الأحد، أبريل 17، 2016

ياسر بكر يكتب : .. تسليم طه حسين على " سركي " للجامعة الأميرية!! ( الحلقة الخامسة )



ياسر بكر يكتب : .. تسليم طه حسين على " سركي " للجامعة الأميرية!!

( الحلقة الخامسة )
ــــــــــــــــــ

.. قد يظن البعض أنني بصدد القذف في حق طه حسين أو تحقيره بتصويره في صورة الرسائل والطرود التي تسلم على "سركي" أو الأمتعة التي تسلم على " بوليصة شحن "، فلم أقصد ذلك مطلقاً، .. وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين الذين يسيرون على درب طه حسين في تحقير خلق الله .. وهو داء بدأ مع طه حسين صغيراً في طفولته ثم كبرت أعراضه معه بمرور السنين؛ فالرجل في مرحلته الأولي إعتاد تحقير ذاته جلبا للتعاطف فيصف نفسه بـ "الثمامة " والثمامة هي كومة العشب الطفيلي الذي لا فائدة ترجى منه سوى بالتجفيف والحرق في أفران القرية، .. ويصف نفسه أيضا في جلسته بالقرب من مجلس والده وأصدقائه بـ " مزجر الكلب " أى منزلة الكلب، وهي مكانه لا يوجد ما هو أحقر منها في موضع الهجاء.

.. ثم انتقل طه حسين في مرحلة الثانية ومعه دائه إلي إطلاق لسانه في الآخرين مثلما فعل بالشيخ عبد العال شيخ الكتاب في عزبة الكيلو عبر صور بصرية لا نعرف كيف آلت إليه؟!، وكذلك عريف الكتاب، بل لم يسلم جده لأبيه من لسانه؛ فقد نعته بـ "ثقل الظل"، وادعائه بالباطل على شيوخه في الأزهر، وتجاوز حدود اللياقة مع والده عندما أبدى أعتراضا على تدخينه السجائر بقوله: ".. وأنت مالك" ، ولم يجد الأب إزاء وقاحة ولده سوى التذرع بالحكمة والصبر؛ فأرسل ابنته لشراء السجائر ليقدمها له.. 

.. لينتقل بعد ذلك إلى مرحلة كبرت فيها علته فجمعت بين الصفاقة والغرور؛ فكانت نفسه المتعاظمة وذاته المتخضمة تتحوم حول فرائسه من سماء أوهامه بعد أن صار في حماية المستشرقين الذين تدعمهم حكومات وكنائس بلدانهم في ظل الامتيازات الأجنبية في مصر؛ فأمن العقاب؛ وأساء الأدب ؛ فهو لا يفتح فمه إلا ليطعن في الإسلام أو يغمز في النبي وآله وصحابته أو يشكك في التاريخ أو أو يفتري على اللغة، أو ليقذف أحد بنقيصة أو يلصق به عيب؛ .. فصديقه الأزهري محمود حسن الزناتي نواسي الشعر والهوى بما يعني أنه فاحش القول مُولع بـ "عشق الغلمان"، وأحمد أمين ناكر للجميل، .. كان يلجأ إليه في علاج مشكلات أبنائه ثم انضم إلى السنهوري في التأمر ضده وتنكرا له، ومكرا به، والشيخ عبد العزير البشري لم يكن له من عمل في وزارة المعارف سوى "لضم السبحوتوفيق الحكيم يستبيح لنفسه مكافأة مجمع الغة العربية ولا يؤدي عنها عملاً، وأنه لايعد من الأدباء، والشاعر حافظ ابراهيم كان متسولاً يتلقى الصدقات، و د. زكي مبارك مرتشي يتنافى سلوكه مع كرامة أستاذ الجامعة، وانه كان يُنجح بعض الطلاب من أمثال فؤاد سراج الدين مقابل زجاجة كولونيا، وأن د . محمد مندور ليس ذا بال في الثقافة، .. والأكثر من ذلك أعطى طه حسين نفسه الحق في أن التحدث عن علاقة غير شرعية للعقاد بإحدى السيدات؛ ليخوض في الأعراض وقذف المحصنات!!

.. كانت تلك المراحل الثلاث ملامح شكلت العمود الفكري والتكوين النفسي لطه حسين ولا يمكن إغفالها عند الحديث عنه، فهي مؤهلاته في قدرة الاجتراء وجرأة الادعاء، .. وكانت تلك مسوغات اختياره للدور الذي أُعد له في مشروع اختراق الفكر العربي، ومن ثم كان المستفيدون من هذا المشروع أحرص على عدم المساس بطه حسين، وهو ما قصدته بعبارة تسليم طه حسين على " سركي " للجامعة الأميرية التي صدر مرسوم بها في 11 مارس 1925 هو ما جاء بالحرف الواحد في عقد انتقال الجامعة الأهلية إلى وزارة المعارف العمومية والذي جاء فيه :
بناء على العقد المحرر بين حسين رشدي باشا رئيس الجامعة وحضرة صاحب المعالي أحمد زكي أبو السعود وزير المعارف في يوم الأربعاء الموافق 12 ديسمبر 1923 بوزارة المعارف العمومية لتحقيق انتقال الجامعة إلى وزارة المعارف العمومية في مادته الأولي :

" تنازل حضرة صاحب الدولة حسين رشدي باشا رئيسها عن الجامعة مع كل ما تمتلكه من منقول وعقار إلى وزارة المعارف العموميةعلى الشروط الأتية :
.........
.........

وجاء في الشرط الرابع من المادة الأولى :

" أن تُحترم تعهدات الجامعة نحو أساتذتها وموظفيها الحاليين . أما فيما يتعلق بالدكتور طه حسين فقد رئي نظراً لحالته الشخصية أن يبقى أستاذ بكلية الآداب ".

.. وليس إدراج شرط بقاء طه حسين في الجامعة في عقد انتقالها إلى الدولة ما يبرره سوى مخاوف القائمين على الجامعة الأهلية من أن يتم الاستغناء عنه من قبل الإدارة الجديدة عندما تصبح الجامعة أميرية بسبب عقبتين :

أولاهما : عقبة الكشف الطبي .

وثانيهما : عقبة استيفاء أوراق إستخدامه، وخاصة أن طه حسين ليس مؤهلاً لتلك الوظيفة، والطعون كثيرة على شخص الرجل الذي تم تكبيره بالدعاية والشهادت المصنوعة بغير استحاق، .. وهو ما يطرح السؤال: .. منذ متى، وتحت أي مُسمى قانوني أو أخلاقي يتم تعيين أساتذة الجامعات نظراً لـ "حالتهم الشخصية " رغم أن الجامعة الأميرية قد استغنت عن د . أحمد ضيف ود. عليّ العناني وكلاهما حاصل على "دكتوراة الدولة"، وكانا يشغلان موقع الاستاذية ؟!!

وسرعان ما ظهرت تداعيات هذا الاتفاق في ديسمبر 1925 ، تقول سوزان بريسو الشهيرة بـ " سوزان طه حسين في كتابها بعنوان : "معك" الذي يعد كشف حساب لسيدة فرنسية مسيحية كاثوليكية عن زواجها من رجل عربي مسلم من صعيد مصر أعمى، والمهمة التي جاءت إلى مصر من أجلها :

" .. كان من المتفق عليه أن طه حسين أستاذ بكرسى؛ وبالتالي فهو في الدرجة الثانية من التصنيف، إلا أنه يكتشف في ديسمبرأنهم وضعوه في الدرجة الثالثة " . ـ ص 76

.. يقول طه حسين في حديثة إلى سكرتيره د. محمد الدسوقي الذي نشره في كتاب  بعنوان : "  طه حسين يتحدث عن أعلام عصره":

 " ولما أصبحت الجامعة الأهلية جامعة حكومية ناقش مجلس الجامعة موضوع هيئة التدريس، وكان رأي أعضاء هيئة التدريس أن أظلّ في درجة مدرس، ولكن الملك فؤاد لم يوافق على هذا وقال إن طه حسين يجب أن يكون أستاذا ."ـ ص 74

.. بما يعني أن طه حسين قد تم تعيينه في درجة الأستاذية تلبية لرغبة ملكية لا علاقة لها بمسوغات الاستحاق أو قواعد الترقي أو البحث العلمي، وهو ما يكشف أكاذيبه اللاحقة عن استقلال الجامعات ويكشف زيف ادعاءاته مناصروه من حثالة الأفاقين الذين ساروا في ذيل أكاذيبه ورفعوا شعاراته إلى يومنا بما أسموه " حركة 9 مارس".

.. فقد أمن طه حسين على وظيفته بمقتضى البند الرابع من المادة الأولى من عقد انتقال الجامعة الأهلية إلى وزارة المعارف ؛ فأساء الأدب وأطلق يده في شئون كلية الآداب وراح يمنح حثالة الفرنسيين الذين استجلبهم للتدريس حقوقاً تجور على حقوق نظرائهم الانجليز في الوقت الذي اشتد فيه الصراع بين الثقافة الفرنسية والثقافة الانجليزية لأسباب استعمارية، ولم يكن أمام هؤلاء الانجليز سوى الشكوى إلي سفارتهم، وأمام ضغوط الإنجليز لم يجد اسماعيل صدقي عدو الشعب وصديق الإنجليز سوى حلاً مرناً يحفظ لطه حسين ماء وجهه دون الخوض في مدى استحقاقه .. ولا يخالف العقد المبرم بين الجامعة الأهلية وبين الحكومة ممثلة في وزارة المعارف؛ فكان نقله إلى وزارة المعارف .. وأختار طه حسين لعبة التصعيد .. ودخلت الأحزاب معه إلى حلبة اللعبة .. وجاء الأمريكان ليضعوا قواعد ترسيم اللعبة بعرض سخي حملة الطالب مصطفى أمين ـ الذي كان في طور الإعداد للعمالة ـ إلى طه حسين بإلقاء بعض المحاضرات بقاعة إيورت بالجامعة الأمريكية، لتبدأ آلة الصهيونية في الطنطنة لطه حسين بمقولة : " إذا كانت الحكومة المصرية قد أقصت طه حسين عن عمادة كلية الآداب فإن أمته قد جعلته عميداً للأدب العربي " .. وهو كلام فضفاض خاوي من أي معني ولا ينطوى على شيء سوى روح الدعاية؛ فالعميد المزعوم في أول محاضرة له قد تلجلج في أكثر من موضع وأخطأ في قراءة خمسة أبيات من إحدى قصائد البحتري !!

.. وعاد طه حسين إلى الجامعة في تظاهرة طلابية نظمتها الأحزاب محمولاً على كتفي الطالب إبراهيم عبده الطالب في كلية الآداب ( .. والذي صار فيما بعد د. إبراهيم عبده أستاذ الصحافة بها ) .. حمله الطالب المذكور من محطة الترام بميدان نهضة مصر حتى أعتاب مكتبه بكلية الأداب !!

يدعي د . محمد حسن الزيات صهر طه حسين في كتابه بعنوان : "ما بعد الأيام" أن  :

" قرار خلع طه حسين من الجامعة كان لرفضه منح الدكتوراه الفخرية للملك فؤاد " !! .

.. وهو كلام عار من الصحة ولا يتفق مع طبائع الأمور ولا يستقيم معها، وخاصة عندما نتثبت أن طه حسين كان أسير إحسانات الملك فؤاد وبإقرار طه حسين شخصياً فى ثلاث مواضع في حديثه إلى سكرتيرة د . محمد الدسوقي، نشره في كتاب بعنوان : "  طه حسين يتحدث عن أعلام عصره":

" 1ـ الملك فؤاد هو الذي اقترح تعييني في درجة أستاذ .

 بعد عودتي من البعثة قابلت الملك فؤاد وبعد انتهاء اللقاء وجدت أمين القصر ينتظرني في الطابق الأول ليعطيني مظروفاً به مائة جنيه .

3 ـ وعندما ألفت كتاب بعنوان : " من الأدب التمثيلي " حملته لأقدمه هدية إلى الملك فؤاد، وعند انصرافي وجدت أمين القصر ينتظرني ليعطيني مظروفاً به مائة جنيه أيضا .

4 ـ وعندما رفضت الجامعة زيادة مرتبي مبلغاً أدفعه لسكرتير يقرأ لي ويعاونني في أعمالي لجأت إلى الملك فؤاد؛ فأمر بزيادة راتبي إلى أربعين جنيهاً بدلاً من 33 جنيها"

.. بينما يدعي طه حسين أن الملك فؤاد أحس تعريضاً به عند زيارته للجامعة في محاضرة ألقاها أستاذ التاريخ الإنجليزي الجنسية عن : "تطور الدستور الإنجليزي "؛ فأسرها الملك في نفسه!! .. وهو كلام يجافي المنطق !!، فكان الأولى معاقبة الأستاذ المحاضر بدلاً من نقل عميد الكلية !!

لكن الذي لاشك فيه أنه لا يمكن فهم الالتواء في فكر وسلوك طه حسين دون إلقاء الضوء على أمرين هامين هما :

ـ ما يعرف بـ "المشكلة الهوميرية" .

ـ مذهب الشك الذي أدعى أنه عمل بمنهجه .

أولاً :  " المشكلة الهوميرية " :

وتتلخص المشكلة الهوميرية في : " أي جدوى تُنتظر من رجل لا يرى الأشياء بعينه " .. وقد أُثيرت تلك القضية عند دراسة الأوربيين للنصوص القديمة وشرحها، وجري الحديث عنها بسبب عمى هوميروس شاعر اليونان القديم ومؤلف الإلياذة والأوديسيا، وعن صعوبة التأويل لكلماته ما دام هو نفسه لا يستطيع أن يرى عم يدور الحديث!! ، وكتب هيراقليط : "الناس مخدعون في معرفة المرئي، فما بالنا بهوميرس وهو أحكم الهلينيين كان صبيانه يخدعونه أيضا قاتلين القمل وقائلين : " كل ما رأيناه وأخذناه رميناه، أما ما لم نره فهو ما نحمله "

يعود نيتشه إلي هذه المسأله ولكنه كان أكثر قتامة من هيراقليط فيقول:

"ما يحتاج إلى البراهين الأشد تعليلاً والأشد رسوخاً هو الوضوح لأن عينينا ينقصها الكثير كي تراه".

أدرك طه حسين هذا بفطرته في قوله في الجزء الأول من الأيام :

" ذلك انه سمع اخوته يصفون ما لا علم له به فعلم انهم يرون ما لا يرى"، لكنه مالبث أن أنكره طوال عمره ، ليقر به في آخر ما نطق به قبل الموت في سخرية مريرة ـ حسب رواية زوجته في كتابها بعنوان:"معك":

" آية حماقة، هل يمكن أن نجعل من الأعمى قائد سفينة ؟! "

ثانياً : مذهب الشك :

وقبل أى كلام نؤكد أن واضع مذهب الشك هو الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه بعنوان : " المنقذ من الضلال " ـ ولد الغزالي سنة 1058م ـ، وجاء ديكارت ـ ولد ديكارت سنة 1601 م ـ بعد ستة قرون بوقاحة الأوربيين فانتحله عنه دون إشارة أو تنبيه !!

يقول الإمام أبو حامد الغزالي: " إن ما أسعى إليه هو معرفة حقائق الأشياء، إذن من الضروري أن أتبين معنى المعرفة" .

ويعرض الغزالي العالم العربي المسلم واسع التجربة والمبتلى بالبحث العلمي نفسه وعلمه على مقاييس التحقيق الممكنة ليصل إلى الحقيقة ولبيان المقاييس عرض علمه على الحواس والإدراك ثم العقل.

.. ثم يأتي صعلوك متشرد يُدعي ديكارت فينتحل مذهبه دون تجربة أوقراءة سوى إدعاء صفيق بالتشكك في علوم لم يحصلها!!

وهذا ينقلنا أيضاً لما ادعاه طه حسين من أنه انتهج مذهب الشك، فلا علاقة لما قال به طه حسين بمذهب الشك االذي وضعه الإمام أبو حامد الغزالي، والذي انتحلة ديكارت، .. فطه حسين يبدأ بالشك لينتهي إلى التشكيك ليحقق أهم أهداف الاستشراق ؛ فالشك قرين الأحتمال ، وليس قرين النفي .. والنفي لا يثبت ما لم يقم دليل ثبوت عليه !!

.. وللحديث شجون .. وبقية .

***

الحلقة القادمة : طه حسين .. هل تنصر في فرنسا ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق