حسن أفندى البنا فى زى الجوالة التى جعلها نواة للنظام الخاص الذى ارتكب جرائم القتل ضد كل من اختلف مع الجماعة |
الوقت: الساعة الثامنة واثنتا عشرة دقيقة
من مســاء يوم 12 فـبرايـر 1949
المكان: شارع الملكة نازلي بالقاهرة (رمسيس حاليًا) أمام جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة.
الحدث: إطلاق الرصاص على حسن أفندي البنا مرشد جماعة الإخوان المسلمين وصهره المحامي عبد الكريم منصور أثناء ركوبهما سيارة تاكسي رقم 3486 أجرة مصر قيادة السائق علي محمود نفادي (ماركة فورد ـ موديل سنة 1940)، اندفع رجلان ملثمان من الجانب الآخر من الطريق وأطلقا عليهما الرصاص، ولاذا بالفرار في سيارة كانت تنتظرهما بمدخل شارع عبد الخالق ثروت بالقرب من نقابة الصحفيين.
كان البنا وصهره خارجين لتوهما من مبنى جمعية الشبان المسلمين الذي تم استدراجهما إليه بزعم التفاوض مع ممثل الحكومة للتراجع عن قرار حل جماعة «الإخوان المسلمين»، والإفراج عن معتقليها الذين أعد المرشد قوائم بأسمائهم مقابل قيام المرشد بالإرشاد عن حائزي السلاح من أعضاء الجماعة، وأماكن تخزينه، ومكان الإذاعة السرية، وأسماء العناصر الخطرة في الجماعة التي مازالت طليقة، ولم يشملهم قرار الاعتقال!!
القتل:
ــــــــــ
.. أصيب حسن البنا بسبع رصاصات، لكن حالته لم تكن خطرة، فقد ظل متماسكًا، وصعد سلم جمعية الشبان المسلمين؛ ليطلب الإسعاف التي تأخرت، فطلب من سائق التاكسي أن ينقلهما إلى مقر جمعية الإسعاف القريب على بعد خطوات؛ حيثُ كانت إصابة صهره حرجة، فقد أصيب برصاصتين إحداهما في عضده الأيمن والأخرى في فخذه الأيسر.
وفي جمعية الإسعاف قام الدكتور محمود طلعت الطبيب المناوب بتوقيع الكشف الطبي عليهما بحضور اليوزباشي ألبرت تادرس معاون الأزبكية، وقرر أن حالتهما تستدعي النقل إلى المستشفى؛ لنقص الإمكانيات في جمعية الإسعاف، وعلى الفور نقلتهما سيارتها إلى مستشفى قصر العيني، وفور وصول البنا إلى المستشفى، أخُلي له السرير رقم (3) في الحجرة 51 في سطوح ( قسم رجال )، وانتدبت إدارة المستشفى الدكتور الزيني جمال الدين لعلاجه، وتم نقل الدم له مرتين متلاحقتين، وظل البنا لا يتحدث طوال فترة العلاج سوى بقوله: «أعطوني ميه»، وقد كررها عدة مرات في ألفاظ متقطعة.
.. وفي تمام الساعة الثانية عشرة وخمسة عشرة دقيقة بعد منتصف الليل مساء يوم 12 فبراير، مات حسن البنا الرجل ذو المائة وجه والألف قناع، لتطوى صفحة من حياة رجل ملأ الدنيا صخبًا وضجيجًا طوال عشرين عامًا، ونقل الجثمان إلى مشرحة زينهم، حيثُ قام بتشريحه الأطباء الشرعيون محمد توفيق وأحمد شكيب وأحمد حسين سامي وكيل وزارة العدل المساعد للطب الشرعي.
وجاء التقرير الطبي أن: «الجسد اخترقته 7 أعيرة نارية، وأن الوفاة حدثت نتيجة النزيف من 4 أعيرة منها».
نعش تحمله النساء:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
.. وفي الساعة التاسعة من صباح يوم 13 فبراير، استيقظت القاهرة ـ مدينة الألف عام والألف مئذنة ـ على مشهد يمزق نياط القلب، لم تألف مثله منذ نشأتها؛ فقد خرج نعش البنا من منزله الكائن بـ 15 شارع سنجر الخازن بحي الحلمية الجديدة يخترق شوارع الحي للصلاة عليه في مسجد قيسون تحمله ثلاث نساء على أكتافهن (ابنتيه وزوجته) وأبوه الرجل الهرم المكلوم الذي جاوز التسعين عامًا، عند وصول الجثمان كان المسجد خاليًا من الناس والخدم بعد أن أمر رجال البوليس من فيه بالانصراف كيلا يصلوا على الجثمان!!
وقف الأب وسط دموعه أمام النعش يصلي ومن خلفه النساء الثلاث، ليمضي النعش بعد ذلك إلى مدافن الإمام الشافعي ليوارى التراب في هدوء.. بلا مظاهرات، أو هتافات تنفيذًا للشرط الوحيد الذي قطعه الوالد على نفسه في الاتفاق الذي تم بينه وبين اللواء أحمد طلعت حكمدار القاهرة لتسليمه الجثمان؛ فقد كان عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية يرى أن يشيع الجثمان مباشرة من مشرحة قصر العيني خشية أن ينتهز الإخوان الفرصة لإحداث خلل بالأمن العام يؤدي إلى نتائج خطيرة، ولكن والد البنا توجه إلى حكمدار القاهرة وطالب بإلحاح أن تشيع الجنازة من منزله، وأقر بالتزامه بالتعليمات، ووافق الحكمدار بعد استئذان وكيل الداخلية والمسئولين في الوزارة.
في مذكراته قال الدكتور محمد حسين هيكل رئيس مجلس الشيوخ:
«نقلت جثة الشيخ حسن البنا من مستشفي قصر العيني إلى منزل والده في سر من الناس، ثم أمرت بألا يشيعه إلى مقره الأخير إلا عدد محدود من أهله المقربين، وألا يقام له مأتم يقصد إليه المعزون.
وكانت المحافظة على الأمن سند الحكومة فى تصرفها. أما الإخوان فحسبوا في قتل مرشدهم العام ثأراً من الحكومة لمقتل النقراشى (باشا)».
راجل واحد
في عزاء البنا:
ــــــــــــــــــــــــــ
.. ومنعت الداخلية أسرة البنا من إقامة العزاء وتلاوة القرآن، ولم يحضر أحد من المعزين؛ لأن الجنود منعوا الناس من الدخول إلى منزل البنا، ولم يفلح في الوصول إليه سوى مكرم عبيد باشا الذي تعرض لعنت رجال البوليس الذين حاولوا أن يمنعوه فلم يستطيعوا، واستشعر القائمون على الأمر الخجل من القبض عليه لأنه لا يجوز أن يكون من الإخوان؛ ولأن المقطوع به أنه ليس من المسلمين، فتركوه يدخل إلى المنزل لتقديم واجب العزاء.
شائعة خطف الجثمان:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترددت شائعة في القاهرة أن بعض أصدقاء حسن البنا الذين آلمهم أن يدفن بهذه الطريقة المهينة يعتزمون اختطاف الجثة من قبرها وإخفاءها عن أعين البوليس، فأمرت الداخلية بمضاعفة الحراسة على المقبرة، وقبل أن يغشى الظلام مدافن الإمام الشافعي كان الجنود يحاصرون الطرق المؤدية إلى المقبرة ويتأكدون من كل شخص يمر بالطرقات المؤدية للمدافن، ووصل العنت بالجنود في هذا اليوم أنهم كانوا يأمرون مشيعي الموتى الآخرين بوضع النعوش على الأرض ورفع غطاء النعش للتحقق من وجه الميت!!
الحادث في صحف القاهرة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حرصت الصحف جميعًا ـ وكانت تحت الرقابة ـ على نشر حادث اغتيال البنا بالعناوين الكبيرة في صدر صفحاتها الأولى وترديد بيانات الحكومة التي تتهم الإخوان بأنهم قتلوا المرشد العام لجماعتهم، ولم تذكر كلمة واحدة عن المتهمين الحقيقيين، فقالت صحيفة الأهرام (المستقلة) بعنوان:
« مصرع الأستاذ حسن البنا بخمس رصاصات، شاب يهاجمه وهو يغادر دار الشبان المسلمين ثم يطلق النار على صهره، الأستاذ البنا يرسل كتابًا إلى وزارة الداخلية ويتلقى تهديدًا بالقتل إذا أفشى أسرار الجماعة المنحلة ».
وذكرت الصحيفة في متن الخبر: «. . وقد علمنا أنه كان قد أرسل أيضا منذ أيام (تقصد البنا)، خطابًا آخر إلى وزارة الداخلية يعرب فيه عن اعتزامه تسليم المحطة السرية والأسلحة وغير ذلك مما تحت يد الإخوان إلى السلطات المختصة، وأنه على أثر ذلك تلقى خطاب تهديد بالقتل إذا أذاع أي سر من أسرار الجماعة».
وقالت صحيفة الأساس (الناطقة باسم حزب السعديين الحاكم) بعنوان: «إطلاق الرصاص على الشيخ حسن البنا، إصابته بثلاث رصاصات ووفاته بعد منتصف الليل»، وألمحت الصحيفة إلى أن:
« الإخوان المسلمين هم الذين قتلوا حسن البنا؛ لأنه كان ينوي إبلاغ الحكومة عن مكان الأسلحة ومحطة الإذاعة السرية ».
وبدأت «الأساس» في رواية قصة الاغتيال فقالت:
« منذ أذاع الأستاذ حسن البنا بيانه الذي استنكر فيه أعمال الإجرام التي ارتكبها فريق من الذين انتموا إلى جماعته المنحلة، وهو يتلقى من بعض الأعضاء الذين كانوا معه استفسارات واستنكارات لموقفه.
وأول أمس تلقى خطاب تهديد، من نوع الخطابات التي انتشرت في الأيام الأخيرة في كل مكان.
وعرف أن سبب هذا التهديد الأخير لحسن البنا أنه أرسل إلى الحكومة كتابين، كان آخرها منذ ثلاثة أيام يقول في الأول منهما إنه يستنكر أشد الاستنكار الحادث الإجرامي، الذي حاول فيه أحد أتباعه السابقين نسف محكمة الاستئناف، ويصف هذا الشاب بأنه ليس أخًا وليس مسلمًا.
وأعرب في كتابه الثاني عن استعداده لتسليم محطة الإذاعة السرية التي تتحدث باسم الجماعة المنحلة، واستعداده لتسليم الذخائر والأسلحة الباقية لدى بعض أعوانه ولم تقع في يد البوليس حتى الآن ».
كانت «الأساس» تكذب لأن بيان «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين»، كتبه البنا قبل شهر من مقتله، وليس قبل ثلاثة أيام كما ادعت الصحيفة، لكنه لم ينشر إلا بعد قتله.
.. وواصلت الجريدة حملتها في التضليل، فذكرت في عددها الصادر بتاريخ 15 فبراير 1949 أنه:
« يحتمل أن الجناية حدثت بواسطة أحد أقارب المعتقلين أو أسرهم، وأن أحدهم هو الذي ارتكب الحادث انتقامًا من الشيخ لاعتقادهم بأنه غرر بهؤلاء الشبان، لهذا قامت قوات كبيرة من رجال البوليس برئاسة القائمقام محمد إمام بك بالبحث في هذا الاتجاه.
.. كما أن بعض الشهود الذين شاهدوا الحادث ذكروا أن أوصاف الشخص الذي أطلق الرصاص على حسن البنا قد يوهم بأنه من أهل الريف، وقد ندبت مجموعة من رجال البوليس للسفر إلى ضواحي القاهرة والقليوبية لتفتيش منازل أقارب بعض المتهمين هناك ».
ونشرت جريدة «المصري» (لسان حال حزب الوفد) الخبر بعنوان: «مصرع الشيخ حسن البنا، إطلاق 6 رصاصات عليه أمام جمعية الشبان المسلمين»، لكنها خرجت عن الطرح الذي تناولت به الصحف الأخرى الحادث، وقدمته بتناول مختلف بعد أن استطاع مندوبها محيي الدين فكري أن يدخل إلى جمعية «الشبان المسلمين»، وأن يلتقط رقم السيارة (9979 خصوصي مصرـ ماركة ليموزين ـ سوداء اللون) التي أقلت الجناة، والذي أملاه شاب نوبي كان يجلس على مقهى مقابل للجمعية لمحمد الليثي سكرتير لجنة الشباب بجمعية الشبان المسلمين الذي كتبه على علبة سجائر وأبلغه للنيابة، وأسرع محيي فكري إلى مبنى الصحيفة ليلتقي بمرسي الشافعي مدير التحرير، ويكتب وصفًا للحادث وفيه رقم السيارة التي فر بها الجناة وصورة حسن البنا.
لكن الأستاذ توفيق صليب مدير الرقابة على الصحف فزع من الصورة ورقم السيارة لعلمه يقينا أنه رقم السيارة المخصصة لتنقلات الأميرالاي محمد عبد المجيد مدير إدارة البحث الجنائي بوزارة الداخلية، فيتصل بالرقيب العام عبد الرحمن عمار يسأله الرأي، ثم يأمر بمصادرة «المصري» فيقتحم البوليس المطبعة ويصادرون الأعداد التي لم توزع، لكن خمسة آلاف نسخة من العدد المُصادر تسربت إلى الأسواق ونفدت جميعها وسط لهفة القراء على متابعة الحادث.
واضطرت جريدة «المصري» إلى إصدار طبعة ثانية من العدد رقم 4074 الذي تمت مصادرته بعد أن حذفت منه ما سبق أن نشرته في طبعتها الأولى.
المفاوضات
بين البنا والحكومة:
ــــــــــــــــــــــــــــ
بدأت المفاوضات بين البنا والحكومة عندما علم البنا أن النقراشي قد قرر حل جماعة «الإخوان المسلمين» عشية استشهاد اللواء سليم زكي حكمدار العاصمة يوم 4 ديسمبر 1948 على أثر إلقاء قنبلة سقطت تحت رجليه ألقاها أحد طلاب كلية الطب المنتمين للجماعة من أعلى سطح مبنى الكلية.
بدأ البنا المفاوضات باستعلاء على الجميع بتقديم التماس للملك في صباح 5 ديسمبر وأنهاها بانكسار شديد قبيل مقتله بدقائق بطلب وساطة محمد أفندي الناغي سكرتير جمعية الشبان المسلمين والموظف بمصلحة البريد لكونه من قرية الزرقا ـ مركز فارسكور، بلدة إبراهيم عبد الهادي باشا، وينتمي إليه بصلة قرابة (ابن خالة).
تقدم البنا بالتماس للملك يتملقه في بدايته ويعرب فيه عن ولائه لجلالته وإخلاصه للعرش بالكلمات:
«أصدق آيات الإخلاص، وأخلص معاني الولاء».
ثم انتقل في الجزء الثاني إلى الطعن في النقراشي وتحريض الملك عليه بالكلمات:
« والعالم كله الآن يا صاحب الجلالة تغلي مراجله بالأحداث الجسام والخضوب العظام، ويبدو في آفاقه كل يوم شأن جديد، لا يقوى أبدا دولة النقراشي باشا على أن يضطلع بأعباء التصرف فيه بما يحفظ كرامة مصر، ويصون حقوق هذا الوادي المجيد العظيم، والنزاهة وطهارة اليد لا تكفي وحدها لمواجهة هذه العمرات المتلاحقة من أحداث الزمن ومضلات الفتن».
واختتم التماسه بالعدول عن حل الجماعة بالكلمات:
« ويتردد على الأفواه والشفاه، قرار حل الهيئة ووعيد الحكومة لكل من اتصل بها بالويل والثبور وعظائم الأمور».
............................
.....................
يا صاحب الجلالة:
« إن الإخوان المسلمين يلوذون بعرينكم وهو خير ملاذ ويعوذون بعطفكم وهو أفضل معاذ ملتمسين أن تتفضلوا جلالتكم بتوجيه الحكومة إلى نوع من الصواب، أو بإعفائها من أعباء الحكم؛ ليقوم بها من هو أقدر على حملها ولجلالتكم الرأي الأعلى ».
ولم تشر أي من المصادر إلى أن الملك قرأ التماس البنا، أم لا، وهل علم به أم لا؟! لكن الثابت أن الديوان الملكي أحاله في 6 ديسمبر إلى النقراشي باشا رئيس مجلس الوزراء (بخطاب رقم 1666 سرى)، لكن البنا الذي سد في وجهه باب الملك، لجأ إلى حامد جودة رئيس مجلس النواب الذي أبلغه مطالب النقراشي، لكن البنا اكتفى بالقول: «إن كل هذه الأمور التي يتحدث عنها دولة الباشا، لا يعرف عنها شيئا!!». ليسد باب ثان من أبواب الوساطة.
طرق البنا باب مرتضى المراغي مدير الأمن العام طالبًا منه التوسط لدى النقراشي كي يتوقف عن التفكير في حل الجماعة، وبينما يتحدث معه انفعل البنا بشدة وحملت كلماته تهديدا ووعيدا للنقراشي، وهو ما حدا بالمراغي للاعتذار عن استمرار الحوار، ليسد بابا ثالثا!!
فقد ذكر مرتضى المراغي في مذكراته، أنه بينما كان يقضي إجازة نهاية الأسبوع في منزل الأسرة بحلوان، جاءه رسول من طرف البنا يطلب الإذن له بالزيارة، ووافق المراغي والتقى البنا، عن الزيارة يقول المراغي في ص192، 193 من المذكرات:
« قلت : يا أستاذ حسن إن رسالتك خطيرة، وسأبلغها إلى الملك، وسأبلغ رأيك في حل الإخوان، وخطورة عاقبته إلى النقراشي».
هز الأستاذ رأسه وقال: إني أعرف أنه عنيد، وسينفذ رأيه، ولكني رجوت أن تخبر الملك علّه يقنعه بالعدول عن تلك الجريمة النكراء.
وقدحت عينه شررا وقال:
ـ نعم إنها جريمة يريد النقراشي ارتكابها، هل يظن أننا لعبة في يده يستطيع تحطيمها بسهولة؟
وانقلب الشيخ الوديع نمرًا هائجًا، ولكنه عاد إلى طبيعته الهادئة حينما رآني أنظر إليه، وضحك قائلاً:
ـ «لا تؤاخذني إذ نسيت نفسي».
نقل مرتضى المراغي رسالة البنا إلى النقراشي:
«أرجو يا دولة الرئيس أن تقدر خطورة إصدار القرار، إن الإخوان يشكلون منظمات سرية لا علم لوزارة الداخلية حتى الآن بأسماء أعضائها. وقد يكون بعضهم داخل الوزارة ومن حراس الأمن. وأنا أعلم أن كثيرين من ضباط الجيش هم من جماعة الإخوان.
قال النقراشي: هل تريد أن نعترف بشرعيتهم؛ لأنه حكم على بعضهم بالسجن، هل تسمح لهذه الجماعة بأن تتمادى إلى حد قتل القضاة؟ لا بد من حل هذه الجماعة.
ثم ضحك قائلاً: إني أعرف ديتها، إنها رصاصة ولا رصاصتان في صدري.
أُغلقت الأبواب جمعيها في وجه البنا، ولم يجد بدًا من طرق باب النقراشي بنفسه، فتناسى ما قاله من طعن بحق النقراشي في الالتماس المقدم للملك وتناسى أيضا الاستخفاف بمطالب النقراشي التي نقلها إليه حامد جودة باشا، وتناسى كلمات التهديد والوعيد للنقراشي في حواره مع مرتضى المراغي والتي تم نقلها للنقراشي بطريقة ما أو بأخرى.
ذهب البنا بنفسه لمقابلة النقراشي في مساء يوم 8 ديسمبر، فقابله عبد الرحمن عمار بك (صديقه الشخصي وصديق الجماعة)، وجلس معه وأعد تقريرًا بالمقابلة رفعه للنقراشي جاء فيه:
«إن البنا راح يترحم على سليم زكي باشا قائلاً:
إنه كان صديقًا حميمًا له وكان بينهما تعاون وثيق وتفاهم تام.
................
...............
وأن البنا تكلم مادحًا في حق النقراشي قائلاً: إنه على يقين من نزاهته وحرصه على خدمة وطنه وعدالته في كل الأمور.
.................
.................
وأنه لو تمكن من مقابلة دولته بعد أن مضت سنتان لم يلتقيا فيهما بسبب فجوة أثارها الوشاة لاقتنع دولته بأنه من صالح الحكومة والأمة معًا أن يبقى الصرح الضخم الذي جاهد الإخوان سنوات طويلة في إقامته.
.......................
........................
ثم جعل يبكي (البنا) بكاء شديدًا، ويقول إنه سيعود إلى مقره في انتظار تعليمات دولة رئيس الوزراء، داعيًا له بالخير والتوفيق».
من الالتماس المقدم للملك، وتهديد النقراشي على مسمع مدير الأمن العام والاستخفاف بمطالب النقراشي التي نقلها إليه حامد جودة باشا والتقرير الذي كتبه عبد الرحمن عمار، بدا البنا مراوغًا في مفاوضاته وجهوده ومساعيه ودون أن يأبه لتناقض أقواله؛ فالوسيلة عنده لا تهم، فهو تارة يؤكد أنه كفيل بتوجيه الإخوان الوجهة التي يراها، وتارة أخرى يشكو من عجزه وافتقاده السيطرة على هذه الجماعة، ودائما كان يشكو ممن أسماهم بالإرهابيين، ويقول إنه زار الكعبة ودعا الله أن يخلصه من هؤلاء الذين خرجوا عن طوعه، وأضاف أنه لا يبغي أكثر من استمرار جريدتهم اليومية، لكنه في كل الأحوال كان يضع الإفراج عن معتقلي الجماعة شرطًا لتقديم المعلومات أو وسيلة لجمع المعلومات المطلوبة!!
لم يقدم حسن البنا لمفاوضيه شيئًا ذا قيمة، فالرجل بطبيعته يحمل شخصية ذات سمات مخابراتية من طراز رفيع، فقد «دوخ مفاوضيه السبع دوخات»، وذهب بهم إلى شاطئ النهر، وعاد بهم عطشى، ولم يقدم سوى كلام مرسل أشبة بالرمال الناعمة التي يصعب الإمساك بها.
كان البنا يتفاوض بينما «النظام الخاص» يعد خطة قتل النقراشي بعلمه وبمباركته (حسب ما جاء باعترافات عبد المجيد حسن)، وبعد ساعات من الاغتيال، راح ينفي صلته وجماعته بالجريمة، ويمهد الطريق لجولة ثانية من المفاوضات بمقال نشره في الصحف بعنوان: « بيان للناس» جاء فيه:
« وقعت أحداث نسبت إلى بعض من دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها أو يلتزموا نهجها، مما ألقى عليها ظلاً من الشبهة، فصدر أمر بحلها وتلا ذلك هذا الحادث المروع حادث اغتيال دولة رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي باشا الذي أسفت البلاد لوفات ».
تناسى البنا أنه سقط في «دوامة الدم»، وأنه مجبر على الدوران مع حلقاتها حتى تبتلعه مثل قشة، فراح يتصل ب إبراهيم عبد الهادى باشا الذى رفض مقابلته، ثم أحال الأمر إلى من أخلص أعوانه، هما زكي علي باشا ومصطفى مرعي بك الوزيرين في حكومته ليستدرجاه خطوة، خطوة ليقدم تنازلاً أثر تنازل لمواصلة التفاوض للعدول عن قرار حل الجماعة، لكن الأحداث كانت أسرع منه، فبعد يومين من نشر البيان وقع حادث محاولة نسف مكتب النائب العام بمحكمة استئناف القاهرة بباب الخلق، وأسقط في يد البنا باعتذار الوزيرين عن الوساطة في ظل الظروف المستجدة، لكن مع استمرار إلحاح البنا، أقنعه مصطفى مرعي بك بكتابة بيان ينفي فيه انتماء الجناة للجماعة، وأن أفعالهم تخرجهم من دائرة المنتمين للإسلام والمسلمين، وأن يدعو أنصاره ومؤيديه إلى محاربة كل من يخرج على القانون، وبعد تردد وافق وبعث إلى وزارة الداخلية خطابًا يتضمن بيانا بعنوان: « ليسوا إخوانًا، وليسوا مسلمين »، بينما يرى البعض أنه سلمه إلى محمد الناغي لتوصيله إلى إبراهيم عبد الهادي باشا، وجه البنا في البيان اللوم إلى الذين ارتكبوا الحوادث الماضية، وأشار إلى حادث محاولة نسف مكتب النائب العام، قائلاً في صدده إنه وقع بعد يومين من الكتاب الذي أذاعه في الصحف بعنوان « بيان للناس»، وأضاف في خطابه:
« .. وكأن مرتكب حادث محاولة النسف أراد أن يتحداني بهذا».
ثم ذكر في آخر خطابه: «. . وليعلم أولئك الصغار من العابثين أن خطابات التهديد التي يبعثون بها إلى كبار الرجال أو غيرهم لن تزيد أحدًا إلا شعورًا بواجبه، وحرصًا تامًا على أدائه».
.. واختتم البنا خطابه بقوله: « وإنني لأعلن منذ اليوم، سأعتبر أي حادث يقع من أي فرد سبق له الاتصال بجماعة الإخوان المسلمين موجهًا إلى شخصي».
لكن حيلة البنا لم تنطل على مفاوضيه فقد كشف ضبط السيارة الجيب بأحد شوارع العباسية عن كتيب صغير تضمن بعض معتقدات النظام الخاص بالجماعة ومنها: « يجوز إيهام القول للمصلحة».
مضت الأيام ولم يتحقق للبنا شيء مما كان يرجوه ويتعجله، فلجأ إلى صديقه فتحي رضوان المحامي الذي يتولى الدفاع عن المتهمين من أعضاء الجماعة، لكن رضوان قال له:
« إن الحكومة والملك لا يطيقان مجرد وجودك، ووجود جماعتك في الدنيا، فلا تشغل نفسك بما لا نفع فيه، ولا جدوى منه، ولا تستمع لرسل السلطة الذين يعبثون بنا».
ذهب البنا بنفسه لمقابلة النقراشي في مساء يوم 8 ديسمبر، فقابله عبد الرحمن عمار بك (صديقه الشخصي وصديق الجماعة)، وجلس معه وأعد تقريرًا بالمقابلة رفعه للنقراشي جاء فيه:
«إن البنا راح يترحم على سليم زكي باشا قائلاً:
إنه كان صديقًا حميمًا له وكان بينهما تعاون وثيق وتفاهم تام.
................
...............
وأن البنا تكلم مادحًا في حق النقراشي قائلاً: إنه على يقين من نزاهته وحرصه على خدمة وطنه وعدالته في كل الأمور.
.................
.................
وأنه لو تمكن من مقابلة دولته بعد أن مضت سنتان لم يلتقيا فيهما بسبب فجوة أثارها الوشاة لاقتنع دولته بأنه من صالح الحكومة والأمة معًا أن يبقى الصرح الضخم الذي جاهد الإخوان سنوات طويلة في إقامته.
.......................
........................
ثم جعل يبكي (البنا) بكاء شديدًا، ويقول إنه سيعود إلى مقره في انتظار تعليمات دولة رئيس الوزراء، داعيًا له بالخير والتوفيق».
من الالتماس المقدم للملك، وتهديد النقراشي على مسمع مدير الأمن العام والاستخفاف بمطالب النقراشي التي نقلها إليه حامد جودة باشا والتقرير الذي كتبه عبد الرحمن عمار، بدا البنا مراوغًا في مفاوضاته وجهوده ومساعيه ودون أن يأبه لتناقض أقواله؛ فالوسيلة عنده لا تهم، فهو تارة يؤكد أنه كفيل بتوجيه الإخوان الوجهة التي يراها، وتارة أخرى يشكو من عجزه وافتقاده السيطرة على هذه الجماعة، ودائما كان يشكو ممن أسماهم بالإرهابيين، ويقول إنه زار الكعبة ودعا الله أن يخلصه من هؤلاء الذين خرجوا عن طوعه، وأضاف أنه لا يبغي أكثر من استمرار جريدتهم اليومية، لكنه في كل الأحوال كان يضع الإفراج عن معتقلي الجماعة شرطًا لتقديم المعلومات أو وسيلة لجمع المعلومات المطلوبة!!
لم يقدم حسن البنا لمفاوضيه شيئًا ذا قيمة، فالرجل بطبيعته يحمل شخصية ذات سمات مخابراتية من طراز رفيع، فقد «دوخ مفاوضيه السبع دوخات»، وذهب بهم إلى شاطئ النهر، وعاد بهم عطشى، ولم يقدم سوى كلام مرسل أشبة بالرمال الناعمة التي يصعب الإمساك بها.
كان البنا يتفاوض بينما «النظام الخاص» يعد خطة قتل النقراشي بعلمه وبمباركته (حسب ما جاء باعترافات عبد المجيد حسن)، وبعد ساعات من الاغتيال، راح ينفي صلته وجماعته بالجريمة، ويمهد الطريق لجولة ثانية من المفاوضات بمقال نشره في الصحف بعنوان: « بيان للناس» جاء فيه:
« وقعت أحداث نسبت إلى بعض من دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها أو يلتزموا نهجها، مما ألقى عليها ظلاً من الشبهة، فصدر أمر بحلها وتلا ذلك هذا الحادث المروع حادث اغتيال دولة رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي باشا الذي أسفت البلاد لوفات ».
تناسى البنا أنه سقط في «دوامة الدم»، وأنه مجبر على الدوران مع حلقاتها حتى تبتلعه مثل قشة، فراح يتصل ب إبراهيم عبد الهادى باشا الذى رفض مقابلته، ثم أحال الأمر إلى من أخلص أعوانه، هما زكي علي باشا ومصطفى مرعي بك الوزيرين في حكومته ليستدرجاه خطوة، خطوة ليقدم تنازلاً أثر تنازل لمواصلة التفاوض للعدول عن قرار حل الجماعة، لكن الأحداث كانت أسرع منه، فبعد يومين من نشر البيان وقع حادث محاولة نسف مكتب النائب العام بمحكمة استئناف القاهرة بباب الخلق، وأسقط في يد البنا باعتذار الوزيرين عن الوساطة في ظل الظروف المستجدة، لكن مع استمرار إلحاح البنا، أقنعه مصطفى مرعي بك بكتابة بيان ينفي فيه انتماء الجناة للجماعة، وأن أفعالهم تخرجهم من دائرة المنتمين للإسلام والمسلمين، وأن يدعو أنصاره ومؤيديه إلى محاربة كل من يخرج على القانون، وبعد تردد وافق وبعث إلى وزارة الداخلية خطابًا يتضمن بيانا بعنوان: « ليسوا إخوانًا، وليسوا مسلمين »، بينما يرى البعض أنه سلمه إلى محمد الناغي لتوصيله إلى إبراهيم عبد الهادي باشا، وجه البنا في البيان اللوم إلى الذين ارتكبوا الحوادث الماضية، وأشار إلى حادث محاولة نسف مكتب النائب العام، قائلاً في صدده إنه وقع بعد يومين من الكتاب الذي أذاعه في الصحف بعنوان « بيان للناس»، وأضاف في خطابه:
« .. وكأن مرتكب حادث محاولة النسف أراد أن يتحداني بهذا».
ثم ذكر في آخر خطابه: «. . وليعلم أولئك الصغار من العابثين أن خطابات التهديد التي يبعثون بها إلى كبار الرجال أو غيرهم لن تزيد أحدًا إلا شعورًا بواجبه، وحرصًا تامًا على أدائه».
.. واختتم البنا خطابه بقوله: « وإنني لأعلن منذ اليوم، سأعتبر أي حادث يقع من أي فرد سبق له الاتصال بجماعة الإخوان المسلمين موجهًا إلى شخصي».
لكن حيلة البنا لم تنطل على مفاوضيه فقد كشف ضبط السيارة الجيب بأحد شوارع العباسية عن كتيب صغير تضمن بعض معتقدات النظام الخاص بالجماعة ومنها: « يجوز إيهام القول للمصلحة».
مضت الأيام ولم يتحقق للبنا شيء مما كان يرجوه ويتعجله، فلجأ إلى صديقه فتحي رضوان المحامي الذي يتولى الدفاع عن المتهمين من أعضاء الجماعة، لكن رضوان قال له:
« إن الحكومة والملك لا يطيقان مجرد وجودك، ووجود جماعتك في الدنيا، فلا تشغل نفسك بما لا نفع فيه، ولا جدوى منه، ولا تستمع لرسل السلطة الذين يعبثون بنا».
لكن رغبة البنا في استرداد جماعته كانت عارمة، فلم يمتثل للنصح فذهب إلى صديقه محمد أفندي الناغي سكرتير جمعية الشبان المسلمين، وفي صباح يوم السبت 12 فبراير بعث الناغي محمد الليثي سكرتير لجنة الشباب بالجمعية إلى حسن البنا في منزله ليخبره بنجاح الوساطة، وأن اجتماعًا سيعقد في تمام الخامسة بمقر الجمعية سيحضره ممثل عن الحكومة، وذهب البنا في الموعد ولم يجد اجتماعا، ولم يحضر مسئول، ولم يرد أحد على تليفونات الناغى، وفي الثامنة قرر البنا الانصراف فطلب من صالح عوض ساعي الجمعية إحضار سيارة أجرة.
كان بيان البنا بعنوان « ليسوا إخوانًا، وليسوا مسلمين» بمثابة الخطأ القاتل الذي جرته إليه أقداره لتكتمل المأساة على طريقة أبطال التراجيديات الإغريقية، وعندما نشر البيان بعد قتله، كان له مفعول السحر في فك عقدة لسان قاتل النقراشي، فاعترف بالكثير عن علم حسن البنا بالتدبير للجريمة ومباركته لها، وهو ما أسقط القناع عن دعاوى البنا التي برر بها وجود «النظام الخاص» ودوره في مناهضة الاحتلال، فحقيقة الأمر أن «النظام الخاص» لم يكن أداة من أدوات التحرر الوطني، ولكنه كان أداة لتصفية الخصوم من أبناء الوطن المختلفين مع فكر وتوجه الجماعة!!
أصابع الاتهام:
ــــــــــــــــــــــ
بعد لحظات من مقتل البنا أشارت أصابع الاتهام في كل ناحية، وباتجاه كل حدب وصوب فالحكومة تتهم الإخوان بتدبير الحادث،. والإخوان يتهمون الملك والسراي، والبعض يتهم رجال الداخلية وعلى رأسهم إبراهيم عبد الهادي باشا وعبد الرحمن عمار بك وكيل الداخلية، وآخرون يتهمون شباب السعديين بتدبير الجريمة انتقاما لمقتل النقراشي، بينما رأى البعض توجيه الاتهام إلى الإنجليز والصهاينة الذين أوجعتهم بطولات كتائب الإخوان في فلسطين. وسرت شائعة تتهم زوجة النقراشي باستئجار قتلة مأجورين من صعيد مصر اغتالوا البنا أخذا بثأر زوجها، لكن الشيء المؤكد أن كل الأطراف قد عجزت عن إقامة دليل على ما تدعيه!!
اتهام الحكومة للإخوان:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منذ الوهلة الأولى بدأت الحكومة تلصق الاتهام بجماعة الإخوان وتبرر قتلهم لمرشدهم بأنه قد أبدى استعداده لتسليم أشخاص من جماعته إلى البوليس بعد أن تبرأ منهم بقوله: «ليسوا إخوانًا» بل ورماهم بالكفر والخروج من الملة بقوله: «وليسوا مسلمين»، وتسليم سلاح الجماعة، والإرشاد عن مقر الإذاعة السرية.
وراحت تغذي الشائعات التي تضخم الخلاف بين البنا وأفراد من جماعته، فانتشرت شائعات أن البنا قد فصل بعض أفراد من جماعته وهددهم بإبلاغ البوليس عنهم، وشائعة أخرى تفيد استياء بعض أعضاء الجماعة من تصرف حسن البنا في أموال الجماعة وكأنها أمواله الخاصة، لدرجة أنه أنشأ شركة خاصة برأسمال 20 ألف جنيه، وعين سائقه الخاص عبد العزيز حسن مديرًا لها، وشائعة ثالثة تتهم البنا بالتلاعب المالي والاستيلاء على بعض الأموال التي تم جمعها، على سبيل الاكتتاب من الشعب لمساعدة فلسطين الشقيقة في محنتها، وشائعة رابعة تتهم البنا بالتستر على فضائح أخلاقية ارتكبها صهره عبد الحكيم عابدين مع بعض زوجات وبنات أعضاء من الجماعة، وتدخل البنا شخصيا لعدم توقيع عقوبة عليه، وعندما اعترض ضحايا عابدين وبعض أفراد الجماعة، قام البنا بفصلهم وتهديدهم بالإبلاغ عنهم.
الملك والسراي:
ـــــــــــــــــــــــــ
وفي المقابل أشارت أصابع الإخوان المسلمين بالاتهام إلى الملك والسراي، لكن الإخوان لم يقدموا واقعة واحدة تعزز الدفع بالاتهام في هذا الاتجاه، فالإخوان يبذلون الحب وفروض الولاء للملك فاروق من قبل أن يتولى سلطاته الدستورية، ومع احتفالات هذه المناسبة صدرت أوامر المرشد العام لفرقته العسكرية بالتوجه إلى قصر عابدين لمبايعة الملك على كتاب الله وسنة رسوله، وتكررت المبايعة نفسها في عيد الجلوس الملكي،. وفي مناسبات متنوعة ومتعددة تجمع «الإخوان» عند بوابات قصر عابدين هاتفين «نهبك بيعتنا، وولاءنا على كتاب الله ورسوله»، وذكرت جريدة البلاغ في 20 ديسمبر 1937 انه عندما اختلف النحاس باشا مع القصر خرجت الجماهير تهتف: «الشعب مع النحاس»، فسير البنا رجاله هاتفين: «الله مع الملك».
.. وفي يوم زواج الملك من الملكة فريدة في 20 يناير 1938 قامت جوالة الإخوان بالاحتشاد بأوامر من البنا، والهتاف للملك.
وقد خصصت الجماعة مؤتمرها الرابع لغرض واحد هو الاحتفال باعتلاء جلالته العرش.
وعندما تعرض الملك لحادث القصاصين في 15 نوفمبر 1943، قام البنا بالتنظيم الجماهيري لجماعته ليعبر عن الأفراح بنجاته.
وقد دأبت جريدة الإخوان المسلمين على إضفاء مسحة دينية على الملك وأصبح غلافها محجوزًا لصورته مرة وفي يده المسبحة وأخرى وهو ملتح، وتواصلت سياسة الإطراء على أسرة محمد علي، وقد بالغ حسن البنا في مقالاته في نفاق الملك بكلمات من نوع (عرشك العزيز، وتاجك المقدس ودعوتك المستجابة، وأمرك المطاع، ويدك الكريمة، ونظرك السامي، وعهدك السعيد)، وقد أجاد الملك استخدامهم في ألاعيب السياسة، واستمر الإخوان المسلمون على علاقة جيدة وحميمة بفاروق..
وواصلت جريدة الإخوان المسلمين تعبئة الرأي العام ولفت نظره إلى خطوات الملك فاروق الدينية، وتصف استقبال الجماهير له وهو في طريقه لتأدية الصلاة بمسجد السلطان أبو العلا وهتافاتهم بحياته. وبلغ النفاق ذروته عندما كتب حسن البنا مقالا في الصفحة الأولى بنفس الجريدة بعنوان: «حامي المصحف»، يذكر فيه أنه أثناء رحلة الملك إلى الصعيد قدم له أحد المرافقين فصًا أثريًا، وقال: «إن هذا يجلب لك الحظ والخير»، واخرج آخر مفتاحا وادعى مثل تلك الدعوى، فما كان من فاروق إلا أن أخرج مصحفًا من جيبه وقال: «إن هذا هو مفتاح كل خير عندي». ، وذهب الإخوان ومرشدهم إلى ما هو أبعد من ذلك، فأخذوا يلاحقون تحركات فاروق ويصدرون التعليمات من مكتب الإرشاد إلى جميع الفروع في الأقاليم ليصطف الأعضاء بأعلامهم، وفرق الجوالة على المحطات التي يقف فيها القطار الملكي لأداء فروض الولاء والاحتفاء بالطلعة المحبوبة.
كان الملك يعرف أن ولاء حسن البنا، ولاء مدفوع الثمن ومن أجل المصلحة؛ لذا واصل القصر إمداد الجماعة بالإعانات المالية والهبات التي ظهرت بوضوح مع عام 1940.
كل الشواهد وكتابات رجال القصر تشير إلى أن الملك لم يثق يوما في البنا، لكن كل الشواهد تؤكد أيضا أنه لم يكن صاحب مصلحة في قتله!!
ومع ذلك كان إصرار الإخوان على اتهام الملك بقتل مرشدهم ومحاولة الثأر منه، فقد ذكر مرتضى المراغي في مذكراته: أنه تم العثور على مسدس في جيب عامل الأسانسير الخاص بقصر القبة، وهو الأسانسير الذي كان يستعمله الملك فاروق، لكن شاءت إرادة الله أن يبيت الملك ليلتها خارج القصر، وبالتحقيق مع هذا العامل تبين أنه عضو بالنظام الخاص للجماعة، وقد واجه المراغي المرشد حسن الهضيبي وعبد الحكيم عابدين بالواقعة.
الإنجليز والصهاينة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
رأى بعض «الإخوان المسلمين» توجيه أصابع الاتهام إلى الإنجليز والصهاينة بزعم أن بطولات كتائب الإخوان في فلسطين قد أوجعتهم، وهو اتهام يجافي الحقيقة تمامًا، ويعكس رغبة الجماعة في منح نفسها قدرات تعلو على حقيقة واقعها، وأن دولاً تتخوف من قوتها، ولم تجد بدًا من اغتيال مرشدها، وهو أيضا ما يعكس رغبة الجماعة في الاستئثار لنفسها دون غيرها بالدور الذي قام به الشباب من مختلف قوى الصف الوطني، وإيهام البسطاء أنهم هم الذين خاضوا جميع المعارك على أرض فلسطين، وأنهم لا ينامون الليل من أجل استرداد أرضها وحقوق شعبها.
لكن هذا الاتهام يتناقض مع العلاقة الوثيقة التي كانت تربط الإخوان ببريطانيا العظمى، والتي كانت أول من قدم الدعم المادي للجماعة في صورة تبرع بمبلغ 500 جنيه من شركة قناة السويس، وهي بالطبع أموال مخابراتية لا تُدفع لوجه الله، ولكن لتحقيق أغراض بعينها، فقد ذكر أنطوني إيدن أن الأنجليز كانوا يستخدمون الإخوان في إثارة القلاقل والاضطرابات حتى تتعطل مفاوضات الجلاء.
يدحض هذا الاتهام أن كتيبة الإخوان التي دخلت إلى فلسطين بقيادة الشيخ محمد فرغلي لم تطلق رصاصة واحدة صوب اليهود!!
ففي المرحلة الأولى للمواجهة المسلحة بين العرب والصهاينة، كان موقف الحكومة المصرية هو الامتناع عن إشراك الجيوش النظامية، والاكتفاء بإرسال متطوعين وإمدادهم بالسلاح؛ فأعدت لهذا الغرض معسكرات للتدريب، شارك فيه شباب المتطوعين من مختلف القوى السياسية، وعندما طلب الإخوان المسلمون السماح لهم بالتدريب في معسكرات خاصة بهم، رفضت الحكومة وفتحت لهم معسكرات الحكومة التي أنشأتها لذات الغرض، وقد تولى ضباط الجيش المصري تدريب المتطوعين، وكانت الجامعة العربية هي التي تتولى تكلفة التسليح والملابس والإعاشة بالكامل وليس المركز العام للجماعة.
وفي تلك الأثناء قام بعض متطوعي الإخوان بعمليات بطولية فردية مثل نسف مستعمرتي فانداروم ودير البلح ردًا على مذبحة دير ياسين.
لكن الشيء المؤكد أن كتيبة الإخوان التي دخلت إلى فلسطين بقيادة الشيخ محمد فرغلي لم تطلق رصاصة واحدة صوب اليهود، وكان البنا يزعم أنه أنشأ النظام الخاص (الجناح العسكري للإخوان المسلمين) لمقاومة المحتل الإنجليزي، وجاءت حرب فلسطين التي كانت أول حقل فعلى لتدريب الإخوان على خوض المعارك الفعلية، لكن حسن البنا ادعى: (أنه علم أن هناك مؤامرة دولية للقضاء على هذا الصف المدرب أثناء القتال).
وأرسل البنا أوامره للشيخ محمد فرغلي ألا يدخل أي معركة حتى تصدر له الأوامر من القاهرة، وعليه أن يخفي ذلك عن الإخوان.
وطال انتظار الإخوان لدخول المعركة ـ وكانوا من قبل يخرجون للعمليات أكثر من مرة في الليلة الواحدة، واستمر انتظارهم شهرًا كاملاً، حتى تسرب القلق إلى صفوفهم وبدأت الشائعات تسري بينهم بأن الشيخ محمد فرغلي خائن، وأن اليهود قد اشتروا ذمته؛ ولهذا فهو يمنعهم من القتال، ولما وصل الأمر إلى الشيخ فرغلي وعلم أن الأمر قد وصل ببعضهم أن يتفقوا على قتله جمعهم وأفضي إليهم بما عنده من أوامر من القاهرة، وتمت تصفية الموقف، وبدأوا يشاركون في العمليات مرة أخرى، ولكن بحذر وبغير تكثيف.
كتائب الشيخ حسن البنا
ستتأخر بعض الــوقت!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الأستاذ أحمد حسين أول من كشف زيف دعاوى الإخوان عن قصص البطولات الخيالية عن تضحياتهم وشهدائهم في حرب فلسطين، ففي العدد 142 من جريدة مصر الفتاة ـ بتاريخ 12 يناير 1948، كتب أحمد حسين مقالا ً بعنوان: «أيها اليهود انتظروا قليلاً، فإن كتائب الشيخ حسن البنا ستتأخر بعض الوقت!»، وجاء في المقال الساخر:
« طالما أذاع الشيخ حسن البنا عن كتائبه التي تبلغ عشرات الألوف، وأنها مزودة بالأسلحة والمعدات، وأنه اختارها من بين الملايين الذين يدينون للشيخ بالطاعة والولاء، وبدأت مشكلة فلسطين تتخذ دورًا خطيرًا في مرحلتها الأخيرة، فسارع في إرسال البرقيات لمفتي فلسطين، والجامعة العربية، وإلى جميع الدول، والهيئات الدولية، فاطمأن العرب أن جيوش حسن البنا سترهب الصهيونيين وأنصارهم، والدول التي تؤازرهم، ثم صدر قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وأصبح لا مجال للحديث، وسكت القلم وانتظرنا السيوف أن تتكلم، وأن تعمل فتطيح بالرقاب، رقاب الأعداء الكفرة من الصهيونيين وأنصارهم، وأعلن الشيخ حسن البنا عن كتيبته الأولى التي تبلغ عشرة آلاف، وأنه تم تجهيزها وإعدادها، وأنه يعمل على تجهيز كتيبتين أخريين لتلحقا بالكتيبة الأولى، وتلحق بذلك جحافل الكتائب! ثم ماذا؟! لا شيء على الإطلاق! والمسالة ـ كما يعرف دائما ـ ليست إلا دجلاً وشعوذة وضحكًا على عقول المصريين وغيرهم فيمن يأملون شيئًا من الخير في الشيخ وأعوانه. كفى تهريجًا أيها الناس وكونوا صادقين مرة واحدة في حياتكم كلها، وليعمل واحد منكم على تنفيذ شعاركم الذي تقولون فيه: «إن الموت في سبيل الله أحلى أمانينا، فإن ميدان الشرف والجهاد مفتوح للجميع، وطريق السفر برا وبحرا وجوا لم يغلق دون أحد من الناس».
أبشر بطول
سلامة يا جورج :
ــــــــــــــــــــــــــــ
بعد مقتل حسن البنا وفي 18 أكتوبر 1951 تم إلغاء اتفاقية 1936 وإعلان الكفاح المسلح ضد الانجليز في القناة فإذا بالمرشد الجديد للإخوان حسن الهضيبي يصرح لمندوب جريدة «الجمهور المصري» في عددها الصادر بتاريخ 25 أكتوبر 1951 :
« هل تظن أن أعمال العنف تخرج الإنجليز من البلاد، إن واجب الحكومة اليوم أن تفعل ما يفعله الإخوان من تربية الشعب وإعداده وذلك هو الطريق لإخراج الإنجليز » .
وبعدها خطب الهضيبي في شباب الإخوان قائلاً : « اذهبوا، واعكفوا علي تلاوة القرآن الكريم «، مما حدا بالأستاذ خالد محمد خالد لكتابة مقاله الشهير بعنوان « أبشر بطول سلامة يا جورج» بمجلة روز اليوسف في عددها الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 1951 سخر فيه من المرشد ودعوته .
فاتهام الإخوان للإنجليز والصهاينة بقتل مرشدهم محض هراء لم يقم عليه دليل؛ فالإخوان لم يشاركوا في حــرب فلسطين، ولم يفعلوا ما يعد ذريعة لقتل مرشدهم!!
شباب السعديين:
ــــــــــــــــــــــــــ
أشار الإخوان بأصبع الاتهام إلى شباب السعديين، وخاصة أنهم كانوا يهتفون أثناء جنازة النقراشي: « الثأر.. الثأر، الدم.. بالدم!! »، « رأس البنا.. برأس النقراشي ».
وأشيع أن أحد الإخوان كان قد أبلغ البنا أن: « محمد كامل الدماطي مدير مكتب النقراشي قد شكل مجموعة من سبعة أفراد، حلفوا برأس النقراشي أن يقتلوا حسن البنا ».
.. ولكن هذا أيضا لم يقم عليه دليل.
زوجة النقراشي:
ـــــــــــــــــــــــــــ
طالت أصابع الاتهام أيضا صاحبة العصمة علية هانم زكي، زوجة النقراشي، وقيل إنها استقبلت قاتله، وأهدته صورة لزوجها، كتبت عليها: «إهداء مني إلى البطل»، وأهدته قطعتين من الصوف «الإنجليزي» وحقيبة بها ملابس حريرية لزوجته، ورزمة من الأوراق المالية مجموعها 400 جنيه، لكنه اتهام أيضا لم يقم عليه دليل، وقد نفت أسرة النقراشي هذه الشائعة، ووصفتها بالسخيفة.. ومعها الحق؛ فقد كان الواقع يؤكد أن زوجة النقراشي تعيش هول صدمة فقد الزوج، وتحاول لملمة أشلاء النفس، وتدبير أمور حياتها، وخاصة أن النقراشي الذي عرف عنه النزاهة ونظافة اليد بشهادة خصومة ومنهم حسن البنا، مات فقيراُ، فقد أثبت تقرير تشريح جثمانه وجود حافظة نقود عليها آثار دماء وبها مبلغ ثلاثة جنيهات فقط هي ما تبقي له من راتبه في آخر الشهر.
فإذا ما أضفنا إلى هذا الظرف حالة الخوف التي كانت تعيشها الزوجة نتيجة التهديدات التي تصلها يوميا من خلال البريد بقتل وخطف أبنائها، والتي كانت تكتفي بإرسالها إلى وزارة الداخلية، لكنها في إطار الحرص على سلامة ابنها وابنتها (صفية وهاني) امتنعت عن إرسالهما إلى مدارسهما لمدة عام دراسي كامل!!
.. وقد امتدت هذه التهديدات لتشمل أبناء لها من زواج سابق؛ فقد كانت متزوجة قبل زواجها من النقراشي من المهندس علي زغلول بك الذي وافته المنية أثر إصابته بمرض السرطان.
فإذا ما أضفنا إلى هذا الظرف حالة الخوف التي كانت تعيشها الزوجة نتيجة التهديدات التي تصلها يوميا من خلال البريد بقتل وخطف أبنائها، والتي كانت تكتفي بإرسالها إلى وزارة الداخلية، لكنها في إطار الحرص على سلامة ابنها وابنتها (صفية وهاني) امتنعت عن إرسالهما إلى مدارسهما لمدة عام دراسي كامل!!
.. وقد امتدت هذه التهديدات لتشمل أبناء لها من زواج سابق؛ فقد كانت متزوجة قبل زواجها من النقراشي من المهندس علي زغلول بك الذي وافته المنية أثر إصابته بمرض السرطان.
تحقيقات النيابة:
ــــــــــــــــــــــــــ
في الساعة الواحدة بعد منتصف ليل الحادث انتقل الأستاذ محمد زكي عصمت وكيل نيابة مصر إلى مكان الحادث، واستمع إلى أقوال محمد الليثي، وأثبت رقم السيارة التي استقلها الجناة، وقد استمرت التحقيقات حتى الساعة السادسة صباحًا، وقد أجمع موظفو وخدم جمعية الشبان المسلمين على أنهم لم يروا الحادث، ولكنهم سمعوا صوت المقذوفات النارية فهرعوا إلى خارج مبنى الجمعية، ولم يروا الجاني أثناء فراره.
وفي منتصف الساعة الخامسة من مساء نفس اليوم انتقل إلى مكان الحادث محمود منصور بك النائب العام، والأساتذة عبد العزيز حلمي رئيس النيابة، والأستاذان محمد زكي عصمت ومحمود حسن عمر وكيلا النيابة ود.أحمد حسين سامي بك وكيل وزارة العدل للطب الشرعي، ومحمد شكيب الطبيب الشرعي، ورجال البوليس وعاينوا مكان الحادث وخطوا رسمًا كروكيا له.
وقام المحققون والأطباء الشرعيون بمعاينة سيارة التاكسي واستخرجوا منها فارغا لمقذوف ناري، وأثبت المحققون آثار دماء على أرض السيارة ومقعدها الخلفي، وقدروا قيمة التلفيات التي أصابت السيارة نتيجة لتهشم بابيها الخلفيين وتحطم زجاجها بمبلغ ثلاثة جنيهات، كما أثبت المحققون أن عداد السيارة مازال يعمل وأنه بلغ في ساعة المعاينة 193 قرشًا.
وقد عثر المحققون في داخل السيارة على مسبحة ذات حبات خشبية بنية اللون يظن أنها خاصة بالبنا.
وفي الساعة الثامنة والربع مساء عاد إلى مكان الحادث الأستاذ عبد العزيز حلمي رئيس النيابة والأستاذ محمد زكي عصمت وكيل النيابة لمعاينة مكان الحادث في وقت مماثل لوقت وقوع الجريمة، ولمعرفة ما إذا كان الضوء كافيا ليتبين شاهد الرؤية الجاني أثناء هربه أم لا؟!
استمعت النيابة إلى أقوال محمد زكي علي باشا ومصطفى مرعي بك وزيري الدولة لأن المجني عليه قد اتصل بهما بشأن الوساطة لرجوع الحكومة عن قرار حل جماعة الإخوان المسلمين، كما استمعت إلى أقوال محمد صالح حرب رئيس جمعية الشبان المسلمين لأنه كان آخر من التقى المجني عليه.
وفي 21 فبراير انتقل الأستاذ محمود حسن عمر الوكيل الأول لنيابة مصر العمومية إلى مستشفي قصر العيني لسماع المجني عليه الثاني عبد الكريم منصور المحامي، كما أجرت النيابة عرضا في ساحة المحكمة للسيارات المشتبه بها، لكن التحقيقات لم تصل إلى شيء!!
لم يحفظ النائب العام محمود منصور بك القضية، ولم يقيد القضية ضد مجهول، وبقيت أوراق القضية تنتظر!!
وفي عهد حكومة حسين سري، تمت إعادة النظر في القضية، لكن لم يتم التوصل إلى الجناة، وتولى مصطفي النحاس رئاسة الوزارة في 12 يناير 1950، وتولي محمد عزمي بك منصب النائب العام ولم يُفتح التحقيق في قضية قتل البنا.
حسن البنا..
الجاني والمجني عليه!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يكن البنا مجنيًا عليه فحسب بل كان جانيا أيضا، جني البنا على نفسه أولا، ومن ثم على البسطاء والسذج من أتباعه ومريديه الذين أوهمهم بأن معتقده هو اليقين المطلق، فانسحبت جرائم ميليشياته إلى كل من اختلف مع فكره.
فالبنا لم يكن شيخًا بالمعنى المتعارف عليه، ولم يكن رجل علم، ولم يكن فقيها، فهو مجرد «أفندي» نصف متعلم؛ فقد تصدى بجهل لعمل لم يمتلك أدواته، ودعوة لم يكن مؤهلاً للقيام بأعبائها؛ فالرجل لم يكن لديه إلمام بالدراسات الإسلامية، ولم يكن متابعا للفكر وللحركة الإسلامية ومتغيرات السياسة الدولية، وفلسفة النظم السياسية، فضلا أنه لم يدرس مناهج التفكير وأساليب البحث العلمي التي أُتيحت لأقرانه الذين درسوا بالجامعات؛ فقد حالت ظروفه الاجتماعية التي اضطرته للعمل وهو صبي دون حفظ أكثر من نصف القرآن الكريم رغم بلوغه الرابعة عشرة من عمره، مما حال دون التحاقه بالأزهر الشريف، فالتحق بالتعليم الإلزامي ومن بعده بمدرسة المعلمين الأولية ثم بتجهيزية دار العلوم، وهي شهادة كانت آنذاك تعادل شهادة البكالوريا، وهي شهادة لا تؤهل صاحبها للتدريس في معهد ديني، ولم يكن متاحًا للبنا سوى العمل في وظيفة مدرس للخط بإحدى مدارس الإسماعيلية الابتدائية، وقد لوحظ جهل البنا باللغة وأسباب نزول القرآن باستشهاده بآيات الذكر الحكيم في غير موضع، وعدم الدراية بمقاصد الشريعة فأفتى بجواز قتل المشرك الذي بلغته الدعوة (دعوة الإخوان)، وأصر على العداء للمسلمين، ويجوز قتل من أعان على قتال المسلمين (الإخوان المسلمين) بيده أو بماله أو بلسانه!!
كان جهل البنا باللغة العربية والدراسات القرآنية، والفقه ومقاصد الشريعة، سببا في اعتناقه فكرًا فاسدًا ظهرت أولى ثماره على الأرض بتكوين «النظام الخاص» الجناح العسكري للجماعة، والتي يقال إن البنا أسسه عام 1940، ولكن محمود الصباغ أحد أفراده ذكر في مذكراته أنه انضم إليه عام 1939 وهو ما يعطي انطباعًا أنه قد تأسس قبل ذلك التاريخ.
.. وقد ادعى البنا أنه أنشأ «النظام الخاص» لأغراض التحرر الوطني ومقاومة المحتل الأجنبي، ومناهضة الصهيونية، ومحاربة الشيوعية، لكن في حقيقة الأمر كان «النظام الخاص» لتصفية واغتيال أبناء الوطن ممن اختلفوا مع البنا وفكر جماعته.
جرائم البنا:
ـــــــــــــــــــ
فالبنا لم يكن شيخًا بالمعنى المتعارف عليه، ولم يكن رجل علم، ولم يكن فقيها، فهو مجرد «أفندي» نصف متعلم؛ فقد تصدى بجهل لعمل لم يمتلك أدواته، ودعوة لم يكن مؤهلاً للقيام بأعبائها؛ فالرجل لم يكن لديه إلمام بالدراسات الإسلامية، ولم يكن متابعا للفكر وللحركة الإسلامية ومتغيرات السياسة الدولية، وفلسفة النظم السياسية، فضلا أنه لم يدرس مناهج التفكير وأساليب البحث العلمي التي أُتيحت لأقرانه الذين درسوا بالجامعات؛ فقد حالت ظروفه الاجتماعية التي اضطرته للعمل وهو صبي دون حفظ أكثر من نصف القرآن الكريم رغم بلوغه الرابعة عشرة من عمره، مما حال دون التحاقه بالأزهر الشريف، فالتحق بالتعليم الإلزامي ومن بعده بمدرسة المعلمين الأولية ثم بتجهيزية دار العلوم، وهي شهادة كانت آنذاك تعادل شهادة البكالوريا، وهي شهادة لا تؤهل صاحبها للتدريس في معهد ديني، ولم يكن متاحًا للبنا سوى العمل في وظيفة مدرس للخط بإحدى مدارس الإسماعيلية الابتدائية، وقد لوحظ جهل البنا باللغة وأسباب نزول القرآن باستشهاده بآيات الذكر الحكيم في غير موضع، وعدم الدراية بمقاصد الشريعة فأفتى بجواز قتل المشرك الذي بلغته الدعوة (دعوة الإخوان)، وأصر على العداء للمسلمين، ويجوز قتل من أعان على قتال المسلمين (الإخوان المسلمين) بيده أو بماله أو بلسانه!!
كان جهل البنا باللغة العربية والدراسات القرآنية، والفقه ومقاصد الشريعة، سببا في اعتناقه فكرًا فاسدًا ظهرت أولى ثماره على الأرض بتكوين «النظام الخاص» الجناح العسكري للجماعة، والتي يقال إن البنا أسسه عام 1940، ولكن محمود الصباغ أحد أفراده ذكر في مذكراته أنه انضم إليه عام 1939 وهو ما يعطي انطباعًا أنه قد تأسس قبل ذلك التاريخ.
.. وقد ادعى البنا أنه أنشأ «النظام الخاص» لأغراض التحرر الوطني ومقاومة المحتل الأجنبي، ومناهضة الصهيونية، ومحاربة الشيوعية، لكن في حقيقة الأمر كان «النظام الخاص» لتصفية واغتيال أبناء الوطن ممن اختلفوا مع البنا وفكر جماعته.
جرائم البنا:
ـــــــــــــــــــ
.. وبأسلوب المجرم المحترف، بدأ البنا جرائمه في 24 فبراير 1945 باغتيال د. أحمد ماهر باشا في جريمة من النوع الذي يطلق عليه «الجريمة النظيفة»، وهي نوع من الجرائم التي لا يترك المجرم فيها أثرًا يدل عليه، فقد اغتال رجال البنا د. أحمد ماهر دون أن يتركوا بصمة واحدة، وألصقت التهمة بالحزب الوطني لسنوات طويلة، وظل الاعتقاد سائدًا بين الدارسين والمؤرخين أن اغتيال د. أحمد ماهر بعيد تماما عن جماعة الإخوان المسلمين، وظل السر مكتوما لأكثر من أربعين سنة إلى أن كشف الشيخ سيد سابق في حديث لجريدة «المسلمون» أن اغتيال ماهر نفذه «النظام الخاص» بالإخوان المسلمين، وأن محمود العيسوي كان منخرطا «النظام الخاص» بشكل سري، وهو نفس ما أكده الشيخ الباقوري في مذكراته التي نشرتها مركز الأهرام للدراسات، وأكده أيضا الأستاذ خالد محمد خالد في إحدى حلقات مذكراته التي نشرتها جريدة الوفد بتاريخ 15 / 10 / 1992، .. وأعاد نشرها في كتاب بعنوان : « قصتي مع الحياة «، أكد فيها أن جريمة اغتيال د. أحمد ماهر كانت من تخطيط، وتنفيذ «النظام الخاص»، وأن العيسوي كان عضواً بالإخوان، وفدائي في النظام الخاص، وأن النظام الخاص كان بارعاً في التنكر؛ فهو بعد تدريب أعضاءه علي كافة أفانين الإرهاب، يأمر بعضهم بأن يلتحق ببعض الأحزاب والجماعات حتي إذا اختير يوما لعمل من أعمال الاغتيال والإرهاب لم يبد أمام القانون والرأي العام من أعضاء الإخوان ..
كان قتل د. ماهر عملا من أعمال الانتقام قامت به جماعة الإخوان لسقوط مرشدهم في الانتخابات البرلمانية التي جرت في دائرة الإسماعيلية في 8 يناير 1945، والتي شهدت منافسة قوية بينه وبين د. سليمان عيد متعهد توريد الأغذية لقوات الجيش البريطاني في منطقة القناة.
وكان من الطبيعي سقوط البنا؛ الذي استقدم فرق الجوالة من جميع أنحاء ربوع مصر، تطوف بالمدينة في استعراض للقوة وسط هتاف: «إلى البرلمان يا بنا»، ودون أن يدرك أنه لا يمتلك أرضية حقيقية أو كتلة أصوات تمكنه من الفوز؛ فهو رجل وافد على الإسماعيلية، وكل ما يربطه بمجتمعها صلة نسب بعائلة الصولي التي تزوج بإحدى بناتها، بينما خصمه من كبار العائلات بها، وتربطه المصالح وعلاقات العمل بأبنائها!!
كان البنا يدرك أن فرص نجاحه شبه منعدمة، ولكنه لجأ إلى ترشيح نفسه في إطار المناورة السياسية للحصول على بعض المكاسب، مثلما فعل مع النحاس باشا في انتخابات 1942 ودون حساب لتغير الظرف التاريخي لانتخابات 1942، فقد تشكلت حكومة النحاس بعد حادث 4 فبراير في ظل الشعور بجرح الكرامة الوطنية واستياء الشعب والملك بعد محاصرة الإنجليز لقصر عابدين وإرغام الملك على إسناد رئاسة الحكومة إلى الوفد ليحمي ظهرهم في حربهم ضد المحور، كما أن الحكومة عجزت عن تدبير احتياجات المواطن من الغذاء والكساء في ظل الكساد الذي ساد البلاد بسبب الحرب العالمية الثانية؛ لذا عرض النحاس على البنا مقابل الانسحاب من الترشيح:
1 ـ حرية الجماعة في استئناف أعمالها على نطاق شامل والسماح لها بإنشاء 140 شعبة جديدة.
2 ـ أن تعد الحكومة باتخاذ بعض الإجراءات اللازمة لحظر المشروبات الكحولية والدعارة.
الطريف في الأمر أن مجلة «المصور» أجرت في الأسبوع الثاني من فبراير 1946 استطلاعا بين قرائها لاختيار رجل العام لسنة 1945، فكان الفائز حسن البنا!!؛ وهو ما يؤكد لنا قدرة الرجل على الخداع والتمويه والتضليل.
وفي 3 ديسمبر 1946، وبعد انتهاء شهر العسل بين الإخوان وحكومة إسماعيل صدقي بعد توقيع اتفاقية (صدقي ـ بيفن)، قام «النظام الخاص» بتفجير القنابل وإشعال النار في أقسام الشرطة، فتم حرق أقسام الموسكي، والجمالية، والأزبكية، وعابدين، ومصر الجديدة، والخليفة ومركز إمبابة، ونقطة السلخانة.
وفي 27 مارس 1947 هجم الإخوان المسلمين وغوغاؤهم على كنيسة ألأقباط في الزقازيق، فضربوا سيدات الأقباط، وطاردوهم ثم حطموا الكراسي، وكسروا النوافذ، وحملوا الكتب المقدسة وداسوها وهدموا سور الكنيسة.
وفي مطلع عام 1948 كان غرور القوة قد بلغ بالبنا حد الجنون، بالاستعلاء على الجميع، فأصدرت جماعة الإخوان المسلمين نتيجة السنة الجديدة، وعليها صورة حسن البنا بدلا من صورة جلالة الملك، وعندما قدمت للملك فاروق بواسطة أحد أفراد حاشيته في إطار التحذير من تزايد خطورة البنا، قال ساخرًا: «وهذه هي صورة الملك الجديد!!»، أي حسن البنا.
وفي 22 مارس 1948 قتل اثنان من الإخوان المستشار أحمد بك الخازندار، وذلك بسبب إصداره حكمًا قاسيًا على أحد أعضاء الجماعة سبق اتهامه بالهجوم على مجموعة من الجنود الإنجليز في أحد الملاهي الليلية، واكتشف البوليس الصلة بين الشابين وبين مجموعة المقطم وبين جهاز سري مسلح داخل جمعية الإخوان المسلمين، ويُقبض لوقت قصير على المرشد حسن البنا نفسه، ولكنه أُفرج عنه لعدم توافر الأدلة.
وفي 20 يونيو 1948 اشتعلت النيران في بعض منازل حارة اليهود.
وفي 19 يوليو تم تفجير محلي شيكوريل، وآركو وهما مملوكان لتجار من اليهود، وكان الأسبوع الأخير من يوليو والأول من أغسطس هما أسبوعا الرعب بالقاهرة، حيثُ تتوالى الانفجارات في ممتلكات اليهود، وتهز المرة تلو الأخرى شوارع قلب العاصمة بتفجيرات عنيفة راح ضحيتها الكثيرون، وخلال أسبوعين دمرت محلات بنـزايون، وجاتينيو، وشركة الدلتا التجارية، ومحطة ماركوني للتلغراف اللاسلكي.
وفي 22 سبتمبر دمرت عدة منازل في حارة اليهود ثم وقع انفجار عنيف في مبنى شركة الإعلانات الشرقية.
وفي 15 نوفمبر ضُبطت سيارة جيب وضعت يد البوليس على اثنين وثلاثين من أهم كوادر الجهاز السري، وعلى وثائق وأرشيفات الجهاز بأكمله بما فيها خططه وتشكيلاته وأسماء الكثيرين من قادته وأعضائه، وكان البنا قد أمضى معظم شهر أكتوبر وبضعة أيام من نوفمبر مؤديًا فريضة الحج ليبتعد قليلاً عن احتمال القبض عليه، فما إن عاد حتى تعرض للقبض عليه لوجود دليل ضده في سيارة الجيب المضبوطة، ولمسئوليته المباشرة عن حادث نسف شركة الإعلانات قبل مغادرته مصر، ولكنه أُفرج عنه هذه المرة أيضا لعدم توافر الأدلة..
كان البنا قد شحن نفوس أتباعه إلى أقصى مدى بالمشاعر الإرهابية، والتحريض ضد الحكومة تجاه قضية فلسطين إلى الدرجة التي أوقعته في مأزق، فوجد نفسه مطالبًا إما بأن يواجه القصر والحكومة، وإما أن يواجه أتباعه؛ فحاول أن يلعب بآخر أوراقه مستغلا غضب طلاب الجامعة، ورفضهم للشروط المهينة التي خضعت لها الحكومة في اتفاقية الهدنة في فلسطين؛ ليخفف من قبضة الحكومة على الجماعة.
وفي 4 ديسمبر 1948 تظاهر طلاب الإخوان، وخرج البوليس لفض التظاهرات، ودارت اشتباكات أمام فناء كلية طب قصر العيني، واستخدم الإخوان المتفجرات، وكان حكمدار العاصمة سليم زكي يمارس عمله في فض الشغب من فوق سيارته حيثُ سُددت نحوه قنبلة أصابته إصابة مباشرة، واتهم بيان حكومي جماعة الإخوان المسلمين بقتله، وعلى أثر ذلك، صدر قرار من الحاكم العسكري، (كانت الأحكام العرفية معلنة بسبب حرب فلسطين) بإيقاف صحيفة الجماعة.
وفي 8 ديسمبر 1948، أصدر الحاكم العسكري العام محمود فهمي النقراشي باشا قرارًا عسكريًا بحل جماعة الإخوان المسلمين، كان البنا يتفاوض مع ممثلي الحكومة للتراجع عن قرار حل الجماعة، راجيًا تارة ومستعطفًا تارة وباكيًا مرة ومتوعدًا مرة أخرى، في الوقت الذي أصدر الشيخ سيد سابق «مفتي الدم» في الجماعة فتوى بوجوب قتل النقراشي، وأخذ جنود «النظام الخاص» يعدون خطة القتل بعلم البنا وبمباركته (حسب ما جاء باعترافات عبد المجيد حسن لاحقًا)، وبعد ساعات من الاغتيال في عرين وزارة الداخلية ووسط جنودها وضباطها في 28 ديسمبر 1948، راح البنا ينفي صلته وجماعته بالجريمة، متناسيا أن الدافع إلى الجريمة واضح للعيان، والمستفيد منها معلوم للكافة!!
من قتل حسن البنا؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
استشعر الجميع الإهانة من الطريقة التي قتل بها النقراشي في عرين وزارة الداخلية، ووسط قياداتها، وزاد الإحساس بالمهانة أن الإخوان قد قتلوا في شهر واحد حكمدار القاهرة اللواء سليم زكي، ثم وزير الداخلية محمود فهمي النقراشي، كان محمد كامل الدماطي مدير مكتب النقراشي يحلف برأس النقراشي أن يقتل حسن البنا، وكان عبد الرحمن عمار وكيل الداخلية متألمًا لسقوطه في خداع البنا الذي كان يتفاوض معه، وهو يدبر لقتل وزيره، وكأن الأميرالاي محمود عبد المجيد مدير إدارة المباحث الجنائية يستشعر الخزي والخيبة لعجزه عن تأمين الوزير في بهو الوزارة، صفعة البنا أوجعت الجميع وأشعلت نار الغضب فيهم.
كان الجميع يصر على الثأر، وقتل البنا بعد أن تبين لهم استحالة اتخاذ إجراء قضائي ضده، ففي كل مرة كان البنا يخرج مثل الشعرة من العجين لعدم توافر الأدلة الكافية.
بعد استشهاد النقراشي بثلاثة أيام منح عبد الرحمن عمــار وكيل الداخلية الأميرالاي محمود عبد المجيد مدير إدارة المباحث الجنائية صلاحيات واسعة، وسهّل له الاستعانة بمن يراهم أهلاً لتنفيذ المهمة.
كان عبد المجيد يميل للخروج على القانون، ولا يتورع عن معالجة الجريمة بالجريمة!!؛ لأنه يتصور أن وضع اليد على المجرمين هدف سام يجوز في سبيل تحقيقه كل مخالفة للقانون.
تحرك عبد المجيد ليملأ الإدارة بضباط وجنود الشرطة الذين عملوا معه في جرجا ـ سوهاج حاليًا ـ فندب اليوزباشي عبده أرمانيوس من الجيزة إلى إدارة البحث الجنائي، ونقل من جرجا كلا من البكباشي أمين حلمي، والبكباشي حسين كامل، ومخبر الشرطة الأمباشي أحمد حسين جاد، والمخبر حسين محمدين رضوان، والباشجاويش محمد سعيد إسماعيل.
وفي مساء 12 فبراير 1948 تم استدراج البنا إلى مقر جمعية الشبان المسلمين، وأثناء خروجه منها قام الأومباشي أحمد حسين جاد، والباشجاويش محمد محفوظ محمد بقتله، ولاذا بالفرار في سيارة مخصصة لتنقلات الأميرالاي محمود عبد المجيد مدير إدارة المباحث الجنائية بديوان وزارة الداخلية.
الملك يعرف القاتل:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
روي مرتضى المراغي في مذكراته قصة وصفها بالطريفة:
« وقد حدثت ليلة قتل الشيخ البنا قصة طريفة، فقد كان يوسف رشاد يسمع الراديو في آخر نشراته الإخبارية. فسمع خبر الاعتداء على المرحوم الشيخ حسن البنا، فذهب إلى التليفون وطلب جناح الملك في القصر، فرد عليه أحد أتباع الملك، فأخبره أنه يريد التحدث إلى الملك، وعاد رجل الحاشية يقول:
قل لي ماذا تريد لأن الملك مشغول.
فقال له: أرجو أن يكون الملك مسرورا منا.
رجل الحاشية: مسرور على ماذا؟
قال يوسف: على قتل البنا.
فضحك رجل الحاشية وذهب وأخبر الملك، وعاد يقول: مولانا يقول لك:
إتلهي على عينك، ما شأنك أنت؟!. إنهم غيرك!!».
الاحتفال بالنادي السعدي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مساء يوم مقتل البنا، أقام شباب الهيئة السعدية في نادي سعد زغلول حفلا كبيرا لتأبين النقراشي حضره أعضاء الهيئة السعدية وشباب الجامعة والأزهر ومختلف المعاهد. وألقى الأستاذ بدر الدين علي الجارم قصيدة والده التي نظمها في رثاء صديقه محمود فهمي النقراشي، والتي لم يمهله الأجل لإلقائها، فقد توفي مساء 8 فبراير 1949.*( 7)
وبعد انتهاء حفل التأبين خلع حامد جودة باشا رئيس مجلس النواب السواد على النقراشي باشا في ذلك اليوم * (8)، وخلع شباب السعديين أربطة العنق السوداء؛ فقد تم الثأر، وانتهت فترة الحداد!!
القبض على الجناة:
ــــــــــــــــــــــــــــــ
في يوم 25 يوليو 1952، بعد يومين من انقلاب يوليو العسكري، وقبل تنازل الملك فاروق عن العرش ورحيله عن مصر أصدر قادة الانقلاب قرارًا بالقبض على المقدم محمد الجزار أحد المتهمين في قضية قتل البنا في إشارة واضحة إلى أن قضية قتل البنا هي قضية «حركة الجيش»، ومن أهم أولوياتها.
في 29 يوليو 1952 بعد خروج الملك بثلاثة أيام تم إرسال إشارة باستدعاء الأميرالاي محمود عبد المجيد مدير جرجا إلى القاهرة، فقبض عليه داخل مكتبه في ديوان المديرية بمعرفة البكباشي زكريا محيي الدين عضو مجلس قيادة الانقلاب، الذي قال: «إن ذلك بأمر قائد الحركة»، وانتحر العميد محمد وصفي قائد حرس الوزارات وأحد المتهمين في منزله قبل أن يتم إلقاء القبض عليه، بعد أن لجأ إلى السفارة البريطانية طالبًا اللجوء السياسي، لكنه لم يجب إلى طلبه.
.. وألقي القبض على البكباشي محمد الجزار والبكباشي حسين كامل واليوزباشي عبده أرمانيوس والمخبرين الأربعة المتهمين بقتل البنا (الباشجاويش محمد محفوظ محمد ووكيل الباشجاويش محمد سعيد إسماعيل والأومباشي أحمد حسين جاد والأومباشي حسين محمدين رضوان) والفلاح مصطفى محمد أبو الليل، وتقديمهم إلى المحاكمة.
الحكم:
ــــــــــــ
.. وفي 2 أغسطس 1954 أصدرت محكمة الجنايات برئاسة المستشار محمود عبد الرازق وعضوية المستشارين محمد شفيع الصيرفي ومحمد متولي عتلم حكمها فى الجناية رقم 1071 لسنة 1952، حيثُ قضت المحكمة:
أولاً: بمعاقبة أحمد حسين جاد بالأشغال الشاقة المؤبدة، وكل من الباشجاويش محمد محفوظ محمد، والأميرالاي محمود عبد المجيد بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة خمس عشرة سنة.
ثانيًا: بمعاقبة البكباشي محمد محمد الجزار بالحبس مع الشغل لمدة سنة.
ثالثًا: براءة كل من مصطفى محمد أبو الليل، واليوزباشي عبده أرمانيوس، والبكباشي حسين كامل، ووكيل الباشجاويش محمد سعيد إسماعيل، والأومباشي حسين محمدين رضوان.
قتل القاتل :
ـــــــــــــــــــ
لكن الحكم لم يسدل الستار عن أشهر جريمة ثأر في القرن العشرين!!
فقد أشاع البعض من جماعة «الإخوان المسلمين» أن عبد الناصر أفرج صحيًا عن قتلة البنا بعد حادث المنشية، لكن الأستاذ محسن محمد أكد في كتابه بعنوان: «من قتل حسن البنا؟» أن الرئيس جمال عبد الناصر قد أفرج عن محمود عبد المجيد في 29 من يونيه 1955 أي بعد عام تقريبًا من صدور الحكم، وأفرج صحيًا عن الرقيب محمد محفوظ عام 1960 وأفرج صحيًا عن الرقيب أحمد حسين في 4 سبتمبر عام 1967، لكن المستشار عبد الحميد يونس نفي ذلك وأكد:
« أن المخبرين قد ماتا في الليمان، وأن محمود عبد المجيد قد أفرج عنه صحيًا بعد سبع سنوات من السجن بعد أن كف بصره، وأنه بعد خروجه من السجن وجدت جثته ملقاة في الطريق العام أمام منزله بشارع رمسيس، ولا يدرى أحد هل اختل توازنه فسقط من الشرفة أم ألقاه مجهولون؟!!»
أولاً: بمعاقبة أحمد حسين جاد بالأشغال الشاقة المؤبدة، وكل من الباشجاويش محمد محفوظ محمد، والأميرالاي محمود عبد المجيد بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة خمس عشرة سنة.
ثانيًا: بمعاقبة البكباشي محمد محمد الجزار بالحبس مع الشغل لمدة سنة.
ثالثًا: براءة كل من مصطفى محمد أبو الليل، واليوزباشي عبده أرمانيوس، والبكباشي حسين كامل، ووكيل الباشجاويش محمد سعيد إسماعيل، والأومباشي حسين محمدين رضوان.
قتل القاتل :
ـــــــــــــــــــ
لكن الحكم لم يسدل الستار عن أشهر جريمة ثأر في القرن العشرين!!
فقد أشاع البعض من جماعة «الإخوان المسلمين» أن عبد الناصر أفرج صحيًا عن قتلة البنا بعد حادث المنشية، لكن الأستاذ محسن محمد أكد في كتابه بعنوان: «من قتل حسن البنا؟» أن الرئيس جمال عبد الناصر قد أفرج عن محمود عبد المجيد في 29 من يونيه 1955 أي بعد عام تقريبًا من صدور الحكم، وأفرج صحيًا عن الرقيب محمد محفوظ عام 1960 وأفرج صحيًا عن الرقيب أحمد حسين في 4 سبتمبر عام 1967، لكن المستشار عبد الحميد يونس نفي ذلك وأكد:
« أن المخبرين قد ماتا في الليمان، وأن محمود عبد المجيد قد أفرج عنه صحيًا بعد سبع سنوات من السجن بعد أن كف بصره، وأنه بعد خروجه من السجن وجدت جثته ملقاة في الطريق العام أمام منزله بشارع رمسيس، ولا يدرى أحد هل اختل توازنه فسقط من الشرفة أم ألقاه مجهولون؟!!»
.. إنها دوامة القتل.. ولعنة الثأر والدم.
***
ذهب حسن البنا بما له وما علية وبقيت دوامة الدم التي خلفها ورائه .. مما حدا بالبعض للافتراء علي « جماعة الإخوان » وإلصاق الاتهام بهم أنهم أول من أدخل جريمة الاغتيال السياسي إلى مصر لكن الأمانة العلمية تقتضي أن أقرر أنه :
الإخوان المسلمين ارتكبوا العديد من جرائم الاغتيال والإرهاب لكنهم ليسوا الذين أدخلوا جريمة الاغتيال السياسي إلى مصر فقد ولدت تلك الجريمة قبل تأسيس الجماعة بعقدين تقريباً من رحم المحافل الماسونيه، وكان أول ظهور لها عندما قتل إبراهيم ناصف الورداني ( عضو المحفل الماسوني والمنتمى في ذات الوقت إلي الحزب الوطني القديم ) رئيس الوزراء بطرس غالى باشا، وكاد يحدث ما لا يحمد عقباه نتيجة نفخ المستعمر في تصوير الواقعة على أنها قتل مسلم لمسيحي، وظهور أغنية مجهولة المصدر تفوح كلماتها برائحة الطائفية النتنة :
« مبروك عليك يا ورداني يا للي قتلت النصراني »
لولا تدخل العقلاء من الجانبين لتصحيح الصورة ووضعها في إطارها الصحيح باعتبارها جريمة قتل لوزير مصري مسيحي سلك طريق الخيانة ارتكبها شاب مسلم طائش سلك طريق الإرهاب .
.. وتبع ذلك جرائم الجهاز السري للاغتيالات في ثورة 1919 والذي كان يرأسه سعد زغلول ويديره عبد الرحمن فهمي وكان من أبرز أعضائه أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي وإبراهيم عبد الهادي وشفيق منصور، وقد نفذت محلولة قتل الخديو عباس ، وثلاث محاولات فاشلة لقتل السلطان حسن كامل ،ومحاولة قتل الملك فؤاد في المنصورة، ومحمد سعيد باشا رئيس الوزراء (2/ 9 / 1919 )، ويوسف وهبة باشا رئيس الوزراء ( 15 / 12 / 1919) ، وإسماعيل سرى وزير الأشغال والحربية ( 28 / 1 / 1920 )، ومحمد شفيق باشا وزير الزراعة ( 22/ 2 / 1920 )، وعبد الخالق ثروت باشا، وبعد الخلاف بين أعضاء التنظيم، وحدوث انشقاق بين أفراده، تم إطلاق النار على سعد زغلول، .. وأخيرا ارتكبت إحدى خلايا التنظيم المنشقة حادث قتل السير لي أستاك الذي كلف مصر الكثير من الأموال) غرامة 500 ألف جنية مصري إضافة إلى 100 ألف جنية تكاليف نقل الجثمان ) .
.. وقد نفذت جمعية سرية تضم في عضويتها أنور السادات وحسين توفيق اغتيال أمين عثمان، وحاولت تلك الجمعية ثلاث مرات قتل النحاس باشا، قام باثنتين منهما أنور السادات، كانت الأولى يوم 6 سبتمبر 1945 وكان يوافق الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، والثانية في 5 ابريل 1948، ثم كانت المحاولة الثالثة التي نفذها مصطفى كمال صدقي وعبد الرءوف نور الدين بتفجير سيارة في الشارع الملاصق لبيته .
ونفذ الحرس الحديدي محاولات اغتيال كثيرة كان أشهرها قتل عبد القادر طه، وحاول الضباط الأحرار اللجوء للاغتيال، ونفذ جمال عبد الناصر محاولة فاشلة لاغتيال حسين سرى عامر، وحاول خالد محيى الدين اغتيال نائب بولاق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق