الثلاثاء، مارس 24، 2015

ياسر بكر يكتب : انتخابات الصحفيين .. قراءة هادئة فى ملفات صاخبة !!



ياسر بكر يكتب : انتخابات الصحفيين .. قراءة هادئة فى ملفات صاخبة !!

قلاش على أكتاف مؤيديه .. صورة سلبية لتعامل بعض الصحفيين مع الأحداث النقابية


.. منذ أسبوعين كتبت هنا على صفحات موقع " مصر العربية " مقالاً بعنوان : ( المبتسرون فى "ملعبه" نقابة الصحفيين !! ) كان توقيت المقال متزامناً مع الدعوة الأولى للجمعية العمومية للصحفيين التى لم يكتمل نصاب انعقادها فى 6 مارس الجارى، .. تحدثت فيه عمن ارتأوا ترشيح أنفسهم لمنصب نقيب الصحفيين، وشغل عضوية مجلس النقابة دون مسوغات سوى منطلق المثل المصرى الشعبى : " أعور فى وسط عميان ملك" أو " تسليع البضاعة الرديئة فى أخر السوق" .. وعلى المضطر القبول، وإلا فشبح الحراسة يتراقص على سلالم النقابة، يعنى طرح السادة المرشحون أنفسهم باعتبارهم أفضل الأسوء من الراغبين فى التصدى للعمل النقابى !!، فلا أحدهم يحمل تاريخاً مهنياً، ولا إنجازاً نقابيا، ولم بضيف أحدهم عنوانا إلى المكتبة العربية يحمل فكراً صحفياً فى ظل التغيير فى شكل غرف الأخبار وآليات العمل الصحفى، وتحدياته فى التحدى الأكبر الذى جلبته شبكة الإنترنت كقناة ووسيلة للعمل الصحفى إضافة إلى مشاكل الصحافة الورقية وخاصة الإمبراطورية الضخمة للصحف القومية (رهينة المحبسين ) والمقصود بالمحبسين : محبس الرقابة الحكومية عبر القائمين عليها من المعينين بائسوا الموهبة من أهل الولاء، ومحبس الدعم الحكومى الذى لن يستمر طويلاً ولن تقدر الحكومة على الاستمرار فيه فى ظل الهياكل المالية والإدارية المختلة عن قصد!!... خلاصة المشهد الانتخابى أن السادة الزملاء  الذين طرحوا أنفسهم لاقتراع الجمعية العمومية اسقطوا الكثير ممن لهم حق التصويت فى مأزق المفاضلة بين السيئ والأسوء ؛ فالنسبة لمنصب النقيب كان الفارق بين المرشحين الأكثر تنافسية هامشياً فكل من رشوان وقلاش ينتمى إلى تيار عالى الضجيج خاوى من المعنى أسموه بـ "الناصرى " ، وقد خاضا الانتخابات تلبية لصراع حزبى ناصرى بين تيارين متصارعين بشعارات نقابية !!
.. الفارق بين رشوان وقلاش هو اختلاف النشأة والبيئة الحاضنة .. رشوان رجل صعيدى خشن اللفظ، يتبنى أنماط ثقافية موروثة من العنف تُعلى من قيم العصبية القبلية وتُثمن مفرداتها التى يعبر بها عن خطابه، وقد أنعكس ذلك فى صدامات كان يمكن تجنب بعضها تتعلق ببعض المشكلات الصغيرة .. لكنها طبيعة البيئة الحاضنة فى صعيد مصر وهى بيئة ذات طبيعة وعرة ومناخ شديد الحرارة والقسوة، فضلاً عن كونها محددة المساحة ضيقة الحدود .. صارمة الكيان يحدها الجبل حيث المجهول والخوف غير المحدد الملامح .. والنهر حيث الخطر؛ فالنيل كما هو واهب الحياة هو واهب الموت بما يجعل الاختيارات محدودة ، وتغرس قسوة المناخ الحمية فى أهلها وهى قد تتحول إلى رعونة إذا لم تخضع لحكمة الترشيد !! .. للأمانة دفع الأستاذ رشوان فاتورة أدائه الخشن ، وأيضا الأداء غير المنضبط لبعض أعضاء المجلس الذين أغراهم تغيبه عن النقابة، وإغلاقه الدائم لهاتفه المحمول بالتمدد فى الفراغ ، وقد أسفر أداؤه فى نهاية دورته عن اللا شئ !!
.. وقلاش منوفى من إحدى القرى الصغيرة فى مركز منوف ، والمنوفية بطبيعتها محافظة طاردة للسكان، ..وجغرافيا أرضها ذات طبيعة منبسطة وهو ما منح البشر فيها سمات تقترب من هذه الطبيعة فهم هادئون طيبون ربما بسبب الحضور الدائم للخضرة والماء واعتدال المناخ ، ولكنهم غير مباشرين، وملتوون بنفس القدر من التواء الترع الصغيرة والطرق التى يسيرون عليها، وهو ما يطلق عليه " خبث الفلاحين " الذى يفتقد المباشرة فلابد من لزوم ما يلزم من التمهيد والمقدمات الطويلة والديباجات، التى يكون هدفها الرغبة فى الحصول على منفعة دون عطاء .
.. أعتقد ( والله أعلم ) أن أداء قلاش سيكون محوره الالتفاف والمراوغة دون صدام ، لتنهى دورته ـ مثل سابقه ـ دون أن تسفر عن شئ سوى بعض الشعارات الرنانة التى قد تُسقطه فى مأزق فقدان المصداقية، فقضية الأجور ـ على سبيل المثال ـ هى الجزرة التى يتم التلويح بها فى كل الانتخابات منذ أربعين عاما لينتهى الحال ببضع جنيهات تضاف إلى البدل وإلى المعاش !!
.. ورغم كل ذلك، لم أشاء استباق إرادة الجمعية العمومية فى اختياراتها؛ .. بتخمينات أو توهمات حتى لا أبنى فوق رمال متحركة !!؛ فكل الاحترام لما أفرزته إرادتها الحرة عبر الانتخاب الحر المباشر،.. لكن بعد أن مضت الانتخابات وسط تهليل البعض بأنهم أحدثوا تغييراً ، وأن يوم 20 مارس يوم فارق فى تاريخ نقابة الصحفيين ؛ وأنهم قد جاءوا بـ "المهدى المنتظر" لإقالة النقابة من عثرتها وانتشالها من ورطتها،  وهو ما يستأهل المناقشة الواعية ، والقراءة الهادئة والهادفة فى ملفات الواقع الصحفى الشائكة بعيداً عن زيف الشعارات وخداع الوعود ، وهو ما يجعلنا نتأمل النتائج، فبقراءة هادئة للنتائج نلمس أن النتائج غلب عليها طبيعة التصويت الاحتجاجى الذى يكشف عن غضب كامن تحت سطح الجمعية العمومية ؛ فقد صوت الإسلاميون لقلاش نكاية فى رشوان الذى لم يعر اهتماما لقضاياهم والتفت عن دور النقابة فى تخفيف آلامهم وأدار ظهره لمواجعهم، وانضم إليهم الصحفيون فى الصحف المعطلة والتى لم تنجح المجالس المتعاقبة على إذابة كيانهم، وتصفية قضيتهم بالترك .. إضافة إلى بعض الصحفيين الذين وضعوا "تحويشة العمر" فى مواقع اليكترونية ؛ ليجدوا أنفسهم فى العراء دون اعتراف نقابى بممارستهم ودون مظلة حماية للعاملين معهم !! .. فضلا عن العاملون فى صحف لا يتقاضون منها أجراً .. والمفصولون تعسفياً الذين غضت النقابة الطرف عن قضيتهم رعاية لبعض أعضاء المجلس من المتكسبين!!
.. لغضب بعض الصحفيين أسبابه التى لا ينكرها عاقل أو ذو بصر أوبصيرة، ويأتي فى مقدمتها ملفات عديدة :

ـ ملف الصحف المعطلة بقرار إدارى دون محاولة جادة من قبل النقابة لإعادة إصدارها أو إيجاد فرص عمل للصحفيين الذين كانوا يعملون بها.. واقتصر الأمر على تعهد كتابى من النقيب مكرم حسبو وعصابته بحل مشكلاتهم ، شهد عليه الزميل الأستاذ حاتم زكريا الذى يسعى الآن لشغل منصب السكرتير العام مراهناً على أنه " آفة نقابتنا النسيان " !!
ـ ملف السخرة بغير أجر .. حيث يعمل الكثير من زملائنا بغير أجر ولا تأمينات اجتماعية ، مكتفين باتفاق غير مكتوب بين أصحاب تلك الصحف بالعمل مقابل الحصول على خطاب لصرف البدل !!
ـ ملف الصحفيون الإلكترونيين .. وهم شباب واعد شدوا الرحال إلى المستقبل مبكراً مستشرفين أفاق الغد، فالصحفى الإليكترونى فى تكوينه نصف صحفى ونصف مهندس ، وهى قدرات لا تتاح لكثير من الصحفيين التقليديين .. وبدلاً من أن توفر لهم النقابة مظلة حماية تركتهم فى العراء للمساومة عليهم وبهم فى مواسم الانتخابات .. ولا أرى مانع من قيدهم طالما هم حاصلون على المؤهل المناسب يعملون فى مواقع يرأس تحربرها صحفى وتتوافر فيها هياكل العمل الصحفى ( مدير تحرير ـ سكرتير تحرير ـ مدير فنى ـ أطقم السكرتارية التحريرية والفنية) وأن تتوافر لديهم عقود عمل موثقة ومدرجة بجداول التأمينات الاجتماعية بدلاً من تركهم لقيطة لكل عابر !!
ـ ملف الروابط التى تشكلت كخلايا سرطانية فى جسد الكيان النقابى  ( رابطة النقاد الرياضيين ـ الكتاب السياحيين ـ المحررين الاقتصاديين ـ المحررين الدبلوماسيين ـ رابطة "الرواد" أو بالأصح رابطة "مقهى المعاشات ") وما تمارسه تلك الروابط من فاعليات بعيداً عن رقابة المجلس، ولا يخلو بعضها من مخالفة للقانون .
ـ ملف الرعاية الكريمة لشيوخ المهنة من أصحاب المعاشات؛ حيث كان ثمة اتفاق بين النقيب الأسبق الأستاذ ممدوح الولى وحكومة د. هشام قنديل على أن يكون المعاش مساوياً للبدل، وهو ما التف عليه النقيب رشوان  بمعاونة وتواطؤ بعض المنتفعين فى رابطة المعاشات المسماة بـ " الرواد " على حساب الأرامل والأيتام!!
ـ ملف التدريب وهو المستقبل الحقيقى للمهنة والاستثمار الجاد فى عناصرها البشرية، وقد طلبت من قبل بضرورة إعادة النظر فى برامج التدريب حتى لا يتم اختراقها بدورات تحمل فى واقع الأمر فى ظاهرها أشياء، وفى باطنها أشياء أخرى تصب فى خانة " غسيل الدماغ " لشباب الصحفيين !!
ـ ملف الشهداء والسجناء والمعتقلين .. وهذا ملف شائك ، محترق الأطراف، ومخضب بالدماء، ولهذا يا صديقى الأستاذ يحيى قلاش، لن  أطلب منك الخوض وسط ألسنة النيران ودوامات الدم، ولن أحملك من أمرك عسرا، ولن أكلفك ما لا تطيق، ولن أدفع بك إلى التهلكة، ولن أقول لك :" اذهب والعب مع الأسد " .. بل يكفيك أن ترتدى عباءة النقيب، وأن تكون النقابة حاضرة فى التحقيقات والمحاكمات، مع رعاية كريمة للزملاء السجناء، وأن تمتد مظلة الرعاية إلى أسرهم إلى أن يأتى فرج الله، ألا إن رحمة الله قريب من المحسنين.

***

زميلى وصديقى الأستاذ يحيى قلاش نقيب الصحفيين : هذا المقال وصل لحوار بيننا كان قد انقطع !! أدعو الله أن يسدد خطاك، .. وأتمنى لك التوفيق .