الخميس، فبراير 28، 2013

ياسر بكر يكتب : يوم جلس الســادات القرفصـاء.. !!



اليوم : 18 يناير 1977

لم يكن في الأفق ما ينذر بيوم غير عادى من أيام الوطن، شمس الشتاء الشاحبة تبعث أشعتها  على استحياء عبر السحب المتناثرة في سماء مصر المحروسة .. القاهرة تصحو..، تتثاءب في كسلها المعتاد ..، وتتمطى لتنفض عن عيونها آثار نوم ليل الشتاء الطويل، .. تبدو ملامح الوجوم علي  باعة الفول المدمس والبليلة بعد أن أخبرهم التجار بزيادة الأسعار، .. صيحات باعة الصحف تعلن عن قرارات الحكومة لخفض العجز، ومنع التضخم وارتفاع الأسعار، .. تتسارع الأيدي للحصول علي نسخة من صحيفة تسابقها الأعين لمعرفة الجديد .. ؛ يسقط الجميع في بئر الصدمة .. البعض يفرك عينيه من هول ما يقرأ، .. والآخر تنتابه حالة امتزجت فيها مشاعر الغضب بالإحساس بالمرارة !!

.. كان مبعث هذه المشاعر أن الحكومة تجاهلت وعودها الكثيرة بالرخاء بعد انتهاء الحرب وتسخير موارد الدولة لخدمة المجهود الحربي، وباغتت المواطن برفع أسعار السلع الأساسية ضمن تحركاتها لتطبيق برنامج تقشف برعاية صندوق النقد الدولي الذي اشترط لحصول مصر علي قرض عدة وسائل منها : تخفيض الدعم، وتقليل النفقات العسكرية والمدنية وخفض أعداد الأيدي العاملة في القطاع الرسمي للدولة.

.. وبمقتضى تلك الشروط، سلكت الحكومة الطريق السهل لحل مشكلتها؛ فاختارت أن تضع يدها في جيب المواطن لتسرقه !!؛  من خلال تحميل الفقراء من المصريين أعباء مالية تقترب من 500 مليون جنيه سنويًا، تدفع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على شكل زيادة في أسعار جميع السلع الضرورية،  باختصار حدثت زيادة مباشرة في أسعار الخبز والسجائر والبنزين والبوتاجاز والسكر والدقيق الفاخر والذرة والسمسم والحلاوة الطحينية والفاصوليا واللحوم المذبوحة والشاي والأرز والمنسوجات والملبوسات بنسب تتراوح ما بين 30 %  إلى 50 %.، بدلاً من أن تفرض ضرائب على أصحاب الدخول الانتهازية والطفيلية الكبيرة، وتقضى على منافذ التسرب المالي والتسيب الاقتصادي والانحراف في الجهاز الحكومي والقطاع العام وترشد أنفاقها، وتقضى على مظاهر الإسراف مما يوفر أموالاً تساعد على دعم السلع الضرورية للشعب للحد من موجة الغلاء .. وقبل ذلك كله  تصدر قانوناً جديداً للضرائب يحقق العدل الاجتماعي .

الحدث :

في مساء يوم 17 يناير 1977 وقف د. عبد المنعم القيسوني – نائب الوزراء ورئيس المجموعة الاقتصادية – أمام مجلس الشعب، ليعلن عن قيام الحكومة باتخاذ مجموعة من القرارات الاقتصادية التي وصفها بـ "الحاسمة والضرورية" التي تهدف إلى خفض العجز في ميزان المدفوعات، وذلك تحت ضغط الصندوق والبنك الدوليين، ومن أجل توقيع اتفاق معهما، وأنهى د . القيسونى كلامه قائلا :

" كان علينا أن نضغط المصروفات والدعم حتى نصل بالميزانية إلى ما يقرب من التوازن وليس هناك بد من مواجهة الحقائق ومحاولة العلاج قبل أن يستفحل الأمر فلو ظلت الأسعار ثابتة فسنجد أن كل موارد الدولة تستهلك في الدعم،  بالرغم من أن الإجراءات التي اتخذت تبدو كبيرة إلا أنها لا تصحح المسار الاقتصادي وسنحاول الحصول على قروض".

.. كانت المحصلة الرئيسية لهذه  الحزمة من القرارات :
1 ـ زيادة الرسوم الجمركية بما يكفل زيادة الإيرادات السيادية بنسب تراوحت بين 25 % و100 %
2 ـ زيادة الضرائب على المشروبات الروحية والسجائر والمعسل .
3 ـ فرض رسوم إنتاج واستهلاك جديدة على بعض السلع
4 ـ إلغاء الدعم أو خفضه لبعض السلع مثل الدقيق الفاخر، والذرة، والسكر، والشاي، والشحوم الحيوانية، والأرز، والغزل والنسيج .

اعتراضات

داخل الحكومة :

كانت هذه التوصيات مثار اعتراضات داخل الحكومة وحزب مصر الاشتراكي ( الوسط )، خاصة تلك التوصية الرابعة الخاصة بإلغاء الدعم، غير أن تلك الاعتراضات لم تفلح !!، فقد كان هذا الدعم يكلف الحكومة 277 مليون جنية وهو مبلغ كاف لمساعدة الحكومة في تدبير ربع العجز الذي عانت منه الميزانية، وتذرعت الحكومة في دفاعها عن قراراتها بأنها اعتمدت 68 مليون جنية زيادة عاجلة في الأجور ورفعت حد الإعفاء الضريبي إلى 500 جنية .

انتفاضة الشارع :


.. ومع إعلان تلك القرارات في الصحف الصادرة صباح يوم الثلاثاء 18 يناير ، بدأت نتف الغضب المتناثرة في الصدور تتجمع  لتصبح بركاناً، .. ومع ساعات الظهيرة تجمعت أعداد كبيرة من الطلبة والعمال والموظفين في ميدان التحرير ومنه توجهوا إلى مجلس الشعب ليعلنوا غضبهم، .. ومع غروب الشمس بدأت الأحوال تهدأ، وبدأ الطلبة والعمال و الموظفون ينصرفون إلي منازلهم، .. لكن فجأة  وبعد السابعة مساء بدأت تظهر مجموعات مريبة مسلحة بمعاول الهدم والكيروسين وكرات القطن، وبدأت تقود عمليات الإحراق والتدمير والسلب والنهب؛ .. وسقط الشارع تحت سيطرة قوى أخرى أداتها المشردون  وقطاع الطرق ومحترفي الجريمة .
 

يوم جلس السادات
القرفصـاء.. وبكى:
ــــــــــــــــــــــــــــــ


   كان الرئيس السادات في ذلك اليوم يستمتع بشمس أسوان الدافئة، وينفث دخان الغليون، وينظر إلى نيل مصر من شرفة استراحة رئاسة الجمهورية حين تناهت إلى مسامعه هتافات جماهير أسوان الغاضبة ضده، والتي زحفت صوب الاستراحة، وهي تحطم ما يصادفها من أقواس النصر المقامة على طول طريق الاستراحة؛  ما جعل رجال حراسته يقررون ضرورة عودته إلى القاهرة، واضطروا إلى وضعه في عربة أتوبيس، افترش أرضها هو وأسرته ورجال حاشيته، حتى تبدو السيارة فارغة لا تحمل غير سائقها، وكان السادات يبكي بمرارة، وهو جالس القرفصاء على أرض الأتوبيس حتى وصلوا به إلى المطار.*(1)
 

الجيش يتصدى
لأعمال التخريب:
ــــــــــــــــــــــــــ

   .. ومع تفاقم الأوضاع، أصدر السادات أوامره بنزول الجيش لحماية منشآت الدولة، لكن المشير الجمسي اشترط قبل نزول القوات إلى الشارع إصدار بيان يفيد تراجع الحكومة عما اتخذته من قرارات، وأكد على الضباط بعدم الإساءة إلى أي مواطن أو توجيه طلقة واحدة من سلاح الجيش ضده قائلاً:

« إننا مع رجل الشارع ونبضه، وليس معنى إدانتنا لفئة من المخربين الذين حاولوا تدمير مرافق البلد أننا نتخلى عن تأييدنا للمواطن وحقوقه المشروعة».

الحدث في صحافة القاهرة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   صدرت صحف القاهرة الثلاث صباح يوم 19 يناير (الأهرام ـ الأخبار ـ الجمهورية) وفي صدر صفحاتها العناوين الآتية:

• مظاهرات في القاهرة والإسكندرية تحاول تخريب المرافق.
• قوات الأمن تتصدى لعناصر التخريب وتفرقهم بالقنابل المسيلة للدموع.
• تقرير كامل عن حوادث الشغب في القاهرة والمحافظات.
• احتراق جميع ملاهي شارع الهرم، المتظاهرون استولوا على أجهزة التليفزيون والخزائن.

   .. وذكرت الصحف أن المتظاهرين أشعلوا النار في عدد من سيارات الأهالي والشرطة والمطافئ، كما حاولوا إشعال النيران في بعض المنشآت والمباني العامة والفنادق وأقسام الشرطة ومراكز الإطفاء والمستشفيات ودور الصحف، كما هاجمت مجموعة مخازن ورق أخبار اليوم وأشعلوا فيها النيران، وقد تصدت قوات الأمن لهم واشتبكت معهم بالعصي والقنابل المسيلة للدموع، كما استخدم المتظاهرون الطوب الذي حطموا به زجاج سيارات المارة.

   .... وذكرت الصحف أن الأحداث قد بدأت في المنطقة الصناعية بحلوان، حين امتنع عمال الوردية الأولى لشركة الحرير الصناعي وعمال مصنع 45 عن العمل، وخرجوا في مظاهرة تصدت لها قوات الأمن عند طرة وأوقفتها، وتوقفت المواصلات العامة بين حلوان وطرة بسبب الأحجار الضخمة التي تناثرت على الطريق والتي انتزعها المتظاهرون من الأرصفة.

    وبعد الظهر تجمعت أعداد كبيرة من الطلبة والعمال في ميدان التحرير، ومنه توجهوا إلى مجلس الشعب، حيثُ حاولت قوات الأمن تفريقهم لكنهم رفضوا، مما اضطر قوات البوليس لاستخدام القنابل المسيلة للدموع، إلا أنهم عادوا وتجمعوا في ميدان التحرير وقذفوا مبنى الجامعة الأمريكية بالأحجار، ومنه إلى شارع سليمان، حيثُ أحدثوا تلفيات بواجهات المحلات التجارية، واتجه بعضهم ناحية فندق شبرد وكازينو قصر النيل في محاولة لإشعال النار فيهما، واتجهت مظاهرة أخرى باتجاه ميدان العتبة، حيثُ جرت محاولة لإشعال النار في مبنى مطافئ القاهرة وقسم شرطة الموسكي، وحاولوا اقتحام مبنى قيادة النجدة، واعتدى المتظاهرون على مقر حزب مصر في العتبة، وأنزلوا العلم من فوقه واللافتة المكتوب عليها اسم الحزب، وحطموا نوافذ المقر ثم اقتحموا المبنى وأخرجوا ما به من وثائق ومستندات وبعض الأثاث وأشعلوا فيها النيران.

   كما جرت محاولات لإشعال النيران في قسم شرطة السيدة زينب، وقام المتظاهرون بإشعال النار في مجمع استهلاكي بأبو الريش بعد نهب محتوياته والدرب الأحمر ومديرية أمن القاهرة، ولكن قوات الأمن تصدت لهم وتمكنت من تفريقهم.

   وفى شبرا اتجهت مظاهرة إلى قسم الساحل في محاولة لإحراقه!!

وفى الجيزة:

 
   اتجهت مظاهرة من مدينة الطلبة بإمبابة إلى شارع السودان حتى ميدان الكيت كات، حيثُ قاموا بإشعال النار في بعض الأكشاك وسيارات التروللي باص، وعندما حاولوا الاتجاه إلى كوبري الزمالك تصدت لها القوات، بينما اتجهت مظاهرة أخرى إلى كوبري الجلاء وحطمت واجهة فندق شيراتون، وفى المنيب قام المتظاهرون بقطع الطريق المؤدي إلى الصعيد بوضع جذور الأشجار وإشعال النار فيها.

في الإسكندرية:

   اجتاحت المظاهرات المدينة منذ الصباح وحتى ساعة متأخرة من الليل، وأشعلوا النار في عدة أحياء بالمدينة، كما اقتحموا عدداً من أقسام الشرطة وأشعلوا فيها النيران، وأحرقوا نقطة شريف وسينما أوديون ومبنى الشركة العربية للشحن ومبنى الاتحاد الاشتراكي بالمنشية ومجمع الخضر والفاكهة بشارع إبراهيم الشريف، وحاولت بعض المظاهرات اقتحام سنترال المنشية، وحاولت مظاهرة اقتحام الميناء، ولكن قوات الأمن تصدت لهم، وقد ساعدت الأمطار الغزيرة التي تعرضت لها المدينة على تهدئة الموقف!!

في المنصورة:

تحطيم فيلا المحافظ وحرق بعض أثاثه.

في السويس:

اقتحم المتظاهرون نقطة شرطة المثلث واستولوا على الأسلحة والذخائر، وأطلقوا النار بطريقة عشوائية.

صحف القاهرة في 20 يناير:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


    تقرير كامل «للأهرام» عن حوادث الشغب في القاهرة والمحافظات

في مواجهة المظاهرات العنيفة التي حولتها عناصر منحرفة إلى أعمال تخريب دامية شملت كل أحياء القاهرة ومرافقها ومنشآتها، نزلت وحدات من المشاة الميكانيكية وقوات الصاعقة والشرطة العسكرية إلى الشارع للمعاونة مع قوات الأمن المركزي والشرطة في التصدي لأعمال التخريب والنهب.

   وقد استخدمت قوات الأمن المركزي الذخيرة الحية لأول مرة في تفريق المظاهرات.

احتراق ملاهي
 شــارع الهرم:
ـــــــــــــــــــــــ

 
   احترقت كل الملاهي والكازينوهات عن آخرها خلال ساعات.. استمرت مكافحة النيران في الباريزيانا ورمسيس والأندلس حتى منتصف الليل، لم يترك المخربون أي محل في الشارع دون اقتحامه ونهب محتوياته من السجاد وأطقم الصيني والموائد والكراسي والآلات الموسيقية وملابس الفنانات، أما مخازن الويسكي والبيرة فقد أشعلوا فيها النار، ونشرت مجلة  «روز اليوسف» على صدر صفحة غلافها الصادر في 24 يناير صورة لامرأة فقيرة تحمل صندوق بيرة من غنائم شارع الهرم مع عنوان: «أسبوع الحرائق».

بيان النائب العام:
ــــــــــــــــــــــــــ


    نشرت صحف القاهرة الصادرة في 22 يناير في صدر صفحاتها الأولى بيان النائب العام عن حوادث التخريب، حيثُ أوردت الصحف أنه:

« في العاشرة من مساء الجمعة 21 / 1 أذاع المستشار إبراهيم القليوبي النائب العام النتائج التي توصلت إليها تحقيقات النيابة في حوادث القتل والتخريب والإتلاف التي وقعت أثناء المظاهرات في الأسبوع الماضي، وأعلن النائب العام أنه تم القبض على 1270 شخصاً في جميع أنحاء الجمهورية بتهمة التجمهر، وما نتج عنه من إتلاف وحريق وقتل وشروع في قتل وغيرها من الجرائم التي تتراوح عقوبتها ما بين الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة، كما صدرت قرارات بحبس 1063 شخصاً منهم حبساً مطلقاً وأفرج عن الباقين بعد سؤالهم.

   وذكر بيان النائب العام أن من بين هؤلاء الأشخاص 160 من الأحداث الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و13 سنة، وقد صدرت الأوامر بإيداعهم إصلاحيات الأحداث لحين الانتهاء من التحقيقات، أما الأحداث الذين تقل أعمارهم عن 12 سنة فقد سلموا لذويهم كما يقضي بذلك القانون.

    وأعلن النائب العام أن عدد القتلى في حوادث التخريب الأخير وصل إلى 79 قتيلاً منهم 44 قتيلاً في القاهرة و17 قتيلا في الجيزة و12 قتيلا في الإسكندرية و5 قتلى في السويس وقتيل في المنيا، أما المصابون فقد وصل عددهم إلى 566 مصاباً إما بالأعيرة النارية أو نتيجة للضرب بالطوب منهم 363 من الأهالي و203 من رجال الشرطة.

وأوضح النائب العام أن اللجان التي شكلتها النيابة لم تنته من حصر التلفيات وتقدير قيمتها».

 المتهمون:
ــــــــــــــــ

    قدمت النيابة متهمين في تنظيم أسمته «حزب العمال الشيوعي» ومتهمين ممن يسمون أنفسهم بـ «الناصريون»، وقلة من الماركسيين، وأعضاء بارزين في حزب التجمع الوطني (اليسار)، وضمت إليهم أسماء لا يمكن اتهامها بممارسة الشغب أو التحريض عليه مثل الأساتذة يوسف صبري، وفليب جلاب، زهدي العدوي، الصحفيين بـ (روز اليوسف)، وعبد القادر شهيب (محرر تحت التمرين)، حسين عبد الرازق (الأخبار)، محمد سلماوي (الأهرام)، صلاح عيسى (الجمهورية)، الأستاذ إبراهيم عبد الحليم رئيس تحرير مجلة دراسات اشتراكية (دار الهلال)، الأستاذين نبيل الهلالي، وزكي مراد المحاميين، والدكتور رفعت السعيد، والأستاذ محمد الجندي مدير دار الثقافة الجديدة، والأستاذ حليم طوسون مندوب اتحاد العمال العالمي.

تحريات المباحث
.. نكـتة سخـيفة:
ـــــــــــــــــــــــــ


    جاءت تحريات مباحث أمن الدولة أقرب إلى «النكتة السخيفة»؛ مما جعلها مثار سخرية رجل الشارع، فضلاً عن المحامين الذين هلهلوا تلك التحريات؛ فقد قدمت المباحث حزباً أسمته حزب العمال الشيوعي المصري بصفته مسئولاً عن الحرائق وعن مؤامرة قلب نظام، وكان عدد الذين قدمتهم 120 متهماًً منهم 109 تلاميذ، أي أنها قدمت حزب «تلامذة» يريد قلب نظام الحكم!!

   .. وكانت الأدلة التي قدمتها المباحث للنيابة تعتمد على تقارير أعدها بعض الضباط من وحي الخيال، وقد خلت من تحديد للزمان أو المكان بالنسبة لأي متهم، وكانت المضبوطات مثار سخرية الجميع، عندما فضت الأحراز بمعرفة المحكمة؛ حيثُ تبين أنها حوت مجموعة من الكتب، منها على سبيل المثال  رواية «الأم» لمكسيم جوركي، وأعداد من مجلتي «الطليعة» و «روز اليوسف»، وتسجيل صوتي لأغنية بصوت الشيخ إمام عيسى من كلمات أحمد فؤاد نجم، ومجموعة من الصور الفوتوغرافية حصل عليها الضباط الذين أجروا التحريات من مصوري الصحف الذين قاموا بتغطية الأحداث!!

   .. كان المثير للسخرية أن تحريات المباحث قد تضمنت أسماء لمتهمين قد توفوا قبل الأحداث بشهور ومتهمين خارج البلاد منذ سنوات!!

   وكان السخف الذي بلغ حد الجنون هو توجيه الاتهام للصحفيين الذين أُلقي القبض عليهم في الشوارع، أو اعتقالهم من منازلهم أو مكاتبهم بالتواجد في مواقع الأحداث.

   ومع تلك النوعية من التحريات التي أُجريت بدوافع شريرة؛ انزلقت قدم النيابة في اتهامات لم تستطع إقامة الدليل عليها؛ فقد ورد في مرافعة النيابة بجلسة 21 فبراير: (أنه «سوف يكون» هناك علاقة بين التنظيمات الشيوعية والمحرضين)، ورغم مرور 30 يوماًً على بدء التحقيقات، لم تنجح في إيجاد دليل على تلك الصلة.

   . وأعادت النيابة حبس المتهمين في القضية رقم 10 لسنة 1975 بنفس التهمة، التي سبق أن برأهم منها القضاء، وهي الانتماء للحزب الشيوعي المصري، بالمخالفة للمبدأ القانوني بعدم جواز محاكمة مواطن مرتين عن تهمة واحدة!!
 

المتهمون:
    ــــــــــــــــ

  

 وقد أسفرت تحقيقات نيابة أمن الدولة عن إحالة 172 متهماً إلى المحاكمة، هم:

   1 ـ أحمد عزت عامر 2 ـ محمود حسن الشاذلي 3 - طلعت معاذ رميح 4 - محمد فريد سعد زهران 5 ـ كمال خليل خليل – 6 ـ أمير حمد سالم 7 - أحمد بهاء الدين شعبان (هارب) 8 - أحمد مصطفى إسماعيل 9 - حلمي مبروك عباس 10- سيد أحمد حفني 11 - مصطفى علي الشبلي 12 - نادية محمود محمد 13- محمد محمد فتيح (هارب) 14- عبد الحكيم تيمور الملواني 15- محمد هشام عبد الفتاح 16- خالد عبد الفتاح إبراهيم 17 - أحمد محمد صديق 18 - فاروق إبراهيم حجاج 19 ـ محمد شهاب الدين 20 - شهرت محمود أمين العالم 21 - أحمد حمدي عبد اللطيف 22 - راندة عبد الغفار 23 - نجوى عبد الغفار البعثي 24- شوقية الكردي نصر شاهين 25 - فاتن السيد عفيفي 26 - رزق الله بولس رزق الله 27 - محمد الطيب أحمد علي 28 - ماجدة محمد عدلي 29 - عمر محمود عبد المحسن خليل 30- سميحة أحمد أحمد الكفراوي 31 - محمود مدحت محمد علي 32 - أسامة خليل 33 - إكرام يوسف خليل 34 - محمد نعيم صادق دراج 35 - مسعد السيد صالح الطرابيلي 36 - ثناء الله محمود محمد 37 ـ محمد حنفي عبد الرحمن 38 - السيد مصطفى فرج مصطفى 39 - محمد رفيق الكردي 40 - محمد أبو المكارم احمد طه 41 - صبري رزق علي سكرانة 42 - مجيد رزق علي سكرانة 43 - عاطف عبد الجواد 44- محمد حسن محمد بنوان 45- محسن محمد عبد الحميد 46 - شوقي الكردي محمد نصر شاهين 47 - محمد كمال محمد عبد الفتاح 48 - قنديل محمد يوسف منصور 49 - محمد عيسى غانم 50 - صلاح الدين يوسف عبد الحافظ 51- طارق محمد إبراهيم 52 - عماد حسن صيام 53- أحمد زكي أحمد محمد 54- رحمة محمد رفعت محمود 55 ـ عدلي محمد أحمد عليوة 56- إبراهيم عطية البار 57- لطفي عزمي مصطفى 58 - رمضان صالح أحمد سيد 59 - محمد أحمد إبراهيم 60 - حمدي عبد الفتاح مبروك 61- رضوان مصطفى رضوان الكاشف 62 - محمد عواد شفيق احمد 63 - محب مشيل يوسف 64 - أحمد محمد فتيح 65 - ممدوح عتريس عطية 66- محمود سيد البطار 67- سمير يوسف غطاس 68 - عطية السيد عياد 69 - حسني محمد محمود عبد الرحيم 70- محمود محمد محمد رجال 71 - محمد خالد عبد الحميد 72 - سلوى ميلاد يعقوب 73 - أحمد نصر احمد أبو بكر 74- محمد فكري عبد الظاهر منصور 75- السيد الدماطي 76 - رجب محمود جمعة 77 - محمد خالد إبراهيم جويلي 78 - منصور عطية رمضان 79- محمد حسن خليل 80- محمد رزق محمد الميرغني 81 ـ خالد محمد السيد الفيشاوي 82 - خليفة شاهين خليفة 83 - جمعة راشد جمعة 84 - محمد عوض خميس عوض 85 - زكى مراد إبراهيم 86 - محمود محمد توفيق87 - مبارك عبده فضل 88 ـ سيف الدين محمد صادق 89 - محمد علي عامر الزهار 90 - عبد القادر أحمد شهيب (هارب) 91 - رشدي أبو الحسن 92 - معتز محمد زكي 93 - محمد هاني محمد الحسيني 94 – ماهر علي بيومي 95 ـ عبد المنعم عبد الحليم أبو النصر96 - فاروق عبد الحميد عبد الموجود 97 - إبراهيم متولي نوار 98- نادر عبد الوهاب أحمد عناني 99 - محمد سيف الدين أحمد عبد الكريم 100- جميل إسماعيل حقي سالم 101 - مجدي طه فتح الله شرابيه 102 - محمد إبراهيم عويس 103- محمد محمد عطا العفيفي 104 - عريان نصيف ناشد 105 - جابر عبد العزيز ندا 106 - شبل السيد سالم 107- عبد الله السيد هاشم المغربي 108 - بهنسى إبراهيم عبده الشهاوي 109 - محمد عبد الله محمد 110 - ماهر سمعان غبريال 111- زهدي إبراهيم العدوي 112 - حسن علي أبو الخير 113- سمير عبد الباقي عوض 114- سيد عبد العظيم حسن 115- محمد محمود البرمبالى 116- فاروق علي ناصف 117 - عادل محمد الجردوح 118- قطب حمزة قطب 119 - فاروق أحمد رضوان 120- فاروق علي ثابت 121- نصيف حنا أيوب 122 - محمد أحمد عيد (الشهير بحمدي عيد) 123- محمد محمد فتحي عبد الجواد 124- محمد كمال عواد 125 - علي عبد الرازق محمد السيد الشربتلي 126 -عبد الرازق محمد السيد الشربتلي 127 - جلال محمد السيد خليل 128 - حامد السيد رمضان 129 - حسن بركات سيد رزق 130 - صلاح محمد محمد يونس 131- موسى زكريا موسى 132 - محمد سيد علي سعد 133- عبد المنعم علي حنفي 134 - قدري محمد علي 135 - الفونس مليكة ميخائيل 136- محمد محمد إدريس 137- أحمد فهيم إبراهيم الرفاعي 138 - عبد السلام السيد محمود 139- عبد الحليم عبد الدايم 140- صلاح الدين حنفي رمضان 141- صلاح محمد عبد القادر 142- رفاعي محمود رفاعي 143 - أحمد رضوان أحمد 144 ـ رجب محمود رفاعي 145 - عبد الصبور عبد المنعم 146- إبراهيم أحمد هلال-147 ـ غريب نصر الدين عبد المقصود 148 - مجدي عبد الحميد فرج بلال 149 - حسين محمد حسين عبد الرازق 150 - حمزة مصطفى العدوي 151 - رفعت بيومي محمد علي 152 - محمد شريف أحمد 153 ـ أحمد عثمان عبد اللطيف 154 - أبو المعاطي سليمان السندوبي 155 - زين العابدين فؤاد عبد الوهاب 156 - عزت عبد الحميد صبرة 157- صلاح السيد متولي عيسى 158- أحمد فؤاد نجم 159(هارب) - حمدي ياسين عكاشة 160 - حسين محمد محمود معلوم 161- سيد عبد الغني عبد المطلب 162- أحمد عبد الرحمن الجمال 163 - أحمد مبروك محمد 164 - محمد محمود جاد النمر 165- عبد الرحمن رياض الكريمي 166 - آمال حسين حافظ 167 - محمود محمد مرتضى 168- حسين عبد الستار سيد أحمد 169- مصطفى محمد مصطفى الخطيب -170 عبد الخالق فاروق حسين 171- مجدي تاج الدين خطاب 172 ـ عفيفي فؤاد صليب.

قرار الاتهام:
ـــــــــــــــــــ


   وجاء في قرار الاتهام في قضيتي ِالنيابة العامة التي قيدتا برقم 1844 لسنة 1977، ورقم 67/1977 كلي وسط قسم عابدين بوصف الاتهامات التي نسبت لمن شملهم قرار الاتهام بأنهم في غضون المدة من أواخر 1973 وحتى منتصف شهر مايو بجمهورية مصر العربية:

أولا: المتهمون من الأول وحتى الحادي والثمانين

   أنهم أنشأوا منظمة ترمي إلى قلب النظم الأساسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة والهيئة الاجتماعية باستعمال القوة والإرهاب والوسائل الأخرى غير المشروعة، بأن شكلوا منظمة شيوعية سرية باسم حزب العمال الشيوعي المصري تروّج لهذا النظام السياسي المقرر والأنظمة الاقتصادية والاجتماعية السائدة في البلاد عن طريق دعوة الجماهير بواسطة النشرات السرية وغيرها من أساليب الدعاية المثيرة إلى القيام بثورة شعبية للإطاحة بالسلطة الشرعية وفرض النظام الشيوعي بالقوة، بأن دبرت وشاركت عناصرهم في إطار تنفيذ المخططات الهدامة لحزبهم في التجمهر وقيام المظاهرات والاضطرابات على نطاق شامل خلال يومي 18و19 يناير 1977 بإثارتها جماهير الدهماء بالهتافات والنشرات وغيرها من ألوان الدعاية المغرضة، ودفعها إلى ارتكاب جرائم التظاهر والتخريب ومقاومة السلطات وسواها من الجرائم الجسيمة التي وقعت خلال هذين اليومين، وشملتها تحقيقات النيابة العامة المشار إليها بالأوراق مستهدفين من ذلك إشعال ثورة شعبية تقضي على نظام الحكم القائم، وتفرض الشيوعية بالعنف والإرهاب وخاب أثر محاولتهم نتيجة إحباطها بما تم اتخاذه من تدابير الأمن والنظام.

 ثانياً: المتهمان الثاني والثمانون والثالث والثمانون

   أنهما اتصلا بمنظمة حزب العمال الشيوعي المصري لأغراض غير مشروعة وبهدف التشجيع والمعاونة وأجريا اتصالات منظمة ببعض عناصره لتبادل النشرات ومطبوعاته السرية مع عدد من منظمات الرفض العربية الأخرى، كما أمدا هذه العناصر بمبالغ مالية بقصد دعم نشاط الحزب في البلاد.

ثالثا: المتهم الرابع والثمانون

   أنه اتصل اتصالا غير مشروع بمنظمة حزب العمال الشيوعي بقصد التشجيع والمعونة بأن آوى عددا من عناصره الصادر بشأنهم أوامر الضبط والتفتيش بقصد تمكينهم من الهروب ومواصلة نشاطهم التنظيمي في خدمة أهداف الحزب.

رابعا: المتهمون من الخامس والثمانين حتى الثاني والعشرين بعد المائة

   أنهم انشأوا منظمة ترمي إلى قلب النظم الأساسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة والهيئة الاجتماعية، وكان استعمال القوة والوسائل غير المشروعة ملحوظاً في ذلك، بأن شكلوا منظمة شيوعية باسم الحزب الشيوعي المصري ترمي إلى القضاء على الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية القائمة عن طريق مناهضة السلطة الشرعية والدعوة لإقامة تنظيمات معادية لمحاربتها، وتأليب الجماهير ضدها بالنشرات السرية وغيرها من وسائل التشهير والدعاية، التي تشتمل على تحبيذ الإضراب والتظاهر بهدف تغيير السلطة بهذه الوسائل وتحقيق النظام الشيوعي.

خامسا:المتهمون من الأول حتى الثاني والعشرين بعد المائة، والمتهمون من الثاني والثمانين للرابع والثمانين أيضا

    أنهم روجوا لتغيير مبادئ الدستور الأساسية وهدم النظم الأساسية الاقتصادية والاجتماعية للهيئة الاجتماعية، باستعمال القوة والعنف ولوسائل الأخرى غير المشروعة، بأن انضموا لمنظمة حزب العمال الشيوعي المصري – والحزب الشيوعي المصري واللتين تروجان بوسائل الدعاية والإثارة سعياً في فرض النظام الشيوعي،  وحاز بعضهم نشرات ومطبوعات ومحررات أخرى صادرة عن هاتين المنظمتين، تتضمن التحبيذ والدعاية لمبادئهما وأهدافهما بقصد ترويجها وتوزيعها بين أفراد الجمهور.

 سادسا: المتهمون من الثالث والعشرين بعد المائة حتى المتهم الأخير

   أنهم أذاعوا عمداً بيانات وشائعات كاذبة ومغرضة، وبثوا دعايات مثيرة ضد نظام الحكم القائم وحرضوا علانية على كراهيته والازدراء له عن طريق إصدار مجلات الحائط ووضع الملصقات وتوزيع النشرات وبواسطة الخطابة وإلقاء الأشعار في الاجتماعات والندوات العامة وبترديد الهتافات والشعارات المناهضة في المسيرات والمظاهرات والتجمعات الشعبية، وذلك بهدف التشهير بالسلطة الشرعية والتنديد بمختلف سياساتها، والطعن في قدرتها على الاضطلاع بمسئولياتها، على نحو من شأنه إثارة البغضاء ضد النظام القائم وتكدير السلم العام، وحاز بعضه محررات ومطبوعات معدة للترويج والتوزيع على أفراد الجمهور، وتشتمل على التحريض والإثارة، وكان ذلك في زمن الحرب.

سابعا: المتهمون من التاسع عشر بعد المائة حتى السابع والخمسين بعد المائة أيضا

   أنهم ارتكبوا جريمة محاولة قلب نظام الحكم المقرر في البلاد بالقوة، وما نشأ عنها من الجنايات المشار إليها بالتهمة الأولى، وأنهم انضموا إلى غيرهم من العناصر الشيوعية في إحداث الاضطرابات والقلاقل يومي 18و19 من يناير 1977 بمساهمتهم في تدبير وقيادة مظاهرات ومسيرات تألفت خلال هذين اليومين قاصدين من ذلك إشعال فتنة عامة تفضي إلى اندلاع ثورة شعبية للإطاحة بالسلطة الشرعية.

ثامنا: المتهمون من الحادي والعشرين حتى التاسع والعشرين والسابع والستين بعد المائة حتى المتهم الأخير أيضا

   أنهم خلال الفترة اللاحقة على نفاذ أحكام القانون رقم 2 لسنة 1977 بشأن حماية أمن الوطن دبروا وشجعوا وشاركوا في تجمهر يؤدى إلى إثارة الجماهير بدعوتهم إلى تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح، بهدف التأثير على ما أرسته السلطات الدستورية ومعاهد العلم لأعمالها، باستعمال القوة والتهديد باستعمالها؛ وذلك ببث الدعايات المثيرة وبترديد الشعارات والهتافات العدائية وترويج بعضهم لنشرات سرية بقصد حمل الجماهير على التجمهر والتظاهر ضد السلطات بالقوة والعنف، مستهدفين تجدد أعمال الفوضى والإرهاب وتعطيل الدراسة بالقوة، وشارك بعضهم في مظاهرات ومسيرات تألفت لهذا الغرض.

الحكم:
ـــــــــــ


    .. وبجلسة 19 إبريل سنة 1980 صدر حكم محكمة أمن الدولة العليا برئاسة المستشار حكيم منير صليب رئيس المحكمة، وحضور السيدين الأستاذين علي عبد الحكيم عمارة وأحمد محمد بكار – المستشارين بمحكمة استئناف القاهرة، والسيد الأستاذ إبراهيم هنيدي وكيل النيابة، والسيد أحمد محمد رمضان أمين سر المحكمة،. وقضت المحكمة:

أولا- بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم الخامس والثمانين زكي مراد إبراهيم بوفاته.

ثانيا – البراءة غيابيا بالنسبة للمتهمين السابع أحمد بهاء الدين شعبان والثالث عشر محمد فتيح والتسعين عبد القادر أحمد شهيب والثامن والخمسين بعد المائة أحمد فؤاد نجم وحضوريا للباقين.
ثالثا – برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى أمام هذه المحكمة بوصفها محكمة أمن دولة عليا.

 رابعا – برفض الدفع ببطلان أمر الإحالة.

 خامسا – برفض الدفع ببطلان إذن الضبط والتفتيش الصادر من رئيس نيابة أمن الدولة العليا بتاريخ 19/1/1977.

 سادسا – بقبول الدفع ببطلان الإجراءات التي قام بها رجال الأمن القومي في الدعوى رقم 10/1975 حصر أمن دولة عليا.

 سابعا – بمعاقبة كل من المتهمين الثالث طلعت معاذ رميح والثامن أحمد مصطفى إسماعيل والرابعة والعشرين شوقية الكردي نصر شاهين والخامسة والعشرين فاتن السيد عفيفي والسادس والعشرين رزق الله بولس رزق الله والثامنة والعشرين ماجدة محمد عدلي والتاسع والعشرين عمر محمود عبد المحسن خليل والرابع والأربعين محمد حسن محمد والخامس والخمسين عدلي محمد أحمد عليوة والحادي والثمانين خالد محمد السيد الفيشاوي والتاسعة والستين بعد المائة إيمان عطية محمد بالسجن لمدة ثلاث سنوات والغرامة مائة جنيه، وبمعاقبة كل من المتهمين العاشر سيد أحمد حفني والخامس عشر محمد هشام عبد الفتاح إبراهيم والسابع والخمسين لطفي عزمي مصطفى والسابع والثمانين مبارك عبده فضل والثاني والعشرين بعد المائة محمد أحمد عيد والثالث والعشرين بعد المائة محمد فتحي عبد الجواد والرابع والستين بعد المائة محمد محمود جاد النمر والسبعين بعد المائة حسين حافظ جامع بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وتغريمه خمسين جنيها وببراءتهم من باقي التهم المسندة إليهم.

 ثامنا – ببراءة باقي المتهمين من التهم المسندة إليهم.

 تاسعا – مصادرة المضبوطات ما عدا الكتب.


صفعة على وجه السادات:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


    جاء الحكم فيما قضى به بمثابة الصفعة على وجه الرئيس السادات الذي تجاوز حدود اختصاصاته بالتحدث عن قضية قيد العرض على القضاء، ولم يكتف بذلك فلم يترك خطاباً أو مناسبة دون الانتقام اللفظي من المتهمين ووصفهم باللصوص والتحريض علناً على قتلهم بقوله: «اقتلوهم حيثُ ثقفتموهم»، وتهديداته المستمرة لهم بقوله « بتوع انتفاضة الحرامية دول.. أنا ها عرف أوريهم ».

    .. كان السادات قد أرجع أسباب الانتفاضة إلى الحقد، وشخّصه بأنه خطر يهدد وحدة البلاد ويتنافى مع الطبيعة المصرية، وأنه يجب التسلح ضده والخلاص منه بأي ثمن وبشتى الوسائل، لم يكن السادات يدري بكلامه عن «الحقد» أنه يدين عصره، ويصمه من حيثُ أراد الدفاع عنه؛ فجرثومة الحقد هي «الظلم الاجتماعي».

   .. أدخل الرئيس السادات كلمة الحقد إلى القاموس السياسي المصري، وتداولتها الأقلام الصحفية وميكروفونات الإذاعة المسموعة والمرئية، بحيث أصبحت العملة الشرعية لتوصيف الحالة في يومي 18 و19 يناير في نفاق رخيص للحاكم، حتى جاء الحكم لينسف أكاذيب الرئيس السادات، ويصم عصره، ويفضح من نافقوه؛ فقد جاء بالحكم الأسباب الحقيقية للانتفاضة الشعبية التي أوجزها في:

    « ومن حيثُ إن المحكمة سوف تتولى استعراض كل دليل من أدلة الثبوت ومناقشته وتمحيصه؛ لتستبين مدى سلامة هذا الدليل وجديته ومطابقته للقانون، حتى تستخلص عقيدتها حول توافر أركان الجريمة المسندة للمتهمين؛ ولتعمل فيه حكم القانون لتقضي في الدعوى، بما يطمئن إليه وجدانها ويتحقق به العدل على هدي من الواقع والقانون، ومن حيثُ إن المحكمة وقبل مناقشتها لأدلة الثبوت لابد لها أن تعرض بالبحث والدراسة لأحداث يومي 18و19 يناير، تلك الأحداث التي أورد قرار الاتهام أن المتهمين المنتمين إلى حزب العمال الشيوعي قد حرضوا عليها وشاركوا فيها سواء بالتجمهر أو قيادة المظاهرات، وما صاحب ذلك من تحريض وتخريب وإتلاف وجرائم أخرى عديدة، ولكن المحكمة وهي تتصدى لتلك الأحداث بالبحث والاستقصاء، لعلها أن تستكشف عللها وحقيقة أمرها، لابد أن تذكر ابتداء أن هناك معاناة اقتصادية كانت تأخذ بخناق الأمة المصرية في ذلك الحين، وكانت هذه المعاناة تمتد لتشمل مجمل نواحي الحياة والضروريات الأساسية للإنسان المصري؛ فقد كان المصريون يلاقون العنت وهم يحاولون الحصول على طعامهم وشرابهم ويجابهون الصعاب، وهم يواجهون صعودا مستمرا في الأسعار، مع ثبات مقدار الدخول ثم إن المعاناة كانت تختلط بحياتهم اليومية، وتمتزج بها امتزاجا، فهم مرهقون في تنقلهم من مكان إلى آخر بسبب أزمة وسائل النقل، وهم يقاسون كل يوم وكل ساعة وكل لحظة من نقص في الخدمات وتعثر فيها، وفوق ذلك كان أن استحكمت أزمة الإسكان، وتطرق اليأس إلى قلوب الناس والشباب منهم، خاصة من الحصول على مسكن، وهو مطلب أساسي تقوم عليه حياتهم وتنعقد آمالهم في بناء أسرة ومستقبل، وسط هذه المعاناة كان يطرق أسماع المصريين أقوال المسئولين والسياسيين من رجال الحكومة في ذلك الوقت تبشرهم بإقبال الرخاء، وتعرض عليهم الحلول الجذرية، التي سوف تنهي أزماتهم وتزين لهم الحياة الرغدة الميسرة المقبلة عليهم، وبينما أولاد هذا الشعب غارقون في بحار الأمل التي تبثها فيهم أجهزة الإعلام صباح مساء؛ إذ بهم وعلى حين غرة يفاجأون بقرارات تصدرها الحكومة لرفع أسعار عديد من السلع الأساسية التي تمس حياتهم وأقواتهم اليومية.. هكذا دون إعداد أو تمهيد، فأي انفعال زلزل قلوب هؤلاء، وأي تناقض رهيب بين الآمال وقد بثت في قلوبهم، قبل تلك القرارات، وبين الإحباط الذي أصاب صدورهم، ومن أين لكل هذا الشعب ومعظمهم محدود الدخل أن يوائموا بين دخول ثابتة وبين أسعار أصيبت بالجنون؟! وإذ بفجوة هائلة تمزق قلوب المصريين ونفوسهم بين الآمال المنهارة والواقع المرير، وكان لهذا الانفعال وذلك التمزق أن يجدا لهما متنفسا؛ وإذ بالأعداد الهائلة من هذا الشعب تخرج مندفعة إلى الطرقات والميادين وكان هذا الخروج توافقيا وتلقائيا محضا.

   وإذ بهذه الجموع تتلاحم هادرة زاحفة معلنة سخطها وغضبها على تلك القرارات التي وأدت الرجاء، وحطمت الآمال، وحاولت جهات الأمن أن تكبح الجماح، وتسيطر على النظام، ولكن أنى لها هذا، والغضب متأجج والآلام مهتاجة، ووسط هذا البحر الهادر، وجد المخربون والصبية سبيلا إلى إرضاء شهواتهم الشريرة، فإذا بهم ينطلقون محرقين ومخربين ومتلفين وناهبين للأموال وهم في مأمن ومنجاة.

    وقد التهبت انفعالات هذه الجموع وتأجج حماسهم، عندما تعرض لهم رجال الأمن المركزي بعصيهم ودروعهم وقنابلهم المسيلة للدموع، فكان أن اشتعلت الأحداث، وسادت الفوضى، ولم يكن من سبيل لكبح الجماح وإعادة الأمن والنظام إلا فرض حظر التجول ونزول رجال القوات المسلحة إلى الميدان، وأمكن حينئذ وبعد جهد خارق استعادة الأمن والنظام، والذي لا شك فيه، وتؤمن به المحكمة، ويطمئن إليه ضميرها ووجدانها أن تلك الأحداث الجسام التي وقعت يومي 18و19 يناير 1977 كان سببها المباشر والوحيد هو إصدار القرارات الاقتصادية برفع الأسعار، فهي متصلة بتلك القرارات اتصال المعلول بالعلة والنتيجة بالأسباب، ولا يمكن في مجال العقل والمنطق أن ترد تلك الأحداث إلى سبب آخر غير تلك القرارات؛ فلقد أُصدرت على حين غرة، وعلى غير توقع من أحد، وفوجئ بها الناس جميعا بمن فيهم رجال الأمن، فكيف يمكن في حكم العقل أن يستطيع أحد أن يتنبأ بها، ثم يضع خطة لاستغلالها، ثم ينزل إلى الشارع للناس محرضا ومهيجا، إن هذا الفرض غير مقبول ولا معقول، ذلك أنه لم يقع أي فاصل زمني بين إعلان القرارات وخروج الناس، فما كادوا يقرأون ويسمعون، حتى خرجوا مندفعين من تلقاء أنفسهم، لم يحرضهم أحد، ولم يدفعهم فرد أو تنظيم ليعلنوا سخطهم وغضبهم، وهذا التلاحم الزمني بين إعلان القرارات واندفاع الجماهير ينفي تماما احتمالات التحريض والإثارة أو استغلال الموقف أو ركوب الموجة؛ لأن فردا مهما بلغ من قوة ودراية وتنظيم، ومهما كانت سرعته ودقة تخطيطه لا يستطيع أن يحرك هذه الجموع الحاشدة في لحظات، ولا يسيطر على مشاعرها ليوجهها إلى تحقيق أغراضه، ثم هو لا يستطيع أن يدفعها لتقوم بأعمال الحرق والتخريب والنهب والإتلاف، ذلك أن مثل هذه الأعمال الشريرة لابد أن تصاحب بطريق اللزوم العقلي والتلقائية المحضة، لابد أن تصاحب مثل هذه الاضطرابات الأمنية الكبيرة، فيقع الكثير منها بحكم اندساس اللصوص والمنحرفين؛ ليمارسوا نشاطاتهم في ذلك الخضم الهائج آمنين مطمئنين أن يمسك بهم أحد، وإذ ادعت سلطة الاتهام أن هناك من المتهمين من حرضوا على تلك الأحداث، مما أدى إلى اشتعالها، ووقع ما صاحبها من جرائم، وإنهم كانوا يريدون إشعال الثورة الشعبية فإن قولها هذا لا يساير مقتضيات المنطق، كما أن مجريات الأحداث في هذين اليومين لا تتفق مع هذه المقولة بل تناقضها تماما من ناحية أسبابها وما وقع فيها من أفعال».

   .. كما أرسى الحكم مبدأين قانونيين في غاية الأهمية، فيما يتعلق بالصور الفوتوغرافية والإبداع كأدلة اتهام في القضايا المنظورة أمام القضاء:
 

أولاً ـ الصور الشمسية

     بالنسبة إلى الصور الشمسية التي قدمت في الدعوى تدليلا على ثبوت الاتهام قِبل من أسندت إليهم التهم، فإن تلك الصور يمكن اعتبارها من قبيل قرائن الأحوال، التي لابد أن تتضامن مع أدلة أو قرائن أخرى، بما يعززها ويدعمها من خلال هذا التقييم لتلك الصور الشمسية، فإن المحكمة عرض لها بالبحث والمناقشة، وقد استبانت من مطالعتها لتلك الصور أنها قد التقطت لجمع غفير من الناس دون تمييز من بينهم وجها لأحد الأشخاص بدا صاحبه كأنه محمول على الأعناق، إلا أن المناظرة التي أجرتها المحكمة لتلك الصورة ومقارنة ذلك الشخص المحمول بالمتهم قد أسفرت عن عدم إمكان القطع بأن الصورة هي لذلك المتهم بل إن المناظرة والمقارنة لم ترجح احتمال أن يكون المتهم صاحب الصورة، ونفس هذه النتيجة قد كشفت عنها مناظرة لبعض الصور المقدمة في الدعوى، هذا بالإضافة إلى ما هو معروف من إمكان إحداث تغيير وتعديل في الشكل والملامح تقيمها الأساليب العلمية الحديثة، وفضلا عن ذلك فإن تلك الصور لا تنبئ بذاتها عن مكان وزمان وملابسات التقاطها؛ فلا يمكن القول مثلا وعلى وجه القطع واليقين إن هذه الصورة أو تلك قد التقطت يومي 18و 19 يناير 1977 وإنها صورة مظاهرة كانت في هذا الشارع أو ذاك من شوارع القاهرة وأن تلك المظاهره كانت معادية لنظام الحكم القائم في البلاد.
   .. كما أن تلك الصور ومع الفرض الجدلي المحض أنها خاصة بالمتهمين الذين نسبت إليهم فإنها لا يعتد بها في مجال التدليل على أنها التقطت في زمان معين هو يوما 18و19/1/1977 أو غيرهما من الأيام وفى مكان معين هو شوارع القاهرة وميادينها وفى مناسبات وملابسات، فضلاً عن كونها لم تفصح يقينا عن أنها خاصة بالمتهمين المنسوبة إليهم، ولم تنبئ أن هؤلاء المتهمين ينتمون لهذه المنظمة أو تلك، وان هدف المنظمة هو الإطاحة بالنظم الأساسية للمجتمع عن طريق استعمال القوة والإرهاب، وبالتالي، فإن المحكمة في مقام التدليل على ثبوت الاتهام تطرحها طرحا .

ثانياً ـ قصائد الشعر

.. بالنسبة لكلمات القصائد التي نسبت إلى أحد المتهمين وطبقا لما هو وارد في أوراق الدعوى حافلة بالمتشابهات والرمز، لدرجة أن النيابة العامة وصفت واحدة من تلك القصائد بالغموض، وهى قصيدة كتبت بمناسبة زيارة «ابن الهرمة»، كما استوضحت المتهم في كثير من الأسئلة ما يقصده بهذه العبارة أو تلك، مما يشعر أن المعنى فيه خفاء ويحتاج للشرح، ويحتمل التأويل، ومادامت قصائد المتهم على هذا المنوال من النسيج اللفظي؛ فلا ينبغي بحال اعتصار كلماتها لانتزاع دليل منها على مناهضة المتهم للنظام القائم وعلى قيامه بالتحريض على كراهيته والازدراء له، وينبغي حملها على حقيقتها باعتبارها كلمات لشاعر اتسم بجموح الخيال، ولا عجب في ذلك فالشعراء في كل واد يهيمون.

***
   .. جاء حكم المحكمة انتصاراً للإرادة الشعبية للجماهير التي خرجت للدفاع عن حقها في الحياة الكريمة، وتصديا لرغبة الحاكم في الانتقام منهم، وسجنهم، كما جاء الحكم إدانة للاستبداد والظلم الاجتماعي في عصر السادات.

   .. يرحم الله القاضي الجليل منير حكيم صليب الذي لم يُعر اهتماما لإغراء السلطة ولا لوعيدها، وأصدر حكماً تاريخياً يضاف إلى السجل الناصع في تاريخ قضاء الوطن لا يضاهيه سوى حكم شيخ الإسلام العز بن عبد السلام (بائع الأمراء).   


للمزيد من المعلومات، راجع كتاب " صناعة الكذب " : 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق