الأربعاء، نوفمبر 07، 2018

ياسر بكر يكتب : خاشقجي .. ورضا هلال !!

ياسر بكر يكتب : خاشقجي .. ورضا هلال !!



رضا هلال



أوشكت حالة الصخب الإعلامي والدبلوماسي عن جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال  خاشقجي (يرحمه الله) على الانتهاء بما حملته من علامات كاشفة عن البلادة العقلية وتدني الحس الإنساني وشراسة الانتهازية الدبلوماسية، وما أسقطته من رطانات الشعارات الجوفاء عن الإنسانية والتحضر لتعلو في الأفق شعارات الموائمات الدنيئة والمساومات الوقحة والصفقات الصفيقة والمصالح المعوجة دون أدنى اعتبار للدم المسفوح !!.



لم يسبق لي شرف التعرف على الأستاذ خاشقجي، ولم أكن مهتما بما يكتبه؛ فما يكتبه لا يزيد عن كونه من "ترهات الغلمان" المتعاونين مع C.I.A. عبر الصحف الوثيقة الصلة بها، كانت كتابات خاشقجي مجرد إعادة صياغة لتسويق وتسويغ أفكار "الجيدو كريستينتي" التي تسهر عليها مراكز الفكر الصهيوني لتمزيق المنطقة وابتلاعها إسرائيليا وفقا لخرائط الشرق الأوسط الجديد التي ضمنها شيمون بيريز كتابه بعنوان :"الشرق الأوسط" الذي صدر في التسعينيات من القرن الماضي .. لكن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا فهم ينسون !!


 لم يختلف خاشقجي كثيراً عن قاتليه؛ .. فكلاهما عميل وكلاهما أداة قذرة في أيدي قذرة، والخلاف بينه وبين قاتليه خلاف على مصالح ذاتية وقبلية ضيقة في ظل انحيازات متخلفة وضعت القبيلة مكان الدولة، ووضعت الأعراف القبلية مكان القوانين المدنية .. انحاز خاشقجي لبعض الأجنحة المتصارعة في الأسرة الحاكمة ضد أجنحة أخرى في صراع تحكمه علاقات الفساد والسفة والهمجية والبداوة، ولا علاقة له بصالح الوطن أو حقوق المواطن أو درء الخطر المحيط بالمنطقة، وما يدبر لها بليل.

أعادت حادثة خاشقجي (يرحمه الله) إلى ذهني واقعة مماثلة حدثت في مصر، ولم تحظى بمعشار ما حظيت به حادثة خاشجقي من اهتمام إعلامي، إنها واقعة اختفاء الصحفي المصري الأستاذ رضا هلال الباحث بـ "مركز دراسات الأهرام".

كان رضا هلال مثل خاشقجي شخصاً مثير للجدل، يعيش نمط حياة لا يتفق مع بداياته المتواضعة؛ فهو يسهر في أماكن لا يرتادها إلا علية القوم من الأثرياء وينفق ببذخ، ويرتدي الملابس السنيية من أرقى بيوت الأزياء في إيطاليا ولندن وباريس ويرتبط بشبكة علاقات متقاطعة أحياناً ومتشابكة ومتداخلة ومختلطة أحياناً، وملتبسة في كثير من الأحيان ببعض النظم في المنطقة وببعض النظم الدولية وبعض أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية، وتربطه علاقة وثيقة بالسفير الأمريكي بالقاهرة تسمح له بالإتصال به متى شاء كما تربطه علاقات وثيقة بالمسئولين في إسرائيل القائمين على عملية التطبيع في مصر، وتربطه علاقات حميمة بمسئولي السفارة الإسرائيلية في القاهرة .. كانت كل الشواهد تؤكد أن رضا هلال تجاوز حدود العمل الإعلامي إلى حقول الاستخبارات والعمل السري الخفي!!

.. كان رضا هلال منتشياً بذاته مزهواً بأفعاله يعيش حالة جموح ذهني بعدت به كثيراً عن خط الطموح المهني؛ فلم يكن له ولاء لأحد، ولم تكن تعنيه أراء زملائه أو توجيهات رؤسائه فقد انتهج في حياته سياسة "الليبرالية الطائشة" التي تضع الوطن تحت حذاء الفرد ومصالحه الضيقة !!

..  فى 11 أغسطس 2003 اختفى رضا هلال فى ظروف غامضة لم يتم الكشف عن ملابساتها حتى الآن، لكن التحريات تؤكد أنه تناول طعام الغداء مع ليز تشيني عضو الحزب الجمهوري الأمريكي، والتي تقلدت العديد من المناصب الدبلوماسية في الخارجية الأمريكية، وابنة ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي في مطعم أحد الفنادق المطلة على الأهرامات؛ بما يعني أن طلب وجبة فتة بالموزة من مطعم أبو شقرة المجاور لمسكنه كان هدفه التمويه والتعمية والتضليل، وبمعاينة شقة المجني عليه تبين :

ـ أن جميع نوافذ الشقة مفتوحة .
ـ أن جميع مصابيح الشقة مضاءة .
ـ أنه يوجد قفل كبير على باب الشقة من الخارج .
ـ لم يعثر على الهاتف النقال الخاص به، ولم تفلح الأجهزة في تتبع موقع الشريحة الخاصة به أو التعرف على سجل المكالمات.

كانت الحال التي وجدت عليها شقة المجني عليه تعني أننا أمام حالة من الطمس المبرمج لأثار جريمة تم التخطيط لها بعناية؛ وهو ما يرجح أحد احتمالين :

1 ـ أنه تم اختطافه بطريقة احترافية في المسافة ما بين مدخل العمارة وباب شقته سواء عن طريق السلم أو المصعد وهذه المسافة لا تزيد مدتها الزمنية عن دقيقة ونصف على الأكثر، والتعامل معه سواء داخل الشقة أو نقله لمكان أخر وقتله ومواراة جثمانه التراب بتصريح دفن رسمي في مقابر الصدقة باعتباره شخص مجهول الهوية .

2 ـ أنه تم إذابه جثمانه بعد قتله في بانيو شقته باستخدام مواد كيمائية معروفة تستخدمها أجهزة الاستخبارات ذات السجل الإجرامي في التعامل مع الخصوم، والتي تمتلك قدرات فنية عالية وامكانيات مالية وفيرة، وقد ثبت استخدام المخابرات المغربية لتلك المواد بمعاونة الموساد الإسرائيلي في التخلص من جثمان المعارض المغربي المهدي ابن بركة وقد كشف عنها أحد أفرد الموساد الذي شارك في العملية تلك العملية القذرة والذي أفاد أن جثة المهدي ابن بركة تمت إذابتها في برميل من المواد الكيمائية خلال 4 ساعات بعد قتله، وتم التخلص من مخلفاته الصلبة في حفرة بإحدي الغابات القريبة من باريس.

.. أفادت بعض المصادر أن رضا هلال كان ضحية الصراع بين مدير المخابرات العامة الأسبق اللواء عمر سليمان ووزير الداخلية الأسبق اللواء حبيب العادلي لنيل الحظوة لدى الرئيس مبارك؛ فقد سجل اللواء العادلي حفلات لبعض أقارب اللواء عمر سليمان، وأرسل التسجيلات إليه، ورد اللواء عمر سليمان في نفس اليوم على تلك التسجيلات بأخرى مماثلة تتعلق بشخصية نسائية مقربة من اللواء حبيب العادلي، وجاء في تلك التسجيلات صوت رضا هلال؛ ولأنه منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا لم توجد الجريمة الكاملة؛ فقد أهتم الجناة بإخفاء الهاتف النقال الخاص به حتى يصعب الإمساك بطرف خيط يوصل للحقيقة من سجل المكالمات، .. لكنهم غفلوا عن ألة الأنسر ماشين الخاصة بالتليفون المنزلي لشقة رضا هلال، وقد وجدت جهات التحقيق صوت تلك المرأة المقربة من اللواء حبيب العادلي على جهاز الأنسر ماشين، وجاء تقرير خبير الأصوات باتحاد الإذاعة والتليفزيون عن بصمة الصوت النسائي التي وجدت على ألة الأنسر ماشين الخاصة بالتليفون المنزلي لشقة رضا هلال أنها تقارب بصمة صوت المرأة المقربة من اللواء حبيب العادلى ولا تتطابق معها !!

.. وهذا الطرح يرضي الكارهين لعصر مبارك وفساد رجاله في ظل تغول الأجهزة الأمنية وتوحشها وتحويل مقراتها إلى مسالخ للمواطنين دون أن تحقق لهم الأمن المنشود !!

.. وأفادت مصادر أخرى أن رضا هلال تجاوز الخطوط الحمراء في المعرفة إلى الخوض في حقول المعرفة المغلقة بما استوجب تصفيته، وأن تتبع ومضات شريحة هاتفه النقال قد فقدت في محيط السفارة الأمريكية بجاردن سيتي .

.. وقد سألت الأستاذ ابراهيم نافع رئيس مجلس إدارة الأهرام ورئيس التحرير ونقيب الصحفيين آنذاك عن نتائج الجهود التي يبذلها في التواصل مع الأجهزة الأمنية لاستظهار حقيقة ما حدث للأستاذ رضا هلال؛ فقال لي بهدوء لا يتفق مع طبيعة الموقف:

ـ أن الأجهزة الأمنية لا تعلم عنه شيئاً، .. وقد صعدت الأمر إلى أعلى المستويات، وعرضته بكل تفاصيله على الرئيس مبارك !!

.. ومات الأستاذ ابراهيم نافع في بلاد الغربة هارباً من الملاحقة القضائية في اتهامات بقضايا فساد مالي، ومات معه سر رضا هلال الذي لم يبح به لأحد .

.. ولم يعرف مصير الأستاذ رضا هلال حتى الآن !!

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق