه إلى المطار ليستقل طائرة شركة العال المتجهة إلى إسرائيل .

    كان مأزق أجهزة الأمن هو حصر علاقات فائقة مصراتي وتحديد هوية المتعاملين معها ، وهو ما حدا بأحدهم إلى الترويج لشائعة مفادها أن فائقة مصراتي مصابة بالإيدز، ونشر الشائعة في الصحف مع توزيع تعميم على معامل التحاليل الطبية بضرورة الإبلاغ عن بيانات كل من يلجأ إليها طلباً لإجراء تحليل الكشف عن الإيدز .

«بلطجي» مصر الجديدة
.. أصـــــل الحـــــــكاية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

         في  الساعة الخامسة صباحاً من أحد أيام صيف 1992 تحركت 4 تشكيلات من قوات أمن القاهرة إلى ناحية مصر الجديدة بقيادة مدير أمن العاصمة اللواء رضا عبد العزيز تصاحبها فرقة من المباحث الجنائية ومجموعة من ضباط أمن الدولة وقول من سيارات الإطفاء لتصفية الشاب طارق محمد إمام الذي أطلقت عليه الصحف ـ بعد ذلك ـ لقبي : «بلطجي» مصر الجديدة، و«شمشون» مصر الجديدة .. وفور محاصرة المنزل أعلن الشاب استسلامه بالإشارة لقوات الأمن بفوطة بيضاء من نافذة حجرته، وردت القوات بطلقة .R.B.G أطاحت بباب الشقة ودمرت محتوياتها، وأشعلت النيران فيها؛ وقتلت طارق واباه  .

      لم يكن طارق إمام عيل «سيس»، ولا نبتاً شيطانيا من مزارع العشوائيات، أو «بلطجي» يفرض الأتاوات على المستضعفين، أو «ديوث» يأكل من عرق النساء .. طارق شاب شديد الاعتزاز بنفسه ..أنيق الهندام .. يهوى الرياضة ويعشق الرماية والسباحة، ويحلم أن يعانق الدنيا الواسعة؛ فهو ابن اللواء محمد إمام مدير مكتب اللواء زكي بدر وزير الداخلية السابق، متخرج من كلية التجارة ويعمل في بيزنس خاص به لكن شاء قدره أن يضعه في منافسه غير متكافئة مع علاء نجل الرئيس حسني مبارك على حب ممثلة قبطية تعمل بالدعارة، وتتخذ من التمثيل غطاء لنشاطها الإجرامي، وتصور علاء مبارك انه يمكنه بقمع طارق وإذلاله أمام الحبيبة أن يفتح لنفسه طريقاً إلي قلبها؛ فافتعل مشاجرة معه .. لكن ذراع طارق كانت الأقوى أي أن الحكاية كلها لم تكن أكثر من «مشاجرة صبيانية»، وبلغ الخبر سوزان مبارك؛ فصدرت الأوامر بتصفية طارق وأسرته.
       ولم ينجو من المحرقة سوي والدة طارق التي تمكنت من إلقاء نفسها إلى شرفة الجيران أسفل شقتها؛ فأصيبت ببعض الردود والكدمات لكنها بقيت على قيد الحياة لتحكي من بين أوجاعها ودموعها «أصل الحكاية» التي افقدتها زوجها وابنها وأشعلت النار في عشها الهادئ الذي بنته على مدى 30 سنة.

لوسي أرتين .. والجنرالات :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      في التفريغ المكتوب لشرائط تسجيلات المكالمات بين لوسي أرتين وبعض الجنرالات الذين يصنفون تحت مسمى «المراهقون العجائز» قرأت نص مكالمة الآتية التي دارت بين الفاتنة اللعوب لوسي أرتين، واللواء حلمي الفقي مدير الأمن العام  ـ آنذاك ـ والطامح لتولي منصب وزير الداخلية :

       «ـ الطبنجة بتاعتك عجباني .
ـ الطبنجة وصاحبها تحت أمرك، .. تكون  عندك النهارده .
ـ بتكلم جد !!
ـ وأنا بتكلم جد .
ـ بس دي ميري .
ـ متشغليش بالك!!
ـ .... »
       .. وفرط الجنرال في سلاحه الميري وشرفه العسكري .. ولم تخلو المكالمة من أحاديث ساخنةعما يدور في غرف النوم وألوان الملابس الداخلية وأشكال الأوضاع الجنسية وبعض الاسقاطات الجنسية الفجة .. كانت تلك التسجيلات سببا في الإطاحة بالمشير أبو غزالة مساعد رئيس الجمهورية واللواء حلمي الفقي مدير الأمن العام واللواء فادي الحبشي مدير مباحث العاصمة واللواء تحسين شنن محــافظ السويس، وثلاثة من رجـال القضـاء، ود.مصطفى الفقي سكرتير الرئيس للمعلومات ـ آنذاك ـ، ومدير مكتبة الاسكندرية الحالي.

       كانت لوسي أرتين علي علاقة بالرئيس مبارك بعد أن قدماها له د . زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية واللواء جمال عبدالعزيز سكرتير الرئيس اللذان مارسا أحقر مهنة في تاريخ البشرية لإرضاء نزوات الرئيس وإشباع غرائزه، واللذان عملا ضمن فريق من القوادين ضم رجل الأعمال حسين سالم، والوزير صفوت الشريف، وآخرين .

     كان هذا سر غضب الرئيس مبارك على صبيانه، وما صاحب ذلك الغضب من بشاعة التشهير الإعلامي، والاغتيال المعنوي، والطرد من الخدمة !!

      لم تكن لوسي أرتين سوى عميلة لأحد الأجهزة التابعة لدولة عربية والتي نجحت في تجنيدها في بيروت وتدريبها على أعلى مستوى وتزويدها بمفاتيح اختراق دوائر صنع القرار بتدليك مشاعر ودغدغة غرائز «المراهقون العجائز»  من رجال السلطة عبر خطة تسمى: «الوعد بالحب» .

        وعندما تم إلقاء القبض عليها في 13 فبراير 1993 في شقة المستشار عبد الرحيم محمد على (قاضي ورئيس محكمة) في منطقة النزهة بمصر الجديدة قالت في التحقيقات بهدوء، وكأنها تمنح نفسها وساماً:

        «الرجال الكبار اتجننوا .. كلهم وقعوا في حبي .. دول بيعيشوا حالة مراهقة على كبر .. وبعدين أنا ذنبي إيه؟!» .

         مارست لوسي أرتين خطة «الوعد بالحب» على الجميع بما فيهم الرئيس مبارك !!

        كانت خطة «الوعد بالحب» هى الخطة التي جند بها ضابط المخابرات الألمانية كناريس الجاسوسة حكمت فهمي عندما قام بتدبير لقاء مع الشاب الوسيم هانز أبلر(حسين جعفر)، وبعدها مارست الخطة بكل تفاصيلها مع الجنرال الإنجليزي ريتشي الذي حصلت منه على معلومات هامة لصالح الألمان !!

       مارست الجاسوسة هبة سليم نفس الخطة في تجنيد الضابط المصري فاروق الفقي، واستخدمت نفس الخطة في تصوير وثائق عسكرية هامة من مكتب الملحق العسكري السوري في باريس !!

عاطف صدقي :
«واحد بيبوس واحدة
.. وأنا مالي يا حكومة»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

       كانت حكومة د. عاطف صدقي «حكومة شلة طاولة» فى قهوة زهراء المعادى، واستمرت 10 سنوات تقريبا دون أن تقدم شيئا للبلد، لكنه ترك أسخف نكتة في تاريخ الحياة السياسية في مصر، والتي سجلتها مضبطة مجلس الشعب .. كانت فضيحة لوسى أرتين وعلاقتها بالرئيس مبارك ورجاله حديث الشارع، وتفتق ذهن أحدهم عن إفتعال قضية تتجة إليها أحاديث المنتديات، وكانت قضية سمية سليم «فاتنة قويسنا» المسلمة التي تزوجت بعقد عرفي من شاب قبطي في جلسة سكر، وتقدم أحد النواب باستجواب إلى رئيس الوزراء الذي جاء ليقول:

      « واحد بيبوس واحدة تحت السلم .. .. وأنا مالي يا حكومة» .

     وانقلب الاستجواب إلى جلسة «مسخرة» .. لم يكن عاطف صدقي ابن الممارسة السياسية، وليس له أيديولوجية، فهو موظف بيروقراطى يصلح للعمل فى سياق أى نظام سياسى، ينفذ ما يطلب منه دون أن يعرف كلمة «لا» .

 جمال بدوي
المقال .. و«العلقة» ..
ومكافأة «البلطجي»!!:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   في أغسطس 1995 كتب الأستاذ جمال بدوي مقالاً في الوفد بعنوان:«أصابت امرأة .. وأخطأ الرئيس» .. وتلقى الأستاذ جمال علقة موت .. وتمت مكافأة من ضربوه بترقية كبيرهم بتعيينه براتب خيالي في مؤسسة «سيادية».
       وسط دموعه وضحكاته .. كان الأستاذ جمال لا يتردد في إعادة سرد الحكاية لكل من يستفسر منه عن وقائعها !!

الإلهاء بقضايا الدعارة
وطقوس عبدة الشيطان :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

       كانت سنة 1997 العام الأسود الذي شهد تغول الإرهاب الأسود في كل ركن من أرجاء مصر .. وبدأ الناس يكفرون بقدرة أجهزة الأمن على التصدي له .. وكانت أجهزة الأمن ترغب في تخفيف الضغط عليها حتي يمكنها شحذ قوتها لأداء دورها .. وكانت الوسيلة هى إلهاء الناس عن واقعهم المر .

       وكانت أولى الخطوات هو الإعلان عن ضبط  تنظيم لـ «عبدة الشيطان» .. ولم يكن التنظيم المزعوم سوى مجموعة من الشباب من أبناء الذوات من هواة عزف موسيقى الجاز !!

       ولم يجني الأمن سوى سخرية الناس من تلك السخافة !!
  
     ولجأ الأمن إلى حيلة الفضائح بنشر ما يفيد القبض على الممثلتين حنان ترك، ووفاء عامر في قضية دعارة .. وقد أخلت النيابة سبيلهما وحفظت القضية لعدم كفاية الأدلة!!، فقد أفاد محضر الضبط أنه عند مداهمة الشقة كانت المتهمتان بكامل ملابسهن، .. ولم يكن هناك رجال !!


موت سعاد حسني :
ـــــــــــــــــــــــــــــ

    في صباح يوم 22 يونيو 2002 .. وبعد موت الفنانة سعاد حسني «أخت القمر» .. «المرأة ذات العيون الضاحكة» بسنة واحدة  بالتمام والكمال، .. بالأمس كانت الذكرى الأولى لرحيلها المأساوي؛ فقد توفيت في 21 يونيو 2001 في حادث مازال يكتنفه الغموض .

      صباح يوم صيفي شبة عادي .. يحمل الملامح المتكررة لبلادة سابقيه في الأمس، ولاحقيه في الغد .. جلست في غرفة مكتبي بدار الهلال أتناول قهوة الصباح وأتصفح بملل وبحكم العادة بعض الصحف .. سكون موحش لا يقطعه سوى ثرثرة بعض السعاة، ورنين جرس التليفون من آن لآخر، ومع اقتراب عقارب الساعة من الحادية عشرة دخلت إلى مكتبي الزميلة الأستاذة ألفت جعفر الصحفية بمجلة «صباح الخير» بصحبة أستاذي منير مطاوع المقيم في لندن، والذي تتلمذت على يديه في قسم التحقيقات الصحفية بجريدة «السياسي المصري» في السبعينيات من القرن الماضي، ونهضت للترحيب بالزميلة والأستاذ، وبادرتني الأستاذة ألفت قائلة :

     «أن الاستاذ منير عندما علم بوجودي في المكان أصر على رؤيتي»

       وشكرت له نبل أخلاقه، وابتديت امتناني للسؤال عني، والرغبة في رؤيتي، .. وبعد السلامات والتحيات واجترار الذكريات، وتناول بعض المشروبات.. أستأذنت الزميلة ألفت جعفر لإنجاز بعض أعمالها وتركت الأستاذ منير في ضيافتي .. علمت منه أنه جاء إلى القاهرة في مهمة حيث صدر كتابه بعنوان: «سعاد حسني .. سندريلا تتكلم» الذي كان قد تعاقد على نشره مع إحدى دور النشر بالقاهرة، وتفضل بإهدائي نسخة ممهورة بإهداء رقيق .

      .. كان موضوع «موت سعاد» هو الموضوع ذات الحضور الطاغي على ساعات الحوار (أربعة ساعات تقريبا من الساعة 11 صباحاً حتى الثالثة ظهراً) حين حضرت الأستاذة ألفت جعفر لاصطحابه لتناول الغذاء في مطعم «أخر ساعة» بوسط القاهرة حسب رغبة الأستاذ منير في تناول الفول والطعمية .
     كانت حالة من الهيستيريا قد أصابت حياتنا وظهرت أعراضها في أحاديث الشارع المصري، مفادها أن سعاد حسني قد تم اغتيالها لأنها سجلت مذكراتها، وفيها إدانة لشخصيات وهيئات!! وان الصحفي الذي سجل لها المذكرات هو الأستاذ منير مطاوع الذي يقيم في لندن، ويعمل في صحف ومجلات مؤسسة الشرق الأوسط السعودية .. كان من الطبيعي أن تفرض تلك الحالة نفسها على ساعات اللقاء .. خاصة أن لقائي بالأستاذ منير مطاوع فرصة ثمينة حملها إلي القدر .. لم تتح ـ وربما ـ لن تتح لصحفي مصري آخر .. سألت الأستاذ منير عن حكاية المذكرات؛ فقال :

       «ليست هناك مذكرات للفنانة سعاد حسني؛ فهى لم تكتبها، ولم تملها على أحد .. وقد رفضت ذلك تماماً، وكان منطقها أنها عائدة للفن والناس، ولا تريد أن يشعر أحد بكتابتها مذكراتها، قد اعتزلت الفن والناس.» .

     ـ قلت : إذن بما تسمي ما أطلق عليه البعض «مذكرات»؟!

    ـ قال  : حديث طويل امتد عبر لقاءات وتسجيلات وفضفضات دامت بشكل متواصل أحياناً، ومتقطع أحياناً أخري على مدى أكثر من أربع سنوات .. وأنا شخصياً لا أميل إلى إطلاق وصف «مذكرات» عليها .
    ـ قلت : أى وصف تود إطلاقه على «المصنف الصحفي» الذي بين يدي الآن بعنوان: «سعاد حسني .. سندريلا تتكلم»، والذي ذكرت أنه نتاج العديد من اللقاءات والحوارات والتسجيلات على مدى أكثر من أربع سنوات ..؟!

    قال : إنه أقرب إلى الوصف بـ «الذكريات» أو «السيرة الذاتية» لهذه الإنسانة والفنانة التي لا تكرر.

     قلت : عموماً «الذكريات» و«اليوميات» و«السيرة الذاتية» كلها تعد روافد فرعية صغيرة تصب في نهر «المذكرات».

     .. ورأيت من الكياسة أن أتجاوز تلك النقطة .

     سألت الأستاذ منير : هل كنت تعرف سعاد حسني قبل أن تلتقي بها في لندن؟!

     أجاب : معرفة شخصية لا .. كان اللقاء الوحيد قبل لقاءات لندن الأخيرة في سنة 1971 .. أي منذ 30 سنة عندما جاءت بصحبة زوجها على بدرخان لقضاء يوماً كاملاً في أحد شاليهات الهرم مع أسرة تحرير «روز اليوسف» احتفالاً بعيد ميلاد «صباح الخير» الذي يوافق عيد ميلادها .

    ملحوظة : كان لقاء الأستاذ منير الأخير بالفنانة سعاد قبل خمسة أيام من رحيلها .

     سألت : كيف تم التعارف في لندن ؟!

     أجاب : عندما طالت فترة وجودها في لندن بسبب ظروفها الصحية .. اقترح عليها الأستاذ رءوف توفيق رئيس تحرير «صباح الخير» الأسبق أن يتم لقاء تعارف بيني وبينها في تمهيد لكتابة مذكراتها من خلال حوارات ممتدة .

      قلت ضاحكا : عدنا لمربع البداية «مذكرات» أم «ذكريات»؟!

     أجاب : لا .. إنها المذكرات من وجهة نظر الأستاذ رءوف توفيق لكنها من وجهة نظري مساعدة الفنانة سعاد حسني على رسم صورة لها ولحياتها وأعمالها وأفكارها في محاولة من جانبي لتقديم سعاد حسني التي لا يعرفها الناس .. وقد لا تعرفها سعاد حسني نفسها .. ولم يكن في تلك المحاولة ـ حسب ما أشاعه البعض ـ مشروعاً للنميمة أو الإثارة أو الصراعات السياسية أو الانتقام من أحد أو تصفية الحسابات فالذي يعرف سعاد حسني السمحة المتسامحة التي تنسى الإساءة يعرف أنها لا تميل إلى الإنتقام ولا تحمل في قلبها الضغائن لأحد .. فلم يحدث طوال فترة الحوار معها أن ذكرت زميل أو زميلة بسوء أو وصف لا يليق . . ولم يكن يعلم بأمر تلك الحوارات سوى ثلاث شخصيات أو أربعة على الأكثر .

       قلت : تقصد بما «لا تعرفها سعاد حسني نفسها» بلغة الإعلام المساعدة في اكتشاف «المساحات المعتمة» أو «البقع العمياء».

         أجاب : تقريباً .. «المناطق المنسية» أو «المتجاهلة» في مشوارها الفني، أما إذا كنت تقصد «المساحات المعتمة» أو «البقع العمياء» التي تساعد في التصالح مع الذات وتعجل في ـ بعض الأحيان ـ بالشفاء الجسدي .. تلك مهمة الطبيب النفسي وليس الصحفي، على فكرة الفريق الطبي الذي كانت ترجع إليه سعاد حسني ويعاونها في العلاج لم يكن يضم طبيباً نفسياً.

      سألت : .. وماذا كان الاتفاق بعد إتمام العمل خاصة أن القانون يعطي الحق لصاحب المذكرات وكاتبها في ملكيتها الفكرية بالتساوي بينهما؟!

     أجاب : كان الاتفاق من جانبها على شرط واحد هو ألا يتم النشر إلا عندما ترى هى أن الوقت مناسب لذلك!!، وهو شرط ـ للأسف ـ لم أفي به؛ فقد رحلت.

      ( ألمح في عيني الأستاذ منير مطاوع شبح دمعة .) .

     سألت : هل قتلت أم انتحرت؟

    أجاب : في اعتقادي الشخصي أنها قتلت .

     قلت : يتردد الأن بين السطور في الصحف وفي الإعلام وفي بعض الدوائر والأحاديث أن القاتل جهة أمنية .

     أجاب : هذا كلام يؤسفني أن أقول عنه أنه «كلام عبيط».

***
     فعلاً «كلام عبيط» فأي جهة أمنية تلك التي تسعى لقتل سيدة مريضة، ووحيدة في الغربة وقليلة الحيل والحيلة، وفي سنين شيخوختها، وفي عمر الجدات (58 سنة)؟!!

      كانت سعاد حسني إحدي نساء الكنترول اللائي عملن مع المخابرات العامة في سنوات انحرافها، ولم يكن هذا سراً خافيا يستلزم إفشائه قتلها؛ فقد تم فتح ملف القضية بمعرفة النيابة العامة، وتداولت وقائعها في جلسات محكمة الثورة المنعقدة علنا، وشهدت كثيرات من النساء بكل تفاصيل ممارسة الفجور في القضية رقم 2 لسنة 1967 محكمة الثورة، ونشرت الصحف بعض وقائع الجلسات في حينها .

     وتم التحقيق مع المدعو صفوت الشريف، وقام بالتحقيق معه بمعرفة الأستاذ عبد السلام حامد أحمد رئيس النيابة وأمانة سر محمود عباس بمقر محكمة الثورة وضمت أوراق القضية 65 ورقة مليئة بالفضائح .. ولم ينكر الشريف أنه مارس دور القواد، وأنه كون شبكة دعارة برعاية بعض أجهزة الدولة !!

 قال الشريف في بداية التحقيقات:

 أنه انضم الي جهاز المخابرات عام 1957 بعد أن كان ضابطا بالجيش وتدرب كثيرا حتي أصبح مسئولا عن عمليات السيطرة «الكنترول» التي قام بها قسم المندوبين بالمجموعة 98 منذ عام 1963 عن طريق تجنيد عناصر من السيدات لاستغلالهم في هذه العمليات، وأوضح الشريف كيف نشأت هذه الفكرة وأسماء سائر ضباط المخابرات الذين أسهموا في تنفيذها والدور الذي تولاه في هذا الشأن وأسماء السيدات اللاتي وقع عليهن الاختيار والأماكن التي تم فيها تنفيذ العمليات.

     وقال إن وظيفته تقوم علي إعداد المكان المناسب وتجهيزه لتنفيذ عمليات الكنترول فيه وترشيح المندوبات اللاتي يصلحن لهذا العمل وقام بتأجير شقتين وزودهما بأحدث آلات التصوير وجهزهما لإعداد العمليات كما أنه قام بتأجير فيلا مفروشة بالإسكندرية في ميامي لإجراء عمليات الكنترول الخاصة بتغطية مؤتمر القمة وأجريت فيها حوالي ثلاثين عملية علي وفود العرب.

     وأكد الشريف انه قام بعملية خاصة لتجنيد الممثلة سعاد حسني تمت في حوالي أكتوبر 1963 بأمر من حسن عليش وبناء علي ذلك اتصل محمود كامل شوقي بإحدي مندوباته وتدعي «ريري» وفهم منها أن الممثلة ليلي حمدي هي اللي تقدر تجيب سعاد حسني مقابل مبلغ 300 جنيه، وأنها ما تحبش تتصل بمصريين، وإنما اتصالاتها بتكون بأجانب أو عرب واستخدمت ممدوح كامل مترجم اللغة الفرنسية في قسم المندوبين ليتظاهر بأنه فرنسي، وعلي هذا الأساس يتصل بسعاد حسني، وحصل تعارف بين ممدوح وسعاد حسني عن طريق ليلي حمدي المشهورة برفيعة هانم، وأعطاها 300 جنيه كنت قد سلمتها لـه من نقود قسم المندوبين، واصطحبها إلي شقة مصر لجديدة، وأجريت عملية الكنترول عليهما أثناء ممارسة العملية الجنسية معا.

       وقال الشريف: قمت أنا وأحمد الطاهر وصلاح شعبان بتنفيذ العملية من ناحية التصوير، وحضر صلاح نصر رئيس المخابرات إلي غرفة العمليات بصحبة حسن عليش، وأشرفا علي تنفيذ العملية واقتحمنا غرفة النوم، وقمنا بضبط سعاد حسني متلبسة، وعقب ذلك تم اصطحابهما إلي مبني الاستجواب بإدارة المخابرات، وإيهامهما بأن الشخص الذي كان معها وهو ممدوح كامل هو جاسوس فرنسي، وعرض عليها يسري الجزار في مبني الاستجواب أن تعمل مع المخابرات مقابل ستر فضيحتها، وقد وافقت علي ذلك وحررت بناء علي إقرار بالموافقة علي العمل مع المخابرات، وقام صلاح نصر بصرف مكافأة قدرها مائتا جنيه، وأشار إلي انه قابل سعاد حسني في المعمورة، وطلب منها العمل أثناء مؤتمر القمة الذي عقد في الإسكندرية في صيف 1964 فقالت انها مشغولة وحاتحاول ولم تعمل بالفعل، وبعد شهر جاءتني تعليمات بوقف الاتصال بها نظراً لكونها تردد انها علي اتصال بالمخابرات مما يخل بأمن الجهاز.

      وقد أدلت سعاد حسني بأقوالها محضر تحقيق افتتح في يوم الأربعاء 6/3/1968 الساعة 10 مساء بمبني قيادة الثورة بالجزيرة بمعرفة الأستاذ علي نورالدين رئيس مكتب التحقيق والادعاء، والسيد البهنساوي أمين السر جاء في ديباجته أنه :

       حيث استدعينا الممثلة سعاد حسني لسؤالها عما جاء في أقوالها أمام لجنة التحقيق في المخابرات العامة الثابتة في تفريغ الشريط المرفق بملف قضية انحراف جهاز المخابرات.

      وقد حضرت ساعة افتتاح هذا المحضر وسألناها بالآتي:
      اسمي سعاد محمد حسني سن 24 ممثلة ومقيمة 17 شارع يحيي إبراهيم بالزمالك.. حلفت اليمين.
      س: كيف اتصلتي بالمخابرات العامة؟
      جـ : الحوادث دي حصلت منذ أكثر من ثلاث سنين، وأذكر أنهم بعتوا لي واحد ادعي أنه أجنبي فرنسي علي ما أذكر وضحك عليّ وأفهمني أنه يعمل أفلام في الخارج، وأنه معجب بي وعاوز يعمل لي أفلام ودعاني إلي منزله وذهبت معه إلي شقة في مصر الجديدة، وكان فيه شرب ولم أدر بنفسي ولا أعرف ما الذي حصل إلي أن فوجئت بناس دخلوا يقبضوا علينا، وبيقولوا إن الراجل ده جاسوس يشتغل لحساب إسرائيل، وأخذوني إلي المخابرات وماكنتش داريه بنفسي وأفهموني بأني متهمة بالعمل مع هذا الجاسوس، وقالوا لي إنهم حيسيبوني إذا اشتغلت معاهم وكتبوني ورقة مضيت عليها مش عارفة فيها إيه، وروحت إلي منزلي في نفس الليلة .. وبعدين بقوا يتصلوا بي تليفونيا ولا أذكر أسماءهم، وقالوا لي بعد كده عاوزينك تعرفي معلومات عن مصطفي أمين بواسطة شادية زوجته أو عن طريق اتصالي به وأنا ماكنش لي اتصال بهم، وما جبتش أي معلومات، وانقطعت علاقتي بهم بعد ذلك!!
        س: هل تعرفين حسن عليش؟
       جـ: أيوه هو كان حضر لي بعد الحادثة دي البيت، وجاب لي ساعة وراديو، وقال لي إنه جايبهم هدية علشان أنا باشتغل معاهم، وبعد ذلك صلاح نصر جاب لي هدية شيسوار.

      س: كم مرة اتصل بك حسن عليش؟

     جـ : أذكر أني شفته مرة في البيت، ومرة في الإسكندرية، والواقع أنا مش متذكرة بالضبط المرات اللي شفته فيها، والواقع أن فيه واحد جاني في البيت في الإسكندرية علشان الاستمرار في العملية لكن أنا ما عملتش حاجة، وكانوا بيسألوا إذا كنت جبت لهم أخبار قلت لهم مافيش.

        س: هل تردد عليك صلاح نصر في المنزل؟

        جـ: أنا شفت صلاح نصر أول مرة في مكتبه، وأذكر أني استدعيت لمكتبه، وسألني شوية أسئلة وقال لي إني لازم اشتغل معاهم وأن دي حاجة كويسة للبلد وأني لا أخاف من حاجة ـ بقصد أنه يطمئني - وبعد ذلك كنت سافرت للإسكندرية، وأحمد رمزي بالصدفة دعاني في حفلة كان عاملها علي شفيق في بيته وأحمد رمزي هو اللي قال لي تعالي هذه الحفلة، وعلي شفيق كان في هذا الوقت منفصل عن مها صبري ودي أول مرة كنت أشوف فيها علي شفيق، وفي هذه المرة قلت لعلي شفيق علي موضوع المخابرات اللي حصل معايه والصور اللي أخذوها، وقلت له أنا عاوزه الحاجات دي تتحرق لأنها تسئ إليّ، وقال لي ماتخافيش، وإذا كنتي عاوزه تقولي أي حاجة لصلاح نصر أنا ممكن أخليكي تشوفيه، وقال لي إنه حيبقي يكلمني علشان يرتب لي مقابلة مع صلاح نصر وينهوا لي الموضوع بتاعي، وبعد ذلك كنا رجعنا لمصر وعلي شفيق اتصل بي، وقال لي تعالي نروح لصلاح نصر علشان نخلص الموضوع بتاعك، وفعلا أخذني بالسيارة ورحنا لفيلا في الهرم، وكان موجود هناك صلاح نصر لوحده، وقعدت معاهم هو وعلي شفيق، وأنا اتكلمت علي موضوع الصور فصلاح نصر قال لي ماتخافيش خالص وماحدش حيشوفهم، وابتدأ يسألني أسئلة شخصية أنا مرتبطة بحد أو لا وشعرت من كلامه أن المسألة مسألة إعجاب مش مسألة شغل، وحصل لي يومها خوف فظيع وشعرت بأني قد أُرغم علي شيء فأصبت بحالة نفسية سيئة وجلست أبكي فقاموا وروحوني البيت هو وعلي شفيق.. وبعد هذه المقابلة اتصل بي صلاح نصر تليفونيا في البيت كذا مرة، وكان بيحاول أن يدعوني لمقابلته ويسألني فاضية امته، فحددت له ميعاد في البيت وجه زارني مرة، وفي هذه المرة أحضر معه الشيسوار الهدية، وكان يحاول يسألني أسئلة أفهم منها أنه عاوز يعمل علاقات معايه، وأنا كنت أفهمه أني مش مستعدة لهذه العلاقة وفهم هو أنه مافيش تجاوب فانقطع عن الاتصال بي.
       س: هل حصلت منه محاولة للاعتداء عليك في مقابلة الهرم؟

       جـ: اللي حصل كان مجرد كلام يمهد به علشان عاوزني استلطفه، ولكن أنا كانت حالتي النفسية وحشه وكنت أبكي فانتهت القعدة.

     س: ما الذي جعلك تفهمين أن اتصال صلاح نصر بك انقلب إلي مسألة إعجاب وليس مسألة عمل؟

    جـ: فهمت ذلك طبعاً من كلامه وتصرفاته معي.

     س: هل كان علي شفيق موجوداً في أثناء وجودك في فيلا الهرم مع صلاح نصر؟

     جـ: الفترة اللي قعدتها كانت قصيرة، ولا أذكر إذا كان مشي قبل ما نمشي إحنا بفترة قصيرة أم لا.

     س: هل عرضت أفلام عليك أثناء وجودك في فيلا شارع الهرم؟
     جـ: والله مش فاكرة بالضبط.

     س: ألم يحاول أحد منهم الاعتداء عليك بعد ذلك في المنزل أو في أي مكان آخر؟

     جـ: لا.

   س: ألم يحاول حسن عليش أن يوجد معك علاقة خاصة؟

    جـ: لا.

   س: ما الذي فهمتيه انتي من هذه العملية؟

     جـ: أنا فهمت الأول أنهم كانوا عاوزين يجيبوني في شغل عندهم فجابوا رجلي بالطريقة دي علشان يهددوني بها، وهذا ما فهمته في الأول وإن كنت مش عارفة إذا كان علشان شغل صحيح، ولا إذا كان صلاح نصر عاوزني، وبعد ذلك فهمت من اتصال صلاح نصر بي أنه مستلطفني، وأنه عاوز يستغل هذه العملية للاتصال بي، ولكن لما وجد أنه ما عنديش استعداد صرف نظر عن الاتصالات الشخصية.

      س: ألم تقدمي أي خدمات للمخابرات؟

       جـ: لا أبداً
    
     ., تمت أقوالها ووقعت.

      رئيس مكتب التحقيق والادعاء «توقيع» وأقفل المحضر بعد اثبات ما تقدم حيث كانت الساعة 40،10 مساء ـ رئيس مكتب التحقيق والادعاء «توقيع»

***
     لم يكن في أسرار سعاد حسني  أو «مذكراتها» ما يمكن أن يمثل خطراً على أحد بعد أن تضمنته الوثائق الرسمية للدولة، وتم مكافأة القواد بتعينه وزيراً للإعلام ثم رئيساُ لمجلس الشورى.

     ويظل السؤال :

      من قتل سعاد حسني، ولماذا استبعاد فرضية الانتحار ؟!

     يقول الأستاذ منير مطاوع أن الذي جعله يستبعد فرضية الانتحار هو أنها كانت في حالة نفسية وجسمانية أفضل في حديثي معها قبل 5 أيام من الوفاة . . وتلك مجرد فرضية أو احتمال لكنه لا يرقى إلى مستوى المعلومة .

    ثانيا : أن ارتفاع سور البلكونة 140 سم وطول سعاد حسني 158 بما يجعل قفزها من الشرفة صعباً، ولكنه ليس مستحيلاً مع ما تعانيه من ألام العمود الفقري وشرخ في عظام فقرتين منه، وزيادة نسبية في الوزن.

   ثالثاً : وهو الغموض الذي يحيط بطريقة قطع شبك البلكونة.. والتي وُصفت بأنها طريقة لا يعرفها إلا شخص محترف!! .. ثم اختفاء أدوات قطع الشباك من مكان الجريمة !!

      رابعاً : بلاغ الساكن الإنجليزي للشرطة قبل 20 دقيقة من اكتشاف الجريمة عن شخص أو أشخاص كانوا في حالة عراك مع سعاد حسني في شقة نادية يسري؛ ويرجح الأستاذ منير مطاوع أن هؤلاء هم المتهمون .. أو هم الذين يعرفون حقيقة ما جرى في اللحظات السابقة على الموت .

    خامساً : أن من شاهدوا جثمان سعاد حسني بعد سقوطها وخرجوا إليها .. وجدوا نادية يسري تحاول أن تأخذ شيئاً بالقوة من يد سعاد الممسكة به بقوة !!

    سادساً : انه لم تكن هناك دماء على الأرض بعد هذا السقوط المروع من الدور السادس؛ بما يعني أن الدورة الدموية توقفت قبل السقوط .. إلقاء الضحايا من الأدور العليا لعبة يجيدها المحترفون لإخفاء أثار العنف الجسدي والتعذيب المرتكبة بحق الضحايا .

       كان الأستاذ منير مطاوع يؤكد انها لم تنتحر لكنها قتلت .. تم اغتيالها، ولكنه لا يستبعد في تفسيره لجريمة القتل أن يكون خلافاً بسيطاً قد جرى على أمر تافه، لا يخطر على بال أحد، نتج عنه تعرض سعاد حسني لأزمة قلبية أو هبوط مفاجئ، وموت فاجع؛ فلم يجد من حولها غير وسيلة تصوير ما جرى على أنه «انتحار فنانة مكتئبة» !!

اختفاء الزميل رضا هلال :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

       ..  فى 11 أغسطس 2003 اختفى رضا هلال فى ظروف غامضة لم يتم الكشف عن ملابساتها حتى الآن، لكن التحريات تؤكد أنه تناول طعام الغداء مع ليز تشيني عضو الحزب الجمهوري الأمريكي، والتي تقلدت العديد من المناصب الدبلوماسية في الخارجية الأمريكية، وابنة ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي في مطعم أحد الفنادق المطلة على الأهرامات؛ بما يعني أن طلب وجبة فتة بالموزة من مطعم أبو شقرة المجاور لمسكنه كان هدفه التمويه والتعمية والتضليل، وبمعاينة شقة المجني عليه تبين :

ـ أن جميع نوافذ الشقة مفتوحة .
ـ أن جميع مصابيح الشقة مضاءة .
ـ أنه يوجد قفل كبير على باب الشقة من الخارج .
ـ لم يعثر على الهاتف النقال الخاص به، ولم تفلح الأجهزة في تتبع موقع الشريحة الخاصة به أو التعرف على سجل المكالمات.

     كان رضا هلال شخصاً مثير للجدل، ولا يتفق نمط حياته مع بداياته المتواضعة؛ فهو يسهر في أماكن لا يرتادها إلا علية القوم من الأثرياء وينفق ببذخ، ويرتدي الملابس السنيية من أرقى بيوت الأزياء في إيطاليا ولندن وباريس ويرتبط بشبكة علاقات متقاطعة أحياناً ومتشابكة ومتداخلة ومختلطة أحياناً، وملتبسة في كثير من الأحيان ببعض النظم في المنطقة وببعض النظم الدولية وبعض أجهزة الاستخبارات، وتربطه علاقة وثيقة بالسفير الأمريكي بالقاهرة تسمح له بالإتصال به متى شاء كما تربطه علاقات وثيقة بالمسئولين في إسرائيل القائمين على عملية التطبيع في مصر .. كانت كل الشواهد تؤكد أن رضا هلال تجاوز حدود العمل الإعلامي إلى حقول الاستخبارات !!

      كانت الحال التي وجدت عليها شقة المجني عليه تعني أننا أمام حالة من الطمس المبرمج لأثار جريمة تم التخطيط لها بعناية؛ وهو ما يرجح أحد احتمالين:

    1 ـ أنه تم اختطافه بطريقة احترافية في المسافة ما بين مدخل العمارة وباب شقته سواء عن طريق السلم أوالمصعد، وهذه المسافة لا تزيد مدتها الزمنية عن دقيقة ونصف على الأكثر، والتعامل معه سواء داخل الشقة أو نقله لمكان أخر وقتله ومواراة جثمانه التراب بتصريح دفن رسمي في مقابر الصدقة باعتباره شخص مجهول الهوية .

     2 ـ أنه تم إذابه جثمانه بعد قتله في بانيو شقته باستخدام مواد كيمائية معروفة تستخدمها أجهزة الاستخبارات ذات السجل الإجرامي في التعامل مع الخصوم، وقد ثبت استخدام المخابرات المغربية لتلك المواد بمعاونة الموساد الإسرائيلي في التخلص من جثمان المعارض المغربي المهدي ابن بركة وقد كشف عنها أحد أفرد الموساد الذي شارك في تلك العملية القذرة، والذي أفاد أن جثة المهدي ابن بركة تمت إذابتها في برميل من المواد الكيمائية خلال 4 ساعات بعد قتله، وأنه تم التخلص من بقاياه  بدفنها في إحدى الغابات القريبة من باريس .

    .. أفادت بعض المصادر أن رضا هلال كان ضحية الصراع بين مدير المخابرات العامة الأسبق اللواء عمر سليمان ووزير الداخليةالأسبق اللواء حبيب العادلي لنيل الحظوة لدى الرئيس مبارك؛ فقد سجل اللواء العادلي حفلات لإناس مقربين من اللواء عمر سليمان، وأرسل التسجيلات إليه، ورد اللواء عمر سليمان في نفس اليوم على تلك التسجيلات بأخرى مماثلة تتعلق بشخصية نسائية مقربة من اللواء حبيب العادلي، وجاء في تلك التسجيلات صوت رضا هلال؛ ولأنه منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا لم توجد الجريمة الكاملة؛ فقد أهتم الجناة بإخفاء الهاتف النقال الخاص به حتى يصعب الإمساك بطرف خيط يوصل للحقيقة من سجل المكالمات، .. لكنهم غفلوا عن ألة الأنسر ماشين الخاصة بالتليفون المنزلي لشقة رضا هلال، وقد وجدت جهات التحقيق صوت تلك المرأة المقربة من اللواء حبيب العادلي على جهاز الأنسر ماشين، وجاء تقرير خبير الأصوات باتحاد الإذاعة والتليفزيون عن بصمة الصوت النسائي التي وجدت على ألة الأنسر ماشين الخاصة بالتليفون المنزلي لشقة رضا هلال أنها تقارب بصمة صوت المرأة المقربة من اللواء حبيب العادلى ولا تتطابق معها !!

       .. وهذا الطرح يرضي الكارهين لعصر مبارك وفساد رجاله في ظل تغول الأجهزة الأمنية وتوحشها، وتحويل مقراتها إلى مسالخ للمواطنين دون أن تحقق لهم الأمن المنشود !!

     .. وأفادت مصادر أخرى أن رضا هلال تجاوز الخطوط الحمراء في المعرفة بما استوجب تصفيته، وأن تتبع ومضات شريحة هاتفه النقال قد فقدت في محيط السفارة الأمريكية بجاردن سيتي .

       .. وقد سألت الأستاذ ابراهيم نافع رئيس مجلس إدارة الأهرام ورئيس التحرير ونقيب الصحفيين ـ آنذاك ـ عن نتائج الجهود التي يبذلها في التواصل مع الأجهزة الأمنية لاستظهار حقيقة ما حدث للأستاذ رضا هلال؛ فقال لي بهدوء لا يتفق مع طبيعة الموقف :

    ـ أن الأجهزة الأمنية لا تعلم عنه شيئاً، .. وقد صعدت الأمر إلى أعلى المستويات، وعرضته بكل تفاصيله على الرئيس مبارك !!


       .. ومات الأستاذ ابراهيم نافع في بلاد الغربة هارباً من الملاحقة القضائية في اتهامات بقضايا فساد، ومات معه سر رضا هلال الذي لم يبح به لأحد .

     .. ولم يعرف مصير الأستاذ رضا هلال حتى الآن !!

لعبة «مراجعات» قادة العنف
بين الزعماء والعملاء و «البهاليل» :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      في جنازة الرئيس عبد الناصر همس أنور السادات في أذن الممثل الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية  إليوت ريتشاردسون قائلاً :«جربوني تجدوا رأي آخر»، وجاء الرد على لسان كمال أدهم مدير المخابرات السعودية الذي همس في أذن السادات : «حان الوقت»، واختفى السادات لمدة 5 أيام بزعم إصابته بأزمة قلبية، وأن الأطباء نصحوه بـأن يلزم الفراش .

      وبعد 15 مايو 1971، والتخلص من كراكيب عصر عبد الناصر بدأ السادات تنفيذ المطلوب بكل محاوره لدفع المجتمع المصري للحالة الدينية (الإسلامية) التى شاعت فى مصرأنذاك، وكان من أشد مؤيديها شيخ الأزهر فضيلة الإمام عبدالحليم محمود، وحظيت تلك الخطة بدعم المهندس عثمان أحمد عثمان بتوفير دعم مالي سخي خصماً من الوعاء الضريبي لشركة «المقاولون العرب»، وعدد من الإعلاميين كان على رأسهم المذيع أحمد فراج الذى استقدم فضيلة الشيخ متولي الشعراوي من السعودية ليكون رأس حربة هذا المشروع.
    
كان من بين المطلوب تصفية ملف «الإخوان المسلمين»، وإخراجهم من السجون، .. وكانت المعضلة أنه تم الشحن الجماهيري ضد «الإخوان المسلمين» على مدى سنوات، وأنه تم توريط علماء الأزهر في فتاوى مكتوبة تم جمعها في كتاب بعنوان : «رأى الدين في إخوان الشياطين»، وقد تم توزيع الكتاب أكثر من مرة كهدية من مجلة «منبر الإسلام»، واقترحت C.I.a. عبر غرفتها الثانية في المنطقة «المخابرات السعودية» ما أطلقوا عليه «المراجعات» لإيجاد صيغة يقبلها الرأى العام لإتمام مشروع المصالحة مع «الإخوان المسلمين»، وإخراجهم من سجون الناصرية ليصبحوا حلفاء لنظام السادات.

     .. و «المراجعات» هي نوع من الزعم بإعادة النظر؛ لتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قادت البعض إلى ممارسة العنف، فادعى الهضيبي تأليفه لكتاب بعنوان: «دعاة لا قضاة»، والحقيقة أن الهضيبي لم يكتب حرف في هذا الكتاب؛ فعندما قررت مباحث أمن الدولة الحصول على وثيقة فكرية تعبر عن التوبة ونبذ العنف لم تكن شيخوخة الهضيبي أو حالته الصحية والفكرية تسمح بذلك؛ فقام بعض الشباب الأزهري من عملاء جهاز مباحث أمن الدولة وعلى رأسهم د.عبد الله شحاتة المدرس بكلية دار العلوم بإعداد كتاب «دعاة لا قضاة»، وتم عرض مسودة الكتاب على الهضيبي الذي وافق عليه، وتم طبع الكتاب منسوبا إليه تمهيداً لخروجه من السجن!! .

     وقد انتهجت «الجماعة الإسلامية» و «تنظيم الجهاد» بعد تورطهما في حوادث رفع السلاح على الدولة نفس منهج أساتذتهم «الإخوان المسلمين» وقدما مبادرتهما حيث ألقى أحد متهمي «الجماعة الإسلامية» بياناً أثناء مثوله أمام المحكمة العسكرية في 5 /7/ 1997 موقعاً من ستة من قادة الجماعة تضمن إيقاف جميع العمليات الإرهابية في الداخل والخارج، ووقف جميع البيانات المحرضة عليها من طرف واحد دون قيد أو شرط !!

      كانت تلك المبادرة إعادة لطرح مبادرة الشيخ محمد متولي الشعراوي بالاتفاق مع اللواء محمد عبد الحليم موسى وزير الداخلية، والتي تم خلالها إحضار عبود الزمر من سجنه في فبراير 1992 باعتباره ممثل للجماعة للقاء قيادات من وزارة الداخلية في أحد بيوت السيف هاوس Safe House  بمصر الجديدة في حضور لجنة وساطة مكونة من 20 شخصية تمثل الإسلامين كان أبرزهم الشيخ متولي الشعراوي والشيخ محمد الغزالي ود. محمد عمارة والشيخ عبد الحميد كشك والشيخ عبد اللطيف المشتهري ود. عبد الصبور شاهين ود. عمر عبد الكافي وأحمد فراج وفهمي هويدي . ووضعت اللجنة بنوداً تنص :
      ـ إيقاف العنف من جانب الجماعة مقابل الإفراج عن 60 % من أفرادها الذين اعتقلوا طبقاً لقوانين الطوارئ.
     ـ تحويل القضايا من المحاكم العسكرية إلى المحاكم المدنية .
     ـ ومنع القتل العشوائي لأفراد الجماعة ، وإعادة المساجد إليهم .

       كانت المطالب تبدو مشروعة ومعقولة ومقبولة ،.. لكن عبود خلال اللقاء بدأ يفرض شروطاً تعد تدخلاً في سلطات الدولة مثل سياسة الإعلام ومناهج التعليم والإصلاح الاقتصادي!!؛ بما أعطى انطباعاً بأن الجماعة صنواً للدولة وندا لها، وبدت لجنة الوساطة كما لو كانت «حكومة ظل»، وصدرت التعليمات بإيقاف هذا العبث، وتمت إقالة عبد الحليم موسى بشكل مفاجئ ومُهين بعد تسريب أخبار عن هذا اللقاء نشرها في مجلة «روز اليوسف» الصحفي وائل براشي (هذا اسمه الحقيقي براشي في الأوراق الرسمية، وليس الإبراشي حسبما يحاول أن يدعي نسبا بعائلة زكي الإبراشي ناظر الخاصة الملكية في عهد الملك فاروق)!!

       بعد 7 سنوات من مبادرة «الجماعة الإسلامية».. بدأت لعبة «المراجعات» من جديد، وتمسكت مباحث أمن الدولة بثوابتها الموروثة في ضرورة الحصول على وثيقة فكرية بإدنة العنف؛ فصدرت المراجعات في أربعة كتب أقر فيها المنحرفون بالتوبة، واعترفوا بخطئهم في فهم :

ـ فقة التكفير
ـ فقة الجهاد
ـ فقة الخروج على الحكام
ـ فقة تغيير المنكر بالقوة

      .. وانتهت «اللعبة» بتعديل الأحكام القضائية الصادرة بحقهم، وخروجهم من السجون !!

       كان واجهة اللعبة على مسرح «المراجعات»، الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد لتسويغها لدى الرأي العام، وقد حصل مقابل ذلك من إحدى الجهات على مبلغ 50 ألف جنية تم غسلهم عن طريق «دار الشروق» بشيك صادر عن الدار بزعم أنه مقابل تأليف كتاب بعنوان : «مؤامرة أم مراجعة .. حوارات مع قادة التطرف في سجن العقرب»، ولم يكن الكتاب سوى إعادة نشر لثلاث تحقيقات نشرت بـ «المصور»!!

وفاء قسطنطين
مسلمة بين جدران الدير :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

«.. فى حضرة الوثائق والمستندات .. يصمت الجميع،
.. ويصبح الكل أسرى سطوة الوثيقة، وقوة المسـتند؛
فلا صــوت يعــلو فوق صــوتهما !!؛ فلهـما وحـدهما
اليد العليا وفصل الخطاب .» .

    الوثائق والمستندات هما القادران على نزع أقنعة الزيف عن وجوه أشباة الرجال، وأسقاط ورقة التوت عن عورات فساد الأنظمة، وكشف  سوءات مؤسستى التدين القشرى الزائف الداعمتان لضلاله!!،.. ووضع رجالهما عرايا من كل زيف أمام أنفسهم، بعيداً عن غطاء من أكاذيب إعلام فاسد.

     لا فضيلة لشيخ، ولا قداسة لكاهن؛ فالدين للديّان جل جلاله؛ وكلنا بشر، وكلنا مصريون .
     فى هذا الملف ننحى القلم والنفس جانباً، ونترك الوثائق والمستندات تبوح بمكنوناتها، وتفضى بأسرارها، وتروى عن نفسها الكثير مما نتعفف عن الخوض فيه، وندعها تصرخ بالحقيقة فى وجه من احترف الصراخ!! فليس الأعلى صوتا هو الأقوى حجة، وليس مدعى الحق هو دائما صاحبه  .

       الوثائق والمستندات وحدهما هما القادران على حكاية قصة مواطنة مصرية تدعى : وفاء قسطنطين مسيحة .

البداية :

    .. تجمع غاضب من مسيحيين ريفيين بسطاء وطيبين أمام الكاتدرائية بالعباسية؛ بعد أن نجح كاهن معدوم الأخلاق والضمير فى إشعال نيران الطائفية فى صدورهم بدعوى «الدفاع عن الصليب» وتخويفهم من السقوط فى مستنقع «العار الاجتماعى» إذا لم يستعيدوا زوجة القس يوسف معوض فرج التى أشاعوا خبراً عن اختطافها قسراً من قبل أحد زملائها .

     .. لكن الحقيقة المثبتة فى محاضر الشرطة كانت تنطق بشئ أخر .

المستند الأول :

         المستند عبارة عن محضر شرطة رقم 13760 محضر شرطة السلام ـ ادارى عين شمس والذى جاء فيه :

        « فى 12/1 / 2004 الساعة 4 مساء
أثبت الآتى : بمعرفتنا نحن عميد / أحمد إسماعيل حشاد مأمور القسم ، حضرت وفاء قسطنطين مسيحة، 46 سنة، مسيحية الديانة، وتعمل مهندسة زراعية بهيئة الإصلاح الزراعى ببلدة أبو المطامير، وأبدت رغبتها فى إشهار إسلامها، وأضافت أنها اقتنعت بالدين الإسلامى منذ عامين، وتواظب على أداء فروض الإسلام من صلاة وصيام .

        .. وأضافت : «أنها غادرت محل إقامتها منذ أيام بمحض إرادتها، وأقامت لدى بعض معارفها فى القاهرة والمنوفية، وأنها لم تتعرض لضغط لإشـهار إسلامها .»
    .. كما أضافت أن : «ابنتها شيرين يوسف فرج على علم بذلك .»

***
    وقد تم التنبية على المذكورة بضرورة إحضار ما يفيد إثبات شخصيتها ومعاودة الحضور للقسم لاتخاذ الإجراءات.
المستند الثانى :

     .. أعيد فتح المحضر فى الساعة 9 من صباح 2 / 12 / 2004 بعد إحضار المذكورة لتحقيق شخصيتها، وتبين أنها متزوجة من القس يوسف معوض فرج، كاهن بجمعية حوش عيس بأبو المطامير التابعة لمطرانية البحيرة للأقباط الأرثوذكس، والمقيم بذات العنوان، وله عنوان أخر بالأسكندرية .

       .. ونظراً لحساسية الموقف لزواجها من رجل دين مسيحى، تم إفهامها أن إجراءات الإشهار تتطلب التأكد من مراجعة المسئولين بالكنيسة .

      وقد أبدت المذكورة استعدادها لتنفيذ كافة الإجراءات، وتحملها لكافة الإجراءات.


المستند الثالث :
      محضر رقم 6038 إدارى أبو المطامير بتاريخ 2 / 12 / 2004 الساعة 45 ,1 بعد الظهر .

        ملخص الواقعة فيما أثبته الرائد / محمد أبو كيلة رئيس مباحث أبو المطامير فى محضر جمع الاستدلالات :

     بلاغ من مسيحة قسطنطين مسيحة، فنى هندسة ميكانيكا بشركة سيراميكا الجوهرة، ومقيم بمدينة السادات منوفية، والذى قرر أن شقيقته وفاء حضرت من الاسكندرية لمركز أبو المطامير صحبة ابنها مينا بتاريخ 27 / 11 / 2004، وخرجت ولم تعد، واتهم محمد على مرجونة رئيس قسم بالإصلاح الزراعى بأنه السبب وراء اختطافها لسابق تحريضها على ترك منزل الزوجية أكثر من مرة .


المستند الرابع :

    أعيد فتح المحضر 13760 إدارى عين شمس بتاريخ 3 / 12 / 2004 الساعة 11 صباحاً بمعرفتنا نحن عميد أحمد إسماعيل حشاد مأمور قسم السلام.

         أثبت الآتى : بالتنسيق مع مباحث أمن الدولة، تم مراجعة مديرية أمن البحيرة، وتبين وجود محضر باختفائها، وتم إحاطة الأنبا باخوميوس (مطران البحيرة للأقباط الأرثوزكس) برغبة المذكورة فى إشهار إسلامها، واستعدادها للالتقاء بأى من رجال الدين المسيحى لإبلاغهم بذلك.


المستند الخامس :

أعيد فتح المحضر 13760 إدارى عين شمس بتاريخ 8 / 12 / 2004 الساعة 6 مساء بمعرفتنا نحن المحقق السابق.
         أثبت الآتى : «بالتنسيق مع مباحث أمن الدولة والأنبا باخوميوس، تم اختيار فيلا كائنة بـ 53 شارع على باشا اللالى ـ النعام ـ عين شمس لالتقاء المسئولين بالكنيسة مع السيدة المذكورة لتدارس موقفها وابداء النصح لها، وتم إبلاغ السيدة المذكورة حيث أبدت موافقتها، وقررت أنها ستتوجة إلى مستشفى كليوباترا لإجراء بعض الفحوص .

       بعد الانتهاء من الفحوص، وفى الموعد المحدد التقت المذكورة بالقس بطرس جيد راعى كنيسة السيدة العذراء، وبعض الراهبات المكلفات من الكنيسة.

المستند السادس :

        عبارة عن تقرير الطبى عن الحالة الصحبة للسيدة / وفاء قسطنطين، جاء فيه:

ـ ضغط الدم 140 / 90
ـ القلب سليم والصدر سليم والأطراف سليمة، كما أن درجة السمع سليمة، وتم عمل رسم قلب وجد أنه سليم، وأنها لاتعانى من إصابات ظاهرية.
د . أشرف الشربينى ـ أخصائى باطنة

د . أحمد كمال ـ أخصائى جراحة

مدير المستشفى : د . كامل خليل

الحلقة المفقودة :

      بين اصرار السيدة على معتقدها الجديد، وحالة الإعياء التى بدت عليها فى سراى نيابة عين شمس فى 14 / 12 / 2004 لتقر بالتراجع عنه أمام النيابة، حلقة مفقودة، كشف عنها منير فخرى عبد النور فى حواره مع الزميلة رانيا بدوى فى العدد رقم 2089 بتاريخ 3 / 3 /2010 من جريدة « المصرى اليوم» بقوله :

       «أيام أزمة وفاء قسطنطين كنت عائدا ليلاً من وادى النطرون بعد مقابلة البابا شنودة، وقد فشلت فى إقناعه بالعودة إلى القاهرة بعد أن قرر الاعتكاف، ورفض العودة إلا بعد عودة وفاء قسطنطين، وكنا على مشارف عيد واعتكاف البابا، وعدم عودته كان سيتسبب فى أزمة أكبر؛ فاتصلت بالدكتور زكريا عزمى الذى تدخل، ولم يهدأ له بال إلا بعد أن أجرى اتصالاته، وتأكد من وجودها فى إحدى مديريات الأمن، وأمر بتسليمها للبابا شنودة فى دير وادى النطرون.»

       ملحوظة : أكد صحة ما جاء بشهادة منير فخرى عبد النور، شهادة أحد موظفى الأزهر (الشيخ ف . ز .) الذى أكد فيها : «أنهم تلقوا اتصال من مسئول يأمرهم بعدم إعطاء المذكورة الشهادة التى تثبت إسلامها .»

المستند السابع : 

       عبارة عن محضر تحقيق بتاريخ 14 / 12 / 2004 فى سراى نيابة عين شمس بمحكمة مصر الجديدة بمعرفة الأستاذ / أيمن البابلى رئيس النيابة، جاء فيه : «فتح المحضر حول واقعة إسلام وفاء قسطنطين، وبمناسبة وجودها خارج غرفة النيابة تمت المنادة عليها فحضرت، ومعها المحاميان فكرى جرجس ورفعت سليمان، وأقرت أنها كانت تمر بأزمة نفسية جعلتها تقرأ بعض الكتب والمجلات الإسلامية، وطلبت إشهار إسلامها، وعندما قابلت لجنة النصح، اقتنعت بنصح اللجنة، وعندما سألتها النيابة عن قرارها فى القضية قالت : « لقد ولدت مسيحية، وعشت مسيحية، وسوف أموت مسيحية»،  .... وبناء عليه تم صرفها من سراى النيابة .

      .. لتمضى فى طريقها نحو المجهول ، الذى حجبه الضباب، وحلقت فوقه غربان الشائعات السوداء !!

***

     هذا ما توافر لدينا من مستندات وشهادات، عرضناها بأمانة، ولم يكن لنا دافع سوى إخراس صوت البوم الذى ينعق بالخراب فى سماء الوطن من أصحاب العمائم السوداء والبيضاء على السواء، وأن نضع الحقيقة فى أعين  الذين يحومون بالشر حول رؤوسنا ليل نهار!!، ولنؤكد لأهلنا الطيبين فى الوطن أن وراء كل فتنة كذبة كبيرة وسوداء .


هشام طلعت مصطفي
.. والكذب على الرئيس :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

       كانت صحف الخليج تنشر أخبار متناثرة عن أن أجهزة الأمن هناك قد توصلت إلى تحديد هوية الجاني في حادثة مقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم، وأن القتل تم بتحريض رجل أعمال مصري يعد من أبرز الأعضاء في أمانة السياسات التي يترأسها جمال مبارك، وأن الانتربول بصدد القبض عليهما (القاتل والمحرض).. كانت الأسهم كلها تشير إلى هشام طلعت مصطفى الذي كان يستجم في سويسرا في رحلة على متن طائرته الخاصة !!

       ورفع الرئيس مبارك سماعة التليفون على هشام في مقر إقامته، وقال :

     ـ «يا ابني إذا كنت متورط في حاجة في حادثة البنت اللبنانية دي .. ما تبهدلش نفسك في أوربا.. تعال بلدك، .. بلدك تقدر تحميك.»

      ورد هشام :
  
     ـ إطلاقا يا ريس .

    .. ودفع هشام ثمن الكذب على الرئيس بالقبض المهين عليه، وتجريسه في صحف القاهرة ووسائل إعلامها، وتقديمه للمحاكمة .

    .. كان للأستاذ فريد الديب محامي هشام رأي آخر؛ فالقضية من وجهة نظرة مهلهلة وذاخرة بالثغرات، وفي مكالمة تليفونية مع والدة هشام قبل بدء أخر جلسة من جلسات التقاضي في الدرجة الأولى قال فريد:

     ـ « جهزي العجول والجزارين والطباخين يا حاجة .. أنا جاي اتغدى في اسكندرية، وجايب هشام في إيدي .»

     .. وقضت المحكمة بإحالة أوراق هشام طلعت مصطفي إلى فضيلة المفتي.

د. أحمد عمر هاشم ..
و «فتة» أحمد عـــــز :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      في انتخابات مجلس الشعب 2006، قال الدكتور أحمد عمر هاشم لفضيلة شيخ الأزهر نحن مدعون لمؤازرة أحمد عز في دائرة منوف والسادات، وقال فضيلة شيخ الأزهر :

     ـ سياسة دي يا دكتور، ولا فتة ؟!!
     ـ فتة يا سيدنا.
     ـ روح بالهنا والشفا، وما تنسناش !!

أشرف مروان
«العميل بابل» .. ملاك الصهاينة !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    عندما كتبت القصة الكاملة لأشرف مروان في كتابي بعنوان: «المذكرات .. والقتل النظيف» .. كان أهم ما استرعى انتباهي واستوقفني أمامه طويلاً في قصة ذلك «الطفل المعجزة» عدة أمور :

        • سر المكالمات التليفونية الليلية بين منى عبد الناصر وقائد فرقة الاغتيالات والتصفيات الجسدية (ص . د.) التي أزعجت الرئيس عبد الناصر، وجعلته يعجل بزواج كريمته منى من أشرف مروان رغم اعتقاده أنه ليس الاختيار الأمثل !!

      • كانت السيدة تحية كاظم ترى في أشرف مروان اختيار الضرورة؛ فقد وقع اختيارها على شاب آخر لكن أسرته فوتت عليها الفرصة بإعلان زواجه من أخرى هرباً من مصاهرة عبد الناصر؛ ولهذا ترك الرئيس جمال عبد الناصر أشرف ووالده اللواء أبو الوفا مروان «ملطوعين» عند محمد أحمد في السكرتارية لمدة ساعتين بحجة أن منى نسيت أن تبلغه بالميعاد!!

     • كان مهر منى ألف جنية قدمها والد أشرف في علبة من الفضة للرئيس عبد الناصر، ومع ذلك تمت إقامة فرح أسطوري تمت خلاله إضاءة حي منشية البكري بالأنوار الملونة لمدة ثلاثة أيام ولياليهم من أموال الشعب وانتقلت فرقة تلاثي أضواء المسرح لتقديم اسكتش « دكتور .. الحقني»،  وغنت أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ورقصت في الزفة نجوى فؤاد وسهير زكي !!

    • وافق الرئيس عبد الناصر على منح أشرف قرض ( 3000 جنية ) لبناء فيلا في مصر الجديدة لتكون مسكن الزوجية بضمان راتبه ( 30 جنية ).. وبعد سداد قسطين، وبعد نقله إلى مكتب الرئيس تم إعفائه من سداد بقية الأقساط، وقد ذكر عثمان أحمد عثمان في كتابه بعنوان: «تجربتي» أن فيلا منى عبد الناصر تكلفت 50 ألف جنيها، وتقاضى عنها 2500 جنية فقط، وتكلفت فيلا هدى عبد الناصر مبلغ مماثل وتقاضى عنها 2500 فقط أيضا.

     • الرئيس عبد الناصر يأمر بإعادة أشرف مروان من بعثة دراسية في لندن بعد علمه بعلاقة غير شرعية بين أشرف مروان والأميرة سعاد الصباح .

     • لم يكن أشرف مروان يعرف الولاء لأحد فقد قبل الإهانه المقصودة والمتعمدة يوم خطبته ليصبح فرداً في عصابة انقلاب 23 يوليو 1952 التي صادرت أموال أسرته بالتأميم ويسترد بعض الثراء المفقود، لهذا سارع بكسب ود السادات بعد وفاة عبد الناصر، وصار من أهم رجاله!!
        • في شهادة أثنين من القادة التاريخيين للمخابرات العامة المصرية هما المشير أحمد اسماعيل، واللواء فؤاد نصار أكدا أنهما لم يتسلما ملفات تخص أشرف مروان، ولم يوقعا على أوراق بشأنه بما ينفي غنه صفة «العميل المزدوج»، فالعميل المزدوج يحتاج إلى فريق من أمهر الطهاه لإعداد «الأخبار المطبوخة»، وإكسابها مظهر الصدق؛ ليقدمها «العميل المزدوج» إلى العدو، إضافة إلى فرق التأمين وفرق المراقبة وهى أعمال تقصر عنها إمكانيات الأفراد.

      • كان نشر كتاب «الملاك .. الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل» يمثل حرجاً شديداً وضغطاَ هائلاً على النظام في مصر؛ ففي اللقاء الأخير بين الرئيس حسني مبارك وأشرف مروان أمام قبر عبد الناصر في ذكرى وفاته عنف الرئيس مبارك أشرف مروان ونهره قائلاً :

         ـ « أنت لسه هنا في مصر .. تطلع من هنا على المطار، وما أشوفش وشك إلا لما أبعت لك» !! .

         • بعد مقتل أشرف مروان في ظهر يوم 27 يونيو 2007  نفي الرئيس حسني مبارك صفة الجاسوس عن أشرف مروان بعد موته، ووصفه بالوطنية ـ ربما ـ لإبعاد الشبهة عن نظامه والنأي بنفسه من قائمة المشتبة بهم في قتله .

عندما كذب شيخ الأزهر
أمـــــــــام المـحـكـمــة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    في القضية المرفوعة من مؤسسة الأزهر ضد جريدة «الفجر» التي نشرت رسم جرافيكي لفضيلة شيخ الأزهر في زي الكهنوت .. كانت الجريدة تطالب الشيخ بعدم الذهاب إلى الفاتيكان الذي أهان الإسلام وقدح بحق نبيه.
    وطلب دفاع الجريدة مثول شيخ الأزهر أمام المحكمة، ولما مثل الشيخ سأله الدفاع عن خطاب وزارة الخارجية الذي يوصيه بعدم الذهاب إلى الفاتيكان، وأنكر شيخ الأزهر تلقيه لمثل تلك التوصية.
    .. إلا أن المحكمة فاجئت الشيخ بالخطاب، وكانت إدارة الشئون القانونية بالأزهر قد قدمته ضمن حافظة مستنداتها .
    .. وأسقط في يدي الشيخ الذي افتضح كذبه أمـام المحكـمة !!

«الفساد» في الأزهــــر
وبدل  «فتح الكــراتين»:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
     
      كان الموظفون في مشيخة الأزهر يعدون كشوف مكافآت شهرية لأنفسهم تحت مُسمى بدل «فتح كــراتين»، الكـراتين هي كـراتين المصاحف الواردة كهدايا من السعودية لتوزيعها على المساجد والمعاهد .

      .. ولتمرير الكشوف في إدارة مراجعة الحسابات كان يوضع على رأسها فضيلة الشيخ سيد طنطاوي شيخ الأزهر بقيمة مكافأة شهرية 30 ألف جنية (ثلاثون ألف جنية).

وثيقة فتح مصر
و«صناعة الكذب»:
ــــــــــــــــــــــــــــــ

       فى 2 ديسمبر 2005 خرجت علينا مجلة «المصور» فى عددها رقم 4234، وعلى صدر غلافها ما وصفته بالانفراد، وأسمته بـ «وثيقة الإخوان لفتح مصر ـ النص الكامل لخطة الإخوان للسيطرة على المجتمع»، مع رسم فوتوغرافى للوثيقة المزعومة والمنسوبة إلى خيرت الشاطر بتوقيع منسوب إليه بصفته نائب المرشد، وادعت المجلة أن الوثيقة تنذر بالخطر الداهم خاصة، وأنها تختص بالمرحلة الأولى من (فتح مصر)، والتى تستهدف تأسيس كيان شرعى أو الحصول على اعتراف بالشرعية، ونشر الدعوة فى ربوع مصر عن طريق التوسع الأفقى، والوصول بعدد الإخوان إلى ما لايقل عن 3 ملايين أخ، فإذا ما تم تنفيذ المرحلة الأولى من المستهدف كان من السهل الاستئثار بمشاعر، وحماس ما لايقل عن 50% من الشعب المصرى، وهو ما يساعد الإخوان على الدخول إلى المرحلة الثانية من فتح مصر .

      كان الغلاف صادما، ... للوهلة الأولى استشعرت شيئاً من عدم المعقولية، وأنه لا يتفق مع طبائع الأمور، ولا يستقيم معها  أن يكتب من ينتهج عملاً سرياً خططه وتوجيهاته على مطبوعات تحمل شعاره ويذيلها بتوقيعه، وتذكرت نكتة «محطة المطار السرى» التى كان كمسارية الأتوبيسات ينبهون الركاب للنزول عندها قبل هزيمة 1967 !!،  ... وبعد قليل من التأمل فى عناصر الغلاف والتصفح السريع للمطبوعة، وبنظرة العين المجردة الخبيرة يتضح التباين والاختلاف التام والواضح بين الرسم الفوتوغرافى المنشور على غلاف المجلة، والذى تضمن محتوى الوثيقة كاملاً على ورقة واحدة، وبين الرسوم الفوتوغرافية للوثيقة ذاتها على صفحة رقم 15 الداخلية من المجلة؛ حيث جاء نفس المحتوى مقسماً على ورقات ثلاث  !!

      .. وهو ما يثير الريبة ويدعو للشك فضلاً عن  أن «الوثيقة» المزعومة تبدو وكأنها نتاج تركيب البانر هيد «اللافتة الرئيسية» لموقع إخوان أون لاين ـ الموقع الرسمي للإخوان المسلمين ـ علي الورقة التي كتبت عليها الوثيقة، وهو ما بدا واضحاً فى أطراف الصورة عند موضع التقاء شعار الموقع مع ورقة الوثيقة التى تبدو مفتقدة  لعنصر الاحترافية فى التعامل مع برنامج معالجة الصور.  

     .. ولكن ليطمئن قلبى؛ ولأبدد الشك الذى بات يكبر فى داخلى، ذهبت إلى الأستاذ محمد أبو طالب المستشار الفنى لدار الهلال، والتقيته فى مكتب الأستاذ عادل عبدالصمد رئيس تحرير مجلة الهلال الحالى، وبادرته بالسؤال عن قصة غلاف وثيقة فتح مصر، فأكد لى أن من ادعى انفراده بالوثيقة قد أحضرالرسوم الفوتوغرافية التى نشرت بالمجلة ًسواء على صفحة الغلاف أو الصفحات الداخلية، وظل واقفا حتى تم إدخالها إلى جهاز الكمبيوتر عبر الاسكانر دون تدخل منا فى تفاصيلها أو بيانتها، ... ثم أستردها ومضى إلى حال سبيله .

ورغم ثقتى فى ما قاله الأستاذ محمد أبو طالب؛ وليزداد اطمئنان قلبى؛ ذهبت إلى قسم أرشيف الصور فى دار الهلال؛  فلم أجد أثراً لرسم الوثيقة المزعومة، وكذلك الحال فى قسم المعلومات الصحفية، لكن الأدهى والأمر أن مجلد المصور الذى تضمن عدد الوثيقة المزعومة قد تم استعارته بمعرفة أحد القائمين على المجلة  بتاريخ 3 /  5/  2010،  ورغم مرور أكثر من عامين، ومطالبات الزميل أمين المكتبة باستعادته حيث أن المدة المقررة للاستعارة قانوناً 15 يوماً فقط، ورغم إخطار المسئول بمذكرة رسمية، فإنه لم يفلح حتى الآن فى استرجاعه، واستشعرت أننا أمام من يريد آلا يترك بصمة تدل على فعله!!، .. وأقترب الشك أن يكون يقيناً.

الشاطريكذّب « المصور»:

     بعد نشر ما وصفته «المصور» بالانفراد، أسمته بالوثيقة، وبتاريخ 11 /12 / 2005 وجه المهندس خيرت الشاطر إنذاراً إلى المجلة بنشر تكذيب على غلافها للوثيقة، وكون التوقيع المنسوب إليه مزوراً عملا بحق الرد المنصوص عليه فى قانون تنظيم سلطة الصحافة، إلا أن المجلة لم تنشر التكذيب، مما حدا بالشاطر للجوء إلى القضاء بإقامة الدعوى رقم 5798 لسنة 2006 تعويضات كلى جنوب القاهرة .

مسلسل الأكاذيب :

      وبتاريخ 30 يونيه 2010،  وعلى صفحة 16 من عدد «المصور» رقم 4473 ـ أخبار المصور ـ نشرت المجلة خبراً بعنوان : «القضاء يرد كيد الإخوان»، جاء فيه :

     « ..............
   الشاطر زعم إصابته بأضرار من جراء نشر «المصور» خطة الإخوان لفتح مصر التى أثبت القضاء نسبتها إليه مرة تلو الأخرى، الحكم استند إلى أن الوثيقة التى انفرد بها حمدى رزق كانت مذيلة بتوقيع نائب المرشد لجماعة الإخوان المسلمين، وعلى المطبوعات الخاصة بهم، والتى يتصدرها (المصحف والسيفين)، وادعى الشاطر كذباً بأن التوقيع المذيل للوثيقة ليس توقيعه فى محاولة لتشويه سمعة المصور العريقة، ولكن القضاء أنصف الحقيقة ابتدائى  واستئناف، وحكم بأن الوثيقة صحيحة، ونشرها لم يرتب أضراراً على الشاطر.
.................»
 الاجتراء
على حكم القضاء :

     ولم يكن الخبر الذى نشرته مجلة «المصور» سوى حلقة فى مسلسل تجاوز حدود الافتراء، وإهدار حق الرأى العام فى المعرفة فحسب، بل تعداها إلى حد الاجتراء على ما جاء فى حكم قضائى صدر باسم الشعب وأصبح عنواناً للحقيقة فيما قضى به ، فالثابت بالحكم أنه لم يرد فى منطوقه، ولا حيثياته كلمة واحدة مما وردت بخبر المصور بشأن صحة الوثيقة، فضلاً أن المحكمة لم تتطرق إلى موضوع الدعوى، والثابت بالحكم أيضا أنه كان حكماً فى الشكل القانونى، والمتعلق بصفة المهندس خيرت الشاطر القائم برفع الدعوى؛ حيث دفعت «المصور» برفع الدعوى من غير ذى صفة؛ ومن ثم فقد جاء بالحكم فى صفحته رقم 4 ـ من السطر 11 حتى السطر 21 :

    «هدياً بما تقدم ، ولما كان الثابت من أوراق الدعوى ومستنداتها ومطالعة المحكمة لمجلة المصور المرفقة بمستندات المدعى ومطالعتها المقالات المبينة تواريخها بصحيفة الدعوى، تبين أن ما تناولته المجلة فى تلك الأعداد خاص بصفة المدعى خيرت الشاطر بصفته المعروفة فى المجتمع بنائب المرشد العام، ولم تتعرض إلى حياة المدعى الشخصية وحرمتها أو شخصه؛ حيث أن ما جاء بالمقالات المنوه عنها بالمجلة تناولت خطة أعدها نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين والموضوعات التى تناولتها الوثيقة عن خطة الإخوان للسيطرة على المجتمع كانت وثيقة الصلة بصفة نائب المرشد دون أن يكون هناك أدنى مساس بشخصه، أو حرمة حياته الخاصة، ولما كان ذلك وكان القائم برفع الدعوى هو المدعى هو المدعى خيرت الشاطر بشخصه، وليس بصفته المعروفة بالمجتمع كنائب لمرشد جماعة الإخوان المسلمين، وهى الصفة التى تناولتها المقالات والموضوعات بمجلة المصور؛ مما يكون الدفع قد صادف صحيح القانون وتقضى المحكمة بقبوله» .

      الشاطر لم يقم برفع الدعوى آنذاك بصفته نائباً لمرشد جماعة الإخوان المسلمين لكون هذه الصفة تجرمه وتضعه تحت طائلة القانون؛  حيث كانت الجماعة منحلة ومحظورة، وبناء عليه زالت كل صفة لمن كان يمثلها ـ رغم إصرار قيادات الجماعة على إنكار وجود قرار بحلها ـ فقد قطع عمر التلمسانى المرشد الثالث لجماعة الإخوان الشك باليقين وحسم الجدل المثار حول الموقع القانونى للجماعة فى كتابه ( أيام مع السادات ) صـ 16  بقوله :
 «فقد التزمت الجماعة قرار الحل مكرهه غير راضية؛ فليس هناك جمعية عمومية ولا هيئة تأسيسة، ولا مكتب إرشاد ولا مرشد، وهذا الذى يحاسبنا عليه القانون الوضعى .

................................
...............................

   وفى مقابلتى لسيادته (أنور السادات)، بناء على طلبه فى ديسمبر 1979 باستراحته الفاخرة بالقناطر الخيرية، طلب منى أن أقابل السيدة آمال عثمان وزيرة الشئون الاجتماعية، فأدركت ما يهدف إليه، وهو أن يخضع جماعة الإخوان المسلمين لسلطان وزارة الشئون الاجتماعية، ولم أذهب، لأن مطلبنا الذى لا نساوم عليه، هو عودة الجماعة كما كانت يوم قرروا حلها، ولما قلت له إننى ما تعودت بحث مثل هذه الأمور مع سيدات، قهقة عالياً وقال : « طيب روح يا سيدى للنبوى أو منصور حسن» ، ولم أذهب طبعاً، بعد أن تبينت القصد من إعادته للجماعة على الصورة التى كانت فى مخيلته .»

***

    قال القضاء كلمته، وجاء حكمه عنوانًا للحقيقة فيما قضى به، .. لكن أوجها كثيرة للحقيقة ضاعت في دهاليز استيفاء الشكل، والبحث في صفة المدعي، وهو ما يجعل حق الرأي العام مازال قائما في معرفة من الذي اصطنع الوثيقة؟!، ومن الذي دسّها على مجلة  «المصور». ؟!

عندما تراقص النواب
على أغنية «أحمد عز» :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      بعد تزوير انتخابات مجلس الشعب في 2010، وقبل بدء جلسة الإجراءات .. قام أحد السادة نواب الشعب بضبط الإيقاع بالنقر على منضدة خشبية بينما قام السادة النواب عند دخول أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني إلى القاعة بالتراقص، والتصفيق والتغني بأغنية من إبداعات أحدهم :
« أحمد عز .. يا أحمد عز .. الحزب معاك  عز .. في عز» .
     كانت في الأجواء إرهاصات تنذر بكارثة .. وقال الرئيس مبارك في تسفية غضب الخصوم : « خليهم يتسلوا !!»
     .. وبدأ مخاض ثورة يناير .

«فيتراك» مربى
و«إسرائيل» عسل !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    في صباح يوم شتوي من أيام يناير 2011، وقبل الثورة جلس أحمد عز ويوسف بطرس غالي بقاعة الطعام بمجلس الشعب يتناولان إفطارهما، وقال أحمد عز :

ـ أنا بحب «فيتراك» .
ورد يوسف بطرس غالي :
ـ وأنا بحب «إسرائيل» .
وبدهشة قال عز :
ـ «فيتراك» دي مربى !!
وباستخاف قال يوسف بطرس غالي :
ـ و«إسرائيل» دي عسل !!
مصر «دار كفر»
في الفكر « الشيعي» :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      منذ سنوات كثيرة مضت، وفي شرخ الشباب .. في أيام الحلم والحيرة .. كنت مندهشاً من إصرار الشيعة على نشر مذهبهم في مصر؛ فأهل مصر إن لم يكونوا شيعة في مذهبهم؛ فهم أكثر تشيعاً في سلوكهم!!

        كان إصرارالشيعة على مد نفوذهم إلى مصر ومحاولاتهم الدؤبة من أجل ذلك بداية من زواج الأميرة فوزية كريمة الملك فؤاد من محمد رضا بهلوي الذي أدعي نسباً زائفاً بعائلة بهلوي، .. وأيضا زواج الرجل الغامض ـ إلى الآن ـ في تاريخ مصر الرئيس جمال عبد الناصر من السيدة تحية كاظم ابنة تاجر السجاد الإيراني ورعية الملا الشيعي آية الله كاظم الرشتي الذي ظل يقيم في ضاحية حلوان إلا أن توفاه الله .. وكان تصريح جمال عبد الناصر في حديث صحفي مع الصحفي الأمريكي من أصل ألماني جواكيم جوستن في جريدة «باري بيرس» نشر في 21 فبراير 1959 :

     «أن الإدارة الاقتصادية لحركة الجيش، أي «خزانة الحركة»، كانت تعاني ضيقاً في أموالها لدرجة أنه لم يكن يصرف شئ بدون موافقة جمال عبد الناصر، وأن زوجته الإيرانية الشابة تحية كاظم كانت ثرية، وأن ثروتها هى التي مولت الثورة المصرية في بدايتها .».

       وقد أعاد المؤرخ السويسري جورج فوشية نشر هذه المعلومة في كتابه بعنوان :«عبد الناصر وصحبه» الذي نشرته دار المعارف في مصر سنة 1959.

      كشف عبد الناصر أن المال السياسي الإيراني كان جزء من مكونات دعم انقلاب 23  يوليو 1952، سواء كان فارسياً خالصاً، أم كان مال المخابرات المركزية الأمريكية .C.I.A عبر قناة طهران .. لكنه فسر لي سر إصرار الرئيس جمال عبد الناصر على إنشاء «دار التقريب بين المذاهب»، وتوريط فضيلة الشيخ محمود شلتوت في إصدار فتوى في هذا الصدد !!، وفسر لي سماح عبد الناصر لأغا خان بالإنتفاع مدى الحياة بقمة الجبل الذهبي في أسوان، وتشييد مقبرته عليها، وكشف لي سر تودد الرئيس أنور السادات لشاة إيران !!

     .. وأزال دهشتي وأجاب على الكثير من جوانب الغموض في تساؤلاتي نشر كتاب بعنوان : «عصر الظهور» للملا علي الكوراني الذي قال فيه صراحة :

        « أن مصر دار كفر، وأنه يجب استعادتها إلى حظيرة الإيمان قبل ظهور المهدي المنتظر الذي تقول النبوءات أن سيتخذ وزرائه من مصر.».
 
    ولم أخذ الكلام على محمل الجد إلى أن قامت ثورة 25 يناير 2011 وانتخاب د. محمد مرسي رئيساً للجمهورية جاء مسئول إيراني ليقدم عرضا جاء فيه :

1 ـ قيام ايران بدعم الاقتصاد المصري بـ 30 مليار دولار تقدم على ثلاث دفعات.
2 ـ مساعدة إيران في تشغيل المصانع المتوقفة  .
3 ـ تنشيط السياحة في مصر من خلال زيارة 5 مليون سائح إيراني لمصر سنوياً .

قي مقابل أن تمنح مصر إيران أمرين :

      1 ـ حق الإشراف على المساجد التي بنيت في العصر الفاطمي، ومساجد «المراقد المقدسة» التي تضم رفات آل البيت التي بنيت بعد  ذلك العصر.

2 ـ حق إصدار صحيفتين يوميتن ومجلة أسبوعية .

ووعدت مؤسسة الرئاسة بدراسة العرض !!

         .. ولم أعرف حتى الأن إن كان ذلك الأمر لإقناع جماهير الشيعة أن الملالاي جادون في تحقيق النبوءة بما يسهل ابتزازهم للحصول على حصة الآيات (20 % من دخلهم السنوي) أو زيادتها، أو أنه إحياء للتحالف القديم بين «الإخوان المسلمين» وآية الله كاشاني والسفاح نبوان صفوي قائد «فدائيان إسلام».

ملحوظة : كتبت الحكاية؛ لإبراء الذمة ولتعلم الأجيال القادمة ما يدبر لها بليل؛ فخراب مصر هدف صهيوني وأيضا هدف شيعي، وخراب مصر لن يكون إلا بجفاف نيلها وتخريب عقول أبنائها بزوال «المذهب السني».
صديقي الشهيد أبو حراز :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    .. في «زمن الخوف» تكبر علامات التساؤل مثل كائنات أسطورية تنشر أجنحتها في سماء الوطن، وتفرض ظلالها على واقعه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتظل تجأر وتزأر طلباً لإجابات كثيرة أحدها: لماذا قتل هذا الشيخ؟!!، وبأي ذنب قتل؟!.

     .. عن النهاية المأساوية الغاشمة لصديقي الشيخ الشهيد سليمان أبو حراز (98 سنة) مذبوحاً بسيف حملته أيدي قذرة لقتلة بلا وجوه .. عن تلك الجريمة البشعة أتحدث، ولا أستثني أحد من المسئولية حتى المشاركين بالصمت الجبان!!

     لم يكن الشيخ أبو حراز أحد علماء المسلمين، ولم يُحسب يوما على الفقهاء أو المتفيقهين!! .. لم يصعد المنابر، .. ولم يعرف كيف توظف الكلمات في سياق بلاغي للوصول إلى غرض شخصي أو تلاعب بالوعي أو دعم نظام حكم يضمه إلى بطانتة ويغمره بعطاياه!! .. الرجل لم يذهب إلى مدرسة أو كُتّاب!!، ولم يعرف شكل حروف الكتابة، ولم يدري ما القراءة؟!،  ولم يغادر مزرعته في منطقة القصيمة على بعد 4 كيلومترات من العريش.

     .. ولم يكن الشيخ أبو حراز قطباً صوفياً أو شيخاً لطريقة صوفية أو خليفة لأحد مشايخ الطرق الصوفية كما أشاع البعض زوراً لتبرير مأساة قتله!!

    كان رجل بدوياً شديد البساطة يعيش في مزرعته في منطقة بين القصيمة والعويجة على طريق نخل مع أولاده وأحفاده يحلب الماعز ويفلح الأرض، وينتظر موسما جني الخوخ، وجمع الزيتون ليفرح بعرس الأحفاد من الصبيان والبنات، ويزفهم إلي بيوت الشعر المصنوعة من شعر الإبل والخرفان أو الأكواخ المبنية من أغصان شجر العوسج وسعف النخيل، والعوسج نبات صحراوي تحبه الجمال وتأكله بنهم، أما الماعز فلا تأكله، ولا تأكله إلا حين تندر الأعشاب الأخرى، ويعتبر نبات العوسج حطباً جيداً للوقود لا ينبعث منه إلا قدر قليل من الدخان كما يستخدمه البدو في بناء أكواخهم.

     ورث الشيخ أبو حراز عن أهله في البادية تدينا فطريا دون تزيد  .. لم يدعي لنفسه ولاية،  ولم يزعم أنه من أولياء الله الصالحين، ولم يدعى لنفسه مقاما من مقامات المقربين .. لكن المصادفة لعبت دوراً في حياة الرجل؛ فعندما احتل الصهاينة سيناء بعد هزيمة 5 يونية 1967 قبض جنود الصهاينة على الشيخ أبو حراز، ورغبوا في اقتياده إلى وحدتهم وأركبوه سيارتهم؛ فتعطلت السيارة فلما أنزلوه من السيارة زال عنها العطل، تكرر هذا الأمر مع الشيخ أبو حراز أكثر من مرة، وهذا ما جعل الجنود الصهاينة يشيعون أن في الشيخ أبو حراز سراً، وأنه رجل مبروك!!

     وسرى خبر كرامة الشيخ وسط البادية، وتوافد على بيته طلاب الحاجات، وتعب الرجل من أن ينفي عن نفسه ما أُلصق به لكن نفيه لم يكن يلقى القبول؛ فقد كان يُحمل على مأخذ التواضع !!، وأمام االإصرار كان الرجل يطيب خاطر من يقصد بابه دون أن تحمل كلماته معنى محدداً .

     عندما كنت أضيق بضغوط المدن وسخافات البشر كنت أذهب إليه في مزرعته حاملاً بعض الهدايا من عبوات الشاي وأكياس السكر مساهمة في أداء حق الضيافة لبعض المترددين عليه، فقد كان ضيوفه كثيرون، والظروف لا تسمح له أحياناً بالوفاء بواجباتهم، كان دائم المداعبة لي؛ فعندما قدمت له شالاً بسيطاً قائلاً :
    ـ هذا الشال من عند سيدنا الحسين بالقاهرة.
    قال ضاحكاً :
    ـ بنروح هناك .. وأشار بيده «فركة كعب» .
    وعندما التقطت له بعض الصور .. قال :
    ـ تضعها في برواز في بيتك ؟
قلت : إن شاء الله.
قال ضاحكا،ً وهو ينظر إلى زوجتي :
ـ ده مش بيتك .. ده بيت زوجتك .

      عندما أصبح اللواء يوسف صبري أبو طالب محافظاً لشمال سيناء زار الشيخ أبو حراز، وتوطدت أواصر الصداقة بين الرجلين، فكانا يتبادلان الزيارة، وذات مرة حمل الشيخ أبو حراز بشارة لصديقة اللواء يوسف صبري أبو طالب وزير التنمية المحلية بأنه سيصبح قائد الجيش، ساعتها قال له اللواء يوسف صبري أبو طالب ضاحكاً :

    ـ وسعت منك دي يا شيخ سليمان؛ محدش بيقلع البدلة الميري ويلبسها تاني!!
قال الشيخ بيقين :
     
ـ بنشوف .

      .. وتحققت نبوءة الشيخ؛ فعاد اللواء يوسف صبري أبو طالب إلى الجيش وزيراً للدفاع في أبريل 1989 بعد ترقيته إلى رتبة الفريق خلفا للمشير أبو غزالة .. كان المثير للانتباة أن الفريق يوسف صبري أبو طالب هو أول وزير دفاع مصري يقسم اليمين لتولي المنصب بملابس مدنية كما تم أداء القسم في ظرف شديد التعقيد على متن طائرة الرئاسة أثناء اصطحاب الرئيس مبارك له في رحلة إلى العراق حيث فاتحه الرئيس في أمر تولي منصب وزير الدفاع، وما أن وطأت عجلات الطائرة أرض الوطن حتى أُعلن عن توليه المنصب !!
   
      في أخر مرة التقيت به قلت وأنا أصافحه مودعاً :

     ـ أشوفك عل خير .
    
      ورد الشيخ :
     ـ اللقاء نصيب .
    .. ولم أفهم معنى الرسالة إلا بعد إذاعة نبأ استشهاده، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

***

      .. وتمضي الأيام، وتمر الأحداث، ويذهب البشر وتبقى «الحكايات» .. إنها «حكايات زمن الخوف» .
  
(انتهى)

الفصل السابع :
ــــــــــــــــــــــــ

ملحق الصور

بجوار تمثال جورجي زيدان في أخر يوم عمل بدار الهلال  

بجوار تمثال يرمز لسلطة الصحافة
وداعاً دار الهلال
مع زوجتي رفيقة مشوار العمر د. عفاف جمعة
مع زوجتي على شاطئ الريسا بشمال سيناء
على شاطئ الأسكندرية في بحري
مع زوجتي في بيتنا بأحد المنتجعات بضواحي الأسكندرية
الكاتب الصحفي ياسر بكر في لحظة انتظار .. إنا لله وإنا إليه راجعون