كتاب :"لمصر .. لا للأقباط"، ياسر بكر ، بصيغة Word
الإهداء :
ـــــــــــــــــــ
.. إلى طالبي المعـــرفة المنزهة عن الهــوى
والغرض في وطن يعيش محنة ثقافة مزورة .
ياسربكر
مقدمة
ـــــــــــــــ
بعد نشر مقالي بعنوان : «البابا .. والرئيس
!!» انهال علىّ سيل من الرسائل اتخمت بريدي الإلكتروني بتساؤلات كثيرة بعضها
منطقي، .. وبعضها ينطوي على عدم الفهم، وبعضها ينطوي على الإصرار على خلط الأوراق،
وإلصاق بعض الإشكاليات بالإخوة الأقباط والتي حدثت في ظروف تاريخية بالغة الالتباس
والتعقيد، كان خلط الأوراق واضحاَ لأسباب سياسية مصلحية تتعلق بالعراك السياسي
الذي يستند في قوامه إلى أسباب دينية، .. وكان الغبار وذر الرماد الذي يثيره بعض
الذي خرجوا علينا من كهوف العصور الوسطى مرتبطاً بإلقاء الاتهامات جزافاً عن تعاون
أفراد من القبط مع الغازي المعتدي، وإثارة حكاية ما أطلق عليه زوراً مُسمى «الحروب
الصليبية»، وقصة خيانة المعلم يعقوب ابن حنا مع حملة بونابرت، وتشكيل «الفيلق
القبطي» الداعم لتواجد الفرنسيين غصباً في مصر، ودور بعض مثقفي الأقباط ورجال
الكنيسة اليعقوبية في تبني مزاعم «الاستشراق» في الكيد للإسلام والتشكيك
فيه، والإساءة لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وعن مطاعن بعض الرهبان في
بعض آيات القرآن الكريم!!، والتأكيد على وجود انحرافات خطيرة أصابت المسيحية في
الممارسات والعقيدة والنصوص المكتوبة، وانعكست على أخلاق وأفعال الأقباط !!
وارتأى بعض الأقباط ـ ولا أفشي هنا سرأ ـ
أنهم لا يعترفون بالإسلام كديانة سماوية إلهية، ولا أن القرآن وحي !!، وهذه ذروة الحماقة أن يجحد المرء شاهده، فالقرآن هو
الذي شهد بصدق رسالة النصرانية التي أنُزلت على سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام،
وشهد أن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله وكلمته وروح منه، وأنه رسول قد خلت من قبله
الرسل أتاه الله الكتاب وجعله نبياً، وجعله مباركاً أينما كان، وعلمه الكتاب
والحكمة، وأتاه البينات وأيده بروح القدس، وأنه وجيه في الدنيا والأخرة ومن
المقربين، وأن الله تقبل أمه السيدة مريم بقبول حسن واصطفاها وطهرها واصطفاها على
نساء العالمين، وأنها صِدِّقية، بينما ينكر اليهود أن عيسى ابن مريم عليه السلام
هو المسيح وانهم لا يزالون في انتظار مسيحهم، ـ وهذا ليس سراً ـ فقد نشروا هذه
التقولات على الملأ من فوق منابر العالم المسيحي دون ان يعترضهم معترض!!.
.. كانت كل جريمتي أنني أوضحت في المقال أن
المسيحية الأولى هى التي بشرت بالإسلام وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وحمت
الإسلام في بدء بزوغه، وقدمته للدنيا كلها !!
.. وكان الكثير من الشتائم والسخائم ما
يعف اللسان عن ذكرها .. لا بأس؛ فقد تعودنا على هذا، ونذرنا من عرضنا بعض صدقة في
وطن لا يعرف ثقافة الاختلاف ولا يحترمها !!.
.. وأمام عِظم المسئولية قررت مناقشة
الأمر بهدوء، وبشكل علمي وبالأدلة والوثائق لمن يريد الاطلاع والفهم من طالبي
المعرفة المنزهة عن الهوى والغرض في وطن يعيش محنة ثقافة مزورة !! .. ثقافة خلفتها
الإنحيازات الدينية والطائفية لمنتجي الثقافة والمحكومة بحزمة من علاقات المصالح
التي جمعت بينهم وبين رجال الدين ورجال السياسية أى علاقة ترابط قائمة على نظرية المنفعية Utilitarianism بين بعض الدعاة والوعاظ في المسجد والكنيسة وبين سلطة الحكم وعمالة
الإعلام التي تشابكت معاً من أجل مصالحها بالترويج للخرافة والانحراف بالأديان عن
مقاصدها واستخدامها في خداع الناس، والسيطرة عليهم واستعبادهم بالتواطؤ بين دور
العبادة ومؤسسات القمع، ووضع القيود على الفكر والعقيدة ومنع حرية الرأي وحرية
تداول المعلومات وحرية البحث العلمي ففي الوقت الذي يعاني فيه المواطن من تآكل حقه
الدستوري في الرعاية الصحية والاجتماعية وتدني مستوى التعليم وخروج الجامعات من
التصنيف العلمي العالمي تقوم الدولة بالإسراف في بناء دور العبادة الضخمة والفخمة
بغير داعي والاحتفال بالموالد، وبأولياء
الله الصالحين وتطويب القديسين؛ فالخرافة هي الأساس الذي يقوم عليه حكم الفرد
المطلق؛ فتحولت الكنائس إلى مسارح والمساجد إلى أسواق للخطابة يستعرض فيها الوعاظ
قدرتهم على الصراخ والإثارة أحيانا، والتباكي واصطناع الخشية أحيانا أخرى التي سرعان ما يتم الترويج لها تجاريا على
وسائط الكترونية لا يرومون من ورائها تعليم الناس بل التكسب منهم والتعيش على
كدهم، وكل غايتهم أن يعجب الناس بما يبتدعونه في الدين، وطبيعي أن يبدأ التنافس
والحسد بين دعاة الفتنة على ما اغتنموه من أموال، وحصدوه من شهرة عبر الدفع بهم
عبر شاشات الفضائيات حتى أصبحت المفاهيم المطروحة عن الدين مجموعة من الخرافات
والخزعبلات والأوهام التي أصبحت تمثل
احتقاراً للعقل !!
ثم كان «المتغير الجديد» أن بعض الكتل
الاجتماعية بتضاريسها المختلفة لم يقتصر دورها على الاستهلاك للمنتج الخطابي
الديني المطروح، وإنما باتت توجهه لما يخدم مصالحها؛ فلم يقتصر الأمر على دعاة
الفضائيات فقط وإنما برز «وعاظ الشوارع» أو «دعاة الشوارع» الذين
يمارسون أدوارهم في المحافل والمركبات العامة!!
.. وكما يقول سبينوزا في كتابه بعنوان :
«رسالة في اللاهوت والسياسة»: (إن اللاهوت ليس نظرية في الله فقط بل ينشأ عنه نظام
اجتماعي، كذلك وليس الدين عقائد فحسب بل ينشأ عنه نظام سياسي كذلك.)* (1).
وقد جمعت بين «المنهج الاستردادي» في
الكتابة لفهم طبيعة العصر الذي جرت فيه الأحداث وبصمته على المكان وملامح وأخلاق
وأفعال ناس عاشوا فيه، وبين «المنهج الاستقرائي» لاستنطاق ما بين يدي من الوثائق
والأخبار والتواريخ والصور والأحداث والأفعال، و «المنهج التحليلي الاستنباطي»
لفهم دلالة ما حدث؛ مع التأكيد أننا لا نحاكم التاريخ ولا نتحاكم حول وقائعه، أو
شخوص أبطاله ولكنها محاولة لفهم ما حدث؟! وكيف حدث؟! ولماذا حدث؟!! حتى نتجنب
المعالجات الخاطئة في الكثير من قضايانا وأهمها :
ـ
الخطاب المزدوج:
يقصد هنا بالخطاب المزدوج أي الخطاب
المعلن، الخطاب المضمر، ولكليهما مجاله
ودائرة استهلاكه؛ فالخطاب المُعلن في مواجهة الآخر الديني ينطوي على طقوس العناق
وتقبيل اللحى والإعلان أن وحدتنا الوطنية بخير، وأن ما يحدث هو مؤامرات الخارج
بينما ينطوي الخطاب المضمر على نفي الأخر الديني وتحقيره ويضفي عليه صفات سلبية* (2)
.
والحقيقة أن ثمة وقائع للفتن الطائفية مستمرة
ومتواترة وتحمل عديد من الإشارات على تحول تلك الفتن إلى طائفية اجتماعية تمس
الحياة اليومية للمصريين ، وبروز ظواهر انقسامية والتباسات وتشوشات تمس منطق
التعددية الدينية والمساواة والمواطنة على نحو أدى ولا يزال إلى بعض التمييز بين
المصريين على أساس المعيار الديني والمذهبي* (3)
ـ مجالس العرف :
وهو أحد الأساليب المتبعة لحل المشاكل التي
تقع بين مسلمين ومسيحيين لاحتواء التوتّرات لا معالجة أسبابها في «جلسات مصاطب»
يتم عقدها في مناطق الأحداث «الطائفية» بين رجال الدين من كلا الجانبين، وبعض
قيادات الأمن ورجال الإدارة والقيادات
الشعبية ورموز الأسر الكبيرة الذين يقررون بعض التعويضات أو الديات للمتضررين في
تغييب متعمد للقانون لا يحل المشاكل بل يعيد إنتاج الطائفية وتناميها !!
***
.. وجاء الكتاب في صورته هذه بما ينطوي على
الانتصار لإخواننا الأقباط عندما أُريد بهم قهر أو إيقاع ظلم عليهم أو افتراء لا
يقبله الإسلام، والانتصار لهم أيضا بردهم عن ظلمهم حين يظلمون، والكشف عما وقع من
إساءات بعضهم إلى الإسلام ونبيه الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من موقع
إيماننا الإسلامي واستمساكنا به، وكانت الصعوبة البالغة في مرحلة الصياغة الأخيرة
والتي تمثلت في استئناس الكلمات والتماس العبارات اللينة إلى المعاني المدققة دون
سقوط في شرك «الخطاب المزدوج»؛
فأنا من أنصار الدعوة إلى التوافق وتلاحم الجماعة الوطنية والتعايش
الاجتماعي الأخوي تحت علم الوطن في مجتمع مدني ديمقراطي يُظله الدستور ويحميه
القانون .
..
والله الموفق والمستعان.
ياسر بكر
الأسكندرية
ـ نوفمبر 2019
الفصل
الأول :
ـــــــــــــــــــــ
المقـــــــــــال الأ زمـــــــــة ..
البابا والرئيس
!!
في بداية السبيعنيات من القرن
الماضي لم يكن هناك وفاق بين البابا شنودة والرئيس السادات بعد حادثتي إحداها في
الإسكندرية وأخرى في الخانكة أشارت التقاير السيادية إلى تورط البابا شنودة في بعض
تداعياتهما.. وأراد السادات أن يثير القلاقل بين البابا شنودة وشعب الكنيسة؛ فأرسل
السادات الأستاذ رجاء النقاش رئيس تحرير مجلة الهلال لينقل للبابا أن القيادة السياسية
تعرض عليه كتابة مقال شهري في المجلة، ورحب البابا .
واقترح الأستاذ النقاش أن
يكون المقال الأول بعنوان : «المسيحية من وجهة نظر الإسلام»، وفطن البابا
شنودة للفخ المنصوب، وبهدوء قال:
ـ ده مقال يكتبه أحد الأخوة
الأفاضل شيوخ الأزهر فهم أدرى مني بما جاء في الإسلام عن المسيحية على أن أكتب
مقالاً أخر بعنوان «الإسلام من وجهة نظر المسيحية».
.. وأسقط في يد الأستاذ
النقاش، وتوقف العرض، وصلت رسالة البابا إلى الرئيس الذى فهم من مضمونها أن
الإيقاع برجل مثله ليس بالأمر الهين.
.. واستمرت اللعبة القديمة
الجديدة .. تطفو وتغطس .. ويمارسها الكثيرون لأغراض مشبوهة بين حين وآخر على مدى
التاريخ للنيل من وحدة شعب مصر الذي لم تفرق بينه المعتقدات على مدى أكثر من 1400
سنة، والتي يصر الغرب على ممارستها بمسميات مختلفة في أثواب مخابراتية وتحت ما
أطلقوا عليه : «حوار الأديان»؛ فالأديان تتوافق وتتكامل ولا تتحاور؛ وأخيراً «وحدة الأديان»؛ لخلق نماذج مشوهة من
العقائد، ودون فهم لخصوصية كل دين، وأن الأديان كلها غايتها واحدة وسبلها متعددة؛
«فشرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخه
ناسخ.» .. وكل يرفع يديه إلى السماء يطلب من الله الرحمة والبركة والعون والرزق.
.. وأنا لا أفهم حتى هذه
اللحظة لماذا يصر البعض على إغفال دور المسيحية الأولى في التبشير بالإسلام ونبيه
محمد صلى الله عليه وسلم، وحماية الإسلام في بدء بزوغه، وتقديمه للدنيا كلها ؟!!
.. ولماذا يغفل البعض دور
الراهب بحيرا الذي حمى النبي محمد صلى الله عليه وسلم طفلاً عندما قدم النصح لعمه
أبو طالب بالعودة بالطفل من حيث أتى خشية أن يصبه أذى اليهود ؟!!
.. ولماذا يغفل البعض ان ورقة
ابن نوفل الحبر النصراني الذي بشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وأزال الرهبة
والخوف عن نفسه الشريفة؟!!
.. ولماذا يغفل البعض دور
الفتى عداس الذي ضمد جراح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسقاه الماء وقدم إليه
الفاكهة عندما أوقع سفهاء الطائف الأذى به ؟!!
.. ولماذا يغفل البعض دور
الملك النجاشي ملك الحبشة المسيحي الملك الذي لا يُظلم عنده أحد في نصرة المهاجرين
من المسلمين المستضعفين؟!!
.. ولماذا يغفل البعض الحديث
عن الأدب الراقي للمقوقس عظيم القبط في مخاطبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم رداً
على دعوته له للدخول في الإسلام بقوله :
«بسم الله الرحمن الرحيم
لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك أما بعد : فقد قرأت كتابك
وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً قد بقى، وقد كنت أظن أنه يخرج
بالشام، وقد أكرمت رسولك (وكان قد دفع له مئة دينار وخمسة أثواب) وبعثت لك
بجاريتين لهما مكان عظيم وهما مارية وسيرين، والسلام عليك».
ولم يزد على ذلك .. لم ينكر
الدعوة ولم يماري ولم يسلم، وظل على النصرانية؛ فقبل رسول الله هديته، وتسرى
بإحداهن وهي مارية فولدت له ابراهيم، وأهدى الثانية إلى حسان بن ثابت.
.. المسيحية الأولى هى التى
بشرت بالإسلام وحمته وقدمته للدنيا كلها؛ فاحترموا عقائد إخوانكم ومشاعرهم؛ فمفتاح
الحياة «عنخ» رمز فرعوني من قبل الأديان، وقد وُجد مرسوماً على غلاف
«مخطوطات نجع حمادي»*(1) في
رمز للمسيح الحي - بروحه - التي لا تموت؛ فلا داعي للإغراق في التافهات، ..
"التنطع" أهلك من كان قبلكم !!
..
الدين للديان جل جلاله لو شاء ربك وحد الأقوام .
الفصل
الثاني :
ـــــــــــــــــــــــ
هــجـرات شـعــــوبيـــــــة
.. وليست صليبية !!
يصر البعض ـ زوراً ـ على إلصاق
اتهامات الخيانة والتعاون مع المعتدي الغاصب بالأخوة الأقباط أثناء حملات الإفرنج
على مصر، وتقديم الدعم المعلوماتي لهم، وارشاده إلى الطرق المأمونة خاصة أن بعض
تلك الحملات تمت في وقت فيضان النيل، وغرق بعض القرى، وتقطع بعض الطرق !!
بداية دعونا نتفق على ثلاثة
أمور :
أولا : لا يمكن فهم ورصد أي حدث
إلا من خلال منظور يهتم بـ «السببية التاريخية» .
ثانيا : أنه لا يمكن في أغلب
الأحداث التاريخية فهم الحدث في علته الأولي، فغالباً ما تختفي الأسباب الحقيقية
خلف الشعارات البراقة والمبررات والحجج الزائفة التي يصعب رفضها وتلقى قبولاً
شعبيا !!
ثالثاً : لم يحدث أن ظهرت كلمة
«صليبى» فى نعوت الحملة في حينها،
وكان من يشارك فى الحملة يوصفون بأنهم «حجاج»، وكان يطلق على الحملة
«رحلة الحج» .. صحيح أن البابوية هي التي دعت للحملة وسوغت للرعاع أسبابها
ولكن لأسباب أخرى !!
.. ففي الأطوار للحملات خلت
عناوين مؤلفات المؤرخين الأوربيين من ذكر كلمة «الصليبين» أو «الحملة الصليبية» ، وأنما دارت
الكتابات حول «الحملة» و «حجاج بيت المقدس»، و«الفرنج»، وأن
الكلمة الأنجليزية «Crusade حملة صليبية» لم تستخدم سوى فى القرن الثامن عشر فقط،
وبعد أن كان البحث التاريخي في تلك الحروب قد أمضى شوطاً طويلاً حين بدأ توماس
فوللر Tomas Fuller الإنجليزى في القرن
السابع عشر أول دراسة باللغة الإنجليزية القديمة حول حروب أوربا في الشرق الإسلامي
بعنوان : «تاريخ الحرب المقدسة History Of The Holy Ware» ومن الملاحظ أنه استخدم عبارة «الحرب
المقدسة» .* (1)
.. وبرغم من فشل تلك الحملات
إلا أنها تحولت بمرور الوقت ـ تحت تأثير وسائل الإعلام التي عملت في خدمة الاحتلال
الأوربى فى نهب ثروات الشعوب ـ إلي مثال
براق يوحي بالشجاعة والتضحية ونبل القصد وسمو الغاية تخلى الحكايات من الحقيقة
التاريخية لصالح التعويض النفسي لتلك الظاهرة التي كانت تمثل في حينها حلماً من
أحلام الفقراء، ولعل هذا ما جعل مؤرخا مثل نورمان كانتور يقرر أن الحادث الوحيد
الذي يعرفة الخريج العادي من الجامعات الأمريكية عن العصور الوسطى هو «حملة
الرعاع» التي بدأت أحداثها سنة 1095 م والتي يرسم لها صورة براقة آخاذة، وهذا الموقف
ينسحب على الفرد العادي في الغرب
.. وفي المراجع العربية التى
تناولت تلك الحروب نجد أن المؤرخين المسلمين الذين عاصروها وكتبوا عنها مثل (ابن
القلانسي وابن الأثير وابن العديم وابن واصل وابت شداد والعماد الأصفهاني
والمقريزي وابن تغربردي وبدر الدين العيني وغيرهم) لم يستخدموا أبداً مصطلحات مثل
«الصليبين» أو «الحملة الصليبية»، وأنما تكلموا عن تلك الغزوات بعبارات مثل «حركة
الفرنج» لا يربطون بينها وبين المسيحية والصليب على أى نحو!!* (2)
.. وفي كتاب وليم الصوري
المسيحي لم ترد كلمة صليبية او لفظة صليب فقد كان مؤلفه بعنوان:«تاريخ الأعمال
التي تمت فيما وراء البحرThe History Of Deed Done Beyond The Sea» ، ويعد وليم الصوري المسيحي واحداً من أعظم
مؤرخي العصور الوسطى لما توافرت له من أدوات الكتابة التاريخية لإتقانه اللاتينية
والفرنسية واليونانية وإلمامه بالعربية إلى جانب ما كان تحت يده من الوثائق ما
يجعله مبرزاً في الكتابة التاريخية وحجة عصره؛ فقد شغل من المناصب ما جعله جزء من
الأحداث التي يؤرخ لها؛ فقد كان مشرفاً على ديوان الرسائل في بلاط مملكة بيت
المقدس.*(3)
.. والحقيقة أنا لا أعلم لماذا أطلقت الهيئة المصرية
العامة للكتاب على مترجم وليم الصوري مسمى «الحروب الصليبية» الذي نشرته في سلسلة
«تاريخ المصريين ـ العدد 45» بالمخالفة لعنوانه الحقيقي الذي صاغه المؤلف والذي
نقله المترجم د . حسني حبشي بعنوان : «تاريخ الفرنجة وحجاج بيت المقدس»، ولا أعلم
أيضا إن كان خطأ غير مقصود أم نفخ في جذوة الفتنة الكامنة تحت الرماد أم لأسباب
تتعلق بتنشيط التوزيع أو إنها «خيانة لأمانة الترجمة»؛ فمع توقف البحث التاريخي في
العالم العربي بفعل الركود الثقافى .. ومع محاولات النهوض التي بدأت مع إنشاء
الجامعة المصرية كان لابد لأوائل الدراسين أن يتأثروا بالفكر الأوربي وفي إطار هذا
التأثر ـ بوعي أو بغير وعي ـ تمت ترجمة
بعض المصطلحات واستعيرت تقسيمات التاريخ الأوربى كما سادت الرؤية الاستشراقية ..
وهو ما أوقع الدراسين والباحثين الذين لم تترسخ أقدامهم بعد في البحث العلمي في
شباك الترجمة عن الأوربيين؛ فوقعوا في خطأ
النقل غير الواعي وبدأوا يستعملون مصطلح «صليبي» و«حملة صليبية» في تناولهم للحدث
الذي درج أسلافهم علي معالجتهم تحت مسمى «الفرنج» و«حركة الفرنج» .. ووجة الخطورة
أنه عندما يستخدم فى اللغة العربية مصطلح «صليبي» و«حملة صليبية» فإنه يوحي بأن الحركة
كانت دينية ترتبط بالصليب رمز الميسحية ولا تضعها في إطارها الصحيح باعتبارة
مغامرة استيطانية وهجرات شعوبية همجية غاشمة، وأن استخدام هذا المصطلح يسئ إلي
إخواننا المسيحيين الشرقيين الذين عانوا مثل إخوانهم المسلمين من وحشية الفرنج
وعدوانهم !!
.. وأيضا استخدم الأستاذ أمين
معلوف مسمى «الحروب الصليبية» في عنوان مؤلفه : «الحروب الصليبية كما رأها العرب»
رغم أنه لم ترد في مخطوطات المؤرخين العرب لفظة «صليبي» ولم يتحدث هؤلاء المؤرخين
عن «حروب صليبية» بل عن حروب وغزوات أفرنجية، وقد كتبت الكلمة التي تدل على الإفرنج
بأشكال مختلفة باختلاف المناطق والمؤلفين والأزمنة : فرنج، فرنجة، إفرنج، إفرنجة* (4) .
الأسباب الحقيقية للحملات :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت تلك الحملات التي دعت
إليها البابوية نتاج افراز لتفاعل فساد الكنيسة الأوربية والإقطاع، وكان كليهما
يستشعر الخطر الذي يهدد وجوده من «ثورة الجياع»؛ فقد قضى النظام الاقطاعى بأن تعيش
الغالبية العظمى من الفلاحين والأقنان والعامة تحت سيطرة أقلية من الأمراء
والفرسان الإقطاعيين، وتولت البابوية تخدير العامة بخرافات طمعاً في ملكوت الرب في
مملكة السماء، لكن تلك الخرافات لم تعد ذات جدوى للبطون الجائعة والأجساد العليلة
خاصة بعد انتشار الوباء المخيف الذى يأكل أطراف البشر «مرض الجذام» الذي أطلق عليه
الأوربيين حينها اسم «نار القديس أنطونيو».
والمعروف أن النظام الإقطاعي في أوربا قام في العصور الوسطى على أساس تملك
الأرض بحيث صارت مكانة كل أمير أو فارس بما يتحكم فيه من أرض وصار يقال أنه: «لا
سيد بدون أرض».. لكن ظروف النظام الإقطاعي تطورت وأدت إلى وجود نسبة كبيرة من
الفرسان والأمراء بدون أرض؛ لأن القانون الإقطاعي حرص دائماً على عدم تجزئة
الإقطاعيات بين الورثة ونص على أن تكون الأرض من نصيب الأبن الأكبر وحدة دون بقية
الأبناء ولذلك أسرع هؤلاء للانضمام للحملات من أجل جاه دنيوي ومكاسب سياسية، من
نهب أراضي الشرق التي تفيض لبناً وعسلاً
!!
أما عن الحج فهو ليس فريضة
دينية في المسيحية مثلما الحال في الإسلام إلا أنه نوع من الجذب العاطفي نحو الأرض
التي شهدت حياة السيد المسيح، وإن كان للحج بقصد التوبة قيمته العملية إذ كان يرغم
المجرمين وأصحاب الذنوب على الابتعاد عن المجتمع عدة شهور وقد تصل إلى عدة سنين
عسى أن تصل بهم إلى الهداية والسلوك القويم أو يهلكون في عرض البحر أو في مسالك
الطرق ويستريح المجتمع من شرورهم.* (5)
في مخطوط ليبنيز بعنوان : «المخطوط السري لغزو مصر»
الموجود في مكتبة الأرسينال بباريس قال ليبنيز: (أخبرنا «الأسير الملهم» أننا إذا
كنا نريد الشرق؛ فمفتاحه مصر .. لابد من البدء بغزو مصر) .
أشارت بعض حواشي ومذيلات بعض
المؤرخين ـ والله أعلم ـ إلى أن «الأسير الملهم» هو قراقوش وزير صلاح الدين وهو
مسلم سني ..* (6)
لسنا في مجتمع الملائكة، .. فقد
خان أمانة الوطن بالتعاون مع معتدي الفرنجة بضع نفر من الأقباط أثناء حملاتهم على
مصر عندما أرشد بعض القبط القوات الغازية إلى أماكن عبور النيل لدخول مدينة دمياط،
وهو ما دفع شعب دمياط للانتقام من الخونة، وخان أمانة الوطن بضع نفر من المسلمين
أيضا تحت غواية المصلحة، لكن السواد الأعظم من شعوب الشرق مسلميه ومسيحييه عانوا
من وحشية الفرنج واكتووا بنيران عدوانهم، .. ودافعوا عن بلدانهم بحمية وشرف
في تلك الحروب التي فرضت على شعوب المنطقة
ان يدفعوا ثمناً فادحاً للدفاع عن بلادهم،
وكانت سبباً رئيسياً من أسباب تعطل قوى
الإبداع والنمو في الحضارة العربية، وأدخلت المنطقة في منحنى الأفول والتدهورالذى
أدى إلى سقوطها تحت السيادة العثمانية!!
الفصل
الثالث :
ـــــــــــــــــــــــ
خيانة المعلم يعقوب ..
وخيانة محمد
كريم !!
كلا الرجلين يعقوب ابن حنا
ومحمد كريم خانا أمانة الوطن، وكلاهما سدد طعنة الغدر إلى ظهر بلده وأهله!! لكن
الفرق بين إدانة خيانة الرجلين في الوعي الجمعي المصري كبير!!؛ فالمعلم يعقوب
موصوم بالخيانة الدامغة لأسباب طائفية، ومحمد كريم تم استبدال سجل خيانته بسجل
زائف من الفخار عن الكفاح الوطني المزعوم لذات الأسباب حتى صار رمزاً من رموز
مقاومة الأعداء على غير الحقيقة التي يدرسها طلاب المدارس حتى الأن!!
.. المعلم يعقوب ابن حنا لا
يذكره المصريون إلا ملحوقاً بسيل من اللعنات والشتائم والسخائم، .. بينما محمد
كريم لا يذكره المصريون مسبوقاً بلقب: «السيد» رغم أنه لم يحصّل من سمات السيادة
شيئا لا بالإنتساب ولا بالإكتساب؛ فهو ليس من الأشراف المنتمين لآل البيت النبوي الشريف،
ولم يحصل على قدر من العلم يرفعه إلى مرتبة السيادة، أو يقدم من الأفعال ما يمنحه
شرفاً !! .. لكنها العادة المصرية المذمومة في التعاطف مع «المغلوبين»، ولو كانوا
من عتاة المجرمين أو خونة الأوطان!!
.. قد يكون للمعلم يعقوب
القبطي بعض العذر؛ فقد نشأ الرجل في صعيد مصر بملوي محافظة المنيا في مجتمع شديد
التخلف يمارس ثقافة التمييز بكافة أشكاله البغيضة، وقاسى كثير من أثار التمييز
السلبي غير المبرر بينه وبين أقرانه؛ فقد فرض عليه لبس العمائم السوداء أوالزرقاء،
ومنع من ارتداء العمامة البيضاء مثل أترابه في كتاب القرية، ورأى الإجحاف يمارس ضد
أهله بإلزامهم بالسير أضيق الطرق ومنعهم من ركوب الخيل وإجبارهم على حلق لحاهم،
وإلزامهم بالنزول على ظهر الحمير إذا صادفهم أحد أعيان المسلمين، والتضييق عليهم
في دور عبادتهم وفي ممارسة شعائرهم !!
واستمر ذلك التمييز عندما صار
يعقوب أحد الشلبية (جامعي الضرائب للخزينة العثمانية)، وكان عليه أن يواجه سلبيات
النشأة الأولى بالبحث عن أسباب القوة؛ فانضم إلى جنود المماليك وأجاد فنون القتال
.
ولما جاءت الحملة الفرنسية وجد
الفرنسيون في المعلم يعقوب ضالتهم للإيهام بأن بعض المصريين يرحبون بهم ويرغبون في
وجودهم، وتفتق ذهنهم عن تكوين فرقة عسكرية من شباب الأقباط وكان يعقوب أداتهم
المنفذة .
.. وكان الغرض من تسمية عصابة
يعقوب بالفيلق القبطى إثارة الفتنة الطائفية وكان هذا الفيلق يضم مجرمين سابقين من
المسلمين والمرتزقة من أرمن وأأتراك وانه ضم على حد قول الجبرتى الذعر والحرافيش
من المنسر إلى جانب شواذ النصارى الوافدين .*(1)
.. ويروى يعقوب نخلة روفيلة في
فصل كامل من كتابه بعنوان: «تاريخ الأمة القبطية» عن علاقة يعقوب بالمماليك ثم
الفرنسيين، وينفرد روفيلة بخبر حرمان الكنيسة للمعلم يعقوب من التناول لأنه خرج عن
تعاليم الكنيسة، واتخذ له جارية غير زوجته تشبهاً بالمماليك فضلا عن الشكاوى التى
كانت تقدم للكنيسة من رعايها من سوء معاملته .
.. كما يتفرد روفيلة بموقف
الكنيسة الواضح من يعقوب بعد تشكيل الفيلق القبطى، والذى اعتبرته تعاون مع ممثل
الكنيسة الكاثوليكية نابليون والذى ترى فية الكنيسة انه خروج على تعاليمها .
.. لكن الحقيقة أن سبب غضب
الكنيسة هو دخول المعلم يعقوب إلى الكنيسة على ظهر جواده شاهراً سيفه طالباً
للأفخريستا «سر التناول» أحد الأسرار السبعة للكنيسة، وهو ما رفضه الكاهن القائم
على الأمر .. أى أن غضبة الكنيسة على المعلم يعقوب لم تكن لأسباب وطنية بل لأسباب
كنسية .*(2)
.. لزم الأباء الكهنة من
النصاري اليعاقبة جدران كنائسهم وكان للبطريرك اليد العليا عليهم ـ ظاهريا ـ ملتزمين بالأية
الإنجيلية : «أعطوا ما لله لله، وما لقيصر لقيصر»، موقنين أن أخطر ما يهدد كيان
المسيحية بالإنحلال هو أن يهتم الكارزون في الكنيسة بموضوع أخر غير «خطيئة
الإنسان»، وينشغلوا بالإنسان في حياته الاجتماعية مما يعد خروجا على المسيحية،
ومقاومة لها، بينما أن الواقع كان بؤكد أن سلطة البطريرك قد تقلصت حتى انحسرت في أمور بسيطة لا تتعدى النفوذ الديني الضيق !!؛ وأنهم تركوا أمر الطائفة للأراخنة وأرخن كلمة يونانية تعني رئيس العائلة وقد أطلقت على وجهاء القبط وأعيانهم
من قبل الكنيسة وقد لعب الأراخنة دوراً أيجابياً لصالح طائفتهم على حساب الدولة بحكم
قربهم من الأمراء ورجال صنع القراروكان للأراخنة الكلمة العليا فيما يختص شئون
الطائفة وكان الدور القيادي للأرخن يحطى بشعبية بين عامة الأقباط وكان يحظى بترحيب
الكنيسة وتبريكها له ، وصار الكهنة يدينون بالولاء للأراخنة أكثر من ولائهم
لرؤسائهم الدينيين
!!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· د. مجدي جرجس ، أثر الأراخنة على أوضاع القبط في القرن الثامن عشر، كتب عربية
.. وبعد أن وطد نابليون أموره
على البقاء في مصر كان من الطبيعي أن يستعين بالأقباط للقيام ببعض الأعمال الحكومية البغيضة التي لا
تلقى قبولاً من المسلمين والفرنسيين مثل الأمور المالية وأعمال البوليس وغيرها؛
لما اشتهروا به من تخصص في الشئون المالية وحسابات الدخل وتقدير الضرائب وجبايتها،
ولما اشتهروا به من كفائة في علم الحساب وكان منهم مساحوا الأراضي والوزانون والصيارفة وكتبة الحسابات وهى وظائف
تنطوي على مسئوليات هامة، ولم يرى الأقباط غضاضة في أداء تلك المهام من منطلق
الاسترزاق وأكل العيش خاصة أنه جرى إسنداها لهم منذ الفتح العربي وكان المماليك
يعهدون إليهم بإدارة أموالهم الخاصة .
ولم يكن تعاون الأقباط مع الحملة الفرنسية محض صدفة؛ فقد كان مخططاً له
.. ذكر ليبنيز في دراسة تقدير الموقف
لغزو مصر بعنوان: «المخطوط السري لغزو مصر» والذي عوّل فيه على الأقباط في إنجاح
المشروع!!(3)
.. ولم يكن للأقباط دور في
مقاومة الحملة الفرنسية ولم تحظ الحكايات المختلقة عن بطولات الأقباط الوهمية
بقبول من أحد مثل أن بعض الأقباط في ثورة القاهرة الثانية كان يمد الثوار بالمال
واللوازم خاصة في منطقة بولاق أثناء حصار كليبر لأهالي بولاق؛ فشهادة الجبرتي
تنفيها نفياً قاطعاً بقوله:
«وأما أكابر القبط مثل جرجس
الجوهري، وفلتيوس، وملطي فإنهم طلبوا الأمان من المتكلمين من المسلمين لكونهم
انحصروا في دورهم وفي وسطهم وخافوا على نهب دورهم إذا خرجوا فارين، فأرسلوا إليهم
الأمان». إذًا ما دورهم في مقاومة الاحتلال الفرنسي إلا الفزع والهلع وطلب
الأمان؟!!، ثم صاروا العين الحارسة لمصالح الإحتلال.
رفع د . لويس عوض في كتابه
بعنوان : «تاريخ الفكر المصري الحديث» المعلم يعقوب إلى مصاف الأبطال رغم توافر
الوثائق الفرنسية لديه، وحاول ان يصوره للأجيال كرائد من الرواد صاحب رؤية ونظرية
ترى إمكانية التحالف مع الفرنسيين لإدخال العدالة والديقراطية على المجتمع المصري
ورفع الظلم عن المصريين، ومن الغريب أن ينزلق إلى ذات المستنقع في تبرير الخيانة
بأسباب لا تنطلي على أحد مؤرخ بحجم د. محمد شفيق غربال لأسباب تتعلق بالولاء
الغرب؛ فقال في كتابه بعنوان: «الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس .. مشروع استقلال
مصر في سنة 1801»:
«سبب تأييد يعقوب للتدخل الغربي
هو تخليص وطنه من حكم لا هو عثماني ولا هو مملوكي»(4)، وهو كلام مرسل لا سند له من الحقيقة أو
التاريخ، ولا يتفق مع طبائع الأمور ولا يستقيم معها.
.. يحاول البعض الغمز في علاقة
منحرفة جمعت بين المعلم يعقوب والضابط الفرنسي ديسيه، والتي يصفها البعض أنها
تجاوزت حدود الصداقة إلى حالة العشق والوله، وهو ما لا نستطيع أن نجزم به يقيناً،
لكن الثابت أن كتاب الجبرتي قد حفل بذكر علاقات مؤثمة بين بعض المصريين وبعض
الفرنسيين أثناء الحملة وفي مقدمتها ما ذكرة عن علاقة صديقة الأديب المعروف الشيخ
اسماعيل الخشاب بشاب من ضباط الجيش الفرنسي !!
الخيانة لا دين لها .. وشرك
السقوط في فخ الخيانة دائما لضعاف النفوس
هو «الغواية بالمصلحة» التي تهون في مقابلها مصالح الأوطان؛ خان المعلم يعقوب ابن
حنا القبطي .. وكانت خيانة محمد كريم المسلم !!
كان محمد كريم أحد قاطني
الإسكندرية من أصل مغربي وعمل في الجمارك حتي صار رئيساً لها، وعندما جاءت الحملة
الفرنسية والس الفرنسيين فعينه نابليون قومندانا للبوليس في الثغر .
.. وتعود بداية قصة الخيانة
إلى ليلة نزول الجنود الفرنسيين إلى بر الأسكندرية أسرع بدوي على فرسه، وأبلغ محمد
كريم الخبر؛ فأخذ معه نحو عشرين نفر من المماليك الإنكشارية فالتقت هذه القوة
الصغيرة بطليعة من الجيش الفرنسي، وقتلوا ضابطها وقطعوا رأسه، وعادوا به ظافرين
إلى شوارع الإسكندرية ليقيموا زفة اسكندراني !! .. لم تكن الإسكندرية محصنة ولم
يكن فيها جيش كاف للدفاع عنها لا من جانب الدولة ولا جانب المماليك؛ فلم يأت ظهر
ذلك اليوم حتى كانت الأسكندرية في قبضة نابليون الذي نزل في دار القنصل الفرنسي،
.. واختفى محمد كريم أما الأهالي فقد سلموا .. ودارت المخابرات بين محمد كريم من
مخبأه ونابليون، وانتهى الأمر بأن جاء هو ومن معه مستسلمين؛ فقبل محمد كريم أعتاب
نابليون وقال :
«أنه أصبح عبده ومولاه، وخطب
بين يديه؛ فرضي عنه نابليون وطلب منه أن يكون خادما للجمهورية الفرنسية، ومساعداً
لها على إبادة المماليك وتأييد سلطان خليفة المسلمين، سلطان آل عثمان !! فأجابه
محمد كريم إلى ما طلب فعينه قومندانا للبوليس في الثغر فقام بواجبه خير قيام، إذ
أعاد النظام وجمع السلاح وقدم للجيش الغازي كل ما يحتاجه».*(5)
.. كان نابليون قد أحضر معه 680
جواداً فقط مع أن معه أربعة ألاف جندي من الخيالة، ولم ينس أن يحضر معه السروج
والأعنة والأدوات اللازمة لكل جواد، لم
يكن في الإسكندرية ما يكفي من الخيول فاستعان بمحمد كريم لشراء الخيول اللازمة من
عرب البحيرة وتوسط كريم لدى شيوخ قبائل الهنادي وأولاد على وبني يونس لعقد اتفاق
بينهم وبين نابليون يأمنوا له بمقتضاه الطريق من الإسكندرية إلى دمنهور، وأن
يوردوا له 300 حصان وخمسائة جمل هجين وأن يطلقوا سراح 12 جندي فرنسي تم القبض
عليهم في مناوشات قرب الإسكندرية .*(6)
عمل محمد كريم عميلاً مزدوجاً
للفرنسيين والمماليك بغرض أخذ الحيطة لنفسه وإبقاء خط الرجعة مع الطرف المنتصر
خاصة أن الفرنسيين غلوا يده عن كثير من المكاسب والمظالم في الإسكندرية، واكتشف
الفرنسيون خيانته لهم بعد أن عثروا في قصر أحد المماليك على مكاتبات بخط يده عرفوا
منها أنه خانهم وكاتب المماليك ومالآهم وتجسس لهم؛ فقبضوا عليه وحاكموه وقضوا عليه
بالإعدام، وإمعانا في إذلاله وكشف الذين خانهم من أجله عرضوا عليه افتداء نفسه
بالمال، فقال لهم أمهلوني؛ فأمهلوه اثنتي عشرة ساعة؛ فلما أصبح أرسل إلى المشايخ
فحضر إليه بعضهم فترجاهم وصار يقول : «اشتروني يامسلمين»؛ فلم يجبه أحد، وانقضى
الأجل فأركبوه حماراً وذهبوا به إلى ميدان الرميلة وكتفوه وربطوه وضربوا عليه
بالبنادق ثم قطعوا رأسه وطافوا بها الميدان .
أثار التمثيل بجثمان محمد كريم
وقطع رأسه بعد قتله تعاطفاً شعبياً جعل العامة يعتبرونه شهيداً ورمزاً من رموز
الكفاح الوطني، وهو في حقيقة أمره رجل تأمر مع الجميع ضد الجميع ولعب على جميع
الحبال وأكل على كل موائد الخيانة، ولا يختلف كثيراً عن المعلم يعقوب ابن حنا .
لم يكن المعلم يعقوب ومحمد كريم
هما الخائنان فقط .. فقد خان الجميع بالموالاة أحيانا وبالصمت أحيانا .. خان شيوخ
الأزهر بالموالسة للمعتدي والتدليس على الشعب، وخان الأشراف بتدنيس أعتاب منازلهم
التي حولوها إلى مواخير للمحتل وجنوده وانسحبت دياثتهم إلى مخادع نسائهم ونالت من
شرف بناتهم!!
خان الجميع واختاروا مصالحهم
الذاتية في ظل تشرذم الأمة وغياب مشروع وطني يمكن الالتفاف حوله !!
الفصل
الرابع :
ـــــــــــــــــــــــــ
شـــيوخ الأزهـــــر ..
بين الموالسة والتدليس !!
دخل نابليون المحروسة بعد أن
ساعده الخائن محمد كريم في تدبير وسائل مواصلاته من الخيول والهجين، وعقد له
الاتفاق مع عرب البحيرة لتأمين طريق سيره، ولم يلق نابليون أي مقاومة تذكر
باستثناء بعض المناوشات الصغيرة عند قرية أم دينار في الجيزة انتصرت فيها طلقات
البارود الفرنسي على الأسلحة المتخلفة للقرويين من العصي والسكاكين والفؤوس
والمناجل!!
.. وبعد أن استقر المقام
لنابليون بدار الألفي بك ناحية الأزبكية، اجتمع بمشايخ الأزهر وثبتهم في أماكنهم،
وأعطاهم من الامتيازات ما لم يحلموا به طوال حياتهم، وطلب منهم كتابة مكتوب يحث
العامة على الطاعة وقد فعلوا، وجاء في المنشور:
«نصيحة من كافة علماء الإسلام
بمصر المحروسة : نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونبرأ إلى الله من
الساعين في الأرض بالفساد، ونعرف أهل إقليم الأسكندرية أنه حصل بعض فتنة وذلك
بمدينة مصر من بعض الجعيدية وأشرار الناس تحركوا بالشر بين الرعايا والفرنسيين
بسبب يتصل بقتل جملة من المسلمين ونهب بعض البيوت، ولكن حصلت ألطاف الله الخفية،
وسكنت الفتنة بسرعة وانخمدت الشرور بتشفاعتنا عند صاري عسكر أمير الجيوش بونابرته،
وقد قبل شفاعتنا ومنع عسكره من حرق البلد ونهبها، بأنه رجل كامل العقل وعنده شفقة
ورحمة بالمسلمين ومحبة للفقراء والمساكين، ولولاه لهلك أهل مصر أجمعين، فأنتم لا
تحركوا الفتن لتكونوا في أوطانكم مطمئنين، ولا تطيعوا أمر المفسدين ولا تسمعوا
كلام المنافقين، ولا تكونوا مع الخاسرين سفهاء العقول الذين لا يقدرون العواقب،
فإن الله يؤتي ملكه من يشاء ويحكم ما يريد، والذين حركوا الفتنة قتلوا عن آخرهم،
وأراح الله منهم العباد والبلاد، قد نصحنا لكم؛ لتسلموا من الوقوع في البلية، وأن
تهتموا لمهمات معاشكم وطاعتكم الدينية والدين النصيحة والسلام ختام». .
وقد وقَّع عليه الشيوخ :
مصطفى الصاوي، محمد المهدي،
سليمان الفيومي، عبدالله الشرقاوي، خليل البكري، محمد أبا جبرة، محمد الأمير، محمد
الدواخلي، يوسف الشبراخيتي، مصطفى الدمنهوري، أحمد العريشي، موسى السرسي .
يقول نابليون عن هؤلاء
المشايخ الذين قبلوا العمالة وخيانة بني وطنهم في الوثيقة رقم 4188 في 19 يونيو
1799 من وثائق جيش الشرق Document n ° 4188 du 19 juin 1799 de l'armée de l'Est :
«الشيوخ: البكري، والشرقاوي،
والسادات، والمهدي، والصاوي ألزموا أنفسهم بأفضل سلوك كنت أريده، بشَّروا باسمنا
كل يوم في المساجد، وكان لتعاليمهم أعظم تأثير على الأقاليم، أغلبهم كانوا من
سلالة الخلفاء الأوائل، ويتمتعون باحترام الشعب.» * (1)
ثمن الخيانة معطف:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في الوثيقة رقم 4362 في 16
أغسطس 1799 من وثائق جيش الشرق Document N ° 4362 du 16 août 1799 de l'armée de l'Est :
«أراد القائد العام أن يبرهن
على رضائه عن الشيخ الغرياني حاكم الإسكندرية والشيخ المسيري رئيس ديوان
الإسكندرية؛ فألبس كلا منهما معطفاً عظيم القيمة» * (2) .
العلم الفرنسي
على رءوس المشايخ :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدأ نابليون ممارسة السلطة بجعل
أعضاء الديوان «لابسين من عنده»، و«الإلباس" يعني قرار تقليد السلطة الذي
يسمى في العرف الدستوري الأوربي Investiture وصورته في العربية عندما أرسي نابليون مبدأ
انتخاب رئيس السلطة القضائية، وانتخب الشيخ أحمد العريشي، ألبسه نابليون فروة
مثمنة وسار به المشايخ إلى المحكمة الكبيرة في بين القصرين.
كان نابليون يرى أن تلبيس
الزعماء المصريين تأكيداً لوضعه بوصفه السلطة العليا في البلاد، يقول الجبرتي :
« فلما دخل المشايخ على بونابرته، نهض من المجلس
ورجع وبيده طيلسانات ملونة بثلاثة ألوان كل ثلاثة طيلسان عروض (أبيض وأحمر وكحلي)،
ووضع واحدا على كتف الشيخ الشرقاوي فرمى به إلى الأرض، واستعفى وتغير لونه وقال
بونابرته : «إن لم يكن ذلك فلازم من وضعكم الجوكارد على صدوركم»، ـ الجوكارد وسام
فرنسي ذو دوائر ثلاث متداخلة بألوان العلم الفرنسي ـ قالوا: «إن قدرنا يضيع عند
إخواننا المسلمين»، وقالوا : «أمهلونا حتى نتروى في ذلك واتفقوا على اثني عشر يوما
.».. بعدها أفتى الشيخ السادات الذي أهدى
إليه نابليون خاتما من الماس أن: «ذلك لا يخل بالدين» ، وظهرت العمامة الأزهرية
بألوان الطيلسان الثلاثة (أبيض وأحمر وكحلي) .. ومازالت على ذلك الحال حتى الآن .
شيوخ الأزهر
والتلاعب بوعي الجماهير:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يكن المستشرق المحارب بونابرت
وحده هو المتلاعب بوعي المصريين فقد شاركه
شيوخ الأزهر في اللعبة، وهم واعون بأبعادها؛ ولذا لا يمكن بأي حال من الأحوال
اعتبارهم ضحايا لعملية التلاعب بالوعي بل يمكن اعتبارهم "الجانب المقزز"
فيها!!؛ ففي الوقت الذي قام فيه كبار شيوخ الأزهر بتشكيل الديوان الذي تولى
مسئولية الحكم الصوري بعد استبدال العمامة الأزهرية بعمامة حملت ألوان العلم
الفرنسي وتعليق الجوكار La Médaille Jocard في عروة الفراجيات،
وتلقي العطايا من بونابرت .. ورغم محاولات هؤلاء الشيوخ لتأنيب وتحذير المتمردين؛
فإنها لم تأت بنتيجة واستمرت المقاومة، وظلت خطب الجمعة في كثير من المساجد تدعو
إلى محاربة الغازي، واجتمع نابليون بالشيوخ العشرة المقربين إليه (السابق ذكرهم
وتوقيعاتهم على الوثيقة)، وقال لهم:
«من الضروري أن نضع نهاية لهذا الشغب، يجب أن
أحصل على فتوى من الجامع الأزهر تلزم الناس بأن يقسموا يمين الولاء» .
.. وبهت الشيوخ واصفرت وجوههم، وعكست ملامحهم
الحزن والرعب الذي في قلوبهم خوفا من العامة، وتحدث كبيرهم الشيخ الشرقاوي مخاطباً
بونابرت:
« أنت تريد أن تنال حماية الرسول محمد صلى الله
عليه وسلم، وهو يحبك، أنت تريد أن تحشد المسلمين العرب تحت أعلامك، أنت تريد أن
تحمي أمجاد الأمة العربية، وأنت لست وثنياً، كن مسلماً .. 100 ألف مصري، وأيضا 100
ألف عربي سوف يأتون من شبه الجزيرة العربية من مكة والمدينة؛ ليصطفوا حولك تحت
قيادتك، وتنظمهم بوسائلك، سوف يغزون الشرق، وسوف تعيد أنت بناء وطن الرسول صلى
الله عليه وسلم بكل عظمته.».
.. وذهل بونابرت وأجابهم :
«توجد صعوبتان عظميان
تعارضان تحولي أنا وجيشى إلى الإسلام، الأولى هي:
الختان، والثانية : هي النبيذ .. جنودي تعودوا على النبيذ منذ طفولتهم، لن
أستطيع أبداً أن أقنعهم بالتخلي عنه» .
إلي هنا والأمر لا يخرج عن
دور الشيوخ في الدعوة إلى الإسلام، أو القيام بمناورة سياسية لمقتضى الحال في
مواجهة غازٍ مُتغلب بالشوكة، لكن ما حدث بعد ذلك هو "الجانب المقزز"
لسببين:
السبب الأول : التلاعب بوعي الجماهير
لتحقيق مصالحهم الشخصية عبر موالسة نابليون والتدليس وإدخال الغش على الجماهير،
وتحقيق مأرب نابليون في مصر .
السبب الثاني : امتهان الشريعة وابتذال العلم الشرعي .
حيث اقترح الشيخ المهدي (يُقال إن الشيخ المهدي
من أصول يهودية، وتولى منصب شيخ الأزهر في عهد محمد عليّ) أن يقوم شيوخ الأزهر
الستون بدراسة عن هذا الموضوع، وفي الوقت ذاته قام الشيوخ بتسريب شائعة انتشرت عبر
المساجد وساهم في ترويجها الوعاظ ومقيمو الشعائر وفحواها :
(أن الشيوخ منهمكون في
تدريس مبادئ الشريعة لبونابرت، وكبار الجنرالات، وأن بونابرت يحفظ القرآن عن ظهر
قلب، وأن الشيخين العظيمين السادات والبكري يعتبرانه مسلماً، وقال البعض إنه أسمى
نفسه «عليّ بونابرت»، وقال آخرون إنه أسمى نفسه : «محمد بونابرت» ، وأنه ينتوي
الحج هذا العام، وأنه وعد أن يبني جامعاً كبيراً، وأن شيوخ الأزهر يدرسون إصدار فتوى
تسهل إسلام جيش بونابرت بأكمله) .
وقد أفادت تلك الشائعات الفرنسيين؛ فلم يعد
ينطبق عليهم ما جاء في آيات الجهاد في القرآن الكريم، وأحاديث النبي محمد صلى الله
عليه وسلم .. أبطل شيوخ الأزهر فريضة الجهاد، وأسقطوا حد السيف دفاعاً عن الوطن!!
سلاح الفُتيا:
ــــــــــــــــــــ
.. ولكون «الفتيا الدينية» أخطر
وسائل غسيل الأدمغة، وأكثرها حسماً في«التحكم في العقول»، وقد تمثلت فاعليتها في
العملية أجاكس في طهران 1953من خلال فتاوى الآيات والملالي، وأثرها في تغيير
السلوك امتثالاً لأمر الله، وتقرباً إليه لكونها تقوم على سند من الشريعة؛ واجتمع
شيوخ الفتيا ووضعوا الفتوى ووقعوا عليها وقالوا فيها: إن الختان هو طهارة وأن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعه بل أوصى به فقط؛ ولهذا يستطيع الإنسان أن يكون
مسلماً بدون ختان، أما بالنسبة للموضوع الثاني، قالت الفتوى إن الإنسان يستطيع أن
يشرب النبيذ ويظل مسلماً ولكنه في هذه الحالة يكون مذنبا .
أبدى بونابرت سروره من الجزء
الأول من الفتوى، وأبدى أسفه على الجزء الثاني منها، وقال: «كيف يستطيع أن يقنع
جنوده باعتناق دين يجدون فيه أنفسهم مغضوبا عليهم، وفي وضع عصيان للأوامر الإلهية؟!»
.
وبعد مناقشات أفتى الشيخ
المهدي بأن تقتصر الفتوى على نصفها الأول، ويؤجل الجزء الثاني إلى نقاش لاحق،
وقامت المساجد في خطبة الجمعة بشرح الفتوى، وتحدث الوعاظ بقوة وفي وقت واحد لصالح
الجيش الفرنسي !!
الجزء الثاني كان موضوع
مناقشات انتهت إلى أن شيوخ الإفتاء قاموا بوضع فتوى قالوا فيها:
«إن من يتحول إلى الإسلام
حديثاً يمكنهم شرب النبيذ مع بقائهم مسلمين، شريطة أن يكفروا عن هذا الإثم
بالأعمال الصالحة وأعمال الإحسان» .
.. وخرج نابليون ومن بعده جيشه
مدحوراً، وبقيت أعمال الشيوخ عارا معلقا فوق رؤوسهم التي قبلت أن يعتليها العلم
الفرنسي في صورة عمامة مازالت باقية إلى يومنا هذا.
لم يكن للأزهر أي دور في فورات
الغضب في مصر المحروسة .. ولم تعرف المحروسة في ذلك الوقت تداول لفظ
"ثورة" ؛ فقد كانت المناوشات يطلق عليها لفظ «هوجة» أو "فتنة"،
ولم تدخل لفظة "ثورة" في مفردات الكلام في مصر في تدوال الأحاديث
لتألفها الأسماع سمعاً والعقول فهماً إلا في عام 1895 تقريباً بعد عودة البعثات من
أوربا ونشاط حركة الترجمة، وكل ما يذكر عن دور الأزهر في الحركات الوطنية هو من
قبيل تجاوزات المدرسة الوطنية في الكتابة والتأريخ التي تجنح دائما إلى الادعاء في
إطار الترويج للفخار الوطني المزعوم والموروث؛ فالأزهر نشأ في كنف الحاكم ولم يزل
قائما في ظله .. يلقى رعايته، ويبذل في مقابلها دعماً للحاكم في سوس الرعية وتبرير
تجاوزاته ومفاسده؛ .. فلم يثبت أن شيوخ
الأزهر ثاروا أو حرضوا على الثورة إلا من أجل الجاماكية (الرواتب) أو الجراية
(مقررات الخبز التي تصرف للطلبة والشيوخ.).
حكى الجبرتي على صفحات كتابه
بعنوان : «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» وقائع الهوجة ضد الفرنسيين، يقول
الجبرتي : «فتجمع الكثير من الغوغاء من غير رئيس يسوسهم ولا قائد يقودهم، وأصبحوا
يوم الأحد متحزبين وعلى الجهاد عازمين، وأبرزوا ما كانوا أخفوه من السلاح وآلات
الحرب والكفاح، وحضر السيد بدر وصحبته حشرات الحسينية وزعر الحارات البرانية، ولهم
صياح عظيم وهول جسيم، وذهبت تلك الجموع إلى بيت القاضي؛ ليخرج معهم إلى بونابرت
لمطالبته بإلغاء الضرائب الجديدة إلا أنه خاف عاقبة الهوجة، فرجمه الثائرون
بالحجارة والطوب، ولم يتمكن من الهرب من أيدي تلك الحشود»..
يقول الجبرتي عن هؤلاء المشايخ
: «وقد زالت هيبتهم ووقارهم من النفوس وانهمكوا في الأمور الدنيوية والحظوظ
النفسانية والوساوس الشيطانية ومشاركة الجهال في المآثم والمسارعة إلى الولائم في
الأفراح والمآتم يتكالبون على الأسمطة كالبهائم فتراهم في كل دعوة ذاهبين وعلى
الخوانات راكعين وللكباب والمحمرات خاطفين وعلى ما وجب عليهم من النصح تاركين».
***
.. إنه التاريخ الذي لا تسقط الأوراق من كتابه .
الفصل
الخامس :
ـــــــــــــــــــــــــ
الأشراف ..
والبيرق النبوي ..وزفة الدوسة !!
.. ولم يكن الأشراف من نسل
السيدة فاطمة الزهراء أفضل حالاً من شيوخ الأزهر ومن الأقباط ومن أكابر الأعيان؛
فالجميع خان وباع وفرط وقايض على مصالح الوطن بمصالحه الخاصة، وعلى غير ما يدعيه
كتاب المدرسة الوطنية في الكتابة والتأريخ لم يكن عمر مكرم نقيب الأشراف سوى
بهلوان سياسى يجيد الإدعاء والتهريج والتدليس وسوس الزعران والحرافيش والجعيدية
لدعم نظام الحكم القائم على أيدي المماليك .. يحتمي بهم ويجني المكاسب من ورائهم
ولم يكن له دور في الكفاح الوطني أو مقاومة المحتل، ولما انكسرت شوكة المماليك،
وتوالت هزائمهم، وهربت فلولهم إلى الصعيد وعلى رأسهم مراد باشا الذي كان يقسم برأس
أجداده (رغم أنه يعرف أنه مجهول النسب) أنه
سيسحق الفرنسيين كما يكسر حبات الفستق، أما شريكه في الحكم ابراهيم بك فقد جمع
غلمانه ومماليكه وجواريه ومعهم الوالي العثماني وأطلق ساقيه للريح نحو سوريا،
وتركوا الشعب المصري وحده يواجه مصيره، وعم الذعر والفساد المحروسة وسيطرت عليها
الفوضى ولم تتوقف أعمال السلب والنهب فيها يقول الجبرتي : «كانت ليلة وصباحها في
غاية الشناعة .. جرى فيها مالم يتفق مثله في مصر ولا سمعنا بما شابه بعضة في تاريخ
المتقدمين»، دخل المشايخ إلى المساجد والزوايا وراحوا يبتهلون إلى الله بالنصر ..
والناس حاربت بالصياح والجلبة على حد قول الجبرتي ولم يفكروا في السلاح وكل ما
فعلوه هو رفع الأصوات بقولهم يا رب ويا لطيف ويا قوي، ولم يسمعوا صوت العقلاء منهم
الذين طالبوهم بالكف عن النباح والجعير وإعلان الجهاد لكن كانت العين بصيرة واليد
قصيرة!!
.. وشعر المصريون بالفجيعة بعد أن اتضح لهم عجز البهلوان المهرج الفاضح عن
الدفاع عن البلاد أو توفير الأمن لهم .. وعندما اقترب الفرنسيون من القاهرة عام
1798 تولى عمر مكرم حشد الجماهير للقتل بطلقات البارود الفرنسي، وفي هذا الصدد
يقول الجبرتي:
«وصعد السيد عمر مكرم أفندي
نقيب الأشراف إلى القلعة فأنزل منها بيرقاً كبيراً أسمته العامة البيرق النبوي
فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق وأمامه ألوف من العامة .» .
وعندما سقطت القاهرة بأيدي
الفرنسيين، عرضوا على البهلوان عاشق الخرافة عضوية الديوان الأول إلا أنه رفض ذلك
وقرر الرحيل عن القاهرة واتجه إلى بلبيس، وأثار بعض المناوشات حفاظاً لماء الوجه، وبعد هزيمة
الصالحية في أغسطس 1798م ارتحل إلى العريش، ومنها إلى غزة .
.. ولما فر عمر مكرم هارباً
خارج البلاد، توجه الشيخ خليل البكري إلى نابليون وأخبره بأن نقابة الأشراف اغتصبت
من البكرية على يد عمر مكرم، وهو الأحق بها بحكم أنه شقيق النقيب الأسبق، فأصدر
نابليون قراراً بتعيينه نقيباً للأشراف، لكن ما ذكره لنابليون كان نصف الحقيقة فقط
أما نصفها الأخر؛ أن أسرته والأعيان كانوا يرون أنه لا يصلح للمشيخة أو النقابة
لما فيه من الرعونة وارتكابه أمورا غير لائقة، على ما يذكر الجبرتي: «كما عرف عنه
ولعه الشديد بالغلمان.» ، وعينه نابليون نقيباً للأشراف، وما لبث البكري بعد تعيينه أن أخذ الوقف من
النقابة، وسكن أفخر المنازل، وانحاز تماما للفرنسيين، وصار له ود مع الفرنسيين
لدرجة أنه كان من أكابر الديوان، وواصل تقديم الهدايا إلى الفرنسيين، وفتح لهم
بيته ليترددوا عليه وقضاء السهرات به وشرب الخمر والاستمتاع برقص الجواري، ولم يكن
يهتم بأن يواري ذلك عن الشعب!!، وبدأ أهل المحروسة يرددون أن الدنس طال أعتاب بيت
الشيخ، وبلغ فراشه، وأن هناك علاقة بين نابليون وابنة الشيخ الشابة زينب
البكرية
«زفة الدوسة»:
ـــــــــــــــــــــــ
كان أحد مظاهر سيادة الأشراف
على العامة «زفة الدوسة»، .. يحكي «إدوارد لين» في كتابه بعنوان : «المصريون
المحدثون شمائلهم وطبائعم في القرن التاسع عشر» عن طقس «الدوسة» الغريب الذي ميز
زفة المولد النبوي لعقود، حيث كان شيخ الطريقة السعدية يمر بحصانه فوق أجساد
دراويش الطريقة المنطرحين أرضا، و هم يرددون أذكارا و أورادا خاصة. و كانوا
يعتبرون مرور «الدوسة» دون أن يتألم أحدهم أو يصاب بأذى من الكرامات وبركة المولد،
وقد تم منع «الدوسة»" مع غيرها من الطقوس العنيفة الأخرى في عهد الخديوي
توفيق. ويرجح ج. م. مكفرسون في كتابه بعنوان: «الموالد في مصر» أن المنع تم بعد
اعتراضات من زائر أوروبي!!*(1)
كانت «زفة الدوسة» تبدأ بذهاب
الشيخ محمد المنزلاوي شيخ الدراويش السعدية وخطيب مسجد الحسين راكباً إلى منزل
الشيخ البكري الذي يرأس جميع طوائف الدراويش في مصر، ويقع منزل الشيخ البكري في
الجزء الجنوبي من بركة الأزبكية، وفي طريقه من المسجد إلى منزل الشيخ البكري كانت
تنضم إليه طوائف عديدة من الدراويش السعدية، من أحياء متفرقة من العاصمة، وأهل كل
حي منهم يحملون علمين، والشيخ محمد المنزلاوي رجل مسن، أشيب اللحية، لطيف المحيا،
تلوح عليه مخايل الذكاء، وكان يرتدي في ذلك اليوم «بنش» أبيض اللون، وفوق رأسه
قاوون «قلنسوة بيضاء»، تلتف حوله عمامة من قماش زيتوني قاتم، يكاد يبدو أسود
اللون، وفي الجزء الأمامي منها شريط من الشاش الأبيض، قد رُبط ربطاً مائلاً ويركب
جواداً متوسط الارتفاع والوزن، وأنا أذكر وزن الحصان لسبب يتعلق بـ «زفة الدوسة».
وعندما يدخل الشيخ بركة
الأزبكية، يسبقه موكب هائل من الدراويش الذين ينتمون إلى طائفته، ثم يتوقف الموكب
على مسافة قصيرة من بيت الشيخ البكري، ويظهر عدداً كبيراً من الدراويش وغيرهم
يبلغون الستين أو ضعف هذا العدد، قد أخذوا يلقون أنفسهم على الأرض، الواحد إلى
جانب الآخر متلاصقين .. ظهورهم إلى أعلى وأرجهلم ممددة، وأذرعهم منثنية تحت جباههم
وكلهم يرددون بلا انقطاع كلمة «الله»، ثم يأخذ نحو اثني عشر درويشاً أو أكثر، وقد
خلعوا نعالهم يجرون فوق ظهور زملائهم المنبطحين على وجوههم، وبعضهم يضرب على الباز
«طبلة صغيرة»، وهم يصيحون قائلين: «الله».
ثم يقترب الشيخ، ويتردد الجواد بضع دقائق، ويحجم عن أن يطأ أول رجل منبطح
أمامه. فأخذ الدراويش يدفعونه ويستحثونه من خلفه، حتى يطيع في النهاية، ويأخذ في
غير خوف ولا وجل يمشي فوق ظهورهم جميعاً مشية الرهوان في خطوة قوية يقوده رجلان
كانا يجريان فوق المنبطحين من الرجال ويدوس أحدهما فوق الأقدام والآخر فوق الرؤوس.
وانطلق المتفرجون في صيحة طويلة يقولون: الله .. لا لا لا لا لاه، ولم يصب أحد
المنبطحين بأذى فكان كل منهم يهب واقفاً بمجرد أن يمر فوقه الجواد، ثم يسير وراء
الشيخ.. وكان كل رجل من المنبطحين يتلقى من الجواد وطأتين، واحدة من إحدى رجليه
الأماميتين، والأخرى من إحدى رجليه الخلفيتين.
ويُقال إن الشيخ وهؤلاء الرجال
«يستعملون أسماء» أي يرددون أدعية وابتهالات في اليوم السابق للدوسة، حتى يستطيعوا
أن يتحملوا وطأ الجواد دون أن يصابوا بأذى.. ولذلك يُقال: إن بعض الناس ممن لم
يعدوا أنفسهم ذلك الإعداد، يخاطرون بالاشتراك في الدوسة.. ومثل هؤلاء يُقضي عليهم ويصابوا بإصابات بالغة
في أكثر من حادثة، .. ويقال: إن هذا العمل إنما هو معجزة، قد وهبها الله لكل شيخ
من مشايخ السعدية على التعاقب.
ويؤكد بعض الناس أن الجواد
تُخلع عنه حدوتة قبل قيامه بالدوسة، وبعد أن يتم الشيخ هذا العمل الخارق، دون أن
يصاب شخص واحد بأذى، يعَبَرَ بجواده الحديقة، ويدخل منزل الشيخ البكري لا يصحبه
سوى عدد صغير من الدراويش، ويترجَّل ثم يجلس فوق سجادة قد فرشت بحذاء الحائط
الخلفي للتختبوش الذي يقع في فناء الدار، يجلس وقد انحنى ظهره، وقد ارتسم اليأس
على محياه والدموع تترقرق في مآقيه، وهو لا يفتأ يُتمْتِم بالتسبيح والدعاء، وجلس
معه ثمانية رجال.. أما الدراويش الذين جاءوا معه، والذين يبلغون العشرين عدداً،
فقد وقفوا أمامه على شكل نصف دائرة فوق حصير قد فُرِش لهم، ووقف حولهم خمسون أو
ستون رجلاً، ويتقدم منه ستة من الدراويش، وقد ابتعدوا عن نصف الدائرة نحو خطوتين،
ثم بدأوا في الذكر، وأخذوا جميعاً يصيحون في وقت واحد قائلين: الله حي .. ويضرب كل
منهم عند صيحته تلك بسير قصير من الجلد على الباز الذي يمسكه بيده اليسرى من عقدة
في أسفله، ويظلوا يفعلون ذلك بضع دقائق، ثم يبدأ الدراويش كلهم الذين يقفون في نصف
الدائرة في ذكر جديد فيصيح، كل «ذكّير» على التوالي قائلاً: الله حي.. ويرد
الباقون قائلين: يا حي.. وعند كل صيحة يتمايلون مرة ذات اليمين وأخرى ذات الشمال،
ويأخذوا في فعل ذلك بضع دقائق ثم تتغير الصيحة فيأخذ كل منهم يقول على التوالي:
دايم.. فيرد الذكيرة: يا دايم.. ثم يتوقف الذكر، ويأخذ أحد الناس يتلو بعض آيات من
القرآن، ثم يستؤنف الذكر من جديد، ويظل ما يقرب من ربع الساعة، ثم يأخذ معظم
الحاضرين من الدراويش يقبلون يد الشيخ ويصعد الشيخ بعد ذلك إلى الطابق العلوي.*(1)
***
وبعد رحيل الحملة الفرنسية
عاد عمر مكرم إلى مصر ليمارس خزعبلات «البيرق النبوي» و«زفة الدوسة»، ويغزل خيوط
الدجل وقصص الكفاح المزعوم والفخار الوطني الزائف مع غيره من وجوه المماليك
القديمة إلا أن المصريين سخروا منه وعاقبوه بما يستحق؛ فلم يختاروه حاكماً للبلاد
بعد أن اختبروه في ساعة المحنة، وفي موقف الدفاع عنها فخذلهم، ولأنهم رأوا ان
الحاكم الأجنبي يستطيع أن يوفر لهم الحماية ويزود عن البلاد، وظلت عقدة
"أفضلية الأجنبي" راسخة في نفوس المصريين إلى يومنا هذا؛ فهو الأفضل في
الطب وصناعة المنتجات المعيشية وتحكيم الكرة وتدريب الفرق الرياضية !!
وعندما نبحث في تاريخ الجبرتي
عن سر ابعاد عمر مكرم عن الحكم لا نجد جواباً واضحاً، رغم أن الجبرتي كان شاهد عيان
على العصر كله!!
الفصل
السادس :
ـــــــــــــــــــــــــ
«مقصوفة الرقبة» ..
زينب البكرية !!
.. وعندما ثارت القاهرة على
الفرنسيين كان نصيب خليل البكري من المهانة وافراً حيث هاجمه أناس كثيرون وصفهم
الجبرتي بـ «المتهورين من العامة»، فنهبوا منزله وهتكوا حرمة منزله وعَرَّوا
البكري من ملابسه واعتدوا على حريمه وسحبوه بينهم مكشوف الرأس من الأزبكية إلى
وكالة ذي الفقار بالجمالية فشفع فيه الحاضرون وأطلقوه بعد أن أشرف على الهلاك،
وأخذه الخواجا أحمد بن محرم إلى داره وأسكن روعه وألبسه ثيابًا وأكرمه وبقي بداره
إلى أن انقضت أيام الهوجة بانتصار الفرنسيين وعندها ذهب إليهم وشكا لهم ما حل به
بسبب موالاته لهم فعرضوا عليه ما نهب ورجع إلى الحالة التي كان عليها معهم وكانت
داره أخربها النهابون فسكن ببيت البارودي بباب الخلق ثم انتقل منه إلى بيت عبد
الرحمن كتخدا القازدغلي بحارة عابدين وجددها.
وفي أغسطس من عام 1801م أعلنت
الحملة الفرنسية رسمياً ترك مصر وحكمها، وتقرر خروج عساكرهم في آخر الشهر.
.. وكان قدر الشيخ البكري
مأساوياً؛ فقد اجتمع ممثل من الدولة العثمانية وواليها على مصر محمد خسرو باشا
وبعض من المشايخ لمحاكمة الشيخ البكري وخلعه من مناصبه بتهم عديدة كان أخطرها
«سفور ابنته التي لم تتجاوز السادسة عشر عام»
ساق الجبرتي وقائع المحاكمة حيث
قال :
«وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه
ـ أي في 24 ربيع الأول سنة 1216 هجرية، الموافق 4 أغسطس سنة 1801 ميلادية ـ طُلِبَت
ابنة الشيخ البكري وكانت ممن تبرج مع الفرنسيس بمعينين من طرف الوزير فحضروا إلى
دار أمها بالجودرية بعد المغرب وأحضروها ووالدها فسألوها عما كانت تفعله؛ فقالت:
«إني تبت من ذلك»؛ فقالوا لوالدها: «ما تقول أنت؟!»؛ فقال: «أقول إني بريء منها
فكسروا رقبتها»..
وحملت التهم وجود علاقة مؤثمة قامت بين زينب و
نابليون بسبب قرب أبيها منه، ولتبرجها تأثراً بالحملة، لأن التبرج لم يكن يستدعي
القتل، فضلا عن أن المحاكمة في ذلك اليوم كانت للنسوة التي فجرن، وبعد محاكمة ابنة
البكري كانت محاكمة المرأة المسلمة التي تسمى هوى التي كانت تزوجت نقولا القبطان
وهربت بعد الحملة، وقضت المحكمة بقتلهن .
فيما حوكم الشيخ خليل البكري
بتهمة اقتناء الغلمان، حيث كان لديه مملوك جميل اشتراه وشغف به، فقرروا انتزاعه
منه، وجاء تاجر الرقيق وقال أن خليل أخذ المملوك غصبا، فأبطلت الصفقة وعاد المملوك
إلى التاجر، وأبطلت بذلك شهادة العتق التي كان قد حررها له الشيخ خليل.
وعاش خليل البكري بعدها وحيدا
منزويا بعيدا عن الأضواء، ومات في عصر محمد علي دون أن يشعر به أحد.
حكاية " مقصوفة الرقبة" :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد أن استقر الأمر لنابليون
في مصر، قدم له حراسه ست فتيات مصريات، وجدهن بدينات، تفوح من عرقهن رائحة مشروب
"الحلبة"، حيث كانت زوجته جوزفين نحيلة وتتقن فنون استخدام العطور التي
اشتهرت بها باريس منذ أقدم العصور، لذلك اختار نابليون أقل الفتيات وزنا وأطولهن،
وكانت هي زينب بنت الشيخ البكري.
يروي حمدي البطران في كتابه
"مصر بين الرحالة والمؤرخين" أن زينب البكري كانت توصف بأنها النسخة
المصرية من جوزفين زوجته.. كان لها جسد ممشوق، ولون يميل إلى السمرة، وحياء في لون
القمح يشتعل في الظلام من شدة الأنوثة، وهي تحمل إيمانا تاريخيا بأن الرجل هو
الفرعون المقدس الذي تمنحه المرأة الطاعة العمياء حتى في المعصية..!
كان نابليون يهوى الأجساد
الفارعة والأطراف الدقيقة، وكانت زينب أجمل فتيات مصر وأنظفهن وأكثرهن اعتناء
بأنوثتها. وقد أغمض والدها الشيخ البكري عينيه وسد أذنيه وراح وهو يحتسي الخمر كل
ليلة يحلم بأن يصبح حما السلطان الكبير نابليون .
لم يذكر الجبرتي أن زينب كانت
عشيقة لنابليون، ولكن الشائعات ربطت بينها وبين وبينه لصلة والدها الشيخ البكري
به، وكان ذنبها أنها تبرجت حسب أقوال الجبرتي ولبست الفستانات والمناديل الملونة
والطرح الكشمير، وخالطت المجتمع الفرنسي.
يقول حمدي البطران أن السبب
في مأساة زينب البكري التي انتهت بقتلها لتصبح أول «مقصوفة رقبة» يعلن عنها في
تاريخ مصر :
« ربما كان والدها، فقد خالط الفرنسيين واندمج
معهم في الشراب، وقد عينه نابليون نقيبا للأشراف بعد فرار عمر مكرم مع المماليك
إلى الشام، وكان البكري محبا للشراب، وكان شرابه المفضل مزيجا من الكونياك والنبيذ
البورجيني المعتق، وكان يشربه حتى الغيبوبة، وكان يرتبط مع بونابرت شأنه في ذلك
شأن الشيخ السادات والشيخ عبد الله الشرقاوي، وقد أهدى البكري نابليون مملوكه
الخاص والأثير لديه رستم زادة، وقد لزم هذا المملوك بونابرت حتى منفاه الأخير في
سانت هيلانة.».
لم تكن زينب البكري هى الخاطئة
الوحيدة لكنها بلا شك كانت هي أبرز من دفع الثمن مع بعض المومسات الفقيرات؛ فقد
ساد الانحلال المجتمع المصري، وتغيرت بعض
عادات المصريين؛ فقد جاء الفرنسيون بحوالي 300 إمرأة فرنسية أكثرهن تسلل إلى السفن
الحربية لكن الحسان القليلات منهن كن إما مراهقات وإما حكراً على البعض، وكانت
البغايا من المصريات كثيرات ورخيصات لكنهن ـ في الغالب ـ كن غير مغريات وقبيحات،
ومصابات بالأمراض .. وقد أدى ذلك إلى تفشي الزهري والسيلان بين جنود الحملة؛ فكتب
الجنرال ديجا (حاكم القاهرة) إلى بونابرت في عام 1799 يقول:
«البغاء وراء تفشي الوباء في مساكن الفرنسيين
ولا بد من إغراق من يقبض عليهن في الثكنات» ، وكان تعقيب نابليون على الهامش :
«كلف أغا الإنكشارية بهذه المهمة»، وقد نفذ أغا الإنكشارية المهمة فقطع رؤوس 400
مومس وضع الجثث في غرائر وخاطها وألقاها في النيل .
أما كبار ضباط الحملة فقد حلوا
مشكلتهم دون أن يبذلوا جهداً؛ فقد كتب أحدهم لصديقه يقول : «لقد ترك لنا الأمراء
المماليك بعض النسوة الأرمنيات والكرجيات اللطيفات التي استولين عليهن لصالح
الأمة» .
يقول الجبرتي : «إن الجواري
السود كن أشد رغبة واستعداداً من الأرمنيات والكرجيات وإنهن لما علمن رغبة
الفرنسيين في مطلق الأنثى ذهبن إليهم أفواجاً، فنططن الحيطان، وتسلقن إليهم من
الطبقان، ودلوهم على مخبآت أسيادهن وخبايا أموالهم ومتاعهم وغير ذلك».
وشأن كل البلاد المنكوبة
بالإحتلال جر ولع الفرنسيين بالنساء استهتاراً واضحاً بالأداب العامة يقول الجبرتي
:
«فلما وقعت الفتنة الأخيرة
بمصر وحاربت الفرنسيين بولاق وفتكوا بأهلها وغنموا أموالها وأخذوا ما استحسنوه من
النساء والبنات صرن مأسورات عندهم فزينوهن بزي نسائهم وأجروهن على طريقتهم في كامل
الأحوال، فخلع أكثرهن نقاب الحياة بالكلية، وتداخلت مع هؤلاء المأسورات غيرهن من
النساء الفواجر لما حل بأهل البلاد من الذل والهوان وسلب الأموال واجتماع الخيرات
في أيدي الفرنسيين ومن والاهم، وشدة رغبتهم في النساء، وخضوعهم لهن، وموافقة
مرادهن وعدم مخالفة هواهن ـ ولو شتمته أو ضربته ـ فطرحن الحشمة والوقار والمبالة
والاعتبار واستملن نظراءهن، وأختلسن عقولهن، لميل النفوس إلى الشهوات، وخصوصا عقول
القاصرات.»
***
.. صارت زينب البكرية أول "مقصوفة رقبة" في مصر؛ فمن واقع تاريخ
العقوبات في مصر لم يتم استخدام عقوبة «قضم الرقبة» لعقاب امرأة، بل لم يكن هناك
نساء يتم الحُكم عليهن بالإعدام قبل زينب البكري، والحقيقة أن قتل زينب البكرية هو
حالة مرضية من الإنحياز للذات المتعفنة بكل عجزها وتخلفها وتناقضتها والتي اختزلت
وقائع الخيانة في "حادثة شرف"، ودون أن تلقي بالاً لما فعله خونة
الأوطان من المتواطئين والموالسين والمدلسين من شيوخ الأزهر والأشراف والأقباط
والأعيان وفتوات بولاق، ولم يثور الجعيدية والحرافيش والزعران إلا عندما اتعبتهم
الضرائب وهدم الفرنسيون أبواب الحارات!!
الفصل
السابع :
ـــــــــــــــــــــــــ
نابليون وروزفلت ..
وموالد
أهل مصر !!
أفاد نابليون من دراسة تقدير
الموقف التي أعدها ليبنيز للملك لويس الرابع عشر بعنوان : « المخطوط السري لغزو
مصر»، وفهم قبل أن تطأ قدميه أرض مصر "اللعبة" مبكراً لعبة (الإسلام
والسياسة)، وفهم أن الطريق إلى قلوب المصريين وعقولهم يبدأ من المسجد وينتهي
بالضريح؛ فأعلن أنه من أولياء الله،.. وأنه من أصفياء الله .. لكنه بينه وبين نفسه
كان موقناً أنه دجال وكتب في مذكراته : «أن ما فعله في مصر دجل من أعلى طراز»، ثم
استطرد:«أن على الإنسان أن يصطنع الدجل في هذه الدنيا لأنه السبيل الوحيد للنجاح
.».
كان وصول نابليون إلى القاهرة
في يوم الأربعاء 15 أغسطس .. قال الجبرتي: «ففي يوم الجمعة خاصة أمر صاري عسكر
بالإستعداد وتزيين العقبة كالعادة، وكذلك زينوا عدة مراكب وغلايين ونادوا على
الناس بالخروج إلى النزهة في النيل والمقياس والروضة على عاداتهم، وكتب نابليون
إلى أرباب الديوان والمتولين المناصب وغيرهم بالحضور في يوم السبت ١٨ أغسطس، وركب
نابليون بموكبه وزينته وعساكره وطبوله وزموره إلى قصر قنطرة السد وكسروا الجسر
بحضرتهم، وعملوا شنك مدافع ونفوطاً أي أطلقوا المدافع والصواريخ حتى جرى الماء في
الخليج، وركب هو وصحبته حتى رجع داره».
قال كتاب الفرنسيين أن : «المشايخ جمعوا بين الدعاء لنابليون وباركوه
وبجلوه»، لكن الجبرتي غض الطرف عن ذكر ما فعل المشايخ وقال عن أهل البلد:
«أما أهل البلد فلم يخرج أحد
منهم في تلك الليلة للتنزة في المراكب على العادة سوى النصارى الشوام والقبط
والأروام وألإفرنج البلديين ونسائهم وقليل من الناس البطالين.».
ويبدو أن نابليون سرته نتيجة
ذلك الاحتفال فأخذ يسأل عن الموالد والأعياد؛ فعلم أن المولد النبوي يقع في العاشر
من ربيع الأول، فاستدعى السيد خليل البكري وقلده نقابة الأشراف بدلاً من عمر مكرم
الذي هرب إلى غزة، ثم سأل صاري عسكر خليل البكري عن المولد النبوي ولماذا لم
يعملوه كعادتهم؛ فاعتذر بتعطيل الأمور وتوقف الأحوال، فلم يقبل نابليون، وقال لابد
من ذلك وأعطى له ثلاثمائة ريال فرنسية معاونة (في الوثائق الفرنسية ألف وثلثمائة
ريال فرنسية) وأمر بتعليق تعاليق وأحبال وقناديل، واجتمع الفرنساوية يوم المولد
ولعبوا ميادينهم وضربوا طبولهم ودبادبهم، وأرسل نابليون الطبلخانة الكبيرة «الجوقة
الموسيقية العسكرية» إلى بيت الشيخ البكري، واستمروا يقرعونها بطول النهار والليل،
وعملوا حراقة نفوط مختلفة وصواريخ تصعد في الهواء.
يقول الجبرتي :
«كان المولد عند أهل الإقليم
موسماً لا يتخلفون عنه إما للزيارة أو للتجارة أو للنزهة أو الفسوق .».
وفي رواية الكتاب الفرنسيين أن
: «نابليون ذهب إلى منزل الشيخ البكري حيث جلس إلى جوار المنشدين الذين أخذو في
تلاوة القصة النبوية، وكان يهتز كأنما هو مشارك لهم في التلاوة والنغمات، ثم مدت
الموائد.».
.. وبدأت زفة «البيرق النبوي»
و «زفة الدوسة»، كان نابليون يهدف إلى خلق أجواء احتفالية بغرض الإلهاء وترسيخ
«ثقافة التخلف»، وقد استمرت تلك الممارسات إلى يومنا هذا وليس من قبيل المبالغة أن
مصر تقع في المرتبة الأولى بين الدول في احتفاليات الموالد، وهي المعنية بفكرة
«الولاية» دائماً، وبمن يطلق عليهم «الأولياء»؛ فالولي في التراث الشعبي المصري
يرعى مريده روحيا بعد وفاته؛ لذا فهم يجتمعون للاحتفال بمولده طلباً لبركته
وعطاياه، إذ هو في معتقدهم ـ كما في فكر مريديه ـ يستمع لطلباتهم ويلبي
احتياجاتهم، فهو مات جسداً لكنه حي بروحه، وهو ليس بغائب عنهم بل حاضر في مولده
والاحتفال المقام له.
.. وتضفي مصر صبغة من
ثقافتها غير الدينية (ثقافة البزراميط)، على كافة الاحتفالات التي قد تبدو في إطار
من التأصيل الديني، ويبدو ذلك جلياً في حجم وكم أعداد الأولياء، الذي يصل في أقل
تقدير إلى خمسة عشر ألفاً من الأولياء؛ حسب ما جاء في أطلس الفلكلور المصري*(1) وكلها ـ تقريباً ـ يحتفى بها في شكل موالد
سنوية لها صفة الثبات الدوري.. الطريف أن إحدى قرى محافظة الشرقية تضم 153ضريحاً
للأولياء في حين يبلغ تعداد سكانها في حدود 22 ألف نسمة .
وتشير الشواهد التاريخية
الواردة في وثائق المؤرخين إلى التأصيل التاريخي لمعظم الشخصيات التي يحتفي بها من
خلال الموالد الدورية، والتي تثبت أن العديد من هذه الأسماء كانت بعيدة كل البعد
عن التقديس الديني، والدليل على ذلك أسماء المماليك والأمراء والصعاليك ممن تقام
لهم موالد حتى الآن خاصة في منطقة القاهرة المعزية*(2).
وتتشابة أحتفالية المولد في
مصر بما يؤكد أنه طقس ثقافي سواء كان متعلقاً بمولد ولي مسلم أو بمولد قديس قبطي
في مظاهرها العامة والجزئية حتى تكاد أن تتطابق فيما عدا الاختلاف اللفظي في إنشاد
زفة البيرق للإعلان عن بدء المولد وأناشيد الحضرة والأذكار والأوراد الإسلامية من
ناحية أو زفة الأيقونة والتراتيل والترانيم القبطية من ناحية أخرى لكن الملاحظ أنه
يجمع بينهما تشابة واضح في الإيقاعات الموسيقية ذات التيمات التراثية الشعبية
وفي زمن الموالد تكثر حركة
الناس، خصوصاً أهل الجهة التي به المولد، وتروج البضائع، سيما الحلوى والحمص
والفول السوداني والترمس والبسبوسة والبليلة، وأصناف المأكولات من الكشري والفول
والفلافل وفواكة اللحوم والسميذ والبيض والجبنة والكوارع والفشة والمونبار، وينتفع
بعض الفقراء وطوائف المشعوذين كالحواة والبهاليل وقارئي الكف وقارئي خطوط الرمال
وضاربي الودع ومشخصاتية الأراجوز وخيال ظل وألعاب اللهو المراجحية وألعاب الفتوة
والقوة ونحو ذلك، وتنال خدمة الأضرحة في تلك الأيام من النذور والصدقات أضعاف ما
تناله في غيرها، ويكثر ذلك ويقل تبعاً لاتساع شهرة المولد، وكثرة الواردين وقلتهم
من الرواد من أهالي القاهرة وضواحيها*(3).
والعادة في تلك الأيام أن
أكثر السكان المجاورين لمحل المولد يعملون وقدات وختمات وأذكار وولائم، يدعون فيها
من أرادوا من اصحبهم أحبابهم .
وفي الموالد الكبيرة مثل
مولد النبي صلى الله عليه وسلم ومولد سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة
والسيدة سكينة والسيدة رقية والإمام الشافعي، والسيد البدوي وسيدي إبراهيم الدسوقي
وسيدي شبل وسيدي أبوالحجاج الأقصري، وسيدي أبو العباس المرسي وسيدي الإمام
البوصيري وسيدي ياقوت العرش تكثر الحركة في جميع البلد، وتتسع دائرة اكتساب الخدمة
من من الباعة والحلاقين والحجامين والمزينين ويعم ذلك الشوارع الكبيرة، حتى يتخيل
الناظر أن المدينة مزينة وينشأ عن ذلك التفريح العام والسرور التام) .. تتساوى في
هذا موالد المسلمين وموالد الأقباط (مولد القديسة دميانة في البراري ـ موالد
السيدة العذراء في جبل الطير ودرنكة وموالد مارجرجس في ميت دمسيس والرزيقات ومولد
الأنبا برسوم بحلوان) التي تعد تطوراً وامتداداً طبيعياً للاحتفالات المصرية
القديمة . وقد يرجع انتشار الموالد القبطية في مصر، وتبوؤها هذه المكانة في الحياة
الاجتماعية والروحي إلى أسباب كثيرة أهمها ما تحمله الشخصية المصرية بشكل عام
والقبطية بوجه خاص من طبيعة وصفات قدماء المصريين الذين نشأوا على الاعتقاد في
القوى العلوية وتقديسها، احتراماً لها أو خوفاً منها، بالإضافة على موقع مصر
الفريد جغرافياً وتاريخياً وروحياً، الأمر الذي أدى إلى تواجد العديد من القديسين
بالفعل داخل حدود مصر الجغرافية، فهم داخل الوجدان الإيماني والروحي للأقباط
يتمثلون بهم ويلجأون لهم ويحتمون فيهم، وساعد على ذلك ما يوفره الإطار العقيدي
للكنيسة القبطية، وما يفرضه الإطار الاجتماعي للأقباط في مصر.*(4)، وينتهز الأقباط فرصة احتفالية موالد
القديسين لتعميد الأطفال ودق وشم الصلبان ورسم وشوم برسوم القديسين على أجسادهم!!
.. وتشير بعض الدراسات
الميدانية الواردة في البيانت الحصرية لأطلس الفلكلور المصري أنها قد رصدت منذ
أكثر من ربع قرن تحول عدد كبير من "الأضرحة الوهمية" إلى مستوى أولياء
التي يحتفى بها سنوياً، وقد أرجعت بعض الدراسات تلك الظاهرة إلى تفشي البطالة،
وسوء الأحوال الاقتصادية، فكان لجوء البعض
منهم بأن يدعي أن «سيدي فلان» صاحب الضريح الفلاني ـ والضريح هنا كثيراً ما
يعني وجود زيرأو سبيل ماء تحت شجرة على ممر زراعي) ـ أتاه في المنام وطلب منه أن
يقيم له مولداً بشرط أن يقوم «صاحب هذه الرؤية المنامية المزعومة» على خدمته،
وبالتالي يكون حارساً على صندوق نذوره *(5)!!!
وفي ذلك ما يفسر ازدياد عدد
الأولياء التي يصنع من حولها العديد من القصص المزعومة والبطولات والقدرات
الخارقة، والجماعة الشعبية المصرية تعيش على ارض خصبة لتقبل ذلك؛ فانتشرت جرائم
النصب والقتل والدعارة في هذه السوق الرائجة .
يرى عالم الاجتماع الراحل د.
سيد عويس في كتابه بعنوان: (قراءات في
موسوعة المجتمع المصري ـ الصادر سنة 1988) :
« أن الموالد أحد أشكال
(الفرح الجماعي) في حياة المصريين، وأنها نتاج حالة من «الوجد» الذي تبثه الطرق
الصوفية وتلقى قبولاً وهوى بين مريديها، وهذا الهوى لا يأتي من لا شيء، فهو
بالضرورة نتاج ثقافة المجتمع.»، ويضيف: «أن مصر تضم حوالي 2850 مولدا*(6) للأولياء الصالحين، يحضرها أكثر من نصف
سكان الدولة»، ولا يتقيد أهالي كل قرية ومدينة بوليهم المحلي، حيث أسقط المصريون
حاجز المكان، فمثلاً بتوجه سكان أسوان إلى طنطا للاحتفال بمولد «السيد البدوي»،
ويتوجه سكان الإسكندرية للاحتفال بمولد «سيدي أبو الحجاج» بالأقصر، وسكان حلوان
للاحتفال بمولد القديسة دميانة بالبحيرة، وسكان البحيرة للاحتفال بمولد سيدي مار
برسوم العريان بالقاهرة ولأنها ظاهرة اجتماعية دينية هامة .
.. ويرى د. علي فهمي الباحث
بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في كتابه بعنوان :(دين الحرافيش في
مصر المحروسة .. دراسة في الفهم السوسيولوجي الشعبي للدين) أن:
«مواسم الموالد ترتبط في الأقاليم المصرية
بمواسم تصريف محاصيل زراعية بعينها، وتقترن مواعيدها بمواعيد الانتهاء من جني
المحصول الذي يشتهر به الإقليم الذي يقام فيه المولد»، ويضيف : «ولو تصورنا أن بعض
الموالد يشارك فيها ما يقارب نصف مليون إلى مليوني شخص لأدركنا الحرص على
الاستفادة التجارية من الإبقاء على هذه الموالد، وهذا بخلاف تجارة الملاهي والغناء
والفرق الاستعراضية التي أصبحت مرتبطة بالموالد برغم أنها لا علاقة بينها وبين
الأولياء!!
.. وفي ظل رواج خرافات
التدين الشعبي للمسلمين والأقباط راجت تجارة الموالد والأضرحة، لما تدره من أرباح
للقائمين على الأضرحة والمحال التجارية والتجار القريبين منها، فحرصوا على تنميتها
عبر الترويج لـ "كرامات" أولياء هذه الأضرحة، وبث تلك الأساطير
والأكاذيب بين الجهلة وضعاف الدين وأصحاب المواجع من العاقرات والعاطلين والباحثين
عن حلول لمشكلاتهم المستعصية حتي أصبح أكثر زوار هذه الاضرحة والمترددين على
الموالد والمشعوذين من الطبقات الغنية والمتعلمة والمثقفة.
"الذخائر المقدسة"
و" تجـارة البركة ":
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
راجت تجارة «الذخائر المقدسة»
أثناء حملات الفرنجة على الشرق و"الذخائر المقدسة" هي رفات القديسين
وملابسهم وأدواتهم الشخصية .. حتى أن بعضهم أدعى أنه عثر على خشبة الصليب المقدس
التي صلب عليها السيد المسيح، ولم تكن هذه الأشياء سوى تذكارات مزيفة !!
وقد راجت في السنوات الأخيرة ما
يُسمى بـ "تجارة البركة" بين شعب الكنيسة المصرية!!
إننا لا نناقش «بركة
الكنيسة» .. لكننا ضد من يتخذها وسيلة للتلاعب بالفقراء والمهمشين والمتعبين
وثقيلي الأحمال وتغييب وعيهم وإبعادهم عما جاء به السيد المسيح من تعاليم وإدخال
البدع على المسيحية التي تخدم هذه التجارة ومنفعة القائمين عليها دون أدنى تقدير
للعواقب الوخيمة لهذه الممارسات التي تحمل طابع الدجل والتجارة المشبوهة والتربح
الحرام ولا علاقة لها بالعقيدة؛ فمع زيارة الأقباط للأديرة وزيارة مقابر القديسين
والتماس بركتهم ابتدعت كل كنيسة تذكار لتك البركة بعض الكنائس تكتفي بإعطاء زيوت البركة
والبعض يعطي مياه مجهولة المصدر وأخرى تعطي الحنوط والمخبوزات وأخرى تعطي البخور
وأخرون يعطون رمالاً من قبر القديس ومن الطرائف التي رواها لى أحد الأخوة أنه في
قبر القديس يسى ميخائيل قد فرغ الرمل من قبره فأصبحت الكنيسة تضع أمام القبر أجولة
من الرمال الصفراء ليأخذ منها طالبي البركة ما يريدون مجانا مكتفية بما تقوم
الكنيسة بتحصيلة من النذور والعشور والبواكير!!
ونظرا لأن «تجارة البركة» من
التجارات الرائجة فقد تفنن تجارها في استيراد التذكارات التي تم تصنيعها لتوافق
عقائد الكنيسة اليعقوبية من صور وأقلام وأباجورات وأيقونات وساعات وابليكات
واكسسوار موبيلات بل واستيراد تماثيل بلحجم الطبيعي لتوضع في مداخل قصور الأثرياء
وحدائقهم.
***
تجربة نابليون في اللعب
بورقة (الدين والسياسة) في مصر لم تضع
هباء، فقد وجدت من يستوعبها ويستنسخها ويعيدها ويستعملها في صياغة الواقع الديني
والسياسي في مصر؛ فقد استنسختها المخابرات الإنجليزية بعد احتلال إنجلترا لمصر،
فأنشئت تنظيم «الأمة القبطية» السري في سنة 1919 على يد راهب يدعى انطونيوس أي قبل
نشأة تنظيم «الإخوان المسلمين» بتسعة سنوات في 1928سنة، وكان من أبرز رموز تنظيم «الأمة
القبطية» السري القمص سرجيوس وقبل إشهاره رسمياً علي يد المحامي ابراهيم هلال في
14سبتمبر 1954 .. القمص سرجيوس المعروف فى تاريخ ثورة 1919 وصاحب صحيفة (المنارة
المرقصية) ثم (المنارة المصرية)، والذي خدع المصريين باعتلائه منبر الأزهر وخطبه
الرنانة وهو يخفي الغدر وراء ظهره بأحاديثه عن : «دين الله، .. ووطن الجميع»،
ومنهم أيضا عازر يوسف عطا والذى اصبح فيما بعد البابا (كيرلس السادس) وكان يعمل فى
مجال السياحة وهى أبعد مجال عن الاهتمامات الدينية وكان أحد تلامذة رهبان جماعة
الامة القبطية .. ومنهم الدكتور سعد عزيز (الأب متى المسكين) فيما بعد والذى كان
بعيدا عن الدين وكان منجذب للفكر الشيوعى ويعمل صيدلى ويمتلك صيدلية بمدينة
دمنهور، .. واعتنق فكر الجماعة .. ومنهم نظير جيد (الانبا شنودة) بابا الاقباط
السابق، وهو احد التلامذة التسع للاب متى المسكين فى دير السريان وهو خريج كلية
الآداب قسم تاريخ.
كلا التنظيمين : «الأمة القبطية» و«الإخوان المسلمين» كانا من إبداع
المخابرات الإنجليزية؛ لذا فليس من المستغرب أن يتوافق ويتطابق شعاراهما ليجمع كلا
الشعاريين بين الطائفية والعنصرية وانتهاج العنف وطلب الموت؛ فرفعت «الأمة
القبطية» شعار:
«الله ربنا، ومصر وطننا،
والإنجيل شريعتنا، والصليب علامتنا، والقبطية لغتنا، والشهادة فى سبيل المسيح
غايتنا.».
ورفعت"الإخوان
المسلمين" شعار :
«الله غايتنا والرسول زعيمنا
والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا .».
ويرى د. غالي شكري أن تنظيم
«الأمة القبطية» يمثل انشقاقاً للجناح المتطرف لما يسمى بـ «مدارس الأحد» في مصر
والتي تكتفي بتعليم الدين للناشئين، لكنها رغم ذلك تغلغلت بسرعة في أنحاء المدن
والأقاليم.
وبعد أن غربت شمس
الإمبراطورية البريطانية وورثت مخلفاتها إمبراطورية «اليانكي الوقح».. كانت المهمة
الأولى لكرميت روزفلت مدير C.I.A. والتي شرحها مايلز كولاند في كتابه بعنوان :(اللاعب
واللعبة) هى البحث عن زعيم مسلم ويكون رجل أمريكا في مصر بشرط ألا تواجه المشاعر
الدينية تجاه الغرب ولا تجاه إسرائيل ولأنه لابد من وجهة للمشاعر الدينية وكان
لابد من تحريك مشاعر الجماهير العدائية ضد الشيوعية ذلك الهدف الذي اختارته
المخابرات الأمريكية ليكون العدو البديل الذي يبعد الأنظار عن خطر إسرائيل وأمريكا
معاً!!
كان روزفلت قد اقنع الملك
فاروق بتقديم مبالغ كبيرة من المال إلى «الاخوان المسلمين» ليأمن عدائهم وفي ذات
الوقت أقنع «الاخوان المسلمين» بضرورة الإطاحة بالملك فاروق لأنه فاسد وملحد ويرشو
الأتقياء لاستمرار فساده، واستخدم الـ «الاخوان المسلمين» أموال الرشوة لدعم ضباط
الجيش في الانقلاب على النظام الملكي، وهذا ما يفسر لنا : لماذا لم يكن هناك ضابط
واحد قبطي في تنظيم الضباط الأحرار!!
يقول روبرت دريفوس في كتابه
بعنوان : «لعبة الشيطان .. دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي» أن
منظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس الكنائس العالمي ما هما إلا من مؤسسات CIA.
***
هكذا لعبت الأيدي القذرة في
اللعبة القذرة بورقة (الدين والسياسة)!!
الفصل
الثامن :
ــــــــــــــــــــــــ
الاستشراق
..
والمستشرقين
.. والمشارقة !!
يحاول البعض إلصاق بعض
افتراءات الاستشراق بالأقباط، وتحميلهم بعضاً من أوزاره كما لو كانوا هم صانعوا
الاستشراق وناسجوا أكاذيبه .. فالاستشراق ثمرة من ثمار بعض القوى والأنشطة
السياسية، وهو مدرسة من مدارس التفسير جعلت مادتها الشرق وحضارته وشعوبه، ولكننا
أيضا لا نعفي بعض المثقفين الأقباط وبعض رجال الكنيسة من السقوط في فخ الاستشراق
وترديد مزاعمه وخزعبلاته وترهاته حتى صاروا مستشرقين بالتبعية أو التبني
أوالانتماء Affiliation ـ بقصد أو بغير قصد ـ، .. وأيضا إننا لا ندين الاستشراق بصفة
عامة، ولا نتهم المستشرقين جميعا؛ فبعض المستشرقين أنتج أعمال بحثية ذات قيمة،
ووضعوا أسس الدراسات العربية الحديثة التي بنت عليها أجيال من الباحثين المخلصين
الجادين، لكننا ندين الإطار الفكري والثقافي
العام للإستشراق والذي يندر أن يخرج عنه، وكشف الغطاء عما يتخفى بقناع
الثقافة والدراسات العلمية، وبيان خداع ما يكتسي بالمظهر العلمي وهو في حقيقته
عنصري إلى جانب تأجيج الطمع الإستعماري ونهب ثروات الشعوب وإذلالها وطلب السلطان
على حساب كرامتها وإنسانياتها، وكلها تقريباً تمثل فى حقيقتها النوازع البشرية
المنحطة فى أبشع صورها وتبث الخوف الدفين من تهديد الشرق القائم على بقايا إحساس
أبناء أوربا بالجهل، والذي جعل المستشرقين يسرفون بدون ضوابط في اطلاق صفة "الشرقي"
على كل ما يرى فيه أبناء الغرب اختلافاً عن الحضارة الغربية، والتذرع بهذه التسمية
أو الصفة للقول بما يجافي الحقيقة والواقع
من نسبة خصائص جوهرية أو عناصر إنسانية تمثل جوهر الشرق باعتبارها نقيضا للغرب!!
.. «الاستشراق» أسلوباً في
الخطاب أى التفكير والكلام يقوم على
التمييز الوجودى والمعرفى بين الشرق والغرب تدعمه مؤسسات ومفردات وبحوث علمية وصور
ومذاهب فكرية وبيرقراطيات استعمارية وأساليب استعمارية .. أسلوب غربى للهيمنة على
الشرق وإعادة بنائه والتسلط عليه ونهب ثراوته، ولم يكن الشرق بسبب القيود التى يفرضها الاستشراق
مجالاً لحرية الفكر والعمل، .. ومن المخادعة الاعتقاد بأن الخيال وحده قد
فرض صورة الشرق، أى جعله يتخذ الصورة التى رسمها المستشرقون، ولكنه يتجاوزه إلى
اكتشاف إخضاع الشرق لتلك الصورة!!، قد تتفاوت هذه الفكرة بشكل نسبي من كاتب إلى
آخر لكنها تتميز بموقف أساسي يرجع إلى ارتباط المعرفة بالسلطة، واعتماد كل منهما
على الآخر، فالسلطة بشتى اشكالها ـ السياسية والعسكرية والمالية والعلمية ـ تحدد
نوع المعرفة كما أن المعرفة لازمة لقيام السلطة واستمرارها!!، وما تبع ذلك مما وقع
فيه كبار المبدعين من تزييف لحقائق الواقع بسبب غلبة الإطار الفكرى الذى أقامة
كبار المستشرقون بدعوى العلم والمعرفة.(1)
.. الفكرة فى «الاستشراق»
عندما يعرض لمواجهة الوعى الغربى مع الآخر (الشرق) يرى أن الشرق يمثل وعياً
غاصباً، فالمستشرق يحاول احتواء الآخر (الشرق) باعتباره فرعاً منه مثلما اعتبر بعض
المستشرقين الإسلام صورة منحرفة من صور المسيحية مثل مذهب التوحيد الآريوسي
(المنسوب إلى الراهب أريوس في أواخر القرن الثالث الميلادي، وأوائل القرن الرابع
الميلادي)، والتي تنص على أن « الله واحد فرد غير مولود، لا يشاركه شيء في ذاته
تعالى؛ فكل ما كان خارجاٌ عن الله الأحد إنما هو مخلوق من لا شيء وبإرادة الله
ومشيئته»، وهذا يعني أن السيد المسيح ـ عليه السلام ـ وفق هذا التعريف بشر
مخلوق، ثم من بعده «مذهب الوحدانية» اليعقوبي في القرن الخامس الميلادي الذي تقوم
على أساسه الكنيسة الأرثوذكسية القبطية نسبة إلى الراهب يعقوب البرادعي
(المونوفيزية Monophysitism) القائل بوجود طبيعة واحدة للسيد المسيح عليه السلام . *(2)\
.. اختارت أوربا لنفسها بعد تحديد كيانها
الجغرافي مُسمى الأنا The Ego وأطلقت على غيرها لفظ الآخر The Other وراحت تكيل لنفسها
بأكثر من مكيال عندما يتعلق الأمر بالذات The Egoism وبمعايير مختلفة عن
المعايير الصارمة والصادمة عندما يرتبط الأمر بالأخر The Otherness وهو ما حدا بإدوار
سعيد في كتابه بعنوان: «الاستشراق» إلى السخرية من هذا التصنيف بقوله :
«البلد الأخر هو مكان وجود
الآخرية إنه االمكان البعيد عن الوطن وقد يكون الفضاء المتخيل الذي نعكس فيه
رغباتنا ومخاوفنا .».* (3)
.. وكان وصف ادوارد سعيد لـ
"الاستشراق" دقيقا حين قال:
« بأن الاستشراق استجاب في
معظم الأحوال للثقافة التي أنتجته أكثر مما استجاب لموضوعه المزعوم».* (4)
نشأة "الاستشراق" :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختلف المؤرخون في تحديد
تاريخ بدء "الاستشراق"؛ فمنهم من أرجعه إلى السنوات الأخيرة من القرن
العاشر، ومنهم من أرجعه إلى القرن الثاني عشر عندما أمر بطرس «المبجل Peter The Venèrable» بوضع اللبنة الأولى
للحركة الاستشراقية بأن أمر روبرت الكيتوني Robert Of Ketoun بترجمة القرآن إلى
اللغة اللاتينية، الأمر الذي تحقق عام 1143م.
.. لم يكن رئيس رهبان دير
كلوني بطرس «المبجل» يهدف من وراء هذه
«الترجمة» إلى الاطلاع على كتاب المسلمين و معرفة تعاليم ديانتهم، و إنما كان
الهدف تنصيريا بحتا، لذلك جاءت تلك «الترجمة» مشوهة ليس فيها من القرآن إلا اسمه،
لما فيها من حذف وإضافة وأخطاء مقصودة؛ فهي « لم تكن ترجمة فقط و إنما أضيف إليها
هجوم و قدح في الإسلام و القرآن الكريم في شكل مساجلات كانت تقحم أثناء الترجمة،
وقد كانت لا تلتزم بدقة وحرفية بالنص، ولا تلتزم بترتيب الجملة في الأصل العربي
وإنما تستخلص المعنى العام في أجزاء السورة الواحدة ثم تعبر عن هذا بترتيب من عند
المترجم»، ويعترف صموئيل زويمر اليهودي أن هذه الترجمة تمت بدافع تنصيري، وتحت
تأثير الروح التنصيرية لدى بطرس «المبجل».
بينما يرى البعض أن
«الاستشراق» بدأ بمحاولات بعض الباحثين ورجال اللاهوت الأوربييين المسيحيين
بدراستهم لترجمات القرآن وسير النبي محمد صلى الله عليه وسلم لتفنيد الإسلام
باعتباره ديناً مزيفاً وهرطقة ولا يتفق مع العقيدة المسيحية، وكانوا يأملون في أن
يوقفوا بهذه الأعمال تحول المسيحيين في الأراضي التي يحكمها المسلمون إلى الإسلام،
وفي نفس الوقت فتح الطريق للتحول النهائي للمسلمين، ولم تزد محاولاتهم إلا في
انتاج ما أصبح في النهاية أدباً جدليا؛ فلم يقنع ما قالوه المسلمين فنقدهم للإسلام
كان معتمداً على اللاهوت المسيحي، وكان بلا معنى بالنسبة للمسلمين!!
بينما يرى البعض أن
الاستشراق بدأ مع عصر النهضة كحقل من حقول المعرفة إلى جانب كونه نشاطاً تبشيريا
وتنصيريا كمحاولة جادة للبحث عن طوق نجاة في الحضارة العربية والإسلامية يخرج
أوربا من مستنقع الجهل والتخلف الذي فرضته الكنيسة والاهتداء بأضوائها المبهرة
للخروج من عتمة القرون الوسطى!!
بين نورمان دانييل فى دراسته
بعنوان : «الإسلام والغرب» أن من القيود التى قيدت تفكير المفكرين المسيحيين الذين حاولوا فهم
الإسلام قيد القياس أو التشبية، فلما كان المسيح أساس الديانة المسيحية، افترض
هؤلاء ـ وكانوا مخطئين ـ أن محمد يمثل للإسلام ما يمثله المسيح للمسيحية ـ وفقا
للفهم الشائع فى الكنيسة ـ ومن ثم اطلقوا على الإسلام التسمية المهينة
"المحمدية"، وألصقوا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصف «الدجال»!!.
ويؤكد نورمان دانييل على
:«ضعف الثقافة الغربية بحيث أنها لا تستطيع تقديم القرآن والسنة فى شكل قادر على
إقناع المسيحيين بما يزعمون».
يُجمع المفكرون الأوربيون في
القرن العشرين في كتاباتهم أن نتيجة حروب الإفرنج وغزو الفرنجة للشرق لم يحدث
انتقال ثقافي ملحوظ بين الشرق والغرب، لكنهم دائماً لا يذكرون السبب خجلاً؛ وهو أن
هذه الحملات لم يشارك فيها إلا الرعاع والأقنان والموامس وعدد قليل من الفرسان .
.. وكانت نتائج الهزائم
المتتالية لحروب الإفرنج التي أرهقت أوربا أن حاول بعض المفكرين الأوربيين دون فهم
لمكون العقيدة الإسلامية احتواء الشرق على نحو ما بين ر. و. سذرن فى كتابه «نظرة
الغرب إلى الإسلام»: اتضح للمفكرين الأوربيين الجادين، أنه لابد من اتخاذ إجراء
جاد بصدد الإسلام الذى وصل إلى شرق أوربا، ويقص سذرن قصة مثيرة وقعت بين عامى
1450، 1460م عندما حاول أربعة من العلماء هم جون السيجوفى، ونيكولاس االقوصى، وجان
جيرمين، وابنياس سلفيوس (البابا بيوس الثانى) التصدى للإسلام من خلال مؤتمر خاص
كان الأول صاحب الفكرة التى تقضى بعقد مؤتمر عن الإسلام يحاول فيه
المسيحيون تحويل المسلمين جملة عن عقيدتهم، وكان يرى فى المؤتمر أداة لها
وظيفتها السياسية إلى جانب وظيفتها الدينية الخالصة، وبتعبير تستجيب له
صدور المحدثين صاح قائلاً : «إن المؤتمر لو استمر عشر سنوات فسوف يكون أقل تكلفة
وأقل ضرراً من الحرب»، وفشل الباحثون فى معالجة مشكلتهم مع الإسلام فقد اخفقوا فى الوصول إلى الحل الذى يطلبونه
ويرغبون فيه؛ فالإسلام ليس لديه مشكلة مع الآخر لكنهم أنشأوا عادات فى التفكير
وطاقات على الفهم لاتزال جديرة بالنجاح لو
توافرت لغيرهم ممن لم يعيشوا أسرى مفاهيم قديمة، وهو ما جعل الجهل الغربى يزداد
تعقيداً وبعداً عن البساطة ولم تزد المعرفة الغربية حجماً ولا دقة فالأكاذيب لها
منطقها الخاص وجدليتها الخاصة فى النمو أو التدهور؛ كهذا كانت هيمنة رجال الكنيسة
على مختلف شؤون الحياة، باعتبارهم علماء في الدين ومختلف شئون الحياة، فحاربوا
المفكرين، وحاكموهم بقسوة، واحتكروا زعامة المجتمع، فتفشت فيه الخرافات وعم الجهل،
وكان المجتمع الأوروبي متخلفاً ويئن تحت وطأة الإقطاع، ويعاني من ويلات الحروب
الإقطاعية والتجزئة السياسية، يقول ريمون شواب في كتابه بعنوان «عصر النهضة
والاستشراق»: ومع بداية عصر النهضة وفي القرنين ١٥ ، ١٦ بدأت أوربا إعادة اكتشاف
نفسها من جديد وتمثيلها أمام ذاتها ولم تجد إلا ثقافة ضحلة تفتقر إلى فهم ما هو
خارج حيزها المكاني كما أنها لا تقدم فهماً متكاملاً لما هو داخل حدودها، وتاريخ
هامشي لا يستحق الدراسة، ولم تجد إلا تمثيلات متناقضة تمثل التاريخ الممزق لأوربا
!! .
وبدأ الباحثون الأوربيين
يدركون أن العالم الإسلامي يمتلك ثروات فكرية عظيمة تستطيع الثقافة الأوربية
الفقيرة أن تستفيد منها، وأدركوا أنهم لن يستطيعوا إعادة تعريف ذاتهم من خلال مرآة
الشرق؛ فحاولوا استقطار واستخلاص ما يمكن استخلاصه من هذه الثقافة المركبة
والمعقدة التي كانت مغرية ومخيفة في الوقت ذاته، وهكذا بدأت أوربا خطواتها لفهم
ذاتها ومعرفتها من جديد عبر هذه النصوص حضارة عظيمة؛ فبدأوا بمساعدة المسلمين
والمسيحيين واليهود الأسبان في ترجمة ونشر الكتابات العربية الضخمة في الطب والفلك
والرياضيات والفلسفة التي وجدها في المساجد والمحاكم الأسبانية، وكانت تلك الوسيلة
التي اتصل بها الأوربيون للمرة الأولي بكثير من أعمال الأغريق القدامى التي فقدت
في الغرب والتي حافظ عليها العرب في ترجمات عربية وفي سياق ذلك صادفوا كتابات
عربية لمفكرين مسلمين كانوا قد استوعبوا أعمال الإغريق وتجاوزوها ليفتحوا مسالك
جديدة في الطب والفلسفة والعلم والرياضيات والأدب، وقد ترك الاشتباك مع النصوص
اثراً عميقاً على عديد من مجالات الحياة العقلية في أوربا؛ فقد استخدمت الكتابات
العربية المترجمة في الطب والفلسفة والعلم والرياضيات والأدب في العصور الوسطى
لعدة قرون وقرئت كتابات ابن سينا وابن رشد، ويؤكد التأثير القوي للعلم العربي
العدد الكبير من المصطلحات العلمية والرياضية في الغات الأوربية المشتقة من
المصطلحات أو الأسماء العربية .*(5)
لكن أوربا للأسف أعادت صياغة
دونيتها أمام هذه الثقافة العربية العظيمة في شكل من أشكال الاستعلاء والفوقية ودون
أن تلقي بالاً لـ «المشترك الإنساني».
وفي الفترة من 1840-1967 بدأ
طور جديد من أطوار الاستشراق وصارت باريس عاصمة للعالم الاستشراقى، ونجحت المؤسسات
الاستشراقية في استبناء بعض المعطوبين أخلاقياً واجتماعياً الذين يعانون مشكلات مع
مجتمعاتهم والذين تأثروا بآراء المستشرقين من أبناء الثقافية الشرقية، وتجنيدهم
لبث سموم «الاستشراق» أمثال رفاعة الطهاوي، ومحمد عبده، وقاسم أمين، وأحمد لطفي
السيد، وأحمد فتحي زغلول، وطه حسين، وعلى عبد الرازق، ومصطفى عبد الرازق، وأحمد
أمين، ومنصور فهمي، وعباس محمود العقاد، وسليمان مظهر، وأمين الخولي، ومحمد أحمد
خلف، وعبد العزيز الأهواني، ولويس عوض، وسلامة موسى، وتوفيق الحكيم، وزكي نجيب
محمود، وحسين فوزي، وجابر عصفور، ونصر حامد أبو زيد، ووائل غالي وغيرهم كثيرين!!.
.. وفي زمن الحركات التحررية
التي عمت أجزاء كبيرة من العالم مع نهاية فترة الخمسينيات والستينيات من القرن
الماضي وانحسار ثقافة الكلونيالية كثرت الكتابات الوطنية (ما بعد الكلونيالية)
التي تنتقد الاستشراق وتفند أكاذيبه، وبرز من بين أبناء البلدان المحررة نماذج
رفيعة للمثقف الإنساني المتأهب للتغريد خارج السرب والإنشقاق عن الخطاب السائد،
مثقف يمتلك أدواته البحثية لنقد مختلف خطابات التسييد التي باتت من المسلمات التي
لا يجوز مناقشتها!!، ومن ثم أصبح للإستشراق تبعات سيئة بعدما انكشفت عوراته
وانفضحت حقيقة أهدافه ومراميه.
وفي أغسطس 1973 أعلن المؤتمر
العام للاستشراق في باريس نهاية «عصر الاستشراق»، وأن هذا آخر مؤتمر دولي يحمل هذه
التسمية، لتصبح التسمية الجديدة «مؤتمرات العلوم الإسلامية الخاصة بمناطق العالم
الإسلامي»، وصار المستشرقون الجدد يعملون تحت مظلة: «مراكز الأبحاث Think Tank»، ويحملون مُسمى
«خبراء المناطق»، واتبعت كل مدرسة غربية أسلوبها الخاص في صياغة العلاقة الجديدة
بين «الاستشراق» والعلوم الأخرى، فالفرنسيون جعلوا منه علوماً اجتماعية إنسانية
بينما حاول الألمان تطوير الاستشراق بربطه بتطوير الفيلولوجيا واللاهوت، واهتمَّ
الاستشراق البريطاني بدراسةِ العقائد الإسلامية والدين الإسلامي في حين بقي آخرون
متمسكين بالفهم والوظيفة التقليديين للاستشراق، وذهب الأمريكان بهذه المراكز إلى
مستنقع الاستشارات السياسية والاقتصادية تحت عنوان «دراسات المنطقة» أو «الدراسات
المناطقية»، وأصبحت هذه المراكز في واقع حالها «اوكار للجواسيس» حيث يتواجد في
امريكا والاتّحاد الأوروبي ما يزيد على 5650 باحثاً ومتخصّصاً من أصول عربية
يمثلون واجهة فكرية للوبي الإسرائيلي في مراكز بحثية يشرف عليها ويمولها أنصار
إسرائيل العتاه بهدف الخلط بين القضايا البحثية والنزعات السياسية بما يخدم أغراض
الممولين ويدعم سياستهم عبر صيغ تم طبخها بإتقان واحترافية لتلقى رضاء الباحث
وقبول المتلقي، لكنها في واقع الأمر إساءات إلى شرف العلم !!
لم تتغير التسمية فقط،
وإنما تغيرت مواضيع البحث أيضا؛ فانصب اهتمام «المستشرقين الجدد» على القضايا
المعاصرة كالصحوة الإسلامية (الأصولية الإسلامية حسب تعبيرهم) أو «التطرف
الإسلامي»، والأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في العالم الإسلامي لقد
توارى الاستشراق التقليدي وراء هذا التوجه الجديد، دون أن يعني هذا أن هناك إغفالا
تماما للقضايا الاستشراقية التقليدية كدراسة العلوم الإسلامية المختلفة، كالقرآن
الكريم، والحديث النبوي الشريف، والفقه الإسلامي، والتاريخ الإسلامي واللغة
العربية وآدابها… إلا أن حضور هذه القضايا في الاستشراق المعاصر لم يكون بأبحاث
جديدة إنما بتعبئة مادة الاستشراق التقليدي في أوعية مختلفة الأشكال ومتنوعة
الألوان !! ..
وبرزت في الساحة أسماء بعض
المستشرقين الجدد مثل توماس فريدمان، دانييل بايبس، مارتن كرامر، جوديث ميلر، جيم
هوجلاند، تشارلز كروثماثر، جين كيرباتريك، إميرسون وغيرهم من المحسوبين على طبقة الخبراء
المتخصصين في دراسة الإسلام والعالم الإسلامي، وهم في حقيقتهم من العاملين في
مراكز البحث المأجورة للإدارة الأمريكية وجماعات الضغط في الولايات المتحدة،
وجميعهم تقريباً تلامذة في مدرسة المستشرق الصهيوني برنارد لويس، صاحب المقال
الشهير «جذور السعار الإسلامي»، والذي أسس لنزعة الإسلامو فوبيا الجديدة التي تحذر
من «الخطر الإسلامي».
الفصل
التاسع :
ــــــــــــــــــــــــ
القرآن الكريم .. ومطاعن الرهبان !!
في أحد اللقاءات التليفزيونية
من برنامج "البيت بيتك" على التليفزيون المصري سأل الإعلامي محمود سعد
البابا شنودة عن رأيه فيما يقوله أحد القساوسة عبر أثير إحدى الفضائيات القبطية
التي تبث إرسالها من أحد الأديرة على طريق القاهرة ـ السويس، ولها استويوهات مجهزة
بأحدث التقنيات في إحدى كنائس القاهرة، وبتجاهل قال البابا:
ـ .. ماذا يقول ؟!
ورد الإعلامي محمود سعد :
ـ يتبنى خطاب يحمل طعنا في
القرآن الكريم، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم .
.. ودون أن يُعير البابا
الأمر الاهتمام الواجب قال :
ـ الناس اللي بتهاجم، بتهاجم في نقاط معينة
بتقولها، النقاط المعينة.. المختصون هم
أصلح من يرد عليها، وتساءل : هل لا توجد قناة إسلامية بتهاجم المسيحيين ؟!!، وأضاف
قائلا أنه : «بيبعد نفسه عن هذه الأمور؛
لأن ـ على حد قوله ـ ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه.».
كانت إجابة البابا شنودة
تنطوي على شبهة رضاء رأس الكنيسة القبطية عن سفه ذلك المأفون المُهرف، وتنطوي
أيضاً على شبهة دعوة صريحة لـ «المسجالات»، ومقارعة الحجة بالحجة، ونبهت إلى أنه
لا يمكن التغافل عن تجاوزات بعض الخطاب المسيحي الديني انطلاقاً من إرث مسيحي ـ
يهودي واستشراقي خاصة أن تلك الواقعة قد تزمنت مع صدور كتاب تنصيري بعنوان : «هل
القرآن معصوم؟!» الذي توزعه بعض هيئات ومراكز تبشير، ادعى مؤلفه أن في القرأن ٢٤٣
خطأ، واتبعوه بكتيب تنصيري آخر بعنوان : «مستعدون للمجاوبة» للطعن في الإسلام
والمسلمين، وقام بعض شباب الأقباط بتوزيعه علانية هدايا مجانية!!.
كانت خزعبلات القس المأفون
التي لا يكف عن ترديدها لمغازلة جهلاء الأقباط لا تخرج عن إعادة صياغة شعوبوية
لترهات روبرت ريتيننسيس Robert Retenensis الشهير بـ «روبرت
الكيتوني Robert Of Ketoun» صاحب أول ترجمة
للقرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية في سنة 1143م، وما تلاها من ترجمة جورج سيل G. Sale - الصادرة عام 1734م - التي وضع لها مقدمة
طويلة شن فيها هجوما عنيفا ومضللا على القرآن المجيد، ولم يترك كذبة إلا ورماه
بها، فقد ادعى أن القرآن ليس وحيا، وليس معجزا، وانه مستمد في معظمه من اليهودية،
كما أدعى أن سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام هو مؤلف القرآن. يقول سيل: «أما أن
محمدا كان في الحقيقة مؤلف القرآن والمخترع الرئيسي له فأمر لا يقبل الجدل، وإن
كان من المرجح ـ مع ذلك ـ أن المعاونة التي حصل عليها من غيره في خطته هذه لم تكن
معاونة يسيرة.».
وبعد كل هذه الأباطيل
والادعاءات الكاذبة، لم يجد "جورج سيل" أية غضاضة في الاعتراف بأن الهدف
من ترجمته هو تسليح البروتستانت في حربهم التنصيرية على الإسلام والمسلمين؛ لأنهم
وحدهم قادرون على مهاجمة القرآن وأن العناية الإلهية قد ادخرت لهم مجد
إسقاطه".
وجاء ريتشارد بيل R .Bell ليقول أن :"محمد
قد ألف القرآن من عنديته واعتمد في معلوماته على القصص التاريخية مثل عاد وتمود
التي استمدها من مصادر عربية في حين أن الجانب الأكبر من المادة التي استعملها
ليفسر تعاليمه ويدعمها قد استقاها من مصادر يهودية ونصرانية.
.. واعتمد مونتجمري وات M .Watt على تلك التهاريف في
تأليف كتابيه الشهيرين:"محمد في مكة"*(1)، "محمد في المدينة"*(2)، ولم تكن آراء شيخ المنصرين "تيودور
نولدكه" لتغرد خارج السرب؛ فكتابه "تاريخ القرآن"*(3)، والذي يعد أصلا من أصول الثقافة
التنصيرية، ضم على صفحاته كل الشبهات التي أثيرت حول القرآن الكريم، وكلها مزاعم
تصب في اتجاه واحد أن محمد بن عبد الله ليس نبيا، والقرآن ليس كتابا سماويا، وإنما
هو من ألفه بعدما استعار ما استعاره من التوراة والإنجيل!!، قال نولدكة في وصف
القرآن وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إنه : «صائغ غير موهوب لسور قرآنية مشوشة
الأسلوب»!!، وجاء من بعده تلميذه «كارل بروكلمان» ليردد مثل ببغاء فقد وعيه تلك
الترهات في كتاب بعنوان : «تاريخ الشعوب الإسلامية»(4) لذي أرخ فيه بإيجاز مخل للشعوب الإسلامية
منذ البعثة حتى سنة ١٩٣٩ م من زاوية استشراقية قام فيها بالدس الخفي في كثير من
الحقائق وتأويل بعض الأحداث بما يخالف الحقيقة، وينطوي على ادعاءات واهية لجاهل لا
حظ له من العلم ولا سند له من التاريخ، وإنما هي مثل من سبقوه تنطوي على تخمينات
وافتراضات يضعها أصحابها كما لو كانت
حقائق ثابتة لا تقبل الجدل.
وكان أخر المدعين المستشرق
الفرنسي جاك بيرك الذي تلفع بصداقته الطويلة للعرب والمسلمين، واختبأ تحت لافتة
عضويته بالمجمع اللغوي المصري ووضع أحدث ترجمة للقرآن الكريم؛ ليوجه للإسلام
الطعنات الأمر الذي تصدت الباحثة الأكاديمية الدكتورة زينب عبد العزيز فكشفت
حقيقتها وكشفت زيفها بل وخبثها حيث أفردت لها كتاباً بعنوان «ترجمات القرآن إلى أين؟ وجهان لجاك بيرك»*(5).
.. ولأن الاستشراق ليس عملاً
فرداياً بل عمل جماعي منظم ومخطط له؛ فقد دافع عن ترجمة جاك بيرك المعيبة وائل
غالي في كتاب ـ في جزئين ـ صدر عن إحدي المؤسسات القومية الصحفية بعنوان : «ما بعد
الاستشراق»*(6)، وتولت مجموعات صحفية الدفاع عنها ـ أيضا ـ
عبر مقالات للرأي في الصحف المصرية والعربية .
كان من المؤسف أن ينساق بعض الملاحدة المحسوبين على الإسلام إلى تلك
الخزعبلات؛ فكتب أحد الماركسيين المنتمين لحزب التجمع المصري كتابين أحدهما
بعنوان: «سنوات التكوين في حياة الصادق الأمين"، والآخر بعنوان : «الجذور
التاريخية للشريعة الإسلامية» ضمنهما ما جاء في كتب المنصرين، وكان هذا الماركسي
هو الشيخ المُعلم لنصر حامد أبوزيد وسيد القمني منتحل صفة حامل الدكتوراة بأوراق
مصطنعة اللذان أخذا عنه فكره المعطوب !!
وأرتأى علماء المسلمين أن
الصمت قبول للدنية في ديننا، تحت سقف مزاعم مشبوهة عن «حرية التعبير» التي هى في
حقيقتها «حرية السفة والإسفاف والتسافل»، وأنهم لن يقبلوا بدفن الرؤوس في الرمال
إتقاء «الفتنة الطائفية» التي ينفخ البعض في جذوتها في حالة من الاستقواء على
إخوانهم في الوطن، وأنه لزاماً عليهم قياماً بفريضة: تبليغ الدعوة وإقامة الحجة
وإزالة الشبهة الرد على تلك الافتراءات التي تضمنتها هذه «المنشورات التنصيرية»،
وانبرى الأستاذ الدكتور محمد عمارة رئيس تحرير مجلة الأزهر بحكم واجبات موقعه في
نشر الدعوة ودحض ما يحاول البعض إلصاقه بها من افتراءات، وتصويب ما التبس على
البعض من متشابهات.. أصدر د. عمارة كتيب بعنوان: «تقرير علمي»*(7) ذكر فيه أن المسيح عليه السلام جاء بإنجيل
ـ أى بشارة بشر بها باللغة الأرامية ـ فأين هو هذا الإنجيل؟! .. إنجيل المسيح ..إن
العالم كله بجميع كنائسه لا يملك نسخة واحدة من هذا الإنجيل.. إنجيل السيد المسيح
ـ عليه السلام ـ، إن الأناجيل الأربعة المعترف بها، والتي في يد كافة الطوائف
المسيحيية منتج بشري، وأنها لا تزيد عن كونها عبار عن «سير» و «قصص»" وخواطر
وانطباعات لبشر (متعددون أومختلفون) جاءوا
بعد المسيح فلم يروه ولم ينقلوا عنه دونوا فيها ما سمعوه عن ظهور السيد المسح ـ
عليه السلام ـ ومن هنا فإن الإنجيل الذي جاء به السيد المسح ـ عليه السلام ـ لا
وجود له لدى أي كنيسة من كنائس النصرانية ولا لدى أي نصراني في هذا العالم !! .
تقول دائرة المعارف
البريطانية (أوثق وأشهر دوائر المعارف في العالم المسيحي) عن الاناجيل الأربعة
أن إثنان منها كتبهما اثنان من الجيل التالي لجيل المسيح ـ أى تابعي صحابة المسيح
ـ فمرقص تلميذ لبطرس الحواري، ولوقا تلميذ لبولس، فليسا شاهدين على ما كتبا،
وإنجيل يوحنا ترجع الدراسات المستندة إلى بعض نصوصه أنه كتب بواسطة يوحنا آخر ـ
غير يوحنا الحواري ـ في نهاية القرن الأول الميلادي؛ فنحن أمام ثلاثة أناجيل من
أربعة لا علاقة لها بعصر المسيح، كما تقول (دائرة المعارف البريطانية) عن إنجيل
متى:" أن كون متى هو مؤلف هذا الإنجيل أمر مشكوك فيه بجد"، وتقول عن
إنجيل لوقا : "إن مؤلف هذا الإنجيل بطل مجهول".
.. كما أن نصوص هذه الأناجيل
تغيرت ألفاظها مرات عديدة بالنقل إلى العديد من اللغات الأمر الذي باعد بين
ألفاظها في هذه الترجمات، وبين أصولها بعداً شديداً؛ فإنجيل متى مثلاً قد كتب
بالآرامية لا بالعبرية ثم ترجم إلى اليونانية .. وضاع الأصل وبقيت الترجمات !!
.. كما أن تاريخ كتابة
هذه الأناجيل متأخر عن عصر المسيح عليه السلام وتاريخ وفاته؛ فأقدم هذه الأناجيل
(كما تذكر دائرة المعارف البريطانية) هو انجيل مرقس الذي كتب ما بين سنة ٦٥ و٧٠ أي
بعد أى بعد ثلاثين سنة من رفع المسيح، وانجيل متى كتب ما بين سنة ٧٠م و٨٠م، وانجيل
لوقا كتب سنة ٨٠ م، أما انجيل يوحنا فقد كتب في نهاية القرن الأول الميلادي أي بعد ١٠٠ سنة .
وفور صدور تقرير د. عمارة
ملحقاً مجانياً بمجلة الأزهر قام القائمون على الكنيسة بدفع جحافل من المحامين
الأقباط لتقديم البلاغات بحق الدكتور عمارة بتهمة أزدراء ديانه سماوية منزّلة،
ومثل د. عمارة أمام جهة التحقيق، وخلصت
تحقيقات النيابة العامة في هذه البلاغات إلى القرار بالحفظ الإداري!!، فلم يأت
الدكتورة عمارة لفظاً واحداً يسئ إلى المسيحية أو رموزها، وأن ما ذكره جاء في إطار
البحث العلمي منتهجاً بنية سردية للرد على بعض الجهلاء المتبجحين الذين اعتادوا
الإساءة إلى الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ثورة الكنيسة على نشر
الكتيب وطلبها منعه من التداول فعل الأزهر ذلك، محافظة على مشاعر الأقباط .
.. وانبرى الأستاذ الدكتور
صلاح عبد الفتاح الخالدي في عمّان (أردني الجنسية) للرد على كتاب «هل القرآن
معصوم؟!» في كتاب بعنوان: «القرآن ونقض مطاعن الرهبان»*(8) فند فيه بالحجة الدامغة أكاذيب المنصرين
وفضح جهلهم باللغة العربية والتاريخ والعلوم !!
.. وجاءت رؤيتا الرجلين من
القاهرة وعمّان لتتكامل مع شهادة شاهد من أهلها من لندن في صياغة «شهادة حق» ضد من
احترفوا قول الإفك وشهادة الزور ورمي الناس بالباطل؛ فقد نشر البروفيسور جون إينوك
باول أستاذ اللغة اليونانية القديمة بجامعة كامبردج كتاباً بعنوان: «تطور الإنجيل The Evolution of The Gospel»*(9)0
بحث إينوك في كتابه طروحات جريئة حول تاريخ نشوء الأناجيل وفحواها،
بالإضافة إلى نقد نصي مفيد يتناول العديد من معطياتها، التي كانت لوقت طويل تعتبر
شيئاً بديهياً مسلماً به؛ فأثبت الباحث بطرحة العلمي أن هناك جوانب كثيرة تحمل
أغاليط في تفسيرها، وفهمها أو خلللاً في دقة ترجمتها، أو في أضعف تقدير هناك حاجة
موضوعية ملحة لإعادة دراستها وصياغة ترجمتها بنزاهة ومنهحية علمية دقيقة بعيدة عن
الأهواء والانحيازات المتعاطفة أو المتحاملة.
بدأ باول في إعادة النظرفي
ترجمة أنجيل متى من اليونانية وهي اللغة التي ترجم منها إلى الإنجليزية، فقام
بإعداد ترجمة جديدة لهذا الأنجيل، وبعد ذلك قام باول بدراسة نقدية بين فيها أراء
قيمة حول فحوى إنجيل متى، وتتبع مواطن النقل منه وإليه، وما بينه وبين الأناجيل
الثلاث الأخري المعترف بها؛ فأثبت بدلائل علمية مدعمة بالقرأئن عدة حقائق :
1 ـ أن انجيل متى يعتبر أقدم
الأناجيل المعترف بها (متى ـ مرقص ـ لوقا ـ يوحنا) وليس إنجيل مرقص .
2 ـ أن هناك متناً للإنجيل قد
اختفى، أو تم إخفاؤه عمداً، فضاعت أثاره، وأن المتن الحالي لإنجيل متى ـ أقدم
الأناجيل ـ يرجع إلى فترة تقع حوالى مائة عام للميلاد في أبعد تقدير، وكان ذلك
العمل تالياً لوضع المتن الأصلي الأسبق، الذي يحدد لباحث تاريخة بعد عام 70 م، وكل
هذه التواريخ متأخرة عن زمن حياة السيد المسيح عليه السلام .
قادت هذه النتائج الباحث إلى
استنتاج هام وخطير للغاية وهو أن النص الأصلي للمتن الأول السابق لإنجيل متى قد
تعرض لتحريفات وتعديلات جذرية على متنه خلال عملية استنباط إنجيل متى منه، وبعده
إنجيلي مرقس ولوقا، وهذه التحريفات والتعديلات ادت ـ حسب ما خلص إليه الباحث ـ إلى
تحريف العقيدة الدينية للإنجيل بل إلى طمسها، وهذا نص الباحث في تلك الجزئية كما
جاء في كتابه بالحرف الواحد :
In this; served (I. e; alternatives) to obscure or counteract what must have been the doctrine of underlying book
وترجمتها :
ـــــــــــــــــ
«وبهذا؛ خدمت (أي البدائل) في
إخفاء أو مواجهة ما يجب أن يكون عقيدة الكتاب الأساسي».
3 ـ تبين لباول أن هنالك أجزاء
وردت مكررة في هذا الإنجيل مما يوحي بأنه أعيدت كتابتها في مرحلة تالية، وأهم
الوقائع المكررة ما ورد في الجزء الأخير من الإنجيل، الذي يتعلق بمحاكمة المسيح
وصلبه فقد لاحظ المترجم أن هذه المحاكمة، بعد انتهائها أمام الكاهن الأكبر، تعود
فتتكرر مرة ثانية- بالكلمات ذاتها- مع فارق واحد أن المحاكمة الثانية- بعكس
المحاكمة الأولى- تنتهي بتنفيذ حكم الإعدام فيه عن طريق الصلب- واستنتج الباحث أن
استخدام الألفاظ المستعملة نفسها في المحاكمة الأولى- لصياغة قصة المحاكمة
الثانية، على رغم تغير الظروف، يوحي بالتكرار المتعمد وليس بالإشارة إلى حدث جديد،
وأعرب المؤلف عن اعتقاده بأن النتيجة الطبيعية للمحاكمة الأصلية أمام مجلس الكهنة-
في حالة الإدانة- لم تكن هي الصلب، وإنما الرجم بالحجارة.
وقال باول أن قصة صلب المسيح
التي وردت في باقي الأناجيل، إنما جاءت عن طريق نقل الرواة اللاحقين لما وجدوه في
إنجيل متى بعد أن كان التعديل أدخل عليه، ولم ترد هذه القصة في مصدر آخر، وفي رأيه
أن إنجيل متى ليس فقط أول الأناجيل وإنما مصدرها الوحيد كذلك. والمشكلة التي
يواجهها الباحثون هي ان الأناجيل الأربعة هي المصدر الوحيد لقصة صلب الرومان للسيد
المسيح، ولو ثبت ان رواية الأناجيل هذه كانت نفسها إضافة لاحقة ولا تمثل حدثا
تاريخيا، فإن هذا سوف يؤدى إلى ضرورة إعادة النظر في قبول ما ورد في قصة الأناجيل
باعتباره لا يمثل الحقيقة التاريخية للأحداث.
4 ـ ويرى باول أنه من
المستغرب أن قصة صلب المسيح وردت في أناجيل العهد الجديد الأربعة، ولكن لم توجد
أية إشارة ـ ولو بسيطة أو عابرة ـ عن هذه الأحداث في المصادر التاريخية المعاصرة
لتلك الفترة، سواء في ذلك المصادر الرومانية أو اليونانية أو اليهودية. والمصدر
الوحيد الذي جاء به ذكر يسوع المسيح كان كتابات المؤرخ اليهودي يوسيفوس، ولكن تبين
للباحثين منذ القرن السادس عشر أن هذه القصة ـ التي لا تتجاوز بضعة أسطرـ إنما هي
إضافة لاحقة إلى الكـتاب ولم تكن ضمن النسخ الأولى منه، فلا شك في أن بعض الناسخين
المسيحيين أضافها في مرحلة متأخرة.
تقول الروايات الإنجيلية :
"حاول بيلاطس الإفراج عن عيسى بمناسبة عيد الفصح إذ لم يجد مبررا لعقابه،
ولكن رؤساء الكهنة حرضوا الجموع على المطالبة بصلب المسيح فخضع الوالي لرغبتهم؛
"فأخذه الجند، ولما أتوا إلى موضع
يقال له جلجاثة... أعطوه خلا ممزوج بمرارة ليشربها ولما صلبوه اقتسموا ثيابه...
ومن الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض إلى الساعة التاسعة... فصرخ يسوع أيضا
بصوت عظيم وسلم الروح".
وتنتهي القصة الإنجيلية
بقيامة المسيح من بين الأموات في اليوم الثالث، واختفى جسده من المقبرة التي وضع
بها، ثم ظهر لحوارييه وحثهم على نشر التعاليم المسيحية بين الأمم.
ولهذا فإن النتيجة التي توصل
إليها باول أخيرا من أن النسخة الأصلية من إنجيل متى لم يكن بها ذكر لصلب المسيح،
لم يعد من الممكن تجاهلها، وهو يرى أن انجيل متى لا يمثل سردا تاريخيا لحياة السيد
المسيح، وإنما هو في حقيقته جدل لاهوتي قدم بطريقة الرمز والمجاز. ولهذا فإن تحديد
وقت ميلاد المسيح بعصر الملك هيرودوس لا يعتبر تحديداً تاريخيا، لأن التحديد
التاريخي- بحسب قوله- عادة ما يذكر اليوم والعام الذي تمت فيه الحادثة، ولا يكون
على إطلاقه. فتعبير "في أيام الملك هيرودوس" يبدو وكأنه بداية قصة وليس
تاريخا لواقعة.
لماذا يرفض العلماء والمترجمون
المسلمون ترجمة القـرآن الكـريم ؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أثبتت الدراسات التي قام بها
العرب والمسلمون أن هؤلاء المستشرقين الذين يدعون فهم العربية هم في الواقع لا
يحسنونها، وعلى الرغم من هذا الجهل الواضح باللغة التي تعد أداة العمل العلمي الذي
يزعمونه؛ فهم يصدرون أحكاماً مغرضة من حيث الشكل والمضمون وأمانة تنزيه القرآن
فيما يكتبونه من مقدمات علمية ليست في الواقع سوى معاول هدم متعددة الأوجة تدور
حول محور أساسي واحد هو : زعم أن القرآن عقبة في سبيل ارتقاء الأمم الإسلامية !!
في اطروحتها المقدمة لجامعة
الملك سعود بعنوان: «بعض المشاكل التي تعيق ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة
الفرنسية» تري الأستاذ الدكتور هدى جميل برنجي أن الصعوبة في عملية الترجمة تكمن
في إعجاز أسلوب القرآن ونظمه العربي وفي نثره الإيقاعي وحبكته القصصية وتنسيقه
البارع بين المعاني وموسيقى الكلمات، والمشترك اللفظي في القرآن، والاختلاف في
تفسير معاني القرآن الكريم من الجانب اللغوي والجانب النحوي، وتعدد دلالة المفردة
في السياق القرآني واختلاف اللغة العربية مع غيرها من اللغات الأخرى فيما يتعلق
بالحقول الدلالية للكلمات إضافة إلى خصيصة الغائية ومعناها استعمال اللغة
استعمالاً موجها بدقة عاليه لتأدية معان مقصودة؛ حيث وُضع كل لفظ من ألفاظه بحكمة
بالغة ليؤدي معنى محدداً لا يؤدية لفظ آخر سواه مهماً كان قريباً منه في المعنى
ومن الأمثلة الدالة على ذلك الفرق الدقيق بين «الغيث» و «المطر» في الاستعمال
القرآني؛ فلقد فرقت لغة التنزيل العزيز بين «المطر» و«الغيث»؛ فكان المطرعذاباً
وشراً ونذير بالويل والثبور وكان الغيث رحمة وخيراً ونعماً.. وكذلك الفعل «يعرج»،
و «العروج» سير الجسم في خط منعطف منحني، وقد اثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن
حركة الأجساد في الكون لا يمكن ان تكون في خطوط مستقيمة بل لا بد لها من التعرج
والانحناء نظراً لانتشار المادة والطاقة في كل الكون؛ فأي جسم مادي ـ مهما عظمت
كتلته او تضاءلت ـ لا يمكنه التحرك في الكون إلا وفق خطوط منحنينة، وأن كل جرم
متحرك في السماء مهما كانت كتلته محكوم بكل من قوى الجذب والطرد المؤثرة هذا ما
يصفه القرآن الكريم بـ «العروج»، ولولا معرفة حقيقة عروج الأجسام لما تمكن الإنسان
من إطلاق الأقمار الصناعية، ولما استطاع غزو الفضاء، ولقد وصف الحق سبحانة وتعالى
عملية «الصعود إلى السماء» باستخدام الفعل «يعرج»، ولم يقل «يصعد» كما وردت في
ترجمات عديدة معتمدة من مؤسسات دينية!!
وأيضا كلمتا «البحر المسجور»
وكلمة مسجور تعني «الموقد المُحمى بإشعال النار» وتعني أيضا «الممتلئ والمحبوس»؛
فقد اكتشف علماء الجيولوجيا مؤخراً أن جميع المحيطات وبعض البحار مثل البحر الأحمر
وبحر العرب متوقدة، أما بالنسبة للمعنى الثاني «البحر الممتلئ بالماء الذي يتم
حجزه عن التعدي على اليابسة فيغرقها»، بالنسبة للمعنى الأول فقد قال به محمد حميد
الله بلفظة «ébullition والتي تفيد الغليان أو الفوران» وأغفل الثاني في ترجمته المجازة
من الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في السعودية
والتي نشر ها مجمع اللملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، بينما أخذت
الترجمة المعتمدة من الأزهر بالمعنى :«Pleine وتفيد الممتلئ» وقد
أغفلت المعني الأول، بما يعني أن الناطق بالفرنسية القارئ للترحمتين سيجد نفسه بين
معنيين مختلفين تماماً وكل منهما مجاز من هيئة إسلامية كبيرة لها ثقلها كالرئاسة
العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في السعودية والأزهر في
مصر .
وترى د. هدى جميل أن ترجمة
معاني هى ترجمة من نوع خاص لأن القرآن كلام الله عز وجل؛ ولهذا فقد اتفق العلماء
والمترجمين المسلمين أن القرآن الكريم غير
قابل للترجمة، ولا يستطيع مخلوق أن يترجم كلام الخالق سبحانه وتعالى، ولكن محاولات
لترجمة معانيه وتوصيلها للناطقين بغير العربية، وقد انتهج المترجمون المسلمون
منهجين في ترجمة معاني القرآن الكريم:
النهج الأول :
ـــــــــــــــــــــ
الترجمة الحرفية اللفظية
وهى نقل الكلام من لغة إلى لغة مع محاكاة النص الأصلى في نظمه وترتيبه، وفي هذا
النوع من الترجمة يقصد المترجم إلى كل كلمة في اللأصل فيفهمها ثم يعمد إلى كلمة
تساويها في اللغة الأخرى، ويؤدي ذلك في معظم الأحيان إلى اضطراب العبارة بسبب
اختلاف اللغتين مما يوقع المتلقي في سوء الفهم أو عدم الاستيعاب؛ فإذا كان القارئ
بالعربية يحتاج حين قرأته للقرآن في كثير من الأحيان إلى شرح للعبارات أو تفسير
للمعاني، فكيف بالقارئ الناطق بغير العربية ؟!
النهج الثاني :
ــــــــــــــــــــــ
الترجمة التفسيرية الموضوعية
ويراعى فيها المضمون الإجمالي، وهذا ما تفق عليه معظم علماء الدين، وهنا يقوم
المترجم بنقل المعنى والاهتمام بالجوهر دون الشكل فهو يقصد إلى المعنى العام للنص
المراد ترجمته فيصوغه في عبارات تؤدي معناه من اللغة الأخرى من غير مراعاة لمفردات
الأصل .
وتخلص د . هدي في أطروحتها
إلى أنها تميل لأن التكون الترجمة ترجمة لتفسير معاني القرآن الكريم على أن يذكر
أنها ليست قرآناً وليس لها خصائص القرآن وإنما هي ترجمة لبعض المعاني التي فهمها
العلماء.
بينما يرى د. المولودي ابن
إسماعيل عزيز في أطرحته التي قدمها إلى جامعة أم القرى بعنوان : «االمشترك اللفظي
وترجمة معاني القرآن الكريم : دراسة وتمهيد لمعجم عربي ـ إنجليزي»،.. ومفهوم «المشترك
اللفظي» يعني استخدام اللفظ الواحد في القرآن بمعان متعددة دون أن تكون هناك علاقة
في الظاهر بين هذه المعاني، باعتبار اللفظة ومشتقاتها على السواء دون أن تكون
الكلمة المشتلركة على لفظ وحركة واحدة، وخلص د. المولودي إلا أن الدراسة تمهد
لإصدار معجم عربي ـ إنجليزي للمشترك اللفظي في القرآن الكريم يكون مرجعاً لمفسر
مفردات القرآن والمترجم لمعانيه والباحث في لغته ودلالات ألفاظه .
***
لكني أرى أن كل ترجمات القرآن الكريم ـ
تقريباً ـ التي بين أيدينا ينطوي أكثرها على تسطيح يهتم بالقشور في الموضوعات
والقضايا الكبيرة، دون النظر إلى الجوهر أو الغوص في الأعماق، وبعضها ينطوي على
تبسيط مخل للمعاني القرأنية!!؛ لذا فإني اقترح ترجمة لمعاني القرأن مع التأكيد
أنها مجرد تأويلات لمعاني القرآن وليست قرآن.
الفصل
العاشر :
ــــــــــــــــــــــــــ
المؤامرة على لغة القرآن
!!
أدرك المستشرقون فشل
محاولاتهم المتعددة والمتنوعة للطعن في القرآن الكريم والإساءة إلى نبيه سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم؛ فزين لهم سوء عملهم محاولة اغتيال لغة القرآن لسد الدروب
لفهم آياته وتجفيف منابع اللغة العربية حتى لا يمكن الإبحار بين طلاوته وحلاوة
لغته ورصانة بنائة، وما يستتبع ذلك من قطع العلاقة بين المسلمين وعقائدهم وتاريخهم
وحضارتهم؛ فقد عرف الكهنة المنصرون أنه ما
دامت اللغة العربية حية تجري على ألسنة الناس تسمعها أذانهم وتفهمها عقولهم
وتعقلها نفوسهم ، فإنهم لا يزالون قادرين على فهم الإسلام، ومن هنا حاول أعداء
الإسلام بكل ما أوتوا من الحيل والخداع للحط من شأنها بادعاءات ساذجة سمجة؛ فلا هم
متحدثون بها ولا هم سماعون له؛ فروجوا السخافات بأن اللغة العربية سبب تخلف الشعوب
العربية وأن الإصلاح «المزعوم» يبدأ بـ :
1ـ إلغاء اللغة الفصحى وحصرها في المساجد باعتبارها لغة دينية فقط .
2 ـ إلغاء الحرف العربي والاستعاضة عنه بالحرف اللاتيني .
3 ـ الاهتمام بدراسة اللهجات العامية، والتراث الشعبي العامي .
4ـ التفريق بين لغة الكلام والكتابة .
وقد تنبهت لتلك الكارثة وأنا بصدد الإعداد لكتابي بعنوان: «حرب المعلومات»
عندما واجهتني صعوبة نقل بعض المصطلحات اللاتينية إلى اللغة العربية ..
بالطبع لم يكن العيب في
اللغة العربية بما لها من حيوية وقدرة على تجديد نفسها فضلاً عن مرونتها في
الاشتقاق وخصوبتها في التوليد اللغوي إذا ما تعهدتها عقلية جادة ذات طبيعة علمية
متخصصة، وخلصت نوايا الإنجاز، وهي سمات حملت إليها الكثير من صفات الإعجاز التي
ميزتها عن غيرها من اللغات وجعلت لها اليد العليا على لغات سائر البشر وليس أدل
على ذلك من دخول عشرة آلاف كلمة عربية إلى اللغة الإنجليزية وحدها.. بينما لم تدخل
إلى اللغة العربية أكثر من ألف كلمة من مختلف لغات العالم .. وأيضًا كانت العربية
طوال تاريخها قادرة على التحدث بطلاقة بلغة العلم وليس أدل على ذلك من أن العلماء
المصريين قد قاموا بترجمة 86 مرجعاً في الطب والتي انتهت تجربتهم بقرار اللورد
كرومر في سنة 1903 بتغيير لغة الدراسة في مدرسة الطب من العربية إلى الإنجليزية!!
.. لم يكن العيب في اللغة
العربية بل كمن في خمول العقل العربي في عقوده الأخيرة عندما ابتعد عن معالجة
القضايا التفكيرية والعقلية والعلمية وما استتبع ذلك من فقدان المفردات المناسبة
لبعض ما يتم تداوله من المصطلحات الأجنبية في الاستعمال الشائع؛ بسبب ضعف حركة
التنظير اللغوي وإعداد المعاجم والاتجاه نحو إعداد اللغة للترجمة الآلية؛ ولذا
أصبح من الصعب إيجاد المصطلح الملائم للغة العربية من جهة، والقارئ العربي من جهة
أخرى، وقد انقطعت محاولات التنظير اللغوي بعد محاولات جادة في نهاية القرن 19 قام
بها أحمد فارس الشدياق، ومنذ ذلك الحين لم نشهد سوى بعض مبادرات مغربية في مجال
التنظير اللغوي وتونسية في مجال المعجمية وسورية في مجال التعريب وبعض محاولات من
مهندسي تكنولوجيا المعلومات لصك مصطلحات عربية في مقابل نظيرتها اللاتينية لكاد
المشهد اللغوي لدينا يخلو من أي جديد وقد أضافت تلك المحاولات الجادة دليلاً
جديدًا لما أسس له العلماء المصريون في الطب.
.. وقد جعلتني تجربتي
الشديدة الخصوصية في الكتابة عن «حرب المعلومات»
أبحث في المحاولات المزعومة لتجديد اللغة العربية لعلي أجد عليها هدى
مستعينًا بما أتاحته لي من دراية دراستي لـ «فقة اللغات الأوربية Philology» في كلية الآداب جامعة القاهرة؛ فوقفت على
محاولة رفاعة الطهطاوي بإدخال بعض من العامية في الفصحي تحت مسمى «ضبط العامية
واستخدامها في الكتابة»!!، ومحاولة قاسم أمين باستبدال الفصحي بالعامية، وتسكين
أواخر الكلمات عوضا عن الإعراب واستبدال حروف الكتابة العربية بالحروف اللاتينية
بزعم عدم القدرة على تطويع الحرف العربي بما يتناسب مع منظومة الطباعة وهو ما
كذبته الأحداث فاليوم نشهد مئات الأبناط والفونتات التي تستخدم جماليات الخط
العربي وانسيابة وتناسقه في منظومة الطباعة، ونشهد اندماج اللغة العربية الكلي في
شبكة الإنترنيت، وظهور آلاف المواقع والمعاجم الإلكترونية، واعتماد التدقيق
الإملائي والترجمة الآلية، من وإلى اللغة العربية، بما يؤكد بالأدلة القاطعة
والبراهين الساطعة متانة وقوة موقع اللغة العربية العلمي، الذي يجعل منها لغة
العصر الحديث، كما كانت لغة العصور الغابرة، بالرغم من كل الصراعات والمؤامرات.
.. وقد تيقنت أن تلك الأفكار
التي قدمت إلينا في أثواب علمية في ظاهرها بينما باطنها يتسع للكثير من الأهداف
المغرضة إنما هي «حرب فكرية» تعد امتداداً
نفسيًّا وعقليًّا للحروب المسماه زوراً بـ «الصليبية» .. حرب همها ابتلاع تاريخنا
والسيطرة على مقدراتنا ونهب ثرواتنا.. حرب تسود فيها النفوس بظلام الأحقاد !!، ..
ولا تمت تلك الأفكار للعلم بصلة وغير مبرئة من عبث الأصابع القذرة للاستعمار
والاستشراق والتبشير لإحكام السيطرة على المستعمرات وتجنيد الجواسيس والاتصال
بالعوام من ناحية، ومن ناحية أخرى هدم اللغة العربية، وقطع علاقة العرب بماضيهم
والقرآن الكريم وسنة النبي الكريم، وتفتييت وحدتهم اللغوية، ولم تكن مزاعم تجديد
اللغة العربية سوى إعادة إنتاج لما خلفته معاهد الدراسات الشرقية في أوربا (مدرسة
نابولي للدرسات الشرقية ـ 1737 ، ومدرسة القناصل في فينا ـ 1754، ومدرسة باريس
للغات الشرقية الحية ـ 1759 وغيرها من المدارس في المجر وروسيا وانجلترا) والتي تم
الاستعانة فيها ببعض العرب من الشوام والمصريين، وانتجت كتاب بعنوان : « أحسن
النخب في معرفة لسان العرب» تأليف محمد
عياد الطنطاوي ـ طبع ليبزج 1848، وكتاب آخر بعنوان: «الرسالة التامة في كلام
العامة والمناهج في أحوال الكلام الدارج» تأليف ميخائيل الصباغ ـ طبع في
استرازبورج 1886.
وكانت تلك الكتب النواة لما كتبه الألماني د . ولهلم سبيتا مدير دار الكتب
بالقاهرة في كتاب بعنوان : «قواعد العربية العامية في مصر» الذى ظهر عام 1880، وجهود وليم ويلكوكس مهندس
الري الإنجليزي، وكتاب بعنوان : «اللهجة العربية الحديثة في مصر» لكارل فولرس مدير دار الكتب أيضا بالقاهرة ـ
سنة 1890، وكتاب بعنوان : «العربية المحكية في مصر» لسلدن مور القاضي الإنجليزي ـ
1901 وكتاب بعنوان: «المقتضب في عربية مصر» من تأليف أ . باول قاضى بالمحاكم
الأهلية وزميله د. سي . فلوت أستاذ اللغات الشرقية في جامعتي كمبردج وكلكتا ـ 1906
.*(1)
نثر هؤلاء بذرة النبتة
الخبيثة فى تربة الوطن وراح الوكلاء عنهم comprador ممن ابتليت بهم الأمة ممن يطلق عليهم «عملاء
الصفوة» ترديد تلك المزاعم، ولم يكن هؤلاء العملاء سوى بعض الصنائع الذين يدعون
لهم ويرفعون من شأن علمهم ويتظاهرون في نشر سمومهم بأنهم هم المبتكرون لما ينقلونه
عن سادتهم وصانعيهم، ولم يكن هؤلاء العملاء سوى أحد صنفين ، الأول يعاني كساحاً
فكريًّا ويرى في العمالة مكاسب تعوضه عن عاهته، والثاني يرى في العمالة استجابة
لعداء موروث يصرخ في دمه، ويحاول إسكاته بنشر سموم الأعداء بين أهل وطنه .
دون أن يتوقف هؤلاء العملاء
لبرهة للتساؤل : لماذا لا يطبق محركوهم ادعاءاتهم على لغات بلادهم؛ فالفصحى
والعامية موجودتان في كل اللغات الأوربية، ومع ذلك لم نشهد محاولات لإحلال العامية
في مكان الفصحى؟!!، ولماذا لم تلق الدعوة إلى لغة الاسبرنتو أى تجاوب من المواطن
الأوربي !!
وتتابعت المحاولات التي
تنطوي على شبهات.. ففي سنة 1913 كتب أحمد لطفي السيد عدة مقالات في مجلة
«الموسوعات» بعنوان : «مشخصات الأمة» نادى
فيها بإصلاح الحروف العربية؛ كي يقرأ القارئون اللغة قراءة صحيحة من غير أن
يتعلموا النحو والصرف*
(2) ، وهى محاولة لا
تنطوي على أي فهم لطبيعة اللغة العربية وقواعدها وأساليبها وسياقاتها اللغوية
وأدواتها التعبيرية.
وفي سنة 1943 قدم عبد العزيز
باشا فهمي في كتابه بعنوان : «الحروف اللاتينية لكتابة العربية» مشروعاً ساذجا
ادعى أنه محاولة لإصلاح الحروف العربية باستبدالها بالحروف اللاتينية كما حدث في
تركيا *(3) تلك المؤامرة على حروف اللغة التركية التي
قطعت العلاقة بين المواطن التركي وتاريخه.
والقرآن واقتلاع الدين بجعل
الآذان وتلاوة الصلوات في المساجد باللغة التركية بعد ترجمة القرآن إلى التركية ..
والتي قادها مجموعة السان سيمون الأتراك، وكانت رأس حربتهم السيدة لطيفة التي تم
دسها على أتاتورك بطريقة مفضوحة؛ فملكته وجعلته لعبتها ولعبتهم بعده أن قضت سنوات
في دراسة متقنة للمخطط في أقبية السربون، فلم يكن يُعرف عن أتاتورك سابقة اهتمام
باللغة؛ فالمرأة أحد أهم وسائل تجنيد العملاء، وتطويعهم لما يُوكل إليهم من مهام
والرقابة على أدائهم؛ وهو ما يفسر زواج الكثير من العناصر «الناقلة للعدوى» من
أجنبيات؛ فهولاء النسوة مكلفات بالعمل لصالح مخابرات بلادهن.
ففي صيف سنة 1928 أعلن
أتاتورك عن «البدعة» الجديدة بكتابة التركية بالحرف اللاتينية، وشرع يطوف بأنحاء
البلاد حاملاً سبورة وطباشير ليشرح طريقته الجديدة، وجلس الناس في المقاهي ومع كل
منهم لوح ارتوازي يعلم بعضهم بعضا بعد أن حدد أتاتورك يوماً يصبح فيه أي متخلف عن
إتقان الكتابة الجديدة عرضة لعقوبات قاسية منها الطرد من الوظيفة والتجريد من
الجنسية، بل والنفي من البلاد أو الاعتقال في السجون .* (4)
وتبع أحمد أمين نهج عبد
العزيز باشا فهمي بكتابة مقالات في مجلة الثقافة، وإلقاء محاضرة بمجمع اللغة
العربية دعى فيها لذات الدعوة التي تنطوي على شبهة بعد أن وقع في حبائل المستشرقين
الذين نقل عنهم، ونال على أيديهم المكانة الوظيفية بغير استحقاق، والثروة والحضور
الدائم في محافل الاستشراق، وهو ما يطلق عليه : «الغواية بالمصلحة»، وتتلخص دعوة
أحمد أمين في:
« أن نبحث أن تكون لنا لغة
شعبية ننقيها من «حرافيش» الكلمات ونلتزم في أواخرها الوقف من غير إعراب وتكون هي
لغة المخاطبات ولغة الكتابة للجمهور ولا تكون اللغة الفصحي إلا لغة المثقفين ثقافة
عالية من طلبة الجامعة وأشباههم .».
وفي مارس 1945خرج علينا سلامه
موسى بكتاب بعنوان «البلاغة العصرية واللغة العربية»، وبطـريقة «وثبات الضفدعة Leapfrogging» راح ينتقل مما زعم أنه مسلمات إلى ما توهمه
نتائج دون فهم أو روية أو إدراك أنه غير مؤهل للبحث، فكل مؤهلاته هو شهادة
الابتدائية من إحدى المدارس التابعة لإحدى الجمعيات المسيحية، وقدرة على المجاهرة
بالسوء بالدعوة إلى الاندماج في الغرب وقطع العلاقة بالشرق، والزواج من الأوربيات
لتحسين النسل، ودعوة ابنه إلي ممارسة الفجور. وفي ذات الإطار ادعى أن تأخرنا
اللغوي هو سبب من أعظم الأسباب لتأخرنا الاجتماعي، وأطلق ما اسماه بـ « السيادة اللغوية»
وأنها كانت عنصر الحسم في انتصار الإنسان الأوربي المهاجر إلى أمريكا على السكان
الأصليين متخطيًا السجل الإجرامي للإنسان الأوربي في القتل والإبادات الجماعية، ..
ووصم اللغة العربية بـ «اللغة الخرساء»، وأنها ليست لغة «جوية» أي أنها لا تنقل
لنا جو الحديث وشبهها بلغة الكهان، وكرر دعوات من سبقوه .* (5)
والحقيقة أنه يمكن تفهم دوافع شخص مثل سلامة
موسى يعاني حالة من عدم القدرة على التكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه باعترافه في
مقدمة كتابه بعنوان : «تربية سلامة موسى» فيقول:
«إني منعزل عن المجتمع
الذي أعيش فيه لا أنساق معه في عقائده وعواطفه ورؤياه ، وعندئذ تكون هذه الترجمة
التبرير لموقفي من هذا المجتمع وهو موقف الاحتجاج والمعارضة ، فأنا أكتب لأسوى
حسابي مع التاريخ.»*(6).
وفي السياق ذاته خرج علينا د .
لويس عوض في يناير 1981 بكتابه الصادر عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعنوان :
«فقة اللغة العربية» الذي تمت مصادرته بحكم قضائي لمحكمة جنوب القاهرة في سبتمبر
من نفس العام، .. ولم يستطع د. لويس عوض أن يقيم دليلاً علميًّا على ما أورده
مكتفيا بكلام مرسل منقطع الصلة بكل ما هو علمي .. خاصة أنه أقحم نفسه في مسألة
شديد الحساسة عنما ذكر في ـ ص 304 ـ من الكتاب إن لفظ «الصمد» يدل على التثليث!!..
لكون كلمة «الصمد»مأخوذة من «خمتو» المصرية القديمة التى تعنى الرقم 3، وزاد من
صعوبة موقف الرجل أنه تصدي بالبحث للغتين (العربية والهيروغليفية) لا يدرى عن
دقائقهما الكثير مما يؤهله لإقامة علاقة البحث!!؛ وهو ما دفع بالبعض للترويج أن د.
لويس. عوض لم يكتب من كتاب «فقه اللغة العربية»
إلا مقدمته وأن الكتاب من تأليف القس جورج شحاته قنواتي ومجموعة باحثين من
الكاتدرائية.
كان د. لويس عوض ومن ورائه
يحاولون إحياء فكرة قديمة في تقليد الألمان الذين اشتهروا بدراسة «أصول اللغات»
بتعمقهم وسفسطهم اعتقادا منهم بأنه لن تقوم لهم قائمة لا إذا تعلم أطفالهم متون
اللغة اللاتينية .. و كان د. لويس عوض ومن ورائه يحاولون ذلك بهدف الدعوة إلى جعل
اللغة العربية لغة دينية تراثية خاصة برجال الدين وتستخدم للعبادة وقراءة القرآن
فقط .. ونسي د. عوض ومن ورائه طبيعة اللغة والفارق الشاسع بينها وبين غيرها من
اللغات، ونسي أيضا ما سبق أن أعلنه إمبراطور ألمانيا في هذا الشأن وفي مواجهة
مسئولي التعليم بقوله:
« تباً للدرس اللاتيني
إنه يضايقنا ويضيع علينا وقتنا ومن الواجب ان نبحث للتعليم عن أساس غير هذا الأساس
الذي عشنا عليه قرونًا؛ لأنه إنما كان يفيد في تعلم القسس والرهبان أيام العصور
الوسطى مع قليل من اليونانية» .
ولم تكن دوافع د. لويس عوض بعيدة عن دوافع سلامة موسى، وتنحصر تلك الدوافع
في عدم القدرة على التكيف مع المجتمع وإن كان الرجل يغلف ممارساته بغطاء من «ادعاء
الأكاديمية « ومن الأسباب التي أوردها د. لويس عوض في مذكراته بعنوان «سنوات
التكوين « سلبيات النشأة الأولى والتي قال عنها: إن اباه كان سكيراً ومقامراً وأنه
كان دائم الإساءة إلى أمه ليستولي على مصاغها ليلعب القمار، وأن أمه قليلة الحيلة،
وأن أخاه يكرهه لأنه يعتقد أنه ورث عداوته ومع ذلك فهو الذي سيرثه لكونه بدون عقب،
وأن اثنين من إخوته ناقصان في قواهم العقلية منهم أخت بلهاء « عبيطة» لم تروقها
الحياة مع زوجته الفرنسية التي تعشق الخمر وقطط الشوارع؛ لذا أودع شقيقته ملجأ
رعاية المسنين في إحدى الكنائس .*(7)
كلمات د. لويس عوض تكشف حالة
التفسخ الاجتماعي والأسري الذي ترك بصماته على حياته فضلا عن متاعبه الوظيفية في
الجامعة والتي لم يقدر على البوح بها لكونه حاصلًا على الدكتوراة من جامعة برنستون
أكبر مراكز التبشير في العالم*(8)،
وهو ما صبغ روح العلم لديه بما هو نفعي حمل في طياته عوامل جعلته محكوما بمنطق
الصراع.
هكذا أصبحت ترّهات النيل من
اللغة أو محاولات اغتيالها مستمرة ومستترة بالغرض والهوى تحت ما يسمي بمزاعم
التحديث من غير المختصين ومن الموتورين .. فقد حاول صانعوهم من الأوربيين تحقيق
ذلك بالدم والنار تارة، وإفساد الأخلاق وبتهديم النفوس تارة أخرى، وتزوير التاريخ
وإنكار الماضي ومسخه وبتسميم عقول المغلوبين، وقطع العلاقة بين العرب وماضيهم حتى
يجعلوهم شجرة من غير أصل فتموت ليبقوا هم حيث بلغوا .. والغريب أن الكثيرين منا قد
خدعوا بهذا الهراء!!
لا أُنكر أننا نعاني مما
يطلق عليه «الفجوة الرقمية Digital Divide» في مجال المعرفة وهي الفجوة بين الدول القادرة
على النفاذ إلى مصادر المعلومات واستخدام تطبيقاتها في إنتاج المعرفة واستغلالها
في تحقيق مصادر قوة شعوبها، وبين الدول المستهلكة لها، وهو ما يهدد بوجود فجوة
حادة تفصل بين العقل العربي وعقل الآخر .. إنها أزمة الفكر والعقل في المقام الأول
التي تضفي بظلالها على اللغة وليس العكس، مما يجعل بعض المتشائمين يرون أن الخطاب
الثقافي العربي في المستقبل لن يجد وسيلة للوصول للآخر ويهدد انتقال أمتنا العربية
إلى « مجتمع المعرفة « لوجود ثلاث فجوات تمثل ثلاث عوائق أمام المهتمين هم «فجوة
العقل ـ فجوة الفكر والعلم والتكنولوجيا» و»فجوة التعلم» .. ويتبعهما من «فجوة
اللغة» وتزايد الفجوة اللغوية مع اتساع المعلوماتية كثيفة اللغة مثل التطبيقات التعليمية Edu- Ware والتطبيقات الثقافية Culture – Ware .. لكن هذا ليس مبرراً كافياً لنترك الأمر لعبث
العملاء ومحاولات الهدم.
الفصل
الحادي عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مخطوطات نجع حمادي ..
ومخطوطات البحر الميت
لم تكن الأناجيل الأربعة المعترف بها (متى ـ
مرقص ـ لوقا ـ يوحنا) هى كل الأناجيل المكتوبة؛ فقد تم العثور على عشرات الأناجيل
ففي أواخر القرن التاسع عشر (في سنة 1895 تقرياً) عثر في مصر على قصاصة من ورق
البردى تحتوى على إنجيل توماس «توما أو تحتمس في المصرية القديمة» مكتوب باللغة
اليونانية، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها العثور على الكتاب كاملاً.
ويختلف هذا الإنجيل عن
الأناجيل الأخرى المعروفة في أنه لا يحتوي على سرد أو رواية للأحداث، وإنما يتكون
من 114 قولا منسوباً إلى السيد المسيح عليه السلام بما يجعل من الصعب اعتبار هذا
الإنجيل هرطوقيا Heretic إذ أنه يحتوي على عدد كبير من أقوال المسيح التي ظهرت في أناجيل
العهد الجديد، إلى جانب أقوال أخرى لم تظهر بها.
كما أن أقوال السيد المسيح
عليه السلام في هذا الإنجيل موجودة بشكل صريح وقاطع مما يوحى بأن هذا الإنجيل أقدم
الأناجيل؛ ولهذا افترض الباحث الهولندي كيسبيل أن سنة 140م هى سنة كتابة النص الأصلي لإنجيل توما،
إلا أن هيلموت كويستر ـ أستاذ التاريخ المسيحي بجامعة هارفارد وأهم باحث معاصر في
هذا الموضوع ـ فاجأ الجميع بإرجاعه أصل إنجيل توما إلي منتصف القرن الأول
الميلادي، أي إلى تاريخ يسبق ظهور أي من كتابات العهد الجديد، بما في ذلك رسائل
بولس وكتاب أعمال الرسل.
وفي عام 1945 وفي قرية حمرة
دوم إحدى قرى محافظة قنا القريبة من جبل الطارف مركز نجع حمادي اكتشف المزارع محمد
السمان أثناء إعداد حقله للزراعة جرة خزفية؛ فقام بكسرها فوجد مخطوطات قديمة هي ما
عرف لاحقا بـ «مخطوطات نجع حمادي»، وهذه المخطوطات تحتوي على نصوص الأناجيل وبعض
الكتابات الغنوصية، وتبين من فحص المجلدات أنها تحتوي على كتابات مسيحية لبعض
الجماعات التي ظهرت عند بداية القرن الأول الميلادي وكانت تعرف باسم «العارفين»
وكان أسم العارفين يطلق على الخارجين على تعاليم الأباء بسبب بحثهم عن المعرفة.
.. وجبل الطارف يقع على بعد
عشرة كيلو مترات شمال شرق مدينة نجع حمادي يحتوي على ١٥٠ كهفاً كان قدماء المصريين
يستخدمونها كمقابر لدفن موتاهم ثم استخدمها الرهبان البخوميون في العصور الأولى
للمسحية مركزا لاعتكافهم وخلوتهم .
وقد وجدت نسخة أخرى من من
إنجيل توما في تلك المخطوطات إضافة إلى إنجيل فيليب وإنجيل الحق وإنجيل
المصريين، وإنجيل مريم المجدلية (تبين أنها لم تكن عاهرة كما أخبرت الأناجيل الأربعة
المعترف بها بل كانت واحدة من أخلص وأطهر تلاميذ السيد المسيح التي نقلت عنه
الكثير) الذي عثر أحد علماء المصريات الألمان على نسخة منه ـ قبل نهاية القرن
الماضي ـ معروض في سوق الأنتيكات بالقاهرة، وقد وجدت نسخة منه أيضا ضمن مكتبة نجع
حمادي إلى جانب بعض كتابات منسوبة للحواريين، مثل إنجيل جيمس ـ يحمس في المصرية
ـ ورؤيا بولس وخطاب بطرس إلى فيليب.
وسنحت الفرصة عندما حضر إلى
مصر الفرنسي جين دوريس أحد علماء المصريات المتخصصين في الدراسات القبطية، وأثناء
زيارته للمتحف القبطي انتهز مدير المتحف توجو مينا الفرصة لإطلاعه على المجلد
الموجود في خزانة المتحف، وازداد حماس مينا عندما أخبره العالم الفرنسي أن اكتشاف
هذا النوع من المجلدات سوف يؤدي إلى تغيير كل ما هو معروف عن أصل الحركة المسيحية.
كانت المشكلة التى واجهها جين
دوريس أن محمد السمان كان باع أجزاء من المخطوطات إلى أحد تجار الآثار الذي تمكن
من تهريب جزء كبير من المجلد رقم 13 ـ الذي يتضمن خمسة نصوص ـ (مخطوطات نجع حمادي
تضم 13 مجلد تحتوى على 52 نصا مدونة في 1152 صفحة معظمها مكتوب باللغة القبطية)
إلى خارج البلاد، وعرضه للبيع في الولايات المتحدة الأمريكية، ولما علم جايلز
يكسبيل، أستاذ تاريخ الديانات بجامعة أوتريش الهولندية بأمر النصوص المعروضة
للبيع، أقنع مؤسسة جوستاف يونج بمدينة زيوريخ السويسرية ـ وهى مؤسسة خيرية باسم
عالم النفس الشهير الذي كان زميلا لسيجموند فرويد ـ بشراء الأجزاء المطروحة للبيع.
وعند إطلاعه على النصوص
التي تم شراؤها، تبين ليكسبيل وجود أجزاء ناقصة، فسافر إلى القاهرة للبحث عنها،
وبمجرد وصوله إلى القاهرة ذهب إلى المتحف القبطي وحصل على صور فوتوغرافية لبقية
المجلدات الموجودة هناك، وعاد إلى الفندق محاولا فك رموز اللغة القبطية القديمة
والتعرف على محتويات الصور، وكانت مفاجأة عندما وجد الباحث الهولندي بداية النص،
وجاء فيها ما يلي: «هذه هي الكلمات السرية التي قالها يسوع الحي، ودونها ديديموس
جوداس توماس».
كما تأكد كيسبيل عند
مراجعته لصور باقي المجلدات من أنها تحتوى على 52 نصا ترجع كلها إلى القرون الأولى
للتاريخ الميلادي، من بينها أناجيل لم تكن معروفة من قبل، مثل إنجيل توما- أوتحتمس
في المصرية القديمة- وإنجيل فيليب وإنجيل الحق وإنجيل المصريين، إلى جانب بعض
كتابات منسوبة للحواريين، مثل كتاب جيمس- يحمس في المصرية ـ ورؤيا بولس وخطاب بطرس
إلى فيليب.
وليس هناك خلاف بين الباحثين
بشأن التاريخ الذي تم فيه إخفاء هذه المجلدات الذي من المرجح لأن يكون خلال النصف
الثاني من القرن الرابع للميلاد لكون الكتابات التي وجدت على أوراق البردي
المستخدمة في تبطين الأغلفة الجلدية للمجلدات تنتمي إلى تلك الفترة.
وفي عام ١٩٧٢م تم العثور على إنجيل يهوذا
في مصر بصحراء بنى مزار محافظة المنيا من قبل فلاحين في أحد الكهوف مكتوباً باللغة
القبطية، فقاموا ببيعه لأحد تجار الآثار الذي هربه خارج البلاد، وهو الإنجيل الذي
عرف بأنه ضمن مجموعة وثائق نجع حمادى، وإنجيل يهوذا يوضح أبعادا مختلفة لعلاقة
يهوذا بالسيد المسيح عما هو وارد في أناجيل العهد الجديد (متى ـ مرقص ـ لوقا ـ
يوحنا).
ويُعتقد أنه من تأليف من
مجموعة من المسيحيين وليس فرداً خلال الفترة ما بين كتابة أناجيل العهد الجديد
والعام 180 لميلاد السيد المسيح عليه السلام، وتمت ترجمة مخطوط إنجيل يهوذا إلى
الإنجليزية في عام ٢٠٠١ على يد السويسري رودولف كاسر، ويعتقد أنه ليس من تأليف
يهوذا بل أنه من الأصح أن نقول أنه أُلف عن يهوذا .
وكان لنشر هذا الإنجيل أثره
الكبير باعتباره من الكشوف الحضارية الهامة التي تقدم رؤية مغايرة للرؤى التي
استقرت في القرن الأول والثاني عن العلاقة بين يسوع ويهوذا حيث يوضح الإنجيل أن
المسيح عليه السلام هو الذي أمر يسوع بتسليمه لينال الملكوت، وعندما حان وقت
التسليم حدث الاشتباة والتشابة وسُلم رجل آخر، كما يوضح أن المسيح عليه السلام ليس
ابن الله .
كشفت مخطوطات نجع حمادي عن
ثلاثة أمور هامة :
الأمر الأول : إنكار واقعة
صلب المسيح عليه السلام؛ فالرمز الذي وجد مرسوما على أغلفة مجلدات نجع حمادي هو
رسم «عنخ» مفتاح الحياة عند المصريين القدماء ويرمز إلى المسيح الحي- بروحه- التي
لا تموت.
وقد ظل هذا الرمز سائدا
بين الجماعات المسيحية الأولى، ومن يذهب
إلى المتحف القبطي في القاهرة يجد أن مفتاح الحياة كان رمز لقيامة المسيح خلال
القرون الثلاثة الأولى للميلاد، ولم تستخدم الكنائس المسيحية الصليب الروماني إلا
منذ النصف الثاني من القرن الرابع، عندها أصبحت كنيسة روما مسيطرة على الحركة
المسيحية، ومع هذا فإن ذلك الصليب لم يصبح مقبولا لدى عامة المسيحيين إلا بعد أن
أعلنت الكنيسة الرومانية عن العثور في مدينة القدس على ما ادعت إنه الصليب الخشبي
الذي مات عليه يسوع، ثم تطور الأمر بعد ذلك- خلال القرن الخامس- عندما روجت
الكنيسة الرومانية لرسوم متخيله للإيهام بموت السيد المسيح عليه السلام مقتلولاً
على صليب خشبي.
الأمر الثاني : أنه ـ رغم
وصول الاعتقادات المسيحية إلي مصر خلال القرن الميلادي الأول ـ إلا أن المصريين لم
يتحولوا إلى المسيحية قبل القرن الثالث، وأن الطوائف المسيحية التي ظهرت في مصر
خلال القرن الأول، كانت إما من اليهود المقيمين في مصر أو من اليونان، وعلى هذا
فلا يمكن ظهور كتابات مسيحية ترجع إلى هذا التاريخ المبكر باللغة القبطية؛ فقد حدد
الباحثون الغربيون تاريخ ظهور الكتابة القبطية خلال القرن الثالث الميلادي
متزامناً مع اعتناق المصريين للديانة المسيحية.
الأمر الثالث : أن اللغة
القبطية لم تكن لغة تخاطب بل كانت شفرة كتابة صيغت ليستخدمها الكهنة والكتبة فقط،
وظلت معرفتها محصورة في دائرة الكتبة فقط دون عامة الشعب .. كانت الهيروغليفية هى
اللغة المنطوقة في مصر القديمة وقد كتبت بنوع من الكتابة يعتمد على شفرة مؤلفة من
أحرف على شكل رموز برسم الإنسان والحيوان والجماد، ولما كان هذا النوع من الكتابة
يحتاج إلى الدقة في تنفيذه ويتطلب وقت طويل لكتابة نص صغير؛ فقد أصبح مقصوراً على
أعمال المعابد والمقابر، وظهر نوع مبسط من الكتابة عرف باسم هيراطيقي يكتفى برسم
جزء من الحرف الهيروغليفي للدلالة على هذا الحرف، وهذا الأسلوب الذي استخدم في
كتابة البريات لتدوين أعمال الحكومة والأفراد ثم ظهر نوع ثالث من الكتابة أكثر
تبسيطاً عرف باسم الديموطيقي حل مكان الهيراطيقي في كتابة البرديات، ومع قيام
الدولة البطلمية في القرن الثالث قبل الميلاد أصبحت اللغة اليونانية القديمة
مستخدمة إلى جانب اللغة المصرية في الكتابة، وظهرت الكتابة القبطية عندما حاول المصريون كتابة لغتهم عن طريق استخدام
حروف اللغة اليونانية وعددها ٢4 حرفاً، ولأن اللغة اليونانية تفتقد لبعض الحروف
التي تحدث صوتيات التخاطب في اللغة الهيروغليفية تم إضافة سبعة أحرف من الأبجدية
الهيروغليفية إليها إضافة إلى حرف هيروغليفي يرمز للرقم 6 ليصبح عدد أحرف اللغة
القبطية 32 حرفا، وتمتاز هذة المرحلة بأن الكتبة كانوا يتبعون نظم القواعد المصرية
ويلتزمون بمفراداتها، وإن كتبوها بالحروف اليونانية ومع بداية القرن الثالث
الميلادي أصبحت القبطية لغة أدبية متطورة لها خمس لهجات مختلفةهي: اللهجة
البحيرية، اللهجة الصعيدية، لهجة البشموريين أو البشامرة، اللهجة الفيومية، اللهجة
الأخميمية .
حاول البابا كيرلس
الرابع البطريرك 110 في تاريخ الكنيسة القبطية (1854 ـ 1861) إحياء اللغة القبطية
واستخدامها في التخاطب إلا أن المحاولة باءت بالفشل !!
وفي مارس 2019 أحيا هذا
الأمل مرة أخرى لدى الأقباط أن شركة جوجل العملاقة عملت على إضافة اللغة القبطية
إلى تطبيق لوحة المفاتيح التابع لها Gboard .
مخطوطات البحر الميت :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد عامين من اكتشاف وثائق
نجع حمادي، وفي سنة 1947 كان العثور على كتابات قديمة سابقة ومعاصرة للفترة التي
عاش فيها المسيح في مناطق قمران وخرية ميرد وعين جدي ومسادا التي
لا تبعد عن القدس إلا بضعة كيلو مترات وقد اطلق علي على مجموعة المخطوطات
هذه اسم «مخطوطات البحر الميت» .
ترجع أهمية هذه المخطوطات أن
كل المعلومات التي وصلتنا عن السيد المسيح مثبتة بعد نصف قرن من الوقت الذي حددته
لوفاته، وليس هناك نص واحد جاء فيه ذكر السيد المسيح في المصادر التاريخية التي
قيل أنه عاش فيها وأن كتب العهد الجديد نفسها ـ وهى المصدر الوحيد ـ عن تاريخ يسوع
تعطينا معلومات متضاربة في شأن حياته !!
وقد لعبت الصدفة دورها في
اكتشاف هذه الوثائق؛ فقد حدث أن أضاع صبي راعي غنم يُدعى محمد الديب من قبيلة
التعامرة البدوية التي تتجول في المنطقة إحدى الماعز من قطيعة، وعند البحث عن
ضالته لمح كهف به عدة اواني فخارية بداخلها لفافات تحتوي على سبع مخطوطات، وطمعاً
في الحصول على المال انتشر التعامرة في كل وديان البحر الميت بحثاً عن مخطوطات
أخرى قد تكون مخبأة في الكهوف العديدة الموجودة في المنطقة الجبلية وفي فبراير
١٩٥٢ عثر البدو على كهف آخر به العديد من المخطوطات التي تحللت إلى قصاصات صغيرة
باعوها للسطات الأردنية ليسفر بحثهم عن اكتشاف 4 كهوف، واتبعت هيئة الأثار
الأردنية نفس الطريقة التي اتبعها التعامرة في البحث داخل كهوف البحر الميت عن
المخطوطات وانتهي الأمر في سنة ١٩٥٦ باكتشاف 7 كهوف في منطقة قمران ليصل عدد
الكهوف المكتشفة إلى 11 كهفاً تم ترقيمها، كانت المخطوطات بعضها مكتوب على رقائق
الجلد وبعضها مكتوب على أوراق البردي وواحدة مكتوبة على رقائق نحاسية مكتوبة في
غالبيتها بالعبرية وبعضها مكتوب بالأرامية واليونانية .
ووجدت كهوف أخرى في مناطق
غير قمران مثل المرد وماسادا وعمران، وعندما صارت الكهوف في قبضة الأثريين عثروا
على مئات القصاصات الصغيرة إلى جانب قطع من الفخار والقماش والخشب ساعدت في تحديد
تاريخ المخطوطات في ما بين منتصف القرن الثاني قبل الميلاد ومنتصف القرن الأول
الميلادي الأول الميلادي .
وتحتوي مخطوطات البحر الميت
على تلاثة أنواع من الكتابات :
١ ـ كتابات توراتية من أسفار العهد القديم .
٢ ـ كتابات لأسفار لم تدخل في قانون العهد القديم .
٣ ـ كتابات جماعة قمران العيسوية .
وقد أزعجت «مخطوطات البحر
الميت» الفاتيكان لتعارض المخطوطات مع تعاليم الكنيسة الرومانية التي فرضتها على
الجماعة المسيحية منذ القرن الثاني الميلادي* (2)، وقد خضعت لجنة فحص المخطوطات لضغوط كثيرة
من الفاتيكان لعدم نشر ما يتعارض مع تعاليم الكنيسة الرومانية، خاصة أن تلك
المخطوطات لم تشر إلى واقعة صلب السيد المسيح عليه السلام وإنما أوردت اتهام صريح
بأن كهنة إسرائيل هم المسئولون عن محاولة إيذاءه مما يضع الفاتيكان في حرج شديد
بعد تبرئة اليهود ـ حسب زعم الفاتيكان ـ من دم السيد المسيح عليه السلام .
.. واليهود ينكرون أن عيسى
عليه السلام هو المسيح وهم لا يزالون في انتظار مسيحهم، ـ وهذا ليس سراً ـ وقد
نشروا هذا الادعاء على الملآ من فوق منابر العالم المسيحي دون أن ان يعترضهم عارض؛
فقد ظهر فيزا فيرم على شاشة القناة الرابعة البريطانية وهو يقف أمام خرائب قمران
ليقول :
«أن يسوع لم يكن هو المسيح
وإنما كان رجلاً يهودياً طيباً من جماعة قمران اليهودية، وأن هناك مشروعات لإعادة
كتابة العهد الجديد بما يتفق مع هذا المعنى .»* (3)!!
وقد أرست مخطوطات البحر الميت
ثلاثة امور هامة :
الأمر الأول : أن
مخطوطات البحر الميت غدت نقطة تحول في حقل الدراسات التوراتية واليهودية والأبحاث
المتعلقة بالعهد الجديد؛ فقد قسمت خط الأبحاث إلى ما بين : ما قبل قمران ، وما بعد
عصر قمران وأصبح لا يمكن لأى باحث أن يخطو بسلام في دروب عالم ما بين العهدين
القديم والجديد دون أن يكون متمكن المعرفة بمخطوطات البحر الميت .
الأمر الثاني : أن
الاكتشافات الأثرية في قمران قد ألغت جميع الأخبار التاريخية التي وردت في جميع
أسفار العهد القديم، وبينت أنها مجرد تزوير مشوه يتنافى مع حقائق ما وقع في
التاريخ !!
الأمر الثالث: أن التوراة بنسخها الثلاث
(السامرية ـ العبرانية ـ السبعينية) المنبثقة عن توراة عيزا وليست توراة موسى،
وأناجيل العهد الجديد (متى ـ مرقص ـ لوقا ـ يوحنا) المجهولة المصدر والمؤلفين، والتي
كشف إنجيلا كويل Quelle (بمعنى النبع أو
المصدر باللغة الألمانية والذي يرمز له بحرف Q)، وتوما اللذان كشفا
الفروق بين مسيحية اليوم ومسيحية المسيح وبين عقيدة التوحيد وعقيدة التثليث وبين
تعاليم المسيح وتوجيهاته وبين خرافات بولس وأساطيرة المتأثرة بالأديان الأخرى،
وأكدا أن التوراة والأناجيل ـ التي بين أيدينا اليوم ـ ليست التوراة التي أنزلت
على موسى، والأناجيل المعتمدة من الكنائس لا علاقة لها بإنجيل السيد المسيح،
ولكنها منتج بشري وليست كتباً مقدسة !!* (4) .
الفصل
الثاني عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكنيســة التي لم يعـــرفها
السيد المسيح
عليه السلام!!
يزعم المسيحيون أن سيدنا عيسى
عليه السلام هو المؤسس الأول للكنيسة، ويربطون بين الكنيسة والمسيح برباط وثيق،
ويزعمون أن المسيح جاء لبطرس في المنام وقال له: (قم يا بطرس وابن على هذه الصخرة
كنيستي.)
ويرد على هذا الزعم شارل
جينيبير أحد مؤرخي المسيحية بقوله:
« إن المسيح لم ينشئ الكنيسة
ولم يردها، بل إنه لم يكن ليعمل فكره لحظة واحدة في رسم خطوط ما نسميه بـ
«الكنيسة» وكذلك الحواريون: ساروا على ما سار عليه المسيح ولم يفكروا في إنشاء
الكنيسة، بل ظلوا على إخلاصهم للدين وداوموا بكل دقة على شعائره مؤمنين أيضا بأن
المستقبل لمملكة الله وليس لكنيسة ما» *(1)
ويعرف الأنبا صموائيل الكنيسة
بقوله:
(هي جسد المسيح .. هي استمرار
التجسيد الإلهي، بها أصبحنا شركاء الطبيعة الإلهية، أي نأخذ من صفات الله).*(2)
وبمثل هذا التعريف، وتعريفات
أخرى مماثلة أعطت الكنيسة لنفسها سلطة الشراكة في الطبيعة الإلهية، وهو كلام لا
ينطلي على المجانين، وأصبح لها حق التشريع لأتباعها مادام رجال الكنيسة هم خلفاء
الرسل والمسيح ومؤيدون ـ طبقا لمزاعمهم بالروح القدس ومعصومون من الخطايا!! وبدأ
التلاعب بمشاعر البسطاء من خلال مصطلحات «البركة» و«أسرار الكنيسة» .
وأسرار الكنيسة لم تظهر لم
تظهر إلا في القرن الثاني الميلادي ولم تظهر مرة واحدة بل ظهرت على مراحل مختلفة
ولأهواء شخصية بغرض إعادة الثقة بين الكنيسة وأتباعها من النصارى، وكلما فقدت
الكنيسة المصداقية بين أتباعها جاء رجالها بسر من الأسرار مدعين أن الروح القدس
ألهمهم به من أجل الثقة المفقودة، أي الأسرار لم تظهر مرة واحدة، والسر في التعريف
الكنسي هو نوال نعمة غير منظورة عن طريق أشياء منظورة مثل الماء أو الدهن أو الزيت
أو الطيب أو الخبز أو الخمر .
يذكر عوض سمعان: ( أن الأسرار
بلغت 12 في القرن التاسع، ثم 30 في القرن العاشر، وبعد ذلك اختصروها إلى 7 أسرار
باعتبار السبعة عدداً كاملاً.)* (3)
وأسرار الكنيسة السبعة هي :
1 ـ المعمودية:
ــــــــــــــــــــــــ
وهي الغمر بالماء أو الرش
به ويرى المسيحيون أنها بديل الختان، ولا يعمد البشر فقط بل تعمد الجمادات المصانع
والسيارات والمساكن، وهي رمز للنقاوة والانخراط في طائفة ما !! وقد تم تعميد
المسيح من قبل يوحنا المعمدان «يحيى بن زكريا عليهما السلام» لكن المسيح لم يعمد
تلاميذه !!
2 ـ سر مسحة زيت «الميرون»:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
« الميرون »
كلمة يونانية، وتعني « الطيب» ، وهو سر ينال به الذي تم تعميده مواهب الروح
القدس لتثبيته في الإيمان وتقويته في النعمة ونموه في الحياة الروحية، وهذه النعمة
غير المنظورة تمنحها الكنيسة على يد كهنتها بمسح المعمد بدهن الميرون تشبهاً
بالحنوط والطيب الذي دهن به المسيح وقد اقتسمها الرسل وتوارثها آباء الكنيسة عن
الرسل.
ويذهب بعض رجال الكهنوت إلى
أن بعض رسل المسيح حفظوا الحنوط الذي كان على جسده وقت دفنه مع الحنوط الذي أحضرته
النسوة وأذابوه في زيت الزيتون ووزعوه على الكنائس؛ فكانوا يدهنون به من يتعمد من
النصارى.
وزيت «الميرون» يتكون من 27
صنفا من العطور والأعشاب، وورد في بعض المصادر 30 .
3ـ العشاء الرباني ( الأفخارستيا ) أو سر التناول:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والعشاء الرباني مكون من
الخبز والخمر زاعمين أن الخبز يتحول إلى جسد المسيح والخمر يصير دمه !!
ترى الكنيسة البروتستانتية أن
فكرة الاستحالة مرفوضة لأنها تواجه عقبات إنجيلية، كما أنها مضادة للحس؛ إذ إن
الحس يشهد ببقاء الخبز والخمر على ما هما عليه دون تغيير «فالخبز لا زال خبز
بشهادة البصر والذوق والشم واللمس، وإذا ترك الخبز فسد كالخبز العادي وكذلك الخمر؛
إنه ليس في قدرة مخلوق كائنا من كان أن يبتدع نظرية خاصة بالمسيح لا يمكن أن
يسندها إلى وحي أو عقل أو قياس، ولهذه الأسباب لا تقبل الكنائس البروتستانتية فكرة
الاستحالة.».
بينما يرى شارل جنيبير أن
العشاء الرباني دخل إلى المسيحية ضمن ما دخلها من الشعائر الوثنية، وأن العشاء
الرباني أُخذ عن الأديان الطبيعة (البشرية المصدر والتعاليم) السابقة للمسيحية .
وقد كتب البابا شنودة الثالث ،
حول سر الأفخارستيا ، للرد على بعض المشاغبين من شباب الأقباط وسؤالهم التقليدي :
هل دخل الشيطان إلى يهوذا خائن المسيح بعد تناول العشاء أم قبله ؟! .. إجابات
البابا شنودة الثالث لم تضف جديداً!!. * (4)
ـ سر التوبة:
ــــــــــــــــــــ
وهو اعتراف الإنسان بالذنب أمام
الكاهن الذي يمارس طقوس سر التوبة، والتوبة طبقاً لما قال به البابا شنودة ـ لا
تقبل إلا بوجود طرفين يشتركان فيها، الأول التائب الذي ارتكب الذنب والثاني الكاهن
الذي يعترف المذنب أمامه ويقوم بتحليله من الخطيئة ومنحه الغفران.
ورغم ما أفرزته خلوة الاعتراف
من كوارث وضعت الكنيسة في حرج أمام شعبها وأمام حكومة دولتها، وأجبرت رئيس الدولة
آنذاك على التدخل لنزع فتيل الأزمة؛ فإن الكنيسة مازالت مصرة عليها؛ فقد كشفت
جريدة «النبأ»*(5) عن انحراف ـ طبقا لشريط فيديو ـ يكشف عن
وطأ الراهب المشلوح برسوم المحروقي لـ 5000 سيدة مسيحية من المترددات على الدير
عرف منذ القدم باسم دير «السيدة العذراء» واشتهر بـ «دير المحرق» وأيضاً بـ «دير
جبل قسقام»، وهذا الدير - الذي يقع في القوصية بأسيوط جنوبي مصر- يعد من أكثر
الأماكن قدسية لدى الأقباط؛ حيث تقول مراجع دينية وتاريخية في رحلة العائلة
المقدسة إن «العائلة المقدسة» مكثت بين جدرانه ستة أشهر أثناء قدومها إلى مصر.
الغريب في الأمر هو عدم
احتجاج الأقباط على الكنيسة، بل جاء سلوكهم في الاتجاه الآخر النيل من» حرية
الصحافة» التي كشفت انحراف بعض رجال الكنيسة .. ولم تفلح محاولات الكنيسة للتشكيك
في صحة شريط الفيديو؛ فقد كان ضمن أحراز القضية رقم 765 لسنة 2001 / حصر أمن دولة
قبل أن تنشر الجريدة الواقعة بأسبوعين .
كما بدعة «صكوك الغفران» بدعة لا
يقبلها عقل، وهى شكل من أشكال الاحتيال، والتي اتخذت أشكالا أخرى في صورة زكاة
العشور والبواكير والنذور التي لم ترد بنص، ولم به يقل السيد المسيح عليه السلام!!
5 ـ مسحة المرضى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنه سر يمسح الكاهن بمقتضاه
المريض بزيت مقدس ويستمد له الشفاء من الله روحياً وجسدياً .
لم يجرؤ أحد من مثقفي الأقباط
التصدي للخرافة التي تسمى بأسماء مختلفة منها: مسحة المرضى، مسحة الزيت، مسحة
القنديل، المسحة المقدسة، مسحة الصلاة، ومنهم كثيرون مارسوا مهمة النقد الأدبي،
وأشادوا بنقد تلك الفكرة عندما كتب عنها يحيى حقي في روايته بعنوان: «قنديل أم
هاشم» . . والسبب في ذلك هو «الحرمان الكنسي»
المعلق فوق رؤوسهم وهو ما يؤكد أن دعاوى التسامح في المسيحية لا وجود لها
في الواقع، فالكنيسة لا تتسامح مع المختلفين معها ، ولا نعرف جدوى لسر « مسحة
المرضى» وقد سافر البابا شنودة بطائرة رجل الأعمال نجيب ساويرس للتداوي في
مستشفيات أمريكا، وسافر البابا تاوضرس للعلاج هناك أيضاً وتركوا شعب الكنيسة فريسة
للعلل والأمراض والأوجاع في ظل خرافة التداوي بـسر «المسحة المقدسة» !!
6ـ سر الزواج:
ـــــــــــــــــــــــــ
وهو سر تمنح بمقتضاه النعمة
الإلهية بواسطة كاهن الصلاة على الزوجين اللذين ارتبطا علنا أمام الكنيسة بوعد كل
منهما للآخر بحفظ الأمانة وصون العهد .
وتصر الكنيسة على أن الزواج
سر من أسرارها وبدون صلاة الكاهن على الزوجين تصبح العلاقة بدون إكليل هي علاقة «زنا»،
وتصر الكنيسة على إنكار أن المسيح في العرس الوحيد الذي حضره، وهو عرس قانا لم يقم
بشيء من تلك الطقوس!!
وتنكر الكنيسة أيضا تعدد
الزوجات في المسيحية، والحق في إيقاع الطلاق، والزواج الثاني أمور كلها لم يكن
هناك خلاف عليها حتى وقت قريب، وسجلات المحاكم المصرية الشرعية والمحاكم المختلطة
خير شاهد على ذلك، وهو السبب الرئيس لمحاولة البعض التخلص من تلك السجلات*(6)
7 ـ سر الكهنوت:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهو عمل مقدس به يضع الأسقف
يده على رأس الشخص المنتخب، ويطلب من أجله فينال النعمة الإلهية التي ترفعه إلى
إحدى درجات الكهنوت .
والرهبنة ليست ابتكاراً
مسيحياً كما تدعي الكنيسة؛ فقد أثبتت «مخطوطات البحر الميت» أن مجموعة من نُساك اليهود الذين يطلق عليهم
الإسنيين قد عاشت حياة الرهبنة قبل مولد المسيح بمائة عام، وكانت تعيش في منطقة
قمران، وكانت هذه الجماعة على علاقة بتلاميذ النبي أشعيا .* (7)
والكهنوت ضد الطبيعة
الإنسانية؛ لكونه يعوق انطلاق تيار الطبيعة البشرية في وجهته المرسومة من قبل
خالقه، وهو ما يظهر بوضوح في الجرائم اللا أخلاقية لرجال الإكليروس، والتي اعتذر
عنها البابا بنديكتوس السادس عشر، وتحدث عن «العار والذل» الذي لحق بالكنيسة
الكاثوليكية جرَّاء تلك الفضائح، والتي لخص أهمها في جرائم الاعتداء الجنسي على
الأطفال و إجهاض القاصرات واغتصاب النساء !! وأقرَّ بـ « فشل الكنيسة الكاثوليكية
بالتصرف بشكل حاسم وسريع بما يكفي للتعامل مع قضية القساوسة الذين يغتصبون
ويستغلون الأطفال جنسيا»*.(8)
والمسيحية المحرفة لا تخلو من
عنصرية ظاهرة؛ وتكريس للانعزال المجتمعي، ففي كتاب «الدسقولية» الذي يسمى « تعاليم
الرسل»، ويعد الكتاب الثاني في المسيحية بعد الكتاب المقدس وهو أشبه بـ «التلمود»
عند اليهود يقول:
«لتحفظوا أيضا ما تتفرغوا لما
فيه هلاككم، أي أن تجتمعوا مع الأمم في مجامعهم؛ فإنه هلاك لكم وغواية. ليست لله
شركة مع الشياطين»*(9).
وأيضا تحض «الدسقولية» على
الانغلاق الفكري للمسيحيين وعدم التفاعل مع مجتمعاتهم بقولها:
«لا يجوز لنا نحن المؤمنين أن
نكون وقحين أو نبوح بالكلام السري، بل أن نكون ثابتين ببحث ( بيقين) لأن الرب
أمرنا قائلاً: «لا تلقوا جواهركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها، وتعود إليكم
تمزقكم ».* (10)
كانت هذه بعض انحرافات
المسيحية التي تم تحريفها عن النصرانية التي أُنزلت على عيسى عليه السلام، والتي
لا أصل لها ولا حقيقة، أما «المسيحية السياسية»، وهي تشبه الصهيونية، لكونها تجعل
من المسيحية ديانة وقومية في الوقت ذاته؛ فقد كانت السبب في إساءة بعض القبط إلى
إخوانهم في الوطن من المسلمين، ففي أثناء الحملات الصليبية على مصر أرشد بعض القبط
القوات الصليبية إلى أماكن عبور النيل لدخول مدينة دمياط، وهو ما دفع المسلمين
للانتقام من الخونة وهو ما تصوره الكتابات المسيحية على أنه نوع من الاضطهاد في
الوطن؛ فغالبا ما تهمل الكتابات المسيحية توصيف الفعل ودوافعه، وتتولى تضخيم ردة
الفعل بما يتوافق مع أغراضها!!
يذكر ليبنيز في دراسة
تقدير الموقف لغزو مصر بعنوان: «المخطوط السري لغزو مصر» والذي يعوّل فيه على
الأقباط في إنجاح المشروع!!*(11)
لذا فإن الوثائق الفرنسية
لجيش الشرق تشير إلى أن بونابرت عندما قاد حملته على مصر كان في جعبته تجنيد 20
ألف رجل من أقليات الولايات العثمانية التي يفتحها، ولذا كون فرقة عسكرية من شباب
القبط وكان يعقوب أداته المنفذة .
يصف الجبرتي حالة استقواء
القبط بالحملة الفرنسية قائلاً:
« تطاولت النصارى من القبط
والشوام على المسلمين بالسب، والضرب ونالوا منهم أغراضهم، وأظهروا حقدهم، ولم
يبقوا للصلح مكانا، وصرحوا بانقضاء ملة المسلمين، وأيام الموحدين»*(12)
وانضمت الكنيسة المصرية إلى
مجلس الكنائس العالمي الذي يعد حظيرة أمريكية تابعة لـ C.I.A.، وراحت تستقوي بتلك التبعية في اصطدامها بالدولة،
والتحرش بالمساجد بإقامة كنائس (بدون ترخيص) ملاصقة لها في مناطق ليس من بين
سكانها قبطي واحد، والتصريحات المستفزة بأن المسلمين ضيوف على مصر، والطعن في
الدين الإسلامي، والإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم من خلال فضائيات تقوم ببث
إرسالها من الكنائس والأديرة، والترويج لوهم «الدولة القبطية» الذي فضحه الأستاذ
الدكتور حامد ربيع في سلسلة مقالات في جريدة الوفد بعنوان: «مصر والحرب القادمة»،
وسلسلة أخرى من المقالات في مجلة «الأهرام الاقتصادي» بعنوان: « احتواء العقل
المصري .»!!
ومع ذلك لا تكف الكنيسة التي
لم يعرفها المسيح عن التلاعب بوعي البسطاء؛ فقد انتهز بعض المسيحيين حالة الهزيمة
النكراء التي حلت بجيشنا في 5 يونيو 1967 ومحاولات القيادة السياسية استرضاءهم على
حساب الحق والإسلام؛ فلم يضيعوا الفرصة؛ فادعوا أن العذراء قد ظهرت في كنيسة
الزيتون وأعادت الإبصار للعميان والقوة للكسيح *(13)
.. وإمعانا في الملهاة، ذهب
الرئيس جمال عبد الناصر، يقول مؤلف كتاب «البابا كيرلس وعبد الناصر»:
ذهب عبد الناصر إلى الزيتون ومعه
حسين الشافعي سكرتير المجلس الإسلامي آنذاك، ووقف في شرفة منزل أحمد زيدان تاجر
الفاكهة، وكان منزله مواجها للكنيسة لكي يتحقق بنفسه من رؤية السيدة العذراء، وظل
عبد الناصر ساهراً إلى أن ظهرت العذراء في الساعة الخامسة صباحاً (14)
ثم عادت جريدة « الأخبار»
لتنشر قصة خيالية عن السيدة صوفي عطا الله التي كانت تود الذهاب لرؤية تجلي السيدة
العذراء، لكن حالت ظروفها دون ذلك؛ فأجهشت بدموع الشوق للعذراء، وفي أثناء قيامها
بنشر غسيل ملابسها، فوجئت بوجود صورة العذراء مطبوعة على الصينية التي كان بها
الغسيل*(15)، .. وهي لعبة استخدام الكيمياء في الرسم
على المعادن؛ وقد تحول المنزل إلى مزار لمشاهدة الصينية، والتبرك بها !! .
كان رد الشارع المصري ساخراً من
«تجليات العذراء» التي تم افتعالها للتغطية على تداعيات الهزيمة من خلال نكتة
قصيرة نصها :
« العذراء ظهرت في الزيتون، والمسيح ظهر في
الجبنة !!» .
وفي 19 مايو 1968 قتل وطئاً
تحت الأقدام 15 شخصاً في زحام داخل كنيسة شبرا لرؤية «تجليات العذراء»؛ وبهذا
الحدث توقف الباطل وخرس صوت الكذب؛ فلا نالوا بركة العذراء، ولا العذراء استطاعت
أن تحميهم من الموت دهساً بالأقدام !!
لم تكد تهدأ هوجة «تجليات
العذراء»؛ حتى أدخلت الكنيسة شعبها في قصة استعادة رفات القديس مرقس، وسافر وفد من
الكنيسة بدعوى من بابا الفاتيكان في يونيو سنة 1968 لتسلم الرفات ومعهم 90 مواطناً
مسيحياً، وكانت المفاجأة عندما قدم بابا الفاتيكان للوفد جسما ملفوفا بالقماش في
حجم عقب السيجارة في علبة في حجم علبة السجائر، قائلا:
«هذه هي الرفات المباركة
.. عقلة من أصبع القديس مرقس !!» ولتغطية الخيبة اشترى رجال الكنيسة تابوتا كبيرا
من المرمر عادوا به فارغاً، وأنزلوه من الطائرة أمام جمع الأقباط المستقبلين
للرفات المقدسة!!
ولكي تنطلي عملية « التلاعب
بالوعي » أطلق البعض من جانب الطائرة ثلاث حمامات .. ليقوم رجال الكنيسة بالادعاء
أن أرواح القديسين كانت في استقبال الرفات المقدسة !!
كان من أهم مظاهر التلاعب بـ «وعي الأقباط»
أثناء اعتراض البعض على عدم منح الكنيسة لهم تصريحا بـ « الزواج الثاني» تنفيذاً
لأحكام القضاء، وفي تحد لأحكام القضاء وسلطة الدولة ادعى البابا شنودة أن «الروح
القدس» تؤيده في قراراته، ففي أثناء إلقاء عظة بمدينة الإسكندرية أطلق البعض من
ركن في القاعة حمامة بيضاء؛ ليتوقف البابا عن الكلام لبرهة بعدها يقول: «كلكم
تعرفون أن الحمام لا يطير في هذا الوقت .. وأظنكم أيضا تعرفون المغزى والرمز» في إشارة منه لقصة الحمامة التي خرجت من النهر
بعد تعميد يحيى بن زكريا لعيسى بن مريم عليهما السلام في نهر الأردن .. أسلوب
البابا شنودة في التلاعب ـ في تلك الواقعة ـ معروف لأولئك الذين يمارسون هذا النوع
من التلاعب؛ فيبدأ المتلاعب بإرسال الرمز، ويتبعه بالخبر الذي يريده وهو واثق من
تلقي المستهدفين بالتلاعب من التصديق .
هكذا استخدم البابا «لعبة
الحمائم»؛ فلعبة الحمائم والأضواء لعبة تجيدها الكنيسة منذ أيام «تجليات» العذراء
في الزيتون إلى لعبة إحضار «رفات القديس مرقص!!»
***
المسيح عليه السلام لم ينشئ الكنيسة، ولا
قال بها، ولا أمر أحد ببنائها، ومن ثم المسيح لم يدخل كنيسة قط، لأنها لم توجد إلا
بعده، وما يوجد في الكنائس من طقوس وأسرار يمارسها رجال الكنيسة لم تكن موجودة في
زمن المسيح، ولم تبن الكنائس إلا في القرن الرابع الميلادي أي بعد ارتفاع السيد
المسيح بثلاثة قرون من الزمان تقريباً !!
فليس للمسيح صلة بالكنيسة، ولا بما يمارس فيها من طقوس وأسرار وعادات
وتقاليد عبر العصور المختلفة، وما يوجد لدى المسيحيين من أسرار وتعاليم، ما هي إلا
أساطير وخرافات وطقوس، كلها عبادات وثنية مقتبسة
من الأمم الوثنية .. يقول ول ديورانت:
«إن المسيحية كانت آخر شيء
ابتدعه العالم الوثني القديم». * (16)
وهو نفس المعني الذي قاله لي
الأستاذ توفيق الشمالي (ماروني) رئيس الديسك المركزي بجريدة الأهرام في أحد
حواراتنا: «المسيحية تاريخ .. ولا تسألني أكثر من ذلك !!» .
الفصل
الثالث عشر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكنيسة لا تعرف التسامح
!!
الكنيسة لا تعرف التسامح
!! وترفع سيف «الحرمان الكنسي» على رقاب
وفوق رؤوس المختلفين على ممارستها، .. «الحرمان الكنسي» الذي أصيب بظلمه وظلامه الدكتور نظمي لوقا عند
موته مؤلف كتاب «محمد، الرسالة والرسول» برفض الكنائس الصلاة عليه، وظلت
زوجته الزميلة الأستاذة صوفي عبدالله تطوف بجثمانه على الكنائس التي رفضت الصلاة
عليه إنفاذاً للإرادة الباباوية، إلى أن وجدت من يرق لحالها، ويقبل القيام بالصلاة
عليه، كانت كل جريمة د. نظمي لوقا أنه أكد وجود إنجيل المسيح الذي تنكره الكنيسة
بقوله :
«.. وأعني بالمسيحية هنا ما جاء به المسيح من
نصوص كلامه، لا ما ألحق بكلامه وسيرته من التأويل»*(1)
والأستاذ موسى صبري الذي عارض
الكثير من ممارسات البابا شنودة السياسية، وعند موته ارتأى البابا شنودة حرمانه من
الصلاة عليه لولا تدخل القيادة السياسية مهددة بما يحرج الكنيسة؛ بالتهديد أنه إذا
استمرت الكنيسة في عنتها فسوف تقوم إحدى الجهات بإعلان أن الأستاذ موسى صبري قد
أسلم، وبناء عليه يتم دعوة الدكتور أحمد عمر هاشم للصلاة عليه في أحد مساجد الكبرى
بالقاهرة؛ وهو ما أصاب القائمين على أمر الكنيسة بالرعب؛ فسارعوا للصلاة عليه،
وإنهاء الأزمة !!
.. لكن الكنيسة قد نجحت في
إنفاذ وعيدها بالحرمان الكنسي للقس إبراهيم عبد السيد مؤلف كتاب بعنوان : «أموال
الكنيسة القبطية .. من يدفع؟! ومن يقبض؟!»، والذي توسطت الكنيسة لدى الأجهزة
وبعض الجهات الأمنية والمؤسسات الصحفية والمطابع لمنع طباعته ونشره، وهو ما يؤكد
أن دعاوى التسامح في المسيحية لا وجود لها في الواقع، وكانت أخر ممارسات الكنيسة التعسقية هو محاولة
منع إقامة العزاء بمسجد عمر مكرم في وفاة الأستاذ هاني شكر الله رئيس تحرير
الأهرام ويكلي السابق الذي أقيمت صلاة الجنازة عليه بمسجد الحامدية الشاذلية، ..
وزعمت الكنيسة أن الأستاذ هاني شكر الله قدعاد إلى المسيحية بعد أن أشهر إسلامه ..
كان زعم الكنيسة محض تقولات لا سند لها في الأوراق الرسمية !!
فالكنيسة لا تتسامح مع
المختلفين معها ومع العابرين من المسيحية إلى الإسلام، وتمارس أبشع ألوان الانتقام
منهم من تضييق في الرزق، والحرمان الكنسي، والتعذيب، وعمليات غسيل الدماغ القذرة
والتي تسمى بـ «جلسات النصح»، والاحتجاز الأبدي بين جدران الأديرة حتى الموت (حالة
السيدة وفاء قسطنطين والسيدة كامليا شحاتة) مثالان.
كانت السيدة/ وفاء قسطنطين
زوجة كاهن كنيسة (أبو المطامير) آنذاك . أول هؤلاء اللاتي ُسلِّمن إلى الكنيسة في
سنة 2004 التي أودعتها دير الأنبا مقار بوادي النطرون (حسبما أعلن الأسقف الأنبا
باخوميوس أسقف البحيرة ومطروح والمدن السبع الغربية في سبتمبر 2010). وهي لا تزال
تحيا فيه حبيسة ممنوعة من مغادرته حتى اليوم. وقد ثار شباب ورجال أقباط على بقاء
السيدة/ وفاء قسطنطين في حماية الدولة وطلبوا أن تقع في قبضة من يقيد حريتها بغير
سند من القانون، وتظاهروا في مقر الكاتدرائية بالعباسية، وألقوا حجارة على رجال
الأمن فأصيب منهم (55) من بينهم خمسة ضباط، واعتُديَ بالضرب على الصحفي مصطفى
سليمان، من صحيفة الأسبوع وانتُزِعَتَ منه بطاقته الصحفية وآلة تصوير، واعتديَ
بالتهديد على الصحفية نشوى الديب، من صحيفة العربي، ولولا حماية رجل قبطي، ذي
مروءة، لها لكان نالها مثل ما نال زميلها. وقد نشرتْ تفاصيل مسألة وفاء قسطنطين
منذ إسلامها إلى تسليمها جميع وسائل الإعلام المصرية، وكثير من وسائل الإعلام
العربية والعالمية*
(2)
• وقد تزامن مع تسليم وفاء
قسطنطين تسليم السيدة/ ماري عبد الله التي كانت زوجة لكاهن كنيسة بالزاوية الحمراء
إلى الكنيسة، بعد أن أسلمت. وفي أعقاب هاتين الحادثتين المخزيتين سلمت إلى الكنيسة
(في مارس 2005) طبيبتي الامتياز ماريا مكرم جرجس بسخريوس، وتيريزا عياد إبراهيم في
محافظة الفيوم وأعلن الأنبا أبرام وكيل مطرانية سمالوط أن الفتاتين «هما الآن تحت
سيطرتنا»*(3)
وتبع هاتين الحادثتين تسليم
بنات السيدة ثناء مسعد، التي كانت مسيحية وأسلمت ثم قتلت خطأ في حادث مرور، إلى
زوجها المسيحي، بقرار من النيابة العامة ليس له سندٌ من صحيح القانون*(4)
الفصل
الرابع عشر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفاء قسطنطتن
.. مسلمة بين جدران الدير
!!
.. فى
حضرة الوثائق والمستندات .. يصمت الجميع ..ويصبح الكل أسرى سطوة الوثيقة ، وقوة
المستند فلا صوت يعلو فوق صوتهما؛ فلهما وحدهما اليد العليا وفصل الخطاب.
الوثائق والمستندات هما
القادران على نزع أقنعة الزيف عن وجوه أشباة الرجال ، وأسقاط ورقة التوت عن عورات
فساد الأنظمة ، وكشف سوءات مؤسستى التدين
القشرى الزائف الداعمتان لضلاله!!،.. ووضع رجالهما عرايا من كل زيف أمام أنفسهم،
بعيداً عن غطاء من أكاذيب إعلام مُضلل.
لا فضيلة لشيخ، ولا قداسة لكاهن؛ فالدين
للديّان جل جلاله؛ وكلنا بشر، وكلنا مصريون.
.. فى هذا الملف ننحى القلم
والنفس جانباً ، ونترك الوثائق والمستندات تبوح بمكنوناتها، وتفضى بأسرارها، وتروى
عن نفسها الكثير مما نتعفف عن الخوض فيه، وندعها تصرخ بالحقيقة فى وجه من احترف
الصراخ!! فليس الأعلى صوتا هو الأقوى حجة ، وليس مدعى الحق هو دائما صاحبه.
الوثائق والمستندات وحدهما
هما القادران على حكاية قصة مواطنة مصرية تدعى : وفاء قسطنطين مسيحة .
البداية :
ــــــــــــــ
.. تجمع غاضب من مسيحيين ريفيين بسطاء وطيبين أمام
الكاتدرائية بالعباسية ؛ بعد أن نجح كاهن معدوم الخلق والضمير فى إشعال نيران
الطائفية فى صدورهم بدعوى « الدفاع عن الصليب « وتخويفهم من السقوط فى مستنقع «
العار الاجتماعى» إذا لم يستعيدوا زوجة القس يوسف معوض فرج التى أشاعوا خبراً عن
اختطافها قسراً من قبل أحد زملائها .
.. لكن الحقيقة المثبتة فى محاضر الشرطة كانت تنطق
بشئ أخر .
المستند الأول :
المستند عبارة عن محضر شرطة رقم 13760 محضر شرطة السلام ـ ادارى عين شمس
والذى جاء فيه :
« فى 12/1 / 2004 الساعة 4 مساء
أثبت الآتى : بمعرفتنا نحن
عميد / أحمد إسماعيل حشاد مأمور القسم، حضرت وفاء قسطنطين مسيحة، 46 سنة، مسيحية
الديانة وتعمل مهندسة زراعية بهيئة الإصلاح الزراعى ببلدة أبو المطامير، وأبدت
رغبتها فى إشهار إسلامها ، وأضافت أنها اقتنعت بالدين الإسلامى منذ عامين وتواظب على
أداء فروض الإسلام من صلاة وصيام.
.. وأضافت : « أنها غادرت محل إقامتها منذ أيام
بمحض إرادتها، وأقامت لدى بعض معارفها فى القاهرة والمنوفية وأنها لم تتعرض لضغط
لإشـهار إسلامها .» .
.. كما أضافت أن : « ابنتها
شيرين يوسف فرج على علم بذلك .» .
***
وقد تم التنبية على المذكورة بضرورة إحضار ما
يفيد إثبات شخصيتها ومعاودة الحضور للقسم لاتخاذ الإجراءات
المستند الثانى :
.. أعيد فتح المحضر فى
الساعة 9 من صباح 2 / 12 / 2004 بعد إحضار المذكورة لتحقيق شخصيتها وتبين أنها
متزوجة من القس يوسف معوض فرج ، كاهن بجمعية حوش عيس بأبو المطامير التابعة
لمطرانية البحيرة للأقباط الأرثوذكس والمقيم بذات العنوان وله عنوان أخر
بالأسكندرية .
.. ونظراً لحساسية الموقف
لزواجها من رجل دين مسيحى ، تم إفهامها أن إجراءات الإشهار تتطلب التأكد من مراجعة
المسئولين بالكنيسة، وقد أبدت المذكورة استعدادها لتنفيذ كافة الإجراءات وتحملها
لكافة الإجراءات .
المستند الثالث :
محضر رقم 6038 إدارى أبو
المطامير بتاريخ 2 / 12 / 2004 الساعة الواحد و 45 دقيقة بعد الظهر.
ملخص الواقعة فيما أثبته
الرائد / محمد أبو كيلة رئيس مباحث أبو المطامير فى محضر جمع الاستدلالات :
بلاغ من مسيحة قسطنطين مسيحة،
فنى هندسة ميكانيكا بشركة سيراميكا الجوهرة ومقيم بمدينة السادات منوفية والذى قرر
أن شقيقته وفاء حضرت من الاسكندرية لمركز أبو المطامير صحبة ابنها مينا بتاريخ
27/11/2004 وخرجت ولم تعد، واتهم محمد على مرجونة رئيس قسم بالإصلاح الزراعى بأنه
السبب وراء اختطافها لسابق تحريضها على ترك منزل الزوجية أكثر من مرة .
المستند الرابع :
أعيد فتح المحضر 13760 إدارى
عين شمس بتاريخ 3/12/2004 الساعة 11 صباحاً بمعرفتنا نحن عميد أحمد إسماعيل حشاد
مأمور قسم السلام .
أثبت الآتى : بالتنسيق مع
مباحث أمن الدولة، تم مراجعة مديرية أمن البحيرة وتبين وجود محضر باختفائها ، وتم
إحاطة الأنبا باخوميوس (مطران البحيرة للأقباط الأرثوزكس) برغبة المذكورة فى إشهار
إسلامها واستعدادها للالتقاء بأى من رجال الدين المسيحى لإبلاغهم بذلك .
المستند الخامس :
أعيد فتح المحضر 13760 إدارى
عين شمس بتاريخ 8/ 1 /2004 الساعة 6 مساء بمعرفتنا نحن المحقق السابق.
أثبت الآتى : «بالتنسيق مع
مباحث أمن الدولة والأنبا باخوميوس، تم اختيار فيلا كائنة 53 بشارع على باشا
اللالى ـ النعام ـ عين شمس للالتقاء المسئولين بالكنيسة مع السيدة المذكورة لتدارس
موقفها وابداء النصح لها، وتم ابلاغ السيدة المذكورة حيث أبدت موافقتها، وقررت
أنها ستتوجة إلى مستشفى كليوباترا لإجراء بعض الفحوص .
بعد الانتهاء من الفحوص، وفى
الموعد المحدد التقت المذكورة بالقس بطرس جيد راعى كنيسة السيدة العذراء وبعض
الراهبات المكلفات من الكنيسة .
المستند السادس :
عبارة عن تقرير الطبى عن الحالة الصحبة للسيدة / وفاء قسطنطين، جاء فيه:
ـ ضغط الدم 140 / 90
ـ القلب سليم والصدر سليم والأطراف سليمة ، كما أن درجة السمع سليمة، وتم
عمل رسم قلب وجد أنه سليم، وأنها لاتعانى من إصابات ظاهرية.
ـ د . أشرف الشربينى ـ أخصائى باطنة
ـ د . أحمد كمال ـ أخصائى جراحة
ـ مدير المستشفى : د . كامل خليل
الحلقة المفقودة :
بين إصرار السيدة على معتقدها
الجديد ، وحالة الإعياء التى بدت عليها فى سراى نيابة عين شمس فى 14 / 12 / 2004
لتقر بالتراجع عنه أمام النيابة، حلقة مفقودة كشف عنها منير فخرى عبد النور فى
حواره بعنوان : «منير فخرى عبدالنور سكرتير عام حزب الوفد يواصل حواره مع «المصرى
اليوم»:« أحب البابا شنودة وأصلى خلفه.. ولكن أرجوه ألاّ يتدخل فى السياسة» مع
الزميلة رانيا بدوى فى العدد رقم2089
بتاريخ 3 / 3 /2010 من جريدة «المصرى اليوم» بقوله :
« أيام أزمة وفاء قسطنطين
كنت عائدا ليلاً من وادى النطرون بعد مقابلة البابا شنودة وقد فشلت فى إقناعه
بالعودة إلى القاهرة بعد أن قرر الاعتكاف ورفض العودة إلا بعد عودة وفاء قسطنطين ،
وكنا على مشارف عيد واعتكاف البابا وعدم عودته كان سيتسبب فى أزمة أكبر، فاتصلت
بالدكتور زكريا عزمى الذى تدخل ولم يهدأ له بال إلا بعد أن أجرى اتصالاته وتأكد من
وجودها فى إحدى مديريات الأمن وأمر بتسليمها للبابا شنودة فى دير وادى النطرون.»(1)
ملحوظة : أكد صحة ما جاء
بشهادة منير فخرى عبد النور ، شهادة أحد موظفى الأزهر (الشيخ ف. ز.) الذى أكد فيها
: «أنهم تلقوا اتصال من مسئول يأمرهم بعدم إعطاء المذكورة الشهادة التى تثبت إسلامها.»،
وقد قال لى أحد الزملاء (م.م.أ.) من كبار الصحفيين المتصلين بدوائر صنع القرار أن
الرئيس المخلوع حسني مبارك أمر بتسليم وفاء قسطنطين إلى الكنيسة قائلا:»أنا مش
هولع في البلد عشان واحدة مسيحية أسلمت.»، وحكى د. مصطفى الفقي عن الدور المشين
لشيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي في تسليم وفاء قسطنطين للكنيسة قائلاً :
«مازلت أتذكر أنه اتصل بى
(سيد طنطاوي) أثناء أزمة «وفاء قسطنطين»
وقال لى إنه يريدنى أنا والدكتور «أسامة الباز» للذهاب إلى حيث توجد تلك السيدة
لكى نقوم معه بتسليمها للمقر البابوى تأكيداً لحسن النية ولوأد الفتنة
الطائفية»!!*(2)
المستند السابع :
عبارة عن ما هو محضر تحقيق
بتاريخ 14 / 12 / 2004 فى سراى نيابة عين شمس بمحكمة مصر الجديدة بمعرفة الأستاذ /
أيمن البابلى رئيس النيابة ، جاء فيه : « فتح المحضر حول واقعة إسلام وفاء قسطنطين
وبمناسبة وجودها خارج غرفة النيابة تمت المنادة عليها فحضرت ومعها المحاميان فكرى
جرجس ورفعت سليمان ، وأقرت أنها كانت تمر بأزمة نفسية جعلتها تقرأ بعض الكتب
والمجلات الإسلامية و طلبت إشهار إسلامها وعندما قابلت لجنة النصح ، اقتنعت بنصح
اللجنة، وعندما سألتها النيابة عن قرارها فى القضية قالت : لقد ولدت مسيحية ، وعشت
مسيحية، وسوف أموت مسيحية.»؛ .... وبناء عليه تم صرفها من سراى النيابة .
.. لتمضى فى طريقها نحو
المجهول، الذى حجبه الضباب، وحلقت فوقه غربان الشائعات السوداء !!
***
هذا ما توافر لدينا من مستندات وشهادات،
عرضناها بأمانة دفاعاً عن دولة القانون، ولم يكن لنا دافع سوى إخراس صوت البوم
الذى ينعق بالخراب فى سماء الوطن من أصحاب العمائم السوداء والبيضاء على السواء،
وأن نضع الحقيقة فى أعين الذين يحومون بالشر حول رؤوسنا ليل نهار ويتغولون على
الدولة!!، ولنؤكد لأهلنا الطيبين فى الوطن أن وراء كل فتنة كذبة كبيرة وسوداء.
الفصل
الخامس عشر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطغيان الكنسي !!
مارست الكنيسة أبشع أنواع
الاستقواء على مؤسسات الدولة عبر تنظيم الوقفات الإحتجاجية لشباب الأقباط ودفعهم
للتظاهر وممارسة العنف مدعومين بجهات مشبوهة خارج البلاد وبدعم جماعات من أقباط
المهجر التي دأبت على نشر إعلانات مدفوعة الثمن في الصحافة العالمية لأثارة الرأي
العام الغربي ضد النظام في مصر بهدف ابتزازه !!
ولم تكف الكنيسة عن عبثها
بمقدرات الوطن ففي يونيو 2010، رفض البابا شنودة الثالث، تطبيق حكم صادر عن
المحكمة الإدارية العليا التي قضت بإلزام الكنيسة بمنح بعض الأقباط تصريح بـ
«الزواج الثاني» للأقباط الذين حصلوا على حكم بالطلاق من القضاء. أعلنت الكنيسة
أنها تحترم القانون، ولكن لايمكنها أن تقبل الأحكام التي تناقض تعاليم الكتاب
المقدس.
كما نجحت الكنيسة عبر فاسدين
في نظام مبارك في انتزاع الحق في إدارتها للأوقاف القبطية وسلخها «الهيئة المصرية
العامة للأوقاف»، واستمراراً لحالة الغول الكنسي على مؤسسات الدولة رفضت الكنيسة
طلب السماح للمؤسسات الرسمية بالإشراف على ميزانياتها وأنشطتها الكنيسة باعتبارها
مؤسّسة عامة غير أن الكنيسة رفضت، وتجاهل نظام مبارك تلك الأمر.
وقد انتهت الممارسات
العبثية للكنيسة في لعبة «استعراض القوة» بالكارثة التي أسمتها بعض الأوساط الصحفية «أحداث ماسبيرو» أو
«مذبحة ماسبيرو» في 9 اكتوبر 2011، والتي تُعرف في كتابات الأقباط باسم «أحداث
الأحد الدامي» أو «الأحد الأسود» والتي بدأت أحداثها بتظاهرات انطلقت من شبرا
باتجاه مبنى الإذاعة والتلفزيون ضمن فعاليات يوم «الغضب القبطي»، ردًا على ما زعمه
الأقباط من قيام سكان قرية المريناب بأسوان بهدم كنيسة قالوا أنها غير مرخصة،
وتصريحات لمحافظ أسوان اعتبرها الأقباط مسيئة بحقهم، وتحولت إلى مواجهات بين المتظاهرين وقوات من
الشرطة العسكرية والأمن المركزي، وأفضت إلى مقتل بين 24 إلى 35 شخصًا أغلبهم من
الأقباط وبعضهم من المسلمين .
عبر انتهاج آليات إعلامية
لإثارة الفتنة وبث الفرقة بين أبناء الوطن بدأت الكنيسة المناوشات الإعلامية بحديث
للأنبا بيشوي الرجل القوي في الكنيسة في حوار ساخن لجريدة «المصري اليوم» بعنوان:«
نحذر من مواجهة بين القضاء والإنجيل بسبب لائحة الأحوال الشخصية»، أهدر فيه أحكام
القضاء التي قضت بإلزام الكنيسة بمنح بعض الأقباط تصريح بـ «الزواج الثاني»، جاء
فيه :
«تبقي الدولة اختارت
ركوب الصعب، وساعتها هنقول للقاضي تعالي اتفضل زوّج الحاصلين علي الأحكام بنفسك،
وللعلم هذا الموضوع سيكون بمثابة اصطدام مباشر مع الضمير المسيحي، ومواجهة حقيقية
بين القضاء والإنجيل، ولا يجوز أن يشهد عصر مبارك ما لم يحدث في عهد السادات، ولن
يستطيع أحد إجبار الكنيسة علي مخالفة الإنجيل» .
ولم يخلو حديث بيشوي من لهجة
الوعيد فأضاف :
«وعلي القاضي الذي حكم
بأحقية المطلّق المسيحي في الزواج الثاني أن يحسب نتائج وتداعيات هذا الحكم، لأن
البابا ليس وحده، ولو الدولة فاكرة إن البابا هو العقبة الوحيدة اللي في طريقهم؛
فهذا غير صحيح، فالبابا معه ٨٠ أسقفاً يمثلون ٨٠ عقبة، ستكون ألغاماً من الصمود
والتمسك .».
وعندما سأله الصحفي القائم
على الحوار :
ـ ماذا تقصد بـ ٨٠ لغماً؟
قال :
« أقصد أعضاء المجمع المقدس، وأنا علي رأسهم،
لأن مصر معروفة بشهدائها من أيام العصر الروماني بسبب تمسكهم بالإنجيل، «يبقي نيجي
علي آخر الزمن ونلاقي الدولة بتصطدم مع الإنجيل من خلال المحاكم، هذا لا يجوز.».*
(1)
.. وابتلعت مؤسسات الدولة
الإهانة، وغض القضاء الطرف عن إهدار أحكامه رغم المغالطات التي وردت في حديث
المذكور خاصة أن أن السيد المسيح عليه السلام لم يقم شعائر وصلوات دينية لمراسم
الزواج وأن المسيحية لم تعرف الكنيسة إلا في القرن الرابع الميلادي وأن الثلاثة قرون
الأولي من تاريخ المسيحية لم تحتفظ لنا بترتيبات طقوس كنسية لمراسم الزواج؛ فالسيد
المسيح في عرس قانا لم يقل بأى تعاليم أو
طقوس أو ترتيبات خاصة بالزواج ولم يعترض على الزواج المدنى بل شارك فيه واحتفل مع
المحتفلين .
يقول «جوزيف مارتوس» مؤرخ التاريخ الكنسي مؤكداً:
«بدخول القرن الثامن
الميلادي أصبحت الزيجات الطقسية شائعة، وتمارس في الكنيسة وليس في البيوت كالسابق،
وظهرت قوانين مدنية جديدة تجيز هذا الشكل الجديد من احتفالات الزواج، وفي القرون
اللاحقة ظهرت قوانين أخرى تلزم القسيس بالقيام رسميا بكل طقوس الزواج، أصبحت
مباركة الكاهن أساسية لزواج اثنين مسيحيين في سر الزيجة».
ولم تكد تهدأ الفتنة الأولى
حتى أدلى بيشوي بحديث أخر لجريدة «المصري اليوم جاء فيه :
«- إن من يعلن رغبته فى اعتناق المسيحية الآن
تأخذه الشرطة «يرنُّوه علقة تمام ويتحبس عدة أيام علشان يرجع عن اللى فى دماغه».
- أما الخلاف على بناء الكنائس أو الأسوار فلم
يحدث إلا فى المنيا والسبب هو المحافظ نفسه، حيث أخذ موقفًا ضد المصابين فى حادث
أبوفانا من طالبى الرهبنة ورفض علاجهم... وما وقع لا يتعلق بسور أو كنيسة بل كان
هجومًا بالأسلحة على الدير.
- ألا يكفى أن الجزية فرضت
علينا وقت الفتح العربى، تريدون الآن أن تُّصَلُّوا لنا... وتقيموا الصلوات
والقداسات؟
- الأقباط أصل البلد، نحن
نتعامل بمحبة مع ضيوف حلوا علينا ونزلوا فى بلدنا واعتبرناهم إخواننا «كمان عايزين
يحكموا كنايسنا» أنا لا أرضى بأى شىء يمس المسلمين، ونحن كمسيحيين نصل إلى حد
الاستشهاد إذا أراد أحد أن يمس رسالتنا المسيحية .
ـ عن تفسير آيات القرآن
الكريم بما يوافق العقيدة المسيحية كما يعتنقها الأنبا بيشوي، وحديثه عما إذا كانت
بعض آيات القرآن قد أضيفت في زمن متأخر في عهد الخليفة عثمان بن عفان .»*(2).
***
أثار حديث بيشوي الفتنة
والغضب بين شباب المسلمين الذين نظموا وقفة احتجاجية على سلم نقابة الصحفيين هتفوا
فيها :
« شيخ الأزهر ساكت ليه .. ده أنت طلعت ضيف
عليه» .
الفصل
السادس عشر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكذوبة «رواق الأقباط»
ولأن بعض مشاغبي الأقباط لا
يكفون عن إثارة المتاعب، والنفخ في نيران الفتنة؛ فقد أثيرت مسألة تتناول إمكانية
التحاق الطلاب الأقباط بجامعة الأزهر خاصة في الكليات العملية : الطب ، الهندسة ،
الصيدلة ، أفعلام استنادا إلى مبدأ المواطنة,ا، جامعة الأزهر جامعة مصرية
وميزانيتها ضمن الميزانية العامة للدولة، وهو مطلب في ظاهرة عادل وفي باطنة إثارة
لنوازع الفتنة التي لا يستند قوامها على منطق رشيد ولأن المنطق معوج والخطاب أرعن
راح يستند على الأكذوبة لإيجاد الذريعة ..
كانت الأكذوبة مفادها أنه كان في الأزهر رواق للأقباط ، ومع الإلحاح والتكرار بات
الرواق حقيقة ووجودة مؤكد وعلت المطالبات
بضرورة إعادته دون أن يقدم لنا أحددهم وثيقة واحدة أو شهادة أحد الرحالة أو
المستشرقين عن الرواق «المزعوم» .. أو يدلنا عن مكانه بين الأروقة , أو يجيبنا من
مشايخة ؟! أو من طلابه؟! ومتى ظهر؟! ومتى
توقف ؟!
كانت تلك التقولات يشوبها
الكثير من الغموض وتثير العديد من الأسئلة التي تفتقد الإجابات، وكان الإصرار
القبطي « الاعتباطي» على أنه كان الطلاب الأقباط يدرسون في الأزهر قديما، حتى أنه
كان لهم رواقا داخل المسجد اسمه (رواق الأقباط)، وظلوا يرددون تلك الأكاذيب خلال
السنوات القليلة الماضية، دون سند أو مستند أو وثيقة تدعم تلك «التقولات» !!
..وبعيدا عن أي اعتبارات، فإن
ما يهمنا هنا هو التوثيق التاريخي.. فهل كان هناك «رواق للأقباط» بالفعل داخل الأزهر
الشريف؟ وهل كان الطلاب المسيحيين يتلقون العلم داخل المسجد بالفعل؟ ومن المسئول
عن «رواق الأقباط»؟!!، وهل كان شيخ أم كاهن ؟!! ومن هم الطلاب الذين درسوا في هذا
الرواق؟ وما موقعه بالضبط بين الأروقة العديدة داخل المسجد الأزهر؟ ومتى ظهر؟!!،
ولماذ أختفى ؟!!
يقول الكاتب حلمي النمنم في
كتابه «الأزهر.. الشيخ والمشيخة»، إن فكرة الأروقة بالمعنى العلمي لها ظهرت في
العصر العثماني وليس قبل ذلك، وكان الرواق أقرب إلى المدينة الجامعية اليوم، فقد
كان بعض الطلاب الذين يدرسون بالأزهر يقيمون داخل المسجد بشكل دائم، حيث كان يخصص
مكان لأبناء كل منطقة، ويطلق على هذا المكان اسم «رواق»، ويحمل الرواق اسم المنطقة
التي قدم منها الطلاب المقمين فيه، فقد كان هناك رواق «الصعايدة»، ورواق
«الشراقوة» ورواق «الشوام» ورواق «اليمنية».
فيما يؤكد النمنم في كتابه،
إنه لم يتوصل إلى أي مصدر تاريخي موثوق يتحدث عن وجود رواق مخصص للأقباط في المسجد
الأزهر في أي مرحلة من مراحل المسجد التاريخية منذ إنشائه قبل ما يزيد على ألف عام
بعد دخول الفاطميين إلى مصر وبناء مدينة القاهرة، وحتى الآن.
ويقول إن المؤرخ الكبير تقي
الدين المقريزي، أفرد فصلا مطولا في كتابه «الخطط» للحديث عن الجامع الأزهر، وتحدث
فيه باستفاضة عن الغرباء من التجار وغيرهم الذين يبيتون بالأزهر وكذلك الفقراء
الذين لا يجدون سكنا، إلا أنه لم يذكر أي وجود للأقباط بين طلاب الأزهر.
ويستشهد كذلك بطه حسين، قائلا
: إن طه حسين خصص الجزء الثاني من كتابه «الأيام» للحديث عن تجربته في الأزهر، ولو
أن هناك رواقا للأقباط ما فات الدكتور طه حسين أن يتحدث عنه أو يذكر أي شيء حوله،
بالرغم عن حديثه عن طلاب الشرقية وطلاب الصعيد والرواق العباسي والمناوشات التي
كانت تجري بينهم، دون أن يذكر سيرة أي طالب قبطي.
ويضيف :«وقبل طه حسين هناك
تجربة الإمام محمد عبده في الأزهر، مجاورا ومعلما وداعيا إلى الإصلاح وفي كل ما
كتبه الإمام حول الأزهر لا نلمس أي تواجد لرواق الأقباط.
كما أن هناك دراسة إحصائية
تتعلق بالدراسة في الأزهر الشريف، نشرت بمجلة (روضة المدارس) عام 1876م، رصدت
أعداد الطلاب في الأروقة وتقسيماتهم المذهبية وعدد المدرسين وإحصاء عدد الأروقة
وتصنيفها الجغرافي، ولا نجد في هذا الإحصاء أي ذكر لما يسمى برواق الأقباط.» .
وفي نوفمبر 1954م صدر قرار
جمهوري بإلغاء الأروقة وأنشئ بدلا منها مدينة البعوث الإسلامية، التي كان اسمها في
البداية «مدينة ناصر للبعوث»، ونقل إليها المجاورون أو طلاب الأروقة ولم يكن بينهم
طالب واحد قبطي.
ويؤكد مؤلف كتاب «الأزهر..
الشيخ والمشيخة»، إن فترة الحكم العثماني التي ظهرت فيها الأروقة، كان الأزهر مؤسسة
إسلامية سنية ومن ثم لم يكن ممكنا لغير المسلمين، سواء مسيحي أو يهودي أن ينخرطوا
في هذه الجامعة، كما لم يكن ممكنا حتى للمسلم الشيعي أن يدرس به.*(1)
***
.. ووسط حالة من الضجيج المزعج سارع أحد
المحامين الأقباط بإقامة دعوى أمام محكمة القضاء الإداري بإلزام الأزهر بقبول
الأقباط في جامعة الأزهر، بمبرر تحقيق مبدأ المواطنة، ومنعا للتمييز والطائفية
وتحقيق المساواة التى نص عليها الدستور، مشيرا إلى أن جامعة الأزهر تمول من
ميزانية الدولة ودافعى الضرائب من المسلمين والمسيحيين، ورفضت الدعوة في شقها
المستعجل .. لكن أوراق الدعوة قد حملت في طياتها السبب الحقيقي لإقامتها وهو
المطالبة بالسماح بإنشاء جامعة علمية للمسيحيين فقط من ميزانية الدولة على غرار
جامعة الأزهر، وهو مطلب يستحق الاهتمام والمناقشة في إطار احتياجات البحث العلمي
ومتطلبات سوق العمل في مصر دون حاجة إلى التحرش «القانوني» بجامعة الأزهر، ودون
مماحكة بمبدأ المواطنة ومنع التمييز، ودون اختلاق الأكاذيب عما اسموه «رواق
الأقباط» بالأزهر دون سند من الحقيقة أو التاريخ !! .
الخاتمة
الحالة الدينية في مصر ليست على ما يرام؛ فقد
همشت الكنيسة الأرثوذكسية رعاياها وحولتهم إلى مجرد كائنات «زومبية» تأتمر
بأوامرها، ولا تستطيع الخروج عليها فالكنيسة هي التي تتفاوض مع النظام السياسي
بالنيابة عنهم، وتتولى التعبير عن مطالبهم السياسية والاجتماعية بما يجعل الكنيسة
بمثابة طبقة عازلة بين الأقباط وصانع القرار في مصر مما عمق عزلة الأقباط، وحال
بينهم وبين الانضمام إلى الأحزاب أو الحركات السياسية، وأعاق تفاعلهم مع القوى
السياسية والاجتماعية الأخرى، واندماجهم في المجتمع المدني والسياسي.
.. وأصبح الأقباط لا يشاركون إلا في
الأنشطة التي تنظّمها الكنيسة، ولا يستطيع مثقفو الأقباط إبداء رأى لا يتفق مع
مطلقات الكنيسة العقائدية والسياسية والاجتماعية وإلا تعرض لظلم وظلام «الحرمان
الكنسي» الذي توسعت فيه الكنيسة بشكل غير مسبوق وأصاب عسفه د. نظمي لوقا مؤلف كتاب
«محمد .. الرسالة والرسول»، والأستاذ موسى
صبري، والقس ابراهيم عبد السيد مؤلف كتاب : «أموال الكنيسة القبطية .. من يدفع؟!
ومن يقبض؟!»!!
.. بما يعني أن الكنيسة أصبحت بالنسبة
للأقباط بديلاً عن الوطن والدولة ومؤسساتها والأحزاب والنادي والمؤسسات الثقافية
وأصبحت تحدد لهم ماذا يقرأون، وماذا يشاهدون ؟!!، وأين يذهبون، ومع من يتعاملون!!
ساعد الكنيسة في أداء دورها في «الوصاية على الأقباط» بعد
وفاة البابا يوساب الثاني في ظروف أحاطت بها ملابسات غامضة في 13 نوفمبر 1956،
وترسيم البابا كيرلس السادس في 17 مارس 1959 بإحياء طقس القرعة الهيكلية*(1)
للدفع به إلى كرسي البطريركية رغم حصوله على أقل الأصوات بين المرشحين الخمسة
لكونه الصديق الشخصي للرئيس جمال عبد الناصر، وكان يقوم بدور «العراف الشخصي» له،
وكان يستطيع مقابلته في أي وقت من ليل أونهار !!.
وبتلك العلاقة بين البابا كيرلس والرئيس
عبد الناصر نجحت الكنيسة في عقد عدة اتفاقات مع النظام القائم وصار عرفاً في علاقة
الكنيسة بالنظم السياسية المتتالية مدعوما بمساندة أجهزة أمنية بعينها وكان
للكنيسة القبطية من وراء تلك الإتفاقات مصلحتان رئيستان :
المصلحة الأولى : الحفاظ على استقلالها المؤسّسي في مواجهة
مؤسّسات الدولة.
المصلحة الثانية : احتكار الحق بالتحدّث
باسم الأقباط .
وقد دافع بعض الفاسدون في نظام مبارك عن
كلا المصلحتين لصالح زعامة الكنيسة؛ ففي عهد مبارك تم التعاطي مع الكنيسة
باعتبارها الممثّل الوحيد لأقباط مصر، وأن الأقباط كيان واحد متجانس ـــ وهذا غير
حقيقي ــ كما حمى النظام الاستقلالَ المالي للكنيسة بمعزل عن رقابة الأجهزة ورقابة
القضاء، وسمح للكنيسة بتجاهل أحكام القضاء
في مايتعلّق بقضايا الأحوال الشخصية للأقباط، وسمح لها أيض باحتجاز المواطنات
المسيحيات اللائي عبرن من المسيحية إلى الإسلام في الأديرة دون سند من صحيح
القانون وبالمخالفة للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وقعت عليه مصر في
4 أغسطس 1967 وأقرته بموجب القرار الجمهوري 536 لعام 1981 المنشور في الجريدة
الرسمية المصرية العدد 15 في 15 إبريل 1982، ودخل حيز النفاذ في 14 إبريل 1982،
وبعد إقرار مصر للاتفاق وتوقيعها عليه أصدرت الإعلان التالي: «خضوعاً للشريعة
الإسلامية وبالاتساق معها».
.. وفي 25 يناير 2011 حاولت الكنيسة منع
شباب الأقباط من المشاركة في التظاهرات والاحتجاجات دعماً لنظام مبارك إلا أن
شريحة من الشباب القبطي رفضت إطاعة أوامر الكنيسة، وانضمّت إلى المحتجّين الآخرين،
عمقت فترة بقاء شباب الأقباط مع إخوانهم من شباب المسلمين في ميدان التحرير
(18يوم) روح التسامح الديني بينهم، فمينا يصب الماء لمحمد ليتوضأ لصلاة الفجر
ومحمد يقوم بحراسة مينا أثناء أداء قداسه فضلاً عن اقتسام الطعام والشراب والغطاء
في ليل الشتاء، .. واكتشف كلا الجانبان إن إشاعة الاحتقان المتوارث بينهم مفتعل
وأن الخلاف بين أفرد الجماعة الوطنية يمكن تجاوزه بسهولة، ووضع الشباب أيديهم عبر
الحوار الصادق النقي على المشكلة الحقيقية وهى أنهم كانوا ضحايا لغياب الحوار
الجاد الذي يبدأ بالاقتراب من الآخر بغرض معرفته في ظل «المشترك الإنساني»
و«القواسم الوطنية»، واحترام اختياراته دون إساءة إلى «شرف الحوار» ودون مساس
بأمنه وديانته ومعتقداته .
وأكتشف الجميع أيضا أنهم عاشوا عمرهم أسرى
لحالة من الجدل الأسود تستهدفهم ليل نهار بما تنطوي عليه من النفاق والكذب
والمرواغة والالتباس وترويج لخطاب الأكاذيب والغش والتدليس والخداع وتغيب الحقائق
والمعلومات، وهو أمر يمكن تجاوزه واحتواء تداعياته عبر آليات معالجات موضوعية في
سياسات التعليم والإعلام والدين والأمن والثقافة تؤدي إلى تجاوز الأوضاع الراهنة
من خلال تجديد الخطاب والتعليم الديني لكلا الجانبين؛ فمصر طوال تاريخها بلد
التعددية الدينية والتسامح الديني، وهذا معطى تاريخي واقعي لا توازية أو تدانيه
أية شهادة فكرية؛ فشهادة التاريخ أرجح في ميزان الاعتبار، وينطق بها سجل علاقات
المسلمين بغيرهم على مدى التاريخ، وهو ما كشفت عنه نقوش الجينزا التي تم تهريبها
إلى خارج مصر بغرض محو الذاكرة الوطنية وتزوير التاريخ !!
مراجع الكتاب :
ـــــــــــــــــــــــــــ
1.
اسبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة وتقديم د. حسن حنفي، مراجعة د. فؤاد
زكريا ـ دار التنوير ـ بيروت
2.
نبيل عبد الفتاح، الدين والدولة والطائفية، دراسات في المواطنة ـ٢ ، مؤسسة المصري
للمواطنة والحوار ـ ط ١ ، القاهرة ٢٠١٠
3.
د . قاسم عبده قاسم ، ماهية الحروب الصليبية ، عالم المعرفة ـ العدد 149، الكويت ـ
مايو 1990
4.
أمين معلوف، الحروب الصليبية كما رآها العرب، ترجمة د . عفيف دمشقية، دار الفارابي
ـ ط 2، بيروت 1998
5.
د. سعيد عبد الفتاح عاشور ، أضواء جديدة علي الحروب الصليبية، المكتبة الثقافية العد
118 ـ الثقافة والإرشاد القومي، الدار المصرية للتأليف والترجمة ، القاهرة أكتوبر
1964
6.
جاك تاجر، أقباط ومسلمون منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢ ، مؤسسة هنداوي للتعليم
والثقافة، القاهرة ٢٠١٢
7.
د. أحمد حسين الصاوي، المعلم يعقوب بين الأسطورة والحقيقة، الهيئة العامة لقصور
الثقافة، سلسلة ذاكرة الوطن، القاهرة ٢٠٠٩
8.
يعقوب نخلة روفيلة، تاريخ الأمة القبطية، الطبعة االأولى، مطبعة التوفيق ـ القاهرة
١٨٩٨
9.
سليمان شفيق، الأقباط بين الحرمان الوطني .. والحرمان الكنسي، الأمين للنشر
والتوزيع ، ط1 ـ القاهرة 1996
10.
حسام عيتاني، الفتوحات العربية في روايات المغلوبين، دار الساقي بيروت ـ لندن ، ط
1 ـ 2011
11.
زكي شنودة ، موسوعة تاريخ الأقباط
12.
ساويرس ابن المقفع ، تاريخ البطريركية
13.
أفتيشيوس المكني بسعيد ابن بطريق، التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق ، مطبعة الأباء
اليسوعيين، بيروت 1905..
14.
ليبنيز، المخطوط السري لغزو مصر، ترجمة د . أحمد يوسف، كتاب الهلال، العدد 525،
سبتمبر 1994 ـ دار الهلال ـ القاهرة
15.
شفيق غربال، المعلم يعقوب والفارس لاسكاريس، ومشروع استقلال مصر عام 1801 : دار
الشروق ـ القاهرة 2009
16.
أحمد حافظ عوض ، نابليون في مصر، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة ٢٠١٢ ـ
17.
وثائق جيش الشرق ـ الخارجية الفرنسية
18.
ج. م. مكفرسون، الموالد في مصر، ترجمة وتحقيق : د. عبد الوهاب بكر، الألف كتاب
الثاني، الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة 1999.
19.
إدوار وليم لين ، عادات المصريين المحدثين وتقاليهم٠ مصر مابين (١٨٣٣ ـ ١٨٣٥)،
ترجمة سهير دسوم ، مكتبة مدبولي ـ القاهرة
20.
أطلس الفلكلور المصري (الصادر في أغسطس 2006)
21.
د. على فهمي، دين الحرافيش في مصر المحروسة، دراسة في الفهم السوسيولوجي الشعبي
للدين، دار ميريت ـ القاهرة 1999
22.
مؤسسة الأهرام، الحالة الدينية في مصر ،تأليف مجموعة، تحرير : نبيل عبد الفتاح،
مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ج5 ـ القاهرة 1997
23.
فاروق أحمد مصطفى، الموالد .. دراسة للعادات والتقاليد الشعبية في مصر، الهيئة
المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1980
24.
إدوارد سعيد ، الاستشراق .. المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة د. محمد عناني، رؤية
للنشر والتوزيع ـ القاهرة ٢٠٠٦
25.
زكاري لكمان، تاريخ الاستشراق وسياساته .. الصراع على تفسير الشرق الأوسط،، ترجمة
شريف يونس، دار الشروق ـ القاهرة 2007
26.
إدوارد سعيد ، تعقيبات على الاستشراق ، ترجمة وتحرير :صبحي حديدي، المؤسسة العربية
للدراسات والنشر ، الطبعة الأولي ـ القاهرة 1996
27.
جون م. غانم ، الاستشراق والقرون الوسطى، ترجمة عبلة عودة،هيئة أبو ظبي للسياحة
والفنادق ـ (مشروع كلمة) أبو ظبي ٢٠١٢
28.
وليم مونتجمري وات ، محمد في مكة،، ترجمة عبد الرحمن عبد الله الشيخ، الهيئة
المصرية العامة للكتاب ـ ، الألف كتاب الثاني، القاهرة 1994
29.
وليم مونتجمري وات، محمد في المدينة، تعريب شعبان بركات، منشورات المكتبة العصرية
ـ صيدا ـ بيروت .
30.
تيودور نولدكة، تاريخ القرآن، نقله إلى العربية وحققه: جورج تامر، مؤسسة كونراد ـ
أدناور / ط1 ـ بيروت 2004
31.
كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، نقله للعربية : نبيه أمين فارس و منير
البعلبكي ، ط 5ـ دار العلم للملايين ـ
بيروت يوليو 1968
32.
د . زينب عبد العزيز، ترجمات القرآن إلى أين؟! وجهان لجاك بيرك، مكتبة وهبة، ط 1 ،
القاهرة 2005
33.
د. وائل غالي، ما بعد الاستشراق، كتاب الهلال (جزءان)، دار الهلال ـ القاهرة 2007
34.
د. محمد عمارة، تقرير علمي، هدية مجلة الأزهر عدد ذي الحجة 1430 هـ ، نوفمبر 2009
35.
د. صلاح عبد الفتاح الخالدي، القرآن ونقض مطاعن الرهبان ، دار القلم ؛ ط 1،
دمشق 2007
36.
إينوك باول، تطور الأناجيل، ترجمة ودراسة أحمد ايبش، دار قتيبة ، دمشق 2002
37.
د. نفوسة زكريا سعيد، تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر،ط 1، دار نشر
الثقافة بالأسكندرية ـ الأسكندرية 1964
38.
أحمد لطفي السيد، قصة حياتي، مؤسسة هنداوي، القاهرة 2013
39.
عبد العزيز فهمي، هذه حياتي، كتاب الهلال 145 القاهرة 1962
40.
الكابتن هـ .س .ارمسترنج، الذئب الأغبر مصطفى كمال ، كتاب الهلال، العدد 16 ـ
القاهرة يوليو 1952
41.
سلامة موسى، البلاغة العصرية واللغة العربية، مؤسسة هنداوي ـ القاهرة 2012
42.
سلامة موسى، تربية سلامة موسى،مؤسسة هنداوي، القاهرة 2014
43.
د. لويس عوض، أوراق العمر.. سنوات التكوين، مكتبة مدبولي ـ القاهرة 1989
44.
محمود شاكر، أباطيل وأسمار، مكتبة الخانكي، ط 3 ـ القاهرة 2005
45.
أحمد عتمان ، مخطوطات البحر الميت، مكتبة الشروق، ط1 ـ القاهرة1996
46.
د. رستم الأسد، مخطوطات البحر الميت وجماعة قمران ، منشورات المكتبة البوليسية، ط
2 ـ بيروت 1990
47.
جيزا فيرم ، النصوص الكاملة لمخطوطات البحر الميت، ترجمة وتقديم د. سهيل زكار، ط 1
ـ دار قتيبة، دمشق 2006
48.
د . سهيل زكار، المحذوف من التوراة كاملاً، النصوص اليهودية المسيحية المقدسة ، ط
1 ـ دار قتيبة ـ دمشق 2006
49.
شارل جنيبير، المسيحية .. نشأتها وطقوسها، ترجمة د. عبد الحليم محمود، المكتبة
العصرية ـ صيدا ، بيروت ، لبنان ـ بدون تاريخ
50.
الأنبا صموائيل، الخدمة والعمل الجماعي، التربية الكنسية بالجيزة 1987
51.
د. عادل درويش، الكنيسة وأسرارها وطقوسها، سلسلة الرسائل العلمية، دار بلال رباح و
دار ابن حزم، ط1 ، القاهرة 2012
52.
البابا شنودة الثالث، حول سر الأفخارستيا، سلسلة اللاهوت المقارن (2) ـ بدون تاريخ
53.
الدسقولية ( تعاليم الرسل) تعريب القمص مرقص داود ، مكتبة المحبة ـ القاهرة 1979
54.
محمود فوزي، البابا كيرلس وعبد الناصر، الوطن للنشر ـ القاهرة 1992
55.
ول ديورانت، قصة الحضارة، ترجمة محمد بدران وأخرين، الناشر لجنة التأليف والترجمة
ـ جامعة الدول العربية، م 13 ج 3
56.
د. نظمي لوقا، محمد الرسالة والرسول، طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم ١٩٥٩
57.
د. محمد سليم العوا، للدين والوطن .. فصول في علاقة المسلمين بغير المسلمين،
نهضة مصر، القاهرة 2006
58.
حلمي النمنم ، الأزهر.. الشيخ والمشيخة، مكتبة مدبولي ـ القاهرة 2012
صحف
ومجلات :
ـــــــــــــــــــــــــــ
1.
جريدة النبأ، العدد 663، يوم الأحد الموافق 17 يونيو 2001
2.
جريدة الأهرام / ملحق الجمعة ، تحقيق بعنوان : « تجارة الوثائق التاريخية ..
وتجريف الذاكرة، أحمد كمالي
3.
جريدة الأخبار، العدد 4946، بيان رسمي من البابا كيرلس السادس يعلن : ظهور العذراء
في كنيسة الزيتون .
4.
جريدة أخبار اليوم العدد 1228، 18 مايو 1968، «العذراء هل ظهرت في المنزل رقم 13
شارع الحجربباب الشعرية، الناس يتحدثون عن الصينية التي طبعت العذراء عليها
صورتها»
5.
جريدة المصري اليوم، العدد رقم2089 بتاريخ
3 / 3 /2010، حوار رانيا بدوي مع منير فخري عبد النور بعنوان : «أحب البابا شنودة
وأصلى خلفه.. ولكن أرجوه ألاّ يتدخل فى السياسة» .
6.
مقال د. مصطفى الفقي بعنوان : «محمد سيد طنطاوي»، جريدة المصري اليوم، العدد العدد
٣٦٨٥، الأربعاء 16 يوليو 2014
7.
جريدة « المصري اليوم، العدد ١٤٤١ ، السبت
٢٤/ ٥/ ٢٠٠٨، بعنوان: «نحذر من مواجهة بين القضاء والإنجيل بسبب لائحة
الأحوال الشخصية»، حوار : عمرو بيومي
8.
جريدة «المصري اليوم ، العدد ٢٢٨٥، الاربعاء
١٥ سبتمبر ٢٠١0، بعنوان : « الأنبا بيشوى سكرتير المجمع
المقدس فى حوار ساخن حول السياسة و«الأسلمة» و«التنصير»: «كاميليا» و«وفاء» فى
مكان آمن.. واتهام الكنيسة بخطفهما «كلام فارغ»، حوار : غادة عبدالحافظ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق