الخميس، مايو 14، 2015

ياسر بكر يكتب : قاضيان .. وقضية !!



 
المستشار فؤاد راشد
ياسر بكر يكتب : قاضيان .. وقضية !!

.. باتت قضية " إصلاح المنظومة القضائية " في بلدنا أشبه بالقضية " الغائصة ـ الطافية " ؛ .. تطفو فتنبري الألسنة والأقلام لبحثها، وكأنها آخر مشاكلنا للخروج من الجحيم..، و تغوص؛ فلا يرد لها ذكراً وكأنها لم تكن !! ويظل الجحيم جحيماً !! .. وتظل النار تحت الرماد !! .. تلك النار التي نفخ في جذوتها تصريح المستشار محفوظ صابر وزير العدل السابق ؛ لتعود القضية من جديد إلى واجه المشهد، لتؤكد  إنها الحاضر الغائب .. القديم المحدث !! 

.. ففي الثمانينيات من القرن الماضي كتب أستاذنا الكبير يوسف جوهر مقالاً بجريدة الأهرام عن ضعف المستوى العلمي بصفة عامة، والقانوني بصفة خاصة لبعض العاملين بالنيابة العامة، وأفاض في الحديث عن عدم قدرة بعضهم على استنباط الأحكام الفقهية والقانونية من مصادرها الصحيحة؛ بما أضفى ظلالاً من الريبة على بعض القرارات وإنتاج أحكام مقطوعة الصلة بالقانون ، وأرجع ذلك  إلى خلل في معايير اختيار المتقدمين للتوظف في النيابة العامة باعتباره المفرخة التي تقدم لمنصة القضاء خيرة عناصرها؛ .. كان  الأستاذ يوسف جوهر ( رئيس النيابة السابق قبل أن يحترف الكتابة ) يرى أنه لم يفعل شيئاً سوى أنه مارس حقه في النقد المباح لصالح الوطن، وأنه أرضى ضميره وقال كلمته ، .. وفي اليوم التالي لصدور الصحيفة جاء استدعاء النيابة للأستاذ للتحقيق فيما جاء بالمقال بدعوى "إهانة القضاء"، .. وثار الرجل على الخلط بين " نقد خلل معايير اختيار التوظف" وبين "إهانة القضاء"، .. تدخل الحكماء قي جريدة الأهرام بمساعي من الأستاذ إبراهيم نافع نقيب الصحفيين والأستاذ ثروت أباظة وكيل مجلس الشورى لاحتواء تداعيات الأزمة، وتم الاتفاق على ذهاب الأستاذ إلى النيابة، وإبداء حسن النية لينتهي الموقف بقرار حفظ !!

.. وقبل ثورة يناير بشهور كتب الأستاذ فاروق جويدة مقالاً في نفس الجريدة عن العوار في معايير اختيار معاوني النيابة، كان الرجل يمتلك مستندات بوقائع محددة، وشخوص بعينهم، وجاء استدعاء النيابة وبنفس الاتهام الذي سبق توجيهه الأستاذ يوسف جوهر، .. وذهب الشاعر بما يحمله من مستندات إلى جلسة التحقيق ليقدم خدمة للوطن.. واستمر التحقيق مع الرجل ثماني ساعات حتى أصابته أزمة قلبية، ونقلته سيارة الإسعاف من سراى النيابة إلى مستشفى "دار الفؤاد "!!؛ ليسدل الستار على القضية ؛ ليبقى الحال كما هو عليه!!، .. وعلى المتضرر أن يخبط دماغه في الحائط !!

بعد تصريح الوزير السابق طرح بعض السادة القضاة الأفاضل رؤيتهم للقضية، وشد انتباهي أطروحتان :

الأطروحة الأولى : لسيادة القاضي الجليل المستشار فؤاد راشد رئيس محكمة استئناف القاهرة، وهو رجل أكن له محبة واحتراماً رغم أنني لم التق به سوى عبر الفضاء الرمزي من خلال موقع تواصل اجتماعي .

الأطروحة الثانية : لرئيس محكمة الجنايات الأسبق .

كتب سيادة المستشار فؤاد راشد أطروحته في مقال صحفي بعنوان : "علي هامش " موقعة وزير العدل "..المجتمع – لا السلطة وحدها – مريض بالعنصرية!" وجاء فيه :

"كان أكثر ما هزني أيضا  حالة البراءة التي تبدى عليها مجتمعنا في رد فعله، وكأنه مجتمع لا يعرف الطبقية والعنصرية برغم أنه غارق حتى أذنيه عبر تاريخه الطويل في الطبقية والعنصرية، ولست أشك لحظة واحدة أن الغالبية الساحقة ممن اندفعوا للغضب العارم يمارسون العنصرية في حياتهم اليومية بشكل أو بآخر وبدرجة أو بأخرى" .

.. وهو كلام ينطوي على بعض الحقيقة بالنسبة لبعض طبقات المجتمع ، وإلا لما أثيرت القضية.. ولكنها ليست الحقيقة كلها !! فكما يحمل المجتمع في بعض طبقاته رواسب جاهلية .. إلا أننا لا نستطيع أن ننكر على هذا المجتمع أنه احتضن رفاعة الطهطاوي الذي جاء إلى القاهرة على ظهر مركب تحمل "البلاليص" بما تيسر له من قروش قليلة بعد أن باعت أمه خلخالها، وهو كل ما كانت تملكه ، ليدرس في الأزهر ويحتضنه شيخه الشيخ حسن العطار ويزوجه ابنته.

.. وكذلك الشيخ محمد عبده .. ابن عم عبده الغرابلي " صانع الغربال " .. الذي أصبح إماماً .. والشيخ الباجوري بلدياتي ـ من الباجور ـ الذى أتى منها بثياب مهلهلة حافي القدمين لتفتح له كل الأبواب ليصبح شيخاً للأزهر!!،.. وطه حسين الفقير الكفيف، وسعد زغلول ابن الحاج إبراهيم زغلول الفلاح الفقير، وعبد الرزاق السنهوري اليتيم، والدكتور مشرفة الفقيراليتيم .. الأمثلة كثيرة قد لا يتسع المجال  لذكرها .

.. فكما يقول بعض المتفلسفين أن " لكل قاعدة استثناء " .. وهو قول ينطوي على خطأ لكون الأصح هو أن " الاستثناء يبطل صحة القاعدة " .. هكذا علمنا الكبار في آداب القاهرة.

.. وزاد سيادة القاضي الجليل المستشار فؤاد راشد على مقاله بوست على صفحته على "فيسبوك " بعضاً من أقوال رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق المستشار مقبل شاكر :

" في مجلس القضاء الأعلى نختار وكيل النيابة الذي يقبله كل من أعضاء المجلس زوجا لابنته"

.. وكلام رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق قد ينطوي علي بعض من حق في إطار موضع يتصل بالخصوصية .. وقد ينطوي على شبهة خطأ لكونه الأب الذي يرى الكمال في ابنته؛ فيطلب صفات الكمال في عريسها !! .. وهي رؤية متعلقة بالعواطف والأماني؛ فنحن بشر، والكمال لله وحده.

.. أما في إدارة دولاب العمل في الدولة فالأمر جد مختلف، وتحكمه قوانين وضوابط تجعل من كلام رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق كلاماً معيباً وموصوماً بالعوار .

.. أما الأطروحة الثانية فكانت لرئيس محكمة جنايات أسبق قال فيها : أن هناك أسباب أخرى تمنع "ابن عامل النظافة" أن يصبح قاضيا،  وأضاف : " نتحدث بجزء من العقل، هل يستطيع عامل النظافة تعليم أولاده بـ300  جنيه مرتب دون أن يمد يده، شئنا أو لم نشأ نعلم أن عامل النظافة يربي أولاده من الشحاتة"، وتسائل: «هل سمعنا بعامل نظافة لا يشحت.. وهل الولد اللي متربي على الشحاتة يستطيع أن يقود مصير الناس؟ فالعرق دساس. "

.. ولا شك أن ما جاء بأقوال سيادة رئيس محكمة الجنايات الأسبق ينطوي على إعادة صياغة عصرية لمقولة كفار قريش التي أوردتها الأيه الكريمة :

" وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ" صدق الله العظيم ( الزخرف ـ 31 )

.. ولاشك أن تقولات سيادة رئيس محكمة الجنايات الأسبق تلك تحمل فكراً يوصد أبواب الأمل في وجوه "العصاميين النوابغ ".. والباحثين عن فرصة في حياة أفضل من أبناء الفقراء المكافحين ـ وأنا منهم ـ ، .. وهو فكر تجاوزه الزمن وبال عليه، وألقى به في مزابل التاريخ .


الثلاثاء، مايو 12، 2015

ياسر بكر يكتب : الوزير و" التسفل" على من يدفعون راتبه !!


ياسر بكر يكتب : الوزير و" التسفل" على من يدفعون راتبه !!

.. في لحظة سكر بخمر السلطة نسي المستشار محفوظ صابر، وزير العدل ( السابق )، أنه مجرد وكيل عن صاحب الحق الأصيل الشعب مصدر السلطات؛ فقال إن : "ابن عامل النظافة لا يمكن أن يصبح قاضيًا أو يعمل بمجال القضاء، لأن القاضي لا بد أن يكون قد نشأ في وسط بيئي واجتماعي مناسب لهذا العمل."

.. سقط القاضي السابق، والوزير السابق متلبساً، وسقطت معه كل حماية للمكلف بخدمة عامة أو مهمة نيابية .. وقع الرجل بذلاقة لسانه تحت طائلة القانون؛ بما يستوجب محاكمته، ولا تعفيه المحاكمة الجنائية من المسائلة السياسية ، فالرجل أفصح بذلاقة لسانه بالاعتراف الذي هو سيد الأدلة عن ارتكاب جرائم عدة يأتي في أولها :
ـ ارتكاب جريمة التسفل بغير حق على شريحة من المجتمع المصري تسهم مع غيرها من دافعي الضرائب في دفع راتبه.
ـ ارتكاب خطيئة الحنث بيمين احترام الدستور والقانون وحماية مصالح الوطن. . وحماية مصالح الوطن تتطلب اختيار الأقدر على الإنجاز بعيداً عن المعيار المعوج لتصريح الوزير ( السابق )  ، وإلا فإنها الخيانة .
ـ الإدلاء بتصريح يمثل فكراً عنصرياً مجّرماً بنصوص القانون، .. ويعد قمة " الافتراس الطبقي " !!، ويضفي بظلال من شبهات علي أدائه الوظيفي؛ .. الذي ربما أهدر من خلاله الكثير من حقوق الكثير من أبناء الشعب المصري؛ بما يستوجب مراجعة هذا الأداء.

.. اكتفت الحكومة بقبول استقالة الرجل أو إقالته أو طرده !! .. كل هذا لا يهم ؛ فتغيير اللاعب  شيء، لا يعني تغيير قواعد اللعبة  .

 .. لكن الأخطر هو ما أعقب ذلك من معالجات البعض لقضية " العدالة الاجتماعية " التي قامت من أجلها ثورة يناير 2011؛ .. وجاء تصريح الوزير ليوجه لها طعنة الغدر؛ فلجأ البعض إلى " التوسيع " بمعنى توسيع دائرة الحوار حول القضية ليشمل اتهام البعض للمجتمع كله بالعنصرية دون دراسة أو إحصاء يمكن الوثوق بمفرداتهما !! .. " التوسيع " أحد وسائل التلاعب بالوعي و"غسيل الدماغ "، فضلاً عن كونه أحد أساليب المساس بشرف الحوار؛ لتذويب ملامح القضية المطروحة ولفت الانتباه عنها
.. وفي ذات الوقت كشفت مصادر بمجلس الوزراء ، أن المهندس إبراهيم محلب رئيس بمجلس الوزراء اجري اتصالا هاتفيا بالمستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاء ، وطالبه بتولي حقيبة العدل خلفا للمستشار محفوظ صابر، وذلك على خلفية الأزمة التي أثارها تصريح الوزير ( السابق ) ، وأكدت المصادر أن بالمستشار أحمد الزند وافق على توليه منصب وزير العدل !!
.. وهو ما يخرج الحكم في مصر من دائرة الحكم الرشيد إلى دائرة التيه؛ تلك المتاهة التي تسمى " فن صناعة الأعداء "، وخاصة أن المستشار أحمد الزند أعلن مراراً وتكراراً عن ما اسماه الزحف المقدس لتعيين أولاد القضاة في النيابة العامة والقضاء .
.. وكان رد رابطة "جامعوا القمامة " أكثر تطرفاً تحت تأثير الانفعال، والشعور بالمهانة؛ فقررت عقد النية واتجاه الإرادة لتوقيع " العقاب الجماعي " على الشعب المصري بأثره فأعلنت أنها تدرس عقد اجتماع طارئ خلال الساعات القادمة لتقرير الإضراب عن العمل لمدة أسبوع احتجاجا على تصريحات وزير العدل ( السابق ) المسيئة لهم، وقالت مصادر بالنقابة أن الاتجاه العام بين جامعي القمامة هو الإضراب عن رفع القمامة بالقاهرة والمحافظات لحين اعتذار وزير العدل ( السابق ) بنفسه وأمام كل مصر عن تصريحاته، وأكد مصدر بالرابطة على أن كل  واحد من "البهوات" ـ على حد قوله ـ عليه أن يحمل قمامته بنفسه خلال فترة الإضراب ليتخلص منها كيفما يشاء.
.." جامعوا القمامة " ولاد بلد ، بيلقطوها وهيا طايرة، .. سبق أن تناولهم فيلم سينمائي بعنوان : " انتبهوا أيها السادة " ، وكانت رده فعلهم المشاهدة، والضحك مع جموع الشعب المصري فالمسألة في جوهرها لا تعدو إلا نوعاً من أنواع الفكاهة !! .. أما تصريحات الرجل المكلف بحماية الدستور وإنفاذ القانون فهي شيء آخر .. إنها " طعنة الغدر " .

***

سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي : لا تدع الحمقى ينثرون بذور الفتنة في تربة الوطن، .. خذ قرارك بالانحياز إلى أفراد شعبك، الذين قلت عنهم : " لم يجدوا من يحنوا عليهم أو يرفق بهم"؛ فأرفق بهم وأحنو عليهم، باتخاذ إجراء يحفظ حقوقهم وكرامتهم في مواجهة من أساء إليهم من خلال محاكمة عادلة لوزير سابق مُنفلت اللسان، غير منضبط الأداء .