الثلاثاء، يونيو 06، 2017

ياسر بكر يكتب : سعاد حسني .. و"عقدة زوزو"!! (الحلقة الثالثة والأخيرة)

ياسر بكر يكتب : سعاد حسني .. و"عقدة زوزو"!!

(الحلقة الثالثة والأخيرة)

أخر صورة التقطت للفنانة سعاد حسني قبل رحيلها

بدأت معاناة سعاد حسني مع المرض في سنة 1991 عندما أصيبت بشرخ في الفقرتين القطنية والأولى عجيزية من العمود الفقري، ولم تنجح الجهود الطبية لعلاجها سراً في القاهرة في إحدى المستشفيات الصغيرة الخاصة التي تطل على ميدان لاظوغلي.

وقد أرتآى الطبيب المعالج ضرورة سفرها إلى فرنسا، فباعت سعاد حسني قطعة أرض، وعمارة كانتا تمتلكهما في منطقة الهرم، وسافرت لإجراء عملية جراحية لإندماج للعصب المتوسط باستخدام ألواح ومسامير معدنية، لكن العملية فشلت وأصيبت سعاد حسني بحالة إنتكاسية حيث انثنت المسامير، والتوت الشريحة المعدنية وحدث الانزلاق مرة أخرى وأصبح الأمر يتطلب عملية جراحية ثانية لاستخراج المسامير والشريحة المعدنية .. كانت آلام الفقرتين القطنية والأولى عجيزية من العمود الفقري تسبب لها ألم حاد ومستمر مع عجز كبير وبطء في الحركة .

.. تكالبت الظروف الصعبة على سعاد حسني بفشل ثلاثة من أفلامها:"المتوحشة"، و"الراعي والنساء"، و"الدرجة الثالثة" وبدأ الهمس يدور في كواليس الإنتاج السينمائي : "أن شمس النجومية غربت عن دنياها، وأنها لم تعد نجمة المرحلة بشهادة الجماهير التي يكتبها شباك التذاكر".

وزاد من أوجاع سعاد حسني ما حدث لها في مهرجان اسكندرية السينمائي 1991 حيث أبلغتها إدارة المهرجان بحصولها على الجائزة الأولى، وعندما ذهبت لاستلام الجائزة فوجئت بأن لجنة التحكيم منحت الجائزة الأولى لممثلة أخرى وأكتفت لجنة التحكيم بمنح سعاد حسني جائزة خاصة .

كانت سعاد حسني قد خاضت تجربة العمل التليفزيوني في مسلسل: "هو .. وهى" ، ولأن كاميرا الفيديو لا ترحم فقد كشفت عن خطوط يد الزمن الخشنة على صفحة وجهها التي طالما أحبه جمهورها، ولم تفلح محاولات الماكيير في إخفائها بقناع الأصباغ .. وأصبح من الصعب تكرار التجربة .

.. لم تعد سعاد حسني "فتاة الأحلام"، .. ولم تعد البنت الدلوعة الحلوة الشقية التي تملأ الدنيا صخباً وضجيجاً ومرحاً بصوتها المجلجل ورقصها الذي يشبة حركة الفراشة في مروج الزهور .. كان كل شئ ينذر ببداية وقت "الانسحاب" من عالم النجومية والأضواء مثلما فعلت الكثيرات من جميلات السينما في مصر (ليلى مراد ـ هند رستم ـ شادية ـ نادية لطفي ـ نبيلة عبيد ـ نيللي) أو من ارتضين القيام بأدوار تماثل مراحلهن العمرية (فاتن حمامة ـ زيزي البدراوي ـ سهير رمزي ـ هدى سلطان ـ زيزي مصصفى) .. لكن يبدو أن سعاد حسني كان لها رأي آخر؛ فقد أعتبرت الأصوات التي دعتها لـ "الانسحاب" صادرة عن أفراد يديرون مؤامرة عليها لحساب الغير.

كان ألام العمود الفقري تفوق الاحتمال، وكان الأمر يستلزم تناول بعض الأدوية والمضادات الحيوية والمسكنات خصوصاً الكورتيزون مما تسبب في زيادة نسبية في الوزن تفاقمت مع قلة وبطء الحركة مما بدا واضحاً في زيادة الوزن (أكثر من 100 كجم وبدت السمنة واضحة مقارنه بطولها 158 سم) وكبر الحجم مع تضخم منطقة البطن وظل انتفاخ منطقة البطن يزداد، وقد أثبت الفحص الطبي :

"وجود إصابة شديدة بالأمعاء الغليظة مع تخمرات زائدة غير طبيعية واختناق في أنابيب قنوات مجرى العصارات المرارية، وخلل في الوظائف الحيوية للكبد مما أدى إلى صعوبة  التخلص من السموم وقلل من كفاءة الكبد كما تبين عدم وجود توازن في الكيمياء الحيوية الهرمونية، ومعاناة الأمعاء من وجود طعام بها .".

.. ولأن المصائب لا تأتي فرادى؛ فقد تكالبت العلل عليها ففي سنة 1994 أصيبت سعاد حسني بالتهاب العصب السابع الجمجمي ـ حسب التقارير الطبية ـ مما أدى إلى ضعف بالعضلات السفلى بالوجه بالجهة اليمنى وبدا واضحاً في ضيق العين اليمنى.
وذكر التقرير الطبي أنه لا يوجد في حالة  سعاد حسني علاج دوائي حاسم، وأوصى التقرير بعمل علاج طبيعي وإجراء عمليات تجميل بعضلات الوجه والعصب السابع (بلغ عدد تلك العمليات 28 عملية) .

العلاج على نفقة الدولة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سافرت سعاد حسني إلى لندن لمواصلة رحلة العلاج على نفقتها الخاصة في 16 يوليو 1997 إلا أن تكاليف العلاج كانت تفوق إمكانتها؛ فوقعت في مأزق الأزمة في بلاد الغربة، ورغم ذلك لم تطلب علاجاً عن نفقة الدولة لكن مصور جريدة الأهرام في لندن همس في أذن الأستاذ عزت السعدني بحجم أزمة بين ضيق يد السيدة ومرضها في بلاد الغربة فكتب مقالاً بجريدة الأهرام بتاريخ 14 \3 \ 1998 بعنوان : "الساعة الخامسة صباحاً بتوقيت جرينيتش"، وقرأ الدكتور كمال الجنزوي المقال وأمر بعلاجها على نفقة الدولة بالقرار رقم 837 لسنة 1998، واتصل بها تليفونيا وطلب منها أن تطلبه على تليفونه الخاص إذا احتاجت شيئاً .

ثم أصدر قرار آخر باصطحاب مرافق لها على نفقة الدولة طوال فترة العلاج وصرف قيمة إيجار مسكن ومضاعفة بدل السفر لها وللمرافق والسماح باستخدام سيارة للتنقلات أثناء فترة للعلاج بأثر رجعي من تاريخ وصولها لندن في 16 يوليو 1997.

وفي 20 فبراير 1999 صدر قرار ثالث بمضاعفة ثانية لاعتماد علاج سعاد حسني (من مبلغ 25 ألف جنية استرليني ليصبح 50 ألف جنية استرليني) .

.. وفي 27 يناير 2000 كتب المستشار الطبي للسفارة المصرية في لندن تقريراً إلى مجلس الوزاء في مصر جاء فيه :

"عدم مد فترة العلاج على نفقة الدولة للسيدة سعاد حسني لأنها لا تحتاج إلى أي نوع من العلاج وأنها في حالة صحية جيدة".

.. وبنا على تقرير المستشار الطبي للسفارة المصرية في لندن توقفت نفقات العلاج، وكتبت سعاد حسني التماساً إلى الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء آنذاك في 18 فبراير 2001، لكنه لم يلق قبولاً.

بلغت نفقات علاج سعاد حسني على نفقة الدولة في لندن على مدى أربع سنوات، وما تلقته من إعانات نقابة الممثلين مليون ونصف جنية أسترليني (أي ما يعادل 12 مليون جنية مصري) في الوقت الذي كان نصيب الفرد من العلاج في مصر في ميزانية وزارة الصحة لا يزيد عن 100 جنية أي أن سعاد حسني قد حصلت على ما يعادل حق 120 ألف مواطن مصري في العلاج!!

عقدة " زوزو":
ـــــــــــــــــــــــــــ

.. بتوقف جهة الاختصاص عن صرف نفقات العلاج على نفقة الدولة لسعاد حسني بدأت شبح الأزمة يطل في حياتها من جديد، ومع الوقت تحول إلى كابوس مرعب خاصة مع إصرارها على البقاء في الغربة هروباً من مواجهة الناس التي كانت ترفض أن يروها في صورتها الجديدة فكانت تخفي ملامحها بنظارة كبيرة، وتغطي شعرها بإيشارب، وتتفادى الأماكن التي يتواجد فيها العرب والمصريون . 

اعتادت سعاد حسني إنكار شخصيتها الحقيقة، وتقديم نفسها باسم مستعار؛ فقد قدمت نفسها باسم :"مدام زينب" لسيدة مصرية تدعى شيرين نديم كانت تعالج معها في نفس مصحة هيلث فارم، لكن سرعان ما ظهرت الحقيقة لتكشف شخصية النجمة وسط حالة من الشعور بالصدمة، ونظرات الإشفاق والإحساس بالأسى .

وأدركت سعاد حسني أن إنكار شخصيتها ليس حلاً !!

في ذلك الوقت كتبت مديحة عزت مقالاً في مجلة "روز اليوسف" بعنوان: "من ينقذ سعاد حسني من "البهدلة" في شوارع لندن"

وثار بعض من أفراد عائلة سعاد حسني لكن أحدهم لم يتخذ خطوات عملية أو جادة للتواصل معها أو تقديم العون لها في أزمتها وهى حالة يطلق عليها عامة المصريون "حنية الوز"، أى إظهار المشاعر دون تمثيلاتها في الواقع .. بما يعني :"الحنو دون عطاء".

.. وحاول بعض الأثرياء العرب تقديم العون لسعاد حسني .. بعضهم كان جاداً مخلصاً، والآخر كان راغباً في الشهرة والمنظرة، وتحت وطأة الاحتياج قبلت النجمة بعضها على مضض، وزادت معاناة سعاد حسني بعد انسحاب المرافق الذي جاء ضمن مخصصاتها في بنود قرار العلاج على نفقة الدولة، وخاصة أن النجمة لا تعرف اللغة الإنجليزية ولا تعرف التحدث بها؛ فهى لم تنل أى قسط من التعليم !!

كانت سعاد حسني تعيش أسيرة "عقدة زوزو" منذ لعبت دورها في فيلم "خللي بالك من زوزو" حتى أنها اتخذت لنفسها اسم "زوزو" التي كانت تحب أن تسمي نفسها به، ويناديها به أصدقاؤها، ووضعته على الأنسر ماشين الخاص بها، فالطالب لرقمها على المحمول يتلقى رسالة : "ألو .. أنا زوزو النوزو كما النوزو.. اترك رسالتك ورقم تليفونك.. وح أرد عليك على طول" .. كان إعجاب سعاد حسني بشخصية زوزو التي لمست وتراً حساساً لديها فـ "زوزو" تجسيدً للبنت ذات التكوين الأنثوي الدقيق والرقيق .. المنطلقة في خفة الفراشة .. بوجه جميل، وعيون ضاحكة، وصوت مجلل بالفرحة .. تلك البنت التي تريد أن تتقدم وترتقي اجتماعياً، وكانت  سعاد حسني ترى أن فيها حاجات كثيرة من شخصية  "زوزو"؛ لذا حاولت سعاد حسني إعادة تجربة "زوزو" في السينما من خلال فيلم "أميرة حبي أنا"، وفشلت التجربة وتحمل منتج الفيلم بخسائر بالغة .

.. لم يثني فشل إعادة تجربة "زوزو" في السينما سعاد حسني عن محاولتها استعادة "زوزو" في الحياة والواقع؛ فقد تعودت مقابلة الناس والظهور على شريط السينما برداء الجسد ذات التكوين الأنثوي الدقيق والرقيق.. وبوجه جميل، وعيون ضاحكة، وهو ما أصبح من الصعب استعادته في ظل حالة مرضية جعلتها أسيرة لحالة من السمنة، وشلل في الوجه جعل ملامحه تبدو كما لو كانت صاحبته ممتعضة من شئ ما، وضيق في العين اليمنى تبدو فيه كما لو كانت مغلقة .

.. كهذا باعدت السنين بينها وبين "زوزو"؛ فتغيرت ملامح الجسد الذي كانت تعتقد أن ما من رجل في الوطن العربي إلا واشتهاه !!

***

.. كانت كل الظروف تدفع سعاد حسني في اتجاه الانتحار .. لكنها لم تنتحر .. فقد قتلت هكذا تؤكد الشواهد، وأهمها  الدليل الدامغ وهو التقرير الطبي الذي يؤكد أن الدورة الدموية توقفت قبل أن يُلقى بجسدها من الشرفة.

.. ولذا يجب أن يظل ملف مقتلها مفتوحا وساخناً.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق