ياسر بكر يكتب : سد النهضة وأغنية " هاتولي حبيبي " !!
.. على طريقة الأغنية المصرية: "يا مين يجيب لي حبيبي " التي سخر منها اللورد كرومر في كتابه
بعنوان : " مصر الحديثة " والتي أعتبرها أحد أنماط الخطاب الذي يعكس
حالة الكسل والخمول في الفكر والسلوك .. على نمط الأغنية راحت بعض قنوات"
كايدة العزال أنا من يومي " الفضائية والتي تُعلي قيم "المكايدة الدعائية
" على قيم الموضوعية في التناول بإغراق المتلقي المصري في تيار سلبي من
المعلومات انحصرت فيها رموز الخطاب وغائية الصور في ثلاثة محاور :
المحور الأول : أن مصر محروسة بعناية الله، وأن ما من أحد
أرادها بسوء إلا قصمه الله، في إشارة إلا ما يحدث من اضطرابات في أثيوبيا، وهو
كلام من ساقط القول، فالله سبحانة وتعالى لا ينحاز للكسالى والخاملين الذين لم
يأخذوا بالأسباب الحياتية التي شرعها لهم في كتابه الكريم، وفصلتها تفصيلاً سنة
نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام .
المحور الثاني : أن بعض قيادات تلك الاضطرابات راحت تستغيث
بقيادة مصر التي اعتبرته رمزاً قومياً أفريقياً، وراحت تقطع الطرق المؤدية إلى سد
النهضة في محاولة لتحطيمه؛ لإصلاح ما أفسدته الشركات متعددة الجنسيات ومن يقف
ورائها من حكومات وأجهزة استخبارات !!.
المحور الثالث : هو محاولة الإيحاء لمزاً أحيانا، وغمزاً أخرى
وتلميحاً ثالثة أن وراء تلك الاضطرابات أصابع مصرية لأجهزه تملك قدرات معلوماتية
عالية وإمكانات ضخمة لتحريك المنتفضين لتعويق مراحل إنشاء " سد النهضة"
المتبقية؛ لتعود أثيوبيا وحلفائها إلي دولتي المصب لـ " تبوس القدم، وتبدي
الندم على غلطتها في حقها !! " .
.. والحقيقة أن هذه المناهج من التفكير، وتلك الأنماط المًعلبة
من التناول الإعلامي لا تمثل إلا حالة مرضية من "الهستريا الخبيثة"، تلك
الحالة التي تختلط فيها الهستريا بجنون العظمة !!
والحقيقة الثابتة أيضا أن معاناة المنتفضين الأثيوبين من
"الأورومو" تعود لسنوات طويلة سابقة على " سد النهضة "
ومتغيرات الأوضاع في أفريقيا؛ فقد خضع هؤلاء لإجراءات اعتباطية من الاضطهاد والاعتقال
والتعذيب والتوقيف لمدد طويلة دون سند من قانون إضافة إلي الحرمان من تولي الوظائف
العامة.. ثم كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بنزع ملكية أراضيهم .. مصدر رزقهم
لصالح سياسات " الشركات المتعددة الجنسيات " وتتويجاً لما حققته تلك
الشركات من انتصارات في مجال "حرب المياه" بإقامة سدود ومشاريع ري لتخدم آلاف الأفدنة المستأجرة
من أغنياء العالم من أراضي دول فقيرة،
ونقل المحصول مباشرة لدولهم أو بيعه في السوق العالمي .
"حرب المياة" بدأت في أواخر الخمسينيات مع بدء
إسرائيل في تحويل مجرى نهر الأردن ( 1958 ـ 1968 ) ومع نهاية التحويل الكامل لمجرى
النهر تحول الجزء السفلي من المجرى إلي مصرف، .. وتبعتها تركيا في مشروع الكاب على
نهري دجلة والفرات لتتحول العراق أغني مناطق العالم من حيث المياه إلى منطقة فقر
مائي يهدد أهله بكارثة بيئية .
وبالطبع لم تكن مصر ونيلها غائبين عن المخطط الشيطاني؛ ..
ففي مارس 1974
نشرت مجلة " أوت " مقالاً بعنوان : " مياه السلام " للمهندس اليشع
كلي مدير التخطيط طويل المدى في شركة تاحال وهي شركة
مساهمة إسرائيلية تمتلك الحكومة الإسرائيلية 52 % من اسهمها، ويمتلك الباقي
مناصفة الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي، كتب اليشع
كلي : "لحل مشكلة المياه التي ستضر اسرائيل
لمواجهتها لبضع سنوات قادمة ، ورأى اليشع أن الحل في إحضار مياه من نهر النيل إلى
النقب الشمالي " ، وفي إبريل 1974 ومع أول زيارة
لمندوب صندوق النقد الدولي لمصر لعرض حزمة من وسائل "الاغتيال
الاقتصادي" لمصر، كانت هناك زيارة أخرى متزامنة مع الزيارة المصرية لدولة
أثيوبيا لعرض حزمة من الإجراءات عصبها "بيع
المياه" لدول حوض النيل وإسرائيل.
.. وتحققت أولى خطوات الحلم الإسرائيلي في السيطرة على
مياه النيل وتحويلها لصالح اسرائيل؛ بإعلان الرئيس السادات في يوم الثلاثاء 27 نوفمبر 1979 أثناء إعطاء إشارة البدء في حفر ترعة السلام فيما بين فارسكور والتينة عند
الكيلو 25 طريق الإسماعيلية ـ بورسعيد.
.. لكن السخط الشعبي حال دون تنفيذ
مشاريع السادات وسياسته وانتهى الأمر باغتياله وتعثر إقامة تلك المشاريع؛ وسعت إسرائيل بكل
ما أوتيت من وسائل للسيطرة على منابع النيل؛ وكانت تنتظر
قيام دولة جنوب السودان لتباشر شراء مياه النيل منها لتصل إسرائيل عن طريق مصر بعد
دفع رسوم مرور المياه المقررة لذلك (4 سنت عن كل متر مكعب )، وقد لعب البنك الدولي
دورًا مشبوهاً في تنفيذ هذا المخطط؛ حيث سعى إلى تسهيل المخطط لتوصيل المياه إلى
إسرائيل وبصورة قانونية ولما حالت مصر دون تحقيق هذا الأمر لجأت إسرائيل إلى ورقة
ضغط أخرى هي "سد النهضة" الإثيوبي لخنق مصر .
أصبح " سد النهضة " حقيقة واقعة
والمساس بمنشأته هو بمثابة إعلان لحرب عالمية ، ولا عزاء لإعلام " كايدة العزال أنا من يومي
" في استخدام "خداع
اللغة " للترويج لمعاني زائفة كطرح مصطلح (الأنهار العابرة للحدود) بدلاً من
(الأنهار الدولية) و (الاستخدام الأمثل والتوزيع المنصف والمعقول) بدلاً من (توزيع
الحصص) ومصطلح (المياه المتصرفة) بدلاً عن (المياه المتدفقة)، وتخدير الجماهير بالترويج لرفاهية الخيال عن "نيل المطالب بالتمني" على طريقة الأغنية الشعبية "يا مين
يجيب لي حبيبي " !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق