الأربعاء، فبراير 24، 2016

ياسر بكر يكتب : هيكل .. الحقيقة و "الصنيعة "!!



ياسر بكر يكتب :  هيكل .. الحقيقة و "الصنيعة "!!

لم أحب يوما الكتابة عن الموتي يرحمهم الله، بعد أن انتقلوا إلي رحاب الله وأصبحوا بين يديه يحكم فيهم بعدله ورحمته .. لكن الأمر هنا جد مختلف ولا ينطبق عليه مأثور القول الشعبي المصري: " أذكروا محاسن موتاكم "  فهو قول قد يلقى قبولاً عندما نتحدث عن دائرة ضيقة من الأقارب أوالمعارف أوالجيران أو زملاء العمل الذين تبدوا إسهاماتهم في صنع الواقع محدودة عديمة الأثر أو فردية أو عابرة إلى زوال!! .
.. وهو بالطبع لا ينطبق علي الصحفي والكاتب الراحل الأستاذ محمد حسنين هيكل ( يرحمة الله )، فهيكل نفسه لم يراعها في كتابه : " خريف الغضب " فيما كتبه عن الرئيس السادات ووالدته السيدة ست البرين وزوجتي أبيه السيدة فطوم والسيدة أمينة الورواري، وما كتبه عن الرئيس الراحل محمد نجيب؛ فضلاً عن أن هيكل قد أختار لنفسه صفة المفكر والمحلل وإلى جانب صفة المؤرخ في واقع الحال وإن حرص على نفيها عن نفسه بالقول في مقدمات كل كتبه بادعاء أن يكتب عن وقائع الأحداث من وجهة نظر ذاتية وهو ما يعرف بمنهج : " التأريخ من وجهة نظر المؤلف " وهو ما أتاح لهيكل أن يتناول الأحداث موضوع كتاباته بحرية وبشكل انتقائي يسدل الظلال الكثيفة على الكثير منها ويسلط الأضواء على أحداث أخرى دون التزام بمنهج، أو إلزام من قبل الآخرين.
حرص هيكل في مقدمات كتبه التي ألفها باللغة الإنجليزية مع الحرص على إصدار طبعة منها بالعربية على أربعة تأكيدات :
1 ـ أنه ليس مؤرخاً مع أنه في الوقع يمارس دور المؤرخ !!
2 ـ أن ناشره قد اتصل به وطلب إليه الكتابة في موضوع الكتاب ، لأن الناس حيرى وقد التبست عليهم الأمور بمعني أن " البقر تشابهت عليهم "، وأنهم ينتظرون شهادة الأستاذ هيكل باعتبارها : " قولاً فصلاً" .. وهذا أمر يمكن قبولة في إطار نرجسية البعض، ولا يمكن التسليم به أبداً في علوم المعلومات !!
3 ـ أن معظم شهوده على وقائعه المروية من الموتي !!
4 ـ حرص هيكل على إضفاء الجوية " أجواء الحدث " من خلال وصف حالات الأشخاص ولغة الجسد والأماكن وتيمة الأضواء والظلال . . مثل : مثل ابتسم .. صمت لحظة .. لا تقلق فقد أمرت بتعطيل الطائرة حتى نفرغ من الغداء .. ما نوع هذا السيجار ؟! ، هل تسمح لي بواحد منه ؟!!
لكن الملاحظ  دائما أنه كثيراً ما يلجأ إلي " سد التشقاقات " أو "تجسير الفجوات" لستر حالة الفقر المعلوماتي أو إخفاء التضليل المعلوماتي في تجاويف اللفظ البراق الذي لا يحمل معنى حين تدقيقه وهو أحد أنماط التلاعب بالوعي في صياغة " التاريخ الموضوع " .
نعود إلى هيكل الشخص فهو لم يكن مؤهلاً لممارسة مهنة الصحافة فهو خريج مدرسة التجارة المتوسطة وقد عمل في مجال جلب الإعلانات وصيغتها بأسلوب ركيك ويمكن مراجعة إعلانات مصانع عائلة سباهي في أخر ساعة ومراجعة  أوامر النشر في أرشيف أخبار اليوم والتي استند إليها الأستاذ موسى صبري في كتابه بعنوان : " 50 سنه صحافة " والدكتور سيد أبو النجا في مذكراته بعنوان : " ذكريات عارية " .
تم إدخال هيكل إلى عالم الصحافة بمعرفة بعض الصحفيين الأجانب في مصر ليصبح قناة اتصال لهم فقد ذكر ويلبر كراين ايفيلاند رجل المخابرات الأمريكية في كتابه بعنوان " حبال من رمل " بأنه تم تجنيد هيكل والأخوة أمين لحساب سى . آي . إيه .
وذكر مايلز كوبلاند في كتابه بعنوان : " لعبة الأمم " : اقتصر دور جيفرسون كافرى السفير الأمريكي في مصر بالرئيس محمد نجيب على الاتصالات الدبلوماسية التقليدية أما الاتصالات الحقيقة فكانت بناصر عن طريق قناة " هيكل ـ ليكلاند " .
صدر الكتابين في حياة هيكل ولم ينبث ببنت شفه، وذكر الدكتور فؤاد زكريا واقعة ترحيله من موسكو في الستينيات عندما ذهب في زيارة رسمية مرافقاً للرئيس عبد الناصر بعد أن كشف السوفييت لعبد الناصر عمالة هيكل لـ " سى . آي . إيه" وقدموا حصراً لأموال حصل عليها، ولم ينطق هيكل بكلمة نفي واحدة  .
اعتصم هيكل بالصمت قوقعة تحميه وتغنيه عن عبء المواجهة حتى مع أقرب الناس إليه فعندما ذهب والده لزيارته في مبني أخبار اليوم للتهنئة برئاسته لتحرير مجلة " أخر ساعة " .. رفض مقابلة والده، وأنكر نفسه، مما حدا بوالده للذهاب إلى شباك الإعلانات ونشر إعلان مدفوع من سطر ونصف جاء فيه :
" الحاج حسنين هيكل تاجر المواشي بقليوب يهنئ ولده برئاسة التحرير " ، وجن جنون هيكل وأمر أن تعرض الإعلانات لاحقاً عليه، وهو أمر لم يحدث سوى في واقعتين، إحداها : واقعة هيكل هذه، والثانية: واقعة نشر نعي شهدي عطية الشافعي في صفحة الوفيات مما حدا بالرئيس عبد الناصر إلى الأمر بمراقبة صفحة الوفيات .
بقي أن نقول كيف انتقل هيكل الشاب الفقير ابن تاجر الماشية ليصبح "لورد برقاش" وصاحب السيجار الأشهر .. الحقيقة يرويها د . سيد ابو النجا الذى عهد إليه بالإشراف علي أخبار اليوم يقول سيد أبو النجا أن مصطفى أمين قرر مكاقأة شهرية لهيكل 1200 شهريا بعد انتقاله للأهرام ولم يكن يؤدي أي عمل في الأخبار، .. وثارت مشكلة أخري عندما طلب إلي هيكل تحرير شيك بمبلغ 13 ألف ونصف لصالح أولاد تكلا ثمن شراء المزرعة ـ وهي عبارة عن 12 فدان وفيلا على الطراز السويسري وحمام سباحة ـ ورفضت فليس بين أخبار اليوم وأولاد تكلا ما يبرر إصدار مثل هذا الشيك، وقد وجدت تلك المشكلة الحل القانوني على يد الأستاذ لطفي حسونة محامي أخبار اليوم الذى أقترح إصدار شيك من الأخبار لأمر هيكل ويقوم هيكل بتظهيره لأولاد تكلا "
بما يعنى أن أموال هيكل موضوع تساؤلات .. قد يكون من بينها جلب الإعلانات .. وقد يكون من بينها المصاريف السرية التي اتخذها ذريعة للتشهير ببعض زملاؤة بمعرفة صلاح سالم بعد انقلاب يوليو 52، و وقد يكون من بينها جهات أجنبية .. وهو ما صمتت عنه جهات التحقيق لأكثر من سبعة عقود.
إننا نقدم بورترية صحفي لشخصية هيكل، ولسنا في مجال معايرة الناس بواقعهم الاجتماعي بقدر ما نحن في محاولة جادة لرسم صورة الحقيقة بعيداً عن دعاوى الادعاء؛ فهيكل لم يكن له ولاء إلا لشخصه فقط ولم يؤسس لمدرسة ولم يخرج تلاميذ .. أما ما يشيعه بعض من "دراويشه" عن ملابسات ظروف وفاته وأنه أستشرف نهاية رحلة العمر بقدرته علي استشراف الأحداث السياسية والتاريخية، وأنه طلب من الأطباء ألا يصارعوا القدر، وأنه لحظة إفاقته من الغيبوبة أملى ابنه تسعة أسماء وطلب إليه أن يبلغهم تحياته، وأنه أوصي بحرق جثمانة .. فهو يندرج تحت مسمى " الأحاديث الخاصة  " التي تدخل بصدقها وكذبها في إطار الخصوصية التي لا نتطفل عليها !!
.. لكن الذي يهمنا هو وثائق رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس عبد الناصر ووثائق الأمن القومي التي لم يكشف عنها حتى الأن، والذي أدعي هيكل امتلاكها، وادعى أثناء تفتيش منزله في سبتمبر 1981 أنه قال لمأمور الضبط : "لن تجدوا شيئ وثائقي خارج البلاد !!"، .. وعندما استضافته الجمعية المصرية للدراسات التاريخية في سنة 2001 والتمست إليه تقديم الوثائق أو صورها التي يدعي حوزتها تعلل بعدم القدرة على المحافظة عليها من قبل الحكومة، فلما قدمت الجمعية الضمانات ظل يراوغ لسنوات ولم يقدم شيئاً .
راحل هيكل إلى مثواة الأخير مثل كل البشر، .. لكن ما يهمنا الآن هو جمع لحم مصر المتناثر في الشتات الذي عبارة عما هو " وثائقها " وتاريخها .. فمن يجمع تاريخ الوطن ؟!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق