اللواء الجمسي في مباحثات الكيلو 101 |
كتب الصديق الأستاذ على القماش فى
تقرير لجنة الأداء النقابي الصادر في نوفمبر 2015 بنقابة الصحفيين نداء بعنوان: " إلى الزملاء الصحفيين
.. دعونا نفرح بأكتوبر " .. ولما كنت واحداً من هؤلاء الصحفيين الذين طرحوا
بعض التساؤلات في مقال بعنوان : " أكتوبر الحقيقة .. والأسطورة .. والدعاية
.. والإدعاء !! " ..، فيهمني أن أوضح لسيادته أننا لسنا من سارقى الفرح من
قلوب الناس ، .. ولسنا من هواة التنكيد على خلق الله أو ضرب الكرسي في الكلوب !!
وأن ما طرح في المقال جاء في إطار الحق الإنساني في التساؤل، والحق الوطني في
المعرفة دون أتهام لأحد بسوء ..ويظل واجب الإجابة على تلك التساؤلات فرض عين على
كل من يملك إجابة .. ولا يسقط بالتقادم ؛ .. قد ينطوى التساؤل على بعض الهدم لممارسات
ونتاج المدرسة الوطنية في الكتابة والتي تعمد دائماً إلى ترديد لون من الفخر
الوطني السائد والمتوارث عن وقائع أحداث قد تفتقد المصداقية في الرواية عنها !!
.. إننا ندرك أن لكل شعب محكياته التي
يرويها ويرددها ويلونها ، ويدخل عليها بعض الأساطير التي تكسبها مذاقاً خاصاً والتي من أهمها "أسطورة
البطل " لأسباب بعضها تربوى، وأخرى تتعلق بـ " التعويض النفسي " عن
عنف الصدمة، .. لكن الضرر هنا أبلغ خاصة أن من لا يتعلم من دروس التاريخ وعبره؛
يظل طفلاً وإن عاش دهراً ؛ فنحن لم نتعلم من هزيمة العدوان الثلاثي في 1956 ورحنا
نجهر بملئ عقيرتنا " انتصرنا " ؛ .. فكانت كارثة 5 يونيو 1967 .
.. قد تكون بعض الأمور خارجة عن إرادة "
الكاتب أو المؤرخ الوطني " وخاصة أن السلطة في بلدنا هي التي تكتب التاريخ، وهذا
ليس عملها، .. ولا يخفى علينا قرار السادات بتشكيل لجنة لكتابة التاريخ برئاسة
نائبة حسنى مبارك .. واسفرت نتائج أعمالها عن اللا شيئ !!.. فالخطاب في بلدنا منظم
ومراقب ومنتقى .. ومعاد إجراءات توزيعه بما يجعل منه خاليا من الحسم والتأثير في
إنتاج قيم ذات قيمة !!
.. قد يقول قائل أننا نتناول تاريخ أحداث عصيبة
في تاريخ الأمة ، ونحن جلوس في مقاعدنا الوثيرة ننعم بهواء المكييف، ونحتسي
المشروبات الساخنة والمُرطبة .. قد يكون ذلك صحيحاً .. لكن يرفع عنا خطأ الاتهام
أننا نتبع في تناولنا للأحداث " المنهج الاستردادي " ، هو استرداد
الواقعة بملابساتها وشخوصها وظروف عصرها ..؛ لنفهم كيف حدثت؟! ولماذا حدثت ؟! .. بما يجوز لأحد أن يجد لنفسه
مسوغاً ليوجه لنا سخف الاتهام ـ ولو على سبيل المزاح ـ أننا نعاني حالة من "
فقدان الذاكرة البنائي " !!
لذلك ؛ فدعنا نتفق على الآتي :
1 ـ أن حرب يونيو 1967
كانت حرب بالوكالة دخلت إسرائيل الحرب بالوكالة عن الأمريكان ودخلت مصر الحرب
بالوكالة عن السوفييت دون أن يكون لها داع وطني أو داع قومى وما قيل عن حشود
إسرائيلية على الحدود السورية ثبت أنه محض كذب !! .. وكان لتلك الحرب تداعياتها
التى قصمت ظهورنا ..،
واحتلت إسرائيل مساحات كبيرة من ثلاث دول عربية ( مصر ـ سوريا ـ الأردن ) .. اكتست
الكثير من بيوتها بالسواد إما على قتيل أو جريح أو أسير لن يعود !!
2 ـ .. وبُنى خط
بارليف على عين القادة المصريين دون اتخاذ إجراء لهدمه أو حتى تعويق بنائه.. الحصن
بُني بقضبان وفلنكات خط سكك حديد (القنطرة ـ العريش ) وساهم في بنائه 5000 أسير
مصرى تم قتلهم عند الانتهاء منه ودفنهم في مقابر جماعية، .. يقول السيد أمين هويدى
مدير المخابرات العامة المصرية الأسبق في كتابه بعنوان : " سنوات الفرص
الضائعة " أن المخابرات العامة كانت تعد أسبوعياً تقريراً مصوراً عن تطور عمليات
البناء في خط بارليف .. تُرفع إحدى نسخه إلى الفريق محمد فوزى القائد العام للقوات
المسلحة ونسخة إلى الرئيس عبد الناصر القائد الأعلى .. وإن كان السيد هويدي يعتقد
ـ حسب زعمه ـ أن هذه التقرير ظلت حبيسة مكتب سامي شرف سكرتير الرئيس، ولم تصل إلى
الرئيس عبد الناصر حتى يوم وفاته!!.. وحتى لو وصلت تلك التقاريرـ وهذا رأيي ـ فقد كان الوطن أسير العجز بعد أن ضن علينا
الكفيل السوفييتي بأسلحة الردع التى تسبب غيابها في عربدة الطائرات الإسرائيلية في
سماء الوطن من الإسكندرية حتى أسوان !! ولم يتم بناء حائط الصواريخ إلا بعد مبادرة
روجرز وتوافد جيوش الجراد على مصر الذين أسموا أنفسهم بـ "الخبراء السوفييت
".
3 ـ .. واستمرت " الحرب بالوكالة
" طوال فترة حرب الاستنزاف .. ندفع كُلفتها من قوت يومنا ونصبر على الجوع
والكفاف .. وندفع فاتورتها من كرامتنا في طوابير للحصول على زجاجة زيت أو دجاجة
مجمدة .. وظل الحال كذلك حتى طرد الخبراء السوفييت فى 8 يوليو 1972 .
4 ـ لا ينكر إلا مكابر أن مصر خاضت حرب أكتوبر من منطلق واقع عسكرى وواقع سياسى بالغ السوء ، وكانت القيادة أدرى بأحوالها .. لذلك عرض الرئيس السادات الصلح في يوم 7 أكتوبر في رسالة بعث بها إلى الأمريكان حملها حافظ إسماعيل منوهاً أن حرب أكتوبر "حرب محدودة" لتحقيق غرض سياسى كثيراً ما أشار به الأمريكان في تصريحاتهم : " افعلوا شيئاً حتى يمكننا التدخل " .
5ـ
حققت الحرب غرضها السياسى .. لكنها محصلتها في اجتماع الكيلو 101
أنها نصف انتصار .. ونصف هزيمة !!، .. كانت نقاط القوة وكروت الضغط الإسرائيلية
تدق بقبضتها فوق طاولة المباحثات .. وكان الرهان والرهينة هو الجيش الثالث
الميداني !! .. أما الكلام عن كسر الحاجز النفسى للعدو؛ فهو كلام من ساقط القول ..
، فنحن الأولى بمن يكسر لدينا الحاجز النفسي الذي تولد بداخلنا والذي أقامته ثلاث
هزائم كبرى في ثلاث حروب موجعة في 1948 ، و1956 و 1967 .. لو صح أن على المنتصر من
منطلق "كبريائه "أن يذهب إلى المهزوم في خيمته التى أُقامها على ترابنا
الوطنى ليعرض تسوية لكان هذا نوع من حكايات العبث !!
لكن تبقي الكثير من علامات الاستفهام ودوائر
الغموض التي تدور بنا في دوامة الشكوك وهي :
1 ـ هل حققت الضربة
الجوية أهدافها .. وإذا كانت قد حدث ؛.. فكيف تثنى للإسرائيليين بدأ الهجوم المضاد
مع صباح 8 أكتوبر !!، .. تحقيقات " لجنة أجرانات" ، وهى لجنة قضائية لاعلاقة لها بالأمور العسكرية
ولا الدعاية الصهيونية تقول أنها لم تصب أهداف إسرائيلية ذات قيمة، وفي مذكرات
إيلي زاعير قائد المخابرات الحربية يقول : " لم تسفر الضربة الجوية سوى عن
هدم جزء من حائط السور بمبنى المخابرات الحربية بأم خشيب وتحطيم بعض زجاج النوافذ
" .. وأضرار أخري طفيفة لا تكفى لتحقيق شلل القدرة على المقاومة !!
.. ولماذا اكتفت القيادة بالضربة الأولى؟! وكان مقرراً ضربة جوية ثانية طبقا للخطة
الموضوعة ، .. لكنها لم تتم !!
2 ـ ما سر اختيار غرفة
القيادة علي بعد 120 كيلو متر من جبهة القتال مما كان سبباً في تأخر إتخاذ القرار
المناسب في حينه ( الثغرة مثالاً ) .. بينما كان القادة الإسرائيليين وسط قواتهم
على الجبهتين المصرية والسورية ؟!
3 ـ كيف ومتى تم بناء
الجسر المسفلت ( بحجم السد العالى تقريباً ) الذى عبرت عليه القوات الإسرائيلية
إلى غرب القناة في 24 ساعة؛ لتسدد لقواتنا طعنة الغدر ؟!
***
سنتغاضى عن تساؤلات كثيرة منها حكاية
المنتصر الذي ذهب إلى المهزم الذي أقام خيمته على ترابنا الوطنى في الكيلو 101 ليعرض
تسوية!! .. وسنغض الطرف عن رحلة السادات إلى القدس ليعرض على برلمان المهزوم أن
يقبل بالسلام !! .. ونضع نقطة، .. ونبدأ من أول السطر باتفاقية السلام بكل ما فيها
من شروط الإجحاف التى لا تليق بالجانب المنتصر !! ؛ .. إننا لا نتهم أحد بسوء فكل
فعل ما في وسعه وبقدر طاقته .. لكن كانت الخطيئة الكبرى أنهم لم يشركوا الشعب في
المساهمة أو المشاركة في صنع القرار !!.. ولم يكلفوا أنفسهم حتى مجرد عرض الأمر
عليه ؛ كان الشعب يستدعى للهتاف فقط لشعارات تافهة وخاوية من أي معاني .. وفي
مناسبات بعينها
!!، لذلك
فالتساؤل حق إنسانى وحق وطنى في المعرفة ..ويظل واجب الإجابة على تلك التساؤلات
فرض عين على كل من يملك إجابة .. ولا يسقط بالتقادم.. ؛ إنها أمانة التاريخ .. ، حتى لا يدخل التاريخ من لا يستحق!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق