الأحد، يناير 03، 2016

ياسر بكر يكتب : .. مذكرات شمس بدران !!



ياسر بكر يكتب : .. مذكرات شمس بدران !!

حضرات السادة كتبة المذكرات والمتاجرين بها، من فضلكم .. دقيقة سكوت لله !! ..؛ فقد شاءت إرادة الله التي حملتني على أعتاب تاريخي أن أهتم بما يحاك للمواطن العربي بليل عبر أساليب التلاعب بوعيه من خلال الغوغائية الثقافية المتفشية والتي تستهدفه ليل نهار .. وقد شاءت إرادة الله أن تحمل أرفف المكتبة العربية عنوانين يحملان اسمي هما " صناعة الكذب ـ حرب المعلومات " من ضمن 6 مؤلفات لي في مجال الميديا ووسائطها وتطبيقاتها .
.. ولكوني مهتما بعمليات التلاعب وما تقوم عليه من عمليات تزييف التاريخ عبر الترويج لقصص ما وارء القصص،  أو القصص من داخل القصص بغرض تسمم القيم وانفضاض الضمير واستلاب الهوية فكان من الطبيعي أن أهتم بالمصادر الأولية للمعلومات التي تعد البروفة الأولية المنطبعة للتاريخ وأن أتحري الوثائق التاريخية سواء الوثائق المنحازة أو غير المنحازة أو الوثائق المعدة لغرض ما؛ فالوثائق هي "صوت السلطة" منذ أن عرفت الإنسانية نشأة الدولة ومنذ اختراع الكتابة في سالف العصور !!
.. وقد اهتممت بتسجيل الشهادات الحية وكانت تلك الشهادات أشبة ببصمات الأصابع قد تحمل في بعض خطوطها تشابهاً لكنها لا تتطابق أبداً؛ فهناك أسباب كثيرة للإختلاف أهمها موقع الرؤية ومنظورها واتساع زاويتها .. فضلاً عن هوى النفس .
وكان الاهتمام بالمذكرات السياسية باعتبارها شهادات أصحابها لكني لم أًدخلها في تصنيف الوثائق أبداً فهي مجرد شهادات لا تمثل إلا وجة نظر أصحابها ، وتحتمل الصدق وتحتمل الكذب لذاته .
قضيت الكثير من سنوات العمر بين صفحات تلك المذكرات من أول مذكرات عرابي : " كشف الأسرار في النهضة المصرية المشهورة بالثورة العرابية " لأجدها في أغلب حوادثها من شطحات خياله وأن الحقيقة أنه سلم مصر مقابل حصة من سندات آل روتشيلد، وذهب ليسلم سيفه إلى القائد الانجليزي جنرال لو الذي نظر إليه باحتقار وأشار بطرف حذائه إلى عسكري المرسلة ليأخذ منه السيف ويقبض عليه!!.. ، وقد ظلت تلك الترهات مهملة إلى أن جاء ضابط انقلاب يوليو 1952 ليبعثوا فيها الحياة ليوعوزا من طرف خفي للرأي العام المنادي برجوعهم لثكناتهم أن ما آتوه ليس بدعاً .. وإن الجيش كان ضالعاً في الحياة السياسية، .. وانتهاء بمذكرات السيدة تحية كاظم زوجة الرئيس عبد الناصر؛ لأكتشف أن الأرضية المشتركة لتلك المذكرات هو غسيل السمعة والتنصل من جرائم في حق البلاد والعباد وادعاء البطولات لإشباع حالة البرانويا لدي بعض المهوسين بها ، كما أن بعضها بمثابة " مرافعات سابقة التجهيز " أمام محكمة التاريخ، لكن أهم هذه المذكرات وأخطرها هو الذي يحتوي على "تمرير رسائل" ذات مغزى إلى الجماهير للدفع بها في اتجاه إختيارات محددة !!
تحت هذا النوع الأخير تصنف مذكرات : " العقيد شمس بدران "، الذي تسبب مع آخرين في هزيمة يونيو 67 ولم يرتعش له جفن بل راح يمزح قائلاً لعبد اللطيف البغدادي ـ حسب روايته ـ ده إحنا اتخمينا حتة دين خمة!! .. ما لكم قعدين كده ليه؟!.. أنتم في عزاء، أجيب لكم قهوة سادة !!
كان العقيد شمس بدران يعيش نشوة اللحظة التي اقترب فيها من كرسي الرئاسة بعد أن أمضي ليلتي 7 و8 يونيو حاكماً فعليا لمصر بعد اتفاق تم بين عبد الناصر وعامر على أن يعلن عبد الناصر في خطاب التنحي ـ تنحيه هو والمشير عامر ـ وإسناد الأمر إلى العقيد شمس بدران .. وأن لحظات الصعود إلي مكتب رئيس الجمهورية قد باتت وشيكة، فليس بين الحاكم الجديد، واللحظة السعيدة سوى جثة وطن أثخنته جراح الهزائم !!
غير ان الذي لم يفهمه العقيد شمس بدران شمس أن قنوات سرية كانت تحمل رغبات إسرائيلية لم تكن تريد التفريط في عبد الناصر .. يقول علوي حافظ في كتابه بعنوان : " مهمتي السرية بين عبد الناصر وأمريكا" :
( وبلهفة قرات البرقية .. من مستر صديقي .. وحللت الشفرة .. الرئيس جونسون يرجوك أن تبلغ عبد الناصرألا يتنحي . الموضوع يعاد بحثه بواسطة الأصدقاء هنا .. إنتظر برقية أخرى ).
وفي اليوم التالي تلقيت برقية أخرى تؤكد نفس المعنى .
كان بقاء عبد الناصر مطلبا إسرائيلياً؛ فقد كان ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل يزور البيت الأبيض وقد سأله الرئيس جونسون :" أيهما تفضل أن يتم التفاهم مع وجود ناصر،  أو أن يتم بلا ناصر ؟!"
فقال أشكول : " مع وجود ناصر .. لأن النتائج ستكون أكثر ضمانا ، والمواقف ستصبح أكثر استقراراً " .
.. وأمتثل عبد الناصر لرغبة الأمريكان خوفاً من محاكمته، وقلب المائدة على الجميع وأعلن تنحيه ولم يذكر تنحي المشير وأعلن تنازله عن الحكم لزكريا محيي الدين، ولم يأت ذكر للعقيد بدران من قريب أو بعيد !! ليجد بدران نفسه بعد أيام نزيلاً في أحد السجون .
وخرج من السجن في ظروف شديدة الريبة ليسافر من مطار القاهرة عبر صلة كبار الزوار وبجواز سفر ديبلوماسي بعد أن تم إعداده ليشارك بدور قذر فيما كان يخطط له الرئيس السادات، والذي انتهي في كامب ديفيد.
في كتابه بعنوان : (عمر فى العاصفة.. سيرة ذاتية) للكاتب الأستاذ أحمد عباس صالح يقول :
"أن شمس بدران صارحه برغبته فى كتابة مذكراته، وبيعها لصحيفة إنجليزية تقوم بنشرها، ثم يتم نشر ترجمتها بعد ذلك فى جريدة عربية، ويضيف أحمد عباس صالح أنه أنبهر بالفكرة وفى ذهنه أن ظهور مذكرات لشخصية بالغة الأهمية فى عهد الرئيس عبد الناصر مثل شمس بدران ستحتوى على العديد من الأسرار والمعلومات الكاشفة لتاريخ مصر المعاصر، خاصة وأنه كان يعتقد أن أنصار المشير عامر قد قاموا بتهريب وثائق ذات شأن عن تاريخ وتفاصيل العلاقة بين الرئيس و المشير، وأن شمس بدران بالذات لعمق صلته بالمشير  عامر هو الذى يمتلك هذا الملف الخطير من وثائق تلك الحقبة.
يقول أحمد عباس صالح أنه سأل شمس بدران عن الوثائق التى يمتلكها ومذكرات المشير عامر التى بحوزته لكى يتم الاستعانة بهما فى كتابة مذكراته، وهنا فوجئ أن شمس بدران يصارحه أنه لا يمتلك أى وثائق ولا توجد مذكرات للمشير عامر معه ، ويشير له إلى رأسه ، ويقول: " المعلومات كلها فى رأسى"، وهنا يعبر أحمد عباس صالح عن دهشته وخيبة أمله وانعدام حماسه لكتابة مذكرات شمس بدران بعدما أدرك أنه لا توجد وثائق ولا مذكرات للمشير عبد الحكيم عامر مع شمس بدران" .
وفي سنة 2010 أوعزت إحدي الجهات لمؤسسة الأهرام بإنتاج مذكرات شمس بدران لأسباب سياسية رأت تغليفها بواجهة تجارية .. ولم تكذب الأهرام خبرا فتعاقدت مع مؤسسة " دار الخيال " التي يمتلكها زميلي وصديقي الأستاذ محمد الصباغ على إتمام العمل مقابل 2 مليون جنية، وبدأ الأستاذ الصباغ في تشكيل فريق العمل .. تم ارتأت الأهرام أنه يجب استكمال بعض الجوانب واستيضاح بعض النقاط وقد كان .. إلى أنهم لم يجدوا تحت قبة العقيد شمس بدران سوى فأراً ميتاً..، وساد الخرس.. ولم يعرف مسئولوا الأهرام كيفية الخروج من المأزق !!
الزميل الصباغ يطالب بنشر مصنفه .. والأهرام على لسان رئيسها السابق الزميل الأستاذ ممدوح الولى يقول : " أنت قبضت فلوسك ، النشر ده يخصنا " ، .. لتبدأ سلسلة من المماحاكات القضائية بين الأهرام والأستاذ الصباغ، وبين الزميل الأستاذ حمدي الحسيني، وللحقيقة أنا لم ألتق بالزميل الأستاذ حمدي الحسيني سوى عبر مكالمة هاتفية طلب مني فيها نسخة من روايتي بعنوان : " حنظلة .. صديقي رئيس التحرير " لأنه قرأ عنها ولم يتثنى له الحصول على نسخة لنفاذها من الأسواق، وأرسلت له نسخة ممهوره بإهداء وأتصل بي ليشكرني علي الرواية والإهداء .
إلى أن وجدت في المكتبات كتاب الزميل الأستاذ حمدي الحسيني بعنوان : " مذكرات شمس بدران .. أسرار الحياة الخاصة لـناصر وسعاد ـ السادات وهمت" .. وهنا أدركت لماذا يستخرجون مومياء العقيد بدران من مواخير التاريخ .. لا يزعم أحدنا أن عبد الناصر كان ملاكاً .. فهو بشر وهو الآن بين يدي الله .. والتاريخ الجنسى له يعرفه الكثيرون بداية من علاقات بالبنات اليهوديات في حارة خميس عدس بالخرنفش ، وأنتهاء بـالسيدة "سوسو"، و السيدة "شوشو "، وقد حكت لي الزميلة الأستاذة أماني فريد الصحفية بمجلة حواء ( يرحمها الله ) جانبا منها لكونها كانت مكلفة من مجلة الاثنين لتغطية أخبار مجلس قيادة الثورة.. أما ذمته المالية؛ فيكفي ما كتبه الأستاذ جلال الحمامصي وأثبتت صحته التحقيقات السرية التي أجراها المستشار مصطفي أبو زيد فهمي المدعي العام الاشتراكي، أما محاولة ترويج صورة عنه بأن أجهزة المخابرات في العالم كانت دائمة الرصد له فلم تسجل عليه نقيصة واحدة؛ فهي لعبة مخابراتية تجيدها المخابرات الأمريكية تحت ما يسمى بـ "أسطورة تأليه الحكام " عبر مايسمى في علوم الدعاية بـ " شهادة الأعداء "، وذلك ليس دعماً للشخص في ذاته بقدر ما هو ترويج لنموذج يمكن استنساخه لاحقا .
محاولات الأخوة الناصريين لإرهاب كل من يحاول الاقتراب من تضاريس النسيج البشري لعبد الناصر مجرد سفة .. وأيضا الادعاء بأن الشعب المصري سيضرب بالأحذية كل من يقترب من سيرة ناصر مجرد وهم مرضي من مرتزقة أجراء احترفوا حراسة الأوثان؛ فلم يطرح الأمر على الشعب المصري للإستفتاء ولم يعطي الشعب المصري توكيلاً للناصريين ليتحدثوا باسمه، وجر الناس في هذا التوقيت للتلاسن حول: هل كان عبد الناصر فاسقاً أم نصف نبي هو نوع من الإلهاء لصرف الانتباه عما هو أهم !!.
يا سادة نحن الآن أمام حالة من التشابك بين أجنحة متنازعة محكومة بالصراع على المصالح؛ حول مذكرات لم تتضح معالمها بطرحها علنية في صورتها النهائية.. ولم تتحدد بعد قيمتها العلمية والتاريخية .. ولم يعرف بعد المردود العائد على مؤسسة قومية دفعت 2 مليون جنية من أموال الشعب لتسجيلها ؛ .. لذا من منطلق الحرص الوطني على عدم المساس بحرمة التاريخ أقترح أن تضع كل الأطراف ما بحوذتها أمام مركز دراسة التاريخ بجامعة القاهرة لتبدأ عملها مع نهاية عام 2017 (أي بعد مرور 50 سنة علي الأحداث حسب القانون بما يسمح باستنطاق الوثائق التاريخية )، ويكون لمختصوه القول الفصل في القيمة العلمية والتاريخية لتلك المذكرات بعيداً عن تأليه حاكم أو رعونة مسئول أو شذوذ شخص مراوغ مثل العقيد بدران!!.. أم أنها مجرد "حكاوي قهاوي !!"



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق