السبت، أكتوبر 29، 2011

ياسر بكر يكتب : موت سليمان خاطر .. حادث انتحار ، أم جريمة نحر ؟




ياسر بكر يكتب :موت سليمان خاطر ..

حـادث انتحـار ، أم جريمة نحر ؟

 

الصورة الأخيرة .. سليمان خاطر ميتاً


موت الرقيب مجند أمن مركزى / سليمان محمد عبد الحميد خاطر !!

.. هل كان الموت حادث انتحار ؟! ، أم جريمة نحر ؟ !

.. تلك هى القضية .

فإن صحت رواية الانتحار ، فلماذا ينتحر ؟ بعدما نقل إليه الصحفى مكرم محمد أحمد رسالة من جهة سيادية مضمونها بأن عليه أن يتحمل بضع شهور حتى يتم تسوية الأمر والإفراج عنه ، حسبما أعلن مكرم ـ وهو حى يرزق ـ فى جمع من الصحفيين يزيد عن 750 صحفياً فى مؤتمره الانتخابى لمنصب النقيب فى يوم الأربعاء 1 مارس 1989 بقاعة يوسف السباعى بمبنى نقابة الصحفيين القديم .
.. وإن صحت رواية النحر ، فمن صاحب المصلحة ؟ ، ومن المستفيد ؟ ، وهل عجزت الدولة عن حماية سجين فى محبسه ؟!

.. تساؤلات مشروعة يكفلها حق التساؤل ، وهو حق إنسانى وتاريخى لا يسقط بالتقادم .

.. ويظل واجب الإجابة عليها دينا واجب السداد فى عنق من يعرف الحقيقة ولا يسقط بالتقادم أيضا .

البيان الحكومى عن الانتحار :

فى تمام الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر الثلاثاء 7 يناير 1986، أذاع راديو القاهرة في فى صدر نشرة الأخبار نبأ انتحار سليمان خاطر فى بيان رسمى صادر عن إدارة السجن الحربى !! .. 

.. كان جاء البيان قصيرً ومقتضباً، .. وجاء نصه كما يلى :

" في حوالي الساعة العاشرة من صباح الثلاثاء الموافق 7 يناير 1986 وأثناء المرور اليومي للحراس على الرقيب المسجون سليمان محمد عبد الرحمن خاطر المحكوم عليه في القضية رقم 143/ 85 جنايات عسكريةالسويس والمحبوس بمستشفى السجن الحربي للعلاج من مرض البلهارسيا وجد معلقا من رقبته بمشمع الفراش الخاص به بالقضبان الحديدية بشباك غرفته بالمستشفى فأبلغ الحارس طبيب المستشفى فورا الذي قام بفك رقبته والكشف عليه وإجراء عملية التنفس الصناعي له وتدليك عضلة القلب إلا أنه كان قد فارق الحياة وفور الإبلاغ بالحادث انتقل إلى مقر السجن المدعي العام العسكري ونائبه ورئيس النيابة المختص حيث باشرت النيابة العسكرية التحقيق على الفور، وقررت ندب كبير الأطباء الشرعيين بمصلحة الطب الشرعي التابعة لوزارة العدل وذلك لتشريح الجثة".

الحادث فى صحافة القاهرة :

فى اليوم التالى نشرت صحف القاهرة الثلاث ( الأهرام ـ الأخبار ـ الجمهورية ) البيان تحت عنوان: "انتحار سليمان خاطر في مستشفى السجن الحربي"،  .. "تقرير الأطباء الشرعيين: الوفاة بسبب إسفكسيا الخنق"

.. ونشرت جريدة الأهرام تحقيقا صحفيا، مع  بعض من وصفتهم الصحيفة بـ ( علماء النفس ) حاولوا فيه الإيهام بأن انتحار سليمان خاطرنتيجة طبيعية .. لأنه – على حد تشخيصم لحالة سليمان خاطر دون إجراء الكشف الطبى عليه – مريض بالاكتئاب المزمن .. ويعاني من الشعور بالذنب .. ومن الفصام العقلى !! 

 وفى صباح الأربعاء 8  يناير  صدرت مجلة " المصور " وعلى غلافها شريط باللون الأحمر بعنوان : " اللقاء الأخيرة مع سليمان خاطر في سجنه"، وعلى صفحتها الداخلية حوار رئيس التحرير معه في سجنه .. وحاول من خلاله الإيحاء بأن سليمان خاطر كانت تنتابه بعض حالات القلق والاكتئاب المفاجئة الأمر! فى محاولة لتأكيد فرضية الانتحار !!

.. ولم تخرج مجلة " أخر ساعة " عن ذلك الطرح ،  وزادت عليه بإجراء لقاء صحفى مع الطبيب الشرعى محمدى العراقى قام فيه بتمثيل كيف تمت عملية الانتحار تصويرياً، وعرض بمساعدة الدكتورة سمية حمودة مديرة المعامل قطعة القماش التى يقال أن سليمان خاطر قد شنق بها نفسه فى نافذة الغرفة ، وأضاف أنها: " مصنوعة من نفس نوع القماش الذى تصنع منه ملابس الصاعقة وطولها290 سم × 200 سم عرض " .


وقائع القضية :

المكان : النقطة 46 أمن مركزى برأس بركة ـ نويبع ـ جنوب سيناء ، اليوم : 5 أكتوبر 1985 ، الساعة : 45 ,16 ، منذ دقائق مالت الشمس نحو المغيب لتسقط فى مياه الخليج ، لم يعد يظهر منها سوى بضع شعاع ينثر فى الأفق شفقاً أحمر ، حكمدار النقطة رقيب مجند سليمان خاطر يقف منتصبا بالخوذة والشدة الميرى ، لمست وجهه نسمة خريفية أنعشت ملامحه المكدودة ، نظر فى ساعته ، باق من الزمن ساعة ، ستون دقيقة بالتمام والكمال وتنتهى نوبة حراسته ومعها سنوات تجنيده ، فاليوم أخر يوم فى فترة تجنيده الإجبارية .

البارحة أقام له رفاق السلاح احتفالاً على قد الحال غنوا فيه " سينا رجعت كاملة لينا، ومصر اليوم فى عيد " و " أمك تقولك يا بطل هات الانتصار " .
وبعد أن تناولوا العشاء المكون من الجراية ( الخبز الميرى ) واليمك (الخضار المطبوخ بلغة القشلاقات ) ومع رشفاتهم لأكواب الشاى تمنوا للباششاويش سليمان حياة سعيدة وأن يذكرهم بالخير . شكرهم الشاويش، وذهب لترتيب مخلاته ( كيس اسطوانى من القماش السميك معد لحفظ الملابس وأدوات الإعاشة الخاصة بالجنود ) ، وتسوية هندامه استعداداً للسفر إلى مقر القيادة بشرم الشيخ لتسليم المهمات وإنهاء إجراءات فترة التجنيد، والحصول على شهادة أداء الخدمة بدرجة قدوة حسنة .
نظر فى ساعته مرة أخرى ؛ دائما ما تكون الساعة الأخيرة ثقيلة وبطيئة ، قال محدثاً نفسه : " فات الكتير ، ولم يبق إلا القليل " ، غداً إن شاء الله يعود إلى قريته أكياد مركز فاقوس محافظة الشرقية ؛ ليزرع الفدان الوحيد الذى تملكه الأسرة والذى حمل عبء أشغاله نيابة عنه طوال فترة غيابه ابن عمته وصديقه شعبان .
كذلك منى نفسه بأن يسعده الحظ ويعوض ما فاته من مقررات السنة الثالثة بكلية الحقوق جامعة الزقازيق التى التحق بها منتسباً .
فى تمام الساعة 17 ، قطع اللحظة رؤيته لمجموعة من المدنيين يسيرون فى اتجاه نقطته ، .. كانوا 12 شخصا رجل ممتلئ يرتدي جلبابا من ذلك النوع الذي يرتديه السياح... وامرأة ترتدي مايوة قطعة واحدة .. وأخرى ترتدي مايوة "بكيني" ومجموعة من الصبية والفتيات .. صرخ فيهم بالعربية : " قف ممنوع المرور " وكررها بالإنجليزية Stop no passing ، لم يمتثلوا لأوامره ومضوا فى صعودهم نحو نقطة حراسته ؛ بل أن أحدهم فى تحد وقح بصق على رمز السيادة على الأرض ، أطلق سليمان النار من بندقيته عليهم ؛ فقتل سبعة منهم ، تبين فيما بعد أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية .
الرئيس مبارك أحاله
للقضـاء العسـكرى :
بدأت قضية سليمان خاطر  قضية "مدنية" .. لكن الرئيس حسنى مبارك أصدر قراراً بإحالتها للقضاء العسكرى فأصبحت  قضيته "عسكرية" .

.. بعد إلقاء القبض على سليمان اقتيد تحت الحراسة المشددة إلى ديوان قسم شرطة "نويبع"، وهناك أجاب على كل الأسئلة التي وجهها إليه مأمور القسم الذى تولى التحقيق معه.. وبعد أن انتهى التحقيق، سلمه المأمور إلى العقيد رضا الحمامى قائد ثاني قطاع الأمن المركزي بشرم الشيخ، والرائد أحمد الشيخ قائد ثاني سرية الأمن المركزى بنويبع .. بعد أن وقع الرائد أحمد الشيخ على المحضر الذى حرره المأمور بالاستلام؛ وقام الرائد أحمد الشيخ بنقل سليمان من مبنى القسم إلى مبنى القطاع في سيارة شرطة وسط حراسة مشددة .. 

.. فى تمام الساعة الثالثة والنصف من فجر يوم 7 أكتوبر 1985، وصل سليمان إلى سجن فنارة العسكري مع مندوب من قطاع الأمن المركزي وسلمه المندوب بموجب الأمر رقم 11/ 200/ 85 بتاريخ 7 أكتوبر 85 إلى قائد السجن، العقيد محمد عبد الحميد على بعد أن أصدر قائد الجيش الثالث الميداني قراراً بحبسه حبساً مشدداً لمدة شهر من الساعة 14 يوم 6 أكتوبر 1985، .. وفى نفس اليوم توجه وكيل النيابة الأستاذ محمد نصر فتحي إلى قسم شرطة نويبع في تمام الساعة الثامنة والربع صباحا؛ لاستيفاء التحقيق ، فلم يجد المأمور أو من ينوب عنه ، .. وبالسؤال عنهما علم أنهما في مكان الحادث ، فقرر الانتقال إلى هناك ..

.. وهناك اطلع على المحضر رقم 186 لسنة 1985 الذى تم تحريره بمعرفة مأمور القسم فى ساعته وتاريخه ، وتمت معاينة مسرح الحدث وتحريز السلاح المستخدم فيه بمعرفة سيادته .

.. وفى يوم 8 أكتوبر صدرقرار رئيس الجمهورية رقم 380 لسنة 1985 بإحالة "الجرائم المنسوب ارتكابها للرقيب مجند سليمان محمد عبد الحميد التابع لقوات الأمن المركزي والتي وقعت منه بجهة جنوب سيناء بتاريخ 5 أكتوبر  1985  إلى القضاء العسكري وما يرتبط بها من جرائم 
".
.. هكذا تحولت قضية سليمان خاطر من قضية مدنية إلى قضية عسكرية!!

أوراق القضية رقم 143 لسنة 85 جنايات عسكرية السويس :

فى الصفحة الأولى من أوراق التحقيق مع الرقيب مجند سليمان خاطر فى مقر السجن العسكرى بفنارة يوم 8 أكتوبر 1985 والذى أجراه العقيد يحيى حسن قاسم رئيس نيابة السويس العسكرية فى الساعة التاسعة والخامسة والأربعين دقيقة مساءا، فى المحضر إشارة إلى عدم وقوع تعذيب أو إكراه على المتهم ويثبت رئيس النيابة حالة سليمان :
" بدخول المتهم وجدنا أنه شاب فى نهاية العقد الثالث من العمر، قمحى اللون وشعره ناعم وليس بوجهه أو كفيه أو رقبته أى اصابات ظاهرة ويبلغ من الطول 180 سم وكان مرتديا حلة السجن الزرقاء وطلبنا منه خلعها لمناظرة جسده فتبين خلوه من أى اصابات .
س : هل وقع عليك أى اعتداء أو عنف طوال فترة احتجازك سواء فى النقطة أو فى قيادة قطاع الأمن المركزى بشرم الشيخ أو فى السجن العسكرى بفنارة؟
ج : لم يتعد على أحد ولا توجد بى أى اصابات وقد عاملنى الجميع معاملة حسنة .

الحكم :
قى 28 ديسمبر 1985 ، تم الحكم على سليمان خاطر بالسجن المؤبد 25  عاماً تقبلها الشاب راضياً بقضاء الله ، بروح التدين التى تعد من أهم سمات الشخصية المصرية ، لكنه أبدى مخاوفه من أن يؤثر الحكم على الروح المعنوية لزملائه ؛ فيتقاعسوا عن أداء الواجب .
النقل إلى مستشفى السجن :
وفى 30 ديسمبر 1985 تم نقله من سجن فنارة، وإيداعه السجن الحربي الرئيسي بمدينة " نصر " بالقاهرة فى زنزانه مستقلة تابعة لمستشفى السجن .
وفاة السجين :

 .. تقول مجلة المصور فى عددها رقم 3196 بتاريخ 10 يناير 1986 أنه : " أنتحر ليلاً " .
.. وحسب الرواية الرسمية فى البيان الصادر : " أنه فى الساعة العاشرة من صباح يوم الثلاثاء 7 يناير وعند مرور الحراس على غرفة المسجون سليمان خاطر وجدوا جثمانة مدلى من نافذة الغرفة وحول رقبته الغطاء الخاص بسريره وقد شنق به نفسه " .

وهو ما يفتح باب التساؤلات على مصرعيه : ـ


ـ التساؤل الأول : ألم تكن ساعات الليل وحتى العاشرة صباحاً ـ لو صحت الرواية ـ كافية لينفصل الرأس عن الجسد تحت وطأة ثقل الجسد ؟! ( وهو ما لم يحدث كما هو مثبت فى تقرير مناظرة الجثة ) .
ـ التساؤل الثانى : كيف تكون جثة المنتحر شنقاً فى وضع القرفصاء ؟! .. حضر غسل الجثمان المهندس ابراهيم شكرى رئيس حزب العمل فى الثانية من صباح 8 يناير مع شقيقيه عبد المنعم وعبد الحميد خاطر !!

ـ التساؤل الثالث : ما هو سبب تكسر أظافر يديه وما الذى أحدث الكدمات فى جانبيه الأيسر والأيمن ، والسجحات على ساقيه والتى تشبه أثار السحل على الأرض ؟
ـ التساؤل الرابع : إذا كان قد شنق نفسه بالغطاء الخاص بسريره فما السر أن الجثة كان بها آثار خنق بآلة تشبه السلك الرفيع علي الرقبة ؟

ـ التساؤل الخامس : كيف دخلت قطعة القماش ( بهذة الموصفات ) إلى غرفة محبسه والتى تختلف موصفاتها عما جاء بالبيان الرسمى من أن الشنق تم بالغطاء الخاص بسريره ( ملاءة سرير ) ؟
ـ التساؤل السادس :هل العلاج من مرض البلهارسيا يستأهل الحجز منفرداً فى زنزانة بمستشفى السجن؟!
ـ التساؤل السابع :  لماذا لم يقدم جندى الحراسة للمحاكمة بتهمة الإهمال فى حراسة سجين ؟
ـ التساؤل الثامن : لماذا رفض رؤساء أقسام التشريح فى الجامعات المصرية إعادة تشريح الجثة ؟
ـ التساؤل التاسع : لماذا تم رفض طلب المحامين عن أسرة خاطر والتى تتمثل فى عريضة دعوى بتعديل طلباتهم فى يوم الثلاثاء 28 ـ 1 ـ 1986 والتى تتمثل فى ندب أساتذة الطب الشرعى بكليات الطب بالجامعات المصرية مع الطبيبين الفرنسيين العالميين البروفيسيور شوميت والبروفيسيور دوريجون اللذين يمثلان المحامين بعد اعتذار رؤساء أقسام التشريح بجامعات القاهرة وعين شمس والأزهر عن تنفيذ المأمورية ؟
( المحامون من رموز مهنة المحاماة فى مصر وهم : عبد الحليم رمضان وأحمد مجاهد وشوقى خالد وكمال خالد وأبو الفضل الجيزاوى وعبد العزيز الشرقاوى ).
ـ التساؤل العاشر : لماذا أعلن اللواء أحمد رشدى وزير الداخلية أنذاك بيان الانتحار رغم أن السجين توفى فى مستشفى سجن تابع لجهة خارج دائرة اختصاصه ؟
ـ التساؤل الحادى عشر والأخير : لماذا حفظ بلاغ أسرة سليمان خاطر الى النائب العام المستشار محمد عبد العزيز الجندى ( النائب العام أنذاك ووزير العدل فى أول حكومة بعد ثورة 25 يناير 2011 ) يطعنون فى النتائج التى أعلنتها مصلحة الطب الشرعى حول تشريح جثة فقيدها ؟
***
تساؤلات كثيرة يضيع صداها فى فراغ الصمت الخائن ، وينطفئ وهجها فى أقبية التعتيم الجبان فلا تصل إلى كشف المجهول!!
.. ولكن يظل الرقيب مجند سليمان خاطر ، حارس بوابة الوطن .. خاطر فى ذاكرة مصر التى تأبى النسيان .


سليمان خاطر مع أسرته فى حديقة مسنشفى السجن ظهر الأحد 5 يناير 1986 

يقبل أمه التى أوصت قائد السجن به خيراً
سليمان خاطر حارس بوابة الوطن




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق