مقدمة
فى البدء كانت الكلمة..
نطقها الإنسان كحدث صوتى بشكل عشوائى ؛ ثم بدأ يضبط نبراتها مقلداً أصوات الحيوانات والطيور وغيرها من عوامل الطبيعة مثل صرير الرياح وخرير الماء وحفيف الأشجار .
ثم اتفقت الجماعة الإنسانية على دلالات هذه الأصوات من أعلام وأشياء وأفعال بعينها ؛ ثم أضاف إليها الحروف لضبط مواقع الأفراد وزمن الأفعال وحركة الأشياء؛ فكانت اللغات المختلفة وعاء للفكر الإنسانى وتسيير حركة الحياة وتبادل الخبرات الإنسانية، وفى تطور دورة الحضارة وازدياد الخبرات الإنسانية ظهرت الحاجة الملحة إلى حفظ هذه الخبرات وتأمين نقلها للأبناء والأحفاد ؛ ولأن الحاجة أم الاختراع كان اكتشاف الكتابة ، التى هى نقوش شفرية لصوتيات اللغة المنطوقة.
وصار الإنسان يتفنن فى إبداع الطرق والأساليب التى توطد وتثرى هذه العلاقة ، لأنه المخلوق الوحيد فى هذا الكون الذى بمقدوره التعامل مع الكلمة والمعنى ، فبدأ يفكر فى شيء يدوِّن به كلمته فكانت الأدوات البدائية من قطع الأحجار والمعادن وغصون الأشجار وريش الطيور، ومن ثم نشأت علاقته مع الأشياء التى يدوِّن عليها كتاباته ، كجلد الحيوان ، الخشب ، وقطع الأحجار وجدران المعابد ، ثم كان اختراع الورق ، وبدأت علاقة الإنسان بالورق وأهميته ليسجل عليها كتاباته ، من مجرد ورقة إلى منشور ، إلى كتيب إلى كتاب، وراح يطوِّر صناعته على اختلاف أنواعها ، ومع اختراع الطباعة ولدت الصحافة المكتوبة ، وبمرور الوقت ظهرت أنواع الصحافة الأخرى من مسموعة ومرئية ، جنباً إلى جنب مع الصحافة المطبوعة ومنذ ذلك اليوم والإنسان يواكب التطور العلمى ويستفيد منه فى تطوير سبل إيصال الكلمة .
وبمرور الزمن خصوصاً فى البلدان التى تنعم بالحرية والديمقراطية وتفسح السلطة السياسية فيها المجال لحرية التعبير ؛ أصبحت الصحافة سلطة بذاتها . تحكم وبقوة ؛ وتقوم بدورها فى تقصى الحقيقة والبحث عنها وتقديمها وفقاً لمعايير مهنية صارمة وتمارس مسئولياتها فى إمداد المواطنين بالمعلومات التى تساعدهم فى تقدير المصالح العامة وتقدير مواقفهم الذاتية، مما يحدث فى المجال العام، ومن ثم اتخاذ اختياراتهم نحو القضايا بصورة تقوم على المعرفة إلى أقصى حد ممكن . و طرح تصوراتهم للمستقبل ثم السعى إلى تحقيق هذه التصورات .
على عكس ما يحدث فى البلدان المتخلفة سياسيا وثقافيا فالسلطة وحدها هى التى تطرح " تصوراتها الخاصة " و تسعى إلى تنفيذها ؛ و هذه التصورات فى أغلب الأحيان تصدر عن مصلحة القائمين عليها . و لا تسمح للصحافة إلا أن تكون تابعة للسلطة الحاكمة والأداة التى تروِّج لها من خلال الإخفاء أو التمويه أو حجب الأحداث والمعلومات أو تقديمها بصورة انتقائية أو وفقاً لتفسير وحيد أو مطلق بما يفقدها المصداقية ، ويحوِّلها إلى أداة تضليل للرأى العام وخداع القارىء . ويجعلها إحدى وسائل الاستبداد والطغيان ، ففى البلدان التى يحكمها نظام ديكتاتورى من السهل شراء الذمم ومن ضمنها الذمة الصحفية ، وبالتالى لا يمكن لهذه الصحافة أن تحكم بأى شكل من الأشكال .
.. وفى ظل التحدى الذى جلبته شبكة الإنترنت ؛ ظهرت الصحافة الإلكترونية وفرضت نفسها على الساحة الإعلامية بحضور مهنى ثقيل ومتزايد يعتمد الحقيقة والمعلومة والرقم الموثق، ويؤمن بحرية الرأى والتعبير ، ويؤكد حق المواطن فى الحصول على المعلومات من مصادرها، وحريته فى تداولها بكل الأساليب، دون إخفاء أو حجب أو تزويق وتلوين ؛ مما جعلها تحكم بشكل من الأشكال إلى جانب السلطة السياسية، وهى فى هذا السياق تسمى بالسلطة الرابعة بعد السلطة التشريعية القضائية والتنفيذية بل أصبحت سلطة عابرة لكل هذه السلطات بسطوتها وإبهارها وقدرتها على التغيير، ولما تتمتع به من مرونة وقدرة على التواؤم مع ما يُلقى على عاتقها من مهام .
· فهل يمكن القول إن الصحافة الإلكترونية هى بديل الصحافة المطبوعة؟
· أم أنها بداية النهاية للصحافة المطبوعة ودخولها المتحف؟
· أم أنها مرحلة متطورة من مراحل تطور الصحافة المطبوعة على قاعدة التكامل لا على قاعدة الإلغاء؟
أسئلة نبحث لها عن إجابات فى هذا الكتاب من خلال أربعة محاور:
- حرية الصحافة بين المنح والمنع
- المؤسسات الصحفية من التأميم الى الإنهيار و الدمج ؛ خاصة و أن هذه المؤسسات مدينة للبنوك والتأمينات والضرائب بحوالى ستة مليارات جنيه . كما أن هذه المؤسسات تعيش عالة على الدعم الحكومى الذى لن يستمر طويلاً فى ظل إصداراتها الخاسرة .
- دور نقابة الصحفيين كمظلة حماية لأعضائها .
- استشراف مستقبل المطبوعة فى ظل التحدى الذى جلبته الصحافة الإلكترونية.
***
وقد حرصت على تحرى الحقيقة عن كل واقعة ذكرتها وتدقيق كل معلومة من أكثر من مصدر من مصادرها ؛ ودعمها بالصورة والمستند ؛ كما حرصت على ألا الصق بأحد ما لم يفعله أو أغسل أحداً من أوزاره ؛ و قد غضضت الطرف عن حقائق و وقائع أعلمها يقينا ؛ بل إننى كنت شاهداً على بعضها لأن مستندها غير متوافر لدىَّ .
والله الموفق والمستعان .
ياسر بكر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق