الخميس، نوفمبر 11، 2010

كتاب الإعلام البديل ـ ياسر بكر ـ قيود الصحافة المصرية من خـــلال التشـــريعات


الفصل الثالث :

قيود الصحافة المصرية
من خـــلال التشـــريعات


حرية الصحافة مكفولة فى الدستور المصرى فى المادتين 47 و48  ؛ فتنص المادة 47 على أن :«حرية الرأى مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون والنقد الذاتى والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني«.
أما المادة 48  فتنص على أن : حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإدارى محظور، ويجوز استثناء فى حالة الطوارئ أو فى زمن الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محدودة فى الأمور التى تتصل بالسلطة العامة أو أغراض الأمن القومى وذلك كله وفقا للقانون.
ومع ذلك فإن المادة 48 تسمح للدولة بـ«مساحة» دستورية لتقييد حرية الصحافة فى حالة الطوارئ.
إلا أن هذه المواد تلحق بعبارات مقيدة مثل فى حدود القانون، أو بما يتفق مع القانون، أو بالشروط التى يحددها القانون، ونجد أن القوانين تتعدى تنظيم الحق الدستورى لتنتقص منه وأحيانا لتعصف به.
وبالإضافة إلى هذه الضمانات الدستورية، صادقت مصر على العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية *الذى يضمن الحق فى حرية التعبير فى المادة 19 التى تنص :
1 . لكل إنسان حق فى اعتناق آراء دون مضايقة.
2. لكل إنسان حق فى حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته فى التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو فى قالب فنى أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها فى الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،
(ب) لحماية الأمن القومى أو النظام العام أو المصلحة العامة أو الآداب العامة)
وكقاعدة قانونية فإن للقوانين الدولية ذات القوة الملزمة التى للقوانين الوطنية و التى يجب أن تتوائم معها متى و قعت الدولة على المعاهدات التى تفعل هذه القوانين وفقا للمادة 2 منه التى تنص:
( 1.  تتعهد كل دولة طرف فى هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين فى إقليمها والداخلين فى ولايتها، دون أى تمييز بسبب


* (  العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية - اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ فى ديسمبر 1966تاريخ بدء النفاذ: مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49 )        


العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأى سياسيا أو  غير سياسى، أو الأصل القومى أو الاجتماعى، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب.
2. تتعهد كل دولة طرف فى هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها فى هذا العهد، بأن تتخذ، طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية.
3. تتعهد كل دولة طرف فى هذا العهد:
(أ) بأن تكفل توفير سبيل فعال للتظلم لأى شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها فى هذا العهد، حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية.
(ب) بأن تكفل لكل متظلم على هذا النحو أن تبت فى الحقوق التى يدعى انتهاكها سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة، أو أية سلطة مختصة أخرى ينص عليها نظام الدولة القانونى، وبأن تنمى إمكانيات التظلم القضائي.
(ج)  بأن تكفل قيام السلطات المختصة بإنفاذ الأحكام الصادرة لمصالح
المتظلمين.).
ورغم أن الدستور فى مصر يكفل حرية التعبير بما فيها حرية الصحافة ؛ إلا أنه يترك مسئولية تقنين هذه الحرية للتشريعات الوطنية . ومن المفترض أن تحمى هذه التشريعات المبدأ الرئيسى  للحرية ؛ وتحول هذا المبدأ إلى ممارسة، إلا أن الترجمة القانونية لهذا المبدأ تتعارض مع المبدأ الدستورى نفسه ؛ وأن الصحافة فى مصر تخضع لعدد من التشريعات المقيدة لحرية التعبير والتى تنتهك المعايير الدولية لحرية الصحافة ؛ وتتمثل فى القوانين الآتية : 
·        قانون المطبوعات رقم 20 لسنة 1936 والمعدل بالقانون رقم 375 لسنة 1956 والقانون رقم 97 لسنة 1992.
·        قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 والتعديلات المختلفة التى أُدخلت عليه خاصة بالقانون رقم 29 لسنة 1982 والقانون رقم 199 لسنة 1983 والقانون رقم 97 لسنة 1992 والقانون رقم 93 لسنة 1995 ( والقانون رقم 95 لسنة 1996) .
·        قانون المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971 والمعدل بالقانون رقم 1 لسنة 1998.
·        القانون رقم 313 لسنة 1956 بحظر نشر أية أخبار عن القوات المسلحة والمعدل بالقانون رقم 14 لسنة 1967 .
·        قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 والمعدل بالقانون 36 لسنة 1979. والقانون 144 لسنة 1980.
·        قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 وتعديلاته.
·        مواد فى قوانين الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ، العاملون بالدولة ، الأزهر.
·        قانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة .

قانون الصحافة رقم 156 لسنة 1960

هذا القانون هو أول قانون صحافة يصدر فى مصر بعد ثورة 1952، وصدر فى 24 مايو1960 بهدف «تحرير الصحافة من سيطرة الرأسمالية»، ووفقا لهذا القانون، نقلت ملكية جميع الصحف الهامة فى ذلك الوقت إلى الحكومة فى إطار »الاتحاد القومى» الذى أطلق عليه فى وقت لاحق «الاتحاد الاشتراكى »، وقد شدد  هذا القانون الرقابة الحكومية على الصحف، وحول الصحافة إلى صحف دعاية للنظام الحاكم . كما اشترط موافقة الاتحاد الاشتراكى لإنشاء أى صحيفة جديدة، كما ألزم الصحفيين بالحصول على تصريح بالعمل من الاتحاد الاشتراكى ، وقبل صدور هذا القانون فى عام 1960، كان تأسيس الصحف فى مصر يتم عن طريق إخطار كتابى إلى المحافظة التى توجد بها الصحيفة، وذلك وفقا للمرسوم رقم 68 لسنة 1931 . وأعاد القانون 156 لعام 1960 تفعيل الالتزام بالترخيص لإنشاء وسائل الإعلام المطبوعة، وهى الممارسة التى كانت متبعة قبل 1931 .


قانون الصحافة رقم 93 لسنة 1995


وهو القانون الذى أطلق عليه الصحفيون  « قانون اغتيال الصحافة » ، وقد صدر هذا القانون بطريقة متسرعة ، ولم تتم مناقشته من قبل نقابة الصحفيين، بما يعكس غطرسة السلطة وصلفها لإخضاع الصحافة وتدجينها وإدخالها صاغرة إلى حظيرة الدولة والضغط عليها لتفقد مصداقيتها أمام الرأى العام، فى نظرة ضيقة تناست أن الصحافة ليست ملك القائمين عليها إنما هى صحافة وطن  .
 وقد اقترحت الحكومة هذا القانون على البرلمان يوم 20 مايو1995، وتمت دعوة أعضاء اللجنة الدستورية والتشريعية لمجلس الشعب بشكل عاجل يوم 27 مايو دون إخطارهم بطبيعة المشروع الذى سيتم عرضه على المجلس وإقراره خلال ساعات ، وفى مساء 27مايو1995 وافق البرلمان المصرى على القانون، الذى وقعه الرئيس فى نفس الليلة، ونشر فى الجريدة الرسمية فى صباح اليوم التالى،
 والذى أعلنته د.فوزية عبدالستار رئيسة اللجنة أن المشروع بالغ الأهمية، وأنه يستهدف الحفاظ على حقوق وحريات الأفراد وبصفة خاصة حقهم فى رد الشرف والاعتبار، كما يحمى ويؤكد حماية حرمة الحياة الخاصة، وأوضحت أن المشروع يتسم بعدة سمات مثل إدخال أفعال غير مؤثمة إلى دائرة التجريم، وتشديد العقوبات وإلغاء الحبس الاحتياطى للصحفيين باعتباره تمييزا لهم، وأنه من الأفضل بل من الواجب إلغاء هذا التمييز تكريسا لاحترام مبدأ المساواة المقرر فى الدستور.
 لكن هذا لم يمنع عددا من النواب الشرفاء وأصحاب الضمير والحس الوطنى من أن يتصدوا لهذه المهزلة فى مقدمتهم النائب فكرى الجزار، الذى كشف كيف تمت دعوتهم تلغرافيا على عجل لإقرار مشروع لم يعلموا عنه شيئا، ولم يطلعوا على أى من بنوده، ووصف المشروع بالكارثة ، وأنه يصدر للانتقام من بعض الصحف وبعض الكتاب والأقلام التى تتصدى للفساد وكشف العورات، وقال: «إننى لا أطمئن إلى قانون يضاف إلى ترسانة القوانين سيئة السمعة ، وإننى أرجو أن نختم حياتنا البرلمانية وقد لا نعود إلى هذه القاعة مرة أخرى بكلمة حق نعبد بها الله».
 وقال النائب أحمد طه إن هذا القانون المعروض هوتضييق لا يمكن أن يكون لصالح حرية الرأى أو لصالح الشعب أو لصالح المستقبل ولا أوافق عليه وأرفضه

ووصف النائب كمال خالد المشروع بأنه بكل المعايير أبشع وأسوأ قانون عرض على مجلس الشعب ، لأنه قانون قمع وإرهاب لكل صاحب قلم وكل صحفى فى مصر سواء كان مؤيدا أو
معارضا. وتساءل نائب التجمع لطفى واكد: ما السبب المباشر الذى أدى إلى سقوط هذا القانون على هذا المجلس بهذه السرعة ، كما لو كان سقط بالبراشوت ، وقال إننى أعتبر هذا القانون لغماً يوضع فى جسد هذا النظام، ولهذا فإننى باسمى وباسم الهيئة البرلمانية لحزب التجمع نرفض هذا القانون.
وانفجر الموقف وتفجر الغضب فى الصدور ، وتوالت اتصالات أعضاء المجلس والتشاور مع عدد من النقابيين ورموز المهنة، وزحف الجميع على النقابة بغير موعد وقرر أعضاء المجلس عقد اجتماع طارئ يوم 29 مايو 1995 وكان الأستاذ  النقيب إبراهيم نافع فى مهمة خارج مصر . وحالت ظروف طارئة دون حضور جلال عيسى النقيب بالإنابة من رئاسة الاجتماع، فتم عقد الاجتماع برئاسة الأستاذ محمد عبد القدوس الوكيل الثانى، واتخذ المجلس مجموعة من القرارات التى حكمت مسار المواجهة .

ومنها الدعوة لعقد جمعية عمومية طارئة فى 10 يونيو يسبقها مؤتمر عام للصحفيين فى الأول من يونيو والذى حضره حوالى 1500 صحفى، واعتصام احتجاجى يوم 6 يونيو لمدة 5 ساعات بمقر النقابة ، شارك فيه مئات الصحفيين من كل المؤسسات والأجيال والاتجاهات ، فى أكبر حركة احتجاجات شهدتها النقابة على مدى تاريخها، وغطى الصحفيون جدران نقابتهم بالرايات السوداء ، ونشروا القائمة السوداء بأسماء النواب الذين تزعموا تمرير هذا القانون، وأقاموا جنازة رمزية شيعوا فيها حرية الصحافة، وتوالت مبادرات الغضب فقد احتجبت صحف الوفد والشعب والأحرار يوم الجمعة 2 يونيه، والحقيقة السبت 3 يونيه، والأهالى الأربعاء 7 يونيه، وقررت بعض الصحف تنظيم حركات اعتصام بكامل محرريها بحديقة النقابة، كما عقد رؤساء أحزاب وتحرير صحف المعارضة اجتماعا بحزب الوفد مساء الاثنين 29 مايو الذى تقرر فيه تنظيم حركة احتجاب الصحف ، واجتمع رؤساء تحرير صحف المعارضة يوم الأربعاء 7 يونيه تم الاتفاق فيه على مواصلة الحملة على الفساد، ثم الأربعاء 14 يونيه أعلنوا فيه الالتزام الكامل بقرارات الجمعية العمومية للصحفيين.


رسالة هيكل:

«جمعيتنا العمومية بعد غد السبت.. مازلنا ننتظر كلمتك "رسالة بعث بها  يحيى  قلاش إلى الأستاذ هيكل عبر الفاكس، واستجاب الأستاذ هيكل  وطلب منه الحضور إلى  مكتبه قبل ظهر الجمعة ، وعندما ذهب إليه بادره قائلا : "طلبت كلمتى وعدت إلى مكتبى فى يوم عطلة لكى أكتبها، فلك ما طلبت وأنت مؤتمن عليها«.

كان نص كلمة هيكل التى ألقاها  يحيى قلاش خلال أعمال الجمعية العمومية هو:

«إن هذا القانون استفزنى كما استفزكم ، واستفز الرأى العام وحملة الأقلام وكل القوى السياسية والنقابية والثقافية فى البلد، وأشهد آسفا أن وقائع إعداد القانون كانت أقرب إلى أجواء ارتكاب جريمة منها إلى أجواء تشريع عقاب، وأنه يعكس أزمة سلطة شاخت فى مواقعها، وأنه سلسلة من التصرفات والسياسات لا تساعد على تماسك البناء الاجتماعى، وانتظام الحركة السياسية وملاقاة عصور متغيرة»
واختتم هيكل كلمته: «لقد أحزننى تصريح منسوب للرئيس منشور فى كل صحف أمس ـ الخميس ـ نسب فيه قوله بأنه إذا التزم الصحفيون بميثاق الشرف فإن القانون الجديد ينام من نفسه، وأنه مع كل الاحترام لمقام رئاسة الدولة ، فإن القوانين لا تعرف النوم وإنما تعرف السهر، وهى لا توضع لتنام بكرم العفو وبسحر المغناطيس، وإنما قيمة القانون أن تعلو حركتها الذاتية فوق إرادات الأفراد».
ثم بدأ مسار البحث عن حل، وتسلم فى الكواليس الدكتور أسامة الباز ملف الأزمة وبدأ اتصاله بعدد من كبار الصحفيين والنقابيين للبحث عن صيغة للخروج من هذه الأزمة.
وبدأت دعوة مجلس النقابة للقاء عدد من المسئولين، فكان اللقاء مع وزير الداخلية صباح الثلاثاء 13 يونيو ثم مع وزير الإعلام السبت 17 يونيه الذى مهد للقاء الرئيس مبارك فى 21 يونيه 1995 ، وكان هذا هو اللقاء الأول، حيث تم لقاء ثانٍ فى يونيه 1996 حضره مع أعضاء المجلس كل النقباء والنقابيين السابقين وكان فى مقدمتهم كامل زهيرى وحافظ محمود .

انعقاد مستمر :

وعلى مدار أكثر من عام ظلت الجمعية فى حالة انعقاد مستمر ساهرة على رعاية قراراتها وتحقيق هدفها الرئيسى بإسقاط القانون وتوحد الإيقاع، ولم تتعارض ـ لحظة ـ حكمة الكبار مع ثورة الشباب، واستغلت النقابة مساندة قوى كثيرة لها فى معركتها ، ونوّعت فى وسائل حركتها باستغلال النشر فى الصحف فى سيل مقالات لم يتوقف، وإعداد مشروع قانون بديل دخلنا به مواجهة مع لجنة مشتركة أغلب عناصرها حكومية ، ودارت معركة لتُعيد بعض التوازن إلى تشكيلها، ثم عقد المؤتمر العام الثالث للصحفيين فى سبتمبر 1995 والذى خرج بتوصيات مهمة لملامح الخطوط العريضة لأى مشروع بديل يمكن أن يقبله الصحفيون .

قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996


نجح الصحفيون فى إلغاء  القانون 93 ، وصدور القانون 96 لسنة 1996 وهو القانون الذى ينظم مهنة الصحافة الآن ؛ إلا أنه  لم يعالج المشاكل الرئيسية التى تواجه حرية الصحافة فى مصر بل عالج فى العديد من مواده التشريعات التى تحمى الصفوة الإعلامية والسياسية والاقتصادية  ، ولا تراعى الحقوق المهنية للصحفيين ولا الحقوق الاتصالية والمعرفية للأفراد والجماعات فقد نص القانون على عقوبة السجن :
·        السجن لمدة عام كعقوبة للصحفيين بتهمة »التعرض للحياة الخاصة للمواطنين»، و«الطعن فى إيمان الآخرين» أو«تناول مسلك المشتغل بالعمل العام أو الشخص ذى الصفة النيابية العامة ».
·        السجن لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ودفع غرامة تتراوح ما بين ألف وأربعة آلاف جنيه للصحفيين ، الذين يمتنعون عن نشر تصويب للبيانات الكاذبة أو الوقائع التى سبق أن نشرت فى صحفهم .
·        السجن لمدة لا تتجاوز سنة أو بغرامة تتراوح ما بين خمسمائة جنيه وألفى جنيه على الصحفيين أو الصحف التى تقبل تبرعات أو مزايا خاصة من أى كيانات أجنبية، أو ترفع معدلات الرسوم على الإعلان .
·        السجن بحد أقصى ستة أشهر وغرامة تتراوح ما بين خمسمائة جنيه وألف جنيه، أو أى من العقوبتين للممثل القانونى للصحيفة فى حالة تغيير أى من البيانات التى وردت فى الإخطار بإصدار الصحيفة بعد الحصول على الترخيص.
  فمبدأ الحبس منصوص عليه صراحة من خلال مواد قانون الصحافة وبوضوح بوصفه عقابا للصحفيين .
   وأعطى الحق للدولة لفرض سيطرة محدودة على الصحافة فى حالات الطوارئ أو فى زمن الحرب من أجل السلامة العامة أو الأمن القومى .
كما أوجد  قيودا أخرى على حق الأفراد فى امتلاك الصحف، حيث إن المادتين 42 و45 تحددان الملكية للأحزاب السياسية والشخصيات الاعتبارية العامة أو الخاصة فقط ، ويعتبر هذا القيد انتهاكا واضحا للحق فى حرية الصحافة بشكل عام ، لأن حرية الصحافة تعنى، فى المقام الأول الحق إصدار الصحف بحرية، ومنع الأفراد والجماعات من تأسيس صحف هى نتيجة مباشرة لتقييد حرية الصحافة ، كما أن هناك تناقضا واضحا بين المادتين 42 و45 من القانون من ناحية، والدستور المصرى الذى يكفل فى المادة 47 الحق فى التعبير عن الرأى لجميع الأفراد من خلال جميع وسائل التعبير المختلفة من ناحية أخرى .

جرائم الصحافة والنشر فى قانون
 العقوبات المصرى رقم 58 لسنة 1937 *


  * الجزء الخاص بجرائم الصحافة والنشر فى قانون العقوبات المصرى رقم 58 لسنة 1937 مأخوذ من (حسين عبد الرازق  - ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر العام  الرابع للصحفيين «23 – 25 فبراير2004 » - الصحافة المصرية ؛ القيود والتشريعات وتحديات التحديث والمنافسة )  .  
 
   أول وأخطر هذه القوانين هو قانون العقوبات المصرى ، الذى لم يكتف بإفراد باب خاص للجرائم التى تقع بواسطة الصحف ( الباب الرابع عشر) يحتوى على 30 مادة، بل انتشرت المواد التى تعاقب الصحف والصحفيين فى عديد من الأبواب الأخرى .
فالمادة 80 (د) تعاقب كل مصرى أذاع عمدا فى الخارج أخبارا أو بيانات أو شائعات كاذبة أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد ، وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية للدولة أو هيبتها أو اعتبارها ، أو باشر بأى طريقة كانت نشاطا من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد . فيستحيل تحديد إذا ما كان هذا الخبر أو البيان حول الأوضاع الداخلية مغرضا أو أن من شأنه إضعاف الثقة فى الدولة أو هيبتها أو اعتبارها من عدمه.

وبالتالى فالمطلوب أخذ المواطنين (الصحفيين خاصة) بالظن والتخمين . ويضع هذا النص كل ما يكتبه عديد من الصحفيين تحت طائلة العقاب . فالحديث فى القنوات الفضائية والنشر فى الصحف العربية التى تصدر فى لندن وباريس  حول العجز فى الميزان التجارى والمغالاة فى سعر صرف الجنيه المصرى ، والفساد ، وتزوير الانتخابات، يصبح مؤثماً طبقا لهذه المادة . والمادة 86 مكرر فقرة ثالثة تعاقب كل من روّج بالقول أو الكتابة أو بأى طريقة أخرى ، أو كل من حاز بالذات أو بالواسطة أو أحرز محررات أو مطبوعات أو تسجيلات تتضمن ترويجا أو تحبيذا للأغراض الواردة فى الفقرة الأولى ، وهى إنشاء أو تأسيس أو تنظيم أو إدارة – على خلاف أحكام القانون – جمعية أو هيئة أو منظمة أو عصابة  يكون الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها .. أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى ..».

وقد أضيفت إلى قانون العقوبات بالقانون رقم 97 لسنة 1992 المعروف بقانون مكافحة الإرهاب . وهى تعاقب على الدعوة لتعديل الدستور أو القوانين حتى ولو كانت سلمية، وعلى الإضرار بالسلام الاجتماعى دون تحديد المقصود بالسلام الاجتماعى، وتطبق هذه المادة على الجرائم التى تقع بواسطة الصحف، وتجيز تطبيق إجراءات التحفظ المنصوص عليها فى المادة 7 من قانون محاكم أمن الدولة (التحفظ لمدة سنة قابلة للتجديد لخمس  سنوات فى مكان أمين ) ، وتعطى الشرطة الحق فى الاحتفاظ بالمتهم  فى قبضتها قبل تقديمه للنيابة العامة لمدة 11 يوما ، وتجيز حبسه احتياطيا لمدة ستة أشهر

والمادة 174 تعاقب على التحريض على قلب نظام الحكم أو على كراهيته أو الازدراء به وتحبيذ أو ترويج المذاهب التى ترمى إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية.
والمادة 177 تعاقب على التحريض على عدم الانقياد للقوانين أو تحسين أمر من الأمور التى تعتبر جناية أو جنحة بحسب القانون.
   وهذه المادة الأخيرة نموذج للمواد التى تحتوى عبارات يصعب تحديد معناها والمقصود بها مثل «النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية» ، فالمشرع لم يحدد ما يعنيه بهذه العبارة ، كما لم يفصح عن كنه المبادئ الدستورية مناط التجريم ، أو المراد بكراهية نظام الحكم أو الازدراء به. وتضفى حصانة على ما هو موجود من قوانين وضعت لتواجه ظروفا معينة تتفق مع الأوضاع التى وضعت لها هذه القوانين ، وتجريم نقد هذه القوانين والدعوة إلى تعديلها يعوق كل تطور. فالإنسانية لم تعرف دستورا أو قانونا بشريا يستعصى على التعديل ويسمو على التغير، ويستحيل تأثيم نقد القوانين ولا المطالبة بإلغائها وتجريم الآراء التى تكشف مثالبها ، فمن يستطيع أن يضع الحد الفاصل بين النقد المباح للقوانين وبين التحريض على عدم الانقياد لها . فالتحريض كلمة تنطوى على قدر من الغموض يجعلها تستغرق غيرها و يلتبس بها سواها . فربّ نقد قارص العبارات يفهم منه أنه تحريض. وربما إظهار عيوب قانون يترجم على أنه دعوة صريحة للعصيان .
ويقول د.عماد النجار رئيس محكمة إستئناف القاهرة الأسبق فى كتابه « النقد المباح» «إن الذهن يحار فى معرفة حقيقة مدلول الكثير من العبارات . فما يراد بكراهية نظام الحكم أو الازدراء به . وكيف يمكن التمييز بين هذه المعانى وبين ما هو مباح من نقد الأعمال الحكومية خدمة للصالح العام . فما المانع لدى القاضى إذا شاء الاعتساف فى التطبيق أن يأخذ بحكم الكراهية والازدراء كل منتقد للحكومة ، حيث إن الحدود بين النقد والكراهية والازدراء حدود مبهمة وغامضة يصعب بشكل حاسم الوقوف عليها» .
أما المادة 102 مكرر عقوبات والتى تعاقب على إذاعة أخبار أو بيانات أو شائعة كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات ، إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة . . فهى نموذج للمواد التى تمت صياغتها فى عبارات يصعب تحديدها . فقد أضيفت هذه المادة بالقانون رقم 112 لسنة 1957 ( وعدلت بالقانون رقم 34 لسنة 1970 ) ، وتعترف المذكرة الإيضاحية للقانون بأنها « مستمدة من أحكام الأمر العسكرى رقم 46 لسنة 1952 الصادر فى 20 سبتمبر 1952 أى أمر عسكرى عرفى فى ظل الأحكام العرفية . وإذا كان من اليسير تحديد مدى كذب الخبر أو صدقه ، فإنه من العسير حقا معرفة متى يكون الخبر أو البيان سببا فى تكدير الأمن العام أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة أو إثارة الرعب بين الناس » . فالمعنى الوحيد لهذا النص أخذ الناشرين بالتخمين والحدس فى مقام الجزم واليقين .
وتنطبق نفس الأسباب على المواد 176 ( التحريض وتكدير السلم العام) و178 مكرر ثانيا ( الإساءة إلى سمعة البلاد بمخالفة الحقيقة أو بإعطاء وصف غير صحيح أو بإبراز مظاهر غير لائقة أو بأية طريقة أخرى .. ) و188 ( كلّ من نشر بواسطة إحدى الطرق المتقدم ذكرها أخبارا كاذبة أو أوراقا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا إلى الغير، إذا كانت تتصل بالسلم أو الصالح العام . . فإذا كان النشر المشار إليه قد ترتب عليه تكدير السلم العام أو الإضرار بالصالح العام . أو كان من شأنه هذا التكدير أو الإضرار ..)
  أما المواد 179و181و182و184و186 فجميعها تعاقب على جرائم العيب والإهانة والإخلال بالمقام . وهى جرائم منقولة عن التشريع الفرنسى فى عهد ديكتاتورية لويس نابليون وألغيت تماما فى فرنسا منذ عام 1891 ، إذ إن جرائم العيب والإهانة والإخلال بالمقام من الصعب تحديدها بصورة قاطعة، ويمكن أن يعتبر أى نقد إهانة أو عيبا «وهو ما يمكن أن يمسك بتلابيب أى كاتب ما لم يكن شديد الحرص واليقظة والتوفيق فى عباراته »، وتقول المحكمة الدستورية العليا فى حكم لها فى القضية رقم 3 لسنة 10 قضائية « دستورية » : « لكل جريمة عقوبة محددة منصوص عليها فى القانون أو مقررة وفق الحدود المبينة فيه . ومن القواعد المبدئية التى يتطلبها الدستور فى القوانين الجزائية أن تكون درجة اليقين التى تقوم بتنظيم أحكامها فى أعلى مستوياتها ، وأساس ذلك ما تفرضه القوانين من قيود خطرة على الحرية الشخصية . ومن المتعين لهذه الحرية أن تكون الأفعال التى تؤثمها هذه القوانين محددة بصورة قاطعة غير مجهّلة ، إذ إن التجهيل بها لا يجعل المخاطبين بها على بيّنة من الأفعال المنهى عنها ، ومؤدى غموض النص العقابى الحيلولة بين محكمة الموضوع وبين إعمال قواعد محددة لأركان الجريمة وعقوبتها دون خفاء . . مما يوقع المحكمة فى محاذير تنتهى بها إلى ابتداع جرائم لم يقصدها المشرع ».
   وتقضى المادة 200 فى حالة الحكم على رئيس تحرير جريدة أو المحرر المسئول أو الناشر أو صاحب الجريدة فى جناية ارتكبت بواسطة الجريدة وفى بعض الجرائم الأخرى بتعطيل الجريدة . وتتعدد المواد القانونية التى تفرض أو تجيز الحكم بتعطيل أو إلغاء الصحف ( المواد 198و199 عقوبات ، المادة 17 من قانون الأحزاب ، المادة 49 من القانون 96 لسنة 1996).
هذه المواد جميعا تمثل خطأ تشريعيا فاضحا فى القوانين المصرية ، فهى تؤدى إلى  « ازدواجية العقاب »، فتجعل للجرم الواحد عدة عقوبات ، وتمتد إلى توقيع عقوبات جماعية تتمثل بصورة واضحة فى توقيع عقوبة إضافية فى حالة ارتكاب صحفى لبعض جرائم النشر كالحكم بتعطيل أو إلغاء الصحيفة . وهكذا لا يكتفى القانون بالحكم على الصحفى أو رئيس التحرير أو الناشر إنما يمتد للحكم على الصحيفة بالتعطيل أو الإلغاء متجاهلا أن الأصل فى العقاب أن يكون شخصيا ، بمعنى ألا توقع العقوبة إلا على مرتكب الجريمة أو من ساهم فيها فحسب دون أن تمتد مباشرة إلى غيرهما  و هو ما يعرف بمبدأ شخصية العقوبة .
وتعطيل الصحيفة أو إلغاؤها يصيب جموع العاملين فيها من عمال وإداريين وصحفيين بالعقاب ، كما أنها تتعدى بأضرارها إلى أصحاب الصحيفة بل ودائنيها الذين يتعسر حصولهم على ديونهم نتيجة لهذه العقوبة ، فيتحمل هؤلاء جميعا أوزار غيرهم ، ويعاقبون بذنب لم يرتكبوه أو يساهموا فى ارتكابه .
المادتان 124 و124 أ تفرضان عقوبة على موظفى الدولة والمستخدمين العموميين إذا ما لجأوا للإضراب عن العمل ، وكذلك كلّ من «حرّض» على الإضراب حتى ولو لم يترتب على تحريضه أو تشجيعه أية نتيجة ، أو«حبذ» الإضراب « ويعد من وسائل التحبيذ إذاعة أخبار صحيحة أو كاذبة عن هذه الجرائم بإحدى الطرق المنصوص عليها فى المادة 171 » .
   ومع أن هاتين المادتين قد تم نسخهما عمليا بتوقيع الحكومة المصرية على الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتصديق عليها ، ونشر قرار رئيس الجمهورية فى العدد 14 من الجريدة الرسمية بتاريخ 8 إبريل 1982 ومن ثم إباحة حق الإضراب ، وهو ما أكده حكم القضاء فى 16 إبريل 1987 ( محكمة أمن الدولة العليا فى حكمها ببراءة 37 من سائقى السكك الحديدية الذين قادوا إضرابا شاملا يومى 7و8 يوليو1986) وفى مارس 1991 (حكم المحكمة التأديبية بمجلس الدولة فى قضية إضراب عمال مصنع سجاد الجمعية التعاونية للصناعات الإدارية بالمحلة الكبرى ) والذى نص على أن «الإضراب قد أصبح منذ سريان أحكام الاتفاقية الدولية حقا من الحقوق المكفولة للعاملين بالدولة. . » وأضاف أنه «لا يسوّغ أن يكون الموقف السلبى للمشرع مبررا للعصف بهذا الحق » .
إلا أن المادتين تعاقبان على التحريض  والتحبيذ ، وتقع المادة 124 أ فى فقرتها الثالثة فى خطأ دستورى عندما تفرض عقابا على إذاعة أخبار صحيحة ! !
وتحمل المادتان 302 و303 من الباب السابع من قانون العقوبات واللتان تتناولان جريمة السب والقذف ، القاذف مسئولية إثبات صحة الوقائع المقذوف بها، ولا تعتبر حسن النية واعتقاد القاذف بمشروعية هذا الفعل سببا كافيا للإباحة بالنسبة للقذف فى حق الموظف العام أو الشخص ذى الصفة  النيابية العامة أو المكلف بخدمة عامة . . متناقضة فى ذلك مع مجموعة من القواعد الفقهية المستقرة  وهي:
أ. استقرت الدساتير المعاصرة ومنها الدستور المصرى على أن المسئولية الجنائية عن الجرائم ينظمها أصل دستورى يعرف بقرينة البراءة ، ومؤدى هذا المبدأ أن المتهم يعتبر بريئا حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تتوافر فيها كافة ضمانات الدفاع عن النفس . « والمقتضى الدستورى لهذه القرينة أن المسئولية عن الجريمة لا تلحق إلا بمن يثبت يقينا أنه اقترفها أو ساهم وفقا للقانون فى ارتكابها . وهذا معناه ضرورة معاملة المتهم طيلة المراحل التى تمر بها الدعوى العمومية على أنه برئ حتى يقول القضاء كلمه الفصل فى إدانته ، لأنه بصدور حكم الإدانة يتأكد خروجه من أصل مصاحب له افتراضا إلى استثناء صار مؤكدا من جانبه بعد محاكمة مشهودة توافرت له فيها كافة مكنات الدفاع عن نفسه ، وجميع فرص تفنيد ما وُجه إليه من أدلة اتهام أو إثبات .
ويتفرع من هذا المبدأ وفقا لذلك التصور نتائج متعددة ، فمن ناحية لا يجوز للمشرع تجشيم المتهم عبء إثبات براءته ، لأنها مصاحبة له جريا على الأصل ، ويكون على جهة الاتهام باعتبارها تدعى خلاف الأصل أن تقيم الدليل عليه ، ولا يجوز له – تبعا لذلك – أن يعفى جهة الاتهام من هذا العبء ، فهو يقع عليها بمقتضى هذه القرينة كاملا غير منقوص ، بمعنى أنه لا يتوقف عند حد قيامها بإثبات  نسبة الجريمة إلى المتهم ، وإنما يكون عليها إثبات توافر جميع أركان الجريمة ، وكافة عناصر كل ركن منها ، فضلا عن قيامها . بإثبات أى سبب من أسباب الإباحة ، أو أى مانع من موانع العقاب أو المسئولية ، إذا ما دفع المتهم بتوافره من جوانبه ».
يقول د. أحمد فتحى سرور فى كتابه « الحماية الدستورية للحقوق والحريات» صفحة 750 . . « إذا كان عبء إثبات التهمة يقع على النيابة العامة بوصفها ممثلة الادعاء ، إلا أن ذلك ليس معناه أن مهمتها مقصورة على إثبات التهمة فقط، لأن وظيفة النيابة هى إثبات الحقيقة بجميع صورها، وعلى المحكمة أيضا أن تبحث بنفسها من خلال إجراءات المحاكمة عن هذه الحقيقة دون أن تجشم المتهم عبء إثبات البراءة . فهذه البراءة أمر مفترض ولا محل لإثباتها أمام المحكمة » .
    ويضيف الدكتور محمد باهى أبو يونس فى كتابه «التقييد القانونى لحرية الصحافة» صفحة 441 قائلا: « النيابة لا تقف فى هذه الحالة كما يتصور البعض مكتوفة الأيدى فى الإثبات ، فهى تلعب دورها كاملا غير منقوص وتقوم بدور إيجابى بما تملكه من صلاحيات وسلطات . ذلك أن الصحفى كل دوره أن يقدم بيانا بالأدلة على صحة وقائع القذف مثل صور المستندات وأسماء الشهود . وبعد ذلك يترك الأمر للنيابة التى تقوم بتحقيق هذه الأدلة حيث تستخدم سلطتها لاستدعاء الشهود وطلب أصل المستندات الدالة على صحة وقائع القذف وتحقيق هذه المستندات ، ومن ثم يكون دورها مكملا لدوره فى الإثبات ومعينا له فى الدفاع أمام قضاء الحكم » . ويضيف: «إذا كانت النيابة هى خصم فى الدعوى العمومية فإنها خصم شريف ليست غايته الانتقام من المتهم وإنما إظهار الحقيقة سواء كانت لصالحه أم ضده . ومن هنا فإن ما تجعله من أدلة يعد امتدادا لحقه فى الدفاع المكفول دستوريا له أصالة أو وكالة  .
ويكتسب الدور الذى تلعبه النيابة العامة أهمية خاصة فى مجال الصحافة لاسيما حين يكون الشخص العام المطعون فى عمله بواسطة الصحيفة على قمة الجهاز الإدارى ، فى هذه الحالة سوف يستخدم سلطته للحيلولة دون حصول الصحفى على الأدلة المؤيدة لصحة ما نشره . وهنا سوف تقصر وسائله فى الإثبات ويصعب عليه من الموضوعية – ولا نقول موضوعية كاملة – ينفى سوء النية ».
وقد قضت محكمة النقض –فيما يتعلق بمسئولية النيابة العامة والمحكمة فى الإثبات – فى حكمها الصادر فى 15/6/1965 فى الطعن رقم 4 لسنة 35 قضائية: « ليس لمحكمة الجنايات أن تستند فى إثبات عدم مسّ الطاعن بعاهة عقلية إبان محاكمته إلى القول إنه لم يقدم من جانبه دليلا على ذلك ، لأن واجب المحكمة فى مثل هذه الصورة صيانة لحقه فى الدفاع أن تتثبت هى من أنه لم يكن مصابا بعاهة عقلية إبان محاكمته لا إلى القول إنه لم يقدم من جانبه دليلا على ذلك ، لأن واجب المحكمة فى مثل هذه الصورة صيانة لحقه فى الدفاع أن تتثبت هى من أنه لم يكن مصابا بعاهة فى عقله وتمت محاكمته ، ولا تطالبه هو بإقامة الدليل على صدق دعواه وتقديم برهانه بين أيديها . . ».
ويضيف د. أحمد فتحى سرور فى كتابه « الشرعية» صفحة 201 أن «عبء الإثبات يقع على عاتق النيابة كاملا غير منقوص ، بمعنى أن يكون عليها أن تثبت الجريمة بركنيها المادى والمعنوى ، وتدلل أيضا على انتفاء أسباب الإباحة وموانع العقاب والمسئولية فى جانب المتهم ، بحيث إذا تمسك هذا الآخر بأى من هذه الأسباب والموانع ، فإنه لا تقع عليه مسئولية إثبات صحته ، وإنما يقع عبء ذلك كله على النيابة العامة ».
  إن اشتراط المشرّع لإباحة القذف فى حق ذوى الصفة العمومية إثبات أمرين، صحة الوقائع المقذوف بها وحسن النية خروج على القواعد العامة للإباحة. ذلك أن حسن النية وفقا للقواعد العامة يكفى وحده سببا للإباحة وعدم العقاب ، حيث يكفى لإعمال أثره المبيح للفعل الإجرامى أن يعتقد الشخص مشروعية هذا الفعل ، وأن يكون اعتقاده هذا قد أسس على أسباب يقرها العقل. تقول محكمة النقض فى حكمها بتاريخ 11/11/1946م « إن حسن النية سبب عام لإباحة الجرائم عموما ومنها جريمة القذف ، إذا صدقت نية الفاعل واعتقد مشروعية فعله» ، وتوالت أحكام محكمة النقض بعد ذلك مؤكدة أن «ركن حسن النية فى جريمة القذف هو أن يكون الطعن صادرا عن حسن نية أى الاعتقاد بصحة وقائع القذف ولخدمة المصلحة العامة لا عن قصد التشهير والتجريح» (نقض22/12/1959 سنة 10 قضائية.  نقض  16/1/1962م ، نقض فى 7/4/1969).
وقد يكون من المفيد هنا الإشارة إلى حكم المحكمة العليا الأمريكية فى قضية نيويورك تايمز، ففى قضية new york time أرست المحكمة العليا  supreme caurt عدة مبادئ هامة فى هذا الصدد ، وتتلخص وقائع القضية فى أن الصحيفة المذكورة نشرت تعليقا ضد الاضطهاد العنصرى فى إحدى مدن ولاية ألاباما Alabama وبالذات فى مدينة مونتجمرى Montgomry والتى نشبت فى غضون 1960 ، وتضمن هذا التعليق أن رئيس شرطة المدينة لم يترك حرسا حول الجامعة التى حدث بها الشغب (ثبت أنه كان قد ترك بعض الحراس وإن كان حرسا غير كافٍ) ، كما تتضمن أنه اعتقل قائد الزنوج سبع مرات ( وثبت أنه اعتقله 4 مرات فقط) . وذلك مما أدى إلى وقوع حوادث الشغب فى الجامعة التى اعترض خلالها البيض من الطلاب على قبول الجامعة لبعض الزنوج السود للدراسة بها.
فقام رئيس الشرطة برفع دعوى ضد الجريدة لهذا التشهير وحكمت محكمة الولاية بحكم تأيد من المحكمة العليا للولايةُ ويقضى بتعويض قائد الشرطة بمبلغ نصف مليون دولار نتيجة لما حدث له من الإساءة إلى سمعته. فطعنت الجريدة فى الحكم أمام المحكمة العليا للولايات المتحدة، والتى قامت بإلغاء الحكم مرسية عدة مبادئ فى حرية الرأى والتعبير:
1- أن الإعلان عن هذا الرأى كان استعمالا لحرية التعبير .
2-أن البيان الخاطىء لا يمكن تفاديه فى المناقشة الحرة كما أن تناول السمة الرسمية لا يمكن تجنب الإضرار بها حال نقدها، فإذا ارتُكب شيء من ذلك بأمانة فلا ينبغى أن يمس ذلك حرية الكلام وحق النقد.
3- أنه لا يمكن للموظف الرسمى أن يحصل على تعويض لتشويه سلوكه الرسمى إلا إذا أثبت أن مانُسب إليه كان كاذبا وبسوء قصد، فلا يكفى مجرد الكذب وإنما يتعين أن يتوافر سوء القصد لدى صاحب التعليق. وقد أوضح الحكم أن المتهمين لا علم لهم بكذب البيانات التى نشروها، ومن ثم فإن حسن النية يكون ثابتا لديهم وليس عليهم بعد ذلك من سبيل ، ولا بأس من سلوكهم فى النقد تبعا لذلك.
4- أن التعليق على مسلك رئيس الشرطة لم يكن له طابع شخصى، وإنما كان منصرفا فى جملته إلى نشاطه كرئيس الشرطة وليس إلى شخصه بالذات، وهو ما يجعله مشروعا ومبررا.
ج- تشير المواثيق الدولية إلى قيود صريحة على حرية التعبير من أجل حماية حقوق وسمعة الأفراد. وفى العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية تنص المادة 17 أن لكل شخص الحق فى الحماية القانونية ضد التعدى على شرفه وسمعته. وبالمثل يذكر الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى المادة 12 أنه «لا يجوز إخضاع أى شخص للتدخل المتعسف فى خصوصيته أو عائلته ، أو منزله ، أو مراسلاته ، ولا للتعدى على شرفه وسمعته» .
ولكن هذه الحماية ليست مطلقة إذا تعلقت بالصالح العام للمجتمع . ويقول د . على الغتيت مشيراً إلى أحكام النقض المستقرة .. « إن كل منْ يتصدى لعمل عام يتحمل حتما مسئولية تصديه الأدبية والقانونية، وما يلازم ذلك من التعرض لوطأة حرية الفكر والرأى على صورة أشد مما يتعرض لها الفرد العادى، الذى لم يطمع فى الامتياز على غيره بالتعرض لقيادة الناس أو إرشادهم أو الإشراف على مصالحهم أو تدبير أمورهم» .
و يذهب د. صالح منصور فى رسالة الدكتوراه المقدمة إلى الجامعة باللغة الفرنسية فى صفحة 234  نقلاً عن الفقيه « باريملى » .. « لا جدال فى أن للشخص العادى الحق المطلق فى أن يترك وشأنه ، ولكن فى ظل الديمقراطية عندما يقدم المرء نفسه إلى مواطنيه بأنه جدير بأن يحكمهم، فلا أعتقد بأن له الحق فى إقامة الحواجز والخناق داخل وجوده ، وأن يخطّ مناطق محرمة داخل شخصيته فإن منْ يهب نفسه يهبها بالكامل . وإذا كان لدى المرء أمور يرغب فى إخفائها فليس أمامه سوى أن يبقى فى حاله أو أن يقبل المخاطرة. وقضت محكمة النقض فى 6/11/1924 بأنه «من المتفق عليه فى جميع البلاد الدستورية أن الطعن فى الخصومة السياسيين بنوع عام مقبول بشكل أعمّ وأوسع من الطعن فى موظف معين بالذات . وأن الشخص الذى يرشح نفسه للنيابة عن البلاد يتعرض عن علم بأن يرى كل أعماله هدفا للطعن والانتقاد» .. ( نقض 6م11/1924 رقم 774 لسنة 41 ق ) .
ويقول د. محمد عبد الله فى كتابه جرائم النشر ص114 « درجة تحمُّل الشخص العمومى تتناسب طرديا مع نوع المسئولية وجسامتها . فكلما كان الموضوع الذى تصدى له حساسا متصلا بعواطف الجمهور ، وكلما كانت المسئولية التى يتحملها جسيمة ، وكلما زاد ما ينبغى أن يحمل من وطأة حرية الفكر فى الشئون العامة بالنسبة للرجل العام . ويجب أن يسلم بأن التصدى للمسئولية وتكاليفها الجسيمة فى الموضوع الحساس معناه التعرض بأن يحكم عليه بعض الناس وهم فى حدود حسن النية حكما مبناه إساءة الظن نتيجة للقلق الطبيعى على ما يعتقدون أنه حيوى بالنسبة لهم .. ذلك القلق الطبيعى الذى هو مظهر إدراك المواطن واهتمامه بالشئون العامة وغيرته عليها ، أو قل هو مظهر لشدة شعور المواطن بواجبه العام فى النظام الديمقراطى» .
إن التعرض للحياة الخاصة للمشتغل بالعمل العام ، ونقد أعمال وسلوكيات الموظف العام أو الشخص ذى الصفة النيابية العامة أو المكلف بخدمة عامة مباح مادام يستهدف المصلحة العامة ، دون اشتراط أن يكون هذا التعرض وثيق الصلة بأعمالهم . فحق الصحفى فى التعرض للحياة الخاصة للمشتغل بالعمل العام لا يتحدد فقط بصلة النقد بأعمال هذا الشخص ، وإنما أيضا بمسلكه الشخصى والاجتماعى الذى يؤثر ويتأثر بحجم مسئوليته العامة .
إن النقد المباح يستمد مشروعيته من كونه صورة من صور ممارسة الحق وليس من اعتدال ألفاظه ، لذلك فحتى لو اشتط الناقد فى نقده ، وحتى لو استخدم عبارات بالغة القسوة فإن ذلك ليس من شأنه إخراج النقد على حدود النقد المباح .
وقسوة عبارات النقد لا تصلح دليلا على سوء نية الناقد . وفى ذلك تقول المحكمة الدستورية العليا « إن انتقاد القائمين بالعمل العام وإن كان مريرا يظل متمتعا بالحماية التى يكفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء، بما لا يخل بالمضمون الحق لهذه الحرية ، أو يُجاوز الأغراض المقصودة من إرسائها ، وليس جائزا بالتالى أن يفترض فى كل واقعة جرى إسنادها إلى أحد القائمين بالعمل العام أنها واقعة زائفة أو أن سوء القصد خالطها » . « 6/2/93 الدعوى 37 لسنة 11 ق دستورية » .

ويقول الدكتور : محسن فؤاد فرج فى كتابه « جرائم الفكر والرأى والنشر » ص 140 :
« حق النقد حين يرد على موضوع قابل له ، يكون واسع الحدود، فالنقد يبقى ويظل على براءته ولو كان خطأ ولو حصل بعنف أو حدة » جرائم النشر ص 315 هامشى وأخذت محكمة النقض بهذا النظر وقالت فى أحد أحكامها :
« ومتى كان الحكم متضمنا ما يفيد أن المتهم كان فيما نسبه إلى المجنى عليه فى الحدود المرسومة فى القانون للنقد الذى لا عقاب عليه فلا يقدح فى صحته إن كانت العبارات التى استعملها المتهم مرة قاسية ».
« طعن 1728 لسنة 18 ق 4/1/49 مجموعة أحكام النقض جزء 2 بند 92 ص 738 » .
كما قضت محكمة النقض فى 6/11/24 بأنه :
 «حيث إن هذه المحكمة ترى أن كثيرا من العبارات الواردة فى المقالات المُشار إليها قد تعتبر من قبيل الإهانة، وأنها لو كانت موجهة إلى شخص معين فإنها تقع تحت طائلة القانون، ولكن بما أنه من المتفق عليه فى جميع البلاد الدستورية أن الطعن فى الخصوم السياسيين بنوع عام يجوز قبوله بشكل أوسع وأعم من الطعن فى موظف معين بالذات، وأن الشخص الذى يُرشح نفسه للنيابة عن البلاد يتعرض عن علم لأن يرى كل أعماله مُعرَّضة للطعن والانتقاد ، ولكن له جميع الوسائل للدفاع عن نفسه والرد على الطعون الموجهة له وتبرير أعماله . والمناقشات العمومية مهما بلغت من الشدة فى نقد أعمال وآراء الأحزاب السياسية تكون فى مصلحة الأمة التى يتسنى لها النقد المباح إلى أبعد مدى نادت المحكمة الدستورية العليا بوجوب التسامح مع الشطط فى النقد» . فقالت : « لا شبهة فى أن المدافعين عن آرائهم ومعتقداتهم كثيرا ما يلجأون إلى المغالاة، وأنه إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس فى المجال الذى لا يمكن أن تحيا بدونه فإن قدرا من التجاوز يتعين التسامح فيه، ولا يسوغ بحال أن يكون الشطط فى بعض الآراء مستوجبا إعاقة تداولها ».
« دستورية عليا فى 20/5/95 فى الدعوى 42 لسنة 16ق ».

وفى حكم آخر قالت المحكمة الدستورية العليا :
« ولا يسوِّغ بحال أن يكون الشطط فى بعض الآراء مستوجبا إعاقة تداولها ». وتقضى الحماية الدستورية لحرية التعبير ، بل وغايتها النهائية فى مجال انتقاد القائمين بالعمل العام أن يكون نفاذا لكافة الحقائق المتصلة بالشئون العامة وإلى المعلومات الضرورية الكاشفة عنها متاحا ، وألا يُحال بينهم وبينها اتقاء لشبهة التعريض بالسمعة فى غير مجالاتها الحقيقية لتزول عنه الحماية الدستورية لابد أن يقتطع من دائرة الحوار المفتوح المكفول بهذه الحماية مما يخلُّ فى النهاية بالحق فى تدفق المعلومات . وانتقاد الشخصيات العامة بمراجعة سلوكها وتقييمه وهو حق متفرع من الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المعنيين بالشئون العامة الحريصين على متابعة جوانبها السلبية وتقرير موقفهم منها .
ومؤدى إنكاره أن حرية النقد لن يزاولها أو يلتمس طرفها إلا أكثر الناس اندفاعا أو أقواهم عزما » . « قضية 337 لسنة 11 ق دستورية  6/2/93" الدفاع عن نفسه» .

ويضيف المستشار عوض المر: «لا يمكن أن يكون مطلوبا من الصحفى أن يتحقق على وجه اليقين من أن الموظف الذى يتهمه بالانحراف قد فعل ذلك فعلا، فالصحفى ليس جهة تحقيق ، وإنما هذا الإثبات اليقينى مسئولية النيابة العامة . والمطلوب من الصحفى قبل النشر أن يكون لديه قدر من المعلومات تعطى التحقيق الذى يجريه قدرا من المصداقية .

القانون رقم 147 لسنة 2006 بتعديل بعض مواد قانون العقوبات

  فى الأول من يوليو2006، تم تعديل القانون رقم 147 لسنة 2006 وتمت الموافقة على تعديل بعض مواد قانون العقوبات . وجاء القانون مخيبا للآمال  فقد تجاهلت الحكومة مطالب الصحفيين التى تضمنها مشروع القانون الذى تقدمت به النقابة، ففى الوقت الذى ألغى فيه عقوبة الحبس فى بعض المواد إلا أنه استحدث جريمة الطعن فى ذمة الأفراد التى لم تكن موجودة أصلا بقانون العقوبات، وقرر لها عقوبة الحبس والغرامة المشددة، بما يُعيد إلى القانون عقوبة الحبس على جريمة القذف من باب خلفى، كما يعنى عمليا إضفاء الحماية على الفساد والمفسدين وتحصينا لهم من النقد، ويفرض قيدا خطيرا يصل لمستوى المنع من أن تؤدى الصحافة الوطنية رسالتها ودورها فى كشف أوجه الانحراف والفساد وإهدار ثروات الشعب. كما عمل القانون على زيادة الغرامات بشكل كبير  .
وبعث الأستاذ جلال عارف رسالة بهذا المعنى إلى الرئيس مبارك، وقرر أعضاء مجلس النقابة الدخول فى اعتصام مفتوح انضم إليه بعض أعضاء الجمعية العمومية، كما قرر أكثر من 25 رئيسا لتحرير صحيفة خاصة وحزبية ـ فى سابقة مهمة فى تاريخ الصحافة المصرية ـ احتجاب صحفهم رفضا لإقحام مادة الذمة المالية التى تستهدف تكميم الأفواه وحماية الفساد والتى اشتهرت بمادة «أحمد عز!»، وقام المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادى القضاة أنذاك بزيارة النقابة ولقاء النقيب والسكرتير العام وعدد من أعضاء المجلس وأعلن تضامن القضاة مع مطالب الصحفيين، وكذلك أعلنت العديد من النقابات وهيئات المجتمع المدنى تضامنها، وتوافد على مقر النقابة نقابيون ومواطنون من مختلف المحافظات لإبداء تأييدهم، وشهد يوم 9/7/2006 الذى كان يناقش فيه البرلمان المشروع وقفة حاشدة أمام مجلس الشعب ارتدى فيها الصحفيون ملابس السجن والملابس السوداء، وارتدوا قبعات رأس مكتوباً عليها أرقام عنابر السجن، كما حملوا الأقلام المقصوفة ورفع بعضهم أيديهم وقد كبلت بالأغلال ورفعوا شعارا باللغتين العربية والإنجليزية «تسقط الصحافة ويحيا الفساد».

كما نظم مجلس النقابة ورؤساء تحرير الصحف المحتجبة فى اليوم نفسه مؤتمرا صحفيا عالميا بمقر النقابة.
وقد أدى كل هذا التصعيد وبعد أن بلغت الأزمة ذروتها، إلى إعلان د.مفيد شهاب يوم الاثنين 10/7/2006 أمام أعضاء مجلس الشعب أثناء مناقشة المشروع فى الجلسة الثانية، أن الرئيس مبارك بحكم سلطاته الدستورية وبعد متابعته واهتمامه الكبير للمناقشات المطولة التى دارت حول مشروع القانون رأى إلغاء المادة التى تقضى بالحبس والغرامة فى جرائم الطعن بالقذف فى الذمة المالية للموظف العام.
وفى 19/7/2006 أصدر مجلس النقابة بيانا أكد فيه أن إلغاء الحبس فى مواد السب والقذف والتعديلات التى جرت على بعض المواد الأخرى وإلغاء المواد التى كانت تجيز مصادرة الصحف هى مجرد خطوة على طريق إلغاء الحبس فى قضايا النشر وإزالة كافة القيود التى تُكبل حرية التعبير.

قوانين أخرى

هناك عدد من القوانين الأخرى مثل قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977، والذى يمنح لجنة شئون الأحزاب الحق فى حظر أى صحيفة حزبية فى سبيل» المصالح الوطنية العليا» - وهو تعبير غامض-، أو إذا ثبت أن الحزب ينتهك المبادئ المنصوص عليها فى المادتين 3 و4 من قانون الأحزاب السياسية وفقا للمادة 17 ، ومن الجدير بالذكر أن الصحيفة هى وسيلة أساسية للتواصل بالنسبة للأحزاب السياسية، كما أنها قناة شرعية للحزب للتعبير عن آرائه وأفكاره ومبادئه. هذا صحيح للغاية فى بلد مثل مصر، حيث إن وسائل الاتصال الأخرى غير متوافرة، ولأن الحق فى حرية تكوين الجمعيات يخضع لقيود شديدة بموجب قانون الطوارئ، كما أن المعارضة بصفة عامة محرومة من التعبير عن وجهات نظرها من خلال وسائل الإعلام المصرية التى تسيطر عليها الدولة.

قانون المطبوعات رقم 20 لسنة 1936


صدر قانون المطبوعات منذ أكثر من 70 سنة  ؛ وعندما ارتأت الحكومة عام 1978 بعض نصوص القانون جاء التعديل أكثر قيوداً . حيث تنص المادة 2 من هذا القانون على إلزام كل مطبعة بإخطار الحكومة كتابيا قبل افتتاح المطبعة، وينبغى أن يتضمن الإخطار المكتوب الاسم والعنوان وجنسية الشخص واسم وعنوان المطبعة. وتنص المادة 3 من القانون نفسه على إلزام كل مطبعة بإخطار الحكومة ، كتابة، قبل طباعة أى صحيفة، كما تنص المادة 20 بإلزام المطبعة بإرسال ست نسخ من الصحيفة إلى وزارة الداخلية، ممهورة بتوقيع رئيس تحرير الصحيفة، وذلك مباشرة بعد طباعة العدد. أيضا تحظر المادة 7 بيع أو توزيع منشورات فى الشوارع العامة أو فى المحلات التجارية من دون إذن خاص من وزارة الداخلية . وعلاوة على ذلك، ووفقا للمادة 9 يمكن لمجلس الوزراء أن يحظر أى مطبوعة صدرت فى الخارج من دخول البلاد. ولوزير الداخلية الحق نفسه وفقا لنفس القانون (المادة 21) إذا كان يعتبر أن هذه المطبوعة تهاجم الأديان، أو تشجع الأفكار غير الأخلاقية، أو لأى سبب آخر. ويسمح القانون أيضا بمصادرة الصحف.

حالة الطوارئ بموجب القانون 162 لعام 1958


يعد قانون الطوارئ تهديدا رئيسيا آخر لحرية الصحافة، حيث عاشت مصر تحته باستمرار منذ إعلان حالة الطوارئ فى عام 1981، وذلك على الرغم من وعود رئيس الجمهورية المتكررة لوضع حد لحالة الطوارئ. وتعطى المادة 148 من الدستور الرئيس حق إعلان حالة الطوارئ «لفترات محدودة» بموافقة البرلمان .

وتمنح المادة 3 الفقرة2 من القانون 162، رئيس الجمهورية الحق فى الإشراف ومصادرة الصحف والمطبوعات والنشرات الدورية والرسومات وجميع وسائل التعبير والدعاية قبل نشرها من أجل السلامة العامة والأمن القومى . ويخول المرسوم الرئاسى رقم 4 لسنة 1982 وزير الداخلية باتخاذ ما يلزم من التدابير الواردة فى القانون 162 لعام 1958 الخاص بحالة الطوارئ لتقييد عدد من الحريات، من بينها حرية التعبير .

نظرة تحليلية
لتطور العقوبات :

و بنظرة تحليلية على تطور العقوبات نلاحظ :

1-   أن المشرع المصرى  يميل باستمرار إلى إستحداث القيود القانونية على حرية  الرأى و التعبير و ذلك باستحداث جرائم جديدة أو تغليظ عقوبات قديمة أو إضافة عقوبات تكميلية منها المصادرة و إغلاق المطابع .
2-   أن الأغلبية العظمى لهذه القوانين المقيدة لحرية التعبير و الصحافة جاءت فى العهود التى ضاقت بالأصول الدستورية  للحريات و ضيقت بالذات على حرية الصحافة مع تضييقها على الحريات العامة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق