ياسر بكر يكتب :الاستشراق .. والمستشرقين .. والمشارقة !!
( الحلقة السابعة)
يحاول البعض إلصاق بعض افتراءات الاستشراق بالأقباط، وتحميلهم
بعضاً من أوزاره كما لو كانوا هم صانعوا الاستشراق وناسجوا أكاذيبه .. فالاستشراق
ثمرة من ثمار بعض القوى والأنشطة السياسية، وهو مدرسة من مدارس التفسير جعلت
مادتها الشرق وحضارته وشعوبه، ولكننا أيضا لا نعفي بعض المثقفين الأقباط وبعض رجال
الكنيسة من السقوط في فخ الاستشراق وترديد مزاعمه وخزعبلاته وترهاته حتى صاروا
مستشرقين بالتبعية أو التبني أوالانتماء Affiliation ـ بقصد أو بغير قصد ـ، .. وأيضا إننا لا ندين الاستشراق بصفة
عامة، ولا نتهم المستشرقين جميعا؛ فبعض المستشرقين أنتج أعمال بحثية ذات قيمة،
ووضعوا أسس الدراسات العربية الحديثة التي بنت عليها أجيال من الباحثين المخلصين
الجادين، لكننا ندين الإطار الفكري والثقافي العام للإستشراق والذي يندر أن
يخرج عنه، وكشف الغطاء عما يتخفى بقناع الثقافة والدراسات العلمية، وبيان خداع ما يكتسي بالمظهر العلمي وهو في حقيقته عنصري إلى
جانب تأجيج الطمع الإستعماري ونهب ثروات الشعوب وإذلالها وطلب السلطان على حساب
كرامتها وإنسانياتها، وكلها تقريباً تمثل فى حقيقتها النوازع البشرية المنحطة فى
أبشع صورها وتبث الخوف الدفين من تهديد الشرق القائم على بقايا إحساس أبناء أوربا
بالجهل، والذي جعل المستشرقين يسرفون بدون ضوابط في اطلاق صفة "الشرقي"
على كل ما يرى فيه أبناء الغرب اختلافاً عن الحضارة الغربية، والتذرع بهذه التسمية
أو الصفة للقول بما يجافي الحقيقة والواقع من نسبة خصائص جوهرية أو عناصر
إنسانية تمثل جوهر الشرق باعتبارها نقيضا للغرب!!
.. "الاستشراق" أسلوباً في الخطاب أى التفكير
والكلام يقوم على التمييز الوجودى والمعرفى بين الشرق والغرب تدعمه مؤسسات
ومفردات وبحوث علمية وصور ومذاهب فكرية وبيرقراطيات استعمارية وأساليب استعمارية
.. أسلوب غربى للهيمنة على الشرق وإعادة بنائه والتسلط عليه ونهب ثراوته، ولم يكن
الشرق بسبب القيود التى يفرضها الاستشراق مجالاً لحرية الفكر والعمل،
.. ومن المخادعة الاعتقاد بأن الخيال وحده قد فرض صورة الشرق، أى جعله يتخذ الصورة
التى رسمها المستشرقون، ولكنه يتجاوزه إلى اكتشاف إخضاع الشرق لتلك الصورة!!، قد
تتفاوت هذه الفكرة بشكل نسبي من كاتب إلى آخر لكنها تتميز بموقف أساسي يرجع إلى
ارتباط المعرفة بالسلطة، واعتماد كل منهما على الآخر، فالسلطة بشتى اشكالها ـ
السياسية والعسكرية والمالية والعلمية ـ تحدد نوع المعرفة كما أن المعرفة لازمة
لقيام السلطة واستمرارها !!، وما تبع ذلك مما وقع فيه كبار المبدعين من تزييف
لحقائق الواقع بسبب غلبة الإطار الفكرى الذى أقامة كبار المستشرقون بدعوى
العلم والمعرفة.
.. الفكرة فى "الاستشراق" عندما يعرض لمواجهة الوعى
الغربى مع الآخر (الشرق) يرى أن الشرق يمثل وعياً غاصباً، فالمستشرق يحاول احتواء
الآخر (الشرق) باعتباره فرعاً منه مثلما اعتبر بعض المستشرقين الإسلام صورة منحرفة
من صور المسيحية مثل مذهب التوحيد الآريوسي (المنسوب إلى الراهب أريوس في أواخر
القرن الثالث الميلادي، وأوائل القرن الرابع الميلادي)، والتي تنص على أن "
الله واحد فرد غير مولود، لا يشاركه شيء في ذاته تعالى؛ فكل ما كان خارجاٌ عن الله
الأحد إنما هو مخلوق من لا شيء وبإرادة الله ومشيئته"، وهذا يعني أن السيد
المسيح ـ عليه السلام ـ وفق هذا التعريف بشر مخلوق، ثم من بعده "مذهب
الوحدانية" اليعقوبي في القرن الخامس الميلادي الذي تقوم على أساسه الكنيسة الأرثوذكسية القبطية نسبة إلى الراهب يعقوب
البرادعي (المونوفيزية (Monophysitism القائل بوجود طبيعة واحدة للسيد المسيح عليه السلام .
.. اختارت أوربا لنفسها بعد تحديد كيانها الجغرافي مُسمى الأنا
The Ego وأطلقت على غيرها لفظ الآخر The
Other وراحت تكيل
لنفسها بأكثر من مكيال عندما يتعلق الأمر بالذات The
Egoism وبمعايير مختلفة عن المعايير الصارمة
والصادمة عندما يرتبط الأمر بالأخر The Otherness وهو ما حدا بإدوار سعيد في كتابه بعنوان: "الاستشراق"
إلى السخرية من هذا التصنيف بقوله :
"البلد الأخر هو مكان وجود الآخرية إنه االمكان البعيد عن
الوطن وقد يكون الفضاء المتخيل الذي نعكس فيه رغباتنا ومخاوفنا .".
.. وكان وصف ادوارد
سعيد لـ "الاستشراق" دقيقا حين قال:
"بأن
"الاستشراق" استجاب في معظم الأحوال للثقافة التي أنتجته أكثر مما
استجاب لموضوعه المزعوم".
نشأة "الاستشراق" :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ بدء "الاستشراق"؛
فمنهم من أرجعه إلى السنوات الأخيرة من القرن العاشر، ومنهم من أرجعه إلى القرن
الثاني عشر عندما أمر بطرس "المبجل"Peter
The Venèrable بوضع اللبنة
الأولى للحركة الاستشراقية بأن أمر روبرت الكيتوني Robert
Of Ketoun بترجمة القرآن إلى اللغة اللاتينية،
الأمر الذي تحقق عام 1143م.
..لم يكن رئيس رهبان دير كلوني بطرس"المبجل" يهدف
من وراء هذه "الترجمة" إلى الاطلاع على كتاب المسلمين و معرفة
تعاليم ديانتهم، و إنما كان الهدف تنصيريا بحتا، لذلك جاءت تلك
"الترجمة" مشوهة ليس فيها من القرآن إلا اسمه، لما فيها من حذف وإضافة
وأخطاء مقصودة؛ فهي " لم تكن ترجمة فقط و إنما أضيف إليها هجوم و قدح في
الإسلام و القرآن الكريم في شكل مساجلات كانت تقحم أثناء الترجمة، وقد كانت لا
تلتزم بدقة وحرفية بالنص، ولا تلتزم بترتيب الجملة في الأصل العربي وإنما تستخلص
المعنى العام في أجزاء السورة الواحدة ثم تعبر عن هذا بترتيب من عند المترجم،
ويعترف صموئيل زويمر اليهودي أن هذه الترجمة تمت بدافع تنصيري، وتحت تأثير الروح
التنصيرية لدى بطرس"المبجل".
بينما يرى البعض أن "الاستشراق" بدأ
بمحاولات بعض الباحثين ورجال اللاهوت الأوربييين المسيحيين بدراستهم لترجمات
القرآن وسير النبي محمد صلى الله عليه وسلم لتفنيد الإسلام باعتباره ديناً مزيفاً
وهرطقة ولا يتفق مع العقيدة المسيحية، وكانوا يأملون في أن يوقفوا بهذه الأعمال
تحول المسيحيين في الأراضي التي يحكمها المسلمون إلى الإسلام، وفي نفس الوقت فتح
الطريق للتحول النهائي للمسلمين، ولم تزد محاولاتهم إلا في انتاج ما أصبح في
النهاية أدباً جدليا؛ فلم يقنع ما قالوه المسلمين فنقدهم للإسلام كان معتمداً على
اللاهوت المسيحي، وكان بلا معنى بالنسبة للمسلمين!!
بينما يرى البعض أن الاستشراق بدأ مع عصر النهضة كحقل من حقول
المعرفة إلى جانب كونه نشاطاً تبشيريا وتنصيريا كمحاولة جادة للبحث عن طوق نجاة في
الحضارة العربية والإسلامية يخرج أوربا من مستنقع الجهل والتخلف الذي فرضته
الكنيسة والاهتداء بأضوائها المبهرة
للخروج
من عتمة القرون الوسطى!!
بين نورمان دانييل فى دراسته بعنوان : "الإسلام
والغرب" أن من القيود التى قيدت تفكير المفكرين المسيحيين الذين حاولوا
فهم الإسلام قيد القياس أو التشبية، فلما كان المسيح أساس الديانة المسيحية، افترض
هؤلاء ـ وكانوا مخطئين ـ أن محمد يمثل للإسلام ما يمثله المسيح للمسيحية ـ وفقا
للفهم الشائع فى الكنيسة ـ ومن ثم اطلقوا على الإسلام التسمية المهينة
"المحمدية"، وألصقوا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصف
"الدجال"!!.
ويؤكد نورمان دانييل على :"ضعف الثقافة الغربية بحيث أنها
لا تستطيع تقديم القرآن والسنة فى شكل قادر على إقناع المسيحيين بما يزعمون".
يُجمع المفكرون الأوربيون في القرن العشرين في كتاباتهم أن
نتيجة حروب الإفرنج وغزو الفرنجة للشرق لم يحدث انتقال ثقافي ملحوظ بين الشرق
والغرب، لكنهم دائماً لا يذكرون السبب خجلاً؛ وهو أن هذه الحملات لم يشارك فيها
إلا الرعاع والأقنان والموامس وعدد قليل من الفرسان .
.. وكانت نتائج الهزائم المتتالية لحروب الإفرنج التي أرهقت
أوربا أن حاول بعض المفكرين الأوربيين دون فهم
لمكون العقيدة الإسلامية احتواء الشرق على نحو ما بين
ر. و. سذرن فى كتابه "نظرة الغرب إلى الإسلام": اتضح للمفكرين الأوربيين
الجادين، أنه لابد من اتخاذ إجراء جاد بصدد الإسلام الذى وصل إلى شرق أوربا، ويقص
سذرن قصة مثيرة وقعت بين عامى 1450، 1460م عندما حاول أربعة من العلماء هم جون
السيجوفى، ونيكولاس االقوصى، وجان جيرمين، وابنياس سلفيوس (البابا بيوس الثانى)
التصدى للإسلام من خلال مؤتمر خاص كان الأول صاحب الفكرة التى تقضى
بعقد مؤتمر مع الإسلام يحاول فيه المسيحيون تحويل المسلمين جملة عن عقيدتهم، وكان
يرى فى المؤتمر أداة لها وظيفتها السياسية إلى جانب وظيفتها الدينية
الخالصة، وبتعبير تستجيب له صدور المحدثين صاح قائلاً : "إن المؤتمر لو استمر
عشر سنوات فسوف يكون أقل تكلفة وأقل ضرراً من الحرب"، وفشل الباحثون فى
معالجة مشكلتهم مع الإسلام فقد اخفقوا فى الوصول إلى الحل الذى يطلبونه
ويرغبون فيه؛ فالإسلام ليس لديه مشكلة مع الآخر لكنهم أنشأوا عادات فى التفكير
وطاقات على الفهم لاتزال جديرة بالنجاح لو توافرت لغيرهم ممن لم يعيشوا أسرى
مفاهيم قديمة، وهو ما جعل الجهل الغربى يزداد تعقيداً وبعداً عن البساطة ولم تزد
المعرفة الغربية حجماً ولا دقة فالأكاذيب لها منطقها الخاص وجدليتها الخاصة فى
النمو أو التدهور؛ كهذا كانت هيمنة رجال الكنيسة على مختلف شؤون الحياة،
باعتبارهم علماء في الدين ومختلف شئون الحياة، فحاربوا المفكرين، وحاكموهم بقسوة،
واحتكروا زعامة المجتمع، فتفشت فيه الخرافات وعم الجهل، وكان المجتمع الأوروبي
متخلفاً ويئن تحت وطأة الإقطاع، ويعاني من ويلات الحروب الإقطاعية والتجزئة
السياسية، يقول ريمون شواب في كتابه بعنوان "عصر النهضة والاستشراق":
ومع بداية عصر النهضة وفي القرنين ١٥ ، ١٦ بدأت أوربا إعادة اكتشاف نفسها من جديد
وتمثيلها أمام ذاتها ولم تجد إلا ثقافة ضحلة تفتقر إلى فهم ما هو خارج حيزها
المكاني كما أنها لا تقدم فهماً متكاملاً لما هو داخل حدودها، وتاريخ هامشي لا يستحق الدراسة، ولم تجد إلا تمثيلات متناقضة تمثل التاريخ الممزق لأوربا !! .
وبدأ الباحثون الأوربيين يدركون أن العالم الإسلامي يمتلك
ثروات فكرية عظيمة تستطيع الثقافة الأوربية الفقيرة أن تستفيد منها، وأدركوا أنهم
لن يستطيعوا إعادة تعريف ذاتهم من خلال مرآة الشرق؛ فحاولوا استقطار واستخلاص ما
يمكن استخلاصه من هذه الثقافة المركبة والمعقدة التي كانت مغرية ومخيفة في الوقت
ذاته، وهكذا بدأت أوربا خطواتها لفهم ذاتها ومعرفتها من جديد عبر هذه النصوص حضارة
عظيمة؛ فبدأوا بمساعدة المسلمين والمسيحيين واليهود
الأسبان في ترجمة ونشر الكتابات العربية الضخمة في الطب والفلك والرياضيات
والفلسفة التي وجدها في المساجد والمحاكم الأسبانية، وكانت تلك الوسيلة التي اتصل
بها الأوربيون للمرة الأولي بكثير من أعمال الأغريق القدامى التي فقدت في الغرب
والتي حافظ عليها العرب في ترجمات عربية وفي سياق ذلك صادفوا كتابات عربية لمفكرين
مسلمين كانوا قد استوعبوا أعمال الإغريق وتجاوزوها ليفتحوا مسالك جديدة في الطب
والفلسفة والعلم والرياضيات والأدب، وقد ترك الاشتباك مع النصوص اثراً عميقاًعلى
عديد من مجالات الحياة العقلية في أوربا؛ فقد استخدمت الكتابات العربية المترجمة
في الطب والفلسفة والعلم والرياضيات والأدب في العصور الوسطى لعدة قرون وقرئت
كتابات ابن سينا وابن رشد، ويؤكد التأثير القوي للعلم العربي العدد الكبير من
المصطلحات العلمية والرياضية في الغات الأوربية المشتقة من المصطلحات أو الأسماء
العربية .
لكن أوربا للأسف أعادت صياغة دونيتها أمام هذه الثقافة العربية
العظيمة في شكل من أشكال الاستعلاء والفوقية ودون أن تلقي بالاً لـ "المشترك
الإنساني" .
وفي الفترة من 1840-1967 بدأ طور جديد من أطوار الاستشراق
وصارت باريس عاصمة للعالم الاستشراقى، ونجحت المؤسسات الاستشراقية في استبناء بعض
المعطوبين أخلاقياً واجتماعياً الذين يعانون مشكلات مع مجتمعاتهم و والذين تأثروا
بآراء المستشرقين من أبناء الثقافية الشرقية، وتجنيدهم لبث سموم
"الاستشراق" أمثال رفاعة الطهاوي، ومحمد عبده، وقاسم أمين، وأحمد لطفي
السيد، وأحمد فتحي زغلول، وطه حسين، وعلى عبد الرازق، ومصطفى عبد الرازق، وأحمد
أمين، ومنصور فهمي، وعباس محمود العقاد، وسليمان مظهر، وأمين الخولي، ومحمد أحمد
خلف، وعبد العزيز الأهواني، ولويس عوض، وسلامة موسى، وتوفيق الحكيم، وزكي نجيب
محمود، وحسين فوزي، وجابر عصفور، ونصر حامد أبو زيد، ووائل غالي وغيرهم كثيرين!! .
.. وفي زمن الحركات التحررية التي عمت أجزاء كبيرة من العالم
مع نهاية فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وانحسار ثقافة الكلونيالية
كثرت الكتابات الوطنية (ما بعد الكلونيالية) التي تنتقد الاستشراق وتفند أكاذيبه،
وبرز من بين أبناء البلدان المحررة نماذج رفيعة للمثقف الإنساني المتأهب للتغريد
خارج السرب والإنشقاق عن الخطاب السائد، مثقف يمتلك أدواته البحثية لنقد مختلف
خطابات التسييد التي باتت من المسلمات التي لا يجوز مناقشتها !!، ومن ثم أصبح
للإستشراق تبعات سيئة بعدما انكشفت عوراته وانفضحت حقيقة أهدافه ومراميه.
وفي أغسطس 1973 أعلن المؤتمر العام للاستشراق في باريس نهاية
"عصر الاستشراق"، وأن هذا آخر مؤتمر دولي يحمل هذه التسمية، لتصبح التسمية
الجديدة "مؤتمرات العلوم الإسلامية الخاصة بمناطق العالم الإسلامي"،
وصار المستشرقون الجدد يعملون تحت مظلة: "مراكز الأبحاث Think
Tank"، ويحملون
مُسمى "خبراء المناطق"، واتبعت كل مدرسة غربية أسلوبها الخاص في
صياغة العلاقة الجديدة بين "الاستشراق" والعلوم الأخرى، فالفرنسيون
جعلوا منه علوماً اجتماعية إنسانية بينما حاول الألمان تطوير الاستشراق بربطه
بتطوير الفيلولوجيا واللاهوت، واهتمَّ الاستشراق البريطاني بدراسةِ العقائد
الإسلامية والدين الإسلامي في حين بقي آخرون متمسكين بالفهم والوظيفة التقليديين
للاستشراق، وذهب الأمريكان بهذه المراكز إلى مستنقع الاستشارات السياسية
والاقتصادية تحت عنوان "دراسات المنطقة" أو "الدراسات المناطقية"،
وأصبحت هذه المراكز في واقع حالها "اوكار للجواسيس" حيث يتواجد في امريكا والاتّحاد الأوروبي ما يزيد على 5650 باحثاً
ومتخصّصاً من أصول عربية يمثلون واجهة فكرية للوبي الإسرائيلي في مراكز
بحثية يشرف عليها ويمولها أنصار إسرائيل العتاه بهدف الخلط بين القضايا البحثية
والنزعات السياسية بما يخدم أغراض الممولين ويدعم سياستهم عبر صيغ تم طبخها بإتقان
واحترافية لتلقى رضاء الباحث وقبول المتلقي، لكنها في واقع الأمر إساءات إلى شرف
العلم !!
لم تتغير التسمية فقط، وإنما تغيرت مواضيع البحث أيضا؛ فانصب
اهتمام "المستشرقين الجدد" على القضايا المعاصرة كالصحوة الإسلامية
(الأصولية الإسلامية حسب تعبيرهم) أو "التطرف الإسلامي"، والأوضاع الاجتماعية والسياسية
والاقتصادية في العالم الإسلامي لقد توارى الاستشراق التقليدي وراء هذا التوجه
الجديد، دون أن يعني هذا أن هناك إغفالا تماما للقضايا الاستشراقية التقليدية
كدراسة العلوم الإسلامية المختلفة، كالقرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، والفقه
الإسلامي، والتاريخ الإسلامي واللغة العربية وآدابها… إلا أن حضور هذه القضايا في
الاستشراق المعاصر لم يكون بأبحاث جديدة إنما بتعبئة مادة الاستشراق التقليدي في
أوعية مختلفة الأشكال ومتنوعة الألوان !! ..
وبرزت في الساحة أسماء بعض المستشرقين الجدد مثل توماس
فريدمان، دانييل بايبس، مارتن كرامر، جوديث ميلر، جيم هوجلاند، تشارلز كروثماثر،
جين كيرباتريك، إميرسون، وغيرهم من المحسوبين على طبقة الخبراء المتخصصين في
دراسة الإسلام والعالم الإسلامي، وهم في حقيقتهم من العاملين في مراكز البحث
المأجورة للإدارة الأمريكية وجماعات الضغط في الولايات المتحدة، و جميعهم تقريباً
تلامذة في مدرسة المستشرق الصهيوني برنارد لويس، صاحب المقال الشهير"جذور
السعار الإسلامي"، والذي أسس لنزعة الإسلامو فوبيا الجديدة التي تحذر من
"الخطر الإسلامي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق