السبت، ديسمبر 14، 2019

ياسر بكر يكتب : القرآن الكريم .. ومطاعن الرهبان !! (الحلقة الثامنة)


ياسر بكر يكتب : القرآن الكريم .. ومطاعن الرهبان !!

(الحلقة الثامنة)




في أحد اللقاءات التليفزيونية من برنامج "البيت بيتك" سأل
الإعلامي محمود سعد البابا شنودة عن رأيه فيما يقوله أحد القساوسة عبر أثير إحدى الفضائيات القبطية التي تبث إرسالها من أحد الأديرة على طريق القاهرة ـ السويس، ولها استويوهات مجهزة بأحدث التقنيات في إحدى كنائس القاهرة، وبتجاهل قال البابا:

 ـ .. ماذا يقول ؟!

ورد الإعلامي محمود سعد :

ـ يتبنى خطاب يحمل طعنا في القرآن الكريم، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم .

.. ودون أن يُعير البابا الأمر الاهتمام الواجب قال :

ـ الناس اللي بتهاجم، بتهاجم في نقاط معينة بتقولها، النقاط المعينة..  المختصون هم أصلح من يرد عليها، وتساءل : هل لا توجد قناة إسلامية بتهاجم المسيحيين ؟!!، وأضاف قائلا  أنه :"بيبعد نفسه عن هذه الأمور؛ لأن ـ على حد قوله ـ ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه .".


كانت إجابة البابا شنودة تنطوي على شبهة رضاء رأس الكنيسة القبطية عن سفه ذلك المأفون المُهرف، وتنطوي أيضاً على شبهة دعوة صريحة لـ "المسجالات"، ومقارعة الحجة بالحجة، وتزمنت تلك الواقعة مع صدور كتاب تنصيري بعنوان :"هل القرآن معصوم؟! الذي توزعه بعض هيئات ومراكز تبشير، ادعى مؤلفه أن في القرأن ٢٤٣ خطأ، واتبعوه بكتيب تنصيري آخر بعنوان : "مستعدون للمجاوبة" للطعن في الإسلام والمسلمين، وقام بعض شباب الأقباط بتوزيعه علانية هدايا مجانية!!.

كانت خزعبلات القس المأفون التي لا يكف عن ترديدها لمغازلة جهلاء الأقباط لا تخرج عن إعادة صياغة شعوبوية لترهات روبرت ريتيننسيس Robert Retenensis الشهير بـ "روبرت الكيتوني "Robert Of Ketoun صاحب أول ترجمة للقرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية في سنة 1143م، وما تلاها من ترجمة جورج سيلG. Sale  - الصادرة عام 1734م - التي وضع لها مقدمة طويلة شن فيها هجوما عنيفا ومضللا على القرآن المجيد، ولم يترك كذبة إلا ورماه بها، فقد ادعى أن القرآن ليس وحيا، وليس معجزا، وانه مستمد في معظمه من اليهودية، كما أدعى أن سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام هو مؤلف القرآن. يقول سيل: "أما أن محمدا كان في الحقيقة مؤلف القرآن والمخترع الرئيسي له فأمر لا يقبل الجدل، وإن كان من المرجح ـ مع ذلك ـ أن المعاونة التي حصل عليها من غيره في خطته هذه لم تكن معاونة يسيرة.".

وبعد كل هذه الأباطيل والادعاءات الكاذبة، لم يجد "جورج سيل" أية غضاضة في الاعتراف بأن الهدف من ترجمته هو تسليح البروتستانت في حربهم التنصيرية على الإسلام والمسلمين؛ لأنهم وحدهم قادرون على مهاجمة القرآن وأن العناية الإلهية قد ادخرت لهم مجد إسقاطه".

  وجاء ريتشارد بيل R .Bell ليقول أن :"محمد قد ألف القرآن من عنديته واعتمد في معلوماته على القصص التاريخية مثل عاد وتمود التي استمدها من مصادر عربية في حين أن الجانب الأكبر من المادة التي استعملها ليفسر تعاليمه ويدعمها قد استقاها من مصادر يهودية ونصرانية.

.. واعتمد مونتجمري وات M .Watt على تلك التهاريف في تأليف كتابيه الشهيرين:"محمد في مكة"*، "محمد في المدينة"*، ولم تكن آراء شيخ المنصرين "تيودور نولدكه" لتغرد خارج السرب؛ فكتابه "تاريخ القرآن"*، والذي يعد أصلا من أصول الثقافة التنصيرية، ضم على صفحاته كل الشبهات التي أثيرت حول القرآن الكريم، وكلها مزاعم تصب في اتجاه واحد أن محمد بن عبد الله ليس نبيا، والقرآن ليس كتابا سماويا، وإنما هو من ألفه بعدما استعار ما استعاره من التوراة والإنجيل!!، قال نولدكة في وصف القرآن وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إنه :"صائغ غير موهوب لسور قرآنية مشوشة الأسلوب"!!، وجاء من بعده تلميذه "كارل بروكلمان" ليردد مثل ببغاء فقد وعيه تلك الترهات في كتاب بعنوان :"تاريخ الشعوب الإسلامية" لذي أرخ فيه بإيجاز مخل للشعوب الإسلامية منذ البعثة حتى سنة ١٩٣٩ م من زاوية استشراقية قام فيها بالدس الخفي في كثير من الحقائق وتأويل بعض الأحداث بما يخالف الحقيقة، وينطوي على ادعاءات واهية لجاهل لا حظ له من العلم ولا سند له من التاريخ، وإنما هي مثل من سبقوه تنطوي على تخمينات وافتراضات يضعها أصحابها كما لو كانت  حقائق ثابتة لا تقبل الجدل.

وكان أخر المدعين المستشرق الفرنسي جاك بيرك
د. زينب عبد العزيز
 الذي تلفع بصداقته الطويلة للعرب والمسلمين، واختبأ تحت لافتة عضويته بالمجمع اللغوي المصري ووضع أحدث ترجمة للقرآن الكريم؛ ليوجه للإسلام الطعنات الأمر الذي تصدت الباحثة الأكاديمية الدكتورة زينب عبد العزيز فكشفت حقيقتها وكشفت زيفها بل وخبثها حيث أفردت لها كتاباً بعنوان  "ترجمات القرآن إلى أين؟ وجهان لجاك بيرك"*.

..ولأن الاستشراق ليس عملاً فرداياً بل عمل جماعي منظم ومخطط له؛ فقد دافع عن ترجمة جاك بيرك المعيبة وائل غالي في كتاب ـ في جزئين ـ صدر عن إحدي المؤسسات القومية الصحفية بعنوان : "ما بعد الاستشراق"*، وتولت مجموعات صحفية الدفاع عنها ـ أيضا ـ عبر مقالات للرأي في الصحف المصرية والعربية .

كان من المؤسف أن ينساق بعض الملاحدة المحسوبين على الإسلام إلى تلك الخزعبلات؛ فكتب أحد الماركسيين المنتمين لحزب التجمع المصري كتابين أحدهما بعنوان:"سنوات التكوين في حياة الصادق الأمين"*، والآخر بعنوان : "الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية"* ضمنهما ما جاء في كتب المنصرين، وكان هذا الماركسي هو الشيخ المُعلم لنصر حامد أبوزيد وسيد القمني منتحل صفة حامل الدكتوراة بأوراق مصطنعة اللذان أخذا عنه فكره المعطوب !!

وأرتأى علماء المسلمين أن الصمت قبول للدنية في
د. محمد عمارة
ديننا، تحت سقف مزاعم مشبوهة عن "حرية التعبير" التي هى في حقيقتها "حرية السفة والإسفاف والتسافل"، وأنهم لن يقبلوا بدفن الرؤوس في الرمال إتقاء "الفتنة الطائفية" التي ينفخ البعض في جذوتها في حالة من الاستقواء على إخوانهم في الوطن، وأنه لزاماً عليهم قياماً بفريضة:
تبليغ الدعوة وإقامة الحجة وإزالة الشبهة الرد على تلك الافتراءات التي تضمنتها هذه "المنشورات التنصيرية"، وانبرى الأستاذ الدكتور محمد عمارة رئيس تحرير مجلة الأزهر بحكم واجبات موقعه في نشر الدعوة ودحض ما يحاول البعض إلصاقه بها من افتراءات، وتصويب ما التبس على البعض من متشابهات.. أصدر د. عمارة كتيب بعنوان:"تقرير علمي" ذكر فيه أن المسيح عليه السلام جاء بإنجيل ـ أى بشارة بشر بها باللغة الأرامية ـ فأين هو هذا الإنجيل؟! .. إنجيل المسيح ..إن العالم كله بجميع كنائسه لا يملك نسخة واحدة من هذا الإنجيل.. إنجيل السيد المسيح ـ عليه السلام ـ، إن الأناجيل الأربعة المعترف بها، والتي في يد كافة الطوائف المسيحيية منتج بشري، وأنها لا تزيد عن كونها عبار عن "سير" و"قصص" وخواطر وانطباعات لبشر (متعددون أومختلفون)  جاءوا بعد المسيح فلم يروه ولم ينقلوا عنه دونوا فيها ما سمعوه عن ظهور السيد المسح ـ عليه السلام ـ ومن هنا فإن الإنجيل الذي جاء به السيد المسح ـ عليه السلام ـ لا وجود له لدى أي كنيسة من كنائس النصرانية ولا لدى أي نصراني في هذا العالم !! .

تقول دائرة المعارف البريطانية (أوثق وأشهر دوائر المعارف في العالم المسيحي) عن الاناجيل الأربعة أن إثنان منها كتبهما اثنان من الجيل التالي لجيل المسيح ـ أى تابعي صحابة المسيح ـ فمرقص تلميذ لبطرس الحواري، ولوقا تلميذ لبولس، فليسا شاهدين على ما كتبا، وإنجيل يوحنا ترجع الدراسات المستندة إلى بعض نصوصه أنه كتب بواسطة يوحنا آخر ـ غير يوحنا الحواري ـ في نهاية القرن الأول الميلادي؛ فنحن أمام ثلاثة أناجيل من أربعة لا علاقة لها بعصر المسيح، كما تقول (دائرة المعارف البريطانية) عن إنجيل متى:" أن كون متى هو مؤلف هذا الإنجيل أمر مشكوك فيه بجد"، وتقول عن إنجيل لوقا : "إن مؤلف هذا الإنجيل بطل مجهول".

.. كما أن نصوص هذه الأناجيل تغيرت ألفاظها مرات عديدة بالنقل إلى العديد من اللغات الأمر الذي باعد بين ألفاظها في هذه الترجمات، وبين أصولها بعداً شديداً؛ فإنجيل متى مثلاً قد كتب بالآرامية لا بالعبرية ثم ترجم إلى اليونانية .. وضاع الأصل وبقيت الترجمات !!

.. كما أن تاريخ كتابة هذه الأناجيل متأخر عن عصر المسيح عليه السلام وتاريخ وفاته؛ فأقدم هذه الأناجيل (كما تذكر دائرة المعارف البريطانية) هو انجيل مرقس الذي كتب ما بين سنة ٦٥ و٧٠ أي بعد أى بعد ثلاثين سنة من رفع المسيح، وانجيل متى كتب ما بين سنة ٧٠م و٨٠م، وانجيل لوقا كتب سنة ٨٠ م، أما انجيل يوحنا فقد كتب في نهاية  القرن الأول الميلادي أي بعد ١٠٠ سنة .

وفور صدور تقرير د. عمارة ملحقاً مجانياً بمجلة الأزهر قام القائمون على الكنيسة بدفع جحافل من المحامين الأقباط لتقديم البلاغات بحق الدكتور عمارة بتهمة أزدراء ديانه سماوية منزّلة، ومثل د. عمارة  أمام جهة التحقيق، وخلصت تحقيقات النيابة العامة في هذه البلاغات إلى القرار بالحفظ الإداري!!، فلم يأت الدكتورة عمارة لفظاً واحداً يسئ إلى المسيحية أو رموزها، وأن ما ذكره جاء في إطار البحث العلمي منتهجاً بنية سردية للرد على بعض الجهلاء المتبجحين الذين اعتادوا الإساءة إلى الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ثورة الكنيسة على نشر الكتيب وطلبها منعه من التداول فعل الأزهر ذلك، محافظة على مشاعر الأقباط .


.. وانبرى الأستاذ الدكتور صلاح عبد الفتاح
د. صلاح عبد الفتاح الخالدي
الخالدي في عمّان (أردني الجنسية) للرد على كتاب "
هل القرآن معصوم؟!" في كتاب بعنوان:"القرآن ونقض مطاعن الرهبان"* فند فيه بالحجة الدامغة أكاذيب المنصرين وفضح جهلهم باللغة العربية والتاريخ والعلوم !!

.. وجاءت رؤيتا الرجلين من القاهرة وعمّان لتتكامل مع شهادة شاهد من أهلها من لندن في صياغة "شهادة حق" ضد من احترفوا قول الإفك وشهادة الزور ورمي الناس بالباطل؛ فقد نشر البروفيسور جون إينوك باول أستاذ اللغة اليونانية القديمة
بجامعة كامبردج كتاباً بعنوان:"تطور الإنجيل The Evolution of The Gospel" بحث إينوك في كتابه طروحات جريئة حول تاريخ نشوء الأناجيل وفحواها، بالإضافة إلى نقد نصي مفيد يتناول العديد من معطياتها، التي كانت لوقت طويل تعتبر شيئاً بديهياً مسلماً به؛ فأثبت الباحث بطرحة العلمي أن هناك جوانب كثيرة تحمل أغاليط في تفسيرها، وفهمها أو خلللاً في دقة ترجمتها، أو في أضعف تقدير هناك حاجة موضوعية ملحة لإعادة دراستها وصياغة ترجمتها بنزاهة ومنهحية علمية دقيقة بعيدة عن الأهواء والانحيازات المتعاطفة أو المتحاملة .

بدأ باول في إعادة النظرفي ترجمة أنجيل متى من اليونانية
إينوك باول
وهي اللغة التي ترجم منها إلى الإنجليزية، فقام بإعداد ترجمة جديدة لهذا الأنجيل، وبعد ذلك قام باول بدراسة نقدية بين فيها أراء قيمة حول فحوى إنجيل متى، وتتبع مواطن النقل منه وإليه، وما بينه وبين الأناجيل الثلاث الأخري المعترف بها؛ فأثبت بدلائل علمية مدعمة بالقرأئن عدة حقائق :

1 ـ أن انجيل متى يعتبر أقدم الأناجيل المعترف بها (متى ـ مرقص ـ لوقا ـ يوحنا) وليس إنجيل مرقص .

2 ـ أن هناك متناً للإنجيل قد اختفى، أو تم إخفاؤه عمداً، فضاعت أثاره، وأن المتن الحالي لإنجيل متى ـ أقدم الأناجيل ـ يرجع إلى فترة تقع حوالى مائة عام للميلاد في أبعد تقدير، وكان ذلك العمل تالياً لوضع المتن الأصلي الأسبق، الذي يحدد لباحث تاريخة بعد عام 70 م، وكل هذه التواريخ متأخرة عن زمن حياة السيد المسيح عليه السلام .

قادت هذه النتائج الباحث إلى استنتاج هام وخطير للغاية وهو أن النص الأصلي للمتن الأول السابق لإنجيل متى قد تعرض لتحريفات وتعديلات جذرية على متنه خلال عملية استنباط إنجيل متى منه، وبعده إنجيلي مرقس ولوقا، وهذه التحريفات والتعديلات ادت ـ حسب ما خلص إليه الباحث ـ إلى تحريف العقيدة الدينية للإنجيل بل إلى طمسها، وهذا نص الباحث في تلك الجزئية كما جاء في كتابه بالحرف الواحد :

"In this; served (I. e; alternatives) to obscure or counteract what must have been the doctrine of underlying book"

وترجمتها :
ـــــــــــــــــ

"وبهذا؛ خدمت (أي البدائل) في إخفاء أو مواجهة ما يجب أن يكون عقيدة الكتاب الأساسي".

3 ـ تبين لباول أن هنالك أجزاء وردت مكررة في هذا الإنجيل مما يوحي بأنه أعيدت كتابتها في مرحلة تالية، وأهم الوقائع المكررة ما ورد في الجزء الأخير من الإنجيل، الذي يتعلق بمحاكمة المسيح وصلبه فقد لاحظ المترجم أن هذه المحاكمة، بعد انتهائها أمام الكاهن الأكبر، تعود فتتكرر مرة ثانية- بالكلمات ذاتها- مع فارق واحد أن المحاكمة الثانية- بعكس المحاكمة الأولى- تنتهي بتنفيذ حكم الإعدام فيه عن طريق الصلب- واستنتج الباحث أن استخدام الألفاظ المستعملة نفسها في المحاكمة الأولى- لصياغة قصة المحاكمة الثانية، على رغم تغير الظروف، يوحي بالتكرار المتعمد وليس بالإشارة إلى حدث جديد، وأعرب المؤلف عن اعتقاده بأن النتيجة الطبيعية للمحاكمة الأصلية أمام مجلس الكهنة- في حالة الإدانة- لم تكن هي الصلب، وإنما الرجم بالحجارة.

وقال باول أن قصة صلب المسيح التي وردت في باقي الأناجيل، إنما جاءت عن طريق نقل الرواة اللاحقين لما وجدوه في إنجيل متى بعد أن كان التعديل أدخل عليه، ولم ترد هذه القصة في مصدر آخر، وفي رأيه أن إنجيل متى ليس فقط أول الأناجيل وإنما مصدرها الوحيد كذلك. والمشكلة التي يواجهها الباحثون هي ان الأناجيل الأربعة هي المصدر الوحيد لقصة صلب الرومان للسيد المسيح، ولو ثبت ان رواية الأناجيل هذه كانت نفسها إضافة لاحقة ولا تمثل حدثا تاريخيا، فإن هذا سوف يؤدى إلى ضرورة إعادة النظر في قبول ما ورد في قصة الأناجيل باعتباره لا يمثل الحقيقة التاريخية للأحداث.

4 ـ ويرى باول أنه من المستغرب أن قصة صلب المسيح وردت في أناجيل العهد الجديد الأربعة، ولكن لم توجد أية إشارة ـ ولو بسيطة أو عابرة ـ عن هذه الأحداث في المصادر التاريخية المعاصرة لتلك الفترة، سواء في ذلك المصادر الرومانية أو اليونانية أو اليهودية. والمصدر الوحيد الذي جاء به ذكر يسوع المسيح كان كتابات المؤرخ اليهودي يوسيفوس، ولكن تبين للباحثين منذ القرن السادس عشر أن هذه القصة ـ التي لا تتجاوز بضعة أسطرـ إنما هي إضافة لاحقة إلى الكـتاب ولم تكن ضمن النسخ الأولى منه، فلا شك في أن بعض الناسخين المسيحيين أضافها في مرحلة متأخرة.

تقول الروايات الإنجيلية : "حاول بيلاطس الإفراج عن عيسى بمناسبة عيد الفصح إذ لم يجد مبررا لعقابه، ولكن رؤساء الكهنة حرضوا الجموع على المطالبة بصلب المسيح فخضع الوالي لرغبتهم؛ "فأخذه الجند،  ولما أتوا إلى موضع يقال له جلجاثة... أعطوه خلا ممزوج بمرارة ليشربها ولما صلبوه اقتسموا ثيابه... ومن الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض إلى الساعة التاسعة... فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم وسلم الروح".

وتنتهي القصة الإنجيلية بقيامة المسيح من بين الأموات في اليوم الثالث، واختفى جسده من المقبرة التي وضع بها، ثم ظهر لحوارييه وحثهم على نشر التعاليم المسيحية بين الأمم.

ولهذا فإن النتيجة التي توصل إليها باول أخيرا من أن النسخة الأصلية من إنجيل متى لم يكن بها ذكر لصلب المسيح، لم يعد من الممكن تجاهلها، وهو يرى أن انجيل متى لا يمثل سردا تاريخيا لحياة السيد المسيح، وإنما هو في حقيقته جدل لاهوتي قدم بطريقة الرمز والمجاز. ولهذا فإن تحديد وقت ميلاد المسيح بعصر الملك هيرودوس لا يعتبر تحديداً تاريخيا، لأن التحديد التاريخي- بحسب قوله- عادة ما يذكر اليوم والعام الذي تمت فيه الحادثة، ولا يكون على إطلاقه. فتعبير "في أيام الملك هيرودوس" يبدو وكأنه بداية قصة وليس تاريخا لواقعة.

لماذا يرفض العلماء والمترجمون
المسلمون ترجمة القـرآن الكـريم ؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أثبتت الدراسات التي قام بها العرب والمسلمون أن هؤلاء المستشرقين الذين يدعون فهم العربية هم في الواقع لا يحسنونها، وعلى الرغم من هذا الجهل الواضح باللغة التي تعد أداة العمل العلمي الذي يزعمونه؛ فهم يصدرون أحكاماً مغرضة من حيث الشكل والمضمون وأمانة تنزيه القرآن فيما يكتبونه من مقدمات علمية ليست في الواقع سوى معاول هدم متعددة الأوجة تدور حول محور أساسي واحد هو : زعم أن القرآن عقبة في سبيل ارتقاء الأمم الإسلامية !!

في اطروحتها المقدمة لجامعة الملك سعود بعنوان: "بعض المشاكل التي تعيق ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية" تري الأستاذ الدكتور هدى جميل برنجي أن الصعوبة في عملية الترجمة تكمن في إعجاز أسلوب القرآن ونظمه العربي وفي نثره الإيقاعي وحبكته القصصية وتنسيقه البارع بين المعاني وموسيقى الكلمات، والمشترك اللفظي في القرآن، والاختلاف في تفسير معاني القرآن الكريم من الجانب اللغوي والجانب النحوي، وتعدد دلالة المفردة في السياق القرآني واختلاف اللغة العربية مع غيرها من اللغات الأخرى فيما يتعلق بالحقول الدلالية للكلمات إضافة إلى خصيصة الغائية ومعناها استعمال اللغة استعمالاً موجها بدقة عاليه لتأدية معان مقصودة؛ حيث وُضع كل لفظ من ألفاظه بحكمة بالغة ليؤدي معنى محدداً لا يؤدية لفظ آخر سواه مهماً كان قريباً منه في المعنى ومن الأمثلة الدالة على ذلك الفرق الدقيق بين "الغيث" و"المطر" في الاستعمال القرآني؛ فلقد فرقت لغة التنزيل العزيز بين "المطر" و"الغيث"؛ فكان المطرعذاباً وشراً ونذير بالويل والثبور وكان الغيث رحمة وخيراً ونعماً.. وكذلك الفعل "يعرج"، و"العروج" سير الجسم في خط منعطف منحني، وقد اثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن حركة الأجساد في الكون لا يمكن ان تكون في خطوط مستقيمة بل لا بد لها من التعرج والانحناء نظراً لانتشار المادة والطاقة في كل الكون؛ فأي جسم مادي ـ مهما عظمت كتلته او تضاءلت ـ لا يمكنه التحرك في الكون إلا وفق خطوط منحنينة، وأن كل جرم متحرك في السماء مهما كانت كتلته محكوم بكل من قوى الجذب والطرد المؤثرة هذا ما يصفه القرآن الكريم بـ "العروج"، ولولا معرفة حقيقة عروج الأجسام لما تمكن الإنسان من إطلاق الأقمار الصناعية، ولما استطاع غزو الفضاء، ولقد وصف الحق سبحانة وتعالى عملية "الصعود إلى السماء" باستخدام الفعل "يعرج"، ولم يقل "يصعد" كما وردت في ترجمات عديدة معتمدة من مؤسسات دينية!!

وأيضا كلمتا "البحر المسجور" وكلمة مسجور تعني "الموقد المُحمى" بإشعال النار" وتعني أيضا "الممتلئ والمحبوس"؛ فقد اكتشف علماء الجيولوجيا مؤخراً أن جميع المحيطات وبعض البحار مثل البحر الأحمر وبحر العرب متوقدة، أما بالنسبة للمعنى الثاني "البحر الممتلئ بالماء الذي يتم حجزه عن التعدي على اليابسة فيغرقها"، بالنسبة للمعنى الأول فقد قال به محمد حميد الله بلفظة "ébullition والتي تفيد الغليان أو الفوران" وأغفل الثاني في ترجمته المجازة من الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في السعودية والتي نشر ها مجمع اللملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، بينما أخذت الترجمة المعتمدة من الأزهر بالمعنى Pleine": وتفيد الممتلئ" وقد أغفلت المعني الأول، بما يعني أن الناطق بالفرنسية القارئ للترحمتين سيجد نفسه بين معنيين مختلفين تماماً وكل منهما مجاز من هيئة إسلامية كبيرة لها ثقلها كالرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في السعودية والأزهر في مصر .


وترى د. هدى جميل أن ترجمة معاني هى ترجمة من نوع خاص لأن القرآن كلام الله عز وجل؛ ولهذا فقد اتفق العلماء والمترجمين المسلمين  أن القرآن الكريم غير قابل للترجمة، ولا يستطيع مخلوق أن يترجم كلام الخالق سبحانه وتعالى، ولكن محاولات لترجمة معانيه وتوصيلها للناطقين بغير العربية، وقد انتهج المترجمون المسلمون منهجين في ترجمة معاني القرآن الكريم:

النهج الأول :
ـــــــــــــــــــــ

الترجمة الحرفية اللفظية وهى نقل الكلام من لغة إلى لغة مع محاكاة النص الأصلى في نظمه وترتيبه، وفي هذا النوع من الترجمة يقصد المترجم إلى كل كلمة في اللأصل فيفهمها ثم يعمد إلى كلمة تساويها في اللغة الأخرى، ويؤدي ذلك في معظم الأحيان إلى اضطراب العبارة بسبب اختلاف اللغتين مما يوقع المتلقي في سوء الفهم أو عدم الاستيعاب؛ فإذا كان القارئ بالعربية يحتاج حين قرأته للقرآن في كثير من الأحيان إلى شرح للعبارات أو تفسير للمعاني، فكيف بالقارئ الناطق بغير العربية ؟!

النهج الثاني :
ــــــــــــــــــــــ

الترجمة التفسيرية الموضوعية ويراعى فيها المضمون الإجمالي، وهذا ما تفق عليه معظم علماء الدين، وهنا يقوم المترجم بنقل المعنى والاهتمام بالجوهر دون الشكل فهو يقصد إلى المعنى العام للنص المراد ترجمته فيصوغه في عبارات تؤدي معناه من اللغة الأخرى من غير مراعاة لمفردات الأصل .

وتخلص د . هدي في أطروحتها إلى أنها تميل لأن التكون الترجمة ترجمة لتفسير معاني القرآن الكريم على أن يذكر أنها ليست قرآناً وليس لها خصائص القرآن وإنما هي ترجمة لبعض المعاني التي فهمها العلماء.

بينما يرى د. المولودي ابن إسماعيل عزيز في أطرحته التي قدمها إلى جامعة أم القرى بعنوان : "االمشترك اللفظي وترجمة معاني القرآن الكريم : دراسة وتمهيد لمعجم عربي ـ إنجليزي"،.. ومفهوم "المشترك اللفظي" يعني استخدام اللفظ الواحد في القرآن بمعان متعددة دون أن تكون هناك علاقة في الظاهر بين هذه المعاني، باعتبار اللفظة ومشتقاتها على السواء دون أن تكون الكلمة المشتلركة على لفظ وحركة واحدة، وخلص د. المولودي إلا أن الدراسة تمهد لإصدار معجم عربي ـ إنجليزي للمشترك اللفظي في القرآن الكريم يكون مرجعاً لمفسر مفردات القرآن والمترجم لمعانيه والباحث في لغته ودلالات ألفاظه .

***

لكني أرى أن كل ترجمات القرآن الكريم ـ تقريباً ـ التي بين أيدينا ينطوي أكثرها على تسطيح يهتم بالقشور في الموضوعات والقضايا الكبيرة، دون النظر إلى الجوهر أو الغوص في الأعماق، وبعضها ينطوي على تبسيط مخل للمعاني القرأنية!!؛ لذا فإني اقترح ترجمة لمعاني القرأن مع التأكيد أنها مجرد تأويلات لمعاني القرآن وليست قرآن.


***
لمزيد من المعلومات اقرأ :