الخميس، سبتمبر 15، 2011

بورتريه صحفى يكتبه : ياسر بكر


محمد صبرى ( فازريلى الشرق )
شــيخ مصــورى دار الهـــــلال‏
 الـذى حــفــر بالـضـــوء
نقـوش على وجـه الزمن


بورتريه يكتبه : ياسر بكر

محـمـد صـبرى ، شــــيخ مصــورى دار الهــــلال 
فى حديث الذكريات مع الكاتب الصحفى ياسر بكر


ــ الإسم : محمد أحمد صبرى

ــ من مواليد  8 اكتوبر 1925 ـ بالمنزل رقم 10 شارع البرمونى بحى الحلمية الجديدة بالقاهرة .

ــ والده : السيد / المستشار أحمد محمد صبرى أحد المحققين فى قضية ( ريا وسكينة ) الشهيرة عام 1920  .
.
ــ والدته : السيدة / جميلة هانم حكمت محمد أغا الأرناؤوطى ، وشهرتها جميلة هانم صبرى إحدى رئدات الحركة النسائية وأنشطتها الإجتماعية وإحدى المؤسسات السبع لجمعية " ترقية الفتاة " ومدارس " بنات الأشراف " فى الأسكندرية التى استولت عليها نبوية موسى ونسبتها خطأ إليها* .

وعندما انتقلت الأسرة إلى القاهرة فى عام 1920 كانت رفيقة درب هدى هانم شعراوى وسيزا نبراوى فى مشاريع النهوض بالمرأة ، كم ساهمت بجهودها مع السيدة زكية مشرقى وروجينا خياط وإستر ويصا فى "جمعية الشابات المسيحيات ".

السيدة / جميلة هانم صبرى لها إسهامات فى الحياة الثقافية من خلال تدوينتها الخاصة ( فى 7 كراسات ) رصدت فيها التطورات السياسية والاجتماعية وأثر ذلك فى حياتها الخاصة ، وقد نشرت مؤسسة المرأة والذاكرة هذه التدوينات عام 2007 بعنوان ( كراسات جميلة صبرى  ) وكتبت مقدمتها الكاتبة الصحفية صافى ناز كاظم .


  ..   وكانت لها أشعار بالعربية والفرنسية ، كما وجدت لها بعض الرسومات عن الاكتشافات الأثرية فى تل بسطة القريبة من موطن إقامتها فى الزقازيق والتى زارتها فى رحلات المدرسة .
ــ محمد صبرى هو أخر العنقود من ثمانية أخوة ، خمسة أولاد وثلاث بنات .
وله ابن وحيد هو المهندس المعمارى أحمد صبرى

ــ تزوج الأستاذ محمد صبرى من الفنانة نادية لطفى لفترة قصيرة لم يصادفها التوفيق ، وقد انفصلا فى هدوء ، وقد أحتفظ كلا الطرفان فى نبل لنفسه بأسباب الطلاق ، ولم يفصحا عنها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المؤسسات السبع لجمعية " ترقية الفتاة " ومدارس " بنات الأشراف " فى الأسكندرية هن بلقيس يسرى وخديجة حرم أتربى بك أبو العز ومنيرة حرم عبد الرحمن بك السيد أحمد وخديجة حرم مصطفى بك الكاشف وحرم أمين بك شرين وحرم عبد السلام رجب وجميلة هانم صبرى 

الرسم والمصارعة


الطفل محمد صبرى (3 سنوات )


وفى المدرسة الابتدائية تفتحت براعم مواهبه الفنية فى رسوماته لتعلن عن فنان موهوب منذ الصغر فكان مثار إعجاب مدرسيه بمدرسة " مصر الجديدة الابتدائية " ، ولمست الأم هذه الموهبة فتعدتها بالرعاية من خلال أعتمادها فى تربيته على تشويقه لفن الرسم الذى تعلمته فى مدرسة الراهبات الفرنسية بالزقازيق ، فاشترت له سبورة صغيرة وطباشر ملون للرسم ، كما ظهرت مواهبه الرياضية فى ممارسة لعبة المصارعة فكان أحد لاعبى المصارعة فى فريق مدرسة " القبة الثانوية " .

 غير أن عشقه للرسم أخرجه من دائرة الاهتمام بالدراسة فلم يستطع المثابرة عليها فتوقف عن التعليم بعد حصوله على شهادة التوجيهية ، وطلب من والدته السفر لإيطاليا لتعلم الرسم ، إلا أن ظروف الحرب العالمية الثانية حالت دون ذلك . 
لوحات حمادة

ظل محمد صبرى يمارس هواية الرسم ويهدى لوحاته لأهله وأصدقائه ، فأهدى لوحة لشقيقته الكبرى علقتها على جدران فيلاتها ، وعندما أردت بيع الفيلا ، كان المشترى هو المصور " ألبان "بشارع سليمان وهو مصور العائلة المالكة فى بلجيكا الذى توقف عند اللوحة كثيراً وسأل : " من أين حصلت على هذه اللوحة ومن الرسام ؟! " ، فأجابته إنها لشقيقى الأصغر ، ردد الرجل متعجباً : شقيقك الأصغر !! أود أن أراه .
وعندما التقى محمد صبرى المصور ألبان أثنى على لوحاته ونصحه بتعلم فن التصوير الفوتوغرافى وتنبأ له بأنه سيكون إضافة حقيقية لهذا الفن .

كراسات محمد صبرى


هذه الاسكتشات هى يوميات الغرفة رقم 17 بمستشفى مصر الجديدة ،التى ينزل فيها المريض محمد صبرى بداية من صباح  يوم الثلاثاء 11 مارس 1938 ، الطريف فى الأمر أن المريض راح يسجل يومياته ، ويرصد  الأحداث  من خلال رسم اسكتشات بقلم رصاص لوجوه من قابلهم فى المستشفى من الأطباء والممرضات والمرضى وعمال الخدمات فى 8  كراسات رسم من القطع الصغير ( مقاس 5 ,14 21x سم ) على مدى 87 يوم ، بداية من يوم السبت 15 مارس وحتى يوم 30 مايو قبل مغادرته المستشفى بأيام . 

 
عايدة ممرضة مصرية ، سهرت على تمريض الأستاذ أثناء مرضه بالمستشفى
فخلدها فى الذاكرة الأنسانية بهذه اللوحة من أروع أعماله


أرمان وسحاب ألماظ

 لم يكذّب محمد صبرى الكلمات التى داعبت أحلامه ووافقت رغبات نفسه فالتحق بمحل مسيو أرمان المصور بميدان مصطفى كامل بوسط البلد وهناك التقى الفنان سحاب ألماظ  الذى كان يسكن غرفة على سطح العمارة التى بها المحل ، وتوطدت العلاقة بينهم ، وتعلم منه الكثير . وكان أرمان سعيداً به جداً لنبوغه النادر فى الرسم والتصوير .

 لمبة الجاز .. أنارت الطريق


 فى سنة 1947 ، أعُلن عن معرض دولى للتصوير الفوتوغرافى ، لم يكن محمد صبرى يمتلك كاميرا لكن هذا لم يمثل له عائقاً فأحضر علبة من علب الأحذية المصنوعة من الكارتون وثقب فيها خرم بإبرة خياطة وضع بها شرائح الزجاج المحسس وبعد عدة محاولات لضبط فتحة الكاميرا وزمن التعريض ، أمكن الحصول على شريحة سالبة لصورة عبارة عن لمبة جاز سهارى كانت توضع فى أكشاك بائعى السجائر بغرض الاقتصاد فى استهلاك الكبريت  ، طبعها وسلمها إلى إدارة المعرض وكل أمله أن يراها معلقة على جدران صالة العرض ، إلا أن المفاجأة كانت فى حصوله على الجائزة الثانية وميدالية فضية . 
وبعد نشر خبر الفوز فى صحف الأهرام والأخبار ودار الهلال تسابقت الصحف لضمه إليها خاصة وأن هذه الصحف كانت بصدد إلغاء نظام الأبونية فى التعامل مع المصورين وأغلبهم من الأجانب ( هانزمان ــ مازولا ــ شارل ) وإنشاء أقسام تصوير ومعامل خاصة بها .


التوصية أفسدت فرحته


انتوى محمد صبرى الذهاب إلى " أخبار اليوم " وأخبر أخيه الكبير المهندس سيد صبرى فوعده بأن يعطيه خطاب لمصطفى أمين صديقه الذى توطدت علاقات الصداقة بينهما من خلال عضويتهما فى النادى الأهلى ففرح بذلك ، وفى الصباح حمل التوصية وذهب إلى " أخبار اليوم " وقابل مصطفى أمين وسلمه الخطاب ، إلا أن المفاجأة كانت فى قهقهة مصطفى أمين المعروفة بصوته الجهورى وسؤاله : هل تعرف مضمون الخطاب ؟!! فأجب صبرى بالنفى ، فقدم له مصطفى أمين الخطاب قائلا : " خد أقرأه . "
وكانت المفاجأة الثانية فى كلمات الخطاب : " حامله حمادة ، أخويا الصغير، أرجو تربيته وتعليمه الصحافة " .

وضع صبرى الخطاب فى جيبه وعاد إلى منزله غاضباً ،ولم يعد إلى " أخبار اليوم " مرة أخرى حتى الآن .



مدارس فاكس

فى اليوم التالى ، ذهب محمد صبرى إلى دار الهلال والتقى أميل زيدان الذى اتفق معه على تخطيط و تصميم أستديو التصوير ومعمل التحميض على أحدث المواصفات المتعارف عليها فى الصحافة العالمية ، ولأنه يجهل هذا المجال فقد طلب مهلة لاستلام العمل لظروف أسرية ووافق أميل زيدان .
.. خرج صبرى من دار الهلال وراح يشترى كل ما يصادفه من الكتب والمجلات المتخصصة فى التصوير والتحميض إلا أن اللغة كانت عائقاً دون فهم بعض المصطلحات فقرر الالتحاق بمدارس فاكس لتعليم اللغات بشارع فؤاد . 
يروى الأستاذ محمد صبرى ضاحكاً :
" لضيق الوقت ، ورغبة فى الإفادة من يوم الجمعة عرضت على المدرسة الفرنسية صحبتها فى رحلات ببعض الأماكن الأثرية وكان هذا سبباً ساعدنى على سرعة إتقان اللغة ".

 
دار الهــــــلال

بعد شهرين عاد صبرى  إلى دار الهلال وتسلم العمل مديراً لقسم التصوير وبدأ فى تجهيز الاستوديو والمعامل وكان معه  اثنان من الزملاء أكبر منه  سناً ، هما عبده خليل وأحمد سليمان اللذان لم يتقبلا وجوده  فى البداية ، إلا أنه بفضل ما تعلمه من أمه استطاع التغلب على هذه المشكلة فقد تعلم من أمه  : " أن يحتضن الجميع فى دماثة خلق وصبر جميل ولين فى التعامل  ليكسبهم شخصية ودودة ويغرس فيهم العزة والحرية بعيدا عن الإرهاب والكبت النفسى ودون غضب يدفع  إلى الحقد والمشاجرة ولا يسألهم شيئا يقدر على عمله وأن يرجوهم فى كل طلب بالحسنى وكان يساعدهم فى فهم فنيات العمل دون أن يظهر لهم ذلك ودون تعالى عليهم " . وقد بدأ بهما من معمل التحميض .

العدوان الثلاثى

هكذا دخل إلى بورسعيد فى 1956 بملابس الصيادين
ليقدم للدنيا صور جرائم العدوان الثلاثى فى بورسعيد .

وفى 29 اكتوبر 1956 بدأ العدوان الثلاثى على مصر ، وفى غمرة الحماس ؛ قرر صحفيو ومصورو ورسامو روز اليوسف الذهاب إلى بورسعيد فى زفة إعلامية لنقل الأحداث بالرسم والصورة إلا أن التجربة فشلت لصعوبة الأوضاع هناك ، لكن محمد صبرى رأى أنها قابلة للتنفيذ بدون صخب أو ضجيج إعلامى ؛ فسافر إلى المطرية على بحيرة المنزلة وقابل الصاغ نعمان مسئول المخابرات وطلب منه تصريح الدخول إلى بورسعيد ، حاول الصاغ نعمان إقناعه بصعوبة الأمر خاصة أن تجربة صحفيى روز اليوسف مازالت أمامه لكن صبرى أقنعة أنه سيؤدى المهمة بنجاح ؛ فوعده الصاغ نعمان بذلك وطلب منه أن يمر عليه فى اليوم التالى .

كيف تم إعـداده للمهمة
بمعرفة الصـاغ نعـمان ؟!!

فى الموعد المحدد صارحه الصاغ نعمان بأن نجاح المهمة يستلزم إعداده لها بشكل علمى وأن هذا الإعداد يستغرق أسبوعاً من الجهد الشاق ووافق صبرى وبدأت المهمة بتغيير ملابسه ولبس ملابس الصيادين والعمل معهم لأيام لتخشن يداه وليتعلم طريقتهم فى الحديث وليتفهم نمط حياتهم وأسلوبهم فى تشمير ملابسهم واحكام ربطها على وسطهم والسير حافى القدمين حتى تشققت قدماه وعدم حلاقة ذقنه . وتم تدريبه على إخفاء الكاميرا فى قفة السمك ووضع أسماك " الباسريا " الصغيرة فوقها ؛ وإحكام عملية التمويه بوضع ثلاث أو أربع سمكات أعلى القفة ؛ لأن جنود الإنجليز كانوا يقومون بتفتيش الداخل وكانوا يأخذون السمك الكبير ويتركون الصغير .
كانت المهمة محددة وهى أن يقوم بتصوير الجنود للتعرف على جنسياتهم وأنواع أسلحتهم وممارستهم اليومية .
.. وبدأت المهمة ولكن دائما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ؛ فقد غرقت المركب الذى تحمله إلى بورسعيد ، فظل فى الماء 12 ساعة حتى أتت مركب أخرى لتنتشله من الموت !!.

التصوير بكاميرا مقلوبة !!


فى ســـاعة راحته ؛ يجلس متلفعاً بشال الصـيادين مع اثنين من رجــــال
الكومانذر فى ثياب أولاد البلد والكاميرا أمامه فهى سلاحه الصاحى دائما.

 كانت المشكلة الأولى التى واجهته هى كيفية التصوير من خلال كاميرا مختفية ، لكن سرعان ما وجد الحل فوضع الكاميرا فى كيس بلاستيك فى وضع مقلوب بحيث يصبح مفتاح تحرير الغالق shutter release button أسفل الكيس ، وعمل فتحة فى الكيس أمام العدسة و التمويه ببضع حبات من البطاطس أعلى الكاميرا ، وكانت البطاطس هى الطعام الوحيد المتوافر فى المدينة بعد استيلاء الأهالى على حمولة مركب فى الميناء كانت تحمل البطاطس .
إلا أن الصور التى حصل عليها لم تكن جيدة لصعوبة ضبط  فتحة العدسة وسرعة الغالق ومسافة الهدف ، إلا أنها أدت الغرض بشكل مبدئى .
إلا أن الصدفة وحدها جاءت له بالحل ؛ فعندما كان يسير فى المدينة وجد محل تصوير تم قصفه فدخل إليه من خلال الحائط المتهدم ، ليجد المفاجأة ؛ معمل تصوير كامل وأفلام وجواكت المصورين ودفاتر إيصالات استلام الأفلام والنقدية .
أخذ دفتر الإيصالات ولبس جاكت " المصوراتى الشعبى " ؛ وراح يتجول فى المدينة ويقترب من ضباط وجنود الاحتلال يعرض عليهم ، وكانت المفاجأة الثالثة أنهم سلموه الأفلام التى صورها بكاميراتهم الخاصة لقصف المدينة وإنزال القوات بها وصور الكبائن وهى تحترق ، كان يتقاضى منهم 12 قرشاً عن تحميض وطباعة كل فيلم  ، ويكبر الصور ويرسلها إلى الصاغ نعمان .
           
غلطــة مخـرج "  المصـــــور  "
كادت تسلمه إلى المشنقة ؟!!

وذات مساء أرسل إليه الصاغ نعمان من يساعده على الخروج من بورسعيد ويخبره بضرورة ذلك لكونه فى خطر حقيقى قبل أن يقبض عليه الانجليز  ، فقد نشرت " المصور " الصور التى أرسلها مع صورة شخصية له مكتوب أسفلها تصوير : محمد صبرى ، كادت غلطة مخرج " المصور " آنذاك الزميل الأستاذ نسيم عمار تسلمه إلى حبل مشانق الإنجليز ؟!!ولكن الله سلم .

دنشواى

حدثت مأساة دنشواى فى 13 يونيو 1906وصدرت الأحكام ونفذت يوم 28 يونيو 1906 ، وقتها لم تكن مصر تعرف صحافة الصورة ، ورغم كلمات د . محمد حسين هيكل فى وصف المأساة ، وسخرية برناردشو فى إحدى مسرحياته من العدالة البريطانية فى دنشواى ، وشعر أحمد شوقى عند ترقية فتحى زغلول أحد قضاة دنشواى وكيلاً لوزارة الحقانية مكافأة له على الحكم السادى بحق أهالى دنشواى ؛ فقد ارسل شوقى قصيدة قال فيها :

إذا ما جمعـــتم أمــركم وهممتموا   
                       بتقـــديم شئ للوكــيل ثمـين
خذوا حبل مشنوق بغير جـــريرة 
                      وسروال مجـلود وقيد سجين
ولا تعرضوا شعرى عليه فحسبه
                     من الشعر حــكم خطه بيمين
ولا تقرأوه فى شــبرد بل أقـــرأوه 
                   على ملأ فى دنشـــواى حزين

كانت هذه مشاعر المصريين تجاه من تلطخت أيديهم بالدماء فى دنشواى ؛ هو ما يفسر حالة الفرح بمقتل بطرس نيروزغالى ( رئيس المحكمة ) على يد ابراهيم الوردانى وخروج العامة إلى الشارع ينشدون أغنية امتزجت فيها مشاعر الفرح بلون الطائفية الكريهة :

مبروك عليك يا وردانى 
                 يا للى قتلت النصرانى
ليلة سعيدة يا كفر مسيحة
         طعمية بايتة وسمك له ريحة


وبعد حكم المحكمة على الوردانى بالإعدام ، خرجت الجماهير إلى الشوراع ليلة تنفيد الحكم فى 28 فبراير 1910 لتشدو بأغنية غلب عليها طابع الشجن :

قولوا لعين الشمس ما تحماشى
            لحسن غزال البر صابح ماشى

  إلا أن الكلمات لم تستطـــع تقديم المأساة التى تقشعر منها الأبدان وترتجف النفوس
إلى أن كانت الصور التى حصل عليها محمد صبرى من لندن لتفضح وحشية الاحتلال وما أخفته عجز الكلمات .



يتذكر الأستاذ أنه فى إحدى زيارته للندن فى الستينات وجد مواطن يجلس على الرصيف يبيع بعض الكاميرات القديمة ، وشرائح أفلام زجاجية التى كانت تستخدم بديلاً عن الفيلم فى اوائل القرن الماضى ؛ وعندما سأله عن حكاية الكاميرات ، أجاب : " ان والده كان يعمل مصورأ مع قوات بريطانيا العظمى فى مصر ، وأنه توفى وهو لا حاجة له بهذه الأشياء " . ومع فحص أول شريحة؛ لم يصدق الأستاذ عينيه من هول المفاجأة فقد تبين الأستاذ أن الشرائح لمحاكمات أهالى دنشواى ،وتنفيذ أحكام الإعدام والجلد فيه .

دفع الأستاذ للرجل المبلغ الذى طلبه دون مناقشة ، وعاد بالغنيمة إلى الوطن لينشر سبقه على صفحات " المصور " ، ليفاجأ فى المساء باتصال تليفونى من الأستاذ مصطفى أمين يطلب منه شراء هذه الشرائح لحساب " أخبار اليوم " مقابل الثمن الذى يحدده لكن الأستاذ أعتذر فقد قرر أن إهدائها إلى أرشيف دار الهلال .
 

ملحوظة : هذه الشرائح والنسخ الورقية المطبوعة منها قد اختفت ولم يتم التوصل لحل لغز إختفائها ، وقد  حامت الشبهات حول صحفى فى موقع المسئولية 



جبل علبة


 عندما جاء أحمد بهاء الدين إلى دار الهلال فى ( 1ـ 4 ـ 1964 وحتى 8 ــ 7 ــ 1971 ) ، أراد أن يجدد الدماء فى المدرسة العريقة ،فأتى ببعض الشباب الجامعى ،الذين أطلق عليهم عواجيز دار الهلال ( البهائيين )  ، نسبة إلى أحمد بهاء الدين ، وكان أحدهم كمال سعد ، الذى أقترح سلسلة من الموضوعات عن الحياة فى جبل علبة وكلف بهاء محمد صبرى بتغطية رحلة المحرر الشاب ، فذهب صبرى الى مكتبة جامعة القاهـــــــرة يقرأ كل ما يجده عن جبل علبة ويسأل أساتذتها عما لا يستوعبه . فى يوم السفر فوجئ بالرسام حلمى التونى معهم فى الرحلة بعد أن نجح فى إقناع بهاء بأن وجود رسام سيضفى على القصة الخبرية لمسة فنية ومذاق خاص .


 شاب وفتاة من البشارية ــ عدسة : محمد صبرى


إحدى رقصات البشارية ــ عدسة محمد صبرى
حسناء من البشارية

يقع جبل علبة في أقصى الجنوب الشرقي من مصر وعلى مساحة 35 ألف كم مربع ويطلق عليه العلماء " درة تاج الطبيعة " ؛ لما يحتويه من النباتات والطبيعة الخلابة من الجبال والوديان والسهول وأشجار المنجروف والشعاب المرجانية والجزر.


أهم ما يميز جبل علبة هو التنوع الكبير عدد النباتات  التى يصل إلى 458 نوعاً من النباتات تمثل ما يقرب من 25% من الفصائل النباتية المسجلة في مصر، كما يوجد على الجبل وفي أسفله أيضاً غطاء كثيف من نباتات الأكاسيا والشجيرات الأخرى التي تعد بمثابة الغابات الطبيعية الوحيدة في مصر.


ويتميز جبل علبة بتنوع كبير في الحيوانات حيث يوجد به 23 فصيلة من الثدييات أهمها الغزال و30 فصيلة من الزواحف أهمها الطريشة وحوالي 41 فصيلة من الطيور أهما النعام ، وتوجد في منطقة محمية علبة أيضاً مناطق أخرى كثيرة تتميز بأهمية كبيرة من حيث التنوع البيولوجي من الحجر الجيري والوديان الرملية المتعرجة وعيون مائية دائمة تؤوى إليها أحياء المنطقة من الثدييات أهمها الغزال والثعالب والطيور أهمها النعام والزواحف، ويتميز جبل علبة بوجود العديد من أنواع النباتات والحيوانات التي ليس لها مثيل في أي مكان في العالم وبعضها من الأنواع المهددة بالانقراض .


كما تزخر المنطقة بتراثها الثقافي حيث توجد العديد من المواقع الأثرية من عصور ما قبل التاريخ فى شكل نقوش رسومات موجودة على الصخور  .


ويسكن جبل علبة ثلاث قبائل هى : قبيلة البشارية  وقبيلة العبابدة  وقبيلة الرشايدة وتتميز هذه القبائل بطابعها الاجتماعي الخاص وعاداتها وملابسها وحليها وموسيقاها ورقصها وطعامها ووطرز البناء لديها وكذلك الحرف اليدوية التي تتميز بها، وتعتمد هذه القبائل على الموارد الطبيعية في معيشتها ورعي الماشية  . 


زيارة عـلى صبرى
للاتحـاد السوفييتى

بعد نكسة 67 دارت الأرض بمحمد  صبرى ، وغطت الأحداث عدسته بظلال رمادية فلم تعد تبصر سوى الحزن على الوجوه والانكسار فى النفوس وهو فى هذه الحالة طلب منه أحمد بهاء الين السفر إلى موسكو لتغطية رحلة على صبرى ، ولأول مرة يقابل محمد صبرى طلباً لبهاء بالرفض : " أسافر أعمل إيه ؟!! وأصور إيه ؟!! صورة مقابلة رسمية ؛ يمكن أن نحصل عليها مجانا من وكالة نوفستى بالقاهرة .  "
وابتسم بهاء قائلا : " تصورهم وهم يأكلون !! "
لم يكذّب صبرى كلام بهاء الذى وافق هواه وغيظ نفسه من تلك الأسفار التى لا طائل من ورائها سوى المصافحة والابتسام لعدسات المصورين وأحاديث باهتة عن صداقة الشعوب !! وانتهز فرصة أن السفرجى فى قصر الضيافة ترك الباب موارباً والتقط عدة كادارت لولائم الطعام الفاخر وحالة الإسراف والبذخ التى لاتتفق مع مبادئ الصديق السوفييتى وحالة النهم والشراهة للطعام من الضيوف المصريين الذين ذهبوا إلى الاتحاد السوفييتى لبحث وسائل إزالة أسباب النكسة !!
نشر بهاء الصور فى " المصور " على أربع صفحات وقامت الدنيا ولم تقعد وغضب على صبرى ، وثار أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى ، وأراد المسئولون الفتك بمحمد صبرى فتصدى بهاء لهذه المحاولات فهو رئيس التحرير وهو الذى كلفه وهو الذى أجاز النشر .


هتاف الصامتين


بعد هذه الواقعة لم يعد يُكلف محمد صبرى بتغطية الأحداث الرسمية ، فحمل كاميراه وراح يرصد نبض الحياة فى الشارع الذى زلزلته الهزيمة من خلال العبارات المكتوبة على السيارات وهو الموضوع الذى أصبح لاحقا موضع دراسة علمية أعدها عالم الاجتماع د . سيد عويس عام 1971 بعنوان " هتاف الصامتين " وتضمنت تحليلاً اجتماعياً لمغزى هذه الكلمات .

الخطاط يتفنن فى رسم خطوط الكلمات .. ( كفاية ياعين ) 
 عدسة : محمد صبرى

هانت عليك دموعى ــ عدسة : محمد صبرى



الزمن هو اللى حيخلص لى تارى ــ عدسة : محمد صبرى



الأسبوع الفنى فى " المصور "


رأى موظف الرقابة أنذاك فى صور محمد صبرى إسقاط ما من خلال طريقته فى المعالجة ؛ فمنع بعضها وشوه بالحذف الكثير ، فاتجه محمد صبرى إلى تحرير باب " الأسبوع الفنى " يرصد من خلاله أحداث الحياة الفنية .


لحظة مرح جمعت سامية جمال ورشدى أباظة  
عدسة : محمد صبرى



سعاد حسنى فى لحظة انشغال طفولى  بتنظيف اسطواناتها 
ــ عدسة : محمد صبرى
 

رقصة فريدة فهمى عند الهرم ــ عدسة : محمد صبرى


الروح والصورة فى " الهلال "



.. وعندما تولى كامل زهيرى رئاسة تحرير مجلة " الهلال " ، كان شاغله هو كيفية تطوير لغة الخطاب فى المجلة والاهتمام بالصورة كنمط من أنماط الاتصال ، وفاتح صبرى فى الأمر فعرض عليه صبرى تحرير باب ثابت بعنوان " الروح والصورة " تقوم فكرة الباب على لقطة تسيل فيها الروح لتمتزج بالواقع فى حدث تظهر تأثيراته فى ملامح الصورة وتفاصيلها وبياناتها من خلال حركة الحدث ووقفاته وثباته  وانفعالاته.

***

 7 اكتوبر 1985 ، أخر يوم عمل لمحمد صبرى بدار الهلال بالإحالة إلى المعاش ، فخرج من بوابة المبتديان يحمل فى دهاليز الذاكرة تاريخ حافل بالذكريات .
خزائن الذكريات

 
الأستاذ يتذكر ضاحكاً عندما أطلق صديقه بهجت عثمان 
رسام الكاريكتير على دار الهلال اسم " دار الهـــلاك "

بالبيجاما فى منزله

... ولا زمان يا عبده ، قالها الأستاذ مرحباً بالزميل 
عبد الغنى عبد السميع مدير إدارة التحرير بدار الهلال 
 ــ يتذكر الأستاذ عندما طلبت منه صافيناز كاظم تصميم غلاف كتابها الأول رومنتيكيات عام 1970 الذى قدم له أحمد بهاء الدين  ، فقام بانجاز المهمة ليفاجئ بعد طبع الكتاب أن حلمى التونى قد كتب على صفحة داخلية ( تصميم الغلاف : حلمى التونى ) ، ترفع الأستاذ عن الدخول فى خصومة مع التونى فقد طبع الكتاب وانتهى الأمر إلا أن هذا لم يرضى صافى ناز فراحت تعلن فى كل مناسبة حكاية سطو التونى على تصميم  محمد صبرى لغلاف كتابها  .


غلاف رومنتيكيات 
إخراج فنى : محمد صبرى

ــ يتذكر الأستاذ الساعات العصيبة عندما سافر إلى طرابس مع مصطفى نبيل لإجــراء حوار مع الرائد معمر القذافى قائد انقلاب الفاتح من سبتمبر 1969، فتم أخذ جوازا سفرهما ومنعا من مقابلة القذافى حتى يتم مراجعة كشوف أسماء الصحفيين المصريين الذين كانوا يحصلون على أموال شهرية من السنوسى والتأكد من خلوها من اسميهما ، ويتذكر لحظة الفرج عندما جاء ضابط الاتصال ليعلن برائتهما ويصحبهما لمقابلة القذافى قائلاً : " اتفضلوا أنتم رجال زين . " 

 ــ يتذكر الأستاذ حكاية الكاميرا ماركة " لايكا " الألمانية وتعمل بنظام قطع الزجاج المحسس بمستحلب الفضة ، كانت هذه الكاميرا عزيزة إلى نفس الأستاذ وعندما طلبت الإدارة تسليمها إلى مخزن الهالك ، أراد الأستاذ أن يحتفظ بها وأبدى استعداده لدفع أى مبلغ تحدده الإدارة ثمنا لها ، إلا أن تعنت الإدارة حال دون تحقيق رغبة الأستاذ  !! .


ـ يتذكر الأستاذ مازحا صلف وعجرفة الإدارة الأسبق لدار الهلال ؛ التى انحدرت إلى حد الجليطة عندما أرسل يطلب نسخة ورقية من إحدى صوره ، فطالبوه بدفع مبلغ خمسين جنيها .

ــ يتحدث الأستاذ عن التجريف المنظم والنهب الممنهج للأرشيف الصحفى فى دار الهلال ففى زيارته الوحيدة لدار الهلال عام 2005 ،( أثناء تصوير الفيلم التسجيلى : غرفة مظلمة .. حياة مضيئة ) ، وكيف وجد كومة من الأفلام ملقاة على سطح المبنى بحجة عدم وجود ميزانية لشراء دواليب الحفظ ولكن الحقيقة هى أنها مخطط شيطانى لنهب الوثائق التاريخية والثقافية التى تعد الذاكرة الحية للوطن.

***

فى نهاية حديث الذكريات .. يقر محمد صبرى بمرارة : " بأنه لم ينجح فى صناعة مصور صحفى جيد ؛ لأن المصورين انساقوا وراء غواية الربح السريع من تصوير الأفراح وأعياد الميلاد وسعوا إلى خلق علاقات تسهل لهم هذا الكسب وتمكنهم منه ، بعض هذه العلاقات نال الكثير من كرامتهم واحترامهم لأنفسهم وآداب مهنتهم . "


لوحات محمد صبرى
































 

























لوحة الزار ــ إحدى  روائع الفنان محمد صبرى ، شيخ مصورى دار الهلال


شكر خاص
للفنان محمد صبرى
شيخ مصورى دار الهلال

هناك تعليقان (2):

  1. ارك الله فيك أستاذ ياسر بكر ، جهد رائع وأسلوب ممتاز ، تحية للأستاذ الكبير الفنان محمد صبري - محمد أبوطالب

    ردحذف
  2. شات عرب فن يعود من جديد
    انضم معنا مع اقوى واكبر دردشة كتابية وصوتية
    بدون اشتراك او تسجيل عن طريق الهاتف والكمبيوتر
    بكل الحب نستقبلكم
    مع اكبر تجمع شباب وبنات
    من جميع انحاء الوطن العربى
    كن مطمئنا مع اقوى حماية لمعلوماتك. وبيناتك الشخصية
    مع تحيات ادارة الشات
    الموهوب النسر الذهبى
    اكتب فى محرك البحث جوجل (شات عرب فن)
    او انضم من هنا ( شات عرب فن)


    للأعلى


    https://arabfun.com/

    ردحذف