الثلاثاء، يوليو 04، 2017

ياسر بكر يكتب : "القشلان" .. وهرم ناصر !!



ياسر بكر يكتب : "القشلان" .. وهرم ناصر !!

الأستاذ مصطفى أمين .. شموخ المباني، وسمو المعاني

كان الزميل الأستاذ فاروق عبد السلام رئيس تحرير مجلة "الإذاعة والتليفزيون" الأسبق في التسعينيات من القرن الماضي من ظرفاء "أهل الكيف"، .. وحدث في الستينيات من القرن الماضي حين كان المد الناصري في أوج تلاطم أمواجه أن ألمت بالأستاذ فاروق عبد السلام ضائقة أعجزته عن شراء أردئ أنواع المُسكرات التي اعتادها .. وكاد أن يجن!!

 .. كان الأستاذ فاروق عبد السلام يعمل آنذاك محرراً في مجلة "أخر ساعة"، وكان يعاني أزمات كثيرة ومتنوعة تنبئ عن خلل مزمن في أحواله المالية، لذا أطلق عليه اصدقاؤه صفة : "القشلان" أي المُفلس  .. وكان الأستاذ فاروق يعتبر لفظة "القشلان" توصيفاً لحاله، وليست قدحاً في شخصه .

ضاقت الحالة بـ "القشلان" .. خاصة بعد أن امتنع أصحاب البارات عن تقديم المشروبات له "ع .. الطباشيرة" .. وكانت "الطباشيرة" نظام معمول به في المقاهي البلدية، وحانات البوظة والخمارات والبارات حيث يقوم القهوجي أوالخمّار أو البارمان بقيد مديونيات الزبائن المؤجلة الدفع بقطعة من الطباشير على سبورة بجوار المشربية أو البار، .. وتفتق ذهن "القشلان" عن  حيلة تحقق له الغاية لحين ميسرة؛ فذهب مسرعاً إلى الأستاذ جميل عارف مدير التحرير، وأسر في أذنه ببضع كلمات، أخرج على إثرها الأستاذ جميل ورقة من درج مكتبه، وكتب أمراً إلى خزينة المؤسسة بصرف مبلغ 50 جنية للأستاذ فاروق تحت حساب نفقات مهمة صحفية في أسوان، وقال له وهو يودعه:

"ما تنساش تبعت لي الصور مع أول طائرة .. وسيتولى محرر آخر ومصور تغطية الحدث في منطقة الجيزة "

.. قبض "القشلان" الخمسين جنيها وذهب ليروي ظمأه من "منقوع البراطيش" في بار "شينو"، وليسد رمقه من مشهّيات الخمر .. وفي الصباح لم يكذب الأستاذ جميل الخبر وأرسل محرراً ومصوراً إلى منطقة أهرامات الجيزة .. لكنهما سرعان ما عادا ليبلغاه بأنه لا شئ هناك !!

.. وأدرك الأستاذ جميل عارف أنه سقط ضحية لأحد مقالب "القشلان" ، وراح يبحث عنه في بارات وسط البلد، .. وبعد يومين ظهر "القشلان"  في صالة التحرير .. وأمسك الأستاذ جميل عارف برقبته، وراح يصرخ بأحط الألفاظ ورذاذ لعابه يتناثر من فمه، وهو يلعن أباه، ويشتم أمه، ويسب جدوده الأقربين، والأبعدين، وكل من له صلة به، أو بتربيته وسط ضحكات الصحفيين الذي علموا بحقيقة الأمر!!

كان "القشلان"  قد أسر للأستاذ جميل عارف بأنه قد علم من مصادره الخاصة أن ثمة مشروع ضخم تجري دراسته سراً لنقل هرم خوفو من الجيزة إلى أسوان بالطريقة التي تنقل بها معابد فيلة ليأخذ مكانه بجوار السد العالي .. وأن المشروع سيتم الترويج له سياحيا في المستقبل القريب حيث يجري بعد إتمامه استجلاب الوفود السياحية من مختلف بلدان العالم ليشهدوا الإنجاز المصري العملاق الذي جعل الصرحين الأشمين متجاورين في مشهد يعكس شموخ الماضي وعظمة الحاضر، ويتم إضفاء المؤثرات عليه ضمن مشروع "الصوت والضوء" .. هرم "خوفو" إلى جوار سد "ناصر".

بلغ الأمر الأستاذ مصطفى أمين فراح في نوبة ضحك، وأخذ جسده الضخم يهتز حتى كاد أن يسقط من على كرسيه، .. وراح يستعيد الحكاية من أكثر من طرف، وفي كل مرة يسقط في دوامة من الضحك .. ثم استدعى الأستاذين جميل عارف وفاروق عبد السلام "القشلان" وسمع منهما واستغرق في نوبة من القهقهة .. ثم صمت .. وأخذ يدق بقبضته زجاج مكتبه .. وانتظر الجميع حكم الأستاذ .. قال الأستاذ مصطفى أمين :

(يتم اعتبار مبلغ الخمسين جنية التي صرفها الأستاذ فاروق عبد السلام مكافأة "بدل ابتكار" لأنه لو صح ما تخيله لكان سبقاً صحفياً رائعاً تحسدنا عليه صحف العالم، .. ويُصرف مبلغ مائة جنية للأستاذ جميل عارف لأنه من المفترض أن تكون ثمة ثقة بين مدير التحرير وزملائه المحررين، وحيث أن الأستاذ فاروق عبد السلام أساء إلى تلك الثقة بدعابة ضايقت مدير التحرير بما يستلزم تعويضه عنها؛ بما يجعله مستحقاً لمكافأة "بدل حرق دم"!!

وخرج الزميلان جميل عارف وفاروق "القشلان" من مكتب مصطفى بيه "صافي يالبن .. وحليب يا قشطة".

***

.. وبهذا الحل الحكيم حافظ مصطفى بيه على كرامة المحرر "القشلان"، وحافظ على هيبة مدير التحرير، وحافظ على واجهة الصحيفة وشرفها من أن يخدشه أو يلوثه تصرف "غير مسئول" في لحظة أزمة. 

.. يرحم الله الجميع.

***
من كتابي " حكايات من زمن الخوف " 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق