السبت، ديسمبر 17، 2011

ياسر بكر يكتب : ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين !!


بيان " ليسوا إخواناً .. وليسوا مسلمين " مذيل بتوقيع حسن أفندى البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين


   ليسوا إخوانًا..، وليسوا مسلمين..

   .. جملتان نطق بهما حسن أفندي البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بعد مقتل النقراشي في إطار المناورة؛ لتهدئة الأحوال، واسترداد مكانته التي اهتزت أمام الرأي العام، واستعادة جماعته المنحلة!!

   .. التقط مصطفى مرعي بك الكلمات التي أفلتت من لسان المرشد، وبحنكة السياسي المخضرم قرر اقتحام الحصن فرد قائلاً:

   « إذا كان هذا رأي فضيلتكم، فلماذا لا تعلنه في بيان تبرئ به ساحتك، وتبرئ به ذمة جماعتك أمام الرأي العام؟!! »، . وأسقط في يدي البنا الذي بدا مترددًا!!

وبحس السياسي المحنك أدرك مصطفى مرعي بك أنه أمام حصن يهتز، وأن ساعة الاقتحام قد حانت،. فالبنا وحيد بعد أن ألقي القبض على «عناصر القوة» من أفراد جماعته، وصار الرجل محاصرًا كدجاجة في قفص بعد أن أحكم البوليس المراقبة على تحركاته؛ وسُدت جميع الأبواب في وجهه!!

   .. وبهدوء من بات واثقًا من تحقيق الانتصار، قرر مصطفى مرعي بك توجيه ضربته الأخيرة قائلاً: « إذن يا فضيلة المرشد.. لا مبرر لإضاعة الوقت، فإذا كان فضيلتكم لا يريد مساعدة نفسه بكتابة كلمتين على ورقة!!، فكيف تطلب مني المساعدة!!.أرجو قبول الاعتذار عن الوساطة!!»
.
. بتردد قال البنا: «. . ولكن..».

   ـ مصطفى مرعي بك قاطعًا: «عفوا يا فضيلة المرشد.. لا تسبب لي حرجًا؛ فقد اتهمنا دولة رئيس الوزراء، أنا ومعالي زكي علي باشا بعدم تحقيق تقدم في المفاوضات مع فضيلتك، وقال لنا صراحة: إن البنا يتلاعب بكم!! ».

   .. سدت جميع الأبواب والنوافذ في وجه البنا.. ورأى البنا أنه ليس هناك مانع شرعي في إصدار مثل هذا البيان ليبطل مفعول سلاح كافر موجه ضد الإخوان المسلمين ـ على حد زعمه ـ؛ فالحرب خدعة كما قال النبي صلي الله عليه وسلم.. كانت هذه نظرة البنا إلى حكومة وطنه والقائمين على الأمر فيها!! فكتب بيانا ينفي فيه انتماء الجناة للجماعة، وأن أفعالهم تخرجهم من دائرة المنتمين للإسلام والمسلمين، وأن يدعو أنصاره ومؤيديه إلى محاربة كل من يخرج على القانون!!

  .. كان مصطفى مرعي بك يرى أنه نجح في اعتصار البنا مثل البرتقالة حتى آخر قطرة، بمعنى الحصول على أقصى ما يمكن الحصول عليه من الرجل.

   ***

   .. على الجانب الآخر كانت التحقيقات مع عبد المجيد حسن المتهم بقتل النقراشي قد وصلت إلى طريق مسدود.. فلم يفلح المحققون في فتح ثغرة في جدار الصمت الذي اعتصم به المتهم، وإنكار الدوافع الحقيقية للجريمة على مدى ثلاثة أسابيع كاملة رغم ما تعرض له من تعذيب وحشى!!

   .. كان المتهم مصرًا على ما جاء بسابق أقواله، رغم اعترافه أنه لم يتعرف على النقراشي سوى من خلال صوره المنشورة في الصحف، وأنه صمم على قتله من أسبوعين فقط؛ أما عن دوافعه في القتل فقد أصر على أقواله:

   « بسبب موضوع السودان فإنه لم يقم بأي عمل إيجابي، وثانيا: فلسطين فإنها ضاعت، وأخذها اليهود؛ وهذا يرجع إلى تهاون النقراشي باشا، والعامل الثالث: أنه اعتدى على الإسلام وشرد الطلبة من الكليات وحل جماعة الإخوان المسلمين وما يتصل بها من شركات كانت جماعة الإخوان المسلمين قد أقامتها فهو أمر بحلها، وأنا لما رحت كلية الطب البيطري عشان الدراسة قالوا لي إنك مبعد لنشاطك مع أن الكلية بتاعتنا لم تشترك في حوادث كلية الطب أو الجامعة فكل هذه العوامل جعلتني أفكر في الإقدام على قتله!!».

خطاب للنائب العام:
ــــــــــــــــــــــــــــــ

   .. وبحدس وحاسة المحققين المحترفين كانوا يرون أن في الجريمة حلقة مفقودة؛ فالمتهم ليس صاحب مصلحة مباشرة في ارتكابها، أو إفادة حقيقية من ورائها، ومن ثم فإنه يخفي الكثير!!، خاصة أن المتهم ظل طوال مدة التحقيق، يحاور، ويدور في حلقة مفرغة من الأكاذيب، ويراوغ المحققين، إلى أن كان يوم 14 يناير سنة 1949، بعد مقتل النقراشي باشا بستة عشر يومًا، وفي غداة حادث محاولة نسف دار محكمة الاستئناف، وعقب إرسال حسن البنا بخطاب إلى وزارة الداخلية متضمنا بيانه بعنوان:

« ليسوا إخوانا.. وليسوا مسلمين».

   .. في هذا اليوم تفتق ذهن أحد المحققين عن حيلة لاستنطاق الشاب الغر وفك عقدة لسانه، وفتح ثغرة في جدار الصمت الذي تحصن به؛ فاتفق مع إحدى المطابع الصغيرة على اصطناع نسخة واحدة من جريدة معروفة، وطبع في صدر صفحتها بيان المرشد «ليسوا إخوانًا.. وليسوا مسلمين..»، وإلى جواره بنفس الصفحة بيان هيئة كبار العلماء عن الحادث، وتم تسريب الجريدة المزيفة إلى المتهم بطريقة مدروسة، وإن بدت في ظاهرها عفوية!!

   .. وكانت المفاجأة التي لم تكن في الحسبان.. ولم يتوقعها المحققون أنفسهم؛ فقد أرسل عبد المجيد حسن خطابا إلى النائب العام أبدى فيه رغبته في تكملة اعترافاته!!.

الاعترافات الثانية:
ــــــــــــــــــــــــــــــ


جلس عبد المجيد حسن أمام قاضي التحقيق الذي لاحظ تغيرًا ملحوظًا في سلوك المتهم، الذي جلس أمامه من قبل مرات عديدة، بدا المتهم شاحبًا، تبدو عليه علامات الندم.. اختفت النظرة المتحدية التي طالما واجه بها المحققين، .. عندما قدم إليه قاضي التحقيق كوبا من الماء، اعتذر شاكرًا فقد بدأ الصيام لشهرين متتابعين للتكفير عن ذنبه؛ لقتله نفسا بغير نفس، أو فساد في الأرض.

   سأله قاضي التحقيق: « لقد أرسلت خطابًا لسعادة النائب العام، تبدى فيه رغبتك في تكملة اعترافاتك.. هل وقع عليك ضغط أو إكراه؟!».
تنفس عبد المجيد حسن الصعداء كمن يزيح عن صدره جبلاً ثقيلاً من الهم، فلم يعد ثمة باعث على الخوف، وأجاب: « لا.. الحمد لله».

   وبدت عليه علامات الارتياح..، بدأ الشاب أول اعترافاته الصحيحة بقوله:
«لقد اطلعت على بيان نشره الأستاذ حسن البنا نفى فيه أنه يعلم شيئًا عن هذه الجريمة، وأنه يبرأ منها ومن مرتكبيها، مستندًا في ذلك إلى أحاديث وآيات، فعجبت كل العجب، كما اطلعت على بيان هيئة كبار العلماء الذي أصدرته عن هذا الحادث، وعقب ذلك، أردت أن أعترف بالحقيقة؛ لأعلن لجميع أفراد النظام الخاص، بأنه قد غرر بنا جميعًا ولست أنا وحدي، وأن نفس التأثير الذي كان واقعًا عليّ كان أيضًا واقعًا عليهم،. ولا أعلم إن كان هذا التأثير لا يزال عليهم إلى الآن أم لا؟».

   كان المتهم يدلي باعترافاته بأعصابه هادئة، ونفس مطمئنة، وذاكرة قوية، وكان يتكلم بصوت ثابت واضح دون تلعثم أو تردد، وأدلى باعترافات تفصيلية عن أسلوب تجنيده وانضمامه إلى النظام الخاص، وأداء قسم البيعة، وفتاوى القتل.

قسـم الغـرفة المظلمة
والمصحف والمسدس:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


    أدلي عبد المجيد باعترافات كاملة عن البيعة والنظام الخاص:

كانت البيعة تتم في منزل بشارع الصليبة بجوار سبيل أم عباس، حيثُ يُدعى العضو الذي وقع عليه الاختيار للبيعة ومعه المسئول عن تكوينه والأخ عبد الرحمن السندي المسئول عن تكوين الجيش الإسلامي داخل الجماعة، وبعد استراحة في حجرة الاستقبال يدخل العضو الجديد إلى حجرة البيعة فيجدها مطفأة الأنوار، ويجلس على بساط في مواجهة أخ في الإسلام مغطى الجسد تماما من قمة رأسه إلى أخمص قدميه برداء أبيض يخرج من جانبيه يدان ممتدتان على منضدة منخفضة (طبلية) عليها مصحف شريف، ولا يمكن للقادم الجديد مهما أمعن النظر فيمن يجلس في مواجهته أن يخمن بأي صورة من صور التخمين من عسى يكون هذا الأخ. وتبدأ البيعة بأن يقوم الأخ الجالس في المواجهة ليتلقاها نيابة عن المرشد العام بتذكير القادم للبيعة بآيات الله التي تحض على القتال في سبيله، وتجعله فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وتبين له الظروف التي تضطرنا إلى أن نجعل تكويننا سريا في هذه المرحلة مع بيان شرعية هذه الظروف... فإننا نأخذ البيعة على الجهاد في سبيل الله حتى ينتصر الإسلام أو نهلك دونه، مع الالتزام بالكتمان والطاعة، ثم يخرج من جانبه مسدسا، ويطلب للمبايع أن يتحسسه وأن يتحسس المصحف الشريف الذي يبايع عليه، ثم يقول له:

   فإن خنت العهد أو أفشيت السر، يكون مأواك جهنم وبئس المصير، فإذا قبل العضو بذلك كلف بأداء القسم على الانضمام عضوا في الجيش الإسلامي والتعهد بالسمع والطاعة...!!!!

   وأنه تم التأكيد عليه للمرة الثانية أن من يفشي سرًّا من أسرار هذا النظام الخاص عن قصد أو عن غير قصد فجزاؤه القتل وإخلاء سبيل الجماعة منه مهما كانت منزلته، ومهما تحصن بالوسائل أو اعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة في أي مكان.

   وأضاف: «كان الشيخ حسن البنا، هو الذي يوجه نظام الجماعة الخاص ويحضر إلى شعبتنا في بعض الأحيان، ويلقي علينا محاضرات»، وبعد التوقيع على اعترافاته قام بإرشاد النيابة على المنزل الذي تمت فيه البيعة.

القسم في مذكرات الإخوان:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

    .. كان عبد المجيد حسن صادقًا في اعترافاته، فقد أكد صحة ما جاء بأقواله عن قسم (الغـرفة المظلمة والمصحف والمسدس) ما ورد ـ لاحقا ـ في المذكرات الشخصية لكل من: أحمد عادل كمال ود. محمود عساف ومحمود الصباغ وصلاح شادي وعلي عشماوي والصاغ حسين حمودة وخالد محيي الدين ود. عبد العزيز كامل.
   .. وذكر الصاغ حسين حمودة في مذكراته أنه أدى القسم هو وستة من ضباط الجيش في ليلة واحدة في أوائل عام 1946 وهم: اليوزباشي عبد المنعم عبد الرءوف، اليوزباشي جمال عبد الناصر حسين، الملازم أول كمال الدين حسين، الملازم أول سعد حسن توفيق، الملازم أول خالد محيي الدين، الملازم أول صلاح خليفة.
يقول د. عبد العزيز كامل في مذكراته:

أذكر هذا الموقف حين كنت في البيعة، لم يكن الصوت غريبًا عني، فقلت له مباشرة وسط الظلام:
ـ ما هذا يا أستاذ صالح؟! وهل من الإسلام أن أضع يدي في يد من لا أعرف؟ ثم إني أعرفك من صوتك، وأتحدث معك كل يوم!! ما هذه الأساليب التي أدخلتموها على عملنا، ولا أساس لها من ديننا؟!
ورد الأستاذ صالح عشماوي ـ وكان وقتئذ عضوا في مكتب الإرشاد ورئيس تحرير مجلة الإخوان:
ـ هذا نظامنا.
   ويضيف د. عبد العزيز كامل: «وإذا ما نظرت إلى ذلك كله أحسست فيه روح الفترة التي كانت تعيشها مصر وقتئذ، ونظم الجمعيات السرية، والتقليد الذي يمسخ الشخصية الإسلامية، والذي لا نستطيع أن نرده إلى أي قاعدة من آيات الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم.
بل نستطيع القول، إن هذا الأسلوب كان أقرب إلى النظام الماسوني، أو الجماعات السرية التي أفرزتها عهود التآمر، منها إلى عهود الصفاء والنقاء الإسلامي الأول. " 
    .. وقد أكد د. محمود عساف، أمين تنظيم الإخوان للمعلومات (المخابرات) ما ذكره د. عبد العزيز كامل، ووصف حالة الرهبة التي أصابتهما بعد القسم:
«كان هذا موقفا عجيبا يبعث على الرهبة وخرجنا سويا (د. عساف ود.عبد العزيز كامل) إلى ضوء الطريق، ويكاد كل منا يكتم غيظه، قال عبد العزيز كامل هذه تشبه الطقوس السرية التي تتسم بها الحركات السرية، كالماسونية والبهائية!!، ولا أصل لها في الإسلام.. صدقت على كلامه وانصرف كل منا إلى حال سبيله»

أرقام بدلاً من الأسماء:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   .. وذكر أحمد عادل كمال أن للبنا أسلوبا في تربية أتباعه من أفراد الجماعة، فهو يؤكد لهم أن أركان البيعة عشرة يشرحها لهم، فإذا ما انتقل إلى ركن الجهاد ذكر أن «أولى مراتبه إنكار القلب، وأعلاها القتل في سبيل الله».
(وأضاف أحمد عادل كمال أنه بعد الكشف الطبي عليه بمعرفة الدكتور أحمد الملط، وأداء قسم (الغـرفة المظلمة والمصحف والمسدس): «أعطانا الأخ أحمد (أحمد حجازي) أرقامنا السرية التي كان علينا أن نتعامل بها بدلاً من أسمائنا وكان رقمي 16 ». 

التدريب على القتل:
ـــــــــــــــــــــــــــــ


   ثم يجري تدريب الإخوان على القتل، يعترف أحمد عادل كمال: «وفي الدرس الثالث كان معه (المدرس) مسدس بليجيكي الصنع من طراز برواننج عيار 9 مم، كان هو موضوع الدرس وكنا نسمي المسدس مصحفًا في أحاديثنا حتى لا نلجأ في أحاديثنا إلى ذكر المسدسات» بينما يقول محمود الصباغ كنا نطلق على السلاح اسما حركيا (قطعة محفوظات)!!

القــــــتل فى عقــــيدة
" الإخوان المسلمين ":
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   كشفت بعض الأوراق التنظيمية المضبوطة ضمن محتويات السيارة الجيب عن القتل، فقد عثر الأستاذ عصام حسونة وكيل النائب العام على ورقة جاء فيها :

   " إن القتل الذى يعتبر جريمة فى الأحوال العادية، يفقد صفته هذه ويصبح فرضاً واجبا على الإنسان إذا استعمل كوسيلة لتأمين الدعوة، إن من يناوئ الجماعة أو يحاول اخفات صوتها مهدر دمه وقاتله مثاب على فعله" .

صناعة الموت:
ــــــــــــــــــــــــ


   وقد احترفت جماعة «الإخوان المسلمين» صناعة الموت وأدواته، ولدينا شهادتان مؤكدتان في وثيقتين هامتين من وثائق الجماعة، الشهادة الأولى، هي شهادة محمود الصباغ في كتابه بعنوان: «حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين»، والشهادة الثانية هي شهادة علي عشماوي أخر قادة النظام الخاص في كتابه بعنوان: التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين».

يقول الصباغ في شهادته:

   «.. بدأت صناعة النظام لقطن البارود على أساس تجريبي أولاً بإشراف الأستاذ علام محمد علام أستاذ الكيمياء بالكلية الحربية يرحمه الله، وذلك بإذابة القطن المنتوف في حامض الكبريتيك ثم كبس العجينة بمكبس يدوي، بحيث يمكن أن يوضع بداخلها مفجر يتصل بأسلاك ثم ببطارية، ويتم تفجير المفجر بتوصيل التيار الكهربائي في دائرته الكهربائية، فإذا ما انفجر المفجر، فجر بدوره قالب قطن البارود ذا القوة الهائلة في التدمير.

    وقد تمت تجربة هذه الصناعة اليدوية في الجبل بإلصاق القالب الذي أنتجناه في قطعة من قضيب سكك حديدية، ثم تفجيره من بعد، بحيث لا يصاب أحد من آثار الانفجار، وتحقق لنا نسف القضيب بانفجار هذا القالب الصغير، ومن ثم اتجه تفكيرنا إلى تصنيع قطن البارود على نطاق واسع، وكان لا بد لذلك من مكبس هيدروليكي كبير من نفس الحجم المستخدم في صناعة البلاط، ومن ثم اتجه تفكيرنا إلى إنشاء مصنع بلاط لا يعمل فيه إلا عمال من أعضاء التنظيم الخاص، بحيث ينتج البلاط على أساس تجاري يضمن له صفة الاستمرار، وفي نفس الوقت يستخدم مكبسه في إنتاج قوالب قطن البارود بالكميات التي تحتاج إليها العمليات.

   وقد قمت شخصيًا بشراء المكبس الهيدروليكي من السوق، ولم تكن سني قد بلغت الثالثة والعشرين، وكان إعجاب التجار بشاب في هذه السن يقدم على إنشاء مصنع بلاط بالغًا، فلمست منهم كل تشجيع حتى فيما يختص بالسعر، وتم إنشاء المصنع في ميدان السكاكيني بالقاهرة بصفته أحد مصانع شركة المعاملات الإسلامية، وتعين كل عماله وموظفيه من أعضاء النظام الخاص وأخذ فعلا في إنتاج أجود أنواع البلاط، وأقوى أنواع قوالب قطن البارود، وقد استمر المصنع في إنتاج البلاط بعد أن استنفد أغراضه من إنتاج قطن البارود، ولعله لا يزال باقيًا إلى اليوم في موقعه بميدان السكاكيني، ولكن ملكيته قد انتقلت إلى آخرين لا يعلمون شيئا عن سابق استخدام المصنع في إنتاج قطن البارود ».
ـ  ويقول علي عشماوي في شهادته:

«.. اضطررنا لشراء بعض الكتب والمراجع الخاصة بصناعة المفرقعات حتى أنني لجأت إلى مكتبة السفارة الأمريكية للبحث عن هذه الكتب، ووجدت بعضها ونقلت بعض الموضوعات، واستعننا أيضا بعض الكتب التي اشتريناها من الأسواق، وكان بحثنا كله يجري في اتجاه صناعة مادة « تى. إن. تي »، وهي صناعة محفوفة بالمخاطر من الناحية الفنية، خاصة مع عدم وجود معامل مجهزة، وكنا نخشى إنشاء هذه المعامل في مكان ما، لأن هذا غير مأمون بالنسبة لأمان الناس الموجودين، وأيضا بالنسبة للتأمين ضد هجمات الحكومة، فقد كان يصعب نقلها من مكان إلى آخر عند اللزوم.

ولهذا فإن العمل كان يقوم على أساس بدائي جدًا في محاولة صنع مثل هذه المادة، أما المواد الأخرى، التي حاولنا صنعها وهي قنابل المولوتوف، فقد وصلنا إلى نتيجة جيدة، لكنها لم تكن مفرقعات بالمعنى المفهوم، وحاولنا فعلاً صناعة مادة « تي. إن. تي » وكانت صعوبة التركيب الآتي من أنه لو حدثت هزة أثناء الحقن ـ كان يحقن سائل داخل سائل ـ يمكن أن ينفجر كل شيء، ولذا كان من الصعب الاستمرار في مثل هذه التجارب، فتم وقفها لحين البحث عن مادة أخرى يمكن أن تحل مشكلة المفجرات.

وفي غمرة حيرتنا جاءنا أحد الأخوة المختصين بالكيمياء، وقال إنه وجد مادة جيدة جدًا يمكن أن نفعل بها ما نشاء، وأن نركب منها المفرقعات المطلوبة، وشرح لنا هذه التركيبة ببساطة، وقال إنها «نيترات الأمونيوم»، يضاف إليها السولار العادي مع التجفيف في أفران خاصة مع التقليب المستمر، وقال إن هذه المادة شديدة الانفجار، ويمكن أن يصنعوا منها «عينة» وأن نقوم بتجربتها، وقال إن لديهم الإمكانات الخاصة لتنفيذ ذلك.

   كان هذا الأخ ضمن مجموعة تعمل في هيئة الطاقة الذرية في أنشاص، وكانت تحت يدهم الإمكانات الخاصة بالأفران في هذه المنشأة، فاشتريت لهم «نيترات الأمونيوم» وأعطيتها لهم، وحصلوا على السولار، وبدأوا في تركيب هذه العبوات الناسفة، وقلت لهم أن يضعوها في برطمانات يزن كل واحد منها نصف كيلو؛ فهذا حجم معقول بالنسبة لهذا النوع من المتفجرات.

   وأتوني بـ «عينة»، وذهبت مع الأخ «أحمد عبد المجيد» إلى «أبو رواش» في منطقة محاجر من الطبيعي أن تسمع فيها أصوات انفجارات دون أن تُثير تساؤلا أو اهتماما من أحد، واخترت حجرًا ضخمًا حوالي 2 متر x 2 متر ـ أي حوالي 8 أمتار مكعبة ـ ووضعت العبوة تحته وأوصلتها بمفجر من التي أتانا بها الأخ أحمد سلام، ثم أوصلناه ببطارية ووقفنا خلف صخرة أخرى، ثم فجّرت العبوة، وإذا بالصخرة الضخمة قد أصبحت وكأنها «بودرة»، ولم يبق منها شيء، كانت النتيجة مذهلة وغريبة جدًا، واعتمدنا هذا النوع من المفرقعات الذي سوف نستعمله إن أردنا، وأمرتهم بصنع كمية 10 كيلو أو 15 كيلو من هذه المادة وتعبئتها وتخزينها في مكان أعددته لهم». 

علي عشماوي أكد لي شهادته:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   .. ونحن نعد ماكيت مجلة المصور في عام 1993 لنشر حلقات بعنوان: «التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين»، من مذكرات علي عشماوي، أخر قادة التنظيم الخاص، استوقفتني هذه الفقرة:

(بعد البيعة يدخل العضو الجديد في برنامج تدريب على أكثر من نوع من المسدسات والقنابل اليدوية والحارقة، وأنواع المفرقعات وكيفية التعامل معها، ودراسة بعض الكتب العسكرية التي ألفها الإخوان لـ «النظام الخاص»، وكتيب عن أعمال المراقبة والتعقب، وكلها كانت تدرس لأعضاء مخابرات الجماعة)، 

    كما استوقفني ما قاله عن صناعة الموت من خلال تصنيع أدواته!!

   ولم تطل دهشتي طويلاً، فقد حضر إلى مكتبي سكرتير التحرير المسئول عن متابعة نشر الحلقات ومعه علي عشماوي، وبعد أن قام بإجراء التعارف التقليدي بيننا، انصرف متعللاً ببعض المشاغل، جلس علي عشماوي على كرسي أمام مكتبي، سألته:

ـ قهوتك إيه؟!
ـ إذا كان ضروريا يبقى فنجان شاي.

كان عشماوي رجلاً في منتصف العقد السادس من عمره ضخم الجثمان، قوي البنيان يبدو كما لو كان بطلاً من أبطال لعبة كمال الأجسام، تضيق كمّا قميصه عن احتواء تضخم عضلات ذراعيه، بدا الرجل حذرًا ومتحفظا وعندما سألته عن القسم أجاب في اقتضاب:

 ـ كل ما كتبته حقيقة.

   كنت مصرًا على السماع من علي عشماوي رغم أن الكثير مما قاله ليس بالجديد، لكن أهمية الاستماع إليه ينحصر في كونه شهادة حية من لحم ودم تنفض التراب عما جاء في الصحف القديمة، وتنفخ فيها الروح وتبعث فيها الحياة، إضافة إلى إمكانية مناقشته واستيضاح بعض الأمور، وتكوين عقيدة بشأن ما يدعيه!!

   .. وظل الرجل على حذره إلى أن دخل غرفة مكتبي الزميل الأستاذ عبد الحكيم علي غراب سكرتير تنفيذ «المصور»، وما إن وقع بصره على الرجل حتى صاح بطريقته المرحة مرحبًا ومعانقًا:

ـ مين.. علوة؟!

   .. وراح يتبادل معه المداعبات و(القفشات)، بما ينم عن علاقة حميمة، فهمت منهما أنهما جيران في مدينة « ميت غمر».

اطمئن علي عشماوي لوجود عبد الحكيم، فبدأ يتحدث وقال الكثير مما لم تتسع له مذكراته المنشورة عن ظلم الإخوان لأنفسهم وغيرهم، وعن العفن في سراديب الجماعة، وعن الانتقام الموتور من كل من اختلف معهم.


القوة الخفية
والقوة العملية:
ــــــــــــــــــــــــ


   ذكر حسن البنا في رسائله ومذكراته بخط يده أنه طلب من أتباعه طاعة بلا تردد وبلا حرج وبلا شك وبلا مراجعة وقال مصرحًا: إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية (مرادف القوة الخفية عند الماسون) حيثُ لا يجدي غيرها، وهو الذي قال: إن أول درجة من درجات القوة، قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح.

   ومثل الماسونية في تعاملها مع من أفشى لها سرا أو انشق عنها أو اختلف مع فكرها، أو عصى لها أمرًا، انتهج الإخوان المسلمون مبدأ الاغتيالات والتصفية الجسدية.

البنا يستلهم
فكر الماسون:
ـــــــــــــــــــــــــ

   .. رغم أن جماعة الإخوان المسلمين قد نشأت في الأصل جمعية خيرية ساهمت في إنشائها الشركة العالمية لقناة السويس بخمسمائة جنيه مصري،. وهي لا تتبرع كرمًا ولا صدقة؛ فالشركة أحد الأعمدة الرئيسية للإمبراطورية البريطانية التي تملك وتحكم الطريق إلى كنوز الشرق، إلا أن حسن البنا كان يوجه خطابه إلى أعضائها قائلاً:

   «أنتم لستم جمعية خيرية ولا حزبًا سياسيًا ولا هيئة موضوعية محددة المقاصد، ولكنكم روح تسري في هذه الأمة مسلحة بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله».

    .. وظل هذا التعميم والإطلاق والتجريد صفة ملازمة لخطاب حسن البنا ومن بعده الإخوان المسلمين بصفة عامة؛ لأنه يضفي لونًا من الغموض والعاطفية اللتين تعدان من أهم سمات الفكر الماسوني، ولم يقدم البنا وجماعته ما ينبئ عن التزام فكري أو صياغة برنامجية؛ فلم يحدث أن قدمت الجماعة تحليلاً سياسيًا لأوضاع مصر في مرحلة معينة أو برنامجًا يعالج هذه الأوضاع، لذلك كان حسن البنا صادقًا حين قال إنه ليس من أهداف «محددة»، وحين وصف الجماعة بأنها «روح»؛ فهذا الغموض يتيح له الإمساك بأي هدف والانتقال منه إلى آخر دون ضابط، ويبيح لهذه الروح أن تتجسد في أي شكل وفي أي وقت عبر الشعارات الداعية إلى «ماض»، أصبح خارج التاريخ مثل عودة الخلافة الإسلامية رمز الوحدة الإسلامية ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام.

   كان قسم (الغـرفة المظلمة والمصحف والمسدس) على ترويع الآمنين والقتل وسفك الدماء لا سند له في كتاب الله وسنة رسوله، بل هي إحدى بدع البنا التي استلهمها من المحافل الماسونية، وكذلك طقوس التكوين المتعلقة بالسمع والطاعة والكتمان والقتل بسبب الإفشاء.

   بينما يذهب بعض الباحثين إلى أن هذه الطقوس تؤكد أن البنا أطلع على نظم قديمة لجمعيات إرهابية خطيرة فأخذ ينقل عنها هذه الطقوس على سبيل التقليد، يمصّرها حينًا، ويعصّرها حينًا آخر ولكن كان التقليد ظاهرًا في كل ما نقله من هذه النظم.

الطقوس الماسونية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

  
.. والماسونية تنظيم سري يتعامل بحركات مُرمزة تجري وسط طقوس غريبة منها أن العضو المنضم حديثًا للمحفل الماسوني يقف معصوب العينين كي لا يري شيئًا من موجودات المحفل حتى يتم حلف اليمين، يأخذه الكفيل الذي يقوده إلى جهة الرئيس بعد أن يهمس في أذنه قائلاً له أن يخطو ثلاث خطوات متساوية مبتدئًا بالرجل اليمنى، ثم يوقفه بين عامودين، ويُرمز بهذا التقويم إلى أن المنتسب قبل دخوله كان في ظلمة، واليوم بعد القسم ينتقل إلى النور الأزلي، ثم إن الرئيس يدعوه ويلقي عليه الأسئلة التي يراها مناسبة، ويحلّفه اليمين وفي يده سيف على عنق الحالف، وأمام عينيه التوراة بيد كفيله، وعند انتهائه من اليمين تُحل العصابة عن عينيه فيرى السيف مسلولاً على عنقه والتوراة الممثلة للنور الأزلي أمام عينيه، ثم يُلبسه الرئيس مئزرًا صغيرًا كإشارة إلى تحقق انضمامه للمحفل.

مضمون القسم الماسونى:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   كما كان التهديد بالقتل لكل من أفشى سرًا العامل الأبرز في قسم (الغـرفة المظلمة والمصحف والمسدس) في جماعة الإخوان المسلمين، كان الوعيد بعظائم الأمور في القسم الماسوني حسب مضمونه الآتي:

    «أقسم بمهندس الكون الأعظم (المقصود به ظاهرًا الإله وباطنًا حيرام أبيود) ألاّ أخون عهد الجمعية وأسرارها لا بالإشارة ولا بالكلام ولا بالحركات، ولا أكتب شيئًا عنها ولا أنشره بالطبع أو الحفر أو التصوير، وأرضى إن حنثت بقسمي بأن تُحرق شفتاي بحديد محمي، وأن تقطع يداي ويُجز عنقي وتُعلق جثتي في محفل ماسوني كي يراها كل طالب آخر ليتعظ بها، ثم تُحرق جثتي ويُذر رمادها في الهواء لئلا يبقى أثر من جنايتي، أقسم بمهندس الكون الأعظم ألا أفشي أسرار الماسونية، لا علاماتها ولا أقوالها ولا تعاليمها ولا عاداتها، وأن أصونها مكتومة في صدري إلى الأبد!!.»

المئزر الماسونى
وشـــال البنـــــا:
ــــــــــــــــــــــــــ

   ولم يتوقف تقليد البنا للماسون عند حد قسم (الغـرفة المظلمة والمصحف والمسدس) بل تعداها إلى ابتداع ما يماثل المئزر الماسوني، بما يبدو متفقًا مع طبيعة الملبس المصري ليرتديه أفراد جماعته لتمييزهم وسهولة التعارف بينهم؛ فبدأت مصر تشهد رجالاً يرتدون زيًا خاصًا ويحملون علامة خاصة بهم، يضعون شالاً فوق الكتفين يزوده بعضهم بجيب كبير يتدلى على الصدر يوضع فيه مصحف ظاهر.

شعار الماسـون
وشعار الإخوان:
ــــــــــــــــــــــــــ

    بنظرة سريعة على كلا الشعارين (شعار الماسونية وشعار الإخوان المسلمين)، ندرك وحدة الأسلوب، فالأول شعار الماسونية التي اتخذت لنفسها شعار الفرجار المتعامد على الزاوية القائمة في إعادة تشكيل لنجمة داود وبداخلها الحرف اللاتيني (G) اختصارًا لكلمة GOD وشعار الإخوان هو المصحف الشريف والسيفان المتقاطعان وكلمة «أعدوا» منتزعة من سياق الآية كريمة ودون إكمال لها، مع سيفين (أداة القتل القديمة) في دعوة أمر الله أن تتم بالحكمة والموعظة الحسنة ودون إكراه في الدين، ولو كان البنا ملتزمًا بلائحة جمعيته التي صدرت عام 1930 من حيثُ كونها «جمعية لا تتعرض للشؤون السياسية أيًا كانت، ولا للخلافات الدينية ولا صلة لها بفريق معين للإسلام والمسلمين في كل مكان وزمان»، وأن:«أغراض الجمعية هي إصلاح حال المسلمين في فروع حياتهم الاجتماعية والخلقية ومنها مقاومة الأمية وتعليم القرآن والدفاع عن الإسلام في حدود القانون»، لما كان في حاجة إلى السيفين المتقاطعين.

بادج «الروتاري»
وخــاتم الإخــوان:
ـــــــــــــــــــــــــــــ


   .. وعندما ابتكرت الماسونية ومن بعدها أندية الروتاري (أحد روافد الماسونية) صياغة بادج الماسونية في شكل الكرة الدوارة التي يعلقها العضو على عروة الجاكت، أصدر البنا في مطلع الثلاثينيات تعليمات لأعضاء جماعته أن يضع العضو في خنصر اليد اليمني خاتمًا من الفضة ذا عشرة أضلاع وبه سيفان متقاطعان ومصحف، وأعلن الخبر في مجلتهم:

    «رغبة في توثيق عرى التعارف بين الإخوان وتذكيرهم بالمبدأ الأقدس دائما قرر مجلس الشورى العام أن تكون هناك شارة عامة يلبسها الإخوان جميعًا بصفة دائمة، وقد رأى المكتب بعد بحث طويل أن تكون هذه الشارة خاتمًا فضيًا ذا عشرة أضلاع يلبس في خنصر اليد اليمنى.

وقد نفذت هذه الفكرة في دائرة القاهرة فنجحت التجربة تمام النجاح والحمد لله، وقد انتدب المكتب الأخ محمود أفندي هبة الله للمرور على شعب الإخوان، وسيكون معه نموذج من الخاتم، كما أن معه أداة المقاس «المازورة» التي تعرف بها المقاييس المختلفة لأصابع الإخوان، وثمن هذا الخاتم خمسة قروش يدفعها الأخ لنائب دائرته أو للمندوب .
.. وقد جعل البنا من لبس الخاتم من أول الواجبات العشرة (حمل شارتنا)
أصول عائلة البنا:
ــــــــــــــــــــــــــــ


 الغموض الذي أحاط به البنا ذاته وتصرفاته، والمبالغة في سرية التنظيم الخاص حتى أنه أخفى أموره عن كثيرين داخل الجماعة بمن فيهم المقربون منه والمبالغة في اختبارات السرية والولاء الشخصي له، وأسند إليه مهمة تصفية خصوم الدعوة والداعية خارج الجماعة وداخلها، كان دافعًا للكثيرين للتفتيش وراء الرجل، فقد ألقى الأستاذ عباس محمود العقاد‏ كثيرا من الشكوك والظنون على أصول الرجل وأغراضه في مقاله بجريدة الأساس في عددها رقم 488 بتاريخ ‏2‏ يناير‏1949 بعنوان: « فتنة إسرائيلية»:

   «ويزداد التأمل في موضع النظر هذا عندما نرجع إلى الرجل الذي أنشأ تلك الجماعة فنسأل: من هو جده؟

   إن أحدًا لا يعرف من هو جده على التحقيق، وكل ما يقال عنه إنه من المغرب، وأن أباه كان «ساعتيًا» في السكة الجديدة، والمعروف أن اليهود في المغرب كثيرون، وأن صناعة الساعات من صناعاتهم المألوفة، وأننا في مصر لا نكاد نعرف «ساعاتيا»، كان مشتغلا في السكة الجديدة بهذه الصناعة قبل جيل واحد من غير اليهود، ولا يزال كبار الساعاتية منهم حتى الآن.

   ونظرة إلى ملامح الرجل تعيد النظر طويلا في هذا الموضوع. ونظرة إلى أعماله وأعمال جماعته تغني عن النظر إلى ملامحه، وتدعو إلى العجب من هذا الاتفاق في الخطة بين الحركات الإسرائيلية الهدامة وبين حركات هذه الجماعة.

   ويكفي من ذلك كله أن نسجل حقائق لا شك فيها، وهي أننا أمام رجل مجهول الأصل، مريب النشأة، يثير الفتنة في بلد إسلامي وهو مشغول بحرب الصهيونيين، ويجري في حركته على النهج الذي اتبعه دخلاء اليهود والمجوس لهدم الدولة الإسلامية من داخلها، بظاهرة من ظواهر الدين».

   مقال العقاد غرس بذرة الشك في قلوبنا؛ فنحن أمام رجل مشكوك في مصريته وأصول عائلته الإسلامية ـ حسبما جاء في المقال ـ ونمت نبتة الشك عندما لم يتصدى حسن البنا بالرد، أو أحد من أفراد أسرته أو مريديه لدحض ما جاء في مقال العقاد.

   .. لكن اللافت للانتباه أن البنا الذي أسرف في الحديث عن نفسه بمناسبة وبدون مناسبة، حتى أن الكلام عن نفسه قد تطرق إلى أحلام منامه، كما يستوقفنا أيضًا أن حسن البنا في خطاباته التي نشرها شقيقه جمال البنا في كتاب بعنوان: «خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه» أن الخطابات تدور عن شئون عائلية خالصة مثل مقابلة خالاته في شمشيرة (بلد الأم)، ومرقص (بلدة خالته مريم) وسنديون (بلد أخوال الوالدة السيدة أم السعد إبراهيم صقر)، وقد خلت الخطابات تمامًا من أي ذكر لأعمامه أو أبناء عمومته أو ذي قربى لأبيه.

   وهو ما يجعل من كلام الأستاذ العقاد يقترب من أن يكون يقينًا.

الدعوة والداعية :
ـــــــــــــــــــــــــــ


   بلغ الشطط بحسن البنا مداه إلى الدرجة التي أوصلته إلى حالة التوحد مع جماعته التي وضعها في منزلة مساوية للإسلام، وبلغ به جنوح الفكر وفساد الاستدلال ذروته عندما توهم أن ما ينطبق على الإسلام ينطبق على الجماعة أو الدعوة كما كان يسميها، وما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلق به هو أيضا في الجماعة، وهو ما عبر عنه صراحة في حواره مع د.محمود عساف الذي نقله على ص 62 من كتابه بعنوان: « مع الإمام الشهيد حسن البنا»، يقول د. عساف:
   «كان الإمام الشهيد إذا وقع اختياره على شخص ما ليكون مساعدا له أو أمينا على سر من أسرار الدعوة، يختبره أولا في إخلاصه وصدقه، ثم يتبين له بالتجربة معه ما إذا كان صالحا أو غير صالح للعمل الذي يوكل إليه، فإذا نجح يختبره مرة أخرى ليتعرف على قدرته على تحمل المسئولية وعلى الإخلاص والصدق في النصيحة. من حيثُ الإخلاص، كان يسأل الشخص المرشح سؤالا: هل إذا حدث انقلاب في الإخوان وأبعد حسن البنا، هل تظل تعمل في الجماعة؟

   كان هذا السؤال يلح عليه، حيثُ انشق بعض الإخوان من قبل معارضي فكر الجماعة، مثل شباب محمد وغيرهم، الذين لم يعجبهم أسلوب حسن البنا في الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ويرون في العنف وتغيير المنكر باليد وسيلة للإصلاح. ولم يحس أمثال هؤلاء بمدى تجسيد الدعوة في شخص حسن البنا وما اتسم به خلقه الرفيع وسلوكه السوي المتزن، ومن كان مثلهم فإنه يجيب أن الدعوة باقية، وحسن البنا زائل، ولعل هذا يكون ردا معقولا لصاحب التفكير السطحي، فيقول له الإمام: وماذا لو حدث ذلك في حياة حسن البنا؟
حدث ذلك معي قبل أن أعمل معه أمينا للمعلومات ومطلعا على أسرار النظام الخاص، فقلت له إن دعوة الإخوان المسلمين بغير حسن البنا ستكون شيئا آخر غير دعوة الإخوان التي تعلمناها وعرفناها وتربينا فيها.

   قال لي: انظر يا محمود!.. إن الإيمان بالإسلام يقوم على شهادتين: أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. ولا تصلح الشهادة الأولى وحدها ليصير الشخص مسلما. ذلك لأن النبي صلي الله عليه وسلم يتجسد الإسلام في شخصه، ويمكن الإحساس به في خلقه وسلوكه صلى الله عليه وسلم.

   فإذا آمن الشخص بأن لا إله إلا الله، ولم يؤمن بأن محمدا رسول الله، فهو كأهل الكتاب الذين يؤمنون بالله فقط، ولا يعترفون برسول الله صلى الله عليه وسلم.

  يجب أن يكون الإيمان بالفكرة وصاحبها معا. فلسنا جمعية ولا تشكيلا اجتماعيا. إن كنا كذلك فلا أهمية للقائد، ويمكن أن يكون أي من أعضاء الجماعة أو الجمعية أو التشكيل. أما ونحن دعوة فلا بد من الإيمان بها والسير على نهج داعيتها والعمل على تطبيق أفكاره متى اقتنعنا به عن رضا، ولا تظنن أن طاعة القائد واجبة في كافة الظروف، ولكنها تقتصر فقط على اقتناعنا الخاص وثقتنا في القائد بالدرجة التي تبعد الشك به أو سوء الظن به».

 شهادة الشيخ الغزالي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   وهو ما كشفه الشيخ محمد الغزالي عن ثمة علاقة ما بين الإخوان المسلمين والماسونية يقول الشيخ محمد الغزالي عن تولي المستشار حسن الهضيبي لمنصب المرشد العام للجماعة: «استقدمت الجماعة رجلاً غريبًا عنها ليتولى قيادتها وأكاد أوقن بأن من وراء هذا الاستقدام أصابع هيئات سرية عالمية أرادت تدويخ النشاط الإسلامي الوليد، فتسللت من خلال الثغرات المفتوحة في كيان جماعة هذا حالها وصنعت ما صنعت، ولقد سمعنا كلامًا كثيرًا عن انتساب عدد من الماسون بينهم الأستاذ حسن الهضيبي نفسه لجماعة الإخوان، ولكني لا أعرف بالضبط كيف استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخنق جماعة كبيرة على النحو التي فعلته، وربما كشف المستقبل أسرار هذه المأساة».

   ولكن ليس حسن الهضيبي هو الماسوني الوحيد من رموز الإخوان بل إن سيد قطب كان ماسونيا، وقد ورد اسمه (رسالة ماجستير) عن الماسون في مصر تقدم بها الباحث وائل إبراهيم الدسوقي بعنوان: الماسونية والماسون في مصر.

   وكان سيد قطب يتبنى فكرًا فاسدا، فقد نشر في جريدة الأهرام 1934مقالا دعا فيه للعودة للعري لأن البشر ولدوا عراة، كما واصل الكتابة عن أفكاره الغريبة في مجلة «التاج المصري» لسان حال المحفل الماسوني، ولم يكن يسمح لغير الماسون بالكتابة فيها.

   كما أن سيد قطب لم يكن يصلي الجمعة لأنه يرى ـ فقهيا ـ : «أن صلاة الجمعة تسقط بسقوط الخلافة، وأنه لا جمعة بلا خلافة».

    وكان سيد قطب يرى أن للإخوان المسلمين قواعد وأحكام فقهية مختلفة عما هو مقرر في الفقه الإسلامي، فأطلق ما أسماه « فقه الحركة»، وكان يقول أحكاما قائمة على فكر الحركة مخالفة للأحكام العامة، ولما اختلف معه بعض أفراد الجماعة قال: «نحتكم إلى رسائل الأستاذ البنا»، ولم يقل نحتكم إلى كتاب الله وسنة رسوله!!

الدين في خدمة الاستعمار :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   
    .. كان  تسخير الدين  وخاصة الإسلام من الأساليب التي برعت فيها السياسة الاستعمارية واستعانت فيها بجيش من المستشرقين والمبشرين تغلغلوا في حياة وتراث الشرق، وكانوا من الرواد الذين يمهدون للفرد والركائز الفكرية والروحية، وقد استطاعوا أن يجندوا لصالحهم جيشاً محلياً من الفقهاء والعلماء وأهل الإفتاء والمشعوذين وكان محور علمهم  وفتواهم أن الانجليز أهل كتاب نص الإسلام على احترامهم ومعاملاتهم وأن احتلالهم لا يحول بلاد المسلمين إلى بلاد حرب تستوجب الجهاد حتى طردهم منها لأنهم لا يتعرضون للدين من قريب أو بعيد وعلى العكس يحرصون على احترامه وحمايته .

   وكان من أشهر هؤلاء  سيد أحمد خان  في الهند، ومحمد عبده في مصر ، ومحمد عبده هو رجل اللورد كرومر وعضو المحفل الماسون وقد انقلب على "هوجة" عرابي بعد أن افترق عن أستاذه في الماسونية جمال الدين الأفغاني، وتصالح مع الخديوي وقدم نفسه لفخامة اللورد كرومر ليكافح ما أسماه الجهل والتخلف والتعصب الإسلامي، ليخفي وراء تلك الدعوة طعناً صريحاً في الإسلام وجماعة المسلمين، وكان كرومر قد عمل وتدرب في الهند وعرف أهمية تسخير الإسلام في توطيد الوجود البريطاني كما تعلم هناك إثارة الفتن الطائفية بين الاثنيات والعرقيات وأتباع الديانات المختلفة مما مزق الهند إلى مئات القطع ولم يعتمد كرومر على محمد عبده في الإفتاء الديني فقط بل وضعه على رأس الفتوى في مصر ودفعه إلى تكوين الحزب الذي تقرر أن يكون أداة الاحتلال ويقف في وجه الحزب الوطني وهو حزب الأمة، والذي قدمه مؤسسوه بأنه يعمل على فكر الإمام، وقد ورثت رأس الإمام وأصبح داعيته بعد وفاة الشيخ محمد رشيد  رضا الذي تتلمذ على يديه حسن البنا، وبعد وفاته ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ في الجغرافية أو السياسة؛ فعندما أراد الملك فؤاد أن يستولي على السلطة كاملة كان ذراعه اليمنى في ذلك رئيس الوزراء إسماعيل صدقي الذي وجد في الجمعية الإسلامية الوليدة "الإخوان المسلمين" وحسن البنا ضالته، ومن ثم أصبح البنا اللاعب الأساسي في دعم الملك فؤاد ومن بعده الملك فاروق.

أموال الجماعة :
ــــــــــــــــــــــــــ


   قضية تمويل الجماعة منطقة أخرى شديدة الغموض في تاريخ حسن البنا وتاريخ الجماعة، وعند صدور قرار حل الجماعة في 8 ديسمبر 1948 لاحظ الجميع أن إجمالي أصول الجماعة من ممتلكات وشعب وأثاثات وشركات ومدارس ومصانع ومزارع ومشاغل ومستشفيات قد بلغت رقماً خيالياً يفوق ممتلكات أي حزب وأي جمعية أهلية خاصة أن أعضائها كانوا من الطلبة والفلاحين والحرفيين وصغار الموظفين، وهؤلاء جميعاً ليسوا في مستوى مالي يمكنهم من تغطية هذه النفقات، وهو ما يعزز اتهامات كثيرة ترددت أن تمويلاً خاصاً تعاطته الجماعة من الإنجليز تارة ومن الأمريكيين تارة أخرى ومن الألمان تارة ثالثة وأيضاً من القصر وهبات بعض رؤساء الحكومات المتعاقبة في الحكم وسنكتفي بذكر استثمارات الجماعة التي تم حصرها غداة قرار الحل والمصادرة :
 1- شركة الإخوان للصحافة ورأسمالها          50000  جنيه .
2- شركة الإخوان للطباعة ورأسمالها           70000  جنيه .
3- شركة الإعلانات العربية ورأسمالها          100000 جنيه.
4- شركة المعاملات الإسلامية وقد بلغ رأسمالها عام 1946مبلغ 30000 جنيه
5- الشركة العربية للمناجم والمحاجر ورأسمالها     60000  جنيه.
6- شركة الإخوان المسلمين للغزل ورأسمالها           8000جنيه .
7- شركة التجارة والأشغال الهندسية ورأسمالها      14000جنيه .
8- شركة التوكيلات التجارية بالسويس  (لم نصل إلى رقم رأسمالها ).
9- شركة مزرعة العرقي (وكانت تمتلك 800 فدان).
   
   فإذا ما أصفنا لذلك الأصول الأخرى من المدارس والمقار والمشاغل فإننا نجد أننا أمام أرقام كبيرة جداً !!! تضفي شبهات كثيرة على البنا وجماعته.


***

   .. كل الشواهد والأدلة تقطع بأن جماعة « الإخوان المسلمين » اتخذت فكرًا معينًا وتنظيمًا علنيًا وآخر سريًا تحت إمرة كاملة لقائد مُبايَع كما يُبايَع الحكام، وكأنهم دولة داخل الدولة في ظل ولاية المرشدين حسن أفندي البنا، وخلفه المستشار حسن الهضيبى، وهو ما لطخ تاريخها ببقع الدم التي مازالت تثير حالة من الفزع والتوجس منهم في نفوس بعض طوائف المجتمع المصري بسبب أمرين :

1 ـ النظام الخاص وجرائمه .

2 ـ غياب الإيمان بالديمقراطية، واحترامها وبث الولاء لها في ضمائر الإخوان، وفكر الجماعة، وسلوك القادة؛ فالشورى في رسائل البنا غير ملزمة .

    .. لكن وفي إطار الموضوعية؛ نؤكد أن الجماعة منذ عقد المصالحة مع نظام السادات في ولاية مرشدها الثالث الأستاذ عمر التلمساني، لم ترتكب حادث عنف واحد، وبذلت محاولات جادة للاندماج في نسيج المجتمع المصري، والمشاركة السياسية عبر صناديق الاقتراع في النقابات المهنية والعمالية والأندية الرياضية والانتخابات البرلمانية.

   .. وإذا كانت الموضوعية تقتضي أن نقر بنبذ الجماعة للعنف وإدانتها لجرائمه، فإنها تقتضي أيضا الإشارة إلى أن المشروع السياسي للجماعة وذراعها السياسية «حزب الحرية والعدالة» غير متضح بالقدر الكامل؛ لأنهم يطبقونه بطريقة «الخفاء والتجلي» بمعني إخفاء بعض جوانبه، والإعلان عن جوانب أخرى قد تلقى القبول العام!!. فلم تفصح الجماعة حتى الآن عن مصادر تمويلها، لكنها تحاول توفيق أوضاعها طبقًا لقانون الجمعيات الأهلية، بما يضعها تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي، ورقابة مواردها ومصروفاتها للجهاز المركزي للمحاسبات.

لمزيد من االتفاصيل راجع كتاب " صناعة الكذب ":



لمزيد من المعلومات إقرأ :

ـ د . أحمد يوسف ، المخطوط السرى لغزو مصر ، مطبوعات دار الهلال
ـ وائل إبراهيم الدسوقى ، الماسونية والماسون فى مصر ـ دار الكتب والوثائق القومية .
ـ د . لطيفة محمد سالم ـ فاروق من الميلاد إلى الرحيل ، دار الشروق
ـ الشيخ محمد الغزالي ، "من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث" : الطبعة الثانية 1963، ص 263 ـ الناشر دار الكتب الحديثة لصاحبها توفيق عفيفي 14 شارع الجمهورية
– التاريخ السرى لجماعة الخوان المسلمون – مذكرات على عشماوى أخر قادة التنظيم الخاص - دار الهلال ـ القاهرة 1993
ـ د . عبد الوهاب المسيرى ، الجمعيات السرية فى العالم ـ كتاب الهلالـ نوفمبر 1993
– أحمد شرف الدين «كفر الدوار 1952 واستشهاد خميس والبقري»
 ـ جريدة الأهرام ، 17 مايو 1934 ، ص 7 . 
ـ سيد قطب ، أماه ، التاج المصري ، عدد 698 ، السنة 13 ، 1 نوفمبر 1940 ، ص3
ــ جريدة الإخوان المسلمين ، العدد 10 ـ 16 يونيو1936 ـ صـ 8
ــ جريدة الإخوان المسلمين ، العدد 44 ـ 9 فبراير 1937 ـ صـ 1
ــ جريدة النذير ، العدد 30 ، 4 ذى القعدة 1357 هـ / 1939 ـ صـ 6

الثلاثاء، نوفمبر 15، 2011

ياسر بكر يكتب : القائد الحقيقى للضرية الجوية ؟

الفريق أول محمود شاكر عبد المنعم
القائد الحقيقى للضرية الجوية

كان الدرس الأول الذى تعلمه حسنى مبارك من قائده أنور السادات هو تزوير التاريخ وصناعة الأكاذيب ، فمنذ اللحظة الأولى من توليه السلطة فى 18 أكتوبر 1970 والإطاحة بخصومة فى 15 مايو 1971 قام السادات بإعادة صياغة دوره فى انقلاب يوليو 1952 وتضخيمه بما يوافق أهوائه ، وجند لهذه المهمة مجموعة من خبراء نسج الحكاوى وصياغة المواويل منحهم جميعاً بقدرة قادر لقب ( مؤرخ ) ، وبعد حرب أكتوبر 1973 قام بإزالة صورة الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان القوات المسلحة من صور غرفة عمليات الحرب بعد خلافه معه واستبدالها بصورة مصطنعة بدا فيها التزوير مفضوحاً.

ولأن عادة تزوير التاريخ عادة فرعونية قديمة قدم الشعب المصرى ، فدائما محتوى التزوير واحد وإن اختلفت الوسائل باختلاف العصور و تطورالأساليب ، فقد نسب المؤرخون إلى بعض فراعنة مصر القديمة ، قبل ألاف السنين وحين كان التاريخ يسجل عن طريق حفر نقوشه على الحجر ، أنهم كانوا يمحون ما سبق أن حفره أسلافهم ويعيدون كتابه بعض الأحداث ناسبين لأنفسهم معارك لم يخوضوها وانتصارات لم يحرزوها وأعمالاً لم يقوموا بها سواء كان طمساً لحكام سابقين عليهم أو انتحالاً لفضل لا حق لهم فيه .فعندما يكتب الحاكم التاريخ فإنه ينثر على ذاته بقع الضوء وهالات البطولة ويسحب ما سواه إلى مساحات الإظلام والنسيان ، لكن التاريخ الذى لا يرحم سرعان ما يسقط الأكاذيب وملامح الزيف ولا يبقى إلا وجه واحد ، هو وجه الحقيقة .

فقد بدأ مبارك بحجب صور الفريق أول محمود شاكر عبد المنعم قائد ثان القوات الجوية فى حرب أكتوبر عن العرض فى المتحف الحربى فى القلعة، ومن بانوراما أكتوبر، ومن وسائل الإعلام ؛ لطمس حقيقة وجود قائدين للقوات الجوية فى حرب أكتوبر ؛ وتغييب دور الرجل عن عمد وتضليل الشعب المصرى والأجيال الشابة عن حقائق التاريخ العسكرى الثابته والمعروفة ؛ ليصبح مبارك هو قائد الضربة الجوية الأوحد الذى تتغنى به المحافل زوراً ؛ لكونه أعطى مصر مفتاح النصر وفتح لها أبواب الحرية !!
مبارك الأخير دراسياً . دائماً فى أخر الصف وفى ذيل السرب .


وكان أول ما فعله عندما تولى منصب رئيس الجمهورية أنه اتصل بأسرة الرجل الذى توفى فى عام 1980، وقال لهم :
" لو عندكم صور ليا أو تجمعنى مع الوالد يا ريت تبعتوها لى . " ، وبحسن نية من الأسرة سلموا الصور إلى جهة ما ليتم إخفاؤها فى إطار طمس دور الرجل وسرقة تاريخه !! فالصور تحكى أن رجل دائما فى مقدمة السرب لكونه الأول ومبارك أبدا فى ذيله لكونه الأخير !! ؛وهو نفس السلوك الذى سلكه مع مسئول مجلة المصور بعد صدور عدد خاص عنه برقم 2975 بتاريخ 16 أكتوبر 1981 بعنوان " مبارك رئيساً للجمهورية " ، والذى نشرت المجلة فيه مجموعة صور له أهدتها إليها أسرة المرحوم الطيار رجائى عباس من ألبومه الخاص .

ولم يكتف مبارك يسرقة إنجازات الرجل والسطو على بطولاته بل تجاوزها إلى تجاهله والإساءة إليه ؛ ففي أحاديثه عن القوات الجوية في ذكري اكتوبر باعتباره قائد القوات الجوية تعمد اطلاق تعبير ' فلان ' علي الرجل ، بل تمادي في أحد الاحاديث قائلا : ' لم يكن أحد يعلم بميعاد الحرب غيري ونمره ' 2 ' .. فسئل : ' من نمرة 2 !!' .. فأجاب : ' فلان ' .. فسئل من فلان ؟.. فأجاب : ' يكفي أني كنت علي رأس القوات الجوية في ذلك الوقت .

.. فى هذه الصورة من القائد ؟!الفريق شاكر فى الوسط 
ومبارك عن يمينه والمشير أحمد إسماعيل عن شماله
فى 1974 .. وقبل أن يصبح مبارك نائباً للرئيس فى 15 ابـريل 1975 ،
السادات يصافح الفريق شاكر قـائد القـوات الجـوية فى لقائه بوزير الحـربية وقادةالقوات

.. والفريق أول محمود شاكر عبد المنعم كان ترتيبه الاول علي الكلية الحربية والجوية، والأول علي جميع البعثات والفرق التي حصل عليها، كما تولي منصب كبير معلمي القوات الجوية الذي لا يتولاه غير الأقدم والأول علي الدفعة ، لكن السادات بخبرته العسكرية المحدودة ، والتى لم تزد عن كـونه " يوزباشى فى سلاح الإشارة " حال تركه الخدمة ، أصدر قرار بتولي اللواء حسني مبارك قيادة القوات الجوية رغم ترتيبه الأخير في الكلية الجوية ..
وهو ما أثار الاستياء فى صفوف القوات الجوية وجعل الســــادات يدرك أنه " اشترى الترماى " وأنه لن يحقق نصراً فى ظل القائد المتدنى الكفاءة للقوات الجوية مع نقص عتادها مقارنة بتسليح العدو ؛ وأسرع إلى تدارك الأمر بسرعة فأصدر في اليوم التالي 24 / 4 / 1972 قرارا بتولى اللواء محمود شاكر منصب قائد ثاني القوات الجوية وهو منصب ابتكره السادات للمرة الأولي والأخيرة فى سابقة هى الأولى من نوعها ؛ غير مسبوقة ولا ملحوقة ؛ لصعوبة التراجع عن قرار تولى مبارك قيادة القوات الجوية بعد يوم من صدوره !!
و اللواء محمود شاكر هو القائد الحقيقى للضربة الجوية ؛ فهو الذى وضع خطتها ، ودرب الطيارين عليها بداية بالتدريب الفردي، ثم بتشكيل أكبر حتي تم تدريب جميع طياري التشكيلات علي الحساب الزمني والتأكد من تفهم الطيارين للمسارات الجوية بداية من الإقلاع بهذا العدد الضخم من الطائرات من القواعد الجوية المختلفة وحتي الوصول الي خط القنال في لحظة واحدة من بورسعيد حتي السويس ، وهو الذى أدارها بمركز قيادة القوات الجوية .
واللواء محمود شاكر عبد المنعم هو الذى أدار بنفسه معركة المنصورة الجوية فى 14 / 10 / 1973 والتى اختير هذا اليوم عيداً للقوات الجوية بسببها ، وهي أطول معركة جوية حقيقية بعد الحرب العالمية الثانية حيث استغرقت مدة 53 دقيقة حقق فيها الطيارون المصريون انتصارات كبيرة بإسقاط عدد كبير من طائرات العدو .


مبارك الطيار الشاب الذى ارتضى لنفسة دور الكومبارس فى فيلم
" وداع فى الفجر " .. هل يصلح لدور البطولة فى ملحمة العصر ؟!
من تفانى فى خدمة العدو ( حسب طابع البريد )، هل يصبح بطلاً ؟!

وأخيرا .. هل يمتلك هذا المستلقى على قفاه ، المتمارض هرباً من المواجهة روح القائد العسكرى المقاتل القادر على قيادة الرجال إلى النصر ؟! إنه مجرد سؤال !!

الأربعاء، نوفمبر 02، 2011

ياسر بكر يكتب : أطول " خازوق " فى تاريخ الوطن !!


الأحد 31/ 10 / 2011 هو يوم عيد الميلاد الـ 76 للمشير محمد حسين طنطاوى المولود فى 31/ 10 / 1935 ، تزامنت الساعات الأولى من هذا اليوم مع قيام اللواء محسن الفنجري نيابة عن المشير مع وزراء التربية والتعليم والصحة ومحافظ القاهرة والجيزة وعدد ممن "أسموهم شباب ثورة‏25 يناير " ، ونفر ممن أسموهم " مختلف القوي الشعبية " برفع علم مصر علي أعلي سارية في العالم بارتفاع ‏176 متر يرفرف في سماء القاهرة ويراه كل سكانها وتسجيله بموسوعة جينيس .

.. ولأننى من جيل علمه سواد الأيام وكثرة الهموم والأحزان ، حرفية النواح والبكاء واللطم ، فأصبح ينفخ فى الزبادى والأيس كريم أيضا ـ إن وجد ـ ، وهو جيل ترسخ فى عقله أن نظرية المؤامرة هى الأصل ومادونها الاستثناء، وكان أستاذنا الدكتور شكرى عياد يقول لنا ضاحكاً :( أن من لايؤمن بنظرية المؤامرة فهو متأمر !! ).

.. أعترف أيضا أنى من جيل العجز والصمت الخانع وقلة الحيلة ، جيل نشأ رهين المحبسين .. قهر الدولة البوليسية ، وخديعة إعلام بلا ضمير !! جيل ولد رجاله مع الأيام الأولى من انقلاب 23 يوليو 1952 ،أو سبقوه بأسابيع ، أو لحقو به بعد شهور ،ذلك الانقلاب الذى قام الصاغ صلاح سالم أحد ضباطه بركل الدكتور عبد الرازق السنهورى بالشلوت لمجرد أن أراء الفقيهة القانونى الحجة لا تعجبه ؛ جهلا بقدر الرجل الذى لقبه علماء القانون فى السربون بخامس الفقهاء ؛ لزم الرجل منزله لا يزور ولا يزار بعد أن لخص حال الوطن فى مقولته الشهيرة : " لقد انتقلنا من عصر الريادة إلى عصر البيادة ".

.. وأعترف أيضا أننى لم أفقد الأمل يوما فى مصر التى راهنت عليها كثيراً ، وخسرت الرهان من أيام عمرى ، لكنى لم أفقد الأمل فى مستقبل أولادى وأحفادى فيها ، ومازلت أقامر !! فهل أدمنت لعبة القمار ؟!

.. وأعترف أيضا أنى فرحت بانتصارات عسكر يوليو الوهمية فرحتى بالبيض الملون فى شم النسيم ، وانكسر ظهرى مع الهزيمة التى كسرت ظهر الوطن فى يونيو 1967 ، لكنى ورغم انكساراتى الكثيرة لم أكفر لحظة بهذا الوطن ، ولم أخفى يوماً سعادتى بعلم بلادى يرفرف فوق ربوعها متمنياً أن يكون فوق رؤوس بشر يعيشون كراماً تحت ظل العلم ، يصبحون على خير وشعور بالأمان والحرية والعيشة الكريمة الإنسانية ،ويمسون كراماً وليس بينهم جائع أو عاطل أو مريض ينخر السرطان جسده ولا يجد علاجاً وينهش الفشل الكلوى وأمراض الكبد ما بقى من كيانه ولا يجد رعاية ..

.. لا أنكر عشقى لخدمة العلم ؛ جنديا مقاتلاً فى سيناء وصحفياً فى دار الهلال .

لكن هذه الفرحة الصبيانية بألوان العلم ونسره الذهبى وهذا العشق المرضىّ لخدمة علم بلادى ، لا يحرمانى حقى فى التساؤل عن فحوى هذه البدعة ، ولماذا هذا الإهدار المتعمد للمال العام فى بلد 40 %من سكانه يعيشون تحت خط الفقر ، و 9 ملايين من بناته عوانس و 16 مليون من شبابه متعطلين عن العمل و 25 مليون من مواطنيه من سكان المقابر والعشوائيات ؟!

.. وهل رايات الأوطان تعلو بطول ارتفاع سوارى الأعلام ، أم بقدر تقدم الأمم وتحضرها ، وهل تزامن الحدث له علاقة بعيد ميلاد المشير ، أم أنها الصدفة فقط ؟!

معذرة ياسادة وعفوا يا حضرات الجنرالات .. إنه ليس أكبر علم يرفرف فوق أعلى سارية فى العالم ، إنه العبث ولهو الصبيان ، بل إن شئتم الحق إنه أطول " خازوق " فى تاريخ الوطن !!

.. رعايك يا مولاى !!
المتعطلون يهددون بالانتحار الجماعى أمام مجلس الوزراء !!

السبت، أكتوبر 29، 2011

ياسر بكر يكتب : موت سليمان خاطر .. حادث انتحار ، أم جريمة نحر ؟




ياسر بكر يكتب :موت سليمان خاطر ..

حـادث انتحـار ، أم جريمة نحر ؟

 

الصورة الأخيرة .. سليمان خاطر ميتاً


موت الرقيب مجند أمن مركزى / سليمان محمد عبد الحميد خاطر !!

.. هل كان الموت حادث انتحار ؟! ، أم جريمة نحر ؟ !

.. تلك هى القضية .

فإن صحت رواية الانتحار ، فلماذا ينتحر ؟ بعدما نقل إليه الصحفى مكرم محمد أحمد رسالة من جهة سيادية مضمونها بأن عليه أن يتحمل بضع شهور حتى يتم تسوية الأمر والإفراج عنه ، حسبما أعلن مكرم ـ وهو حى يرزق ـ فى جمع من الصحفيين يزيد عن 750 صحفياً فى مؤتمره الانتخابى لمنصب النقيب فى يوم الأربعاء 1 مارس 1989 بقاعة يوسف السباعى بمبنى نقابة الصحفيين القديم .
.. وإن صحت رواية النحر ، فمن صاحب المصلحة ؟ ، ومن المستفيد ؟ ، وهل عجزت الدولة عن حماية سجين فى محبسه ؟!

.. تساؤلات مشروعة يكفلها حق التساؤل ، وهو حق إنسانى وتاريخى لا يسقط بالتقادم .

.. ويظل واجب الإجابة عليها دينا واجب السداد فى عنق من يعرف الحقيقة ولا يسقط بالتقادم أيضا .

البيان الحكومى عن الانتحار :

فى تمام الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر الثلاثاء 7 يناير 1986، أذاع راديو القاهرة في فى صدر نشرة الأخبار نبأ انتحار سليمان خاطر فى بيان رسمى صادر عن إدارة السجن الحربى !! .. 

.. كان جاء البيان قصيرً ومقتضباً، .. وجاء نصه كما يلى :

" في حوالي الساعة العاشرة من صباح الثلاثاء الموافق 7 يناير 1986 وأثناء المرور اليومي للحراس على الرقيب المسجون سليمان محمد عبد الرحمن خاطر المحكوم عليه في القضية رقم 143/ 85 جنايات عسكريةالسويس والمحبوس بمستشفى السجن الحربي للعلاج من مرض البلهارسيا وجد معلقا من رقبته بمشمع الفراش الخاص به بالقضبان الحديدية بشباك غرفته بالمستشفى فأبلغ الحارس طبيب المستشفى فورا الذي قام بفك رقبته والكشف عليه وإجراء عملية التنفس الصناعي له وتدليك عضلة القلب إلا أنه كان قد فارق الحياة وفور الإبلاغ بالحادث انتقل إلى مقر السجن المدعي العام العسكري ونائبه ورئيس النيابة المختص حيث باشرت النيابة العسكرية التحقيق على الفور، وقررت ندب كبير الأطباء الشرعيين بمصلحة الطب الشرعي التابعة لوزارة العدل وذلك لتشريح الجثة".

الحادث فى صحافة القاهرة :

فى اليوم التالى نشرت صحف القاهرة الثلاث ( الأهرام ـ الأخبار ـ الجمهورية ) البيان تحت عنوان: "انتحار سليمان خاطر في مستشفى السجن الحربي"،  .. "تقرير الأطباء الشرعيين: الوفاة بسبب إسفكسيا الخنق"

.. ونشرت جريدة الأهرام تحقيقا صحفيا، مع  بعض من وصفتهم الصحيفة بـ ( علماء النفس ) حاولوا فيه الإيهام بأن انتحار سليمان خاطرنتيجة طبيعية .. لأنه – على حد تشخيصم لحالة سليمان خاطر دون إجراء الكشف الطبى عليه – مريض بالاكتئاب المزمن .. ويعاني من الشعور بالذنب .. ومن الفصام العقلى !! 

 وفى صباح الأربعاء 8  يناير  صدرت مجلة " المصور " وعلى غلافها شريط باللون الأحمر بعنوان : " اللقاء الأخيرة مع سليمان خاطر في سجنه"، وعلى صفحتها الداخلية حوار رئيس التحرير معه في سجنه .. وحاول من خلاله الإيحاء بأن سليمان خاطر كانت تنتابه بعض حالات القلق والاكتئاب المفاجئة الأمر! فى محاولة لتأكيد فرضية الانتحار !!

.. ولم تخرج مجلة " أخر ساعة " عن ذلك الطرح ،  وزادت عليه بإجراء لقاء صحفى مع الطبيب الشرعى محمدى العراقى قام فيه بتمثيل كيف تمت عملية الانتحار تصويرياً، وعرض بمساعدة الدكتورة سمية حمودة مديرة المعامل قطعة القماش التى يقال أن سليمان خاطر قد شنق بها نفسه فى نافذة الغرفة ، وأضاف أنها: " مصنوعة من نفس نوع القماش الذى تصنع منه ملابس الصاعقة وطولها290 سم × 200 سم عرض " .


وقائع القضية :

المكان : النقطة 46 أمن مركزى برأس بركة ـ نويبع ـ جنوب سيناء ، اليوم : 5 أكتوبر 1985 ، الساعة : 45 ,16 ، منذ دقائق مالت الشمس نحو المغيب لتسقط فى مياه الخليج ، لم يعد يظهر منها سوى بضع شعاع ينثر فى الأفق شفقاً أحمر ، حكمدار النقطة رقيب مجند سليمان خاطر يقف منتصبا بالخوذة والشدة الميرى ، لمست وجهه نسمة خريفية أنعشت ملامحه المكدودة ، نظر فى ساعته ، باق من الزمن ساعة ، ستون دقيقة بالتمام والكمال وتنتهى نوبة حراسته ومعها سنوات تجنيده ، فاليوم أخر يوم فى فترة تجنيده الإجبارية .

البارحة أقام له رفاق السلاح احتفالاً على قد الحال غنوا فيه " سينا رجعت كاملة لينا، ومصر اليوم فى عيد " و " أمك تقولك يا بطل هات الانتصار " .
وبعد أن تناولوا العشاء المكون من الجراية ( الخبز الميرى ) واليمك (الخضار المطبوخ بلغة القشلاقات ) ومع رشفاتهم لأكواب الشاى تمنوا للباششاويش سليمان حياة سعيدة وأن يذكرهم بالخير . شكرهم الشاويش، وذهب لترتيب مخلاته ( كيس اسطوانى من القماش السميك معد لحفظ الملابس وأدوات الإعاشة الخاصة بالجنود ) ، وتسوية هندامه استعداداً للسفر إلى مقر القيادة بشرم الشيخ لتسليم المهمات وإنهاء إجراءات فترة التجنيد، والحصول على شهادة أداء الخدمة بدرجة قدوة حسنة .
نظر فى ساعته مرة أخرى ؛ دائما ما تكون الساعة الأخيرة ثقيلة وبطيئة ، قال محدثاً نفسه : " فات الكتير ، ولم يبق إلا القليل " ، غداً إن شاء الله يعود إلى قريته أكياد مركز فاقوس محافظة الشرقية ؛ ليزرع الفدان الوحيد الذى تملكه الأسرة والذى حمل عبء أشغاله نيابة عنه طوال فترة غيابه ابن عمته وصديقه شعبان .
كذلك منى نفسه بأن يسعده الحظ ويعوض ما فاته من مقررات السنة الثالثة بكلية الحقوق جامعة الزقازيق التى التحق بها منتسباً .
فى تمام الساعة 17 ، قطع اللحظة رؤيته لمجموعة من المدنيين يسيرون فى اتجاه نقطته ، .. كانوا 12 شخصا رجل ممتلئ يرتدي جلبابا من ذلك النوع الذي يرتديه السياح... وامرأة ترتدي مايوة قطعة واحدة .. وأخرى ترتدي مايوة "بكيني" ومجموعة من الصبية والفتيات .. صرخ فيهم بالعربية : " قف ممنوع المرور " وكررها بالإنجليزية Stop no passing ، لم يمتثلوا لأوامره ومضوا فى صعودهم نحو نقطة حراسته ؛ بل أن أحدهم فى تحد وقح بصق على رمز السيادة على الأرض ، أطلق سليمان النار من بندقيته عليهم ؛ فقتل سبعة منهم ، تبين فيما بعد أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية .
الرئيس مبارك أحاله
للقضـاء العسـكرى :
بدأت قضية سليمان خاطر  قضية "مدنية" .. لكن الرئيس حسنى مبارك أصدر قراراً بإحالتها للقضاء العسكرى فأصبحت  قضيته "عسكرية" .

.. بعد إلقاء القبض على سليمان اقتيد تحت الحراسة المشددة إلى ديوان قسم شرطة "نويبع"، وهناك أجاب على كل الأسئلة التي وجهها إليه مأمور القسم الذى تولى التحقيق معه.. وبعد أن انتهى التحقيق، سلمه المأمور إلى العقيد رضا الحمامى قائد ثاني قطاع الأمن المركزي بشرم الشيخ، والرائد أحمد الشيخ قائد ثاني سرية الأمن المركزى بنويبع .. بعد أن وقع الرائد أحمد الشيخ على المحضر الذى حرره المأمور بالاستلام؛ وقام الرائد أحمد الشيخ بنقل سليمان من مبنى القسم إلى مبنى القطاع في سيارة شرطة وسط حراسة مشددة .. 

.. فى تمام الساعة الثالثة والنصف من فجر يوم 7 أكتوبر 1985، وصل سليمان إلى سجن فنارة العسكري مع مندوب من قطاع الأمن المركزي وسلمه المندوب بموجب الأمر رقم 11/ 200/ 85 بتاريخ 7 أكتوبر 85 إلى قائد السجن، العقيد محمد عبد الحميد على بعد أن أصدر قائد الجيش الثالث الميداني قراراً بحبسه حبساً مشدداً لمدة شهر من الساعة 14 يوم 6 أكتوبر 1985، .. وفى نفس اليوم توجه وكيل النيابة الأستاذ محمد نصر فتحي إلى قسم شرطة نويبع في تمام الساعة الثامنة والربع صباحا؛ لاستيفاء التحقيق ، فلم يجد المأمور أو من ينوب عنه ، .. وبالسؤال عنهما علم أنهما في مكان الحادث ، فقرر الانتقال إلى هناك ..

.. وهناك اطلع على المحضر رقم 186 لسنة 1985 الذى تم تحريره بمعرفة مأمور القسم فى ساعته وتاريخه ، وتمت معاينة مسرح الحدث وتحريز السلاح المستخدم فيه بمعرفة سيادته .

.. وفى يوم 8 أكتوبر صدرقرار رئيس الجمهورية رقم 380 لسنة 1985 بإحالة "الجرائم المنسوب ارتكابها للرقيب مجند سليمان محمد عبد الحميد التابع لقوات الأمن المركزي والتي وقعت منه بجهة جنوب سيناء بتاريخ 5 أكتوبر  1985  إلى القضاء العسكري وما يرتبط بها من جرائم 
".
.. هكذا تحولت قضية سليمان خاطر من قضية مدنية إلى قضية عسكرية!!

أوراق القضية رقم 143 لسنة 85 جنايات عسكرية السويس :

فى الصفحة الأولى من أوراق التحقيق مع الرقيب مجند سليمان خاطر فى مقر السجن العسكرى بفنارة يوم 8 أكتوبر 1985 والذى أجراه العقيد يحيى حسن قاسم رئيس نيابة السويس العسكرية فى الساعة التاسعة والخامسة والأربعين دقيقة مساءا، فى المحضر إشارة إلى عدم وقوع تعذيب أو إكراه على المتهم ويثبت رئيس النيابة حالة سليمان :
" بدخول المتهم وجدنا أنه شاب فى نهاية العقد الثالث من العمر، قمحى اللون وشعره ناعم وليس بوجهه أو كفيه أو رقبته أى اصابات ظاهرة ويبلغ من الطول 180 سم وكان مرتديا حلة السجن الزرقاء وطلبنا منه خلعها لمناظرة جسده فتبين خلوه من أى اصابات .
س : هل وقع عليك أى اعتداء أو عنف طوال فترة احتجازك سواء فى النقطة أو فى قيادة قطاع الأمن المركزى بشرم الشيخ أو فى السجن العسكرى بفنارة؟
ج : لم يتعد على أحد ولا توجد بى أى اصابات وقد عاملنى الجميع معاملة حسنة .

الحكم :
قى 28 ديسمبر 1985 ، تم الحكم على سليمان خاطر بالسجن المؤبد 25  عاماً تقبلها الشاب راضياً بقضاء الله ، بروح التدين التى تعد من أهم سمات الشخصية المصرية ، لكنه أبدى مخاوفه من أن يؤثر الحكم على الروح المعنوية لزملائه ؛ فيتقاعسوا عن أداء الواجب .
النقل إلى مستشفى السجن :
وفى 30 ديسمبر 1985 تم نقله من سجن فنارة، وإيداعه السجن الحربي الرئيسي بمدينة " نصر " بالقاهرة فى زنزانه مستقلة تابعة لمستشفى السجن .
وفاة السجين :

 .. تقول مجلة المصور فى عددها رقم 3196 بتاريخ 10 يناير 1986 أنه : " أنتحر ليلاً " .
.. وحسب الرواية الرسمية فى البيان الصادر : " أنه فى الساعة العاشرة من صباح يوم الثلاثاء 7 يناير وعند مرور الحراس على غرفة المسجون سليمان خاطر وجدوا جثمانة مدلى من نافذة الغرفة وحول رقبته الغطاء الخاص بسريره وقد شنق به نفسه " .

وهو ما يفتح باب التساؤلات على مصرعيه : ـ


ـ التساؤل الأول : ألم تكن ساعات الليل وحتى العاشرة صباحاً ـ لو صحت الرواية ـ كافية لينفصل الرأس عن الجسد تحت وطأة ثقل الجسد ؟! ( وهو ما لم يحدث كما هو مثبت فى تقرير مناظرة الجثة ) .
ـ التساؤل الثانى : كيف تكون جثة المنتحر شنقاً فى وضع القرفصاء ؟! .. حضر غسل الجثمان المهندس ابراهيم شكرى رئيس حزب العمل فى الثانية من صباح 8 يناير مع شقيقيه عبد المنعم وعبد الحميد خاطر !!

ـ التساؤل الثالث : ما هو سبب تكسر أظافر يديه وما الذى أحدث الكدمات فى جانبيه الأيسر والأيمن ، والسجحات على ساقيه والتى تشبه أثار السحل على الأرض ؟
ـ التساؤل الرابع : إذا كان قد شنق نفسه بالغطاء الخاص بسريره فما السر أن الجثة كان بها آثار خنق بآلة تشبه السلك الرفيع علي الرقبة ؟

ـ التساؤل الخامس : كيف دخلت قطعة القماش ( بهذة الموصفات ) إلى غرفة محبسه والتى تختلف موصفاتها عما جاء بالبيان الرسمى من أن الشنق تم بالغطاء الخاص بسريره ( ملاءة سرير ) ؟
ـ التساؤل السادس :هل العلاج من مرض البلهارسيا يستأهل الحجز منفرداً فى زنزانة بمستشفى السجن؟!
ـ التساؤل السابع :  لماذا لم يقدم جندى الحراسة للمحاكمة بتهمة الإهمال فى حراسة سجين ؟
ـ التساؤل الثامن : لماذا رفض رؤساء أقسام التشريح فى الجامعات المصرية إعادة تشريح الجثة ؟
ـ التساؤل التاسع : لماذا تم رفض طلب المحامين عن أسرة خاطر والتى تتمثل فى عريضة دعوى بتعديل طلباتهم فى يوم الثلاثاء 28 ـ 1 ـ 1986 والتى تتمثل فى ندب أساتذة الطب الشرعى بكليات الطب بالجامعات المصرية مع الطبيبين الفرنسيين العالميين البروفيسيور شوميت والبروفيسيور دوريجون اللذين يمثلان المحامين بعد اعتذار رؤساء أقسام التشريح بجامعات القاهرة وعين شمس والأزهر عن تنفيذ المأمورية ؟
( المحامون من رموز مهنة المحاماة فى مصر وهم : عبد الحليم رمضان وأحمد مجاهد وشوقى خالد وكمال خالد وأبو الفضل الجيزاوى وعبد العزيز الشرقاوى ).
ـ التساؤل العاشر : لماذا أعلن اللواء أحمد رشدى وزير الداخلية أنذاك بيان الانتحار رغم أن السجين توفى فى مستشفى سجن تابع لجهة خارج دائرة اختصاصه ؟
ـ التساؤل الحادى عشر والأخير : لماذا حفظ بلاغ أسرة سليمان خاطر الى النائب العام المستشار محمد عبد العزيز الجندى ( النائب العام أنذاك ووزير العدل فى أول حكومة بعد ثورة 25 يناير 2011 ) يطعنون فى النتائج التى أعلنتها مصلحة الطب الشرعى حول تشريح جثة فقيدها ؟
***
تساؤلات كثيرة يضيع صداها فى فراغ الصمت الخائن ، وينطفئ وهجها فى أقبية التعتيم الجبان فلا تصل إلى كشف المجهول!!
.. ولكن يظل الرقيب مجند سليمان خاطر ، حارس بوابة الوطن .. خاطر فى ذاكرة مصر التى تأبى النسيان .


سليمان خاطر مع أسرته فى حديقة مسنشفى السجن ظهر الأحد 5 يناير 1986 

يقبل أمه التى أوصت قائد السجن به خيراً
سليمان خاطر حارس بوابة الوطن