السبت، نوفمبر 21، 2015

ياسر بكر يكتب : .. من يتجرع الدواء المُر ؟ !!





ياسر بكر يكتب : ..  من يتجرع الدواء المُر ؟ !!

.. مع ظهيرة الثالث من يوليو 2013 ومنذ إعلان بيان قائد الجيش جرت في النهر مياه كثيرة، ولكنها لم تضفي على واقع الحال تحسناً ملموساً؛ فاليوم .. وفي ساعته وتاريخه .. لو تم تكليف الجيش المصرى بإعداد دراسة "تقدير موقف" عن الحالة في مصر من مختلف جوانبها؛ فلن يكون محتوى هذا التقرير أفضل بكثير من تقرير "تقدير الموقف" الذى أعده الجيش في 23 يونيو 2013 .. بل أن معدوا التقرير قد يجدوا أنفسهم أمام الكثير من الحقائق التي تشي بها الأرقام والتي تعكس حالة من التراجع والتضييق والعزلة التي تعيشها البلاد على كافة الأصعدة، والتي لا يكتوى بها إلا المواطن البسيط الذي يعجز عن تدبير أبسط احتياجاته المعيشية وأهمهما الغذاء والدواء، فضلاً عن تدني الخدمات المقدمه له من مؤسسات الدولة وارتفاع كُلفتها!!
بعيداً عن التهويمات التي تروج لها الآلة الإعلامية أن دخول الجيش إلى المعادلة السياسية في مصر جاء بدعوة من الجماهير التي لم تجد من يحنو عليها أو يرفق بها من منطلق الشعور بدواعي المصلحة العامة للمحافظة علي مكتسبات ثورة 25 يناير 2011 ؛ .. فالحقيقة التي لا يجب تناسيها والتي تعيد لنا حالة التوازن العقلى بعيداً عن هذا الهراء الإعلامي ورطانة المنتفعين من حالة الفوضى .. وترهات المخرفين لتسويغ ما لا يمكن قبوله.. الحقيقة يا سادة هي :

إن 25 يناير 2011 لم يكن سوى إنقلاب عسكري ناعم بإرادة شعبية تم وضع الترتيبات اللاحقة له من قبل بعض المؤسسات ـ ليلة تخلي مبارك عن السلطة ـ لإفراغه من مضامينه بوضع طلائع تلك الإرادة على محاور إتجاهات خاطئة؛ وإلهاء الشباب الغر بتكوين الإتلافات الممولة من تلك الجهات والمتناحرة بتعليمات منها وإغراء الظهور الإعلامي؛ ليتم اتخاذ تلك الاختيارات الخاطئة والممارسات الفجة حجة عليها .. ولتتخذ بعد ذلك ذريعة لتبرير ما حدث في 3 يوليو 2013 .

وهو ما لخصه المشير طنطاوي بكلمته : " أنا لم أسلم الدولة للإخوان المسلمين  .. لقد سلمت الإخوان المسلمين للدولة " . . هو تصريح كاشف، .. وقد كان !!

 .. وُضعت طلائع الإرادة الشعبية في مواجهة الدولة العميقة التي أنتجت مئات الاحتجاجات الفئوية من ناحية والطبقة القاعدة Establishment  (الطبقة التي تتحكم في إدارة أمور المجتمع) من ناحية أخرى، ومن ناحية ثالثة في مواجهة سماح بعض المؤسسات بانتشار العنف وبعض التفجيرات الدموية وبعض حوادث اختطاف الصغار والفتيات حتى أصبح الأمن مطلباً شعبياً يقايض عليه الناس على حساب الحريات العامة والحريات الدستورية .. وكذلك افتعال أزمات توزيع الخبز واسطوانات الغاز المنزلي ومحروقات السيارات .. وتم التلويح بروايات خبرية تحمل في طياتها الوجع الذي يحتمل الصدق، وأيضا يحتمل الكذب، وفرض علينا أن نتجرع الدواء المُر عبر الحلول المشروطة التي ندفع كلفتها من دخولنا الهزيلة وأن نقبل الحد الأدني من الحقوق الاجتماعية..، ولم يكن السيناريو برمته غريبا فقد كان استنساخاً من تجربة كيرمت روزفلت التي صاغها في كتابه بعنوان : "ضد الانقلاب" عن إجراءات في مواجهة انقلاب مصدق في طهران في الخمسينيات من القرن الماضي، ولم يكن الإنفلات الأمني سوى إعادة للحكايات عن ممارسة شعبان جعفري كبير زعران طهران وفريقه من البلطجية الممولون أمريكياً والتي كانت توجه أعمالهم بخبرة ضباط من المخابرات الإنجليزية لإشاعة الرعب في شوارع طهران !!

.. ولم يكن الاغتيال النفسى عبر السخرية من أشخاص بعينهم لنزع رداء الهيبة عنهم سوى جزء من الخطة السابقة .. وكذلك ترديد الأكاذيب عن بيع الهرم وبيع قناة السويس وبيع أراضي من سيناء وغيرها من تلك الأضاحيك التي تدخل في دائرة الكوميديا السوداء على طريقة إسماعيل ياسين وشراء ميدان العتبة الخضراء .

.. وفي ظهيرة 3 يوليو حمل لنا بيان قائد الجيش أنباء  حدث زاعق؛ فتم تعطيل العمل بالدستور .. وإهدار حكم القضاء بتأجيل حل الغرفة الثانية من البرلمان لحين انتخاب مجلس الشعب !!
.. قد يتبادر إلي الذهن سيناريو "الحرب القذرة " التي شهدتها الجزائر بعد وصول بعض جماعات الإسلام السياسي للحكم والتي وضحت معالمها في شهادة اللواء حبيب سويدية ـ أحد المشاركين فيها ـ في كتابه الذي حمل نفس العنوان .. ولذا لا بد من طرح بعض التساؤلات منها :
..  هل ما حدث في 3 يوليو 2013 يختلف كثيىرا عما حدث في 25 يناير 2011 ؟! ، الإجابة : نعم؛ فما حدث في 3 يوليو 2013 أتسم بأسلوب زاعق ينقصه الإجماع الجماهيري ؟!، كانت حشود الفرقاء في الميادين .. هذا صحيح، .. ولكن لم يكن بوسع أحدهم أن يزيح الآخر، ولم يكن أمامهم جميعاً سوى خياري الحوار أو الانتظار واللجوء إلي الحل الدستوري عبر صناديق الانتخابات !! .. لكن انحياز الجيش لطرف ضد آخر غير طبيعة المعادلة السياسية ليصبح فصل الخطاب لـ "معادلة القوة"!! .. ومع تأكيدات قادة الجيش أنهم غير طامعين في سلطة إلا أن الأيام قد كذبت الأقوال وفضحت النوايا!! .. وسالت الدماء في الميادين وامتلأت السجون وزاد عنف الشرطة . . ، ولم يتحقق وهم القدرة على الإنجاز !!
أقول وهم القدرة على الإنجاز ؛ لأنه كما أعاقت بعض المؤسسات ممارسات طلائع الإرادة الشعبية في 25 يناير 2011 .. وضعت تلك القوى عصاتها في عجلة 3 يوليو 2013، وغاب عن الجميع مصلحة الوطن وأهله !! وهو ما يحدوا بنا إلى التساؤل :
.. هل أصبحت مصر أم الدنيا ؟!، .. هل أصبحت قد الدنيا ؟! .. لا، .. بل أصبحت تشكو ذُل السؤال وسط مخططات التضيق على أرزاقها، وتكالب عليها الصغار كما يتكالب الأكلة على قصعتها .
.. هل زاد دخل الفرد وأصبح لديه ما يكفي لتلبية احتياجاته الضرورية؟! .. لا .
.. هل زاد رصيد مصر من الاحتياطي الأجنبي ؟! .. لا .
.. هل افتتحت المصانع ؟! ، لا .. بل أن الكثير قد نقل نشاطه إلى دول مجاورة!! وانسحب مشروع الـ 1000 مصنع إلي هامش النسيان !!
.. هل أختفت القمامة من الشوارع ؟! هل انتظم تسيير القطارات ؟! هل انتظمت منظومة الصرف الصحي ؟! هل تم إحراز تقدماً في ملف سد النهضة ؟! ، هل تم القضاء على الإرهاب في سيناء؟! الإجابات كلها تحمل اللآت .. ، واللآت تعني تقرير الفشل في تلك الملفات !!
.. لا ننكر أن ثمة إنجاز في تعبيد الطرق وإنشاء الكباري، لكن المنتفعون بها فئة بعينها لا تلتزم بواجباتها تجاه الوطن، والمواطن الفقير هو الذي يدفع كُلفتها .. ولكم في صندوق "تحيا مصر " خير دليل، ..!!
.. المواطن الفقير الذي يلعق جراحة بالسخرية من "صناعة الوهم " والتصريحات غير المسئولة عن دجاجة سعرها 75 قرشاً، وكيلو من اللحم بجنية واحد فقط ـ يا سبحان الله ـ ، وكفتة اللواء إياه للعلاج السحري لما عجز عنه الطب، وأسر قائد الأسطول الأمريكي، وبناء المليون وحدة سكنية وإصلاح المليون فدان .. ومليارات الاستثمار التي تتدفق عبر الأحاديث في مؤتمرات " هوا المصايف " والتي لا نرى لها وجود في خزائن الواقع .. تلك المؤتمرات هي في واقع الحال مكلمّات مدفوعة الثمن لدعم من لا يمتلك مقومات وجوده!!
.. وهو ما يستدعي أن نطرح للتفكير مسألة إعلاء مفهوم الدولتية،  بما يجنب جسد الوطن المسخن بالآلام والأوجاع ويل الفوضى ويجنب طوائف الشعب مزيداً من الانقسام الذي لا يعلم مداه وعواقبه إلا الله !! .. ويعطي للجيش فرصة العودة بكبرياء إلي ثكناته بما يحفظ له مكانته التاريخية في قلوب أهله، وليمارس دوره الطبيعي في حماية الأرض والحدود وحماية الأمن القومي للمواطن ومصالحة الإقتصادية من أن تتعرض للإعتداء علي أيدي قوى خارجية والبدء في إجراءات مصالحة وطنية ، تتلاقي فيها الإرادات التوافقية لقوى الصف الوطني بلا استثناء  .

***

.. هذه ليست أكثر من رؤية كاتب مصري وطني، هو بحكم القانون واحداً من أفراد الجمعية العمومية لشعب مصر ( حسب الوصف الفكاهي الذي ورد في استمارة "حركة تمرد" والذي هبط بمصر إلى مستوى النقابات المهنية والأندية الرياضية ) وتتلخص تلك الرؤية في أن حديث القوة طوال الوقت لن يثمر إلا الندم..، وأن الحديث المبطن بـ "السهوكة" والتحايل والتضليل طوال الوقت لن يخلف ورائه إلا الخراب !! .. فزائير الأسد قد يخيف الذئاب، .. ولكنه لن ينجيه من الحبال والشراك والفخاخ؛ فهو محتاج أيضاً لعقل الثعلب وأسنان الفأر؛ .. هكذا علمنا مايكافيللي .. فالعقل قبل شجاعة الشجعان ، .. فهل من رشيد يتجرع الدواء المُر ليشفى الوطن ؟!!

الخميس، نوفمبر 12، 2015

ياسر بكر يكتب : زيارة جديدة لـ " اكتوبر"

اللواء الجمسي في مباحثات الكيلو 101


كتب الصديق الأستاذ على القماش فى تقرير لجنة الأداء النقابي الصادر في نوفمبر 2015 بنقابة الصحفيين نداء بعنوان: "  إلى الزملاء الصحفيين .. دعونا نفرح بأكتوبر " .. ولما كنت واحداً من هؤلاء الصحفيين الذين طرحوا بعض التساؤلات في مقال بعنوان : " أكتوبر الحقيقة .. والأسطورة .. والدعاية .. والإدعاء !! " ..، فيهمني أن أوضح لسيادته أننا لسنا من سارقى الفرح من قلوب الناس ، .. ولسنا من هواة التنكيد على خلق الله أو ضرب الكرسي في الكلوب !! وأن ما طرح في المقال جاء في إطار الحق الإنساني في التساؤل، والحق الوطني في المعرفة دون أتهام لأحد بسوء ..ويظل واجب الإجابة على تلك التساؤلات فرض عين على كل من يملك إجابة .. ولا يسقط بالتقادم ؛ .. قد ينطوى التساؤل على بعض الهدم لممارسات ونتاج المدرسة الوطنية في الكتابة والتي تعمد دائماً إلى ترديد لون من الفخر الوطني السائد والمتوارث عن وقائع أحداث قد تفتقد المصداقية في الرواية عنها !!
.. إننا ندرك أن لكل شعب محكياته التي يرويها ويرددها ويلونها ، ويدخل عليها بعض الأساطير  التي تكسبها مذاقاً خاصاً والتي من أهمها "أسطورة البطل " لأسباب بعضها تربوى، وأخرى تتعلق بـ " التعويض النفسي " عن عنف الصدمة، .. لكن الضرر هنا أبلغ خاصة أن من لا يتعلم من دروس التاريخ وعبره؛ يظل طفلاً وإن عاش دهراً ؛ فنحن لم نتعلم من هزيمة العدوان الثلاثي في 1956 ورحنا نجهر بملئ عقيرتنا " انتصرنا " ؛ .. فكانت كارثة 5 يونيو 1967 .
.. قد تكون بعض الأمور خارجة عن إرادة " الكاتب أو المؤرخ الوطني " وخاصة أن السلطة في بلدنا هي التي تكتب التاريخ، وهذا ليس عملها، .. ولا يخفى علينا قرار السادات بتشكيل لجنة لكتابة التاريخ برئاسة نائبة حسنى مبارك .. واسفرت نتائج أعمالها عن اللا شيئ !!.. فالخطاب في بلدنا منظم ومراقب ومنتقى .. ومعاد إجراءات توزيعه بما يجعل منه خاليا من الحسم والتأثير في إنتاج قيم ذات قيمة !!
.. قد يقول قائل أننا نتناول تاريخ أحداث عصيبة في تاريخ الأمة ، ونحن جلوس في مقاعدنا الوثيرة ننعم بهواء المكييف، ونحتسي المشروبات الساخنة والمُرطبة .. قد يكون ذلك صحيحاً .. لكن يرفع عنا خطأ الاتهام أننا نتبع في تناولنا للأحداث " المنهج الاستردادي " ، هو استرداد الواقعة بملابساتها وشخوصها وظروف عصرها ..؛ لنفهم كيف حدثت؟!  ولماذا حدثت ؟! .. بما يجوز لأحد أن يجد لنفسه مسوغاً ليوجه لنا سخف الاتهام ـ ولو على سبيل المزاح ـ أننا نعاني حالة من " فقدان الذاكرة البنائي " !!
لذلك ؛ فدعنا نتفق على الآتي :
1 ـ أن حرب يونيو 1967 كانت حرب بالوكالة دخلت إسرائيل الحرب بالوكالة عن الأمريكان ودخلت مصر الحرب بالوكالة عن السوفييت دون أن يكون لها داع وطني أو داع قومى وما قيل عن حشود إسرائيلية على الحدود السورية ثبت أنه محض كذب !! .. وكان لتلك الحرب تداعياتها التى قصمت ظهورنا ..، واحتلت إسرائيل مساحات كبيرة من ثلاث دول عربية ( مصر ـ سوريا ـ الأردن ) .. اكتست الكثير من بيوتها بالسواد إما على قتيل أو جريح أو أسير لن يعود !!
2 ـ .. وبُنى خط بارليف على عين القادة المصريين دون اتخاذ إجراء لهدمه أو حتى تعويق بنائه.. الحصن بُني بقضبان وفلنكات خط سكك حديد (القنطرة ـ العريش ) وساهم في بنائه 5000 أسير مصرى تم قتلهم عند الانتهاء منه ودفنهم في مقابر جماعية، .. يقول السيد أمين هويدى مدير المخابرات العامة المصرية الأسبق في كتابه بعنوان : " سنوات الفرص الضائعة " أن المخابرات العامة كانت تعد أسبوعياً تقريراً مصوراً عن تطور عمليات البناء في خط بارليف .. تُرفع إحدى نسخه إلى الفريق محمد فوزى القائد العام للقوات المسلحة ونسخة إلى الرئيس عبد الناصر القائد الأعلى .. وإن كان السيد هويدي يعتقد ـ حسب زعمه ـ أن هذه التقرير ظلت حبيسة مكتب سامي شرف سكرتير الرئيس، ولم تصل إلى الرئيس عبد الناصر حتى يوم وفاته!!.. وحتى لو وصلت تلك التقاريرـ وهذا رأيي ـ  فقد كان الوطن أسير العجز بعد أن ضن علينا الكفيل السوفييتي بأسلحة الردع التى تسبب غيابها في عربدة الطائرات الإسرائيلية في سماء الوطن من الإسكندرية حتى أسوان !! ولم يتم بناء حائط الصواريخ إلا بعد مبادرة روجرز وتوافد جيوش الجراد على مصر الذين أسموا أنفسهم بـ "الخبراء السوفييت ".
3 ـ .. واستمرت " الحرب بالوكالة " طوال فترة حرب الاستنزاف .. ندفع كُلفتها من قوت يومنا ونصبر على الجوع والكفاف .. وندفع فاتورتها من كرامتنا في طوابير للحصول على زجاجة زيت أو دجاجة مجمدة .. وظل الحال كذلك حتى طرد الخبراء السوفييت فى 8 يوليو 1972 .

4 ـ لا ينكر إلا مكابر أن مصر خاضت حرب أكتوبر من منطلق واقع عسكرى وواقع سياسى بالغ السوء ، وكانت القيادة أدرى بأحوالها .. لذلك عرض الرئيس السادات الصلح في يوم 7 أكتوبر في رسالة بعث بها إلى الأمريكان حملها حافظ إسماعيل منوهاً أن حرب أكتوبر "حرب محدودة"  لتحقيق غرض سياسى  كثيراً ما أشار به الأمريكان في تصريحاتهم : " افعلوا شيئاً حتى يمكننا التدخل " .
5ـ حققت الحرب غرضها السياسى .. لكنها محصلتها في اجتماع الكيلو 101 أنها نصف انتصار .. ونصف هزيمة !!، .. كانت نقاط القوة وكروت الضغط الإسرائيلية تدق بقبضتها فوق طاولة المباحثات .. وكان الرهان والرهينة هو الجيش الثالث الميداني !! .. أما الكلام عن كسر الحاجز النفسى للعدو؛ فهو كلام من ساقط القول .. ، فنحن الأولى بمن يكسر لدينا الحاجز النفسي الذي تولد بداخلنا والذي أقامته ثلاث هزائم كبرى في ثلاث حروب موجعة في 1948 ، و1956 و 1967 .. لو صح أن على المنتصر من منطلق "كبريائه "أن يذهب إلى المهزوم في خيمته التى أُقامها على ترابنا الوطنى ليعرض تسوية لكان هذا نوع من حكايات العبث !!
لكن تبقي الكثير من علامات الاستفهام ودوائر الغموض التي تدور بنا في دوامة الشكوك وهي :
1 ـ هل حققت الضربة الجوية أهدافها .. وإذا كانت قد حدث ؛.. فكيف تثنى للإسرائيليين بدأ الهجوم المضاد مع صباح 8 أكتوبر !!، .. تحقيقات " لجنة أجرانات"  ، وهى لجنة قضائية لاعلاقة لها بالأمور العسكرية ولا الدعاية الصهيونية تقول أنها لم تصب أهداف إسرائيلية ذات قيمة، وفي مذكرات إيلي زاعير قائد المخابرات الحربية يقول : " لم تسفر الضربة الجوية سوى عن هدم جزء من حائط السور بمبنى المخابرات الحربية بأم خشيب وتحطيم بعض زجاج النوافذ " .. وأضرار أخري طفيفة لا تكفى لتحقيق شلل القدرة على المقاومة !!
.. ولماذا اكتفت القيادة بالضربة الأولى؟!  وكان مقرراً ضربة جوية ثانية طبقا للخطة الموضوعة ، .. لكنها لم تتم !!
2 ـ ما سر اختيار غرفة القيادة علي بعد 120 كيلو متر من جبهة القتال مما كان سبباً في تأخر إتخاذ القرار المناسب في حينه ( الثغرة مثالاً ) .. بينما كان القادة الإسرائيليين وسط قواتهم على الجبهتين المصرية والسورية ؟!
3 ـ كيف ومتى تم بناء الجسر المسفلت ( بحجم السد العالى تقريباً ) الذى عبرت عليه القوات الإسرائيلية إلى غرب القناة في 24 ساعة؛ لتسدد لقواتنا طعنة الغدر ؟!
***
سنتغاضى عن تساؤلات كثيرة منها حكاية المنتصر الذي ذهب إلى المهزم الذي أقام  خيمته على ترابنا الوطنى في الكيلو 101 ليعرض تسوية!! .. وسنغض الطرف عن رحلة السادات إلى القدس ليعرض على برلمان المهزوم أن يقبل بالسلام !! .. ونضع نقطة، .. ونبدأ من أول السطر باتفاقية السلام بكل ما فيها من شروط الإجحاف التى لا تليق بالجانب المنتصر !! ؛ .. إننا لا نتهم أحد بسوء فكل فعل ما في وسعه وبقدر طاقته .. لكن كانت الخطيئة الكبرى أنهم لم يشركوا الشعب في المساهمة أو المشاركة في صنع القرار !!.. ولم يكلفوا أنفسهم حتى مجرد عرض الأمر عليه ؛ كان الشعب يستدعى للهتاف فقط لشعارات تافهة وخاوية من أي معاني .. وفي مناسبات بعينها !!، لذلك فالتساؤل حق إنسانى وحق وطنى في المعرفة ..ويظل واجب الإجابة على تلك التساؤلات فرض عين على كل من يملك إجابة .. ولا يسقط بالتقادم.. ؛ إنها أمانة التاريخ .. ، حتى لا يدخل التاريخ من لا يستحق!!