ياسر بكر يكتب : قاضيان .. وقضية !!
..
باتت قضية " إصلاح المنظومة القضائية " في بلدنا أشبه بالقضية "
الغائصة ـ الطافية " ؛ .. تطفو فتنبري الألسنة والأقلام لبحثها، وكأنها آخر
مشاكلنا للخروج من الجحيم..، و تغوص؛ فلا يرد لها ذكراً وكأنها لم تكن !! ويظل
الجحيم جحيماً !! .. وتظل النار تحت الرماد !! .. تلك النار التي نفخ في جذوتها
تصريح المستشار محفوظ صابر وزير العدل السابق ؛ لتعود القضية من جديد إلى واجه
المشهد، لتؤكد إنها الحاضر الغائب ..
القديم المحدث !!
.. ففي
الثمانينيات من القرن الماضي كتب أستاذنا الكبير يوسف جوهر مقالاً بجريدة الأهرام عن
ضعف المستوى العلمي بصفة عامة، والقانوني بصفة خاصة لبعض العاملين بالنيابة العامة،
وأفاض في الحديث عن عدم قدرة بعضهم على استنباط الأحكام الفقهية والقانونية من مصادرها
الصحيحة؛ بما أضفى ظلالاً من الريبة على بعض القرارات وإنتاج أحكام مقطوعة الصلة بالقانون
، وأرجع ذلك إلى خلل في معايير اختيار
المتقدمين للتوظف في النيابة العامة باعتباره المفرخة التي تقدم لمنصة القضاء خيرة
عناصرها؛ .. كان الأستاذ يوسف جوهر ( رئيس
النيابة السابق قبل أن يحترف الكتابة ) يرى أنه لم يفعل شيئاً سوى أنه مارس حقه في
النقد المباح لصالح الوطن، وأنه أرضى ضميره وقال كلمته ، .. وفي اليوم التالي
لصدور الصحيفة جاء استدعاء النيابة للأستاذ للتحقيق فيما جاء بالمقال بدعوى "إهانة
القضاء"، .. وثار الرجل على الخلط بين " نقد خلل معايير اختيار
التوظف" وبين "إهانة القضاء"، .. تدخل الحكماء قي جريدة الأهرام
بمساعي من الأستاذ إبراهيم نافع نقيب الصحفيين والأستاذ ثروت أباظة وكيل مجلس
الشورى لاحتواء تداعيات الأزمة، وتم الاتفاق على ذهاب الأستاذ إلى النيابة، وإبداء
حسن النية لينتهي الموقف بقرار حفظ !!
..
وقبل ثورة يناير بشهور كتب الأستاذ فاروق جويدة مقالاً في نفس الجريدة عن العوار
في معايير اختيار معاوني النيابة، كان الرجل يمتلك مستندات بوقائع محددة، وشخوص
بعينهم، وجاء استدعاء النيابة وبنفس الاتهام الذي سبق توجيهه الأستاذ يوسف جوهر،
.. وذهب الشاعر بما يحمله من مستندات إلى جلسة التحقيق ليقدم خدمة للوطن.. واستمر
التحقيق مع الرجل ثماني ساعات حتى أصابته أزمة قلبية، ونقلته سيارة الإسعاف من
سراى النيابة إلى مستشفى "دار الفؤاد "!!؛ ليسدل الستار على القضية ؛
ليبقى الحال كما هو عليه!!، .. وعلى المتضرر أن يخبط دماغه في الحائط !!
بعد
تصريح الوزير السابق طرح بعض السادة القضاة الأفاضل رؤيتهم للقضية، وشد انتباهي أطروحتان
:
الأطروحة
الأولى : لسيادة القاضي الجليل المستشار فؤاد راشد رئيس محكمة استئناف
القاهرة، وهو رجل أكن له محبة واحتراماً رغم أنني لم التق به سوى عبر الفضاء الرمزي
من خلال موقع تواصل اجتماعي .
الأطروحة
الثانية : لرئيس محكمة الجنايات الأسبق .
كتب سيادة المستشار فؤاد راشد أطروحته
في مقال صحفي بعنوان : "علي هامش " موقعة وزير العدل "..المجتمع –
لا السلطة وحدها – مريض بالعنصرية!" وجاء فيه
:
"كان أكثر ما هزني أيضا حالة البراءة
التي تبدى عليها مجتمعنا في رد فعله، وكأنه مجتمع لا يعرف الطبقية والعنصرية برغم
أنه غارق حتى أذنيه عبر تاريخه الطويل في الطبقية والعنصرية، ولست أشك لحظة واحدة
أن الغالبية الساحقة ممن اندفعوا للغضب العارم يمارسون العنصرية في حياتهم اليومية
بشكل أو بآخر وبدرجة أو بأخرى" .
.. وهو
كلام ينطوي على بعض الحقيقة بالنسبة لبعض طبقات المجتمع ، وإلا لما أثيرت القضية..
ولكنها ليست الحقيقة كلها !! فكما يحمل المجتمع في بعض طبقاته رواسب جاهلية .. إلا
أننا لا نستطيع أن ننكر على هذا المجتمع أنه احتضن رفاعة الطهطاوي الذي جاء إلى
القاهرة على ظهر مركب تحمل "البلاليص" بما تيسر له من قروش قليلة بعد أن
باعت أمه خلخالها، وهو كل ما كانت تملكه ، ليدرس في الأزهر ويحتضنه شيخه الشيخ حسن
العطار ويزوجه ابنته.
.. وكذلك
الشيخ محمد عبده .. ابن عم عبده الغرابلي " صانع الغربال " .. الذي أصبح
إماماً .. والشيخ الباجوري بلدياتي ـ من الباجور ـ الذى أتى منها بثياب مهلهلة حافي
القدمين لتفتح له كل الأبواب ليصبح شيخاً للأزهر!!،.. وطه حسين الفقير الكفيف، وسعد
زغلول ابن الحاج إبراهيم زغلول الفلاح الفقير، وعبد الرزاق السنهوري اليتيم، والدكتور
مشرفة الفقيراليتيم .. الأمثلة كثيرة قد لا يتسع المجال لذكرها .
.. فكما
يقول بعض المتفلسفين أن " لكل قاعدة استثناء " .. وهو قول ينطوي على خطأ
لكون الأصح هو أن " الاستثناء يبطل صحة القاعدة " .. هكذا علمنا الكبار في آداب القاهرة.
.. وزاد سيادة
القاضي الجليل المستشار فؤاد راشد على مقاله بوست على صفحته على "فيسبوك
" بعضاً من أقوال رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق المستشار مقبل شاكر :
" في مجلس
القضاء الأعلى نختار وكيل النيابة الذي يقبله كل من أعضاء المجلس زوجا لابنته"
..
وكلام رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق قد ينطوي علي بعض
من حق في إطار موضع يتصل بالخصوصية .. وقد ينطوي على شبهة خطأ لكونه الأب الذي يرى
الكمال في ابنته؛ فيطلب صفات الكمال في عريسها !! .. وهي رؤية متعلقة بالعواطف والأماني؛
فنحن بشر، والكمال لله وحده.
.. أما
في إدارة دولاب العمل في الدولة فالأمر جد مختلف، وتحكمه قوانين وضوابط تجعل من
كلام رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق كلاماً معيباً وموصوماً بالعوار .
.. أما الأطروحة
الثانية فكانت لرئيس محكمة جنايات أسبق قال فيها : أن هناك أسباب أخرى تمنع "ابن
عامل النظافة" أن يصبح قاضيا، وأضاف :
" نتحدث بجزء من العقل، هل يستطيع عامل النظافة تعليم أولاده بـ300 جنيه مرتب دون أن يمد يده، شئنا أو لم نشأ نعلم
أن عامل النظافة يربي أولاده من الشحاتة"، وتسائل: «هل سمعنا بعامل نظافة لا
يشحت.. وهل الولد اللي متربي على الشحاتة يستطيع أن يقود مصير الناس؟ فالعرق دساس. "
..
ولا شك أن ما جاء بأقوال سيادة رئيس محكمة الجنايات الأسبق ينطوي على
إعادة صياغة عصرية لمقولة كفار قريش التي أوردتها الأيه الكريمة :
" وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ
هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ"
صدق الله العظيم ( الزخرف ـ 31 )
.. ولاشك أن
تقولات سيادة رئيس محكمة
الجنايات الأسبق
تلك تحمل فكراً يوصد أبواب الأمل في وجوه "العصاميين النوابغ "..
والباحثين عن فرصة في حياة أفضل من أبناء الفقراء المكافحين ـ وأنا منهم ـ ، ..
وهو فكر تجاوزه الزمن وبال عليه، وألقى به في مزابل التاريخ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق