السبت، مارس 31، 2012
الأحد، مارس 25، 2012
"حنظلة " ياسر بكر
"حنظلة "
رواية
" حنظــلة " لياسر بكر صرخة روائية تتجاوز الشكل التقليدى وكاتبها تنبأ فى
آخـرها بثورة 25 يناير الطــاهرة!!
بقلم : أحمد النجمى
مجلة المصور ـ العدد 4517 ـ 4 مايو 2011 ـ صـ 66
الكاتب الصحفى ياسر بكر
المسافات بين الأجناس الفنية خادعة .. يقطعها بعض المبدعين في ثوان ويقطعها مبدعون آخرون في دهور، ويراها نفر – ثالث –
سدودا عالية لا يجب تخطيها ، ونفر – رابع – يرى (الفن) نسيجا واحداً، لا تمايز بين
سداه ولحمته فالفن لغة واحدة، سواء كان وعاؤها القصة القصيرة أو الرواية أو
المسرحية أو اللوحة أو الفيلم أو المسلسل أو الأغنية أو التمثال.. فإن كان ذلك
كذلك، فإن لغة طرح هذا الفن ذاتها يمكن أن تغدو بلا (مقدسات فنية) فإن كان النقاد
قد أعياهم شرح النظريات النقدية المستوردة – عادة
من الغرب ، والتي تعني بالقوالب وبالمشروع الجمالي للكاتب- أي كاتب – فإن
هذه النظريات تواجه الآن في الشرق والغرب- جميعاً – معضلة سواء في الشكل أو في
المضمون ، لأن ثمة أعمالاً أدبية صارت تتخطى تصنيف النقاد، سواء بشكلها أو مضمونها
، ينام كتابها ملء جفونهم، ويسهر الخلق جراها و (يختصم) على قول أبي الطبيب
المتنبي.
وبعد فإن الخلق- نقاد هذا العصر- باتوا
يختصمون حول عدد من الروايات قفزت فوق حواجز الفن الروائي في الشكل واللغة
والمضمون .. وبين أيدينا الأن عمل بارز من تلك الأعمال يحمل عنوان "حنظلة ..
صديقي رئيس التحرير " وهو أول عمل أدبي للزميل الفنان ياسر بكر الذي عرفناه
مخرجاً فنياً مخضرماً لـ (المصور) العزيزة.
وأظن أن عم ياسر – هكذا ادعوه منذ 14 عاماً
– كتب هذه الرواية مبتسماً بروحه الساخرة المعهودة ، تلك الروح المغموسة في مرارة
يعرفها في كلامه كل من خبر هذا الرجل .. وهي روح ساخرة بسيطة ، قوية ، ناقدة بحدة
على أساس من النظرية الشعبية الخالدة (يا صابت يا اتنين عُور) تلك الروح دفعت ياسر بكر إلى الكتابة الرواية .
دون ان تدفق إلى تعقيداتها الفنية المتعارف عليها ، وأراه لم يشغل قلمه بابتكار
شكل جديد، ولا بالتماس مشروع خاص في اللغة، بل كتب واسترسل على طريقته التي أعرفها
في (الحكي دون حواجز) وهي أصلاً طريقة فصيح جذابة- فكان هذا الاسترسال في ذاته طريقاً لتحطيم
الشكل الروائي المعتاد.
ولقد قرأت من هذا الصنف الأدبي – المتخطي
للمسافات والتصنيفات – رواية قبل عام وبضعة أشهر اسمها (الواطي) للكاتب الصحفي
الزميل (محمد غزلان) .. ( وقد ذكرها ياسر بكر في مقدمة روايته هذه .. ونلاحظ أن
حنظلة أول رواية نقرأ لها مقدمة ، ما يؤكد تمرد الكاتب على الشكل كما قلنا).
وحنظلة – كالواطي – رواية صحفية ليس في
شكلها فقط بل في حكيها نفسه، فكما دارت (الواطي) في أروقة مؤسسة صحفية، تدور
(حنظلة) في أروقة مؤسسة صحفية ، وكلتاهما
تعري الفساد الذي دنس صاحبة الجلالة خلال العقود الثلاثة الأخيرة.. ولا
تفتش – أيها القارائ الكريم – بين ثنايا (حنظل) عن أسماء واقعية تحاكي الأسماء
الواردة في النص . ياسر بكر يحذر قارءه من هذا الفعل مؤكداً أن (الذين يتحسسون
رءوسهم ، هذا شأنهم !) و (الملواني) – رئيس التحرير المخضرم في الرواية – أعرف
مثله عشرة .. وأعرف أسوأ منه ، وثمة مائة حنظلة ، وحدث ولا حرج.. فالحرج رفعه ياسر
بكر بهذا العمل الروائي !
إنه صرخة روائية تتجاوز الشكل التقليدي
وكاتبها يتنبأ في آخرها بثورة يناير الطاهرة، إذ انه كتبها قبل الثورة.. وأصدرها
بعد الثورة وبين (قبل) و(بعد) كثير وكثير
، فالثورة لفتت الأنظار إلى وجوب امتداد منطق (التطهير) إلى بلاط صاحبة الجلالة –
قومية وحزبية وخاصة، فالفساد طال الثلاثة من دون استثناء.
بقي أن أقول إنني أعرف حنظلة واحداً .. هو
هذا الغاضب الفلسطيني النبيل الذي أبدعه
الفنان والصحفي والمثقف الفلسطيني الشهيد (ناجي العلي) حنظلة ناجي العلي غضب على الدكتاتورية والعفن
العربي الذي كفل للصهيونية عصرها الذهبي ، وحنظلة ياسر بكر كله غضب على حال صاحبة
الجلالة ، التي تعفنت حين ارتبطت بسلطة عفنة مستبدة ! ولعل (الحنظلتين) تربطهما
صلة دم واحدة ! .
صورة رقمية للمقال المنشور بمجلة " المصور "
ياسر بكر صاحب رواية " حنظلة " .. يقول الكثير :
ياسر بكر صاحب رواية " حنظلة " :
أردت كشف آليات اختيار رؤساء التحرير الحكوميين
حوار : صلاح البيلى
مجلة الوطن العربى
الكاتب الصحفى ياسر بكر
" المصاريف السرية فى الصحافة المصرية " كتابى القـــادم وسنعرف فيه أن الشــيخ على يوسف ومصطفى كامل مــولا صحفهما من بيع الرتب والنياشين !!مجلة الوطن العربى
- نعيش "عصر الصورة" ولكنها أحيانا تكون " بألف كذبة "!!
وفي الحوار التالي نقف على بعض أسباب تفاصيل هتك الستار عن مهنة الصحافة. يعترف ياسر بكر في روايته بان محاولته تلك ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في سلسلة روايات عن واقع الصحافة المصرية بدأت بـ ( القاهرة30) و(اللص والكلاب) لنجيب محفوظ ، مروراً بـ (زينب والعرش) و (الرجل الذي فقط ظله) لفتحي غانم و(سنة أولى حب) لمصطفى أمين و(دموع صاحبة الجلالة) لموسى صبري و (كفاني يا قلب) و(مدام شلاطة ) و (الأشرار) ومن عندي أضيف عناوين كتب أخرى مثل (50عاماً في قطار الصحافة) لموسى صري و (بين السياسة والصحافة) لمحمد حسنين هيكل وهناك مذكرات (التابعي) و (جلال الحمامصي) و( مصطفى أمين) وغيرهم.
البدايـة :
تركز أحداث الرواية على (الملواني) محرر الحوادث السكير والبذيء الذي أتى من أسفل السلم الاجتماعي بأحقاده وكراهيته للناس، وقد بدأت علاقته بالصحافة عندما اصطحبه والده (الأسطى عبده الصرماتي) إلى صاحب مصنع الدخان الذي كف بصره ليقرأ له جريدة (الأهرام) مقابل قرش صاغ يومياً أي بدأ قارئاً مأجوراً لحساب الغير لينتهي كاتباً مأجوراً لحساب الغير!
تطور (الملواني) عندما وجد فيه رجال
(التنظيم الطليعي للاتحاد الاشتراكي) ضالتهم فبدأ يكتب التقارير ضد رؤسائه وزملائه
ثم يصطنع المعارك ضد من يري أسياده في "أمن الدولة" أنه مطلوب "
قرص ودنه" لتبدو (خناقة) عادية كما تحول إلى (هتيف) في الانتخابات النقابية و
(بودي جارد) لرئيس التحرير فانتقل كمدير لتحرير اكبر الصحف لدرجة أن كامل زهيري
قال فيه : مخبر نعرفه خير من مخبر لا نعرفه.
الصدارة :
فرغ جراب السادات من الرصيد لدى رجل الشارع
، وغسل كبار الكتاب أيديهم منه فنحي وزير الإعلام ( جودت الموافي) واختار بنفسه
رؤساء تحرير الصحف الجدد من الشخصيات المجروحة والتي لديها ما تخجل منه ، والفعل
جاء (بالمقامر) و (عاشق الغلمان) و (الديوس)
و(الشاذ) و(السحاقية) و
(الملواني) وبدأ الأخير سياسته في (قتل
الأجنة الموهوبة وأطاح بالكبار وصنع بدلاً منهم (صبيان القعدة) وباغتيال
السادات تحول (الملواني) لمدح سيده الجديد
(مبارك) ثم قدم بأحد الاجتماعات شاباً أسود اسمه (حنظلة) على أنه موهوب وبعد قليل
عرف أنه طرد من صحيفة سابقة لأنه كان كاتب التقارير الأمنية فيها على زملائه وأفتضح
أمره عندما نسي تقارير على مكتبه ونزل مسرعاً ليقابل والده (العربجي) الذي جاءه من
القرية!
أخر الثعبان:
وفي الصفحة 36 ينقل لنا الكاتب مواجهة بين
(الملواني) و(حنظلة) قال فيها الأول
للثاني (إوعى تنسي إني جايبك من (بكبورت)
وإن خيرى عليك وعلى أهلك، ولولا أن اللواء الجبالي من أمن الدولة باس جزمتي
مكنتش عينتك .. فعلاً الطبع غالب ، وديل الكلب ما ينعدل ولو علقت فيه قالب
– أنت مفصول
بكي "حنظلة" الذي كان قد كتب تقاريره
الأمنية على رئيس تحريره (الملواني) فعل
ذلك لكي يكشف عن آخر جذور (حنظلة) ويعرف من سوف يتوسط له فيعرف كيف يتعامل معه !
هكذا تمضي الرواية في سبعة فصول و 94 صفحة
من القطع الصغير لتنتهي بقرار النائب العام بالقبض على جميع شخصياتها وإحالتهم
للمحاكمة وإدخال (حنظلة) مستشفى الأمراض
العقلية بالعباسية.
ثرثرة:
يقول المؤلف ياسر بكر روايتى صحفية لا
تلتزم بقواعد العمل الروائي ولكنها تندرج تحت "أدب البوح أو الثرثرة" ، لكن أهم ما فيها كشف الآليات التي تقوم
بها الأجهزة الأمنية في العالم الثالث عند اختيار رؤساء التحرير دعمهم من خلال
الاشتراكات المفروضة على الهيئات الحكومية والإعلانات المفروضة مع توجيههم لملفات
معينة يتم تصديرها إليهم مثل ملفات : (الإخوان والسلفيين والأقباط) وبعض الملفات
الإباحية لإثارة الغرائز على قاعدة (مردوك) في الـ ( 3s)
وهي (الرياضة
والجنس والفضائح) والثلاثة تبدأ بحرف (S) بالانجليزية بهدف تجريف الوعي والعقل وتزييف
الحقائق والوصول بالصحافة لما أطلق عليها فتحي غانم (صحافة التسالي) مثل (الفشار
وقزقزة اللب) !
المصاريف السرية:
- كتابك التالي عن المصاريف السرية في الصحافة يبدو أنك اخترت طريق الكشف؟
الإعلام البديل
- لك كتاب باسم (الإعلام البديل) ، ماذا تقصد به ؟
ـــ هو أول كتاب عن الصحافة الالكترونية واستخدام مواقع
التواصل الاجتماعي والمدونات فى خلق نشاط اتصالي بين الأفراد وقد ظهر المصطلح في
أوروبا سنة 1992 ولكنني أري أنه متواجد بشكل مواز مع الإعلام الرسمي، فالرسمي في
دول العالم الثالث يمثل الخطاب أحادي الجانب لنظم استبدادية في العالم الثالث ،
أما (البديل) فيمثل وجهة نظر المهمشين ومصالحهم ، وأهم أشكال الإعلام البديل"
النكتة والموال والمثل الشعبي والملحمة الشعبية والكتابات على واجهات المنازل
وهياكل المركبات وعربات الكشري والفول والطعمية ، وابتكر المثقفون ( نشرات الماستر
) فظهرت في السبعينات (النديم ومصرية وشموع) ثم ظهرت المدونات ومواقع التواصل
الاجتماعي .
- هل تريد أن تقول إن (الورقي) سينتهي لحساب (الرقمي)؟
عرض الصورة:
- ما الذي جعل متأكداً ان (الورقي) سينتهي ؟
خداع الصورة
- ولكن الصورة أحياناً تكذب وتكون ملفقة ؟!
العدد : 1815 ـ 14 ديسمبر 2011 ـ صـ 46 ،47
الثلاثاء، مارس 06، 2012
كتاب الصورة الصحفية ، تأليف الكاتب الصحفى ياسر بكر
عرضنا المشكلة على صفحات الكتاب، والتى تتلخص
معطياتها فى انهيار الكلمة وفقدان مصداقيتها بسبب الاستبداد السياسى وفساد الذمم
الصحفية تحت ضغوط المعلنين ولوبى أصحاب المصالح المشبوهه الذى حذى حذو عصابات
المافيا ( الجريمة المنظمة ) باستئجار بعض الصحفيين من خلال بعض الأساليب الخفية
غير المشروعة مثل التى تتخذ شكل المنح النقدية المباشرة وتسهيلات معينة وعقود
وهمية وتكليف بمهام صورية ؛ لتوفير مظلة إعلامية تظهر اللصوص فى ثياب الفرسان وتبرر
فسادهم وتجعل من جرائمهم إنجازات يجب أن
يحمدوا عليها !! .
لكن
وللأمانة العلمية ، لم يكن ذلك مقصوراً على الصحفيين فقط ، بل امتد إلى الأجهزة
المختلفة فقامت هذه العصابات باستئجار بعض كبار المحامين وشراء ذمم بعض القضاة
وتجنيد بعض ضباط الشرطة والمسئولين النافذين فى دوائر صنع القرار، أى قامت بتوظيف
الأجهزة التى تأسست لمكافحتها والقضاء عليها لتنفيذ أهدافها الإجرامية .
ومع صعود الصورة واجهتها الكثير من المصاعب
تمثلت أهمها فى نمطية اللقطات وإساءة توظيف الصورة فى غير سياقها والتلاعب فى
تفاصيلها بالتغيير والتبديل والحذف والإضافة ، فضلا عن تدنى الكفاءة المهنية لعدد
غير قليل من المصورين المصريين فى الفترة الأخيرة وضعف تجهيزاتهم من المعدات ؛ مما
جعل الصحف المصرية فى كثير من الأحيان أسيرة لما يقدمه مصوروا الوكالات الأجنبية
من صور لأحداث محلية .
ولأن عرض المشكلة دون تقديم حل يجعل من الكتاب
ومؤلفه جزءا من المشكلة ؛ ولأنه لا يروق لى ذلك، فسأقدم الحل من ثلاث وجهات متكاملة
:
الوجهه
الأولى من خلال إعمال القانون من جانب الدولة، وهو ما طالب به الأستاذ محمد
حسنين هيكل من
خلال مقالين فى مجلة
(آخر ساعة) :
المقال الأول بتاريخ 13 أغسطس 1952
وطالب فيه بتطهير الصحافة واقترح ثلاثة
حلول :ـ
ـ إلغاء المصاريف السرية
للصحافة فوراً.
ـ إعلان أسماء جميع
الصحافيين الذين استحلوا لأنفسهم أموال المصاريف السرية فى جميع العهود.
ـ قيام ديوان المحاسبة (
الجهاز المركزى للمحاسبات حالياً ) بفحص حسابات جميع الصحف المصرية لنعرف ما هى مصادر
تمويلها وكيف تعيش.
وأكد هيكل أن هذا هو
الطريق للتطهير.
المقال الثانى بتاريخ 21
ابريل1954
وعنوانه: (4 اقتراحات للصحافة)..
الاقتراح الأول: تحديد
أرباح الصحف وصاحب هذا الاقتراح هو الصحافي الانجليزي الكبير ويكهام ستيد وهو يرى
ان أكبر خطر على الصحافة هو سعيها للربح فهي في هذا السعي تلجأ إلى الإسفاف وإثارة
غرائز الجماهير والتبذل فيما تنشر من أخبار ومقالات وقصص. ويقول ستيد: إن الصحف
يجب أن تحتذي بهيئة الإذاعة البريطانية ولا تحقق ربحا أكثر من 8% من رأس المال ولا
يجوز أن تتجاوز هذه النسبة.
الاقتراح الثاني: تشكيل
مجلس مستقل يشرف على الصحافة ، وصاحب هذا الاقتراح هو مجلس العموم البريطاني ،
ويحدد مجلس الصحافة المستقل حقوق الصحفيين وواجباتهم، ويكون أعضاء هذا المجلس ممن
يتصفون بالنزاهة والعدالة ، ويوكل إليهم الإشراف على الصحافة المصرية لصالح
الصحافة ذاتها ولصالح الشعب كله.
الاقتراح الثالث: عهد
شرف للصحفيين، وصاحب هذا الاقتراح هو الأمم المتحدة ، وينص العهد أو الميثاق على
أن يتحرى الصحفي الدقة فيما ينقله من أخبار والأمانة في رواية كل ما يأتيه منها
دون إخفاء شيء منها لمصلحة خاصة ، وينص على رعاية المصلحة القومية العامة والبعد
عما يضر بهذه المصلحة من الشائعات والأراجيف ، وينص على احترام سمعة الغير والنأي
عن سوء الأخبار التي تنال منهم في حياتهم الخاصة دون أن يكون من وراء هذا منفعة
عامة.
الاقتراح الرابع: إلزام
الصحافة باحترام حرية الصحافة ، وصاحب هذا الاقتراح هو إيرون كانان رئيس تحرير
أفضل الصحف الأمريكية (كريستيان ساينس منيتور.)
فإذا
ما أضفنا إلى ما قاله الأستاذ هيكل أربعة مقترحات أخرى فإننا نكون أمام خارطة طريق
جادة وحقيقية ومتكاملة للخروج بصحافة الوطن من أزمتها : ـ
ـ
عدم تجاوز الخط الفاصل بين التحرير والإعلان ، وختم الإعلانات بخاتم واضح ينبه
القارئ لكونها مادة إعلانية .
ـ
عدم جواز الخلط بين الخبر والرأى .
ـ
عدم جواز الاستخدام الجائر للصورة بتوظيفها فى غير سياقها أو التلاعب فى تفاصيلها
أو نشر صور تحتوى على مشاهد تمثيلية للإيهام بأشياء ومعان غير حقيقية .
وإذا
كان هناك ثمة ضرورة لذلك يتم ختم الصورة بخاتم واضح ينبة القارئ لكونها ( رسوم
فوتوغرافية أو مشاهد تمثيلية ) ، وليست وثائق فوتوغرافية حقيقية .
ـ
إعادة الهيبة لأرشيف الصور الصحفية ؛ بتوفير الوسائل التكنولوجية الحديثة لحفظ
الصور ، وإعادة فهرستها وفقا لأولوية وأهمية محتواها الوثائقى والتاريخى والثقافى
والصحفى ، وضمان حماية حق الملكية الفكرية للمصور فلا يتم العبث بمصنفه
الفوتوغرافى أو إساءة استخدامه أو تشويهه أو العبث به .
***
الوجهه الثانية
من خلال مقال الأستاذ
عباس محمود العقاد فى مقاله بمجلة الهلال ـ عدد نوفمبر 1952 ، بعنوان : « عالم الكتابة
والكتّاب فى حاجة إلى التطهير» ، وعالم الكتابة كما حدده العقاد يشمل الكتابة فى الصحف كما يشمل كتابة المصنفات
والرسائل وكل كتابة منشورة على العموم .
بدأ
العقاد مقاله بضرورة تطهير عالم الكتابة لكونها المسيطرة على أقدار الشعوب وهى
الموكلة بالتذكير والتبشير بغير شريك ولا نظير ؛ ولأن الكتابة فى الأمة صورة
للكاتب والقارئ فى وقت واحد ، فإذا حسنت هذه الصورة فهى علامة حسنة على خلائق
الكتاب وعقولهم وعلامة حسنة كذلك على الأخلاق والأفكار وحسن الإدراك عند القراء،
وأن الفضل فضلهم فى صدق كتابهم ونهوضهم بأمانتهم ، لأن هؤلاء الكتاب لا يقدرون على
الكذب والزور حيث يظهر الكذب والزور بيناً لكل قارئ .
وأوضح العقاد أن المصاريف السرية ليست هى كل
الأجرة التى يؤجر بها أصحاب الأقلام المسخرة والضمائر الخربة ، فهناك الوساطات فى
الصفقات والمنافع وهناك السمسرة «الأدبية»
فى الشفاعات والاستثناءات .
وطالب العقاد الحكومة بكشف ما تم صرفه من
خزائن الأحزاب والشركات على شراء الأقلام وترويج النفوذ الذى يسيطر على الحياة من
غير الطريق المستقيم .
وأكد العقاد على ضرورة فضح الأقلام المأجورة
التى تسخرها الدول الأجنبية جواسيس على أوطانها لتفسد سياسة أوطانها وتخدم مصالح
تلك الدول .
وأنهى العقاد مقاله بأن تطهير الكتابة تطهيران :
تطهير من جانب الحكومة وتطهير تقع مسئوليته على جمهور القراء، تطهير من قبل
الحكومة وتطهير من قبل القراء ، والتطهير الذى تستطيعه الحكومة أن تراجع أضابير
الدواوين وتستخرج منها أسماء أصحاب « الرواتب السرية » فى عهد كل وزارة غابرة ،
وأن تحاسب الوزراء الذين أخذوا من خزانة الدولة مالاً باسم المصاريف السرية وكيف
أنفقوه وعلى من وزعوه ، وكيف استجازوا أن يستعينوا بمال الأمة على تضليل الأمة
وحملها على قبول الرأى المأجور والثناء الزائف والفكرة التى يكتبها الكاتب غير
مؤمن بها ولا مخلص فى الدفاع عنها .
أما التطهير الثانى فهو من قبل القراء الذين
يجب أن يحترموا عقولهم ويضنوا بمصالحهم العامة أن تلعب بهم أقلام المأجورين . فيحاسبون
فى إطار المسئولية الأجتماعية كل من كذب عليهم ونقل إليهم ما يجعل تاريخهم كذب
وأمجادهم زيف وأخبارهم دجل ؛ فيعاقبوه على كذبة وزوره ؛ بالإعراض عما يكتبه فلا
تروج له تجارة بينهم ، فلا يجد لنفسه عيشاً بينهم ويمسى " منبوذاً" ويظل عبرة لغيره ممن
يكذبون ويزورون .
***
الوجهه
الثالثة تأتى من جانب الصحفيين أنفسهم فى
إطار أخلاقى يهدف إلى التطهر ويقدم حلاً رائعاً لمن فسدت ضمائرهم الصحفية واتسخت ذمتهم المالية وتلوثت
سمعتهم وأسماؤهم والذين أسماهم الشارع المصرى بـ : (المتحولون ـ سماسرة الإعلانات
ـ كتبة السلطان ـ صحفيو إقبض واكتب ) من خلال تجربة
الصحفى الانجليزى جوهــــان هـــارى Johann Hari الذى قدم للإنسانية تجربة جديرة بالأخذ فى
الاعتبار، فقد استيقظ
قراء صحيفة الإندبندت فى صباح 15 سبتمبر 2011 على مقال نشر لمعلق الجـريدة
البـارز جوهــــان هـــارى Johann Hari، بعنوان "
اعتذار شخصى "A personal
apology كان مضمون المقالة أكثر
إثارة من عنوانها، فقد سجل الكاتب بعض الاعترافات التى أقر فيها بأنه لم يكن ملتزما
تماما بآداب وأخلاقيات المهنة ، وانه أجرى تعديلات على إجابات بعض من أجرى معهم مقابلات
صحفية، ووضع إضافات من عنده
على ألسنتهم، وهو ما يعنى أنه تخلى عن الصرامة
المهنية التى تفرض عليه ألا يتدخل فى إجابات مصادره وينقلها كما هى دون أية إضافة
، كما أنه دخل موقع «ويكيبيديا» على الإنترنت وأجرى تعديلات فيما نشر عنه متعلقا بسيرته
وعمله فى الصحافة كما ألغى انتقادات وجهت إليه ، وأن اللعبة قد استهوته فسعى إلى مجاملة
أصدقائه من زملاء العمل ؛ حيث أجرى تعديلات فيما
نشره الموقع عنهم.
لم يكتف جوهان هارى بهذه الاعترافات، ولكنه قرر
أن يكفر عن فعله ويعاقب نفسه. وأن يعيد جائزة سبق أن فاز بها تقديرا لعمله الصحفى،
كما قرر أن يحصل على إجازة غير مدفوعة الأجر حتى نهاية العام المقبل من صحيفة
الإندبندنت، سوف يقضيها فى الانضمام إلى برنامج تدريب على الصحافة حسب أصولها ،
وحين يعود إلى عمله بعد ذلك فإنه سيضم إلى كل مقابلة يجريها هوامش تظهر المصادر
التى اعتمد عليها. مع إضافة تسجيل كل مقابلة إلى الموقع الإلكترونى للجريدة.
تجربة جوهــــان
هـــارى Johann Hari ذات أربعة عناصر :
1ـ الاعتذار
للقارئ عن خيانة الأمانة وتضليله.
2 ـ رد كل
مكتسبات الممارسات الضالة باعتبارها كسباً غير مشروعاً.
3 ـ البدء فى إعادة
التدريب والتأهيل لرفع الكفاءة وفق معايير مهنية.
4 ـ التعهد بتقديم
الحقيقة المدققة والموثقة.
***
قدمنا توصيات للحل ، لكننا لانملك سلطة الدفع باتجاهه ، أو الإجبار عليه ؛ لكون الباحث الجاد مثل الناصـح الأمين الذى يدل السائرين إلى الطريق القويم و « سكة السلامة » لكنه لا يملك حق الدفع بهم للسير فيه ، وهو مثل الفارس النبيل الذى يقود جواده إلى مجرى النهر، لكنه لا يستطيع إجباره على الشرب منه .
إلى أن يتم ذلك ، .. تظل قضية حرية الصحافة هى أشهر قضية مؤجلة فى مصر؛ تؤجلها كل مرحلة إلى المرحلة اللاحقة؛ فقد أخفق الجميع فى حلها.. لا « هوجة » عرابى حاولت، ولا ثورة 1919 استطاعت، ولا انقلاب يوليو 1952 حسم، ولا غضبة 25 يناير 2011 اكتملت فاعلياتها بعد؛ فمازالت أقرب إلى الانقلاب العسكرى الناعم المغلف بغطاء من إرادة شعبية منها إلى الثورة بمفهومها المستقر عليه ، فالنظام لم يسقط بعد والسياسات هى السياسات والأحزاب هى الأحزاب وإن تغيرت أسماؤها والانحيازات هى الانحيازات، ومازالت «عقلية» النظام المخلوع مسيطرة على الإعلام، ومازالت أموال الشعب تضخ فى شكل ميزانيات ضخمة لاستمرار صحف ومجلات وقنوات تليفزيونية خاسرة؛ فقد بلغت خسائر المؤسسات الصحفية القومية 13 مليار جنيه، وخسائر التليفزيون الحكومى 17 مليار جنيه، وهذا الواقع لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة مقبلة إلا على حساب مزيد من الأعباء المالية الحكومية؛ فجميع إصدارات المؤسسات القومية خاسرة باستثناء الإصدارين اليوميين للأخبار و الأهرام !! .
الاثنين، مارس 05، 2012
ياسر بكر يكتب : عصـر الصـــورة فى مصر الحديثة
الفصل الخامس :
بدأ التصوير الشمسى فى مصر متزامناً مع بداية اختراع آلة التصوير واستخدامها فى فرنسا عام 1839 وكانت أول صورة تلتقط فى مصر لمحمد على باشا يوم 7 نوفمبر 1839 فى الإسكندرية بواسطة فردريك جوبيل فيسكه، الذى وثّق فى أحد مؤلفاته سير المنظر الأول الذى التقط على أرض مصر بقوله : ".... وجه محمد على مشحون بالاهتمام، عيناه تكشفان عن حالة من الاضطراب، ازدادت عندما غرقت الغرفة فى الظلام استعداداً لوضع الألواح فوق الزئبق، خيّم صمت مقلق ومخيف علينا. لم يجرؤ أحد منا على الحركة أبداً، وأخيراً انكسرت حدة السكون باشتعال عود ثقاب أضاء الأوجه البرونزية الشاخصة وكان محمد على الواقف قرب آلة التصوير يقفز ويقطب حاجبيه ويسعل، وقد تحول نفاد صبر الوالى إلى تعبير محبب للاستغراب وصاح: هذا من عمل الشيطان، ثم استدار على عقبيه وهو لا يزال ممسكاً بمقبض سيفه الذى لم يتخل عنه ولو للحظة، وكأنه يخشى مؤامرة أو تأثيراً غامضا،ً وأسرع لمغادرة الغرفة دون تردد".
ويومها أراد محمد على أن يتعلم هذا الفن العجيب حتى يمكنه تصوير الحريم بنفسه، فلا يطلع عليهم المصورون الأجانب.
كانت حضارة مصر التى لم تكشف بعد عن مكنونها سِر اجتذابها للمصورين الأجانب.. وقد ساعد على ذلك أن مصر ثانى دول العالم التى أنشأت السكك الحديدية عام 1854 بعد بريطانيا، إضافة إلى افتتاح قناة السويس (1869) وافتتاح خط مرسيليا ـ الإسكندرية البحرى (1840)، وتبدأ هذه الرحلة خط سيرها من أوروبا مرورا بإيطاليا واليونان ثم شمال أفريقيا ومصر والشام وآسيا الصغرى.
وكان أحد أهداف المصورين الذين أتوا إلى مصر هو الذهاب إلى الأماكن المقدسة الوارد ذكرها فى التوراة، ومن هؤلاء المصور الإنجليزى فرانسيس فريث، الذى قام برحلة بين القاهرة والقدس بهدف تزيين التوراة بالصور، ومنذ منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر، استقر عدد من المصورين الأجانب فى مصر.. أقدمهم الفرنسى مونيه.. وكان الوالى عباس باشا الأول(1849 ـ 1854) مهتما بالتنقيب عن الآثار، لذا أتقن مونيه التصوير الشمسى، ورحل إلى الأقصر حيث أمضى بها عقدين من الزمان جنى خلالها أموالا من بيع الصور الفوتوغرافية لمدينة الأقصر.
وهناك الإيطالى أنطونيو بياتو (1825 ـ 1903) الإنجليزى الجنسية الذى بدأ نشاطه فى مصر عام 1857 وبعد خمس سنوات امتلك استوديو للتصوير الشمسى فى شارع الموسكى بالقاهرة، ثم استقر بدءا من عام 1870 بالأقصر، فى حين فضّل الفرنسى جوستاف لوجراى (1820 ـ 1882) الاستقرار فى الإسكندرية قبل أن يتركها بعد بضع سنوات إلى القاهرة، ليعلم أبناء الخديو إسماعيل التصوير اليدوى، وبعد افتتاح قناة السويس وظهور مدن القناة لم يعد تمركز المصورين مقصورا على القاهرة والإسكندرية والأقصر، بل اتجه بعضهم إلى مدينة بورسعيد حيث نجد استديو هيبوليت أرنو صاحب محل "فوتوغرافيا القناة" فى ميدان القناصل، والذى التقط مجموعة رائعة من صور قناة السويس، وسجل العديد من المشاهد عن العادات والأزياء المصرية التى التقطها من فوق مركبه الصغير الذى حوله إلى "غرفة مظلمة".
ومنذ سبعينات القرن التاسع عشر، نزح المصورون من رعايا الدولة العثمانية من الأروام والأرمن والشوام واليهود من الآستانة إلى القاهرة وعملوا جنباً إلى جنب مع الجنسيات الأجنبية فى إنتاج الصور وتسويقها، وكان هؤلاء المصورون قد تعلموا التصوير على يد الرعيل الأول من المصورين الأوروبيين المقيمين فى الآستانة عقب حرب القرم.
فاستقر فى بورسعيد الأخوان زنجاكى اليونانيان اللذان كانا يعملان بطريقة بدائية عبارة عن غرفة مظلمة متنقلة تجرها الخيول، وفى الإسكندرية كان أرجيرو بولو وجون سيجالا وجيورجى لاداكيس وفى القاهرة كلاميتا.
ومنذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، نزح المصورون الأرمن من الآستانة إلى القاهرة، وبرزت بينهم ثلاثة أسماء شهيرة هم: عبد اللَّه إخوان ـ ليكيجيان ـ صباح.. وقد تركزت المنافسة بين الأول والثانى.. وبينما استعان عبد اللَّه إخوان بنفوذه لدى الآستانة للعمل فى مصر حيث تم اعتمادهم ضمن مصورى البلاط العثمانى زمن السلطانين عبد العزيز (1861 ـ 1876) وعبد الحميد الثانى (1876 ـ 1909 ) وجه إليهم الخديو توفيق الدعوة إلى مصر، وقد استأجروا محلا بجوار قصر نوبار باشا (أول رئيس وزراء لمصر) فى منطقة باب الحديد.
وكانت بورتريهات السلاطين والقادة العثمانيين أبرز ما تفنن فيه الإخوة عبد اللَّه فأصبحوا قبلة كل السائحين الأوروبيين.
على الجانب الآخر افتتح ليكيجيان محله فى الجهة المقابلة لفندق شبرد بوسط القاهرة، وقد ارتمى ليكيجيان فى أحضان الإنجليز حتى صار يوقع على منتجاته بوصفه "متعهد جيش الاحتلال" ، بل عهد إليه تمثيل مصر فى معرضى التصوير بباريس وشيكاغو.
لم تبدأ المحاولات المصرية فى مجال الفوتوغرافيا إلا بعد مرور سبعين عاما على دخول التصوير الشمسى مصر؛ بسبب اللغط الذى أثير حول شرعية وحرمة التصوير الشمسى وكان أحد أسباب هذا التأخير عدم اتفاق الفقهاء على رأى قاطع فى هذه القضية سبباً فى حالة البلبلة، خصوصا بعد أن تجاهل الشيخ الإنبابى شيخ الأزهر سؤالا من مسلمى سيلان عام 1893 حول مدى إباحة التصوير الشمسى فالميراث الدينى عن تعذيب المصورين يوم القيامة ولعنة المصورين وغيرها من النصوص التى كانت مقاصدها الابتعاد عن الوثنية، وهذا ما أفتى أهل الوسطية الذين أعملوا المنطق متناولين منافع التصوير.. أما الآراء المتشددة فكانت ترى تحريمه.
وقد تصدى محمد رشيد رضا على صفحات المنار لهذه القضية مؤكدا أن العلماء الذين يحرّمون التصوير، هم أنفسهم يسمحون للمصورين بتصويرهم حتى أكابر شيوخ الأزهر وقضاة الشرع والمفتين، كما أن أنصار التصوير الفوتوغرافي .. وفى مقدمتهم محمد رشيد رضا عملوا على إبراز أهمية التصوير الشمسى فى ميدان الطب، إذ يستخدم فى الكشف عن الأمراض الجلدية وتصوير أعضاء الجسم.. كما أن التصوير الشمسى أدى إلى نقلة نوعية فى علم الفلك من تصوير الأجرام السماوية وما فوق البر والبحر وما تحتهما، إضافة إلى الدور الأمنى للتصوير حيث لجأت الحكومة المصرية إلى نشر صور المجرمين بين الناس ورجال الضبط حتى يصعب عليهم الفرار، وكذلك تصوير البصمات التشريحية للمجرمين، كما عملت إدارة البوليس بنظارة الداخلية المصرية منذ أوائل عام 1887 على أن تأخذ صورة أرباب الجنايات والجرائم بالفوتوغرافيا.
وكانت الصحافة أكثر المجالات التى استفادت من الصورة حتى أن بعض الصحف وضعت كلمة "مصور".. أو "مصورة".. فى عنوانها الرئيسى بهدف توظيف تلك التقنية الحديثة فى الإثارة والإبهار مثل "اللطائف المصورة".. "النيل المصور" و "المصور" و "المحاسن المصورة".. ومع هذا فإن المصور الصحفى لم يكن قد ظهر كوظيفة أساسية داخل الصحف حتى الربع الأول من القرن العشرين، إذ ناشدت الصحافة المصورين الذهاب إلى مقارها، ولجأ بعضها إلى رصد جوائز ومكافآت مالية.
ومع قيام الحرب العالمية الأولى فى أغسطس 1914 وترحيل السلطات البريطانية المصورين الألمان والنمسا. أخذ المصريون يقتحمون سوق التصوير الشمسى رويدا رويدا حتى أنهم شكلوا نسبة 33.3% من المصورين بنهاية الربع الأول من القرن العشرين منهم 60% أقباط و 40% مسلمون.
يعد رياض أفندى شحاتة رائد التأليف الفوتوغرافى فى مصر وله بصمات إيجابية على تمصير التصوير الشمسى وقد دخل سوق التصوير الشمسى عام 1907، واتخذ محلا له بشارع الفجالة خلف مكتب البوسطة.
وتجلى إنتاجه فى فعاليات المعرض الصناعى عام 1912 والتى نالت إعجاب الخديو عباس حلمى الثانى، وخرجت الصحافة تطالب المصريين بأن يقدروا هذا الوطنى قدره كما فعل أميرهم فيذهبون إليه تشجيعا له ولغيره من المصريين.
وقد قام رياض شحاتة بتأليف أول كتاب مرجعى عن التصوير الشمسى الحديث، وقد نشرته دار المعارف عام 1910، ولم تمض أكثر من ثلاث سنوات حتى شهدت المكتبة الفوتوغرافية المصرية ميلاد الكتاب الثانى عام 1913 على يدى شكرى أفندى صادق بعنوان "التصوير الشمسي".
حالت التقاليد والعادات المصرية المصرية دون تصوير النساء، وكان أول من تمكن من التقاط صورة لـ "باب قصر حريم الوالى محمد على" هو المصور الفرنسى إميل فرنيه عام 1839 وكان لهذه الصورة فعل السحر فى فرنسا لكونها خاصة بعالم المرأة الشرقية، الذى يتميز فى الغرب بالغموض والإثارة والجاذبية والرومانسية.
وهو ما جعل المصورين يعلنون عن استعدادهم للذهاب لتصوير النساء فى المنازل، ولم يتقبل المصريون ذلك، مما دفع عبد اللَّه إخوان للإعلان أنهم أحضروا سيدة من الآستانة، وخصصوا لها مكاناً محتجباً فى محلهم لتصوير الهوانم والخواتين.
تعطفت وسمحت بالتصوير :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي أكتوبر 1923 نشرت مجلة «اللطائف المصورة» صورة كبيرة لصفية زغلول! بعد عودة سعد من منفاه، وكتبت المجلة هذا التعليق أسفل الصورة : «هذه آخر صورة لصاحبة العصمة حرم الرئيس المحبوب أم المصريين السيدة صفية زغلول، وقد تعطفت وسمحت لمصور اللطائف السيد «زولا»، المصور الشهير في العاصمة، بتصويرها هذه الصورة الجميلة في بيت الأمة غداة يوم وصولها بالسلامة ».
وفي اليوم التالي لنشر الصورة علقت جريدة «أبو الهول» على هذا الحدث، منتقدة ما فعلته صفية وخروجها على التقاليد.
يذكر د. إبراهيم عبده أن أول مصور صحفى مصرى هو رياض شحاتة، فالذين سبقوه فى هذا المجال كانوا جميعاً من الأجانب مثل زخارى وهانزمان وشارل وزولا. ثم أتى بعد رياض شحاتة محمد يوسف ( روز اليوسف 1933 1934، دار الهـلال 1934 ــ 1944 ) رشاد القوصى ( الزمان 1946 ـ 1952 ) ومحمد صبرى ( دار الهلال 1948 ـ 1985 ) وأحمد سليمان وعبده خليل.
من أشهر أعمال محمد يوسف تغطيته لحرب 48 مع هيكل حيث كان ممنوعا على الصحفيين دخول منطقة الحرب، فما كان من محمد يوسف وهيكل إلا أن تعرفا إلى البطل أحمد عبد العزيز وتسللا معه عن طريق الأردن ودخلا فلسطين.
وهو أول مصور صحفى مصرى تعلم من المصورين الأجانب، وخصوصا الأرمن، ومازالت صوره عن حرب 48 تدرس حتى الآن فى الجامعات، ومن صوره النادرة صورة عروسة المولد، حيث ألبس فتاة وجعلها كأنها عروسة المولد، وأيضا صورة صانع الكنافة حيث صور صانع الكنافة من تحت لوحة زجاجية وهو نائم، وصورة أم المصريين أمام ضريح سعد وصوّر الملاريا فى الصعيد، وهو الوحيد الذى صوّر البطل أحمد عبد العزيز وصوّر مناحم بيجن وهو أسير.
من أشهر أعمال رشاد القوصى صور حرب فلسطين، التى نال عنها نجمة فلسطين وصور اغتيال السادات.
محمد صبرى:
ـــــــــــــــــــــ
من أشهر أعمال محمد صبرى صور الاعتداء الوحشى على بورسعيد 1956
من أشهر أعمال أحمد سليمان صور الرئيس محمد نجيب فى سبتمبر 1953 بالروب والبيجاما وصابون الحلاقة.
من أشهر أعمال عبده خليل صورة الصاغ صلاح سالم فى يناير 1953 وهو يرقص (رقصة الحرب) بين قبيلة الدنكا التى أخذ أفرادها يرقصون نصف عراة، مكتفين بتغطية عوراتهم بقطعة من الملابس الداخلية.
لكن بعد تأميم الصحافة ضعف مستوى الصورة لعدة أسباب أهمها أن الصحف المصرية أصبحت خاضعة لقبضة الرقيب ، وأصبحت مجرد نسخ كربونية من بعضها البعض، إضافة إلى تكرار موضوعاتها ونمطية أخبارها، وما تبع ذلك من نمطية الصورة ، فلم تجد عدسة المصور جديداً تنقله، إضافة إلى تدنى الكفاءة المهنية للمصورين الصحفيين وضعف تجهيزاتهم من المعدات .
وقد قمت برصد حالة المصورين الصحفيين فى الصحف من خلال طرح استمارة استبيان على عينة استرشادية مكونة من عدد 104 مصورين صحــافيين ينتمون إلى صحف مختلفة (قومية ــ حزبية ــ خاصة ).
وبعد تفريغ البيانات الواردة فى استمارة الاستبيان، وتحليلها، ومعالجتها، واستخلاص النتائج؛ كانت النتائج محبطة ومخيبة للآمال؛ وبيانها كالآتى:
1 ـ تم استبعاد 4 عناصر من العينة لأسباب تتعلق بغموض إجاباتهم، بما يصعب معه تفريغ ما جاء فيها فى الاتجاه الصحيح الذى يخدم البحث.
2 ـ عدد 68 % من عناصر العينة غير مؤهلين فهم مجرد مصوراتية (المصوراتى شخصية شبه أمية )، قبل أن يصبح التصوير الصحفى مهنة تتطلب معرفة وتعليما جامعيا، والمصوراتى شخصية تتسم بالفهلوة، وادعاء المعرفة، والاعتقاد بأنهم فنانون بالفطرة، وأنهم حصلوا عن معلوماتهم عن التصوير الصحافى بالتلقين المباشر من أسطوات لهم يكبرونهم سناً سبقوهم إلى نفس المجال، وأنهم دخلوا إلى مجال التصوير الصحفى من خلال عملهم فى الغرف المظلمة DARK ROOMS فى الصحف، وهى الغرف الخاصة بتحميض الأفلام وطباعة الصور، وأنهم مارسوا العمل فى التصوير فى صالات الأفراح وحانات الليل وفى الأماكن الأثرية، وأن بعضهم يمتلك محال تجارية للتصوير (استديوهات شعبية)، أو يعمل فيها بالأجر الذى يعتبره مصدرا رئيسا يكفل له حياة كريمة.
3 ـ 19 % من عناصر العينة ممن كانت لهم بدايات لا تختلف كثيراً عن العينة السابقة، الفارق الوحيد أنهم حاصلون على مؤهلات متوسطة، وفى أثناء الخدمة حصلوا على مؤهلات عليا لا علاقة لها بعلوم الإعلام والتصوير الصحفى ( بكالوريوس معهد الدراسات التعاونية والإدارية ـ بعض كليات التعليم المفتوح ) مما ساعدهم فى القيد بجداول نقابة الصحفيين.
4 ـ 2 % من عناصر العينة من خريجى المعهد العالى للسينما ولديهم فكرة جيدة عن السينما التسجيلية وتسجيل الحدث أو القصة الصحفية فوتوغرافياً.
5 ـ 5 % من عناصر العينة من خريجى كليات الفنون ( الجميلة ـ التطبيقية)، ومستواهم يقترب من مستوى العينة السابقة ولا يصل إليها.
6 ـ 3 % من عناصر العينة من خريجى كليات الإعلام وأقسام الصحافة بكليات الآداب، ولم تتح لهم فرصة العمل كمحررين، وأنهم درسوا التصوير الصحفى بشكل موجز باعتباره إحدى ركائز العمل الصحفى، لكنهم أكدوا أن ما درسوه غير كاف بالمرة لمزاولة المهنة.
7 ـ 3 % من عناصر العينة يحملون مؤهلات عليا ( زراعة ـ تجارة ـ آداب)، ومارسوا التصوير كهواة، وتم تأهيلهم وتدريبهم فى الجمعية المصرية للتصوير الفوتوغرافى قبل أن يلتحقوا بالعمل فى المؤسسات.
لكن السمات العامة التى تجمع بين كل أفراد العينة تقريباً أنهم يعتبرون أنفسهم صحفيين من الدرجة الثانية فى صحفهم نتيجة النظرة المتخلفة للتصوير الصحفى والمصور الصحفى، ونتيجة لذلك فإن أقسام التصوير فى الصحف تعد من الأقسام المهضومة الحقوق، كما أنه لا تتم دعوتهم لحضور اجتماعات التحرير أو المشاركة فى فاعلياته .
ــ 90 % من عناصر العينة ليست لديهم معرفة محددة بمفهوم "التصوير الصحفى" وآدابه وحدود الخصوصية التى يجب أن يحترمها المصور، كما أنهم يفتقدون الدراية بقواعد إخراج الصور الصحفية وعلاقتها بالنصوص والعناوين المصاحبة لها وكتابة تعليقات الصور وغيرها، مما يتعلق بأسس تصميم وإخراج الصحيفة، خاصة فيما يتعلق بتوزيع الصور داخل المساحات رأسياً وأفقياً.
عصـر الصـــورة
فى مصر الحديثة
بدأ التصوير الشمسى فى مصر متزامناً مع بداية اختراع آلة التصوير واستخدامها فى فرنسا عام 1839 وكانت أول صورة تلتقط فى مصر لمحمد على باشا يوم 7 نوفمبر 1839 فى الإسكندرية بواسطة فردريك جوبيل فيسكه، الذى وثّق فى أحد مؤلفاته سير المنظر الأول الذى التقط على أرض مصر بقوله : ".... وجه محمد على مشحون بالاهتمام، عيناه تكشفان عن حالة من الاضطراب، ازدادت عندما غرقت الغرفة فى الظلام استعداداً لوضع الألواح فوق الزئبق، خيّم صمت مقلق ومخيف علينا. لم يجرؤ أحد منا على الحركة أبداً، وأخيراً انكسرت حدة السكون باشتعال عود ثقاب أضاء الأوجه البرونزية الشاخصة وكان محمد على الواقف قرب آلة التصوير يقفز ويقطب حاجبيه ويسعل، وقد تحول نفاد صبر الوالى إلى تعبير محبب للاستغراب وصاح: هذا من عمل الشيطان، ثم استدار على عقبيه وهو لا يزال ممسكاً بمقبض سيفه الذى لم يتخل عنه ولو للحظة، وكأنه يخشى مؤامرة أو تأثيراً غامضا،ً وأسرع لمغادرة الغرفة دون تردد".
ويومها أراد محمد على أن يتعلم هذا الفن العجيب حتى يمكنه تصوير الحريم بنفسه، فلا يطلع عليهم المصورون الأجانب.
سـيطرة الأجــــانب على
سوق التصوير المصرى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت حضارة مصر التى لم تكشف بعد عن مكنونها سِر اجتذابها للمصورين الأجانب.. وقد ساعد على ذلك أن مصر ثانى دول العالم التى أنشأت السكك الحديدية عام 1854 بعد بريطانيا، إضافة إلى افتتاح قناة السويس (1869) وافتتاح خط مرسيليا ـ الإسكندرية البحرى (1840)، وتبدأ هذه الرحلة خط سيرها من أوروبا مرورا بإيطاليا واليونان ثم شمال أفريقيا ومصر والشام وآسيا الصغرى.
وكان أحد أهداف المصورين الذين أتوا إلى مصر هو الذهاب إلى الأماكن المقدسة الوارد ذكرها فى التوراة، ومن هؤلاء المصور الإنجليزى فرانسيس فريث، الذى قام برحلة بين القاهرة والقدس بهدف تزيين التوراة بالصور، ومنذ منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر، استقر عدد من المصورين الأجانب فى مصر.. أقدمهم الفرنسى مونيه.. وكان الوالى عباس باشا الأول(1849 ـ 1854) مهتما بالتنقيب عن الآثار، لذا أتقن مونيه التصوير الشمسى، ورحل إلى الأقصر حيث أمضى بها عقدين من الزمان جنى خلالها أموالا من بيع الصور الفوتوغرافية لمدينة الأقصر.
وهناك الإيطالى أنطونيو بياتو (1825 ـ 1903) الإنجليزى الجنسية الذى بدأ نشاطه فى مصر عام 1857 وبعد خمس سنوات امتلك استوديو للتصوير الشمسى فى شارع الموسكى بالقاهرة، ثم استقر بدءا من عام 1870 بالأقصر، فى حين فضّل الفرنسى جوستاف لوجراى (1820 ـ 1882) الاستقرار فى الإسكندرية قبل أن يتركها بعد بضع سنوات إلى القاهرة، ليعلم أبناء الخديو إسماعيل التصوير اليدوى، وبعد افتتاح قناة السويس وظهور مدن القناة لم يعد تمركز المصورين مقصورا على القاهرة والإسكندرية والأقصر، بل اتجه بعضهم إلى مدينة بورسعيد حيث نجد استديو هيبوليت أرنو صاحب محل "فوتوغرافيا القناة" فى ميدان القناصل، والذى التقط مجموعة رائعة من صور قناة السويس، وسجل العديد من المشاهد عن العادات والأزياء المصرية التى التقطها من فوق مركبه الصغير الذى حوله إلى "غرفة مظلمة".
المصورون الرعايا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومنذ سبعينات القرن التاسع عشر، نزح المصورون من رعايا الدولة العثمانية من الأروام والأرمن والشوام واليهود من الآستانة إلى القاهرة وعملوا جنباً إلى جنب مع الجنسيات الأجنبية فى إنتاج الصور وتسويقها، وكان هؤلاء المصورون قد تعلموا التصوير على يد الرعيل الأول من المصورين الأوروبيين المقيمين فى الآستانة عقب حرب القرم.
فاستقر فى بورسعيد الأخوان زنجاكى اليونانيان اللذان كانا يعملان بطريقة بدائية عبارة عن غرفة مظلمة متنقلة تجرها الخيول، وفى الإسكندرية كان أرجيرو بولو وجون سيجالا وجيورجى لاداكيس وفى القاهرة كلاميتا.
ومنذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، نزح المصورون الأرمن من الآستانة إلى القاهرة، وبرزت بينهم ثلاثة أسماء شهيرة هم: عبد اللَّه إخوان ـ ليكيجيان ـ صباح.. وقد تركزت المنافسة بين الأول والثانى.. وبينما استعان عبد اللَّه إخوان بنفوذه لدى الآستانة للعمل فى مصر حيث تم اعتمادهم ضمن مصورى البلاط العثمانى زمن السلطانين عبد العزيز (1861 ـ 1876) وعبد الحميد الثانى (1876 ـ 1909 ) وجه إليهم الخديو توفيق الدعوة إلى مصر، وقد استأجروا محلا بجوار قصر نوبار باشا (أول رئيس وزراء لمصر) فى منطقة باب الحديد.
وكانت بورتريهات السلاطين والقادة العثمانيين أبرز ما تفنن فيه الإخوة عبد اللَّه فأصبحوا قبلة كل السائحين الأوروبيين.
على الجانب الآخر افتتح ليكيجيان محله فى الجهة المقابلة لفندق شبرد بوسط القاهرة، وقد ارتمى ليكيجيان فى أحضان الإنجليز حتى صار يوقع على منتجاته بوصفه "متعهد جيش الاحتلال" ، بل عهد إليه تمثيل مصر فى معرضى التصوير بباريس وشيكاغو.
المصورون المصريون:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم تبدأ المحاولات المصرية فى مجال الفوتوغرافيا إلا بعد مرور سبعين عاما على دخول التصوير الشمسى مصر؛ بسبب اللغط الذى أثير حول شرعية وحرمة التصوير الشمسى وكان أحد أسباب هذا التأخير عدم اتفاق الفقهاء على رأى قاطع فى هذه القضية سبباً فى حالة البلبلة، خصوصا بعد أن تجاهل الشيخ الإنبابى شيخ الأزهر سؤالا من مسلمى سيلان عام 1893 حول مدى إباحة التصوير الشمسى فالميراث الدينى عن تعذيب المصورين يوم القيامة ولعنة المصورين وغيرها من النصوص التى كانت مقاصدها الابتعاد عن الوثنية، وهذا ما أفتى أهل الوسطية الذين أعملوا المنطق متناولين منافع التصوير.. أما الآراء المتشددة فكانت ترى تحريمه.
وقد تصدى محمد رشيد رضا على صفحات المنار لهذه القضية مؤكدا أن العلماء الذين يحرّمون التصوير، هم أنفسهم يسمحون للمصورين بتصويرهم حتى أكابر شيوخ الأزهر وقضاة الشرع والمفتين، كما أن أنصار التصوير الفوتوغرافي .. وفى مقدمتهم محمد رشيد رضا عملوا على إبراز أهمية التصوير الشمسى فى ميدان الطب، إذ يستخدم فى الكشف عن الأمراض الجلدية وتصوير أعضاء الجسم.. كما أن التصوير الشمسى أدى إلى نقلة نوعية فى علم الفلك من تصوير الأجرام السماوية وما فوق البر والبحر وما تحتهما، إضافة إلى الدور الأمنى للتصوير حيث لجأت الحكومة المصرية إلى نشر صور المجرمين بين الناس ورجال الضبط حتى يصعب عليهم الفرار، وكذلك تصوير البصمات التشريحية للمجرمين، كما عملت إدارة البوليس بنظارة الداخلية المصرية منذ أوائل عام 1887 على أن تأخذ صورة أرباب الجنايات والجرائم بالفوتوغرافيا.
وكانت الصحافة أكثر المجالات التى استفادت من الصورة حتى أن بعض الصحف وضعت كلمة "مصور".. أو "مصورة".. فى عنوانها الرئيسى بهدف توظيف تلك التقنية الحديثة فى الإثارة والإبهار مثل "اللطائف المصورة".. "النيل المصور" و "المصور" و "المحاسن المصورة".. ومع هذا فإن المصور الصحفى لم يكن قد ظهر كوظيفة أساسية داخل الصحف حتى الربع الأول من القرن العشرين، إذ ناشدت الصحافة المصورين الذهاب إلى مقارها، ولجأ بعضها إلى رصد جوائز ومكافآت مالية.
ومع قيام الحرب العالمية الأولى فى أغسطس 1914 وترحيل السلطات البريطانية المصورين الألمان والنمسا. أخذ المصريون يقتحمون سوق التصوير الشمسى رويدا رويدا حتى أنهم شكلوا نسبة 33.3% من المصورين بنهاية الربع الأول من القرن العشرين منهم 60% أقباط و 40% مسلمون.
رياض أفندى شحاتة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعد رياض أفندى شحاتة رائد التأليف الفوتوغرافى فى مصر وله بصمات إيجابية على تمصير التصوير الشمسى وقد دخل سوق التصوير الشمسى عام 1907، واتخذ محلا له بشارع الفجالة خلف مكتب البوسطة.
وتجلى إنتاجه فى فعاليات المعرض الصناعى عام 1912 والتى نالت إعجاب الخديو عباس حلمى الثانى، وخرجت الصحافة تطالب المصريين بأن يقدروا هذا الوطنى قدره كما فعل أميرهم فيذهبون إليه تشجيعا له ولغيره من المصريين.
وقد قام رياض شحاتة بتأليف أول كتاب مرجعى عن التصوير الشمسى الحديث، وقد نشرته دار المعارف عام 1910، ولم تمض أكثر من ثلاث سنوات حتى شهدت المكتبة الفوتوغرافية المصرية ميلاد الكتاب الثانى عام 1913 على يدى شكرى أفندى صادق بعنوان "التصوير الشمسي".
دنيا الحريم:
ــــــــــــــــــ
حالت التقاليد والعادات المصرية المصرية دون تصوير النساء، وكان أول من تمكن من التقاط صورة لـ "باب قصر حريم الوالى محمد على" هو المصور الفرنسى إميل فرنيه عام 1839 وكان لهذه الصورة فعل السحر فى فرنسا لكونها خاصة بعالم المرأة الشرقية، الذى يتميز فى الغرب بالغموض والإثارة والجاذبية والرومانسية.
وهو ما جعل المصورين يعلنون عن استعدادهم للذهاب لتصوير النساء فى المنازل، ولم يتقبل المصريون ذلك، مما دفع عبد اللَّه إخوان للإعلان أنهم أحضروا سيدة من الآستانة، وخصصوا لها مكاناً محتجباً فى محلهم لتصوير الهوانم والخواتين.
دولت رياض شحاتة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
تعد الآنسة دولت رياض شحاتة رائدة المصورات النساء، وقد سبقت المرأة الأوربية فى هذا الميدان، بعد أن تعلمت هذا الفن على يد والدها ودرست أسراره على أيدى مصورين ألمان، واحترفت هذه المهنة فى محل والدها، وعندما أعلنت صفية مصطفى فهمى الشهيرة بصفية زغلول ونورالهدى محمد سلطان الشهيرة بهدى شعراوى وابنتا مرقص بك حنا ثورتهن على النقاب فى عام 1922 كان ذلك من خلال صور شمسية التقطتها لهن دولت شحاتة ونشرتها الجورنال دى كيرالفرنسية.تعطفت وسمحت بالتصوير :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي أكتوبر 1923 نشرت مجلة «اللطائف المصورة» صورة كبيرة لصفية زغلول! بعد عودة سعد من منفاه، وكتبت المجلة هذا التعليق أسفل الصورة : «هذه آخر صورة لصاحبة العصمة حرم الرئيس المحبوب أم المصريين السيدة صفية زغلول، وقد تعطفت وسمحت لمصور اللطائف السيد «زولا»، المصور الشهير في العاصمة، بتصويرها هذه الصورة الجميلة في بيت الأمة غداة يوم وصولها بالسلامة ».
وفي اليوم التالي لنشر الصورة علقت جريدة «أبو الهول» على هذا الحدث، منتقدة ما فعلته صفية وخروجها على التقاليد.
المصورون
الصحفيون المصريون:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يذكر د. إبراهيم عبده أن أول مصور صحفى مصرى هو رياض شحاتة، فالذين سبقوه فى هذا المجال كانوا جميعاً من الأجانب مثل زخارى وهانزمان وشارل وزولا. ثم أتى بعد رياض شحاتة محمد يوسف ( روز اليوسف 1933 1934، دار الهـلال 1934 ــ 1944 ) رشاد القوصى ( الزمان 1946 ـ 1952 ) ومحمد صبرى ( دار الهلال 1948 ـ 1985 ) وأحمد سليمان وعبده خليل.
محمد يوسف :
ــــــــــــــــــــــ
المصور محمد يوسف فى مكتبة بجريدة الأهرام ـ 1992
وهو أول مصور صحفى مصرى تعلم من المصورين الأجانب، وخصوصا الأرمن، ومازالت صوره عن حرب 48 تدرس حتى الآن فى الجامعات، ومن صوره النادرة صورة عروسة المولد، حيث ألبس فتاة وجعلها كأنها عروسة المولد، وأيضا صورة صانع الكنافة حيث صور صانع الكنافة من تحت لوحة زجاجية وهو نائم، وصورة أم المصريين أمام ضريح سعد وصوّر الملاريا فى الصعيد، وهو الوحيد الذى صوّر البطل أحمد عبد العزيز وصوّر مناحم بيجن وهو أسير.
رشاد القوصى:
ــــــــــــــــــــــ
المصور رشاد القوصى
محمد صبرى:
ـــــــــــــــــــــ
المصور محمد صبرى
أحمد سليمان:
ـــــــــــــــــــــ
من أشهر أعمال أحمد سليمان صور الرئيس محمد نجيب فى سبتمبر 1953 بالروب والبيجاما وصابون الحلاقة.
عبده خليل:
ـــــــــــــــــ
من أشهر أعمال عبده خليل صورة الصاغ صلاح سالم فى يناير 1953 وهو يرقص (رقصة الحرب) بين قبيلة الدنكا التى أخذ أفرادها يرقصون نصف عراة، مكتفين بتغطية عوراتهم بقطعة من الملابس الداخلية.
ضعف الصورة الصحفية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن بعد تأميم الصحافة ضعف مستوى الصورة لعدة أسباب أهمها أن الصحف المصرية أصبحت خاضعة لقبضة الرقيب ، وأصبحت مجرد نسخ كربونية من بعضها البعض، إضافة إلى تكرار موضوعاتها ونمطية أخبارها، وما تبع ذلك من نمطية الصورة ، فلم تجد عدسة المصور جديداً تنقله، إضافة إلى تدنى الكفاءة المهنية للمصورين الصحفيين وضعف تجهيزاتهم من المعدات .
وقد قمت برصد حالة المصورين الصحفيين فى الصحف من خلال طرح استمارة استبيان على عينة استرشادية مكونة من عدد 104 مصورين صحــافيين ينتمون إلى صحف مختلفة (قومية ــ حزبية ــ خاصة ).
وبعد تفريغ البيانات الواردة فى استمارة الاستبيان، وتحليلها، ومعالجتها، واستخلاص النتائج؛ كانت النتائج محبطة ومخيبة للآمال؛ وبيانها كالآتى:
1 ـ تم استبعاد 4 عناصر من العينة لأسباب تتعلق بغموض إجاباتهم، بما يصعب معه تفريغ ما جاء فيها فى الاتجاه الصحيح الذى يخدم البحث.
2 ـ عدد 68 % من عناصر العينة غير مؤهلين فهم مجرد مصوراتية (المصوراتى شخصية شبه أمية )، قبل أن يصبح التصوير الصحفى مهنة تتطلب معرفة وتعليما جامعيا، والمصوراتى شخصية تتسم بالفهلوة، وادعاء المعرفة، والاعتقاد بأنهم فنانون بالفطرة، وأنهم حصلوا عن معلوماتهم عن التصوير الصحافى بالتلقين المباشر من أسطوات لهم يكبرونهم سناً سبقوهم إلى نفس المجال، وأنهم دخلوا إلى مجال التصوير الصحفى من خلال عملهم فى الغرف المظلمة DARK ROOMS فى الصحف، وهى الغرف الخاصة بتحميض الأفلام وطباعة الصور، وأنهم مارسوا العمل فى التصوير فى صالات الأفراح وحانات الليل وفى الأماكن الأثرية، وأن بعضهم يمتلك محال تجارية للتصوير (استديوهات شعبية)، أو يعمل فيها بالأجر الذى يعتبره مصدرا رئيسا يكفل له حياة كريمة.
3 ـ 19 % من عناصر العينة ممن كانت لهم بدايات لا تختلف كثيراً عن العينة السابقة، الفارق الوحيد أنهم حاصلون على مؤهلات متوسطة، وفى أثناء الخدمة حصلوا على مؤهلات عليا لا علاقة لها بعلوم الإعلام والتصوير الصحفى ( بكالوريوس معهد الدراسات التعاونية والإدارية ـ بعض كليات التعليم المفتوح ) مما ساعدهم فى القيد بجداول نقابة الصحفيين.
4 ـ 2 % من عناصر العينة من خريجى المعهد العالى للسينما ولديهم فكرة جيدة عن السينما التسجيلية وتسجيل الحدث أو القصة الصحفية فوتوغرافياً.
5 ـ 5 % من عناصر العينة من خريجى كليات الفنون ( الجميلة ـ التطبيقية)، ومستواهم يقترب من مستوى العينة السابقة ولا يصل إليها.
6 ـ 3 % من عناصر العينة من خريجى كليات الإعلام وأقسام الصحافة بكليات الآداب، ولم تتح لهم فرصة العمل كمحررين، وأنهم درسوا التصوير الصحفى بشكل موجز باعتباره إحدى ركائز العمل الصحفى، لكنهم أكدوا أن ما درسوه غير كاف بالمرة لمزاولة المهنة.
7 ـ 3 % من عناصر العينة يحملون مؤهلات عليا ( زراعة ـ تجارة ـ آداب)، ومارسوا التصوير كهواة، وتم تأهيلهم وتدريبهم فى الجمعية المصرية للتصوير الفوتوغرافى قبل أن يلتحقوا بالعمل فى المؤسسات.
سمات عامة:
ـــــــــــــــــــ
لكن السمات العامة التى تجمع بين كل أفراد العينة تقريباً أنهم يعتبرون أنفسهم صحفيين من الدرجة الثانية فى صحفهم نتيجة النظرة المتخلفة للتصوير الصحفى والمصور الصحفى، ونتيجة لذلك فإن أقسام التصوير فى الصحف تعد من الأقسام المهضومة الحقوق، كما أنه لا تتم دعوتهم لحضور اجتماعات التحرير أو المشاركة فى فاعلياته .
ــ 90 % من عناصر العينة ليست لديهم معرفة محددة بمفهوم "التصوير الصحفى" وآدابه وحدود الخصوصية التى يجب أن يحترمها المصور، كما أنهم يفتقدون الدراية بقواعد إخراج الصور الصحفية وعلاقتها بالنصوص والعناوين المصاحبة لها وكتابة تعليقات الصور وغيرها، مما يتعلق بأسس تصميم وإخراج الصحيفة، خاصة فيما يتعلق بتوزيع الصور داخل المساحات رأسياً وأفقياً.
الأحد، مارس 04، 2012
ياسر بكر يكتب : المصروفات السرية .. وانهـيار الكلمة
الفصل الثانى :
كان الاستبداد السياسى وما تبعه من أنماط ملكية الصحف وغيرها من وسائل الإعلام من أهم أسباب انهيار الكلمة وضياع مصداقيتها على قاعدة أن من يدفع أجر الزمار من حقه أن يسمع اللحن الذى يطربه، ومن يدفع ثمن بنزين السيارة يحدد طرق سيرها، إضافة إلى أسباب ترجع إلى الصحفيين أنفسهم منها قدرة بعض أبناء الطبقات الدنيا، الذين نالوا حظاً من التعليم على غزو وسائل الإعلام والتأثير فى الرأى العام ونشر أنماط من سلوك طبقتها وفرض قيمها، وما تبع ذلك من فساد ذمم بعض الصحفيين، والسلوك المنحرف لبعضهم الآخر وأثره فى انتهاك معايير المهنية الصارمة، وتقاضى الرشا بداية من الحصول على العطايا من ديوان المعية السنية، ومن هبات ديوان الأوقاف والقيام بأعمال السمسرة فى منح الرتب والنياشين والسقوط فى مستنقع المصاريف السرية وجلب الإعلانات وقبول الرشاوى المقنعة تحت مسمى القيام بوظيفة المستشار الصحفى، وانتهاء بفضائح التمويل الأجنبى لصحف وصحفيين بعينهم.
نشأت الصحافة فى مصر فى كنف الحاكم، وكان الحكام يغدقون ببذخ على المشروعات الصحفية، وقد زاد هذا الإنفاق فى أيام الخديوى إسماعيل الذى كان شغوفاً بكل ما هو أوربى، وبسبب رغبته فى صدور صحيفة مصرية على شاكلة صحيفة " الجوائب" التى تصدر فى اسطنبول، فأوعز إلى عبدالله أبو السعود بإصدار صحيفة " وادى النيل " عام 1867 وكانت أولى الجرائد الأهلية التى أنفق عليها ببذخ ، ولكن بعد أزمة الديون تضاءل الإنفاق إلى حد التقتير الذى بلغ مداه فى عهد الخديوى عباس حلمى بسبب بخله الشديد؛ فبدأت المشروعات الصحفية الواسعة تعول فى مصروفاتها وسداد نفقاتها على أثمان الرتب والنياشين التى تتراوح أسعارها من رتبة الميرمران بألف جنيه إلى رتبة البكوية من الدرجة الثانية بثلثمائة أو أربعمائة جنيه، وكان لصغار الصحفيين نصيب من « ديوان المعية السنية» ومن هبات ديوان الأوقاف.
وقد جاء فى الجزء الثالث من مذكرات أحمد شفيق باشا وهو أحد رؤساء الحاشية الخديوية:
"إن الرتب أصبحت كالسلع السهلة، وكان لهذه التجارة وسطاء منهم الشيخ على يوسف، وحسين بك زكى، وأحمد بك العريس، وإبراهيم بك المويلحى، وهو مقيم بالآستانة يأتى كل شتاء لأخذ بضاعته من مصر وأحمد شوقى بك الشاعر، والزعيم مصطفى كامل ".
وعندما جاءت الحملة الفرنسية على مصر 1798 شهدت مصر إنشاء أول محفل ماسونى أقامه الضباط الفرنسيون ( محفل إيزيس )،لكن الحقيقة المؤكدة أن الجيش الفرنسى خرج من مصر بعد أن شهدت الإسكندرية ميلاد أول محفل ماسونى قى أواخر عام 1800، وبحلول القرن التاسع عشر حتى انتشرت هذه المحافل فى كل مصر خاصة فى القاهرة والإسكندرية*.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د. أحمد يوسف، المخطوط السرى لغزو مصر، ص 30 ـ 31.
وكان من الطبيعى أن يكون لهذه المحافل صحفها أداتها الرخيصة فى التعبير عن مصالحها مابين يومية وأسبوعية وشهرية، فكانت "جريدة التجارة" التى أصدرها أديب اسحاق بمساعدة جمال الدين الأفغانى عام 1881 وجريدتا "المقتطف" و"البيان" عام 1884 و"الصادق" عام 1886 و"الفلاح" عام 1885، و"اللطائف" عام 1890 وتلتها "المجلة الماسونية" عام 1901، وجريدة "النصوح" الأسبوعية عام 1892 وبعدها "الميزان" عام 1893، و"الجريدة الماسونية" فى الإسكندرية عام 1903 و"النظام" عام 1919 و"حيرام" فى عام 1923 فى الإسكندرية و"الميثاق الماسونية" فى القاهرة عام 1924 و"الأيام" عام 1929 و"الإخاء الماسونية" فى المنصورة عام 1935 و " التاج المصرى " و " الوقت " .
وأصبح الصحفيين فى هذه الصحف وتحت إغراء الربح والمال رهناء أوامر الحفل الماسونى يكتبون ما يلقنه لهم القائمون عليه كالببغاوات ، وقد أصدر المحفل الماسونى منشوراً للصحفيين فى عام 1892 يحدد للصحفيين فى الجرائد أن يستمدوا أفكارهم من مقررات مجلس المحفل وأن يتحاشوا نشر ما قيل أو فُعل فى المحفل .
وقد لعبت هذه الصحف بالعقول المصرية، وتلاعبت بأمتنا وقضيتها من خلال دعوات براقة لتقديم خدمات إنسانية ومساندة قوى الوطنية المصرية، لكنها فى حقيقة الأمر كانت عامل هدم وتخريب وطابورا خامسا للسياسة الغربية والصهيونية فى مصر، والذى بدا واضحا فى الدور الكبير للماسون فى إفشال انتفاضة عرابى فبمساعدتهم للحملة الانجليزية بقيادة الجنرال ولسى تم القضاء على الانتفاضة واحتلال مصر عام 1882، حيث قال ولسى ما نصه :
( .. إنى استسهلت الصعاب وسخرت بالأهوال فى كل البلاد ، لأننى حيث توجهت كنت ألقى إخواناً من الماسون يرحبون بى ويساعدوننى على ما أريد ، ولست أرتاب فى أن نجاحى كان لأننى أستاذ فى الماسونية ) .
وذكر الدكتور علي شلش في كتابه تاريخ اليهود والماسونية في مصر أن: (سعد زغلول كان أهم الشخصيات التي اهتمت بها الماسونية حتى وفاته 1927 ، ففي سنة 1921 نشرت مجلة "الوقت" الماسونية نداء إلى جميع السلطات الماسونية العظمى في العالم تحتج فيه على نفي سعد زغلول ورفاقه الأحرار إلى جزيرة سيشل (.
ولم يكن اهتمام الصحف الماسونية بسعد زغلول باعتباره زعيما وطنياً مصريا ولكن لكونه أستاذا كلى أعظم فى الماسونية ورئيسا لأحد محافلها .
وعن الأحداث فى فلسطين ذّكر د . سامى عزيز أن رئاسة المحفل الماسونى الأكبر الوطنى المصرى أصدرت منشوراً فى 2 ابريل 1922 يناشد عرب فلسطين التزام الهدوء، ومشاركة اليهود في بناء الوطن المشترك ، وجاء نصه :
" يا أهل فلسطين تذكروا دائما أن اليهود قد ركبوا متن الغربة فأفلحوا ونجحوا ثم هم اليوم يطمحون للرجوع إليكم لفائدة وعظمة الوطن المشترك بما أحرزوه من مال وما اكتسبوه من خبرة وعرفان .
اسمعوا وعوا هذا الصوت الذى تناشدكم به مصر شقيقتكم الكبرى ، إنها تدعوكم إلى السلام والوئام لمصلحتكم ومصلحة الشرق . "
وكان يتم تمويل هذه الصحف عن طريق الدعم السرى للمحفل الأكبر من سلطات الاحتلال الإنجليزى والقنصليات الإيطالية والفرنسية والألمانية والأمريكية فى مصر لخدمة أغراضها الاستعمارية والمنح، التى كانت تأتى إلى المحافل من السلطة الأم فى أوربا على اختلاف تبعيتها، بالإضافة إلى إيرادات اليانصيب الذى كان يعقد بشكل شهرى والطامبولا أثناء الحفلات، وهى وسائل تعتمد على المراهنة والقمار، وعطايا الشركات والبنوك الأجنبية وتبرعات بعض أكابر المصريين، الذين انضموا للمحافل الماسونية إما عن جهل بحقيقة الماسونية أو طلباً للوجاهة الاجتماعية أو لتحقيق منافع تجارية، وقد كشف تقرير نادر عن ميزانية المحفل الأكبر فى المدة من 1 يناير 1929 ـ 31 ديسمبر 1929 عن أن كشوف التبرعات التى كان يتصدرها الملك فؤاد ملك مصر بلغت التبرعات 782 جنيه مصرى و 75 قرشاً، وهو ما أفصح عنه جرجى زيدان مؤرخ الماسونية فى كتابه " تاريخ الماسونية العام " : ( .. وقد تمتعت الماسونية فى مصر برعاية ولاة النعم ).
وكان الماسون يرفضون الكشف عن سجلاتهم أو مستنداتهم أو مصادر تمويلهم، لأنه يتعارض مع السرية التامة التى تعد من أهم سمات الماسونية منذ إنشائها، بحيث لا تسمح القوانين الماسونية لأحد ولا حتى للدولة التى تعيش فى كنفها، أو لأعضائها العاديين بالاطلاع على أعمالها ونشاطها وطقوسها؛ ولذلك هربت إدارة المحفل الماسونى جميع المستندات والسجلات إلى لندن فور انقلاب يوليو 1952؛ وهو ما دفع بالحكومة لحل الجمعيات الماسونية فى أنحاء البلاد فى 16 ابريل 1964 بعدما رفض محفلها الأكبر تفتيش وزارة الشئون الاجتماعية طبقاً للقانون.
كانت بعض الشركات الاستعمارية الكبيرة كشركة قناة السويس وبعض البنوك الأجنبية والشركات اليهودية التى تتحكم فى اقتصاديات مصر أيام الاستعمار الإنجليزى تخصص ميزانيات خاصة لتوزيعها على إدارات الصحف المصرية تحت اسم إعانات أو مساعدات وأحياناً تحت بند الإعلانات.
وقد وضع تقرير أمام جمال عبد الناصر بعد تأميم شركة قناة السويس يكشف أن الشركة قبل التأميم كانت تخصص من ميزانيتها سنويا مبلغاً يزيد على المليون جنيه لتوزيعها على الصحف والكتّاب فى صورة هبات وإعلانات، حتى تضمن هيمنتها على أقلامهم وحتى لا يهاجموا أعمال السيطرة والاستغلال التى كانت تقوم بها *، وكان أصحاب الصحف يجدون سعادة لما كانت الشركات الاستعمارية تدفعه إليهم من مرتبات ومخصصات سنوياً.
* جميل عارف، أنا وبارونات الصحافة، ص ـ 102.
ولم يكن أى منهم يجد حرجاً فى أن يكتب بخط يده رسالة شكر وامتنان لرئيس الشركات الاستعمارية لمبادرته بإرسال المبالغ المقررة له ولجريدته فى المواعيد المتفق عليها.
كانت الحكومات الحزبية التى تعاقبت على حكم مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952 تسعى للدعاية لنفسها من خلال شراء ذمم بعض الصحفيين، بإغراء المال فأدرجت أسماء هؤلاء الصحفيين فى كشوف المصروفات السرية. التى كانت تطلق عليها اسم مساعدات اجتماعية أو إعانات... وأحياناً اسم مكافآت لبعض الصحفيين.
وكان هؤلاء الصحفيون يتوجهون فى أول كل شهر لتسلم المبالغ التى كانت مقررة لكل واحد منهم من خزينة وزارة الداخلية.
ولم يكن بعض هؤلاء الصحفيين يجد حرجاً فى أن يوقع بإمضائه فى كشوف هذه المصاريف السرية اعترافاً منه بتسلم ما كانت الحكومة تخصصه له.
الغريب فى الأمر أن البرلمان ممثلاً فى مجلسى الشيوخ والنواب كان يوافق على هذا البند الخاص بالمصروفات السرية عند مناقشة الميزانية بلا أدنى اعتراض، وكانت تختلف قيمتها من وزارة إلى أخرى، وإن كانت تتراوح ما بين 150 ألفا و 250 ألف جنيه فى السنة الواحدة.
وكان لكل حكومة قائمة بأسماء الصحفيين الذين يحصلون على هذه المصروفات السرية. وكان بعض الصحفيين قاسما مشتركا فى قائمة كل الحكومات.
عندما تولى توفيق نسيم باشا رئاسة مجلس الوزراء فى عام 1935م كان شرطه الرئيسى لقبول تولى منصب رئاسة الحكومة هو إلغاء المصاريف السرية من ميزانية الدولة، وعندما اتخذ قرار الإلغاء، لم يعجب موقفه الذين كانوا يتقاضون هذه المصاريف السرية فأخذوا يتربصون لأخطاء وزرائه ويهاجمونهم؛ حتى يظهروه بموقف العاجز عن تولى منصب رئيس الحكومة.
وعندما مرض الرجل وسافر إلى النمسا للعلاج تعرض لحملات صحفية حول ما ادعوه عن غرام رئيس الوزراء العجوز بممرضته الحسناء النمساوية مارى هوبكنز.
وتعرض الرجل المريض لنهش الكلاب المسعورة وطعنات الأقلام المسمومة، ولقى ما لم يلقه أحد من رؤساء الوزراء قبل الثورة، بالرغم مما كان معروفاً عنه من نزاهة وأمانة وعفة نفس.!
.. صحفيو القصر:
وكان للقصر الملكى قائمة تشمل عدداً من الصحفيين الذين كان يُطلب إلى رئاسة مجلس الوزراء، وإلى وزارة الداخلية أن تدفع لهم مبالغ شهرية ضخمة من ميزانية المصروفات السرية.
وكان أبرزهما كريم ثابت المستشار الصحفى للملك فاروق وإدجار جلاد الصديق الشخصى له وصاحب جريدتى الجورنال دى يجيبت والزمان، وكان كلاهما يحصل على 1000 جنيه شهرياً.
فى أول اجتمـــــــاع للمجلس المؤقت لنقـابة الصحـــــــفيين يوم 8 أبريل سنة 1941 والذى عقد فى مكتب جبرائيل تكلا قى جريدة الأهرام، بعد أسبوع واحد من صدور المرسوم الملكى بإنشاء النقابة فى 31 ـ 3 ـ 1941، أراد محمد التابعى وكان مالكاً ورئيساً لتحرير مجلة آخر ساعة أن يثير عاصفة أثناء اجتماع المجلس المؤقت للنقابة حول مصادرة مجلته التى صدر قرار من وزير الداخلية بمصادرتها فى نفس الأســــبوع الذى عقد فيه الاجتماع.
ادعى التابعى أن حكومة حسين سرى أرادت تحية نقابة الصحفيين بمناسبة صدور المرسوم الملكى بإنشائها، فصادرت مجلة آخر ساعة واقترح أن يصدر المجلس بياناً يعلن فى احتجاجه على قرار المصادرة.
ورفض المجتمعون فكرة إصدار مثل هذا البيان للاحتجاج على قرار المصادرة قبل التحقيق فى أسبابها. وأمام إصرار التابعى كاد الاجتماع ينقلب إلى مشاجرة وتشابك بالأيدى بعد أن رد عليه فارس نمر باشا قائلاً:
- "شو احتجاج يا أستاذ تابعي.. أنت ماكو قابض إمبارح 500 جنيه من حسن رفعت باشا وكيل الداخلية".
وأدرك أعضاء المجلس المؤقت ما كان يعنيه الرجل فاتجهت بأنظارهم ناحية محمد التابعى الذى كان يرتجف فى مكانه من الصدمة، ويؤكد أنه ليس وحده الذى يحصل على هذه المصروفات السرية لأن بعض أعضاء المجلس المؤقت لنقابة الصحفيين يتقاضونها فى صورة مكافآت شهرية من الحكومة.
إسفاف لا يليق:
تدخل فكرى أباظة لتنظيم الجلسة وضبط مستوى الحوار قائلاً:
- يا جماعة.. إحنا لا نملك إهمال الشكوى التى تقدم بها الأستاذ التابعى لمصادرة مجلته، وعلينا أن نناقش الموضوع حتى نتعرف على الظالم والمظلوم فى القضية.
وعاد الهدوء إلى اجتماعات المجلس المؤقت لنقابة الصحفيين.
وتبين من المناقشة التى دارت حول الموضوع.. أن مجلة (آخر ساعة) كانت قد نشرت خبراً عن زوجة عبد القوى بك أحمد وزير الأشغال فى حكومة حسين سرى باشا، قالت فيه إن زوجة الوزير شوهدت وهى ترقص بلدى فى حفل عائلى أقامته لصاحباتها فى بيتها.
وأثار الخبر أزمة وزارية، وطلبت زوجة الوزير الطلاق غضباً من زوجها الذى لم يستطع حماية كرامتها ومنع نشر هذا الخبر الذى أساء إليها كثيراً. وبادر الوزير بتقديم استقالته إلى حسين سرى باشا رئيس الوزراء جاء فى أسبابها:
"قالوا.. إن زوجتى راقصة، ولذلك أنا لا أصلح أن أكون وزيراً فى حكومتك.. أو فى حكومة أخرى !."
وكانت أغرب أزمة وزارية فى تاريخ مصر، ووجد حسين سرى باشا الحل عندما أصدر تعليماته إلى وزارة الداخلية بمصادرة مجلة "آخر ساعة" إرضاء للوزير ولإقناعه بسحب استقالته.
وكان قرار المجلس المؤقت لنقابة الصحفيين فى أول اجتماع له.
- أن الخبر الذى نشرته (آخر ساعة) عن زوجة الوزير يعتبر إسفافاً لا يليق.
وأن قرار الحكومة التزم جانب الحق !
بعد الثورة بعشرين يوماً، وفى 13 أغسطس 1952 طالب محمد حسنين هيكل بتطهير الصحافة، فى مقال نشره فى (آخر ساعة) جاء فيه:
إنى أقولها بصراحة ـ وأنا أعتقد أنها ستجلب لى متاعب الدنيا والآخرة ـ إن بلاط صاحبة الجلالة فى حاجة إلى تطهير كبير، لقد كان الملك السابق كارثة على مصر, هذا صحيح، وكان زعماء الأحزاب السياسية كارثة على مصر، هذا صحيح، وكان محترفو السياسة كارثة على مصر، هذا أيضاً صحيح، ولكننا ـ نحن بلاط صاحبة الجلالة ـ كنا كارثة أخرى، ويجب أن نعترف أن علينا مسئولية كبرى فى كل الذى صارت إليه الأحوال، ولقد بدأت مصر كلها تنادى بالتطهير وعلينا نحن أيضا أن ننادى مع مصر بالتطهير، تطهير أنفسنا قبل تطهير الآخرين.
إن الصحافة اليوم ليست ملك أصحاب الصحف ولا ملك المحررين، إنما الصحافة اليوم مؤسسة عامة تؤدى دوراً بالغ الخطورة، إنها أشبه ما تكون بعجلة القيادة للرأى العام، وينبغى أن تتوافر كل الضمانات لعجلة القيادة، فلا يكون بها خلل ينحرف بالمركبة إلى اليمين حيث ينبغى أن تكون إلى اليسار، أو ينحرف بها إلى اليسار حيث ينبغى لها أن تكون إلى اليمين، لا يستطيع أحد أن يركب سيارة أصيبت عجلة القيادة فيها بخلل، خصوصاً إذا كان سيقطع بها طريقا شاقا مليئا بالمنحنيات والمنعرجات.
إنى لا أطالب بالحد من حرية الصحافة بل العكس أنا أعتقد أن الصحافة الحرة هى المعنى الوحيد للديمقراطية، ولكن اسمعوا ما حدث فى إنجلترا، وإنجلترا هى بلد حرية الصحافة مهما اختلفنا فى الرأى حول سياسة الإنجليز، بعد الحرب العالمية الأخيرة ثار فى مجلس العموم لغط حول الصحف البريطانية واتجاهاتها وقرر مجلس العموم تأليف لجنة برلمانية لفحص حالة الصحافة البريطانية وتضمن هذا ما يلى :
ـ فحص الحالة المالية للصحف البريطانية ومن هم أصحابها ومن هم حملة الأسهم وما مصادر تمويلها.
ـ فحص حالة الصحافيين وما هى اتجاهاتهم وما الآراء والتيارات التى تسيرهم فى الطريق الذى يسيرون فيه؟.
حدث هذا فى إنجلترا بلد الحرية الصحفية التى لا تعرف حدوداً. أما فى مصر فإن الحكومات تصرف مرتبات سرية لعدد من الصحافيين، أما فى مصر فإن تيارات كثيرة ومصالح متشابكة معقدة ـ بل ومريبة ـ تعمل عملها فى الصحافة وليس هناك من يطالب بحساب أو بعقاب. وبعد فدعونى اقترح ثلاثة حلول ولتكن لنا الشجاعة فى مواجهتها :
ـ ينبغى إلغاء المصاريف السرية للصحافة فوراً.
ـ ينبغى أن تعلن أسماء جميع الصحافيين الذين استحلوا لأنفسهم أموال المصاريف السرية فى جميع العهود.
ـ ينبغى أن يقوم ديوان المحاسبة ( الجهاز المركزى للمحاسبات حالياً ) بفحص حسابات جميع الصحف المصرية لنعرف ما هى مصادر تمويلها وكيف تعيش.
هذا هو الطريق للتطهير، تطهير أنفسنا قبل تطهير الآخرين.
دعوة العقاد
« لتطهير الكتابة »:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد أعاد الأستاذ عباس محمود العقاد دعوة الأستاذ هيكل إلى تطهير عالم الكتابة فى مقاله بمجلة الهلال ـ عدد نوفمبر 1952 ـ بعنوان : « عالم الكتابة والكتّاب فى حاجة إلى التطهير»، وعالم الكتابة يشمل الكتابة فى الصحف كما يشمل كتابة المصنفات والرسائل وكل كتابة منشورة على العموم .
بدأ العقاد مقاله بضرورة تطهير عالم الكتابة لكونها المسيطرة على أقدار الشعوب وهى الموكلة بالتذكير والتبشير بغير شريك ولا نظير ؛ ولأن الكتابة فى الأمة صورة للكاتب والقارئ فى وقت واحد ، فإذا حسنت هذه الصورة فهى علامة حسنة على خلائق الكتاب وعقولهم وعلامة حسنة كذلك على الأخلاق والأفكار وحسن الإدراك عند القراء، وأن الفضل فضلهم فى صدق كتابهم ونهوضهم بأمانتهم ، لأن هؤلاء الكتاب لا يقدرون على الكذب والزور حيث يظهر الكذب والزور بيناً لكل قارئ .
وأنهى العقاد مقاله بأن تطهير الكتابة تطهيران : تطهير من جانب الحكومة وهو ما اتفق فيه مع ما قاله هيكل وأضاف إليه ثمة تطهير ثان وتطهير تقع مسئوليته على جمهور القراء .
مهمة الحكومة :
ـــــــــــــــــــــــــ
والتطهير الذى تستطيعه الحكومة أن تراجع أضابير الدواوين وتستخرج منها أسماء أصحاب « الرواتب السرية » فى عهد كل وزارة غابرة ، وأن تحاسب الوزراء الذين أخذوا من خزانة الدولة مالاً باسم المصاريف السرية وكيف أنفقوه وعلى من وزعوه ، وكيف استجازوا أن يستعينوا بمال الأمة على تضليل الأمة وحملها على قبول الرأى المأجور والثناء الزائف والفكرة التى يكتبها الكاتب غير مؤمن بها ولا مخلص فى الدفاع عنها .
وأوضح العقاد أن المصاريف السرية ليست هى كل الأجرة التى يؤجر بها أصحاب الأقلام المسخرة والضمائر الخربة ، فهناك الوساطات فى الصفقات والمنافع وهناك السمسرة «الأدبية» فى الشفاعات والاستثناءات
وطالب العقاد الحكومة بكشف ما تم صرفه من خزائن الأحزاب والشركات على شراء الأقلام وترويج النفوذ الذى يسيطر على الحياة من غير الطريق المستقيم .
وأكد العقاد على ضرورة فضح الأقلام المأجورة التى تسخرها الدول الأجنبية جواسيس على أوطانها لتفسد سياسة أوطانها وتخدم مصالح تلك الدول .
مهمة القراء :
ــــــــــــــــــــــ
أما التطهير الثانى فهو من قبل القراء الذين يجب أن يحترموا عقولهم ويضنوا بمصالحهم العامة أن تلعب بهم أقلام المأجورين . فيحاسبون فى إطار المسئولية الاجتماعية كل كاتب على كذبه وزوره ، ويقابلون ما يكتبه بالإعراض فلا تروج له تجارة بينهم ، ويصبح منبوذاً ويظل عبرة لغيره ممن يكذبون ويزورون .
نظمت نقابة الصحفيين فى مارس 1953 أول مؤتمر للصحفيين العرب فى القاهرة، وكتب محمد حسنين هيكل مقالاً فى "آخر لحظة"، التى كانت تصدر كملحق لمجلة آخر ساعة وكان رئيساً لتحرير المجلة، يعترض فيه على إقامة هذا المؤتمر، وكان يتردد فى ذلك الوقت أن أصحاب الصحف وصحفيى المصاريف السرية أرادوا أن يستعرضوا بهذا المؤتمر عضلاتهم فى مواجهة مجلس قيادة الثورة، حتى يبتعد المنادون بتطهير الصحافة عنهم فلا تشملهم عمليات التطهير.
وكرر هيكل مطالبه ولم تمر هذه المقالة بسهولة، لم يسكت الصحافيون هذه المرة، خاصة أن العلاقة أنذاك بين الصحافة والثورة لم تكن طيبة، فى وقت كانت فيه الدبابات والسيارات تقف بالقرب من دور الصحف مستعدة ومتحفزة.
بعد نشر المقال تحسس القائمون على أمر النقابة رءوسهم وقرروا إحالة هيكل إلى مجلس تأديب بتهمة إهانة المهنة، وبالفعل تحددت جلسة 26 أبريل 1953 لمحاكمته، دون أن يسبق ذلك تحقيق أو استجواب أو سؤال كما ينص القانون، وكانت فرصة لأن يرد هيكل بمقال أشد عنفا، نشره فى (آخر ساعة) فى 23 إبريل عام، 1953 كتب فيه :
لقد وقفت نقابة الصحافيين ضدى وأحالتنى إلى مجلس تأديب، ووقف الرأى العام معى فتلقيت مئات من المكالمات التليفونية والبرقيات والرسائل، كلها تشعرنى أنى لست وحدى، هكذا رد الفعل عن نقابة الصحافيين، وهكذا كان رد الفعل عند الرأى العام، فهل يمكن أن تكون هناك هوة أعمق من هذه وأعرض؟.
ثم أضاف متحديا : "أريد أن أقف أمام مجلس التأديب لأكرر ما قلته."
***
عقد مجلس النقابة اجتماعا لبحث تحدى هيكل لهم، وانقسم أعضاء المجلس على أنفسهم، وكان تخوفهم أن يتحول مجلس تأديب هيكل إلى محاكمة للمتورطين منهم الذين وردت أسماؤهم فى كشوف المصاريف السرية، والتى سربها إليه صديقه البكباشى جمال عبد الناصر.
وكان قرارهم: هو تجميد القرار، ورفع الأمر إلى القضاء، وكانت هذه أول دعوى من نوعها ترفعها نقابة الصحفيين ضد صحفى منذ صدور قانون نقابة الصحفيين سنة 1941، تاركة للمحكمة مهمة تحقيق وقائع الدعوى، وجاء فى مذكرة النقابة أن مجلس النقابة لم يتول التحقيق فى هذا الموضوع بالذات نأيا منه عن أية شبهة فى قضية وضع الكاتب نفسه طرفا فيها، ووضع الصحافة ونقابتها طرف خصومة، وأن مجلس النقابة ينزل عن حقه مختارا.
وفى 2 يوليو 1953، قدم أحمد لطفى حسونة محامى أخبار اليوم مذكرة إلى محكمة الاستئناف ـ محفوظة فى أرشيف أخبار اليوم - قال فيها:
ما كنا نظن أن الثورة الجامحة الحاسدة تدفع المجلس إلى هذا التجنى، فالمقال لم يزلزل الأرض ولا السماوات، وهو دعوة صريحة إلى الجد بعد حياة الذل الطويلة، ودعوة صريحة إلى حرية الصحافة وتنزيهها عن التملق والرياء ومسح أعتاب الحاكمين.. والمقال قبل ذلك وفوق ذلك لم يمس أحدا.
وقضت المحكمة ببراءة هيكل مما نسب إليه بسبب المقال، وقد نشرت جريدة الأخبار خبر حكم البراءة فى صدر صفحتها الأولى فى اليوم التالى.
بين "بطحة" هيكل للنقابة، وتحسس القائمين عليها لرءوسهم، وحكم براءة الصحفى الشاب، تلاحقت الأحداث سريعاً؛ ففى 15 إبريل سنة 1954 أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بحل مجلس نقابة الصحفيين.. وتشكيل لجنة لإدارة شئون النقابة، تتكون من فكرى أباظة ووكيل وزارة الإرشاد القومى وممثل للنائب العام والمدير العام لحسابات الحكومة.
وقرر مجلس قيادة الثورة فى نفس الوقت تعديل قانون نقابة الصحفيين للفصل بين المحررين وأصحاب الصحف، وكان مجموعة من الصحفيين قد تقدموا إلى وزير الإرشاد القومى بمذكرة يقترحون فيها شطب أسماء أصحاب من جدول نقابة الصحفيين حتى تتحول إلى نقابة للمحررين فقط.
وفى نفس الوقت أذاع مجلس قيادة الثورة قائمة نشرتها الصحف اليومية فى صفحاتها الأولى فى اليوم التالى بأسماء 23 صحفياً، عُثر على وثائق ومستندات تثبت تقاضيهم لهذه المصروفات السرية، وهم:
حسين أبو الفتح ( نقيب الصحفيين ) ـ مصطفى القشاشى ( سكرتير عام النقابة ) ـ أبوالخير نجيب ( رئيس تحرير الجمهور المصرى ) ـ إحسان عبد القدوس ( رئيس تحرر روز اليوسف ) ـ فاطمة اليوسف ( صاحبة مجلة روز اليوســف ) ـ قاســم أمين ( زوج فاطمـة اليوسـف ) ـ مرسى الشــافعى ( عضو مجلس نقابة الصحفيين ومدير تحرير جريدة المصرى ) ـ ألبرت مزراحى ( صاحب جــريدة التسـعيرة والصراحة ـ محــمد عبد المنعــم رخـــا ( عضو مجلس نقابة الصحفيين ) ـ دكتور إبراهيم عبده ( أستاذ الصحافة ) ـ دكتور حسنى خليفة (صاحب أول وكالة مصرية للأنباء) ـ كامل الشناوى ـ إدجار جلاد ( صاحب جريدتى الجورنال ديجيبت والزمان ) ـ كريم ثابت (رئيس تحرير المقطم والمستشار الصحفى للملك السابق ـ أحمد حسين (المحامى ورئيس الحزب الاشتراكى وصاحب مجلة الاشتراكية ) ـ عبد الرحمن دنيا ( عضو مجلس نقابة الصحفيين ) ـ عبد الرحمن الخميسى (الكاتب بجريدة المصرى ) ـ عبد الشافى القشاشى ـ عبد الرحمن زايد (المحرر بجريدة المصرى ) ـ أحمد محمود على عصفور ـ محمد خالد (عضو مجلس نقابة الصحفيين ) ـ محمد على غريب ( عضو مجلس نقابة الصحفيين ) ـ نعمة اله غانم .
- وأذاع مجلس قيادة الثورة فى نفس الوقت قائمة أخرى بأسماء الصحف والمجلات التى تقاضت مصروفات سرية وبيانا بالمبالغ التى حصلت عليها :
مجلة روز اليوسف 19281 جنيهاً، جريدة الجمهور المصرى وكان صاحبها هو أبو الخير نجيب 2808 جنيهات، مجلة الصباح وكان صاحبها هو مصطفى القشاشى سكرتير عام نقابة الصحفيين 7222 جنيهاً، جريدة الأساس وهى الجريدة التى كانت لسان حال الهيئة السعدية 48000 جنيه، جريدة البلاغ وهى جريدة مسائية كانت معارضة للوفد ثم أصبحت مؤيدة له بسبب هذه المصاريف السرية 7900 جنيه، جريدة صوت الأمة وهى جريدة وفدية 2900 جنيه، جريدة النداء وهى جريدة أسبوعية وفدية 2200جنيه، جريدة الحوادث وهى جريدة أسبوعية 4550 جنيهاً جريدة السوادى 25250 جنيهاً، جريدة السياسة وهى جريدة ناطقة بلسان الأحرار الدستوريين 15500 جنيه، جريدة الدستور 3900 جنيه، جريدة بلادى 5300 جنيه، جريدة التسعيرة والصراحة 1000 جنيه جريدة المقطم 7198 جنيهاً، جريدة الزمان 12500 جنيه.
مع تأميم الصحف عام 1960 وتبعيتها للاتحاد القومى ومن بعده الاتحاد الاشتراكى، أصبح الولاء هو المعيار الوحيد، وأصبح شرط عضوية الاتحاد الاشتراكى شرطاً رئيساً من شروط التعيين فى الوظائف الصحفية والقيد فى جداول نقابة الصحفيين، وسارعت النخبة من الضباط لتأخذ مكانها فى مواقع العمل الصحفى مثل مصطفى بهجت بدوى وأنور السادات وخالد محيى الدين ويوسف صديق ويوسف السباعى وأحمد حمروش وعبد المنعم السباعى، كما اختير بعض رؤساء التحرير من الذين كانوا يعملون فى الاستخبارات أو الأمن القومى مثل مصطفى المستكاوى وكمال الحناوى، وكان للشللية أيضا نصيب فأصبح المحرر الفنى لمجلة الإذاعة حلمى سلام من ثلة المشير عامر والمستشار الصحفى لزوجته الممثلة برلنتى عبد الحميد رئيساً لدار التحرير، ولجريدة الجمهورية..!!
وانتقل بند المصاريف السرية إلى خزينة وزير الإرشاد الذى أصبح من أولى مهامه رعاية المنظّرين لما أسموه "فكر الثورة وصياغة فلسفتها" داخل حدود مصر، ورعاية منابر إعلامية وأقلام مأجورة خارج الحدود، وهو ما عبرت عنه دعابة الرئيس اللبنانى شارل حلو فى لقائه بالصحفيين اللبنانيين: "أهلا بكم فى بلدكم الثانى لبنان !!".
أما فيما يختص بصغار"البصاصين" وكتبة التقارير فى الوسط الصحفى، فقد انتقل بند المصاريف السرية إلى جهات أمنية تقدمه لهم فى شكل ترقيات وعلاوات ومكافآت ومنح وميزات، منها الحصول على شقق سكنية فاخرة وفيلات وسيارات من الأملاك الخاضعة للحراسة بأقل من قيمتها بكثير.
بدأت زفة محمد شمس الدين الفاسى الذى قدم إلى مصر بدعوة من جريدة الأهرام مدعياً أنه رئيس لما يسمى بالمجلس الصوفى العالمى، وقامت مؤسسة الأهرام بترتيب لقاءات له مع كبار المسئولين وتنظيم دعاية بملايين الجنيهات توزع على الصحف المصرية برعاية مدير مكتب الأهرام فى لندن ورئيس دار المعارف، وعندما نبه أحمد بهاء الدين إلى الخطر الذى يهدد صحافتنا نتيجة لمحاولات اختراقها فى مقال فى يومياته بجريدة الأهرام بتاريخ 13 مارس 1986 تناول فيه الشيخ شمس الدين الفاسى وما يسببه من إساءة إلى صحافة مصر والصحفيين وكشف أسرار الرجل، ووهم الكيان الذى يدعى رئاسته، وما يحمله الرجل فى جعبته، وحجب الأهرام المقال بعد صدور الطبعة الأولى، وطلب من أحمد بهاء الدين كتابة مقال آخر لينشر فى الطبعة الثانية، وألا يتعرض من قريب أو بعيد للشيخ الفاسى، ولكنه رفض، وقرر أن يتوقف عن كتابة عمود يومياته احتجاجاً على قرار منع مقاله.
وكانت حجة الأهرام أن المؤسسة أبرمت عقد إعلانات مع الفاسى قيمته 300 ألف جنيه استرلينى، تم توقيعه عن طريق مكتب الأهرام فى لندن، وأن هذا العقد يفى بنصف تكاليف الطبعة الدولية.
ولم تكد تنفض زفة المجلس الصوفى العالمى حتى تحول بعض الصحفيين إلى مندوبى دعاية لأعياد ميلاد الأميرة هند الفاسى ابنته والأميرة سماهر بنت ترك حفيدته.
لم تكد تنفض زفة العائلة ( الفاسية )، حتى بدأ مولد الريان الذى بدأ أولى خطواته فى تضليل الناس وجذب أموال الفقراء لشركاته بتجنيد عدد من الصحفيين والكتاب، الذين استخدمهم فى وظيفة المستشار الصحفى بمرتبات خيالية وأرباح خرافية من إيداعاتهم الوهمية فى "كشوف البركة" وإغراق الصحف القومية والحزبية بالإعلانات، ودفع عشرات الملايين للمؤسسات الصحفية القومية ( الأخبار ـ الأهرام ـ التحرير ـ دار الهلال ـ روز اليوسف ) لطباعة كتب من خلال عقود خلت من تسمية كمية المطبوعات ونوعيتها وأسماء الكتب وتواريخ التسليم ، لكن فقط التزام بتسليم مبلغ معين مقابل تسليم أعمال مطبوعة مبهمة فقط .
وقد وصلت البجاحة ذروتها بعرض فتحى الريان تقديم (قرض حسن) لأعضاء نقابة الصحفيين بمصر بمليون جنيه وبدون فوائد بقيمة 3000 جنيه لكل صحفى من خلال استمارات تحمل اسم وشعار الريان، قام بتوزيعها صحفى رياضى كان عضواً بمجلس النقابة، وهو الأمر الذى تصدى له شيوخ المهنة بحزم وفضح أغراضه الخفية وعلى رأسهم محمود المراغى وجلال عارف سكرتير عام النقابة آنذاك.
فى عام 1988، وأثناء حضور الاجتماع التأسيسى لمجلس التعاون العربى، الذى كان يضم مصر والأردن والعراق واليمن قدم الرئيس العراقى السابق صدام حسين لكل عضو من وفد رؤساء التحرير المرافق للرئيس مبارك سيارة مرسيدس، بعد "الفضيحة" التى أحدثتها فى ذلك الحين، أمر مبارك بنقل ملكية هذه السيارات للمؤسسات القومية والحزبية حتى لا تتهم الصحف المصرية بأنها مخترقة من نظم عربية.
فى ديسمبر 2006، سافر عشرة من رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة لمقابلة عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وانتشرت "تقولات" فى الأوساط الصحفية عن هدايا ثمينة وأموال قدمت للشخصيات التى شاركت فى الزيارة وتساؤلات عن القيمة المهنية للحدث، التى تجعل عشرة من رؤساء تحرير الصحف المصرية يسافرون فى "قفة" واحدة على حد تعبير أحد كبار الصحفيين.
فى الوقت الذى بلغت مديونية قطاع البترول للبنوك 61 مليار جنيه، وأن وزارة المالية تدفع 2 مليار جنيه لكى يستمر القطاع فى عمله، بعد أن وصل معدل الاستدانة فى السنوات الخمس الأخيرة من 5 إلى 6 مليارات جنيه، وهو ما يماثل ربع الموازنة العامة؛ كشفت مستندات صادرة عن وزارة البترول عن شيكات مالية منحتها الوزارة لمؤسسة دار الهلال الصحفية فى شكل إعانات وتبرعات.
كما كشفت المستندات عن خطاب مؤرخ 7 فبراير 2007 متضمناً تعليمات وكيل أول وزارة البترول إلى رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) بضرورة مساهمة الشركة القابضة والشركات التابعة لها فى إصدار سلسلة الهلال البترولى، مرفق به بيان بحصة مساهمة كل شركة بإجمالى قدره 485 ألف جنيه موزعة على النحو التالى إيجاس القابضة ( 110 آلاف جنيه)، غاز مصر (125 ألف جنيه)، جاسكو (125 ألف جنيه)، تاون جاس (65 ألف جنيه) وبتروتريد (60 ألف جنيه)، هذا بخلاف حجم المساعدات التى تمنحها الشركات القابضة الأخرى التابعة لوزارة البترول.
كما كشفت المستندات ذاتها عن أرقام شيكات ببعض المبالغ السابق بيانها، واعتماد مجلس إدارة جاسكو فى 8 أكتوبر 2007 صرف 250 ألف جنيه قيمة إصدار مطبوعات دورية بدار الهلال على مدار عام كامل بخلاف مبلغ الـ 125 ألف جنيه قيمة مساهمات جاسكو فى نشرة الهلال البترولى خلال العام نفسه.
تقدم إبراهيم يسرى المحامى والدكتور إبراهيم مصطفى زهران الخبير البترولى ببلاغ للنائب العام حمل رقم 6706 لسنة 2011 ضد كل من وزير البترول الأسبق سامح فهمى وحمدى عبد العزيز رئيس الإدارة المركزية للإعلام بالوزارة وعادل إبراهيم محرر البترول بصحيفة الأهرام، جاء فيه:
"أن حمدى عبد العزيز كان يُسخِّر بعض الصحفيين للتغطية على انحرافات وزارة البترول وذلك بشراء ذممهم. وجاء على رأس القائمة عادل إبراهيم محرر البترول بجريدة "الأهرام" حيث تم تعيين ابنه فى شركة انبى، وكان يتمتع بعضوية مجلس إدارة مجلة البترول بمقابل مادى كبير جدا، وغالى محمد الصحفى بمجلة "المصور" حيث عيّن زوجته بشركة " جاسكو"، كما عيّن سائقه فى شركة "إيجاس".
وتضم القائمة أيضا ثروت شلبى الصحفى بجريدة "الأهالي" الذى عيّن زوجته فى شركة " جاسكو"، وأحمد مختار الصحفى بالأهرام المسائى الذى أوضح البلاغ أن لديه عقداً استشارياً لإحدى شركات البترول بمرتب كبير، كما عينت زوجته بشركة جاسكو، وكمال عامر الصحفى بـ"روزا اليوسف"، والذى كان يتمتع بعقد استشارى فى شركة بتروسبورت بمرتب 8 آلاف جنيه شهريا.
وأضاف البلاغ أنه تم إهدار 500 ألف جنيه على تجهيز مؤسسة دار الهلال للنشر بأجهزة كمبيوتر بناء على تعليمات حمدى عبد العزيز فى الفترة مابين عامى 2002 حتى 2005، وكذلك إهدار 22 مليون جنيه على عقود إعلانية وطبع أجندات سنوية بمطابع الأهرام التجارية مقابل عمولات حصل عليها عادل إبراهيم محرر البترول "بالأهرام".
صحفيو البنوك والاتصالات
والســـــياحة والكـهــــرباء:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكر تقرير رقابى أن الجهاز المصرفى به العديد من المخالفات التى تعوق النمو داخل المجتمع، وأن نهب البنوك كان يتم بمظلة إعلامية من مجموعة من المحررين الاقتصاديين الذين تستروا على هذا الفساد مقابل رواتب خصصت لهم تتراوح بين 60 إلى 250 ألف جنيه شهرياً تحت بند مستشارين إعلاميين، إضافة إلى حصة من الإعلانات لصحفهم يحصلون على عمولاتها.
كما أشارت تقارير أخرى إلى تورط بعض الصحفيين المكلفين بتغطية قطاعات الاتصالات والـسياحة والكهـرباء فى جريمة التربح سواء عن طريق جلب الإعلانات ، وتقاضى عمولاتها ، أوالحصول على مزايا مالية وعينية من جراء إساءة استغلال مواقع عملهم الصحفى فى الترويج لأنشطة تلك الشركات .
كشف مستند صادر عن وزارة البيئة بتاريخ 2/ 8 / 2011 عن موافقة وزيرها على اعتماد 12 ألف جنيه مكافأة للصحفى أسامة هيكل المستشار الإعلامى للوزير أنذاك، والذى أصبح وزيراً للإعلام فى وزارة د. عصام شرف الثانية فى 21 يوليو 2011 ـ 7 ديسمبر 2011 .
وبعد سقوط نظام مبارك شكلت قضية تمويل منظمات المجتمع المدنى الحدث الساخن والأهم فى مصر، وقررت وزارة التعاون الدولى فتح تحقيق رسمى فى يوليو 2011 بعد أن أعلنت السفيرة الأمريكية فى مصر آن باترسون أن بلادها دفعت 40 مليون دولار لمنظمات غير حكومية وأشخاص وجهات سياسية منذ اندلاع الثورة، ما أدى إلى توتر سياسى بين القاهرة وواشنطن.
وكشفت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» أن حوالى 85 % من التمويل
الأمريكى لمصر ذهب بالفعل إلى منظمات أمريكية فى مصر، مثل المعهد الديمقراطى الوطني، والمعهد الجمهورى الدولى، ومؤسسة فريدم هاوس والمعهد الدولى لحرية الصحافة ، وأشارت الصحيفة إلى إعلان الولايات المتحدة عن توزيع 65 مليون دولار على هيئة منح مباشرة للجماعات المؤيدة للديمقراطية فى مارس 2011 ، أثار ردود فعل غاضبة من جانب الحكومة المصرية والمجلس العسكرى.
التموبل الأمريكى
لصحفيين مصريين :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر موقع ويكيليكس فى 4 سبتمبر 2011 فى تسريباته برقية صادرة عن السفارة الأمريكية فى القاهرة يوم 11 يوليو 2005، تفيد تمويل السفارة الأمريكية بالقاهرة لسبعة صحفيين مصريين لتغطية الانتخابات اللبنانية استعدادا لتغطية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى مصر فى وقت لاحق من العام نفسه، الصحفيون هم : خالد صلاح الصحفى بمجلة الأهرام العربى وأمل فوزى الصحفية بمجلة نصف الدنيا، ومحمد النوبى محرر الشئون الخارجية بالأهرام ونبيل رشوان الصحفى بجريدة نهضة مصر اليومية الخاصة و3 من أفراد طاقم إنتاج تليفزيونى ينتمون لفيديو كايرو.
***
.. ومع انهيار الكلمة بسبب الاستبداد، وفساد الذمم الصحفية؛ يظل تاريخ النضال من أجل حرية الصحافة فى مصر أطول من تاريخ كثير من دول العالم ذاتها.
المصروفات السرية
.. وانهــــيار الكلمـة
كان الاستبداد السياسى وما تبعه من أنماط ملكية الصحف وغيرها من وسائل الإعلام من أهم أسباب انهيار الكلمة وضياع مصداقيتها على قاعدة أن من يدفع أجر الزمار من حقه أن يسمع اللحن الذى يطربه، ومن يدفع ثمن بنزين السيارة يحدد طرق سيرها، إضافة إلى أسباب ترجع إلى الصحفيين أنفسهم منها قدرة بعض أبناء الطبقات الدنيا، الذين نالوا حظاً من التعليم على غزو وسائل الإعلام والتأثير فى الرأى العام ونشر أنماط من سلوك طبقتها وفرض قيمها، وما تبع ذلك من فساد ذمم بعض الصحفيين، والسلوك المنحرف لبعضهم الآخر وأثره فى انتهاك معايير المهنية الصارمة، وتقاضى الرشا بداية من الحصول على العطايا من ديوان المعية السنية، ومن هبات ديوان الأوقاف والقيام بأعمال السمسرة فى منح الرتب والنياشين والسقوط فى مستنقع المصاريف السرية وجلب الإعلانات وقبول الرشاوى المقنعة تحت مسمى القيام بوظيفة المستشار الصحفى، وانتهاء بفضائح التمويل الأجنبى لصحف وصحفيين بعينهم.
الهــبات والسمـسـرة
فى الرتب والنياشين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
نشأت الصحافة فى مصر فى كنف الحاكم، وكان الحكام يغدقون ببذخ على المشروعات الصحفية، وقد زاد هذا الإنفاق فى أيام الخديوى إسماعيل الذى كان شغوفاً بكل ما هو أوربى، وبسبب رغبته فى صدور صحيفة مصرية على شاكلة صحيفة " الجوائب" التى تصدر فى اسطنبول، فأوعز إلى عبدالله أبو السعود بإصدار صحيفة " وادى النيل " عام 1867 وكانت أولى الجرائد الأهلية التى أنفق عليها ببذخ ، ولكن بعد أزمة الديون تضاءل الإنفاق إلى حد التقتير الذى بلغ مداه فى عهد الخديوى عباس حلمى بسبب بخله الشديد؛ فبدأت المشروعات الصحفية الواسعة تعول فى مصروفاتها وسداد نفقاتها على أثمان الرتب والنياشين التى تتراوح أسعارها من رتبة الميرمران بألف جنيه إلى رتبة البكوية من الدرجة الثانية بثلثمائة أو أربعمائة جنيه، وكان لصغار الصحفيين نصيب من « ديوان المعية السنية» ومن هبات ديوان الأوقاف.
وقد جاء فى الجزء الثالث من مذكرات أحمد شفيق باشا وهو أحد رؤساء الحاشية الخديوية:
"إن الرتب أصبحت كالسلع السهلة، وكان لهذه التجارة وسطاء منهم الشيخ على يوسف، وحسين بك زكى، وأحمد بك العريس، وإبراهيم بك المويلحى، وهو مقيم بالآستانة يأتى كل شتاء لأخذ بضاعته من مصر وأحمد شوقى بك الشاعر، والزعيم مصطفى كامل ".
تمويل الصحف الماسونية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د. أحمد يوسف، المخطوط السرى لغزو مصر، ص 30 ـ 31.
وكان من الطبيعى أن يكون لهذه المحافل صحفها أداتها الرخيصة فى التعبير عن مصالحها مابين يومية وأسبوعية وشهرية، فكانت "جريدة التجارة" التى أصدرها أديب اسحاق بمساعدة جمال الدين الأفغانى عام 1881 وجريدتا "المقتطف" و"البيان" عام 1884 و"الصادق" عام 1886 و"الفلاح" عام 1885، و"اللطائف" عام 1890 وتلتها "المجلة الماسونية" عام 1901، وجريدة "النصوح" الأسبوعية عام 1892 وبعدها "الميزان" عام 1893، و"الجريدة الماسونية" فى الإسكندرية عام 1903 و"النظام" عام 1919 و"حيرام" فى عام 1923 فى الإسكندرية و"الميثاق الماسونية" فى القاهرة عام 1924 و"الأيام" عام 1929 و"الإخاء الماسونية" فى المنصورة عام 1935 و " التاج المصرى " و " الوقت " .
وأصبح الصحفيين فى هذه الصحف وتحت إغراء الربح والمال رهناء أوامر الحفل الماسونى يكتبون ما يلقنه لهم القائمون عليه كالببغاوات ، وقد أصدر المحفل الماسونى منشوراً للصحفيين فى عام 1892 يحدد للصحفيين فى الجرائد أن يستمدوا أفكارهم من مقررات مجلس المحفل وأن يتحاشوا نشر ما قيل أو فُعل فى المحفل .
وقد لعبت هذه الصحف بالعقول المصرية، وتلاعبت بأمتنا وقضيتها من خلال دعوات براقة لتقديم خدمات إنسانية ومساندة قوى الوطنية المصرية، لكنها فى حقيقة الأمر كانت عامل هدم وتخريب وطابورا خامسا للسياسة الغربية والصهيونية فى مصر، والذى بدا واضحا فى الدور الكبير للماسون فى إفشال انتفاضة عرابى فبمساعدتهم للحملة الانجليزية بقيادة الجنرال ولسى تم القضاء على الانتفاضة واحتلال مصر عام 1882، حيث قال ولسى ما نصه :
( .. إنى استسهلت الصعاب وسخرت بالأهوال فى كل البلاد ، لأننى حيث توجهت كنت ألقى إخواناً من الماسون يرحبون بى ويساعدوننى على ما أريد ، ولست أرتاب فى أن نجاحى كان لأننى أستاذ فى الماسونية ) .
وذكر الدكتور علي شلش في كتابه تاريخ اليهود والماسونية في مصر أن: (سعد زغلول كان أهم الشخصيات التي اهتمت بها الماسونية حتى وفاته 1927 ، ففي سنة 1921 نشرت مجلة "الوقت" الماسونية نداء إلى جميع السلطات الماسونية العظمى في العالم تحتج فيه على نفي سعد زغلول ورفاقه الأحرار إلى جزيرة سيشل (.
ولم يكن اهتمام الصحف الماسونية بسعد زغلول باعتباره زعيما وطنياً مصريا ولكن لكونه أستاذا كلى أعظم فى الماسونية ورئيسا لأحد محافلها .
وعن الأحداث فى فلسطين ذّكر د . سامى عزيز أن رئاسة المحفل الماسونى الأكبر الوطنى المصرى أصدرت منشوراً فى 2 ابريل 1922 يناشد عرب فلسطين التزام الهدوء، ومشاركة اليهود في بناء الوطن المشترك ، وجاء نصه :
" يا أهل فلسطين تذكروا دائما أن اليهود قد ركبوا متن الغربة فأفلحوا ونجحوا ثم هم اليوم يطمحون للرجوع إليكم لفائدة وعظمة الوطن المشترك بما أحرزوه من مال وما اكتسبوه من خبرة وعرفان .
اسمعوا وعوا هذا الصوت الذى تناشدكم به مصر شقيقتكم الكبرى ، إنها تدعوكم إلى السلام والوئام لمصلحتكم ومصلحة الشرق . "
وكان يتم تمويل هذه الصحف عن طريق الدعم السرى للمحفل الأكبر من سلطات الاحتلال الإنجليزى والقنصليات الإيطالية والفرنسية والألمانية والأمريكية فى مصر لخدمة أغراضها الاستعمارية والمنح، التى كانت تأتى إلى المحافل من السلطة الأم فى أوربا على اختلاف تبعيتها، بالإضافة إلى إيرادات اليانصيب الذى كان يعقد بشكل شهرى والطامبولا أثناء الحفلات، وهى وسائل تعتمد على المراهنة والقمار، وعطايا الشركات والبنوك الأجنبية وتبرعات بعض أكابر المصريين، الذين انضموا للمحافل الماسونية إما عن جهل بحقيقة الماسونية أو طلباً للوجاهة الاجتماعية أو لتحقيق منافع تجارية، وقد كشف تقرير نادر عن ميزانية المحفل الأكبر فى المدة من 1 يناير 1929 ـ 31 ديسمبر 1929 عن أن كشوف التبرعات التى كان يتصدرها الملك فؤاد ملك مصر بلغت التبرعات 782 جنيه مصرى و 75 قرشاً، وهو ما أفصح عنه جرجى زيدان مؤرخ الماسونية فى كتابه " تاريخ الماسونية العام " : ( .. وقد تمتعت الماسونية فى مصر برعاية ولاة النعم ).
وكان الماسون يرفضون الكشف عن سجلاتهم أو مستنداتهم أو مصادر تمويلهم، لأنه يتعارض مع السرية التامة التى تعد من أهم سمات الماسونية منذ إنشائها، بحيث لا تسمح القوانين الماسونية لأحد ولا حتى للدولة التى تعيش فى كنفها، أو لأعضائها العاديين بالاطلاع على أعمالها ونشاطها وطقوسها؛ ولذلك هربت إدارة المحفل الماسونى جميع المستندات والسجلات إلى لندن فور انقلاب يوليو 1952؛ وهو ما دفع بالحكومة لحل الجمعيات الماسونية فى أنحاء البلاد فى 16 ابريل 1964 بعدما رفض محفلها الأكبر تفتيش وزارة الشئون الاجتماعية طبقاً للقانون.
رشاوى الشركات الاستعمارية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت بعض الشركات الاستعمارية الكبيرة كشركة قناة السويس وبعض البنوك الأجنبية والشركات اليهودية التى تتحكم فى اقتصاديات مصر أيام الاستعمار الإنجليزى تخصص ميزانيات خاصة لتوزيعها على إدارات الصحف المصرية تحت اسم إعانات أو مساعدات وأحياناً تحت بند الإعلانات.
وقد وضع تقرير أمام جمال عبد الناصر بعد تأميم شركة قناة السويس يكشف أن الشركة قبل التأميم كانت تخصص من ميزانيتها سنويا مبلغاً يزيد على المليون جنيه لتوزيعها على الصحف والكتّاب فى صورة هبات وإعلانات، حتى تضمن هيمنتها على أقلامهم وحتى لا يهاجموا أعمال السيطرة والاستغلال التى كانت تقوم بها *، وكان أصحاب الصحف يجدون سعادة لما كانت الشركات الاستعمارية تدفعه إليهم من مرتبات ومخصصات سنوياً.
* جميل عارف، أنا وبارونات الصحافة، ص ـ 102.
ولم يكن أى منهم يجد حرجاً فى أن يكتب بخط يده رسالة شكر وامتنان لرئيس الشركات الاستعمارية لمبادرته بإرسال المبالغ المقررة له ولجريدته فى المواعيد المتفق عليها.
الحكومات الحزبية
والمصروفات السرية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت الحكومات الحزبية التى تعاقبت على حكم مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952 تسعى للدعاية لنفسها من خلال شراء ذمم بعض الصحفيين، بإغراء المال فأدرجت أسماء هؤلاء الصحفيين فى كشوف المصروفات السرية. التى كانت تطلق عليها اسم مساعدات اجتماعية أو إعانات... وأحياناً اسم مكافآت لبعض الصحفيين.
وكان هؤلاء الصحفيون يتوجهون فى أول كل شهر لتسلم المبالغ التى كانت مقررة لكل واحد منهم من خزينة وزارة الداخلية.
ولم يكن بعض هؤلاء الصحفيين يجد حرجاً فى أن يوقع بإمضائه فى كشوف هذه المصاريف السرية اعترافاً منه بتسلم ما كانت الحكومة تخصصه له.
البرلمان
والمصروفات السرية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغريب فى الأمر أن البرلمان ممثلاً فى مجلسى الشيوخ والنواب كان يوافق على هذا البند الخاص بالمصروفات السرية عند مناقشة الميزانية بلا أدنى اعتراض، وكانت تختلف قيمتها من وزارة إلى أخرى، وإن كانت تتراوح ما بين 150 ألفا و 250 ألف جنيه فى السنة الواحدة.
وكان لكل حكومة قائمة بأسماء الصحفيين الذين يحصلون على هذه المصروفات السرية. وكان بعض الصحفيين قاسما مشتركا فى قائمة كل الحكومات.
توفيق نسيم
فى "عش الدبابير":
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما تولى توفيق نسيم باشا رئاسة مجلس الوزراء فى عام 1935م كان شرطه الرئيسى لقبول تولى منصب رئاسة الحكومة هو إلغاء المصاريف السرية من ميزانية الدولة، وعندما اتخذ قرار الإلغاء، لم يعجب موقفه الذين كانوا يتقاضون هذه المصاريف السرية فأخذوا يتربصون لأخطاء وزرائه ويهاجمونهم؛ حتى يظهروه بموقف العاجز عن تولى منصب رئيس الحكومة.
وعندما مرض الرجل وسافر إلى النمسا للعلاج تعرض لحملات صحفية حول ما ادعوه عن غرام رئيس الوزراء العجوز بممرضته الحسناء النمساوية مارى هوبكنز.
وتعرض الرجل المريض لنهش الكلاب المسعورة وطعنات الأقلام المسمومة، ولقى ما لم يلقه أحد من رؤساء الوزراء قبل الثورة، بالرغم مما كان معروفاً عنه من نزاهة وأمانة وعفة نفس.!
.. صحفيو القصر:
وكان للقصر الملكى قائمة تشمل عدداً من الصحفيين الذين كان يُطلب إلى رئاسة مجلس الوزراء، وإلى وزارة الداخلية أن تدفع لهم مبالغ شهرية ضخمة من ميزانية المصروفات السرية.
وكان أبرزهما كريم ثابت المستشار الصحفى للملك فاروق وإدجار جلاد الصديق الشخصى له وصاحب جريدتى الجورنال دى يجيبت والزمان، وكان كلاهما يحصل على 1000 جنيه شهرياً.
المصرفات السرية فى أول
اجــتماع لنقابة الصحفيين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فى أول اجتمـــــــاع للمجلس المؤقت لنقـابة الصحـــــــفيين يوم 8 أبريل سنة 1941 والذى عقد فى مكتب جبرائيل تكلا قى جريدة الأهرام، بعد أسبوع واحد من صدور المرسوم الملكى بإنشاء النقابة فى 31 ـ 3 ـ 1941، أراد محمد التابعى وكان مالكاً ورئيساً لتحرير مجلة آخر ساعة أن يثير عاصفة أثناء اجتماع المجلس المؤقت للنقابة حول مصادرة مجلته التى صدر قرار من وزير الداخلية بمصادرتها فى نفس الأســــبوع الذى عقد فيه الاجتماع.
ادعى التابعى أن حكومة حسين سرى أرادت تحية نقابة الصحفيين بمناسبة صدور المرسوم الملكى بإنشائها، فصادرت مجلة آخر ساعة واقترح أن يصدر المجلس بياناً يعلن فى احتجاجه على قرار المصادرة.
ورفض المجتمعون فكرة إصدار مثل هذا البيان للاحتجاج على قرار المصادرة قبل التحقيق فى أسبابها. وأمام إصرار التابعى كاد الاجتماع ينقلب إلى مشاجرة وتشابك بالأيدى بعد أن رد عليه فارس نمر باشا قائلاً:
- "شو احتجاج يا أستاذ تابعي.. أنت ماكو قابض إمبارح 500 جنيه من حسن رفعت باشا وكيل الداخلية".
وأدرك أعضاء المجلس المؤقت ما كان يعنيه الرجل فاتجهت بأنظارهم ناحية محمد التابعى الذى كان يرتجف فى مكانه من الصدمة، ويؤكد أنه ليس وحده الذى يحصل على هذه المصروفات السرية لأن بعض أعضاء المجلس المؤقت لنقابة الصحفيين يتقاضونها فى صورة مكافآت شهرية من الحكومة.
إسفاف لا يليق:
تدخل فكرى أباظة لتنظيم الجلسة وضبط مستوى الحوار قائلاً:
- يا جماعة.. إحنا لا نملك إهمال الشكوى التى تقدم بها الأستاذ التابعى لمصادرة مجلته، وعلينا أن نناقش الموضوع حتى نتعرف على الظالم والمظلوم فى القضية.
وعاد الهدوء إلى اجتماعات المجلس المؤقت لنقابة الصحفيين.
وتبين من المناقشة التى دارت حول الموضوع.. أن مجلة (آخر ساعة) كانت قد نشرت خبراً عن زوجة عبد القوى بك أحمد وزير الأشغال فى حكومة حسين سرى باشا، قالت فيه إن زوجة الوزير شوهدت وهى ترقص بلدى فى حفل عائلى أقامته لصاحباتها فى بيتها.
وأثار الخبر أزمة وزارية، وطلبت زوجة الوزير الطلاق غضباً من زوجها الذى لم يستطع حماية كرامتها ومنع نشر هذا الخبر الذى أساء إليها كثيراً. وبادر الوزير بتقديم استقالته إلى حسين سرى باشا رئيس الوزراء جاء فى أسبابها:
"قالوا.. إن زوجتى راقصة، ولذلك أنا لا أصلح أن أكون وزيراً فى حكومتك.. أو فى حكومة أخرى !."
وكانت أغرب أزمة وزارية فى تاريخ مصر، ووجد حسين سرى باشا الحل عندما أصدر تعليماته إلى وزارة الداخلية بمصادرة مجلة "آخر ساعة" إرضاء للوزير ولإقناعه بسحب استقالته.
وكان قرار المجلس المؤقت لنقابة الصحفيين فى أول اجتماع له.
- أن الخبر الذى نشرته (آخر ساعة) عن زوجة الوزير يعتبر إسفافاً لا يليق.
وأن قرار الحكومة التزم جانب الحق !
دعوة هيكل
لتطهير الصحافة:
ــــــــــــــــــــــــــــ
بعد الثورة بعشرين يوماً، وفى 13 أغسطس 1952 طالب محمد حسنين هيكل بتطهير الصحافة، فى مقال نشره فى (آخر ساعة) جاء فيه:
إنى أقولها بصراحة ـ وأنا أعتقد أنها ستجلب لى متاعب الدنيا والآخرة ـ إن بلاط صاحبة الجلالة فى حاجة إلى تطهير كبير، لقد كان الملك السابق كارثة على مصر, هذا صحيح، وكان زعماء الأحزاب السياسية كارثة على مصر، هذا صحيح، وكان محترفو السياسة كارثة على مصر، هذا أيضاً صحيح، ولكننا ـ نحن بلاط صاحبة الجلالة ـ كنا كارثة أخرى، ويجب أن نعترف أن علينا مسئولية كبرى فى كل الذى صارت إليه الأحوال، ولقد بدأت مصر كلها تنادى بالتطهير وعلينا نحن أيضا أن ننادى مع مصر بالتطهير، تطهير أنفسنا قبل تطهير الآخرين.
إن الصحافة اليوم ليست ملك أصحاب الصحف ولا ملك المحررين، إنما الصحافة اليوم مؤسسة عامة تؤدى دوراً بالغ الخطورة، إنها أشبه ما تكون بعجلة القيادة للرأى العام، وينبغى أن تتوافر كل الضمانات لعجلة القيادة، فلا يكون بها خلل ينحرف بالمركبة إلى اليمين حيث ينبغى أن تكون إلى اليسار، أو ينحرف بها إلى اليسار حيث ينبغى لها أن تكون إلى اليمين، لا يستطيع أحد أن يركب سيارة أصيبت عجلة القيادة فيها بخلل، خصوصاً إذا كان سيقطع بها طريقا شاقا مليئا بالمنحنيات والمنعرجات.
إنى لا أطالب بالحد من حرية الصحافة بل العكس أنا أعتقد أن الصحافة الحرة هى المعنى الوحيد للديمقراطية، ولكن اسمعوا ما حدث فى إنجلترا، وإنجلترا هى بلد حرية الصحافة مهما اختلفنا فى الرأى حول سياسة الإنجليز، بعد الحرب العالمية الأخيرة ثار فى مجلس العموم لغط حول الصحف البريطانية واتجاهاتها وقرر مجلس العموم تأليف لجنة برلمانية لفحص حالة الصحافة البريطانية وتضمن هذا ما يلى :
ـ فحص الحالة المالية للصحف البريطانية ومن هم أصحابها ومن هم حملة الأسهم وما مصادر تمويلها.
ـ فحص حالة الصحافيين وما هى اتجاهاتهم وما الآراء والتيارات التى تسيرهم فى الطريق الذى يسيرون فيه؟.
حدث هذا فى إنجلترا بلد الحرية الصحفية التى لا تعرف حدوداً. أما فى مصر فإن الحكومات تصرف مرتبات سرية لعدد من الصحافيين، أما فى مصر فإن تيارات كثيرة ومصالح متشابكة معقدة ـ بل ومريبة ـ تعمل عملها فى الصحافة وليس هناك من يطالب بحساب أو بعقاب. وبعد فدعونى اقترح ثلاثة حلول ولتكن لنا الشجاعة فى مواجهتها :
ـ ينبغى إلغاء المصاريف السرية للصحافة فوراً.
ـ ينبغى أن تعلن أسماء جميع الصحافيين الذين استحلوا لأنفسهم أموال المصاريف السرية فى جميع العهود.
ـ ينبغى أن يقوم ديوان المحاسبة ( الجهاز المركزى للمحاسبات حالياً ) بفحص حسابات جميع الصحف المصرية لنعرف ما هى مصادر تمويلها وكيف تعيش.
هذا هو الطريق للتطهير، تطهير أنفسنا قبل تطهير الآخرين.
دعوة العقاد
« لتطهير الكتابة »:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد أعاد الأستاذ عباس محمود العقاد دعوة الأستاذ هيكل إلى تطهير عالم الكتابة فى مقاله بمجلة الهلال ـ عدد نوفمبر 1952 ـ بعنوان : « عالم الكتابة والكتّاب فى حاجة إلى التطهير»، وعالم الكتابة يشمل الكتابة فى الصحف كما يشمل كتابة المصنفات والرسائل وكل كتابة منشورة على العموم .
بدأ العقاد مقاله بضرورة تطهير عالم الكتابة لكونها المسيطرة على أقدار الشعوب وهى الموكلة بالتذكير والتبشير بغير شريك ولا نظير ؛ ولأن الكتابة فى الأمة صورة للكاتب والقارئ فى وقت واحد ، فإذا حسنت هذه الصورة فهى علامة حسنة على خلائق الكتاب وعقولهم وعلامة حسنة كذلك على الأخلاق والأفكار وحسن الإدراك عند القراء، وأن الفضل فضلهم فى صدق كتابهم ونهوضهم بأمانتهم ، لأن هؤلاء الكتاب لا يقدرون على الكذب والزور حيث يظهر الكذب والزور بيناً لكل قارئ .
وأنهى العقاد مقاله بأن تطهير الكتابة تطهيران : تطهير من جانب الحكومة وهو ما اتفق فيه مع ما قاله هيكل وأضاف إليه ثمة تطهير ثان وتطهير تقع مسئوليته على جمهور القراء .
مهمة الحكومة :
ـــــــــــــــــــــــــ
والتطهير الذى تستطيعه الحكومة أن تراجع أضابير الدواوين وتستخرج منها أسماء أصحاب « الرواتب السرية » فى عهد كل وزارة غابرة ، وأن تحاسب الوزراء الذين أخذوا من خزانة الدولة مالاً باسم المصاريف السرية وكيف أنفقوه وعلى من وزعوه ، وكيف استجازوا أن يستعينوا بمال الأمة على تضليل الأمة وحملها على قبول الرأى المأجور والثناء الزائف والفكرة التى يكتبها الكاتب غير مؤمن بها ولا مخلص فى الدفاع عنها .
وأوضح العقاد أن المصاريف السرية ليست هى كل الأجرة التى يؤجر بها أصحاب الأقلام المسخرة والضمائر الخربة ، فهناك الوساطات فى الصفقات والمنافع وهناك السمسرة «الأدبية» فى الشفاعات والاستثناءات
وطالب العقاد الحكومة بكشف ما تم صرفه من خزائن الأحزاب والشركات على شراء الأقلام وترويج النفوذ الذى يسيطر على الحياة من غير الطريق المستقيم .
وأكد العقاد على ضرورة فضح الأقلام المأجورة التى تسخرها الدول الأجنبية جواسيس على أوطانها لتفسد سياسة أوطانها وتخدم مصالح تلك الدول .
مهمة القراء :
ــــــــــــــــــــــ
أما التطهير الثانى فهو من قبل القراء الذين يجب أن يحترموا عقولهم ويضنوا بمصالحهم العامة أن تلعب بهم أقلام المأجورين . فيحاسبون فى إطار المسئولية الاجتماعية كل كاتب على كذبه وزوره ، ويقابلون ما يكتبه بالإعراض فلا تروج له تجارة بينهم ، ويصبح منبوذاً ويظل عبرة لغيره ممن يكذبون ويزورون .
مؤتمر استعراض القوة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكرر هيكل مطالبه ولم تمر هذه المقالة بسهولة، لم يسكت الصحافيون هذه المرة، خاصة أن العلاقة أنذاك بين الصحافة والثورة لم تكن طيبة، فى وقت كانت فيه الدبابات والسيارات تقف بالقرب من دور الصحف مستعدة ومتحفزة.
"بطحة" النقابة:
ــــــــــــــــــــــــــ
لقد وقفت نقابة الصحافيين ضدى وأحالتنى إلى مجلس تأديب، ووقف الرأى العام معى فتلقيت مئات من المكالمات التليفونية والبرقيات والرسائل، كلها تشعرنى أنى لست وحدى، هكذا رد الفعل عن نقابة الصحافيين، وهكذا كان رد الفعل عند الرأى العام، فهل يمكن أن تكون هناك هوة أعمق من هذه وأعرض؟.
ثم أضاف متحديا : "أريد أن أقف أمام مجلس التأديب لأكرر ما قلته."
***
تجميد القرار:
ــــــــــــــــــــ
وكان قرارهم: هو تجميد القرار، ورفع الأمر إلى القضاء، وكانت هذه أول دعوى من نوعها ترفعها نقابة الصحفيين ضد صحفى منذ صدور قانون نقابة الصحفيين سنة 1941، تاركة للمحكمة مهمة تحقيق وقائع الدعوى، وجاء فى مذكرة النقابة أن مجلس النقابة لم يتول التحقيق فى هذا الموضوع بالذات نأيا منه عن أية شبهة فى قضية وضع الكاتب نفسه طرفا فيها، ووضع الصحافة ونقابتها طرف خصومة، وأن مجلس النقابة ينزل عن حقه مختارا.
حكم البراءة:
ــــــــــــــــــ
وفى 2 يوليو 1953، قدم أحمد لطفى حسونة محامى أخبار اليوم مذكرة إلى محكمة الاستئناف ـ محفوظة فى أرشيف أخبار اليوم - قال فيها:
ما كنا نظن أن الثورة الجامحة الحاسدة تدفع المجلس إلى هذا التجنى، فالمقال لم يزلزل الأرض ولا السماوات، وهو دعوة صريحة إلى الجد بعد حياة الذل الطويلة، ودعوة صريحة إلى حرية الصحافة وتنزيهها عن التملق والرياء ومسح أعتاب الحاكمين.. والمقال قبل ذلك وفوق ذلك لم يمس أحدا.
وقضت المحكمة ببراءة هيكل مما نسب إليه بسبب المقال، وقد نشرت جريدة الأخبار خبر حكم البراءة فى صدر صفحتها الأولى فى اليوم التالى.
حل النقابة:
ـــــــــــــــــ
وقرر مجلس قيادة الثورة فى نفس الوقت تعديل قانون نقابة الصحفيين للفصل بين المحررين وأصحاب الصحف، وكان مجموعة من الصحفيين قد تقدموا إلى وزير الإرشاد القومى بمذكرة يقترحون فيها شطب أسماء أصحاب من جدول نقابة الصحفيين حتى تتحول إلى نقابة للمحررين فقط.
إعلان كشوفات
المصاريف السرية:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفى نفس الوقت أذاع مجلس قيادة الثورة قائمة نشرتها الصحف اليومية فى صفحاتها الأولى فى اليوم التالى بأسماء 23 صحفياً، عُثر على وثائق ومستندات تثبت تقاضيهم لهذه المصروفات السرية، وهم:
حسين أبو الفتح ( نقيب الصحفيين ) ـ مصطفى القشاشى ( سكرتير عام النقابة ) ـ أبوالخير نجيب ( رئيس تحرير الجمهور المصرى ) ـ إحسان عبد القدوس ( رئيس تحرر روز اليوسف ) ـ فاطمة اليوسف ( صاحبة مجلة روز اليوســف ) ـ قاســم أمين ( زوج فاطمـة اليوسـف ) ـ مرسى الشــافعى ( عضو مجلس نقابة الصحفيين ومدير تحرير جريدة المصرى ) ـ ألبرت مزراحى ( صاحب جــريدة التسـعيرة والصراحة ـ محــمد عبد المنعــم رخـــا ( عضو مجلس نقابة الصحفيين ) ـ دكتور إبراهيم عبده ( أستاذ الصحافة ) ـ دكتور حسنى خليفة (صاحب أول وكالة مصرية للأنباء) ـ كامل الشناوى ـ إدجار جلاد ( صاحب جريدتى الجورنال ديجيبت والزمان ) ـ كريم ثابت (رئيس تحرير المقطم والمستشار الصحفى للملك السابق ـ أحمد حسين (المحامى ورئيس الحزب الاشتراكى وصاحب مجلة الاشتراكية ) ـ عبد الرحمن دنيا ( عضو مجلس نقابة الصحفيين ) ـ عبد الرحمن الخميسى (الكاتب بجريدة المصرى ) ـ عبد الشافى القشاشى ـ عبد الرحمن زايد (المحرر بجريدة المصرى ) ـ أحمد محمود على عصفور ـ محمد خالد (عضو مجلس نقابة الصحفيين ) ـ محمد على غريب ( عضو مجلس نقابة الصحفيين ) ـ نعمة اله غانم .
- وأذاع مجلس قيادة الثورة فى نفس الوقت قائمة أخرى بأسماء الصحف والمجلات التى تقاضت مصروفات سرية وبيانا بالمبالغ التى حصلت عليها :
مجلة روز اليوسف 19281 جنيهاً، جريدة الجمهور المصرى وكان صاحبها هو أبو الخير نجيب 2808 جنيهات، مجلة الصباح وكان صاحبها هو مصطفى القشاشى سكرتير عام نقابة الصحفيين 7222 جنيهاً، جريدة الأساس وهى الجريدة التى كانت لسان حال الهيئة السعدية 48000 جنيه، جريدة البلاغ وهى جريدة مسائية كانت معارضة للوفد ثم أصبحت مؤيدة له بسبب هذه المصاريف السرية 7900 جنيه، جريدة صوت الأمة وهى جريدة وفدية 2900 جنيه، جريدة النداء وهى جريدة أسبوعية وفدية 2200جنيه، جريدة الحوادث وهى جريدة أسبوعية 4550 جنيهاً جريدة السوادى 25250 جنيهاً، جريدة السياسة وهى جريدة ناطقة بلسان الأحرار الدستوريين 15500 جنيه، جريدة الدستور 3900 جنيه، جريدة بلادى 5300 جنيه، جريدة التسعيرة والصراحة 1000 جنيه جريدة المقطم 7198 جنيهاً، جريدة الزمان 12500 جنيه.
"دراويش" التصوف الاشتراكى
والبصـــاصين فى تكـايا الصحـف:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وانتقل بند المصاريف السرية إلى خزينة وزير الإرشاد الذى أصبح من أولى مهامه رعاية المنظّرين لما أسموه "فكر الثورة وصياغة فلسفتها" داخل حدود مصر، ورعاية منابر إعلامية وأقلام مأجورة خارج الحدود، وهو ما عبرت عنه دعابة الرئيس اللبنانى شارل حلو فى لقائه بالصحفيين اللبنانيين: "أهلا بكم فى بلدكم الثانى لبنان !!".
أما فيما يختص بصغار"البصاصين" وكتبة التقارير فى الوسط الصحفى، فقد انتقل بند المصاريف السرية إلى جهات أمنية تقدمه لهم فى شكل ترقيات وعلاوات ومكافآت ومنح وميزات، منها الحصول على شقق سكنية فاخرة وفيلات وسيارات من الأملاك الخاضعة للحراسة بأقل من قيمتها بكثير.
عطايا الفاسى:
ـــــــــــــــــــــ
بدأت زفة محمد شمس الدين الفاسى الذى قدم إلى مصر بدعوة من جريدة الأهرام مدعياً أنه رئيس لما يسمى بالمجلس الصوفى العالمى، وقامت مؤسسة الأهرام بترتيب لقاءات له مع كبار المسئولين وتنظيم دعاية بملايين الجنيهات توزع على الصحف المصرية برعاية مدير مكتب الأهرام فى لندن ورئيس دار المعارف، وعندما نبه أحمد بهاء الدين إلى الخطر الذى يهدد صحافتنا نتيجة لمحاولات اختراقها فى مقال فى يومياته بجريدة الأهرام بتاريخ 13 مارس 1986 تناول فيه الشيخ شمس الدين الفاسى وما يسببه من إساءة إلى صحافة مصر والصحفيين وكشف أسرار الرجل، ووهم الكيان الذى يدعى رئاسته، وما يحمله الرجل فى جعبته، وحجب الأهرام المقال بعد صدور الطبعة الأولى، وطلب من أحمد بهاء الدين كتابة مقال آخر لينشر فى الطبعة الثانية، وألا يتعرض من قريب أو بعيد للشيخ الفاسى، ولكنه رفض، وقرر أن يتوقف عن كتابة عمود يومياته احتجاجاً على قرار منع مقاله.
وكانت حجة الأهرام أن المؤسسة أبرمت عقد إعلانات مع الفاسى قيمته 300 ألف جنيه استرلينى، تم توقيعه عن طريق مكتب الأهرام فى لندن، وأن هذا العقد يفى بنصف تكاليف الطبعة الدولية.
ولم تكد تنفض زفة المجلس الصوفى العالمى حتى تحول بعض الصحفيين إلى مندوبى دعاية لأعياد ميلاد الأميرة هند الفاسى ابنته والأميرة سماهر بنت ترك حفيدته.
رشاوى الريان:
ـــــــــــــــــــــــ
لم تكد تنفض زفة العائلة ( الفاسية )، حتى بدأ مولد الريان الذى بدأ أولى خطواته فى تضليل الناس وجذب أموال الفقراء لشركاته بتجنيد عدد من الصحفيين والكتاب، الذين استخدمهم فى وظيفة المستشار الصحفى بمرتبات خيالية وأرباح خرافية من إيداعاتهم الوهمية فى "كشوف البركة" وإغراق الصحف القومية والحزبية بالإعلانات، ودفع عشرات الملايين للمؤسسات الصحفية القومية ( الأخبار ـ الأهرام ـ التحرير ـ دار الهلال ـ روز اليوسف ) لطباعة كتب من خلال عقود خلت من تسمية كمية المطبوعات ونوعيتها وأسماء الكتب وتواريخ التسليم ، لكن فقط التزام بتسليم مبلغ معين مقابل تسليم أعمال مطبوعة مبهمة فقط .
وقد وصلت البجاحة ذروتها بعرض فتحى الريان تقديم (قرض حسن) لأعضاء نقابة الصحفيين بمصر بمليون جنيه وبدون فوائد بقيمة 3000 جنيه لكل صحفى من خلال استمارات تحمل اسم وشعار الريان، قام بتوزيعها صحفى رياضى كان عضواً بمجلس النقابة، وهو الأمر الذى تصدى له شيوخ المهنة بحزم وفضح أغراضه الخفية وعلى رأسهم محمود المراغى وجلال عارف سكرتير عام النقابة آنذاك.
مرسيدس صدام:
ـــــــــــــــــــــــــ
فى عام 1988، وأثناء حضور الاجتماع التأسيسى لمجلس التعاون العربى، الذى كان يضم مصر والأردن والعراق واليمن قدم الرئيس العراقى السابق صدام حسين لكل عضو من وفد رؤساء التحرير المرافق للرئيس مبارك سيارة مرسيدس، بعد "الفضيحة" التى أحدثتها فى ذلك الحين، أمر مبارك بنقل ملكية هذه السيارات للمؤسسات القومية والحزبية حتى لا تتهم الصحف المصرية بأنها مخترقة من نظم عربية.
مكرمة ملك البحرين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
فى ديسمبر 2006، سافر عشرة من رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة لمقابلة عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وانتشرت "تقولات" فى الأوساط الصحفية عن هدايا ثمينة وأموال قدمت للشخصيات التى شاركت فى الزيارة وتساؤلات عن القيمة المهنية للحدث، التى تجعل عشرة من رؤساء تحرير الصحف المصرية يسافرون فى "قفة" واحدة على حد تعبير أحد كبار الصحفيين.
أموال البترول
لدار الهـــلال:
ــــــــــــــــــــــ
كما كشفت المستندات عن خطاب مؤرخ 7 فبراير 2007 متضمناً تعليمات وكيل أول وزارة البترول إلى رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) بضرورة مساهمة الشركة القابضة والشركات التابعة لها فى إصدار سلسلة الهلال البترولى، مرفق به بيان بحصة مساهمة كل شركة بإجمالى قدره 485 ألف جنيه موزعة على النحو التالى إيجاس القابضة ( 110 آلاف جنيه)، غاز مصر (125 ألف جنيه)، جاسكو (125 ألف جنيه)، تاون جاس (65 ألف جنيه) وبتروتريد (60 ألف جنيه)، هذا بخلاف حجم المساعدات التى تمنحها الشركات القابضة الأخرى التابعة لوزارة البترول.
كما كشفت المستندات ذاتها عن أرقام شيكات ببعض المبالغ السابق بيانها، واعتماد مجلس إدارة جاسكو فى 8 أكتوبر 2007 صرف 250 ألف جنيه قيمة إصدار مطبوعات دورية بدار الهلال على مدار عام كامل بخلاف مبلغ الـ 125 ألف جنيه قيمة مساهمات جاسكو فى نشرة الهلال البترولى خلال العام نفسه.
خطاب موجه من وكيل وزارة البترول إلى رئيس الشركة المصرية القابضة
للغازات البترولية لتقسيم تكلفة الهلال البترولى على هيئة البترول
والشركات القابضة وشركاتها ( مستند رقم 1 ).
صفحة رقم 2 من مستند رقم 1 بقيمة حصة كل شركة.
قرار مجلس إدارة الشركة المصرية للغازات
الطبيعية ( جاسكو ) رقم 11/ 12 لسنة 2007
طلب إصدار شيك رقم 10300 البنك الأهلى لصالح دار الهلال
تحت بند إعانات وتبرعات لغير الموردين حسب ماهو مثبت
فى بيان قيده.
طلب إصدار شيك رقم 24279 البنك الأهلى لصالح دار الهلال
تحت بند إعانات وتبرعات لغير الموردين حسب ماهو مثبت
فى بيان قيده.
صحفيو البترول:
ــــــــــــــــــــــــــــ
"أن حمدى عبد العزيز كان يُسخِّر بعض الصحفيين للتغطية على انحرافات وزارة البترول وذلك بشراء ذممهم. وجاء على رأس القائمة عادل إبراهيم محرر البترول بجريدة "الأهرام" حيث تم تعيين ابنه فى شركة انبى، وكان يتمتع بعضوية مجلس إدارة مجلة البترول بمقابل مادى كبير جدا، وغالى محمد الصحفى بمجلة "المصور" حيث عيّن زوجته بشركة " جاسكو"، كما عيّن سائقه فى شركة "إيجاس".
وتضم القائمة أيضا ثروت شلبى الصحفى بجريدة "الأهالي" الذى عيّن زوجته فى شركة " جاسكو"، وأحمد مختار الصحفى بالأهرام المسائى الذى أوضح البلاغ أن لديه عقداً استشارياً لإحدى شركات البترول بمرتب كبير، كما عينت زوجته بشركة جاسكو، وكمال عامر الصحفى بـ"روزا اليوسف"، والذى كان يتمتع بعقد استشارى فى شركة بتروسبورت بمرتب 8 آلاف جنيه شهريا.
وأضاف البلاغ أنه تم إهدار 500 ألف جنيه على تجهيز مؤسسة دار الهلال للنشر بأجهزة كمبيوتر بناء على تعليمات حمدى عبد العزيز فى الفترة مابين عامى 2002 حتى 2005، وكذلك إهدار 22 مليون جنيه على عقود إعلانية وطبع أجندات سنوية بمطابع الأهرام التجارية مقابل عمولات حصل عليها عادل إبراهيم محرر البترول "بالأهرام".
صحفيو البنوك والاتصالات
والســـــياحة والكـهــــرباء:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكر تقرير رقابى أن الجهاز المصرفى به العديد من المخالفات التى تعوق النمو داخل المجتمع، وأن نهب البنوك كان يتم بمظلة إعلامية من مجموعة من المحررين الاقتصاديين الذين تستروا على هذا الفساد مقابل رواتب خصصت لهم تتراوح بين 60 إلى 250 ألف جنيه شهرياً تحت بند مستشارين إعلاميين، إضافة إلى حصة من الإعلانات لصحفهم يحصلون على عمولاتها.
كما أشارت تقارير أخرى إلى تورط بعض الصحفيين المكلفين بتغطية قطاعات الاتصالات والـسياحة والكهـرباء فى جريمة التربح سواء عن طريق جلب الإعلانات ، وتقاضى عمولاتها ، أوالحصول على مزايا مالية وعينية من جراء إساءة استغلال مواقع عملهم الصحفى فى الترويج لأنشطة تلك الشركات .
مستشار وزير البيئة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ مستند صادر عن وزارة البيئة .
التمويل الأجنبى:
ـــــــــــــــــــــــ
مع السنوات الأولى من القرن الـ21 عادت الصحف الخاصة مرة أخرى للوجود فى مصر، والتى حصلت على تراخيص من المجلس الأعلى للصحافة كشركات مساهمة، يمتلك الجزء الأكبر من أسهمها رجال أعمال أو شركاء يمارسون دور الغطاء المحلى للبرنامج الأمريكى المعلن لدعم الديمقراطية بإنشاء صحف ومواقع إلكترونية وقنوات تلفاز عربية وقد ذكرت تسريبات ويكليكس أن السفارة الأمريكية بالقاهرة قد مولت بعض الصحف الخاصة فى عام 2006 بمبلغ 16 مليون دولار .وبعد سقوط نظام مبارك شكلت قضية تمويل منظمات المجتمع المدنى الحدث الساخن والأهم فى مصر، وقررت وزارة التعاون الدولى فتح تحقيق رسمى فى يوليو 2011 بعد أن أعلنت السفيرة الأمريكية فى مصر آن باترسون أن بلادها دفعت 40 مليون دولار لمنظمات غير حكومية وأشخاص وجهات سياسية منذ اندلاع الثورة، ما أدى إلى توتر سياسى بين القاهرة وواشنطن.
وكشفت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» أن حوالى 85 % من التمويل
الأمريكى لمصر ذهب بالفعل إلى منظمات أمريكية فى مصر، مثل المعهد الديمقراطى الوطني، والمعهد الجمهورى الدولى، ومؤسسة فريدم هاوس والمعهد الدولى لحرية الصحافة ، وأشارت الصحيفة إلى إعلان الولايات المتحدة عن توزيع 65 مليون دولار على هيئة منح مباشرة للجماعات المؤيدة للديمقراطية فى مارس 2011 ، أثار ردود فعل غاضبة من جانب الحكومة المصرية والمجلس العسكرى.
التموبل الأمريكى
لصحفيين مصريين :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر موقع ويكيليكس فى 4 سبتمبر 2011 فى تسريباته برقية صادرة عن السفارة الأمريكية فى القاهرة يوم 11 يوليو 2005، تفيد تمويل السفارة الأمريكية بالقاهرة لسبعة صحفيين مصريين لتغطية الانتخابات اللبنانية استعدادا لتغطية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى مصر فى وقت لاحق من العام نفسه، الصحفيون هم : خالد صلاح الصحفى بمجلة الأهرام العربى وأمل فوزى الصحفية بمجلة نصف الدنيا، ومحمد النوبى محرر الشئون الخارجية بالأهرام ونبيل رشوان الصحفى بجريدة نهضة مصر اليومية الخاصة و3 من أفراد طاقم إنتاج تليفزيونى ينتمون لفيديو كايرو.
***
.. ومع انهيار الكلمة بسبب الاستبداد، وفساد الذمم الصحفية؛ يظل تاريخ النضال من أجل حرية الصحافة فى مصر أطول من تاريخ كثير من دول العالم ذاتها.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)