عودة الأسرى الإسرائييلين فى حرب أكتوبر إلى إسرائيل يرتدون بيجامات من كستور المحلة |
ياسر بكر يكتب : أكتوبر ..
الحقيقة والأسطورة.. والدعاية والادعاء ..
!!
42 سنة مرت اليوم على ذكرى أكتوبر ..أي عمر جيل كامل وما
يقرب من نصف الجيل في عمر المواطن المصري ، .. أعتقد أنها فترة كافية لتهدأ فورة مشاعر
الانتصار.. وتزول أسباب مرارة الإحباط .. وتخفت صهللة الصاجات في أغانى العبور ..
وعاش اللي قال للرجال عدوا القنال .. والضربة الجوية .. وكلها أغاني تمثل درباً من
التعويض النفسي للجماهيرعن ما لم تحققه القوات في ميدان القتال وخاصة أن كسر إرادة
العدو وإلقائه في البحر كانت أمنية وطموحاُ راسخاً في الوجدان الشعبي صنعته دعاية
الدولة و انبثقت صوره في كثير من صور التعبير الشعبي..
وأيضا هي فترة كافية لتبهت كتابات القادة الميدانيين بما
فيها من تناقضات وادعاءات عن تلك الحرب ..وقد قرأت معظمها إن لك تكن كلها تقريباً (
ما كتبه الرئيس السادات وما كتب بإيعاز وإملاء منه، وما كتب منسوبا إلى المشير
إحمد إسماعيل بعد وفاته بسنوات، وما كتبه الفريق سعد الدين الشاذلي وحوكم عسكرياً
من جرائه، وما كتبه اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني واللواء عبد المنعم واصل
قائد الجيش الثالث، وما كتب منسوبا إلي الفريق حسني مبارك ونشر بعد خلعه .. وآخرون
قد لا يتسع المجال هنا لذكرهم خاصه أن ما كتبوه لا يمثل إضافة معلوماتية بقدر ما
يمثل إثبات حالة : "أنه كان هناك "!!
.. وليس هذا ما يعنينا في كثير أو قليل بقدر
ما تعنينا الحقيقة ذاتها في ظل فوضى المذكرات التي تمت مراجعتها والتصريح بنشرها
من جهة الاختصاص ـ تمت إجازة مذكرات سعد
الدين الشاذلي لاحقا ونشرها بمعرفة الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ ما يعنينا هو
الحقيقة فقط من أجل مستقبل هذا البلد الذي تكالبت عليه العلل والأوجاع نتيجة
لممارسات متعمدة من تزوير دائم للتاريخ
والإلهاء عن الحاضر المزري بالحديث عن تراث الأجداد وهو في الواقع حالة لن تزيد عن
أحاديث الجدة العجوزة لحفيدها الذي يتضوع جوعاً عن ثروة الأسرة في عصور غابرة ..
قد تنجح في تخدير مشاعره للحظات، ولكنها لن تفلح أن إسكات صراخ أمعائه !! ..خاصة وأن من أوائل الدروس التي تعلمتها وأنا شاب لم يزد
سني عن 17 سنة في آداب القاهرة من دراسة كتيب " الأمير " لميكافيللي "
أنه :
"عندما نكتشف المتاعب مقدماً يسهل علاجها بسهولة أما
عند الانتظار فإنه يسهل التشخيص ويصعب العلاج وهذه هي المعادلة الصعبة أمام صانع
القرار".
.. لذا كان هذا المقال .
عبر الجيش المصري قناة السويس إلي الشرق في 6 أكتوبر
1973 في مفاجأة أذهلت العالم .. هذا حقيقي .. ولكننا أيضا لا نستطيع أن ننكر أن
الجيش الإسرائيلي عبر ذات القناة إلي الغرب في ليلة 15 أكتوبر وحاصر مدينة السويس
واحتل ميناء الأدبية وقطع طرق الإمداد عن الجيش الثالث الميداني وأصبح الطريق
أمامه مفتوحاً إلي القاهرة والقطامية ووادي حوف .
ومع ذلك أمرت جولدامائير بتشكيل لجنة في أواخر نوفمبر 73
قبل انقضاء أسابيع قليلة على وقف إطلاق النار برئاسة القاضي شمعون أجرانات لمعرفة
أسباب التقصير الذي تم ؟! ومن المتسبب فيه؟ وما العيوب الكائنة في الجيش التي أدت
إلي اهتزاز الموقف في الأيام الأولى من بداية الحرب .. بينما نحن لم نكلف أنفسنا
أن نتوقف لحظة لنسأل كيف تأكلت لدينا فرص المبادرة والمفاجئة التي بدأنا بها
القتال؟ وكيف تمت الثغرة ؟! وما سر الجسر المُسفلت بطول كيلو متر وقاعدة 50 متر وعمق
30 متر أي بعمق القناة .. وكيف تم إعداده في أقل من 24 ساعة لتعبر عليه القوات
الإسرائيلية!!
وعندما جرؤ الأستاذ يوسف إدريس على طرح تلك التساؤلات في
سبعة مقالات نشرت بجريدة القبس، وتم إصدارها لاحقاً في كتاب بعنوان : " البحث
عن السادات " ، تصدى رئيس الدولة آنذاك للكاتب الكبير في خطاب علني اتهمه فيه
بأنه كتب تلك المقالات لإرضاء الرئيس القذافي الذي دفع له عنها خمسة آلاف دولار !!
.. ولم يجد الكاتب الكبير صحيفة واحدة تنشر له رداً على هذا الافتراء؛ فذهب إلي
مكتب النائب العام ليقدم بلاغاً في نفسه ويطلب التحقيق معه فيما نسبه إليه حسني
مبارك رئيس الجمهورية، واعتذرالنائب العام متعللاً بضوابط تقديم البلاغات، فإما أن
يأتي المواطن إلي النيابة للاعتراف بجريمة فيتم إعمال مواد القنان حياله، أم أن
يأتى لتقديم بلاغ في حق نفسه بهدف نفى اتهام عنه فهو غير جائز لكونه فى الأصل برئ
.
.. وبقيت الحقيقة لغزاً حتي اليوم .. وبقيت قرارات
السادات مثاراً لتساؤلات كثيرة حتي الآن !! وأهمها ذهابه إلى العدو ليعرض سلامه
المزعزم !!.. وخاصة أن صدور القرار علي المستوى الاستراتيجي في بلدنا غير واضح
الحدود والمعالم لطبيعة نظم الحكم السائدة والتي تعتبر الحاكم بمثابة مركز القوة
الوحيد بغض النظر عن تعدد المؤسسات من حوله، والتي تعطي الرئيس الحق في أن يصدر
قرارات في أمور ربما تتجاوز معرفته سواء من الناحية العلمية أو من ناحية الخبرة أو
الممارسة .
مما
يجعلنا نلجأ ـ أحيانا ـ إلي ما في وثائق العدو لمحاولة الفهم ، وهو ما أبرزه
الصحفى الفرنسي اليهودي الجنسية في كتابه بعنوان : "السادات .. وهم التحدي
" والذي قال فيه ما مضمونه أن
السادات قد فشل تماما في تحقيق أوهامه في أن يصبح بطل الحرب والسلام، وأنه اصطدم
باللآت الخمس الإسرائيلية ( لا للعودة إلي حدود يونيو 1976 ـ لا للدولة
الفلسطينية ـ لا لتقسيم القدس ـ لا لعودة اللاجئين ـ لا للحكم الذاتي في الضفة
والقطاع ) .
..
وراح السادات يقدم البدائل ليقنع الجانب الإسرائيلي بقبول وجهة نظرة فتارة يعرض
توصيل مياة النيل إلي للقدس عبر ثلاث صحرات أسفل قناة السويس لتكون " ماء
زمزم الجديدة " ـ على حد قوله ـ والحقيقة أنه كان يقدم عرضاً لزراعة صحراء
النقب لتكون بديلاً عن الضفة الغربية التي يحاول أن يقنع إسرائيل بالتخلى عنها
للفلسطينين؛ .. ويأتى الرد الإسرائيلي : " لن نفرط في حقوق شعبنا بشربة ماء
" .. لكنهم وضعوا المقترح أساساً لفكرة بدأها قادتهم منذ سنة 1903 وعلي الشعب
المصري أن يكتوي بها الآن !!
وراح
السادات يعرض فكرة إن نشاء مجمع الأديان في سيناء ليكون بديلاً عن القدس .. وسخر
العالم من هلاوسه وذكر بوب وود ورد في كتابه بعنوان : "القناع" أنه ـ
السادات ـ صار مدمنا للحشيش وأصبح متلهفاً عليه !!
..
بانت الحقيقة بوضوح أمام السادات في رحلته إلي حيفا التي تمت في 4 سبتمبر 1979 ..
كانت الرحلة نفسها غريبة ، فقد تمت
على الباخرة المصرية " الحرية "
التي بنيت في عهد الخديو إسماعيل وتعتبر أقدم قطعة بحرية تجوب البحار في العالم الآن، واستقبلتها في ميناء حيفا تشكيلات من
الطائرات الإسرائيلية وعشر سفن حربية من حاملات الصواريخ الإسرائيلية .. وفي
إسرائيل أعاد السادات طرح فكرتي توصيل مياة النيل إلى القدس ورفع سقفها لتصل إلى
صحراء النقب وفكرة مجمع الأديان ، غير أن اليهود رغم الترحيب الديبلوماسي به ، فقد أرسل الحاخامات أصحاب اليد العليا في الإدارة والسياسة في إسرائيل له
رسالة مضمونها أنه "شخص منبوذ" ولا يستحق " بركة عشاء الرب"، يروى أنيس منصور في مقاله بمجلة "
اكتوبر " :
" وأمام فندق دان كارمل قابلني صحفي إسرائيلي وقال
لي : كارثة دينية .. العشاء لن يقام للرئيس السادات هكذا أفتى حاخام مدينة
حيفا!!.. وقد توسل بيجين رئيس الوزراء وبورج وزير الداخلية للحاخام ألا يوقع
إسرائيل في هذه المصيبة الكبرى وأمام العالم كله.
.. والحكاية أن السادات كان يصر على أن يأخد طعامه معه
فى رحلاته وهو طعام من نوعية خاصة من اللحوم والخضروات المسلوقة ومكرونة تحتوى على
نسبة قليلة من النشويات لزوم الرشاقة وهي أشياء تبدو مألوفة لكنها من وجهة نظر
الحاخامات مخالفة صارخة لتعاليم الديانة اليهودية.
وذهب طهاة فندق دان كارمل وأخبروا الحاخام أن مخالفة
فظيعة قد وقعت وأن طريقة غير شرعية استخدمت في طهو طعام الرئيس السادات .
فالديانة اليهودية تحتم على كل مطعم أن يلتزم بحرفية
الدين ، فالطاهي يجب أن يحصل على شهادة من الحاخام بأنه يعرف طهو اللحوم والخضروات
بالطريقة الشرعية ،والطاهى يستخدم أدوات معينة. والفنادق يجب أن تمشي على هذه
التعاليم، فهي لا تقدم إلا اللحوم المذبوحة شرعاً، ولا تسمح بغير ذلك، وإلا أعلن
الحاخام أن الطعام حرام والفندق كله حرام!
وأمام توسلات رئيس الوزراء وتفسيرات رجال الحاخام من
استخدام الأوانى استخداماً لا يخالف الدين أكملت الحفلة الكبرى التى أقامتها
الدولة ابتهاجاً بأنور السادات
ومضت هذه الحادثة الصغيرة ، او التي يجب أن تظل صغيرة "
ولكننا
نرى أن تلك الحادثة الصغيرة ، أو التي يجب أن تظل صغيرة ـ من
وجهة نظر الأستاذ أنيس منصور ـ لها دلالات وإشارات ورموز في أحداث التاريخ الذى
نتجاهله تارة، ونزور وقائعه عن قصد تارة أخرى!!؛ فلو فهمنا وقرأنا الأحداث القراءة
الصحيحة ما كان هذا حالنا .
أخيراً .. رحم الله رجال أوفوا بما عاهدوا الله عليه .. من
قضى نحبه منهم .. ومتع بالصحة والعافية من
ينتظر، ومتعكم الله بيوم أجازتكم .. ومشاهدة أفلام النصر، وسماع أغانيه .. وذكريات
السادة الإستراتجيين عن أحداثه ..وكل اكتوبر وانتم بخير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق