كتاب " المذكرات .. و"القتل النظيف"، ياسر بكر بصيغة Word
الإهــــــــداء
:
ـــــــــــــــــــــ
إلى روح الشهيد
البكباشي أحمد عبد العزيز؛ فهو وحده من بين كل من كتبنا عنهم هنا ـ وحده فقط ـ من
يستحق شرف الإهداء.
ياسر بكر
مقدمة :
"المذكرات"
خدعة الخدع، وصندوق الألاعيب!! .. هكذا علمتني تجربتي عبر السنين.
.. وهو نفس ما ذهب إليه آل سيكيل في كتابه بعنوان
: "أساتذة التضليل" في حديثه بالكلمة والصورة عن محترفي ألعاب
"الخداع البصري"، وقدرة البعض على ابتكار زوايا مختلفة للنظر إلى الأشياء
بما يجعلها تبدو على غير حقيقتها .. ودور التلاعب بالأضواء والظلال في الخداع الذي
يقوم به بعض البشر في مواجهة بشر أخرين !! .. ويعد الخداع هو الوعاء الرئيس الحاوي
للكذب، والكذب في مفهومه هو سلوك بشري يهدف إلى طمس الحقيقة عن بشر أخرين، وهو
سلوك يعكس انخفاضاً في القيم .. ويصف الفيلسوف إيمانويل كانت في كتابه
بعنون:"نقد العقل المجرد" الكذب بأنه أكبر انتهاك يقوم به الفرد ضد
ذاته؛ فلا أحد يقبل أن يوصف بأنه كاذب .. وهو ما جعل البعض يتحفظ في إطلاق وصف
"الكذاب" على بعض من يستحقونه لشناعة وبشاعة الوصف!!
وانتهى جون جي.
ميرشيمر في كتابه بعنوان :" لماذا يكذب القادة، الكذب في السياسة الدولية"
إلى أن أنواع الكذب 31 نمطاً أخطرها على الإطلاق "الكذب الاستراتيجي" الذي
تمارسة بعض الدول من أجل تحقيق مصالحها والحصول على منافع لشركاتها مثل ممارسات
بعض الدول الاستعمارية ضد الشعوب المحتلة لنهب ثرواتها والإدعاء الصهيوني بالحق
التاريخي في فلسطين والممارسات الأمريكية تحت لافتات دعم الديمقراطية وحقوق
الإنسان ومحاربة قوى الشر والقبض على أعداء الإنسانية وتقديمهم للعدالة ومحاربة
الإرهاب وغيرها من تلك الشعارات البراقة التي يصعب نظرياً الاختلاف معها .. لكنها
في باطنها تحمل كل بشاعات العنصرية والوحشية واللصوصية والسيطرة على مقدرات الاخر
ونهب ثرواته !!
ويندرج تحت مُسمى "الكذب الاستراتيجي" المذكرات
الشخصية؛ لأن كتاب تلك المذكرات على الأخص السياسيون والقادة والديبلوماسيون
والعسكريون وربما الشخصيات العامة غالبا ما يقومون بتضخيم وإعلاء أدوارهم أو تضخيم
وإعلاء دور فرد ما أو قائد ما، حتى تلغى الأدوار الأخرى للأفراد أو للجماعات أو أى تكوينات أخرى على
المستويات الأعلى أو الأدنى مثلما فعل "الناصريون" وكبيرهم محمد حسنين
هيكل ويفعلون عند الحديث عن جمال عبد الناصر وانقلاب يوليو 1952.
بينما ابتعد البعض عن تثبيت دور
الفرد في عملية التغيير وإعطاء كل ذي حق حقه إما لموقف شخصي أو قصور ذهني أو منهج
فكري أو منهجي وإسناد الأمر إلى العوامل الكبرى الحاكمة للتغيير باعتبارها جزء من
عجلة التاريخ وأن التغييرات التاريخية تحدث لأسباب ومعطيات اجتماعية.
.. وفي المجمل
فإن الكاذبون لا يخجلون من كذبهم، ولا يقرون به أبداً بل يبررونه،.. وهو ما جعلني
ألاقي الأهوال في رحلة البحث من ممارسات "كومبارسات
التاريخ".. وكومبارسات التاريخ هم الذين يقومون في أحداث التاريخ بدور هامشي
ولحظي، و"كومبارسات التاريخ" لا يشكلون عادة فريقاً متجانساً من البشر؛
فهم خليط من السياسيين والكتاب والصحفيين والشماشرجية والحراس والبودي جاردات
والندماء والمهرجين والمنافقين والقوادين والمحظيات والعاهرات والمزيفيين
والمرتزقة وأعضاء مجالس الأنس والسماسرة و"صبيان القعدات"، ومسئولو
"أمور سهرات المزاج" في سهرات "الفرفشة" من كؤوس الخمر إلى
جوزات الحشيش "النرجيلات"، ولحوم الرقيق الأبيض على موائد الشيطان!!
كان لـ "كومبارسات التاريخ" محاولاتهم المستمرة والمستميتة في مسلسل التضليل
والخداع!! .. بعضهم حاول أن يدخل علينا غشاً!! وبعضهم حاول أن يلقي إلينا بنصف
الحقيقة التي هى في الحقيقة "الكذب الأسود بعينة".. وآخرين حاولوا
تضليلنا بدفعنا في اتجاه خاطئ بغية أن نضل الطريق وسط
تلال من الأكاذيب وجبال من أدوات المكياج، وأكوام من الأصباغ التي تعد من أصول
"صناعة الزيف"، أو دفعنا في اتجاه أبواب موصدة!! أو دفعنا للخوض
في "حقول ألغام" بنوايا التخلص منا إعتقاداً منهم أننا لن نخرج منها
سالمين!! أو بصيد ثمين ذا قيمة.. كان بعضهم موقنين أننا لن نخرج إلا مثخنين
بالجراح بعد إنهاكنا في معارك قضائية، أو معدومي العافية بعد وقوعنا تحت طائلة
القانون الذي قد ينتهي بنا إلى السجن، أو تكبيدنا من الخسائر والغرامات المالية ما
يفوق الطاقة والاحتمال ...
وزاد من صعوبة
الأمر أن هناك «قرصنة» على المعرفة ترتكبها النظم السياسية المتتابعة في مصر
وتتمثل في عدم السماح للباحثين والمؤرخين بالاطلاع على وثائق الأحداث التى مضى
عليها 50 سنة ضمن مخطط لتضليل الرأى العام وتركه فريسة لحرب المذكرات التى عادة لا
تقدم الحقيقة بقدر ما يسعى أصحابها إلى الدفاع عن أنفسهم وتبرئة ذمتهم.
كانت المحصلة
أنني عشت سنوات مطارداً في "قلب الخطر" انعكست تداعياتها في حالة من عدم
الاستقرار تركت بصماتها الكئيبة على كل من حولي، .. وألقت بظلالها الكثيفة على
حالتي الصحية، وجعلتني أسيراً لحالة من "عدم التسامح المُطلق" لا أستطيع
منها فكاكاً مع كل من حاول أن يخدعني أو يدخل علىّ غشاً؛ ولذا أود التأكيد على أربع
أمور :
أولاً : الحمد
لله .. مرت التجربة بسلام .. كان الاعتصام بـ "المناهج العلمية للبحث"
والالتزام بضواط الكتابة الرصينة، وحدودها الصارمة درعاً وسيفاً من السقوط في أيدي
المضللين، والنجاة من كيد المتربصين بنا.. وكان هذا الكتاب في صورته هذه بما يفتح
ثغرة في جدار الصمت!! ويسقط لبنات من بنيان "الأسوار العالية التي أُقيمت حول
الحقيقة" التي دائما يتم دفنها في قبور التاريخ تحت دواعي "الأمن
القومي" و"المصالح العليا للبلاد" و"مصلحة التحقيق"
و"أحوال البلد التي لا تتحمل" !!
ثانياً : أن جميع من كتبت عنهم هنا ـ باستثناء الشهيد
البكباشي أحمد عبد العزيز ـ سفلة ومُدلسون وموصومون ومتأمرون على الحقيقة،..
ومصلحة وتاريخ الوطن، وكلهم سقط في مستنقع "الغواية بالمصلحة"، وكلهم
ارتضى الدنية في شرفه الشخصي وذمته الوطنية؛ فرفع شعار "الموت للجميع؛ ليعيش
الحاكم الفرد" مادمنا عبيد إحسانه ونرتع في رحاب طغيانه؛ فلما غربت شمس
المصالح، وانحسرت المنافع رقصوا "رقصة الذبيح" بأقلام الإفك ومداد الزيف
فوق أوراقهم الصفراء؛ فكانت "المذكرات القاتلة"، وكان "القتل
النظيف"، وهو القتل الذي لا يترك الجاني فيه أثراً يدل عليه .
.. ورغم يقيني
أن الكتابة عمل إنقلابي ضد قوى الظلام والإظلام والظلم والاستبداد ومنهم المدلسون
والمضللون من "كتبة" المذكرات والمتاجرين بها؛ فإن هذا لا يعني إقراراً
بالموافقة على "قتل نفس" بغير نفس أو فساد في الأرض؛ فقتل نفس بغير نفس
أو فساد في الأرض ذروة الهمجية والعدوان والوحشية والانحطاط الإنساني لدفن جزء من
الحقيقة مع القتلى في قبورهم .
ثالثاً : أؤكد
أنني قد تحريت الدقة والأمانة قدر الطاقة والمتاح في فحص تلك المذكرات؛ فلم أغسل
أحداً من أوزاره، ولم ألصق بأحد ما لم يفعله .. لم أقدم إشادة مجانية بأحدهم بدافع
من هوى، أو أجهر بسوء فعله أحدهم دون تيقن لغرض ما في نفسي، ولكنه كان في إطار
منهج نقدي تاريخي لتحقيق ما يمكن قبوله منها على أنه حق، وما يمكن وصفه بأنه مكذوب
وغير أمين وغير دقيق .. كانت الحقيقة ضالتي التي عشت لها ومن أجلها .. الحقيقة فقط
.
رابعاً : وقد
يفهم البعض خطأ أنني غير راض عما توصلت إليه من نتائج، .. والحقيقة على العكس
تماما فإنني راض وقانع تماماً به، وبأنه : "ليس في الإمكان أفضل مما
كان"، خاصة أن هناك الكثير من المذكرات كتبها بعض من لعبوا دوراً في تاريخ
البلاد وشهدوا بحكم مواقعهم أو قربهم من دوائر صنع القرار الكثير من الأحداث، وقد
تناثرت بعض تلك المذكرات في بطون الصحف القديمة، والبعض الأخر مازال مخطوطاً يعاني
الإهمال والإخفاء وخطر الفقد والضياع، والبعض الثالث مطبوع في شكل كتب، والبعض
الرابع فقد، ولم يُعثر له على أثر سوى في كتابات الغير ممن استشهدوا ببعض فقراته
في مؤلفاتهم أو مذيلاتهم!! .. تتفاوت أهمية تلك المذكرات حسب أهمية صاحبها من جهة،
والفترة التاريخية التي تناولتها من جهة أخرى، ومدى أمانة ودقة كاتبها من جهة
ثالثة .
.. في كل
الأحوال لقد فتحت بتلك المحاولة بعض الأبواب المُغلقة، ونزعت جزء من الغطاء عن بعض
"المكذوب" أو"المسكوت عنه" لسنوات طويلة؛ وأطلقت قذيفة حطمت
لبنات من جدار "الصمت المتواطئ" بما يجعل في مقدور باحث جاد يأتي من
بعدي استكمال ما بدأت لمصلحة الوطن، وتصحيح تاريخه "المُتلاعب به" بصدق
وواقعية.
والله
الموفق والمستعان
ياسـر
بكر
الأسكندرية
ـ الأول من مارس 2017
الفصل الأول :
ـــــــــــــــــــــــ
المذكرات
تعريف المذكرات
:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المذكرات هي شكل
من أشكال الرواية بمعني كل ما روي على لسان شهود العيان، أو روي وكتب لهذا الغرض ،
أي ليكون مذكرات .
.. والمذكرات
تنفرد بخصيصة مميزة هى الخصوصية أي الجانب الشخصي فيها واللصيق بها والخاص جداً
الذي يتناول تجربة الإنسان الشخصية ومشاهداته وعواطفه وآراءه أو أعماله .
وهذه الصفة تحدد
ما هو المقصود بالمذكراتفهي تشمل كل ما روي أو دون من وقائع بهذه الصفة سواء سجل
في وقته ويومه أو سجل بعد أن أصبح ذكرى .* (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
·
(1) د. عبد العظيم رمضان، مذكرات السياسيين والزعماء في مصر 1891 ـ 1981 ،
الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة 1998 ـ ص 26
تندرج "المذكرات"
تحت ما يطلق علي الباحثون: "الوثائق المنحازة"؛ فقد قسم الباحثون في علم
التأريخ الوثائق بصفة عامة إلى خمس أنواع :
أولاً : الوثائق
المتعلقة بالحدث :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقصد بالوثائق المتعلقة بالحدث ما صدر عن وزارات الحكومة ومصالحها والجهات الرسمية في الدولة من قوانين وأوامر وتشريعات وإحصاءات وتعدادات والبيانات الرسمية والقرارات، وما صدر عن مجلسي البرلمان من مضابط الجلسات وملاحق القوانين والقرارات والشهادات الرسمية أمام المحاكم، وما نشر من أحكام ومحاكمات، وكل ما نتج عن الحدث من وثائق أرشيفية أو خطب الزعماء وبياناتهم وتصريحاتهم أو قرارات الأحزاب أو الصور الفوتوغرافية والقرارات الصادرة من الأحزاب والنقابات وبرقيات التقارير التي يرسلها السفراء والقناصل إلى حكوماتهم .
ثانيا ـ وثائق
غير منحازة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوثائق غير المنحازة، هي الوثائق التي لم يقصد بها أن تكون أدلة على موضوعات بعينها في المستقبل مثل سجلات المحاكم، ودفاتر مكلفات الأطيان الزراعية، ودفاتر مكلفات المباني، والقوانين، وغيرها من أوامر ونواهي إنجاز الأعمال، والمنشورات الصادرة عن الأحزاب، والنقابات في إطار ممارستها لأنشطتها المختلفة.
ثالثا : وثائق منحازة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوثائق
المنحازة، هي التي يقصد بها أصحابها التدليل على موضوعات بعينها كشهادة الشهود في
المحاكم واعترافات المتهمين وإنكارهم، والروايات المباشرة، أو غير المباشرة
(اليوميات Diaries ـ السير الذاتية
Memoirs ـ
الذكريات (Recollections،
وهي أقل قيمة من الناحية العلمية؛ لاحتوائها على قدر يقل أو يكثر من الأباطيل لمن
عاصروا الحدث أو كانوا في بؤرة الحدث أو في دوائر صنع القرار بشأنه، في كل ومحاولة
التوقف أمام ما يمكن أن نطلق عليه (المسكوت عنه) في هذه المذكرات، وهو مجموع
الأحداث والتفاصيل التي يصر كاتب المذكرات أن يغلق أمامنا الأبواب للدخول إلى
حقيقتها.
رابعاً ـ وثائق
مصطنعة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقصد بالوثائق المصطنعة تلك الوثائق التي يتم اصطناعها بالتزوير أو إعدادها تحت تأثير الإكراه الجسدي أو المعنوي، ومثال تلك الوثائق الوثيقة التي كتبها الأستاذ مصطفى أمين، وكانت ضمن أوراق القضية رقم 10 جنايات أمن دولة عليا والتي يعترف بموجبها بقيامه بأعمال جاسوسية لصالح الأمريكان، وقد ثبت لمحكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار أنور مرزوق أنها كتبت تحت الإكراه الجسدي وتحت آلام تعذيب لم يتحمله، وقد لوحظ أن الوثيقة لم تكتب بقلم واحد ولا وقت واحد، وأن فقراتها غير متواترة وغير متناسقة، كما لوحظ أن شرائط التسجيل تحتوي علي فراغات كثيرة وأنه تم التلاعب فيها من خلال عمليات المونتاج.
وقد اعترف د .
محمد حسين هيكل رئيس مجلس الشيوخ في مذكراته، بأنه أدخل عليه الغش بدس وثيقتين
مزورتين عليه ، إحداهما عبارة عن صورة بالقلم الرصاص من خطاب أرسله النحاس باشا
إلى المفوضية الروسية، والوثيقة الثانية تؤكد الوثيقة الأولى لكنها مكتوبة بخط
محمود بك شوقي ابن شقيقة النحاس باشا وسكرتير عام مجلس الوزراء.
مما حدا بالنحاس باشا والأستاذ إبراهيم فرج وزير البلديات إلى تقديم بلاغ إلى النائب العام عبد الرحيم بك غنيم النائب العام آنذاك، وقد أوضحت التحقيقات أن هذه الوثائق مزورة وأن الذي دسها عليه ضابط كبير بالمعاش يدعى محمد سليمان هجرس وكان هذا الضابط يشتغل قبلا في المخابرات الحربية وأن هذا الضابط قدم هذه الوثائق مقابل خمسين جنيها حصل عليها من علوبة باشا وأن الذي اصنعها موظف بالسكة الحديد يدعى عبد العزيز جاد الحق . وهذا يقودنا إلي ما يسمى : «نشاط تجار الورق"
خامسا ًـ نشاط تجار الورق:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و «تجار
الورق» هم مجموعة من البشر لا خلاق لهم يقومون بتجميع المعلومات من مصادرها
المعلنة، ويقومون باصطناعها في شكل الوثيقة؛ لإدخال الغش علي المراكز البحثية،
والإيقاع بالأجهزة الأمنية .
.. وكان
مكمن الصعوبة في أربعتهم هو:
1 ـ أنه لا يمكن معرفة دلالة الوثيقة إلا في إطار العصر الذي صدرت فيه، ولا يمكن فهم القرار إلا في إطار الظروف التي تم اتخاذه فيها.
2 ـ أن الحكومات المتعاقبة على حكم مصر قد أسبغت على وقائع تاريخنا ووثائقه صفة «سرى»، ودون وجود قوانين تنظم تداول المعلومات وسبل الكشف عن الوثائق، أو السنوات اللازمة للكشف عن مكنوناتها، وهو ما جعل خزانة الوثائق في مصر مغلقة دائما!!
.. وزاد الأمر صعوبة أن الكثير من الجماعات على ساحة العمل الوطني مثل الإخوان المسلمين ومصر الفتاة وحدتو والحزب الشيوعي المصري قد عمدت إلى السرية من خلال الانخراط في تنظيمات سرية، وأنهم يحرقون أوراقهم بعد عقد اجتماعاتهم، لذلك كان الاعتماد على بعض الروايات الشفهية، والمذكرات الخاصة وهذا النوع من الوثائق المنحازة له عيوبه، منها المبالغة والكذب وليّ عنق الحقائق والرؤية الذاتية للأمور.. ولذلك كان الأخذ عن بعضها بحذر، والاكتفاء بإبراز المفارقات العلمية والعملية بينها وبين ما جاء في وثائق أخرى تحمل سمة «غير المنحازة"!!
3 ـ أنه من الصعب على الباحث تمييز الوثائق المصطنعة، ما لم يتم الكشف عنها وفضحها بمعرفة سلطات التحقيق، أو يكون الباحث مدعومًا من مركز أبحاث يمتلك تقنيات الكشف عن زيف تلك الوثائق.
المذكرات:
كان مكمن الصعوبة في المذكرات الشخصية بأنواعها الثلاث (اليومياتDiaries ـ الذكريات Recollections ـ السير الذاتية (Memoirs أن كاتبها يحاول جاهدًا أن يجعل من نفسه دائما وأبدًا القطب الأوحد الذي تدور في فلكه أحداث الكون؛ فهو يسجل لنفسه المواقف المضيئة ويتخذها مادة للدفاع عن النفس وتمجيد الذات، ويدعي الصواب لنفسه، ويحتكر لذاته الآراء السديدة والنظرة البعيدة الثاقبة القادرة على سبر أغوار التاريخ بما فيه من العظات والعبر، واستشراف ما هو آتٍ، فهو دائمًا البطل الذي لا يعترف بخطأ ارتكبه، بل ينسبه للآخرين، وهو أيضًا الحكيم إذا طاش عقل الجميع، وهو الشجاع إذا وهن القوم، وهو الأمين إذا خان الرفاق!!
وهذا ما جعلنا
نأخذ عنها بالكثير من الحذر واضعين في الاعتبار أن التجرد عند الكتابة عن الذات من
الصعوبة بمكان، بما يجعلها أمرا خارجا عن إرادة البشر؛ فتكون المغالطة إلا من رحم
ربي، كما يعمد الكاتب أحيانًا إلى إغفال وإخفاء بعض الوقائع التي لا تناسب أوضاعهم
التي صاروا إليها، وهو ما نطلق عليه في بحثنا هذا مصطلح «المسكوت عنه»، وإذا
افترضنا حسن النية بأن ذاكرة الكاتب قد تخونه أحيانًا في تسجيل بعض الوقائع فيحدث
الخطأ؛ والمحصلة سواء بسواء..
.. وليس هذا فقط،
بل كانت ثمة صعوبة أخرى متمثلة في اختلاف شهادات الأشخاص حول الحدث الواحد سواء في
سياق السرد أو زوايا الرؤية.
.. ولم تكن
الصعوبة في الاعتماد على المذكرات هي التناقضات الكثيرة في الشهادات المختلفة
للعديد من الشخوص، بل تعدتها إلى التناقضات في شهادة الشخص الواحد حول حدث واحد؛
فعندما تتاح له فرصة الكتابة عنه أكثر من مرة على فترات متباعدة وفي ظروف مختلفة
ومن مواقع متغيرة (سياسيًا أو اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو وظيفيًا)؛ تبدو الرؤى
متناقضة والآراء ولغة الكتابة وأسلوب عرض الموضوعات ومضامين المعلومات مختلفة،
ومثال ذلك المذكرات والكتابات المنسوبة إلى أنور السادات .
.. وهو ما حدا بنا في هذا البحث؛ وحتى لا نقع فريسة
للتخمينات والشائعات والأكاذيب إلى اعتبار ما جاء في هذه المذكرات مجرد شهادات
بالإثبات أو النفي، لا تمثل إلا وجهة نظر أصحابها ما لم تدعمها وثيقة أو مستند أو
حكم قضاء .
.. فهى في كثير من الأحيان قد تمت صياغتها لغسل
النفس من أوزارها وإبراء الذمة، وتنظيف اليد مما اقترفته من آثام وعلق بها من
أوساخ عبر "مرافعات سابقة التجهيز" أمام محكمة التاريخ يسودها
"الاعتصام بالإنكار"، وعند الاعتراف؛ فالتبرير الجاهز والمعلب هو
"حسن النية" وانتفاء القصد!!
المذكرات .. و"القتل النظيف" :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.. ولكوني مهتما بعمليات التلاعب وما تقوم عليه من
عمليات تزييف التاريخ عبر الترويج لقصص ما وارء القصص، أو الحكاية من داخل الحكاية بغرض تسمم القيم
وانفضاض الضمير واستلاب الهوية فكان من الطبيعي أن أهتم بالمصادر الأولية
للمعلومات التي تعد البروفة الأولية المنطبعة للتاريخ وأن أتحري الوثائق التاريخية
سواء الوثائق المنحازة أو غير المنحازة أو الوثائق المعدة لغرض ما؛ فالوثائق هي
"صوت السلطة" منذ أن عرفت الإنسانية نشأة الدولة ومنذ اختراع الكتابة في
سالف العصور!!؛ وقد شاءت إرادة الله التي حملتني على أعتاب تاريخي أن أهتم بما
يحاك للمواطن العربي بليل عبر أساليب التلاعب بوعيه من خلال الغوغائية الثقافية
المتفشية والتي تستهدفه ليل نهار .. وقد شاءت إرادة الله أن تحمل أرفف المكتبة
العربية عنوانين يحملين اسمي هما "صناعة الكذب ـ حرب المعلومات " من ضمن
7 مؤلفات لي في مجال الميديا ووسائطها وتطبيقاتها .
.. وقد اهتممت بتسجيل الشهادات الحية وكانت تلك الشهادات أشبة ببصمات
الأصابع قد تحمل في بعض خطوطها تشابهاً لكنها لا تتطابق أبداً؛ فهناك أسباب كثيرة
للإختلاف أهمها موقع الرؤية ومنظورها واتساع زاويتها .. فضلاً عن هوى النفس .
وكان الاهتمام بالمذكرات السياسية باعتبارها شهادات أصحابها لكني لم
أًدخلها ـ رأي شخصي ـ في تصنيف الوثائق أبداً فهي مجرد شهادات لا تمثل إلا وجة نظر
أصحابها ، وتحتمل الصدق وتحتمل الكذب لذاته .
قضيت الكثير من سنوات العمر بين صفحات تلك المذكرات من أول مذكرات عرابي :
"كشف الأسرار في النهضة المصرية المشهورة بالثورة العرابية" لأجدها في
أغلب حوادثها من شطحات خياله وأن الحقيقة أنه سلم مصر مقابل حصة من سندات آل
روتشيلد، وذهب ليسلم سيفه إلى القائد الانجليزي جنرال لو الذي نظر إليه باحتقار
وأشار بطرف حذائه إلى عسكري المرسلة ليأخذ منه السيف ويقبض عليه!!.. ، وقد ظلت تلك
الترهات مهملة إلى أن جاء ضابط انقلاب يوليو 1952 ليبعثوا فيها الحياة ليوعوزا من
طرف خفي للرأي العام المنادي برجوعهم لثكناتهم أن ما آتوه ليس بدعاً .. وإن الجيش
كان ضالعاً في الحياة السياسية، .. وانتهاء بمذكرات السيدة تحية كاظم زوجة الرئيس
عبد الناصر؛ لأكتشف أن الأرضية المشتركة لتلك المذكرات هو غسيل السمعة والتنصل من
جرائم في حق البلاد والعباد وادعاء البطولات لإشباع حالة البرانويا لدي بعض
المهوسين بها، كما أن بعضها بمثابة" مرافعات سابقة التجهيز "أمام محكمة
التاريخ، لكن أهم هذه المذكرات وأخطرها هو الذي يحتوي على "تمرير رسائل"
ذات مغزى إلى الجماهير للدفع بها في اتجاه إختيارات محددة !! والمذكرات المصطنعة
والتي تدخل ضمن "نشاط تجار الورق"، وتحت هذا النوعين معاً تندرج مذكرات
العقيد شمس بدران .
كما أتناول
مذكرات سعاد حسني "أخت القمر" .. "المرأة ذات العيون
الضاحكة"، تلك المذكرات التي خرجت إلى النور بعد قتلها "مقصوصة
الجناح" .. "منزوعة الدسم" لتحكي حكايات وقائع باهتة عن أمرأة ملئت
الدنيا صخباً ومرحاً وضجيجاً وحزناً .. وهو ما
سأتناوله في هذا الكتاب مع تفاصيل حوار دار وقتها بيني وبين أستاذي الصحفي المصري
المقيم في لندن الأستاذ منير مطاوع، والذي ساعدها في إعداد المذكرات، والتي مازال
يصر على أنها ليست مذكرات لإيمانه أنها لم تكن اعتزلت وقت كتابتها، فهى إذن محاولة
لرسم ملامح صورة لها، ومساعدتها على اكتشاف "البقع المعتمة" في حياتها ـ
على حد قوله ـ وجبن كلانا ساعتها عن نشره أو البوح
بأسراره!!
لكن الظروف قد تغيرت لتتيح لنا فرصة الكشف عن الكثير من الأسرار ومنها :
ـ لماذا شبهت
سعاد حسني الرئيس حسني مبارك بالممثل نظيم شعراوي؟!!
ـ سر مطاردات العم موافي " جنرال
السراير" لها ؟!
ـ حكاية مطاردة زميلاتها من "بنات
الكنترول" لها ؟!
ـ لماذا كان الضغط عليها بإلغاء قرار علاجها على
نفقها الدولة ؟!
ـ عروض "العاهرات
التائبات" برعاية الخلايجة، ودعوات الحج والعمرة مقابل إعلان التوبة؟!
ـ دور حسين فهمي
في محاولة إعادتها إلى القاهرة تحت غطاء تكريمها في معرض القاهرة السينمائي ؟!
ـ من هى نادية
يسري وما علاقتها بالعم موافي وما دورها في تسهيل عملية "القتل النظيف"
؟!!
وفي مقابل ما
كتبه الأستاذ منير مطاوع كان المصنف العشوائي بعنوان : "سعاد أسرار الجريمة
الخفية" الذي كتبته أختها الغير شقيقة جنجاة عبد المنعم حافظ والذي يتضح من
مطالعة لافتة الغلاف أن أمام مصنف ينطوي على ملمح يتسم بالعشوائية ويستند إلى
معرفة ضريرة تؤكد عدم الدراية بطبيعة المهمة التي صدر من أجلها؛ فقد جاء في
العنوان لفظ " الجريمة الخفية" .. وبتأمل تداعيات الأحداث نجد أن
"الجريمة ليست خفية"، ولكنها "غامضة" والفارق كبير بين
"الخفاء" و "الغموض"، وبقراءة متأنية لصفحاته نجد أن الكاتبة
التي لم تنل قسطاً من التعليم يؤهلها لتلك المهمة لذا اكتفت بالعمل في حرفة
"اللبيسة" لأختها النجمة الراحلة، وهو ما ظهر جلياً في الكتاب من
تناقضات، وأنها قد أدانت أختها لأمها من حيث أرادت لها البراءة، ولوثت سمعتها من
حيث أرادت تبيض صفحتها، .. واستشهدت بما لا يشهد لها، ولم تستطع إقامة الدليل على
ما ادعته في مصنفها، وهو نفس الأمر الذي عجزت عنه أمام سلطات التحقيق!!
كان من
الواضح أن جنجاة على عكس ما ادعته من
كونها تريد الاستناد إلى الرأى العام للحصول على الحق الأدبي لأختها لأمها؛ ..
فقد طرحت الكتاب بسعر مبالغ فيه (150
جنية) بما يحول دون المهمة التي ادعت جنجاة إصداره من أجلها، ويقف مانعاً بين وصول
المصنف إلى أيدي محبي سعاد حسني وعشاق فنها، وجعل البعض يستشعر أن الأمر مجرد
"سبوبة" للحصول على المال بالمتاجرة بذكرى فنانة رحلت عن عالمنا في حادث
مأسوي.
.. وأتناول
حكاية مقتل الليثي ناصف وحكاية "الشبشب" الذي لم ينخلع من قدميه رغم
دعاوى سقوطه من الدور 11، ولماذا تم نقله بدون داع قبل الحادث بيوم من شقته بالدور
الثاني إلى شقة في الدور 11، وحكاية اتهام زوجته السيدة شوفيكية للرئيس السادات
بقتله !! .. وحكاية صعود أشرف مروان !! ومن قتله ؟! لماذا قتلوه.. ولماذا اكتفت
منى عبد الناصر بالتوسل إلى مبارك لغسل سمعة مروان دون البحث عمن قتله ودواع القتل
؟! .. وحكاية النكتتين اللتان رددهما الأنجليز عن
"بلكونات لندن التي تمطر جثث المصريين"
.و "أن عمدة لندن قد أصد قراراً ببناء الشقق
بدون بلكونات حرصاً على حياة المصريين !!"
التحذيرات
و" رسائل القتل":
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.. ولا يفوتني
هنا أن أذكر بعض من مُنعوا عنوة من كتابة مذكراتهم وأنهم كتبوها وتخلصوا منها أو
أخفوها لحين تحت تهديدات صارمة بالقتل؛ فقد اقتحم مجهولون منزل المشير محمد عبد
الغني الجمسي ولما لم يجدوا ضالتهم ضربوه
علقة ساخنة وانصرفوا ونشرت "جريدة الأهرام" الخبر في صفحة الحوادث في
طبعتها الأولى تحت عنوان : "لصوص يقتحمون شقة المشير الجمسي ولما لم يجدوا ما
يسرقونة ضربوه علقة وانصرفوا" .. ثم تم حذف الخبر من الطبعة الثانية !!
.. ولمذكرات المشير الجمسي حكاية، ففى عام 1983 أرسل مكرم
محمد أحمد رئيس مجلس إدارة دار الهلال عرضاً إلى المشير نقله إليه حمدى لطفى
المحرر العسكري لدار الهلال لنشر مذكراته، لكنه رفض العرض حتى يحصل على التصديق
على النشر من المخابرات الحربية فهو يرفض مخالفة القانون
.
.. وفى أكتوبر 2002
وقبل وفاة الرجل بسبعة أشهر، دعته مجلة "المصور" لحوار بمناسبة ذكرى حرب
أكتوبر (لم ينشر لأسباب غير مفهومة)، وأثناء
فاعليات الحوار سأله مكرم محمد أحمد عن مصير "كشكول الجمسى "، توجس المشير بحسه شيئاً
ما فى السؤال !! ، فمد أصبعه ليغلق جهاز التسجيل قائلاً : (قد سلمتها يا مكرم
رسمياً إلى جهة الاختصاص)
........" "،
وساد صمت متوتر لم يقطعه إلا صوت زميلنا حلمى النمنم متسائلا ً: سيادة المشير، هل
كان للقرار السياسى دور فى لىّ عنق القرار العسكرى فى حرب أكتوبر؟ التفت المشير
إلى الزميل وبدأت علامات الراحة على وجهه واسترسل فى الإجابة (شاهدا هذه الواقعة
الكاتب الصحفى الأستاذ حلمى النمنم رئيس مجلس إدارة دار الهلال سابقاً، ووزير
الثقافة الحالي، والزميل الأستاذ سليمان عبد العظيم مدير إدارة التحرير.)
وحكاية أخرى من
قصص التحذيرات من كتابة المذكرات .. ذلك التحذير الذي تلقاه زكريا محي الدين أول
رئيس لجهاز المخابرات العامة المصرية !!، فقد نشرت صحيفة الأهرام أن لصوص داهموا
فيلا زكريا محيي الدين في كفر شكر ولما لم يجدوا ضالتهم تبرزوا في فراش غرفة نومه
وانصرفوا !!
تم نشر الخبر في
صفحة الحوادث في الطبعة الأولى .. وتم حذفه من الطبعة الثانية !!
.. ولأن زكريا
محيي الدين رجل استخبارات من طراز رفيع؛ فقد فهم مضمون الرسالة، وقام بتنفيذ
المطلوب، والتزم الصمت حتى توفاه الله .
مذكرات الفريق
سعد الدين
الشاذلي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
تضعنا عن مذكرات
الفريق سعد الدين الشاذلي أمام حالة فريدة في كتابة المذكرات .. فلم تكن مذكرات
الفريق سعد الدين الشاذلي سوى حلقة في إدارة "صراع سياسي"، فبعد صدور
كتاب الرئيس أنور السادات بعنوان : "البحث عن الذات"، والذي حمل فيه
الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب الجيش المصري في حرب أكتوبر المسئولية عن
الثغرة التي حولت الانتصار إلى "نصف انتصار .. نصف هزيمة"، واستشعر
الفريق سعد الدين الشاذلي ظلماً مما حدا به إلى التقدم ببلاغ إلى النائب العام
يتهم السادات بالإهمال الجسيم مما تسبب في الثغرة، وبتزوير التاريخ والكذب
والادعاء بالباطل، والإساءة إليه وإساءة استخدام السلطة، وحفظ النائب العام البلاغ
دون اتخاذ ما يلزم قانونا !! بما ارتأى معه الفريق سعد الدين الشاذلي المقاتل
المحترف بدا من المواجهة العلنية.. بإصدار كتاب بعنوان: "مذكرات حرب
أكتوبر"* (2).. فاستبعده
السادات من كل المناصب.. وحاكمه غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية.. وحكم عليه
بالسجن ثلاث سنوات مع الشغل.. والتحفظ علي ممتلكاته.. وسحب نجمة سيناء التي حصل
عليها كقائد لحرب أكتوبر .. ومحاولة اغتياله.. ليظل 14عاما متنقلا بين
المنافي..والتي كان أخرها في الجزائر، وعندما استشعر
الفريق سعد الدين الشاذلي أن النظام الجزائري يريد استغلاله بما يسئ إلى شرفه
وتاريخه العسكري قرر العودة إلي مصر في عام 1992 ودفع ثمن موقفه وتم اعتقاله في
المطار.. وحمله رجال مبارك إلي السجن الحربي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· (2) فريق سعد الدين الشاذلي، مذكرات حرب أكتوبر،
دار بحوث الشرق الأوسط الأمريكية ـ سان فرنسيسكو ـ بدون تاريخ.
وفي اليوم
التالي لدخوله السجن حضر إليه رئيس الأركان وضابط من رئاسة الجمهورية وحاولا إقناعه
بكتابة التماس لرئيس الجمهورية يلتمس فيه العفو وإيقاف تنفيذ الحكم .. لكن الفريق سعد الدين الشاذلي رفض وبشدة فقد كان
يعلم أن مبارك يريد إذلاله وكسر شوكته؛ فالحكاية كلها "ثأر شخصي" بين
رفاق السلاح؛ فقد كتب الفريق سعد الدين الشاذلي جملة في مذكراته في ص 219 أوجعت
حسني مبارك وأورثته غلاً في نفسه للتنكيل بقائده الفريق سعد الدين الشاذلي.. يقول
الشاذلي :
(في لقائي بالسادات في أسوان لإقناعي
بقبول وظيفة سفير مصر في لندن قال لي ضاحكاً : " حسني مبارك بيخاف منك، قل لي ماذا تفعل لكي تجعل مرؤوسيك يخافونك
ويخشونك ؟ ")
.. الحلقة
الثانية في مسلسل مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي أعلن عنها الصحفى أحمد
المسلمانى الذي نوة أنه كتب للفريق سعد الدين الشاذلى مذكراته كاملة مستكملاً فيها
ما جاء بعد "حرب أكتوبر"، وأنه انتهى من كتابة هذه المذكرات قبل وفاة
الفريق، وأن الشاذلى وقع على كل أوراق المذكرات التى تتجاوز 700 ورقة، ولكن هذه
المذكرات لم تخرج إلى النور حتى الآن، ويعزو حفيد الفريق سعد الدين الشاذلي ذلك
إلى:"أنهم ـ الأسرة ـ فى انتظار الوقت المناسب لإصدار هذه المذكرات، فما يحدث
فى مصر الآن لا يحتمل نزول مثل هذه المذكرات، والأن الأسرة ترغب في إصدارها في
طبعة شعبية ؛ حتى تكون بسعر منخفض وتكون فى متناول الجميع".
المذكرات "الملفقة"
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
تعد مذكرات المشير أحمد إسماعيل التي صدرت بعنوان
: "مشير النصر" النموذج الأمثل لـ "المذكرات الملفقة" أو "المصطنعة" والتي تعد الأقرب إلى "نشاط تجار
الورق"، .. فقد صدرت بدون مناسبة بعد حرب أكتوبر ووفاة الرجل بما يقرب من 40
سنة (سبتمبر 2013)، ولم تحمل في صفحاتها فكراً جديداً يضاف إلى ما كتبه زملاؤه من
رفاق السلاح في مذكراتهم أو معلومة يمكن الوثوق بها فقد جاءت أقرب إلى الرمال
الناعمة تنساب بنعومة من بين أصابعنا ولا تترك أثراً.
لمذكرات المشير أحمد إسماعيل حكاية ..؛ فلم تتح
الفرصة للرجل لكتابة مذكراته فقد كان مريضاً وسافر إلى لندن للعلاج من سرطان الغدد
الليمفاوية في منتصف سنة 1974 (يونية 1974) أي بعد انتهاء الحرب وفض الاشتباك
الأول بثلاث شهور تقريبا .. ووفاته المنية هناك في
مستشفى ولنجتون في نهار يوم 25 ديسمبر 1974.
بعد وفاة الرجل استدعت السيدة زوجته سماح
الشلقاني الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، وأبلغته برغبة الأسرة في كتابة، ونشر
مذكرات الفقيد، ولما سألها عن المذكرات قالت : "إنه لم يكتبها !!، .. ولكنه
أحتفظ بمادتها التي يمكن توظيفها في كتابة تلك المذكرات"، وأشارت له إلى 13
جربندية "شدة قتال" بها أوراق، إضافة إلى مفكرة صغيرة وجدت في درج مكتبه
مدوناً بها بعض الملاحظات ".
طلب الأستاذ هيكل مُهلة لفحص الأوراق، وبالفعل تم
نقلها إلى مكتبه، ومرت الشهور وتوالت الاتصالات .. وأخيرا أبلغ الأستاذ هيكل
الأسرة أن ما تسلمه منهم لا يصلح أن يكون قواماً لكتابة مذكرات الفقيد، .. ولم
يردها إليهم!!
إعتراف ناشر "مشير النصر" يؤكد لنا
أننا أمام "مذكرات منتحلة" منسوبة إلى المشير أحمد إسماعيل فقد قال
الناشر في تقديمه للمذكرات ص 15 :
"ومهما كانت قلة
الكلمات التي تركها لنا في مذكراته التي صاغها بيده فإننا نشعر بمسئولية توثيق
سيرة هذا الرجل"؛ .. بما يعني أننا أمام مؤلَف عن الرجل وليس مذكرات !!
المذكرات المنتحلة
المنسوبة إلى المشير أحمد إسماعيل تجعلنا نتوقف في عدة محطات على صفحاتها :
المحطة الأولى :
يقول المشير أحمد إسماعيل في مقدمة المذكرات "المنتحلة":
"بدأت في كتابة هذه المذكرات بعد أن تركت الخدمة بأربعة أشهر"*(3)
يلاحظ أن المذكرات قد خلت من معلومات عن تلك المرحلة .. وكان أحمد إسماعيل في تلك الفترة كان يحمل فيها رتبة اللواء متقاعد ويتقاضى معاش حكومي لا
يكفيه بالكاد مما اضطره للعمل في بعض الأنشطة التجارية لتعويض ما فقده من راتب
بمشاركة أصهاره في تجارة الماشية وتوريد اللحوم البلدية لبعض المنشأت الفندقية
وبعض المتعهدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*(3) مجدي الجلاد ، مشير النصر .. مذكرات المشير
أحمد إسماعيل، وزير الحربية في معركة أكتوبى 1973، دار نهضة مصر للنشر ـ القاهرة
2013 ـ ص 34
المحطة الثانية: هى محطة مرض المشير أحمد اسماعيل؛
فقصة مرضه تعود إلى ما قبل عودته إلى الخدمة مديراً للمخابرت العامة في 14 مايو
1971 باعترافه .. تقول المذكرات على لسان المشير أحمد اسماعيل:
"كنت في منزلي أشاهد التليفزيون مع زوجتي، ودق جرس التليفون، وفوجئت
بمدير مكتب الرئيس يتصل طالباً أن أذهب إليه على الفور كان الوقت متأخراً وكانت
الساعة الحادية عشر ليلاً، وكنت عائداً من المستشفى وما زلت في فترة النقاهة
وأمرني الطبيب بعد قيادة السيارة ".* (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
·
(4) مجدي الجلاد ، مشير النصر ، مرجع سابق ـ ص 107
.. كان المشير أحمد إسماعيل مريضاً والسادات كان
يعلم ذلك وقد سجل أطباء مستشفى ولنجتون في لندن في تقريرهم الطبي أن إصابته بهذا
المرض لا بد أنها كانت واضحة وظاهرة قبل ذلك بثلاث سنوات على الأقل .. وفي إحدى
خطبه اعترف السادات في سنة 1977 بأنه كان
يعلم بمرض المشير أحمد إسماعيل وأن الأطباء أخبروه بأن حالته الصحية لا
تسمح له باتخاذ القرارات .
المحطة الثالثة
: وفيها تتحدث "المذكرات المنتحلة" عن الثغرة بكلام يفتقد الصلة تماماً
بالفكر العسكري بما يعني أن "منتحل للمذكرات" لا علاقة له بالعسكرية
إطلاقأ .. تقول المذكرات :
"وفي 29 أكتوبر 1973 بدأنا نخطط لتدمير العدو في هذا الجيب (يقصد الثغرة)،
وأود أن أوضح أولا أن نقط ضعف الجيب كانت أساساً : عنقه الضيق (6 كيلو مترات فقط)
وحجمه الذي يشبه "القنينة" بحيث يمكن تقطيعه، وأنه كان بعيداً عن خطوط
تموينه وإمدادته. وأن قواتنا القريبة من تموينها وإمدادها كانت تفوقه عدداً وعدة
وتحيط به من كل جانب"*(5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(5) مجدي الجلاد ، مشير النصر ،
مرجع سابق ـ ص 210
وهو كلام يتناقض مع كل الشهادات تقريبا باستثناء شهادة الرئيس السادات في
"البحث عن الذات" والتي كشف انعدام مصداقيتها الأستاذ يوسف إدريس في
كتابه بعنوان : "البحث عن السادات"*(6)، وأكثر تلك الشهادات وضوحاً هي شهادة الفريق عبد المنعم واصل عن حوار دار
بينه وبين المشير
أحمد اسماعيل .. يقول واصل في كتابه بعنوان: "الصراع العربي
الإسرائيلي "*(7):
"وتم استدعائي إلى مركز القيادة؛ لبحث
أسلوب إمداد القوات المحاصرة في رأس الكوبري شرق القناة، واقترح الفريق أول
أحمد إسماعيل دفع 150 جملا إلى قوات الشرق، فقلت له: "إن هذا غير ممكن، فماذا
يمكن أن تحمله قافلة من 150 جملا، وكيف تصل والعدو يسيطر على طريق السويس؟ "
؛ فاقترح أن يكون الإمداد عبر الوديان والدروب في جبل عتاقة، فقلت له: "إن
هذا غير ممكن حيث إن القوات الإسرائيلية تسيطر على كافة القطاعات من الأدبية حتى
منطقة نفيشة في جنوب الإسماعيلية".
وتطورت الفكرة إلى دفع قول مجنزر يحمل الإمدادات إلى القوات المحاصرة على
أن تقوم الفرقة 4 مدرعة بحمايته، فقلت له : "وهذا أيضا غير ممكن حيث سيتم
اكتشافه بسهولة وتدميره أو الاستيلاء عليه"، وهنا احتد الوزير وقال: "هو
أنا كل ما أقول لك حاجة تقول لي ما ينفعش"، فقلت له: "أنا مستعد لتنفيذ
أى مهمة، ولكن يجب أن تكون مهمة صحيحة، ولا تتسبب في مزيد من التدمير
لقواتنا".
.. ويقول أمين
هويدي ساخراً في كتابه بعنوان: "الفرص الضائعة"*(8) تعليقاً على ما
كتبه المشير الجمسي من أن القوات الإسرائيلية غرب القناة كانت فريسة لقواتنا وهو
نفس المعنى الذي جاء في "المذكرات المنتحلة" لقائده المشير أحمد إسماعيل
:
"لأول مرة
نسمع أن الفريسة ـ كما يصورها الجمسي موقف إسرائيل على الضفة الغربية ـ هي التي
بيدها السماح بمرور الأكل إلى الصياد .. ولأول مرة أيضا نسمع أن الفريسة يمكنها أن
تضغط على الصياد حتى تبكيه !!!"
ـــــــــــــــــــــــــ
·
(6) د . يوسف إدريس، البحث عن السادات، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ـ
القاهرة 2009
·
(7) الفريق عبد المنعم واصل ، الصراع العربي
الإسرائيلي.. من مذكرات وذكريات الفريق عبد المنعم واصل ـ مكتبة الشروق الدولية ـ
القاهرة 2002 ـ ص 321
·
(8) أمين حامد هويدي ، الفرص الضائعة .. القرارات الحاسمة في حربي
الاستنزاف وأكتوبر، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ـ بيروت 1992 ـ ص 526
أدخل الرئيس السادات الغش على المصريين في فاصل هزلي من تاريخ الوطن عندما
قدم تمثيلة في مجلس الشعب في فبراير 1974، شاركه في أدائها اللواء أحمد بدوي ويخلص
مشهدها في هذا الحوار :
السادات
: الجيش الثالث كان محاصراً يا بدوي ؟
بدوي
: لا يا افندم .
السادات
: الأكل كان بيوصلكم بانتظام يا بدوي .
بدوي
: أيوه يا افندم
وقد تناسى كل من السادات وبدوي أن ربع قوة الجيش الثالث ( 45 ألف مقاتل) قد
نزلت من الميدان في أجازة وأن الهمس يدور في جنبات البيوت والمنتديات حول كارثة
حصار الجيش الثالث التى تعد الأولى من نوعها في تاريخ الجيوش .
مذكرات العقيد شمس بدران :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.. ويندرج هذا النوع من المذكرات تحت (المذكرات المُلفقة) أو (المصطنعة)
تندرج أيضا مذكرات العقيد شمس بدران بعنوان: «الديمقراطية التى وئدت» وهو عنوان يدعو إلى الدهشة والعجب بل والسخرية؛ فلم يعرف
عن العقيد شمس بدران أدنى اهتمام بالتجربة الديمقراطية؛ فقد كان الدور المنوط
بشمس بدران القيام هو إحكام قبضة الديكتاتورية العسكرية لتنظيم ضباط انقلاب 23
يوليو 1952 على المؤسسات والشركات المدنية عبر توظيف الضباط المسرحين من الخدمة
العسكرية، وتأمين الجيش حتى لا يقوم بعمل عسكري لتصحيح أخطاء ممارسات انقلاب 23
يوليو 1952.. كان العقيد شمس بدران قد
تسبب مع آخرين في هزيمة يونيو 67 ولم يرتعش له جفن بل راح يمزح قائلاً لعبد اللطيف
البغدادي ـ حسب روايته ـ ده إحنا اتخمينا حتة دين خمة!! .. ما لكم قعدين كده
ليه؟!.. أنتم في عزاء، أجيب لكم قهوة سادة !!
كان العقيد شمس بدران يعيش نشوة اللحظة التي اقترب فيها من كرسي الرئاسة
بعد أن أمضي ليلتي 8 و 9 يونيو حاكماً فعليا لمصر بعد اتفاق تم بين عبد الناصر
والمشير عامر على أن يعلن عبد الناصر في خطاب التنحي ـ تنحيه هو والمشير عامر ـ
وإسناد الأمر إلى العقيد شمس بدران .. وأن لحظات الصعود إلي مكتب رئيس الجمهورية
قد باتت وشيكة، فليس بين الحاكم الجديد، واللحظة السعيدة سوى بضع ساعات وجثة وطن
أثخنته جراح ثلاث هزائم في زمن الناصرية المشئوم (هزيمة العدوان الثلاثي في 1956
وهزيمة حرب اليمن وهزيمة 5 يونيو 1967)!!
تناسى شمس بدران
أنه أحد "كمبارسات التاريخ" وأن تعينه وزيراً للحربية لم يكن سوى لكونه
"عروسة مسرح" يختفي وراءها اللاعب الحقيقي؛ فقد جاء التعيين لسد الفراغ
الدستوري لرفض المشير عامر منصب وزير الحربية واختار لنفسه منصب نائب القائد
الأعلى للقوات المسلحة، لأنه أرتأى أن يكون وزيراً للحربية أن يخضع لرئيس الوزراء
الذي غالباً ما يكون شخص مدني أو شخص عسكري كان يعمل تحت قيادته، وأن يخضع
للمساءلة البرلمانية الصورية أمام مجلس الأمة، وهو ما لا يليق بمكانة الرجل الثاني
في النظام .
كان من بين ما لم يفهمه العقيد شمس بدران شمس أن قنوات سرية كانت تحمل
رغبات إسرائيلية لم تكن تريد التفريط في عبد الناصر .. يقول علوي حافظ في كتابه
بعنوان : "مهمتي السرية بين عبد الناصر وأمريكا":
(وبلهفة قرات البرقية .. من مستر صديقي .. وحللت الشفرة .. الرئيس جونسون
يرجوك أن تبلغ عبد الناصر ألا يتنحي . الموضوع يعاد بحثه بواسطة الأصدقاء هنا ..
إنتظر برقية أخرى ).
وفي اليوم التالي تلقيت برقية أخرى تؤكد نفس المعنى .
كان بقاء عبد الناصر مطلبا إسرائيلياً؛ فقد كان ليفي أشكول رئيس وزراء
إسرائيل يزور البيت الأبيض وقد سأله الرئيس جونسون :"أيهما تفضل أن يتم
التفاهم مع وجود ناصر، أو أن يتم بلا ناصر
؟!"
فقال أشكول : " مع وجود ناصر .. لأن النتائج ستكون أكثر ضمانا،
والمواقف ستصبح أكثر استقراراً " .* (9 )
ـ
ــــــــــــــــــــــــــ
· (9) علوي حافظ ،
مهمتي السرية بين عبد الناصر وأمريكا، المكتب المصري الحديث ـ بدون تاريخ .
قلب عبد الناصر المائدة على الجميع وأعلن تنحيه ولم يذكر تنحي المشير وأعلن
تنازله عن الحكم لزكريا محيي الدين، ولم يأت ذكر للعقيد بدران من قريب أو بعيد !!
ليجد بدران نفسه بعد أيام نزيلاً في السجن الحربي بعد تلقيه رسالة من عبد الناصر
مفادها أن :
"السجن أفضل مكان له في الوقت الراهن حرصاً على حياته شريطة ألا يفتح
فمه .. وإذا فتح فمه سيموت!!.. وأنه (أي عبد الناصر) على استعداد لإطلاق سراحه غير
أنه غير مسئول عن سلامته خارج السجن!!"
وقبل بدران العرض، وعاش سنوات السجن كما لو كان يقضي فترة استجمام في منتج؛
فكانت جدران زنزانته مغطاة بأفخر أنواع ورق الحائط ومزودة بجهاز تليفزيون، وأرفف
عليها ما لذ وطاب من خيرات الله، وكان قائد السجن الحربي يشرف بنفسه على تجهيز
الشيشة له، وللواء حمزة البسيوني .. كان حمزة البسيوني قد دفع ثمن حماقته عندما
ذهب في 11 يونيو 1967 مع اللوائين عبد السلام فهمي وحلمي عبد الخالق لتقديم مذكرة
من بند واحد إلى الرئيس عبد الناصر هو ضرورة عودة المشير عامر لقيادة القوات
المسلحة، .. وأمر الرئيس عبد الناصر
بإحالة الثلاثة للتقاعد واعتقالهم !!
.. وكان مسموحاً لشمس بدران بالانفراد بزوجته منى رشدي في خاوة شرعية بحجرة
المفتش المسئول العقيد حسن أبو باشا بينما يتولى ضابط السجن القيام بدور جليسة الأطفال (بيبي ستر) لطفلته هبة
بدران (3 سنوات) .* ( 10)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
·
( 10) صلاح عيسى ، رجال لهم العجب .. ذكريات . . تراجم .. دراسات .. وثائق
، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ـ القاهرة 2010 ـ ص 203 ، 205
كان العقيد حسن أبو باشا يتولى الإشراف على إعداد تلك الخلوة بين بدران وزوجته .. العقيد حسن أبو
باشا الذي صار اللواء حسن أبو باشا الذي داس بقدمه المصحف الشريف أثناء التحقيق مع
مجرمي تنظيم الجهاد مما كان سبباً في محاولة اغتياله، والتي عاد منها إلى الحياة
من خلال ثقب إبرة كما ادعى في مذكراته التي نشرتها دار الهلال .
.. وكان بدران يخرج إلى المحاكمة في كامل أناقته
كما لو كان ذاهباً إلى حفل عُرس!!، والمثير أن شمس كان يدخل قاعة
المحكمة وهو يعرف كل شيء عما قاله زملاءه عن دوره في المؤامرة أثناء محاكمتهم طوال
أيام القضية، وكان ينظر إليهم نظرات تحمل التخويف والتهديد لهيئة المحكمة والشهود
والمتهمين؛ فقد كان في حوذته تلال من "المستمسكات" عنهم بعضها بالصوت
والصورة وبعضها بتوقيعاتهم .
.. وبعد فترة تم نقله إلى منتجع طرة بالمزرعة الملحقة بالسجن .. لم تكن
المعاملة الكريمة لبدران في منتجعه من قبل النظام الذي احترف إهانة البشر وقتل
أدميتهم سوى نوع من المكافأة له على الدور القذر الذي قام به في ترسيخ فكرة العودة
إلى السلطة بالقوة في ذهن المشير عبد الحكيم عامر وأنصاره من ناحية، والوشاية بهم عند
الرئيس عبدالناصر، ونقل كل ما يدور في منزل المشير إليه من ناحية أخرى رغم تظاهره
بالوساطة بينهما لتقريب وجهتي نظرهما !!، وفي اجتماع اللجنة التنفيذية للاتحاد
الاشتراكي في 3 \ 8 \ 1967 فضح الرئيس عبد الناصر الدورالقذر الذي قام به شمس
بدران لحرقه أمام الجميع .
وخرج بدران من السجن في ظروف شديدة الريبة ليسافر من مطار القاهرة عبر صلة
كبار الزوار، وبجواز سفر ديبلوماسي بعد أن تم إعداده ليشارك بدور قذر فيما كان
يخطط له الرئيس السادات، والذي انتهي في كامب ديفيد.
في كتابه بعنوان
: (عمر فى العاصفة.. سيرة ذاتية) للكاتب الأستاذ أحمد عباس صالح يقول :
"أن شمس
بدران صارحه برغبته فى كتابة مذكراته، وبيعها لصحيفة إنجليزية تقوم بنشرها، ثم يتم
نشر ترجمتها بعد ذلك فى جريدة عربية، ويضيف أحمد عباس صالح أنه أنبهر بالفكرة وفى
ذهنه أن ظهور مذكرات لشخصية بالغة الأهمية فى عهد الرئيس عبد الناصر مثل شمس بدران
ستحتوى على العديد من الأسرار والمعلومات الكاشفة لتاريخ مصر المعاصر، خاصة وأنه
كان يعتقد أن أنصار المشير عامر قد قاموا بتهريب وثائق ذات شأن عن تاريخ وتفاصيل
العلاقة بين الرئيس و المشير، وأن شمس بدران بالذات لعمق صلته بالمشير عامر هو
الذى يمتلك هذا الملف الخطير من وثائق تلك الحقبة.
يقول أحمد عباس
صالح أنه سأل شمس بدران عن الوثائق التى يمتلكها ومذكرات المشير عامر التى بحوزته
لكى يتم الاستعانة بهما فى كتابة مذكراته، وهنا فوجئ أن شمس بدران يصارحه أنه لا
يمتلك أى وثائق ولا توجد مذكرات للمشير عامر معه، ويشير له إلى رأسه، ويقول:
"المعلومات
كلها فى رأسى".
وهنا يعبر أحمد عباس صالح عن دهشته وخيبة أمله
وانعدام حماسه لكتابة مذكرات شمس بدران بعدما أدرك أنه لا توجد وثائق ولا مذكرات
للمشير عبد الحكيم عامر مع شمس بدران" .
وفي سنة 2010
أوعزت إحدي الجهات لمؤسسة الأهرام بإنتاج مذكرات شمس بدران لأسباب سياسية رأت
تغليفها بواجهة تجارية .. ولم تكذب الأهرام خبرا فتعاقدت مع مؤسسة "دار
الخيال" التي يمتلكها الأستاذ محمد الصباغ على إتمام العمل مقابل 2 مليون
جنية، وبدأ الصباغ في تشكيل فريق العمل .. تم ارتأت الأهرام أنه يجب استكمال بعض
الجوانب واستيضاح بعض النقاط وقد كان .. إلى أنهم لم يجدوا تحت قبة العقيد شمس بدران سوى فأراً ميتاً..، وساد الخرس.. ولم يعرف مسئولوا
الأهرام كيفية الخروج من المأزق !!
الأستاذ الصباغ يطالب بنشر مصنفه .. والأهرام على لسان رئيسها الأسبق الزميل
الأستاذ ممدوح الولى يقول :
" أنت قبضت فلوسك ، النشر ده
أمر يخصنا"
.. لتبدأ بعد ذلك سلسلة من المماحاكات القضائية بين الأهرام والأستاذ
الصباغ، وبين الصباغ والأستاذ حمدي الحسيني الذي لم يحصل على كامل أتعابه عن إعداد
المذكرات من "دار الخيال"، وللحقيقة أنا لم ألتق بالزميل الأستاذ حمدي
الحسيني سوى عبر مكالمتين هاتفيتين طلب مني في إحداها نسخة من روايتي بعنوان :
"حنظلة .. صديقي رئيس التحرير"؛ لأنه قرأ عنها، ولم يتثنى له الحصول على
نسخة لنفاذها من الأسواق، وأرسلت له نسخة ممهوره بإهداء وأتصل بي ليشكرني علي
الرواية والإهداء، والمكالمة الثانية ليبلغني إعجابه بمقال كتبته عن فض الاشتباك
بين الجهات المتنازعة حول مذكرات شمس بدران .
إلى أن وجدت في المكتبات كتاب الزميل الأستاذ حمدي الحسيني بعنوان :
"مذكرات شمس بدران .. أسرار الحياة الخاصة لـناصر وسعاد ـ السادات وهمت"
.. وهنا أدركت لماذا يستخرجون مومياء العقيد بدران من مواخير التاريخ .. لا يزعم
أحدنا أن عبد الناصر كان ملاكاً .. فهو بشر وهو الآن بين يدي الله .. والتاريخ
الجنسى له يعرفه الكثيرون بداية من علاقاته بالبنات اليهوديات في حارة خميس عدس بالخرنفش،
وأنتهاء بـالسيدة "سوسو" زوجة الصاغ (ع . أ)، و السيدة "شوشو"
زوجة الصاغ (ج. م.)، وزوجة السفير (م. م.غ.) ، وقد حكت لي الزميلة الأستاذة أماني
فريد الصحفية بمجلة حواء (يرحمها الله) التي كانت مكلفة من مجلة الاثنين لتغطية
أخبار مجلس قيادة الثورة كيف كان عبد الناصر يختلس النظرات المريبة إليها وإلى
زميلاتها الصحفيات!!.. أما ذمته المالية؛ فيكفي ما كتبه الأستاذ جلال الحمامصي
وأثبتت صحته التحقيقات السرية التي أجراها المستشار مصطفي أبو زيد فهمي المدعي
العام الاشتراكي، أما محاولة ترويج صورة عنه بأن أجهزة المخابرات في العالم كانت
دائمة الرصد له فلم تسجل عليه نقيصة واحدة؛ فهي لعبة مخابراتية تجيدها المخابرات
الأمريكية تحت ما يسمى بـ "أسطورة تأليه الحكام" عبر مايسمى في علوم
الدعاية الرمادية بـ "شهادة الأعداء"، وذلك ليس دعماً للشخص في ذاته
بقدر ما هو ترويج لنموذج يمكن استنساخه لاحقا.
محاولات بعض الناصريين لإرهاب كل من يحاول الاقتراب من تضاريس النسيج
البشري لعبد الناصر مجرد سفة .. وأيضا الادعاء بأن الشعب المصري سيضرب بالأحذية كل
من يقترب من سيرة ناصر مجرد وهم مرضي من مرتزقة أجراء احترفوا حراسة الأوثان؛ فلم
يطرح الأمر على الشعب المصري للإستفتاء، ولم يعطي الشعب المصري توكيلاً للناصريين
ليتحدثوا باسمه، وجر الناس في هذا التوقيت للتلاسن حول: هل كان عبد الناصر فاسقاً
أم نصف نبي هو نوع من الإلهاء لصرف الانتباه عما هو أهم !!.
.. ولأننا أمام
حالة من التشابك بين أجنحة متنازعة محكومة بالصراع على المصالح؛ حول مذكرات شمس
بدران التي لم تتضح كامل معالمها بطرحها علنية في صورتها النهائية.. ولم تتحدد بعد
قيمتها العلمية والتاريخية .. ولم يعرف بعد المردود العائد على مؤسسة قومية دفعت 2
مليون جنية من أموال الشعب لتسجيلها؛ .. لذا من منطلق الحرص الوطني على عدم المساس
بحرمة التاريخ أقترحت في مقال صحفي أن تضع كل الأطراف ما بحوذتها أمام مركز دراسة
التاريخ بجامعة القاهرة لتبدأ عملها مع نهاية عام 2017 (أي بعد مرور 50 سنة علي
الأحداث حسب القانون بما يسمح باستنطاق الوثائق التاريخية)، ويكون لمختصوه القول
الفصل في القيمة العلمية والتاريخية لتلك المذكرات بعيداً عن تأليه حاكم أو رعونة
مسئول أو شذوذ شخص مراوغ مثل العقيد بدران!!..
أم أنها مجرد "حكاوي قهاوي
!!"
***
.. في المكالمة
الهاتفية الثانية للزميل الأستاذ حمدي الحسيني محرر الشئون العربية بمجلة" روز
اليوسف" وكاتب مذكرات شمش بدران الوحيدة ـ المنشورة حتى الآن ـ أشاد سيادته
بما جاء بالمقال مؤكداً على :
1 ـ أنني استطعت النفاذ بقلمي إلي أشياء صعب عليه تناولها في إطار التحليل لكونه التزم بما قاله شمس بدران .
2 ـ أن بدران اعترف بقيامه بجرائم التعذيب، ولكنه قلل من الصورة التي وردت عليها في أوراق الدعاوي، ومستنداتها التي أدين فيها بالسجن 40 عاماً.
3 ـ أكد الزميل صحة ما كتبته من أن شمس بدران لا يمتلك وثائق على ما يحكيه في مذكراته !!؛ بما يعني أنها مجرد روايات تحتمل الصدق وتحتمل الكذب .
المذكرات " المُوظفة "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأفضل مثال لتلك المذكرات مذكرات محمد حسني مبارك بعنوان:"كلمة السر
.. مذكرات محمد حسني مبارك ، يونية 1967 ـ أكتوبر 1973"، وقد صدرت تلك المذكرات بعد ثورة 25 يناير 2011
وتخلي الرئيس حسني مبارك عن رئاسة الجمهورية، وقد تم توظيف تلك المذكرات لاجتلاب
التعاطف الشعبي مع الرجل الذي أساء إلى شعبه طوال 30 سنة !!
المذكرات بعنوان:"كلمة السر .. مذكرات محمد حسني مبارك ، يونية 1967 ـ أكتوبر
1973"*(11) التي سجلها محمد الشناوي، وحررها وقدمها عبد الله كمال .. وقد
جاء الكثير مما ورد في تلك المذكرات تكرار لما جاء في كتاب محمود فوزي بعنوان :
"مبارك والضربة الجوية في اكتوبر"*(12) مع تصرف واضح في إعادة الصياغة؛ بما يعني أنه كان
ثمة عجلة في إصدارها بمعرفة أجهزة كانت تتلاعب بـ "وعي الجماهير"، وأغلب
الظن أنها تلك الأجهزة التي قامت بإتلاف أدلة إدانة الرئيس مبارك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· (11) كلمة السر .. مذكرات محمد حسني مبارك ، يونية 1967 ـ أكتوبر 1973،
سجلها وكتبها محمد الشناوي، حررها وقدمها عبد الله كمال، دار نهضة مصر للطباعة
والنشر والتوزيع ، القاهرة 2011
·
(12) محمود فوزي بعنوان : " مبارك والضربة الجوية في اكتوبر
"، دار النشر هاتييه ـ القاهرة 1993
مذكرات
"التسلية" :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتحت هذا النوع من "المذكرات" تندرج
مذكرات العميد عادل يسري بعنوان : "رحلة الساق المعلقة من رأس العش إلى رأس
الكوبري" والتي تعد ذكريات عن حالة شديدة الخصوصية وفريدة ونادرة في المقام
الأول .. فيها يعدد الكاتب إنجازته القتالية وبعض
المعلومات العسكرية عن نفسه وكيف أن اللواء عبد المنعم رياض أطلق عليه لقب
"الفاقد" وهو كلمة عامية تطلق على الشخص المتهور، إلى جانب ما يعده
إنجاز بعد الإصابة وبتر ساقه ومنها أنه رقص لمدة ساعة ونصف على ساق واحدة في
مهرجان متحدي الإعاقة بألمانيا مما جعل الألمان يطلقون عليه "الجنرال الراقص"!!
*(13)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ( 13) عميد
عادل يسري، رحلة الساق المعلقة من رأس العش إلى رأس الكوبري، دار المعارف ـ
القاهرة 1974
يندرج تحت مذكرات "التسلية" و
"تجميل العمالة" المذكرات التي يجري الترويج لها عن الدور الوطني
للراقصات مثل مذكرات حكمت فهمي بعنوان:"مذكرات حكمت فهمي.. أسرارالعلاقة بين
السادات والمخابرات الألمانية"*(14) كانت حكمت فهمي قد تدربت على أعلى مراتب
الجاسوسية على يد الجنرال كناريس، ذلك الدور الذي فضحه بول كارل في كتابه بعنوان :
"ثعالب الصحراء"*(15) وأفاض في شرحه برنارد موزلي في كتابه بعنوان :
" قط وفئران" عن اعترافات الجاسوس هانز أبلر (حسين جعفر)، و كذلك
"مذكرات تحية كاريوكا" التي تم توظيفها كراقصة مشهورة يعرفها جنود
الاحتلال بمعرفة فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية لخدمة المصالح الأمريكية بعد
أن عقد صفقة بينه وبين C.I.A. يصبح بمقتضاها رئيساً لحزب الوفد، وأيضا مذكرات
إيميلي الأطرش الشهيرة بـ "أسمهان" التي كتبها محمد التابعي بعنوان :
"أسمهان تروي قصتها"، وكيف تم تدريبها على أساليب الجاسوسية لصالح
المخابرات الإنجليزية؟! وكيف تولى تدريبها الجنرال روبرت كلايتون قائد المخابرات الإنجليزية في منطقة
الشرق الأوسط لتقوم بأحقر الأدوار في خدمة المستعمر .. وكيف لقيت جزاء سنمار
بقتلها في حادث سيارة بعد أن أدت المهمة ولم تعد ثمة حاجة إلي خدماتها ؟!!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· (
14) حسين عيد،
مذكرات حكمت فهمي .. أسرارالعلاقة بين السادات والمخابرات الألمانية، دار الحرية ـ
القاهرة 1990
· (
15) بول كارل، ثعالب الصحراء، تعريب كمال الشريف، تعليق ومراجعة : فتحي عبد الله
النمر ، مكتبة الأنجلو المصرية ـ القاهرة 2008
تلك المذكرات التي ترفع ـ بالزور وبوقاحة ـ شعار
العمالة من أجل صالح الوطن !!
تجربتي الشخصية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت لي تجربتي الخاصة في التعامل مع الواقع على الأرض .. تلك التجربة التي
جعلتني لا أتقبل بسهولة الشهادات عن واقعة محددة دون تمحيص كاف، وأن أضع في
اعتباري موقع الرؤية للشاهد، ومسافة الرؤية، ومنظور الرؤية، وزاوية الرؤية ومدى
اتساعها أو انحسارها؛ فقد تم تجنيدي في 2 أبريل 1977 جندي مقاتل مؤهلات عليا
بالقوات المسلحة بعد سنوات قليلة من حرب اكتوبر، وتم إلحاقي على الفرقة 23 قتال
بالجيش الثاني الميداني بإحد التشكيلات القتالية بأحد ألوية المشاة الميكانيكية
الرابضة في القطاع الأوسط بين الدفرسوار وأبو سلطان حيث وقعت الثغرة .. كانت ذاكرة
من التقيت بهم مازالت طازجة .. وكان الحزن النبيل على من استشهد من رفاق السلاح
مازال يكسو ملامح الرجال .. كان البعض يحكي الكثير عن أدوار الفخار الوطني المتوارث،
والسائد في كل كتابات المدرسة الوطنية في الكتابة التاريخية وأنماط كتابها الذين
تعلموا التاريخ عبر مدرسة الدعاية الثورية !!
.. وكان البعض يتحدث بمرارة عن تجربة كان من الممكن أن تؤتي نتائج أفضل
لولا طعنة الغدر بسبب الثغرة، .. وكان البعض يبتلع الإجابات إيثاراً للسلامة !! ..
لكن أحداً لم يجبني إجابة واحدة تشبع ظمأي للمعرفة عن كيفية حدوث الثغرة !! ..
استمعت إلى شهادة البعض عن انقطاع الاتصال بين قيادة الفرقة والقيادة العامة،
وخسائر الفرقة نتيجة القرار السياسي بتطوير الهجوم، واستشهاد قائد الفرقة العميد أحمد
عبود الزمر .. واستمعت إلى بعض الشهادات عن استشهاد المقدم حماد قائد الكتيبة التي
عملت تحت علمها .
لم يكن أحد من قادة
الحرب قد كتب مذكراته بعد، ولم يكن قد صدر سوي كتاب أقرب إلى القصة وهو "رحلة
الساق المعلقة" للعميد عادل يسري (دار المعارف ـ 1974)، وكان غالي الثمن مما
جعل الكثيرون لا يهتمون به؛ فقد تم طرحه
بسعر جنية واحد كاملاً أي بما يعادل ثمن أثنين كيلو ونصف من اللحم البلدي في ذلك
الوقت (كان ثمن كيلو اللحم البلدي 40 قرشاً في ذلك الوقت) ثم توالت المذكرات عن
حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر وكامب ديفيد، وكانت كلها تنطوي على الإشادة بـ
"حرب أكتوبر" دون تنوية عن الأسباب التي حولتها إلى (نصف انتصار .. نصف
هزيمة).
..
ولم يقل لنا أحد شيئاً عن الأسباب الحقيقة لهزيمتنا في 5 يونيو 1967.. وكشف المشير
محمد عبدالحليم أبو غزاله القائد العام للقوات المسلحة الأسبق سر عدم التوصل إلى
الأسباب الحقيقية للهزيمة من واقع التقارير التي كتبها قادة الجيوش..
قال
أبو غزاله في رسالة وجهها للصحافة المصرية أنه اكتشف أن من عُهد إليهم بكتابة
الأسباب نقلوا تقارير الحرب إلى بيوتهم ليكتبوها على هواهم لذا استبعدت لجان
التحقيق هذه التقارير لعدم أمانتها وخشية زيفها !!
ولم
تسجل الوثائق العسكرية تقارير القادة وبالتالي دفنت وثائق الهزيمة إلى الأبد.
كنت انتوي كتابة ما سمعت لكني لم أفعل لأسباب كثيرة ومتنوعة أهمها الرقابة
العسكرية لكل ما ينشر عن ما يتصل بالجيش ..؛ فلم يسبق أن كتب جندي مُجند مذكراته
أو أحد من الدرجات والرتب الصغيرة، وكان الاستثناء الوحيد هو ما كتبه الجندي
المُجند القناص أحمد نوار الذي أصبح الدكتور أحمد نوار رئيس قطاع الفنون التشكيلية
بوزارة الثقاقة في مذكراته بعنوان :"نوار .. عين الصقر، قناص حرب
الاستنزاف"*(16)،
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(16) احمد نوار ، نوار .. عين الصقر، قناص حرب
الاستنزاف، تحرير سليمان العطار، دار الشروق ـ القاهرة 2002
والذي قدم له اللواء عبد المنعم خليل القائد الثالث للجيش الثاني الميداني
أثناء حرب أكتوبر خلفاً للواء سعد مأمون الذي داهمته أزمة قلبية في في يوم 14
أكتوبر، فتولى قيادة الجيش الأيام اللواء تيسير العقاد الذي نحته القيادة العامة
بعد يوم واحد، وأسندت قيادة الجيش الثاني إلى اللواء عبد المنعم خليل قائد المنطقة
المركزية في يوم 16 أكتوبر الذي حدثت فيه الثغرة، . . وهو ما جعل اللواء عبد
المنعم خليل قائداً على الورق فقط لمدة أربعة أيام تولى فيها قيادة الجيش الثاني
الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان ، ولم يمارس اللواء عبد المنعم خليل
القيادة الفعلية إلا بعد عودة الفريق الشاذلي إلى القاهرة ليعرض على القيادة خطته
في التعامل مع الثغرة، التي رفضتها القيادة العليا للقوات المسلحة وجمدته وصعدت
اللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيس العمليات رئيساً للأركان بدلاً منه .
كهذا تم فرض "الصمت الحذر" على الرجال من صغار الدرجات والرتب،
وتم التوصل إلى اتفاق غير مكتوب بين الكبار على "الإشادة" فقط !!، ..
ومن خرج عن الاتفاق لقي ما لا يرضيه (الفريق سعد الدين الشاذلي مثالاً) .
.. أذكر أثناء عملي في مجلة "المصور" أن قدم حمدي لطفي المحرر
العسكري مادة صحفية للمجلة للنشر في أكتوبر 1981 بعنوان : "التكييف القانوني
لقضية اغتيال الرئيس أنور السادات"، كان حمدي لطفي قد حصل على تصديق شفهي
بالنشر من الضابط المختص تليفونيا بعد أن قرأ عليه مادة الخبر، .. وحدث أن ثارت
أزمة بسبب هذا الموضوع قبل النشر بسبب إبلاغ أحد عمال المطبعة المتعاونين مع بعض
الأجهزة الأمنية، .. أنكر الضابط الذي وافق شفاهة على النشر معرفته بالموضوع، وتم
القبض على حمدي لطفي بمعرفة الشرطة العسكرية من غرفة مكتبه المقابلة لغرفة مكتبي
بدار الهلال، وتقديمه إلى النيابة العسكرية
التي أخلت سبيله بغرامة مالية 10 ألاف جنية دفعتها مؤسسة دار الهلال، وهو
مبلغ ضخم في ذلك الوقت .
المثال الثاني : عندما
نشر الزميل عبد الستار أبوحسين المحرر العسكري لـ "جريدة الشعب" موضوعاً
مترجماً عن صحيفة أجنبية عن تجارة، ورأى المسئولون في مصر في ذلك الأمر ما يمس
بعضهم، وتم القبض على الزميل، وتقديمه لمحاكمة عسكرية قضت بحبسه لمدة سنة، ولم
تفلح وساطة نقيب الصحفيين آنذاك الأستاذ ابراهيم نافع في إيقاف العقوبة، والإفراج
عنه أو تخفيفها.
المثال الثالث : عندما
أدلى المحامي طلعت السادات بتصريح صحفي عن تراخي الحراسة في حماية عمه الرئيس أنور
السادات مما كان سبباً في اغتياله، وتم القبض على طلعت السادات وتقديمه لمحاكمة
عسكرية قضت بحبسه لمدة سنة قضاها في أحد السجون العسكرية .
***
ءوهكذا أصبحت
"المذكرات" خدعة الخدع، وصندوق الألاعيب وأحد أهم أشكال التلاعب
بالوعي؛ .. لكونها من خفايا "المعرفة
المغلقة" في دنيا صراع العقول والإردات و"حرب المعلومات" التي تتسع
بطونها للكثير من الأسرار المخضبة بدماء القتل، وأيضا تتسع للكثير من التفاهات
بغرض الإلهاء واستلاب العقول !!
وأرسل حسن البنا أوامره للشيخ محمد فرغلي ألا يدخل أي معركة حتى تصدر له الأوامر من القاهرة، وعليه أن يخفي ذلك عن الإخوان.
وطال انتظار الإخوان لدخول المعركة ـ وكانوا من قبل يخرجون للعمليات أكثر من مرة في الليلة الواحدة، واستمر انتظارهم شهرًا كاملاً، حتى تسرب القلق إلى صفوفهم وبدأت الشائعات تسري بينهم بأن الشيخ محمد فرغلي خائن، وأن اليهود قد اشتروا ذمته؛ ولهذا فهو يمنعهم من القتال، ولما وصل الأمر إلى الشيخ فرغلي وعلم أن الأمر قد وصل ببعضهم أن يتفقوا على قتله جمعهم وأفضي إليهم بما عنده من أوامر من القاهرة، وتمت تصفية الموقف، وبدأوا يشاركون في العمليات مرة أخرى، ولكن بحذر وبغير تكثيف.
" إن القتل الذى يعتبر جريمة فى الأحوال العادية، يفقد صفته هذه ويصبح فرضاً واجبا على الإنسان إذا استعمل كوسيلة لتأمين الدعوة، إن من يناوئ الجماعة أو يحاول اخفات صوتها مهدر دمه وقاتله مثاب على فعله" .
الفصل الثاني: :
ــــــــــــــــــــ
مذكرات
البكباشي أحمد عبد العزيز
لم يكن ضياع فلسطين حدثاُ مفاجئا فقد جرى الإعداد
له عبر عقود من العمل الجاد، والدعاية الحاذقة من قبل الصهاينة، واستخدمت كتابات
العملاء من مروجي "ثقافة الكولونيالزم" في تخدير الشعوب العربية وتغييب
وعيها !!
.. وقتل كل من تسول له نفسه إجهاض تلك المخططات،
أو الوقوف عثرة في مجرى إنفاذها، .. وأبرز من قتل من هؤلاء البكباشي أحمد عبد العزيز الذي قتل عن عمد بنيران الغدر، وبرصاص بنادق ـ من
المفترض ـ أنها بأيدي رفاق السلاح .
يقول السلطان عبد الحميد الثاني في
مذكراته حدثت اتصالات بين هرتزل بوصفه "رئيس الجمعية الصهيونية" وبيني،
هدف منها هرتزل إلى إقامة مجتمع يهودي في فلسطين، وأردت من هذه الاتصالات ما يأتي:
1 ـ معرفة حقيقة الخطط اليهودية .
2 ـ معرفة قوة اليهود العالمية ومدى
قدرتها .
3 ـ إنقاذ الدولة العثمانية من مخاطر
اليهود .
ورغب هرتزل في هذه الاتصالات إلى:
1 ـ تقديم تضحيات مالية ضخمة مهما
تكن في سبيل إيجاد مأوى لليهود، وأشار السلطان عبد الحميد إلى تقديم هدية مالية
ضخمة إليه من الليرات الذهبية .
2 ـ إقراض الخزينة العثمانية مليونين
من الليرات العثمانية .* (1)
وانتهت الاتصالات برفض السلطان
الحميد الثاني إقامة مأوى لليهود في فلسطين ؛ وبذلك أصبح عبد الحميد في نظر هرتزل
سلطانا ماكراً جداً خبيثاً جداً ولا يثق بأحد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(1) مذكرات السلطان
عبد الحميد الثاني، تقديم وترجمة د. محمد
حرب، ط 3، دار القلم ـ مشق 1991 ـ ص 28
وقال هرتزل: " إنه يفقد الأمل
في تحقيق أمالي اليهود في فلسطين وأن اليهود لن يستطيعوا دخول (الأرض الموعودة!)
طالما أن السلطان عبد الحميد قائما في الحكم مستمراً فيه ." *(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(2) مذكرات السلطان
عبد الحميد الثاني، مرجع سابق ـ ص 29
وكان لابد من إسقاطه؛ فقدم اليهود دعماً بلا حدود
للماسون من "جمعية الاتحاد والترقي" لذلك الغرض، وأكدت
"الجمعية الإسرائيلية" في مصر أن أهم واجباتها إدخال المطبوعات التي
تهاجم السلطان عبد الحميد إلى داخل حدود الدولة العثمانية بأي شكل من الأشكال وهي
المطبوعات التي كان يحررها أعضاء "تركيا الفتاة".
.. وعلى الساحة اليهودية، أصبح لا
يخلو كتاب من إدانة عبد الحميد بأنه عرقل الفكرة الصهيونية، وعندما فشلوا في
إقناعه، أيدوا معارضيه سواء من العثمانيين أنفسهم من جماعة " الاتحاد
والترقي" ومن شابههم، وأيدوا أعضاء المحافل الماسونية في الجيش العثماني وفي
الدولة وأقاموا في أوربا قيامة الصحافة حتى جعلوا من عبد الحميد، السلطان الذي
ينفر منه المثقفون الآن*( 3)
ــــــــــــــــــــــ
· (3) مذكرات
السلطان عبد الحميد، مرحع سابق ـ ص 38
.. وكللت الجهود بإسقاط السلطان عبد الحميد،
والإجهاز على الخلافة العثمانية .
دور
محمد علي:
ـــــــــــــــــــــــــــ
كان محمد علي رجلا من صناعة الماسون،
وجاء إلى مصر في ظروف شديدة الالتباس، وتم الدفع به إلى كرسي الوالي؛ فحكم مصر رغم
أنه لم يتكلم العربية، ولم يتعلمها حتى إصابته بالخرف وموته!!
وفي المؤتمر الصهيوني الأول ببازل
بسويسرا سنة 1897 كانت الدلائل تبشر بالنجاح كان ثمة توجه صهيوني مسيحي ترجع جذوره
إلى الثلاثينات من القرن التاسع عشر، حينما تمرد محمد علي والي مصر على السلطان
العثماني وبعث بجيوشه إلى سوريا الإقليم العثماني (كانت فلسطين جزءا منها) حيث
توجد الأماكن المقدسة، ومن أجل أن يكسب التأييد الأجنبي، وخاصة في إنجلترا، شجع
محمد علي الأوربيين على فتح قنصليات في القدس على أن يعملوا بالتبشير المسيحي
الصهيوني دونما أية مضايقات!!* (4)
ــــــــــــــــــــــــــــ
· (4) كارل إي ـ ماير، شارين بلير بريزاك، صناع الملوك،ترجمة فاطمة
نصر، سطور الجديدة، القاهرة 2010 ـ ص 151
نجح الأوربيون في استغلال محمد علي لتحقيق
أهدافهم ثم بدأوا في تصفيته، واعتباراً من نهاية سنة 1835 بدأت إنجلترا في تجنيد
العملاء داخل لبنان لنشر التمرد ضد جيش محمد علي، وطعنه من الخلف، وإرغامه على
الانسحاب من الشام (فلسطين ولبنان وسوريا)، والتنبيه عليه بعدم تكرار المحاولة،
والنصح له بالتوسع جنوبا في أفريقيا، وأنه سيلقى عطفاً!!
أُرغم محمد علي قبل نهاية سنة 1840على الانسحاب
من الشام، وأصبح مقيدا باتفاقية لندن 1840 والقيود الحتمية على حجم التسليح
والصناعات الوطنية وغيرها من الأمور التي جعلت مصر تتآكل من الداخل بالتدريج، وكان
أبرز الأحداث قبل ساعات من الانسحاب في 19 سبتمبر 1838 قيام إنجلترا بتعيين أول
قنصل مقيم لها في القدس، وكان هذا بمثابة إقامة أول مستعمرة يهودية في فلسطين.
في الوقت الذي كان الفلسطينيون يتصدون لكافة
أشكال الهجرة إلى فلسطين، وجه المحفل الماسوني الأكبر في مصر نداء دعا فيه الشعب
الفلسطيني إلى التسليم بالأمر الواقع والاستسلام ففي 2 أبريل سنة 1922 جاء نصه:
" باسم الحرية والإخاء والمساواة التي هي
الشعار المقدس للماسونية .. يتقدم المحفل الأكبر الوطني المصري إلى أئمة الدين
الحنيف وحفظة الشرع الكريم الذي يستمع إليهم أهل فلسطين
..............................
.................................
يا أهل فلسطين تذكروا أن اليهود قد ركبوا متن
الغربة، فأفلحوا ونجحوا، وهم اليوم يطمحون بالرجوع إليكم لفائدة وعظمة الوطن
المشترك بما أحرزوه من مال وما اكتسبوه من خبرة وعرفان .
اسمعوا واعووا هذا الصوت الذي تناشدكم به مصر
شقيقتكم الكبرى، إنها تدعوكم إلى السلام والوئام لمصحتكم ولمصلحة الشرق " .
يلاحظ في الفقرة الأخيرة من البيان أن ( الماسون
) قد أحلوا أنفسهم محل مصر!!
وبدأت الصحف الصهيونية علناً وصراحة وتحت عيون
السلطات المصرية تنشر الإعلانات للدعاية لتملك اليهود أراض في فلسطين بالتقسيط
وبتسهيلات كبيرة واستلام الكوشان (حجة الملكية) عند البيع!!*(5)
ـــــــــــــــــــــــــ
· (5) جريدة الشمس
عددا 11 يناير، 8 مارس 1935
وصدرت في القاهرة صحيفة صهيونية جديدة باسم
"الكليم" تدعو الشباب اليهودي للهجرة إلى فلسطين، وفي نوفمبر 1945 أصدر
الصهاينة من آل هراري مجلة "الكاتب"، ووضعوا على رأسها طه حسين العائد
لتوه من زيارة الجامعة العبرية، والذي بدأ الترويج للدعايات الصهيونية؛ فقد كتب في
تلك المجلة في عددها الثالث الصادر في يونيو 1946 مقالاً يصف فيه رحلة قام بها من
القاهرة إلى بيروت، فيقدم وصفاً مثيراً للشفقة على ضعاف المهاجرين اليهود من
الشيوخ والأطفال والنساء الذين كانوا يستقلون سفينة في طريقهم إلى فلسطين!!
كان طه حسين يكتب خداعاً للقارئ المصري، بينما
كان بناء الدولة الصهيونية على حدود مصر قد دخل مرحلته الأخيرة، وقد كشفت الوكالة
اليهودية زيف كتابات طه حسين من خلال إعلان مدفوع نشرته مجلة "المصور"
بعنوان: " 75000 يهودي يهاجرون رغم أنف السلطات الفلسطينية "*(6)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
· (6) مجلة
المصور، 75000 يهودي يهاجرون رغم أنف السلطات الفلسطينية، العدد 1135، 12 يوليو
1946
جاء في إعلان الوكالة اليهودية المنشور في
"المصور" أن 1300 مهاجر يهودي ازدحمت بهم هذه السفينة الصغيرة المسماة
"كولون"، وعند اقترابها من شاطئ فلسطين حيث ضبطتها سفينة حربية بريطانية
وأطلقت أحد مدافعها في الهواء لتهديدها فرفعت سفينة المهاجرين لافتة كبيرة كتب
عليها:
"لقد عشنا على الرغم من هتلر .. والموت ليس
بغريب علينا .. لا شيء يستطيع أن يمنعنا من أرض وطننا اليهودي .. فليسقط دمنا على
رأس من يطلق النار على هذه السفينة غير المسلحة" .
ونشر مع الإعلان صور لفتيات شابات فاتنات وشباب
ذوي أجسام فتية أقرب إلى أجسام جماعة من المصارعين المحترفين، وقد نقلتهم السلطات
الفلسطينية من ميناء حيفا إلى معسكر "عتليت" وقدمت لهم المأوى والطعام
والرعاية الطبية من أموال دافعي الضرائب الفلسطينيين!! .. كما يبدو في إحدى الصور
حيث يقوم طبيب عربي بالكشف الطبي على الفتيات الصهيونيات المهاجرات !!
كان هذا الإعلان جزءا من الحقيقة التي جرى
إخفاؤها طويلاً، وكان له بعض الأثر في إحداث صدمة أعادت بعض الوعي المفقود للمواطن
المواطن المصري؛ بعد فترة طويلة احكمت فيها عملية التعمية عليه لفترة طويلة؛ مما
حدا بالوكالة اليهودية في القاهرة إلى تكذيب تلك الصور قائلة:
" إنها لا تصور حال اليهود المهاجرين، وإنما
هي صور قصد بها الدعاية فقط ." .
وبعد أن ضاعت فلسطين، وتم إعلان قيام دولة
إسرائيل واعتراف أمريكا بها، قام العملاء بافتعال بعض المواقف التي تنطوي على شكل
التظاهرات التي توحي بأن مقدرات الشعب العربي والإسلامي في أيدي أمينة لإشاعة حالة
من الخدر لتخفيف حالة " الصدمة الأولى "، فقد نشرت جريدة "الأهرام"
خبراً مصوراً عن اجتماع كبار رجال الهيئات العربية والإسلامية على أثر انفضاض
أجتماعهم ( يوم 4 ديسمبر 1947) ويرى في الصورة عبد الرحمن عزام وإلى يمينه الأستذ
أحمد حسين، والأستاذ حسن البنا، وإلى يساره صالح حرب باشا، والسيد بشير السعداوي
بك*(7)
ــــــــــــــــــــــــــ
· (7) جريدة
الأهرام، العدد 22436، 5 ديسمبر 1947 .
وبعدها بيومين نشرت صحيفة " الأهرام "
صورة لصالح باشا حرب وهو يخطب في معلمي المعاهد الدينية ورجال الإكليروس المجتمعين
في الجامع الأزهر لاتخاذ قرارات بشأن فلسطين، وقد أمسك بيسراه المصحف وبيمينه
المسدس .* (8)
ــــــــــــــــــــــــــــ
· (8) جريدة
الأهرام، العدد 22436، 7 ديسمبر 1947
بعدها بأيام نشرت صحيفة "الأهرام" على
لسان أحد أتباع الأغا خان في سوريا، أن الأغا خان قرر أن يتبرع بمبلغ 30 مليون جنيه
ذهب من أمواله ليشتري فلسطين بأسرها ويهبها للعرب *(9)، وبعد ذلك
بأيام تنشر تكذيباً للخبر في تصريح أدلى به الأغا خان تليفونيا إلى مكتب وكالة
روتر في باريس حيث يقيم في لي كانيه بالقرب من كان على ساحل الريفييرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
· (9) جريدة
الأهرام، العدد 22441، 10 ديسمبر 1947
ثم كانت تظاهرة الجيوش العربية التي انتهت بأسوأ
هزيمة .. وكان التبرير بكذبة الأسلحة الفاسدة !!
فقد قرر الملك فاروق دخول القوات العسكرية المصرية الحرب في فلسطين .
وبدأت اتصالات مكثفة
بالحكومة المصرية ـ تحت الضغط الشعبي ـ بعبد الرحمن عزام أمين عام الجامعة العربية
لتكوين فرق المتطوعين بقيادة ضباط مصريين تتولى الجامعة العربية الانفاق عليها،
وحاول "الإخوان المسلمين" ـ كعادتهم ـ استغلال الحدث في الدعاية
للتنظيم، وأنه جاء الوقت الذي كان حسن البنا يعمل من أجله ويحسب له الحساب
والحسبان، واندفعت حشود من شباب الاخوان المسلمين من الاقاليم حتى ضاقت بهم شعب
ومقرات الاخوان في القاهرة للإيهام الرأى العام الملتهب بأنهم رجال المرحلة،
ولكونهم غير جادين راحوا يختلقون المشاكل ويضعون العراقيل فأبدوا رغبتهم الذين في
التدريب منفردين في معسكرات خاصة بهم لأسباب غير مفهومة ورفضت الحكومة طلبهم،
وقالت بأن التدريب يشمل جميع عناصر الصف الوطني والعربي، ويخضع لإشراف ضباط
محترفين من الجيش العامل، وكانت الجامعة العربية هي التي تتولى تكلفة
التسليح والملابس والإعاشة بالكامل وليس المركز العام لجماعة "الإخوان
المسلمين" التى جمع مرشدها تبرعات من البسطاء من أجل فلسطين ومن الوسائل التي
ابتكرها مرشد الجماعة إصدار طابع بقيمة قرش وتوزيعه على الناس.،
ثم استأثر بقيمة التبرعات لنفسه بالتواطؤ مع صديقه مفتي
فلسطين الذي ثبت أنه ضابط فى المخابرات الإسرائيلية. *(10) .. الغريب أن المفتي كان أيضا عميلاً للمخابرات الألمانية .. الغريب في
الأمر أن المفتي الخائن الحاج محمد أمين الحسيني (المتوفي سنة 1974) كان قد دأب
على تدوين مذكراته*(11) والتي توقف فيها عند الحديث عن معركة مدينة صفد وسقوطها في أيدي
الصهاينة في 10مايو 1948.. لم تكن مذكرات المفتي الخائن سوى تطبيق لعملية متقنة
وممنهجة لتزوير التاريخ!! ثم توقف في وقت كان يُلزم الجميع بكتابة شهادتهم؛ ليفسح
المجال لخائن آخر هو الملك عبد الله بن الحسين في مذكراته الهزلية بعنوان :
"كفاحي"* ( 12)
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(10) سيد جاد ، الحرس الحديدي، كيف
كان الملك فاروق يتخلص من خصومه ـ الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط 1 ، 1993ـ
ص 90
·
(11) مذكرات
الحاج محمد أمين الحسيني ، إعداد وتصنيف عبد الكريم العمر، الأهالي للطباعة والنشر
ـ دمشق 1999
·
(12) عبد الله ابن الحسين، كفاحي، الأهلية للنشر والتوزيع ، مكتبة برهومة ـ عمان
1989
عن براعة
"الإخوان المسلمين" في جمع التبرعات يقول على عشماوي أخر قادة النظام
الخاص في مذكراته :
"أتتهم
الفرصة للمزايدة على الجميع فى موضوع الأقصى، إنَّهم يطالبون بفتح باب التطوع
لإنقاذ الأقصى! وما أشبه الليلة بالبارحة، ففتحُ باب التطوع يعنى فتحَ معسكرات
التدريب، ومعناه فتح باب التبرع لجمع المال مِن جديد، ثم شراء السلاح وتخزينه
لحسابهم، فتتكدس خزانتهم بالأموال مِن تبرعات المسلمين مِن كل الدول الإسلامية"!.
.. انتهى تدريب اول كتيبة من هؤلاء المتطوعين ولم يكن بينهم سوى 80 متطوع
فقط من "الإخوان المسلمين"*(13) إضافة إلى 120 متطوع من الأشقاء التوانسة، وعدد من الأشقاء 200 متطوع
أغلبهم الليبيين، وبعض المتطوعين من مراكش والسودان وعلى اثر ذلك سافرت يوم 25
ابريل 1948 لميدان القتال اي قبل المعركة رسميا بثلاث اسابيع بقيادة البكباشي احمد
عبد العزيز ومعه عدد من الضباط المتطوعين هم : زكريا الورداني وعبد المنعم عبد
الرءوف ومعروف الحضري وحسني فهمي عبد الحميد ومصطفى صدقي وخالد فوزي وانور الصيحي
وكان الشيخ محمد فرغلي على رأس عناصر الإخوان (80 متطوع).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(13)عارف العارف ، نكبة فلسطين والفردوس المفقود 1947 ـ 1952 ( 6 أجزاء )
ـ دار الهدي ـ
صيدا 1956 ، الجزء 2 ـ ص 389
وانطلقت الكتيبة تنفيذ عملياتها في 5 مايو 1948 قبل انطلاق المعارك بثلاثة
أسابيع .
أما الكتيبة الثانية
فكانت بقيادة البكباشي المتقاعد عبد الجواد طبالة.
وقبل أن نخوض في تكرار سردي لأمور لا طائل من ورائها عن النكبة وضياع
فلسطين، راح "الإخوان المسلمين" يصورون أن الكتيبة كلها من عناصرهم فقط
، وأنهم يحققون الانتصار تلو الانتصار..
.. وراحوا
أيضا يصورون البكباشي أحمد عبد العزيز على أنه أحد عناصرهم، بل أنه كان يقود
فصائلهم فى هذه الحرب، وتمادوا فى ذلك إلى أبعد مدى.
الأخطر من هذا
كله الذي فضحه البكباشي جلال ندا في مذكراته بعنوان: "الإخوان والنكبة..
سنوات الخيانة والثورة" والذي أكد فيها :
أن اللواء أحمد
على المواوى، قائد القوات أثناء المعارك ـ كان من العناصر المنتمية لـ
"الإخوان المسلمين" سراً في ذلك الوقت ـ ، رفض خطة البكباشي أحمد عبد
العزيز للاستيلاء على القدس بل واختلفا اختلافا شهد عليه أعضاء القيادة العامة
وقتها، الخلاف العنيف الذي حدث بين اللواء أحمد على المواوى ، والبكباشي أحمد عبد
العزيز، وكيف كان يعطي الأمر بتحرك ثم ما إن تشرع القوات الصادر لها الأمر
بالتنفيذ، حتي يلغيه أو يعدله أو يأمر بغيره، وهو ما يوصف عسكريا بدفع القوات
للإرهاق والفوضي وبالتالي السير نحو هزيمة حتمية .
ويتساءل البكباشي
جلال ندا : هل لو كان البكباشي أحمد عبد العزيز من "الإخوان المسلمين"؛
فهل من أساليب الإخوان أن يختلف اثنان منهم على شىء؟ وكلنا يعلم أن العضو لا يتصرف
إلا بأوامر مكتب الإرشاد، وهو أمر يحدث منذ تأسيس الجماعة عام ١٩٢٨، إذن تصرف
المواوى يمكن أن نرجعه إلى تعليمات صدرت من مكتب الإرشاد، ويضيف البكباشي جلال ندا
: إنها إجابة ستبدو ربما ليًا للحقائق فى نظر البعض، لكننا نطالبهم بالصبر حتى
ننتهى من سرد الأدلة على ما نقول، وأول تلك الأدلة أن اللواء أحمد على المواوى قد أعلن انضمامه علنا لجماعة "الإخوان
المسلمين" بعد تقاعده، وجرى الإعلان عن ذلك في حفل ضخم أقيم بمقر الجماعة
بالأسكندرية، وكان المواوى
صوتهم الذى ارتكنوا إليه فى ادعاءاتهم بمشاركة قوات منهم فى حرب ١٩٤٨، وادعاءات البطولات!!؛ ومن ثم كتابة التاريخ بما يتراءي ومصلحة الجماعة.
إدعاء
"الإخوان المسلمين" بطولات في حرب فلسطين كذب تدحضه وقائع التاريخ
ويوميات الحرب فعناصر الإخوان التي دخلت إلى فلسطين بقيادة الشيخ محمد فرغلي لم
تطلق رصاصة واحدة صوب اليهود!!
فالمؤكد أن
عناصر"الإخوان المسلمين" (80 فرد) التي
دخلت إلى فلسطين بقيادة الشيخ محمد فرغلي لم تطلق رصاصة واحدة صوب اليهود، وكان
البنا يزعم أنه أنشأ النظام الخاص (الجناح العسكري للإخوان المسلمين) لمقاومة
المحتل الإنجليزي، وجاءت حرب فلسطين التي كانت أول حقل فعلى لتدريب الإخوان على
خوض المعارك الفعلية، لكن حسن البنا ادعى:
(أنه علم أن
هناك مؤامرة دولية للقضاء على هذا الصف المدرب أثناء القتال .)
وأرسل حسن البنا أوامره للشيخ محمد فرغلي ألا يدخل أي معركة حتى تصدر له الأوامر من القاهرة، وعليه أن يخفي ذلك عن الإخوان.
وطال انتظار الإخوان لدخول المعركة ـ وكانوا من قبل يخرجون للعمليات أكثر من مرة في الليلة الواحدة، واستمر انتظارهم شهرًا كاملاً، حتى تسرب القلق إلى صفوفهم وبدأت الشائعات تسري بينهم بأن الشيخ محمد فرغلي خائن، وأن اليهود قد اشتروا ذمته؛ ولهذا فهو يمنعهم من القتال، ولما وصل الأمر إلى الشيخ فرغلي وعلم أن الأمر قد وصل ببعضهم أن يتفقوا على قتله جمعهم وأفضي إليهم بما عنده من أوامر من القاهرة، وتمت تصفية الموقف، وبدأوا يشاركون في العمليات مرة أخرى، ولكن بحذر وبغير تكثيف.
وفي تلك الأثناء
قام بعض المتطوعين المحسوبين على "الإخوان المسلمين" بمشاركة رفاقهم من
الأشقاء العرب بعمليات بطولية فردية بدوافع وطنية وبعيداً عن
فكر التنظيم وخروجاً
على مبدأ : "السمع والطاعة" فشاركوا في الهجوم على مستعمرتي فانداروم
ودير البلح ردًا على مذبحة دير ياسين، ولذا اعتبر مرشد
الجماعة ذلك سابقة خطيرة للعصيان لا يجب ألا تمر مرور الكرام فتمت التصفية الجسدية
لأكثرهم .. يقول عارف العارف :
" في 10 مايو قرر البكباشي أحمد عبد العزيز إشراك بعض من عناصر من "الإخوان
المسلمين" في الهجوم على مستعمرة
كفار داروم وكانت الخطة التي رسمها البكباشي أحمد عبد العزيز تقضي بقصف المستعمرة
بالمدافع أولاً على أن يبدأ القصف في الثانية بعد منتصف الليل، وأن يتقدم الفدائيون
بعد عشر دقائق لنسف الألغام والأسلاك الشائكة التي تحيط بالمستعمرة ثم يزحف المشاة
صوب المستعمرة من ثلاث جهات فيحتلونها، وقد هاجموها بالفعل من ثلاث جهات كان يقود
الهجوم من الجنوب اليوزباشي عبد المنعم عبد الرءوف ـ أحد عناصر الإخوان ـ ومن
الشمال الملازم أول عمر البقلي التونسي ـ من الأشقاء اللبنانيين المنتمين للإخوان
المسلمين ـ ومن الشرق أحمد لبيب الترجمان ـ من متطوعي الإخوان المسلمين ـ إلآ أن المجموعة تعرضت لخسائر كبيرة نتيجة
لخطئين في مخالفة الخطة الموضوعة :
الخطأ الأول : أن القصف لم يبدأ إلا
في الساعة الرابعة والنصف ظهراً من نهار 11 مايو فكان من بين القتلى العناصر الذين
تم تكليفهم بتدمير الأسلاك وكاد الفدائيون أن يحتلوا المستعمرة بعد ساعتين من
المعركة لولا حدث خطأ أخر وهو أن المدفعية المصرية ظلت تضرب رغم وجود المصريين
فيها، وسبب الخطأ أن اليوزباشي حمدي واصف والملازم أول زغلول الشلبي الذين عهد
إليهما بالمخابرة اللاسلكية لم يبلغا بدخول الفدائيين إلى المستعمرة فاستمر القصف
مما أدى إلى استشهاد 40 عنصر من الإخوان، واضطر هؤلاء إلى الانسحاب وفي أثناء
انسحابهم راح الصهاينة يضربونهم من الخلف وبهذا بلغ عدد الشهداء 74 شهيداً.
الخطأ الثاني : ارتكب المشاركون في العملية خطأ أخر حين تركوا الشهداء ولم ينقلوهم معهم ، فظلت
جثثهم هناك شهر أو يزيد ولم تنقل إلى مصر إلا 18 يونيو !!* ( 14)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
·
( 14) عارف
العارف، ج 2 ـ ص 400 ، 401
جرح في هذا الهجوم الصاغ معروف الحضري ـ من عناصر
الإخوان في الجيش ـ وسقط في أسر الصهاينة .. واختفى الصاغ عبد المنعم عبد الرءوف ـ
من عناصر الإخوان في الجيش وعضو الحرس الحديدي وأحد عملاء المخابرات الألمانية ـ
إختفاء مريباً بعد الهجوم ولم يظهر إلا بعد يومين ، .. ولم يُكشف عن سر اختفائه ،
وأين قضى اليومين !!
كتائب الشيخ حسن البنا
ستتأخر بعض
الــوقت!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الأستاذ
أحمد حسين أول من كشف زيف دعاوى الإخوان عن قصص البطولات الخيالية عن تضحياتهم
وشهدائهم في حرب فلسطين، ففي العدد 142 من جريدة مصر الفتاة ـ بتاريخ 12 يناير
1948، كتب أحمد حسين مقالا ً بعنوان: «أيها اليهود انتظروا قليلاً، فإن كتائب
الشيخ حسن البنا ستتأخر بعض الوقت!"، وجاء في
المقال الساخر:
" طالما أذاع
الشيخ حسن البنا عن كتائبه التي تبلغ عشرات الألوف، وأنها مزودة بالأسلحة
والمعدات، وأنه اختارها من بين الملايين الذين يدينون للشيخ بالطاعة والولاء،
وبدأت مشكلة فلسطين تتخذ دورًا خطيرًا في مرحلتها الأخيرة، فسارع في إرسال
البرقيات لمفتي فلسطين، والجامعة العربية، وإلى جميع الدول، والهيئات الدولية،
فاطمأن العرب أن جيوش حسن البنا سترهب الصهيونيين وأنصارهم، والدول التي تؤازرهم،
ثم صدر قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وأصبح لا مجال للحديث، وسكت القلم
وانتظرنا السيوف أن تتكلم، وأن تعمل فتطيح بالرقاب، رقاب الأعداء الكفرة من
الصهيونيين وأنصارهم، وأعلن الشيخ حسن البنا عن كتيبته الأولى التي تبلغ عشرة
آلاف، وأنه تم تجهيزها وإعدادها، وأنه يعمل على تجهيز كتيبتين أخريين لتلحقا
بالكتيبة الأولى، وتلحق بذلك جحافل الكتائب! ثم ماذا؟! لا شيء على الإطلاق! والمسالة ـ كما
يعرف دائما ـ ليست إلا دجلاً وشعوذة وضحكًا على عقول المصريين وغيرهم فيمن يأملون
شيئًا من الخير في الشيخ وأعوانه. كفى تهريجًا أيها الناس وكونوا صادقين مرة واحدة
في حياتكم كلها، وليعمل واحد منكم على تنفيذ شعاركم الذي تقولون فيه: «إن الموت في
سبيل الله أحلى أمانينا، فإن ميدان الشرف والجهاد مفتوح للجميع، وطريق السفر برا
وبحرا وجوا لم يغلق دون أحد من الناس. "
.. هكذا كانت الخيانة تسيطر على أجواء وسماء الوطن !!
قتل البكباشي أحمد عبد العزيز:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان ذلك السرد ضرورة قبل التوقف عند ملابسات قتل البكباشي أحمد عبد العزيز
بمعرفة الكتيبة السادسة مشاة في عراق المنشية قطاع الفالوجة التي كان يترأس قيادة
أركانها الصاغ جمال عبد الناصر قائد الجناح العسكري للضباط في تنظيم "الإخوان
المسلمين"، فيما بعد خلفاً للصاغ محمود لبيب *(15):
ــــــــــــــــــــــــــــ
·
(15) مذكرات الصاغ حسين حمودة
ففي ليلة عيد الأضحى كان البكباشي أحمد عبد العزيز يقف مع بعض القوات
العسكرية محاصراً لمدينة القدس الإسرائيلية استعداداً للهجوم عليها والاستيلاء
وبذا تتحقق أهم أهداف دخول العرب في هذه الحرب آلا وهي فرض الانتصار على إسرائيل
وفرض التسليم عليهم .. مما اضطر المحاصرين بالقدس على مناشدة تل أبيب لإنقاذهم إلا
أن بن جوريون رد عليهم : "لا تيأسوا وسينتهي الموقف المتأزم" .
وبالفعل فقد بدأت خيوط فك هذا الحصار وعدم اقتحام القدس الإسرائيلية
والاستيلاء عليها .. فقد أُستدعي البكباشي
أحمد عبد العزيز في الليلة التي تسبق هجومه للقاهرة ولأمر عاجل وهام وقد أتاه هذا
الأمر في إشارة بذلك من مركز قيادة القوات المصرية بالمجدل حملها إليه اليوزباشي
صلاح سالم و اليوزباشي زكريا الورداني .
يقول اليوزباشي حسن التهامي في شهادته التي أملاها لمحمد الطويل والتي
نشرها في كتابه بعنوان : " لعبة الأمم وعبد الناصر"*( 16) :
"أن الذين أصطحبوا البكباشي أحمد عبد العزيز معهم هم اليوزباشي صلاح
سالم الذي كان يقود السيارة ويجلس إلى جواره البكباشي أحمد عبد العزيز ويجلس في
المقعد الخلفي اليوزباشي زكريا الورداني، ومرت السيارة في الطريق على نقطة بيت
جبرين قبل الغروب بربع ساعة وطلبت بصفتي قائد النقطة منهم الانتظار عنده حتى الفجر
حتى لا يتعرضوا للمخاطر الطريق قال : البكباشي أحمد عبد العزيز أنه في غاية
الاستعجال، وقبل أن ينطق بحرف ثان انطلق اليوزباشي صلاح سالم بالسيارة وبسرعة قبل
أن ينطق أحدهما بكلمة أخرى، حتى اقتربت السيارة من عراق المنشية مركز الكتيبة
السادسة والذي كان رئيس أركان حربها الصاغ جمال عبد الناصر وهنا انطلقت رصاصة فجأة
لتقتل البكباشي أحمد عبد العزيز نفذت الرصاصة من جانبة الأيسر المجاور لقائد
السيارة وتخللت جسده إلى أن استقرت في كبده إلى جانبه الأيمن وانطلق وابل من
الرصاص حول السيارة لكنه لم يصيبها بطلقة واحدة !! على الفور نقل البكباشي أحمد
عبد العزيز إلى الكتيبة السادسة حيث قضى بعض الوقت ثم نقل إلى المجدل حيث توجد
القيادة التي لفظ أخر أنفاسه عند الوصول إليها في 22 أغسطس 1948 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
( 16) محمد الطويل، لعبة الأمم وعبد الناصر، المكتب المصري الحديث، القاهرة
1986
شهادة اليوزباشي
صــــلاح ســـــالم :
ــــــــــــــــــــــــــ
يقول صلاح سالم في شهادته التي أدلى
بها في مواجهة صحفية مع الأستاذ محمد فيصل عبد المنعم ضمنها كتابه بعنوان :
"أسرار 1948":
" بعد حوادث خرق اليهود للهدنة
الأولى ، اتصل الجنرال رايلي بالحكومات المصرية والأردنية والإسرائيلية لعقد مؤتمر
برئاسته يحضره مندبون عن القوات المسلحة لتلك الحكومات وتحدد موعد هذا الاجتماع
كما حدد مكان الاجتماع في الأرض الحرام ( التي لا يتواجد فيها قوات لأي من
الجانبين المتصارعين) بين الخطوط الأردنية واليهودية في القدس وبالتحديد في دار
كانت قتصلية بريطانيا فيما مضى .
ووصلت هذه الأوامر للقيادة العامة
المصرية في الميدان .. وتم استدعائي من قبل اللواء المواوي القائد العام وسلمني
أوراق المؤتمر وأنرتي أن أنوب عنه فيه .
وفهمت من القائد العام البكباشي أحمد
عبد العزيز سيحضر المؤتمر بصفته القائد
المحلي المتنازع عليه .
في غرفة الاجتماع كان الجنرال رايلي في مقعد الرئاسة وكان القائد
عبد الله التل يرأس الوفد الأردني أما الوفد الإسرائيلي فكان يرأسه موشى ديان
وكان احمد في هذا الوقت يتحدث بغضب ،
فانتحيت مع الصاغ حسين فهمي عبد المجيد جانبا وفهمت منه ما وصل إليه الموقف وعرفت
أن الجانب المصري ( ) قد سلك مسلكاً مخالفاً في بعض التفصيلات لتعليمات القائد العام، ولم
يكن أحمد على علم بها .
وهمست في أذن أحمد بتعليمات القائد العام .
كانت المناقشة دائرة حول إيجاد منطقة
محايدة قد تمس جبل المكبر مما يؤدي إلى أن تنسحب بعض قوات المتطوعين بقيادة القائد
السنغالي عبد الله الأفريقي الذي كان يقف عن بعد غاضباً ومتحديا أي أمر سيصدر إليه
بترك موقعه ولو كان من القيادة المصرية وكانت وجهة نظر أحمد أن هذا التخلي سيقابله
تخلي عن بقعة هامة في يد اليهود آنذاك .
وانتهي
الاجتماع..
.. يستكمل صلاح
سالم شهادته فيقول :
" الواقع أنه لم يكن هناك ما
يدعوه (17 ) لمرافقتي ، ولكني كنت أحس ما في
نفسه فلم تكن العلاقة بينه وبين القائد العام طيبة .
وانتحيت بحسن فهمي جانباً وأفهمته
أنني لن أبلغ القائد العام إلا النتيجة التي توصلنا إليها دون تعرض لما يزيد ما
بين القائدين تعقيدا .
وأدرت السيارة واستأذنت في المسير،
ولكن الشهيد اقترح أن أنتظر هنيهة لأتناول بعض السندوتشات، وما أن وصلت حتى بدأت
أتحرك بسيارتي .
ولعله القدر هو الذي جعل الشهيد
يرافقني بعد أن تحركت، ليركب بجواري فانتقل الورداني إلى المقعد الخلفي .
وكنت أعرف "كلمة السر"
وكانت في تلك اليلة (غزة) وقطعنا المنطقة الخطرة من (الخليل إلى بيت جبرين) وبعدها
بقليل في قطاع كانت تحتله قوات غير نظامية وبدأت المواقع توقفنا الموقع تلو الموقع
.. الموقع تلو الموقع ، فما أن يعرفوا شخصياتنا حتى يتركونا نمر داعين لنا
بالسلامة حتى اقتربنا من عراق المنشية التي تقع شرق الفالوجا بكيلو مترين وعلى بعد
ستمائة ياردة من مواقع البلدة، سمعت صوت عيار ناري ولمحت عيار ناري ولمحت وميض من
خنادق البلدة .
وسمعت في الوقت أنين أحمد عبد العزيز
الذي يطوقني بذراعة ويهمس في أذني طول الطريق بكلام لا يريد أن يسمعه من معنا .
"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
( 17) محمد فيصل
عبد المنعم ، أسرار 1948 ـ مرجع سابق.
لم يستطع صلاح سالم الإجابة على كثير من
التساؤلات وأوجز إجابته عنها بكلمة : قدر، .. كان صلاح سالم رجل شديد الغموض ففي
مذكراته التي لم يتطرق فيها إلى تلك الواقعة من قريب أو بعيد .. لم يقدم في
مذكراته ـ بصفة عامة ـ معلومة واحدة صريحة وصحيحة بل عمد في تلك المذكرات أن يطلق
سحب من الدخان ليزيد الغامض غموضاً !!* (18) المعلومة الوحيدة الحقيقية أنه كان
"طرطوراً" في وزارة الإرشاد، وأنه كان مجرد واجهة .. بينما كان اللاعبان
الحقيقيان في تلك الوزارة الرئيس عبد الناصر وعبد القادر حاتم رئيس هيئة
الاستعلامات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(18) مذكرات
صلاح سالم ، ثورة يوليو .. والسودان، إشراف ودراسة : د . أحمد زكريا الشلق، إعداد
وتعليق : د . صفاء محمد شاكر، دار الكتب والوثائق القومية ـ القاهرة
2012
.. شهادة صلاح سالم طمست كثير من الوقائع لكننا
نتوقف أمام أربعة عبارات منها لكونها تحمل في مضامينها الكثير عن العمد في القتل
مع سبق الإصرار في حادث البكباشي أحمد عبد العزيز:
ـ لم تكن العلاقة بينه
( البكباشي أحمد عبد العزيز) وبين القائد
العام (اللواء أحمد على المواوي) طيبة
ـ وانتحيت بحسن فهمي
جانباً وأفهمته أنني لن أبلغ القائد العام إلا النتيجة التي توصلنا إليها دون تعرض
لما يزيد ما بين القائدين (البكباشي أحمد عبد العزيز و اللواء المواوي) تعقيدا .
ـ كان يهمس (البكباشي أحمد عبد العزيز) في أذني طول الطريق بكلام لا يريد أن يسمعه من
معنا ( اليوزباشي زكريا الورداني) .
ـ كان اليوزباشي الورداني قد وصل في
نفس اليوم إلى الميدان قادما من القاهرة .
في كتابه بعنوان : "نكبة فلسطين
والفردوس المفقود 1947 ـ 1952" يقول عارف العارف* (19) :
"ذهب سوء الظن ببعض الناس إلى حد القول أن
موت كان مقصوداً، وبرصاصة انطلقت من مدفع ضد المصفحات من طراز (بوايز) ولم تكن تلك
الرصاصة طائشة ويقول هؤلاء أنه كان بينه وبين المواوي القائد العام للحملة المصرية
شئ من الكره، وأن المواوي هو الذي ناداه ونصب له الكمين وأن القيادة لم تبلغه ولا
بلغت القطاعات المرابطة في قطاع القدس الجنوبي كلمة السر وكان من عادتها أن تذيعها
إلى القطاعات كل يوم".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(
19) عارف العارف ، نكبة فلسطين والفردوس المفقود 1947 ـ 1952 ( 6 أجزاء ) ـ دار
الهدي ـ صيدا 1956 ،
الجزء 2 ـ ص 413
يقول حسني أدهم جرار في كتابه بعنوان : "نكبة فلسطين .. عام 1947 ـ 1948 ،
مؤمرات وتضحيات" كان من دوافع قتل البكباشي أحمد عبد العزيز :
" إصرار البكباشي أحمد عبد العزيز على احتلال مرتفع يدعى "رأس
الأحراش" في جبل المكبر في جنوب القدس ويشرف على معظم أحيائها وهو جبل
استراتيجي من احتله سيطر على المدينة وقد اتخذه الانجليز مقراً لحكمهم وبنوا فوقه
دار المندوب السامي التي كانت تعرف بدار الحكومة وتحت ضغط المتطوعين العرب أنسحب
اليهود إلى المنطقة الحرام واحتموا بدار الحكومة فحاصرها المتطوعون وهددوا
بتفجيرها مما اضطر رجال الأمم المتحدة بالاستغاثة بقائدهم البكباشي أحمد عبد
العزيز واستجاب لرغبتهم ولكنه أصر على احتلال مرتفع يدعى "رأس الأحراش"
يشرف على دار الحكومة والحي اليهودي بالقدس واستطاع البكباشي أحمد عبد العزيز أن
يملى إرادته على الصهاينة ويضطرهم إلى التخلي عن منطقة واسعة هدداً باحتلالها
بالقوة " *(20)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(20) حسني أدهم جرار ،نكبة فلسطين
.. عام 1947 ـ 1948 ، مؤمرات وتضحيات ،
دار المأمون ـ عمان 1994 ـ ص 247
ويؤكد عارف العارف أن :
"قتل البكباشي أحمد
عبد العزيز التي تم بأيدي مصرية، قد سبقته محاولة أخرى فاشلة قبل ذلك بيومين على
أيدي الصهاينة ففي ففي يوم الجمعة 20 أغسطس 1948 أطلق الصهاينة الرصاص على أحمد
عبد العزيز بينما كان ميمما شطر جبل المكبر، ليحضر الاجتماع الذي دعي إليه بمعرفة
المراقبين الدوليين للنظر في المشاكل التي نجمت عن احتلال اليهود للمنطقة الحرام
الخاضعة لهيئة الصليب الأحمر الدولية ، ورغم العلم الأبيض الذي كان مرفوعاً على
مقدمة السيارة ورغم اخطارهم من قبل المراقبين الدوليين لاتفاق الهدنة بالكف عن
إطلاق الرصاص في هذا الموعد إلا أن الصهاينة أطلقوا النار عليه إلا أنه نجح في
الفرار ولم يستطع المراقبين الدوليين عمل شئ ، وأرجأوا الاجتماع ليوم آخر "*(21).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(21)عارف العارف ، نكبة فلسطين والفردوس المفقود 1947 ـ 1952 ( 6 أجزاء )، مرجع سابق ، ج
2 ـ ص410
كانت إزاحة البكباشي
أحمد عبد العزيز من الميدان هدفاً رئيسياً لتحقيق باقي محاور المخطط الذي قال عنه
الضابط الأردني عبد الله التل في مقدمة مذكراته :
"أمسكت بطرف الخيانة، وأخذت أجمع
الأدلة، وأسجل الجوانب السرية من تاريخ الكارثة ".* (22)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(22) مذكرات عبد
الله التل ، قائد معركة القدس، كارثة فلسطين ، دار الهدى، عمان 1959
كان المخطط يقوم على خمس محاور :
1 ـ الضغط السياسي على المسؤولين العرب فقد قامت بريطانيا وأمريكا بالضغط
على المسئولين العرب لانتزاع زمام القضية فلسطين من يد أهلها وقد أدى ذلك إلى
العدول عن الخطة التي أقرتها جامعة الدول العربية للدفاع عن فلسطين والامتناع عن
تسليم المساعدات لضرورية من اسلحة وأموال للفلسطينيين .
2 ـ الدعاية المضللة ضد الفلطينيين، فقد أنشأ الانجليز قسم في المخابرات
البريطانية بالتعاون مع الصهاينة عدة مراكز لتشوية الفلسطينيين، والتشكيك في
اخلاصهم وجهادهم .
3 ـ إرهاب الفلسطينين في مدنهم وقراهم بتنفيذ مجازر جماعية، وترك الفرصة
لبعض ضحايا تلك المجازر الوحشية للهروب في إطار نظرية "تصدير الرعب"!!
4 ـ أن
مكاتب الدعاية الصهيونية في البلدان العربية والصحف المخترقة بواسطتهم، والنفاذ
إلى طبقة من السياسيين عن طريق العاهرات الصهاينة وبث السموم عبر المحطات السرية
اللاسلكية التابعة للصهاينة، وقد أشاعوا
أنهم اشتروا من أوربا وأمريكا مقادير كبيرة من المصفحات والمدافع والطائرات وأنهم
استأجروا عدد كبير من الطيارين من ايطاليا وانجلترا وأمريكا تشيكوسلوفاكيا وروسيا.
5 ـ قيام
رجال الطابور الخامس بتمثيل الدور الذي عهد إليهم به؛ فراحوا يبثون الذعر في صفوف
الأمة العربية ويوسعون شقة الخلاف بين أفرادها وزعمائها بإشاعة أن هؤلاء الزعماء
قد خانوا، ومن لم يخن منهم فقد قصر في واجبة، وأن بعض من تم انتدابهم من مصر لشراء الأسلحة
قد خانوا الأمانة وأساءوا التصرف في الأموال التي قبضوها؛ فأثار إحسان عبد
القدوس قضية "الأسلحة الفاسدة" التي بنى
عليها خادعاً مجده الصحفي الزائف، ورغم أن صناع الكذبة من ضباط انقلاب 23 يوليو
1952 قد تخلوا عن افتراءاتهم وعدلوا عنها
في شهاداتهم للتاريخ كما جاء في كتابات اللواء محمد نجيب واللواء جمال حماد وأحمد
حمروش وخالد محيي الدين وعبد اللطيف البغدادي وثروت عكاشة والصاغ حسين حمودة
والفريق حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي الأسبق .
.. إلا أن عبد القدوس ظل متمسكاً
بأهداب الكذب حتى آخر لحظة في حياته دون مراعاة لحرمة التاريخ .. وأورث الكذبة
لابنيه يتفاخران بها في المحافل، .. فلم يستطع عبد القدوس في تحقيقات
النيابة أن يقدم سنداً ولا مستنداً على ما ادعاه من فساد الأسلحة!! .. ولم يكن
أمامه وقد صار بلبوصاً من أي سند قانوني سوى أن يدعي أنه
تعرض لمحاولة أغتيال بينما كان خارجاً من مطعم الأريتاج وألمح بالاتهام إلى
أبن عم الملك فاروق النبيل عباس حليم، ولم يجد الرجل رداً على افتراءات الكذاب سوى
زيارته بعد العدوان المزعوم .. وإمعاناً في السخرية
منه ومن أكاذيبه حمل إليه هدية صينية فضية فاخرة محملة بحلوى "مارون
جلسية" قدمها له وهو يضحك ساخراً :
" المجرم الخطير جاي يطمئن على البطل الخطير .. !!" .
وفي المحكمة
التي انعقدت بعد انقلاب 23 يوليو 1952 لم يجد عبد القدوس ما يبرربه كذبته سوى تطعيمها بالجوانب الوطنية مثل ادعاء
الكذب للحض على كراهية نظام الحكم وصولاً إلى الانقلاب عليه من أجل ما يعتقد أنه
الأفضل والذي عبر عنه بقول ساقط لخصه فيما يلي :
" أني أثرت هذه القضية حتى أصل إلى الثورة
وقد قامت الثورة وأعتبر أن القضية قد انتهت لذلك فأني أعتذر للقضاء عن إعادة سرد
التفاصيل التي سبق أن أدليت بها أمام النيابة " * ( 23)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
( 23) د. أميرة أبو الفتوح ، إحسان
عبد القدوس يتذكرـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1982 ـ ص 97 ، 111
ومضى أحمد أبو
الفتح في جريدة "المصري" في إثارة معركة تقييد حرية
الصحافة .. وبدأ حلمي سلام في إثارة قضية "فساد إدارة الجيش" .. وفي 23 يوليو 1951 أطلق عميل الأمركيين
مصطفي أمين رسالة C.I.A. المشفرة في
صورة مقال بـ "أخبار اليوم" بعنوان : " البحث عن قائد "
لتنطلق خلايا تنظيم العملاء ( الضباط الأحرار) في تنفيذ الخطة التي انتهت بـانقلاب
23 يوليو 1952 .
***
تلك الشهادات تضعنا أمام عدة تساؤلات حول مقتل البكباشي أحمد عبد العزيز:
أولاً : كيف أصابت الرصاصة الجانب الأيسر للبكباشي أحمد عبد العزيز ولم تصب
السيارة بأي سوء عندما أطلق حولها وابل من الرصاص؟!!.
ثانيا : كيف لم تصب الرصاصة صلاح سالم رغم أنه في وضع ساتر للبكباشي أحمد
عبد العزيز في المقعد المجاور له ؟!!
ثالثاُ : لماذا لم تقم كتيبة عراق المنشية
بمحاولة إسعافه وتركته ينزف حتى الموت ؟!!
رابعاً : لماذا لم يكشف عن نوع الرصاصة التي أصابته، ونوع بقية الرصاصات
التي أُطلقت على السيارة دون لإصابتها ؟!!
خامسا : ولماذا ذهب صلاح سالم لإحضاره عاجلاً طالما أن هناك اتصالاً يمكن
إجرائه بين القيادة في المجدل ومركز تجميع المتطوعين ؟
سادساً : ولماذا إصرار
القيادة على استدعائه وهي تعلم بخطته ؟!
سابعاً : ولماذ لم يبقي بعراق المنشية ـ وهو مصاب ـ ولماذا الإصرار على
إرساله إلى المجدل حتى لوكان ميتاً ؟!
***
الإجابة على هذه التساؤلات تعني أن الرصاصة القاتلة أنطلقت من داخل السيارة
التي كان يستقلها البكباشي أحمد عبد العزيز، وأن الاتهام بقتله ينحصر في واحد من
مرافقيه (اليوزباشي زكريا الورداني ـ اليوزباشي صلاح سالم) والأثنان تحوطما شبهة
!! .. يؤكد هذا ما رواه الفريق عبد المنعم خليل قائد الجيش الثانى
الميدانى فى حرب أكتوبر فى مذكراته بعنوان : "حروب مصر المعاصرة" ، حيث
قال:
«مع يوم ١٩ مايو
فوجئنا فى المعسكر بإشارة من قائد القوات فى فلسطين اللواء أحمد على المواوى يطلب
فيها خرائط لفلسطين، وكنا يومئذ تحت الاحتلال الإنجليزى وكانت له قوات بالعريش
ولها مخازن، وعن طريق التنسيق بين القيادة بالقاهرة والقوات الإنجليزية، توجهت إلى
معسكرات الإنجليز بالعريش وطلبت الخرائط فسلمونى نحو ١٠٠٠ خريطة، فأخذت سيارة لورى
وأخذت مجموعة من الجنود وبعض ضباط الصف وذهبنا إلى غزة، وهناك وجدت القوات قد
تحركت فى اتجاه دير سنيد، وهى مستعمرة يهودية شمال غزة، هاجمتها القوات المصرية
صباح يوم ١٩ مايو.
ظللت أبحث عن أى شخص أعطيه الخرائط فلم أجد، حتى
خرج على الصاغ صلاح سالم، فقال لى من الذى قال لك إننا نريد خرائط رجعها، فشعرت
بالضيق ولم أقتنع بهذا الكلام، وتوجهت إلى المستعمرة، ثم انتظرت حتى يخرج أحد
ويأخذ منى الخرائط لكن أحدًا لم يأت فاضطررت إلى النوم بالسيارة حتى جاء الصباح،
وتسلموها أخيرا منى، علما بأنها لم تكن تتسم بالدقة، حيث إن بعض البلدات
والمستعمرات لم تكن موقعة عليها، وعلق اللواء خليل على شخصية القائد المواوى
قائلا: «مع مرور الأيام بدأنا نشعر بشىء من الضيق من ضعف قيادة المواوى، بسبب كثرة
التردد والتضارب فى إعطاء الأوامر..
فكان يعطى أمرًا
باحتلال محور ثم يعيد القوات لأوضاعها قبل الاحتلال، ثم يعطى أمرًا بالهجوم على
نقطة ثم أمرًا آخر بالانسحاب".
.. هنا انتهت شهادة الفريق عبد
المنعم خليل .
***
نعود إلى الدافع لقتل البكباشي أحمد عبد العزيز وهو الخيانة التي تجذرت في
نفوس الكثيرين من المحسوبين على قيادات الوطن من الماسون، والتي أرتأت تعويق مهمة
بطل مقاتل كان يعيش في وادي، وهم وادي !!
وسبب آخر هو إخراس هذا البطل وإضاعة صوته إلى الأبد فقد حرص البكباشي أحمد
عبد العزيز على كتابة يومياته يسجل البطولات ويدون المصاعب ويكشف الحلول ويفضح
الوجه القبيح للخيانة الذي كان يقابله في كل لحظة، وعلى كل شبر من أرض فلسطين ،
وقد اختفت تلك اليوميات بمقتله ولم يعثر لها على أثر ولم يجد بعض المهتمين بالأمر
سوى شذرات من وريقات لا تحمل معنى متكامل!! نشر بعضاً منها الأستاذ محمد فيصل عبد
المنعم المحرر العسكري لجريدة الأهرام في كتابه بعنوان: " أسرار 1948"* (24) نقلا عن كتاب بعنوان : "البطل أحمد عبد العزيز" من تأليف
الأستاذ أبو الحجاج حافظ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(24) محمد فيصل عبد المنعم ، أسرار 1948 ، مكتبة القاهرة ـ القاهرة 1968 ـ الصفحات من ص
281 إلى 291
القــــــتل فى عقــــيدة
" الإخوان المسلمين" :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كشفت بعض الأوراق التنظيمية المضبوطة ضمن محتويات السيارة الجيب عن القتل، فقد عثر الأستاذ عصام حسونة وكيل النائب العام على ورقة جاء فيها :
كشفت بعض الأوراق التنظيمية المضبوطة ضمن محتويات السيارة الجيب عن القتل، فقد عثر الأستاذ عصام حسونة وكيل النائب العام على ورقة جاء فيها :
" إن القتل الذى يعتبر جريمة فى الأحوال العادية، يفقد صفته هذه ويصبح فرضاً واجبا على الإنسان إذا استعمل كوسيلة لتأمين الدعوة، إن من يناوئ الجماعة أو يحاول اخفات صوتها مهدر دمه وقاتله مثاب على فعله" .
الملك فاروق خســـر
عرشه ثمناً لإنقاذ
فلسطين :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل الملك فاروق حرب فلسطين رغم معارضة حكومته، وحاول تدبير السلاح رغم
الحظر المُحكم عليه من دول أوربا وأمريكا وروسيا .. وبعد الهزيمة سعى لإعادة بناء
الجيش استعداداً لجولة أخرى تنتهي بإزالة إسرائيل وكان يرى أن تعهد مصر لخبراء
عسكريين ألمان بتدريب الجيش وبعد خطة بالغة السرية وصل إلى مصر جنرال ألماني اسمه
آرثر شميت شارك في الحرب العالمية الثانية ، وكان أحد أركان حرب الفيلق الأفريقي
الذي قاده الجنرال روميل أثناء الحرب، وحصل على أربعة أوسمة عسكرية رفيعة .
لكن حيدر باشا ـ ضابط البوليس ـ والذي كان يقود الجيش أثناء هزيمة 48 كان
لايزال في منصبه، وانزعج من إصرار الجنرال
آرثر شميت الذي كان يرى أن البداية الصحيحة هي دراسة أسباب الهزيمة في فلسطين،
فوضع العراقيل أمام الجنرال آرثر شميت حتى لا يتم التحقيق في طريقة إدارته
للعمليات في حرب انتهت بالهزيمة .
كان حيدر يناور طول الوقت لافشال خطة الملك؛ فاتصل بـ C.I.A. التي أبلغت الموساد بمخطط فاروق، وانتهي الأمر بخطة أمريكية لاستبعاد
الجنرال آرثر شميت، وإبداله بالجنرال الألماني "فار مباخر" أحد عملاء
الموساد الذي وضع العراقيل أمام خطة الملك وافشلها.
كان سعى الملك فاروق لتدريب جيشه على النسق الألماني وراء اقتطاع حيدر باشا
لقسم من "الحرس الحديدي" جعله حيدر باشا تنظيمه الخاص داخل الجيش وأطلق
عليه اسم تنظيم "الضباط الأحرار" ، .. لكن الذي لم يخطر ببال حيدر باشا
أن الصغار سيخدعونه وأن التنظيم سينقلب عليه بعد أن اخترقتهC.I.A.
ومنحته الضوء الأخضر، والذي انتهى بفقدان
عرش الملك فاروق، وإلقاء حيدر باشا في "مزابل" التاريخ.
بما يعني أنه لم تكن هناك مذكرات.. إلا أنه في عام 1968 نشرت مجلة لايف Life ثلاث حلقات من مذكرات ادعت نسبها إلى المشير عامر، ثم اكتشفت الصحيفة زيف تلك المذكرات وأنها غير صحيحة، فتوقفت عن متابعة النشر.
الفصل الثالث :
ــــــــــــــــــــــــــــ
مذكرات
المشير عامر
يقول حسن التهامي في مذكراته : "أن المشير
عامر قد دفع حياته ثمناً لإصراره على التحقيق في أسباب هزيمة 5 يونيو 1967 ، ..
وأنه قد أُعطي سم لم يحتمله أكثر من ثانية واحدة، وعرفت
أنه كان سم "السيانور"، وعلمت فيما بعد الأسلوب الذي مات به عبد الحكيم
عامر حيث لفظ أنفاسه بين يدي انسان يحبه ويقدره وهو اللواء الليثي ناصف فلما سقط
عبد الحكيم عامر ميتا بين يديه اصيب الليثي بصدمة عصبية لم تفارقه حتى أرسله
السادات للاستشفاء في لندن، وهناك سقط من الدور العاشر بالمبنى الذي كان يسكن فيه
فمات ومعه سره الذي قصه عليّ"*(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) محمد سعد العوضي، حسن التهامي يفتح ملفاته من احتلال فلسطين
إلى كامب ديفيد، عبد الناصر .. السادات وسكين المخابرات الأمريكية ، دار ديوان ـ
القاهرة 1998 ـ ص 89،88
.. هكذا تتشابك
خيوط مأساة المشير عامر مع فاجعة الفريق الليثي ناصف لتضعنا أمام حالة من التحلي
بالجلد والصبر في فك تشابك الأحداث؛ لنمسك بطرف الخيط لنصل إلى أصل الحكاية .. لا
بأس؛ فقد تعودنا على هذا !!
.. ويقول صلاح
نصر في مذكراته أن:
" أحد ضباط
حراسة استراحة المريوطية التى قتل فيها عبدالحكيم عامر، كان قد أخبره فى فترة
لاحقة أن ما خرج من الاستراحة كان جثتين لا جثة المشير فقط، وأن عبدالحكيم عامر قد
تعرض للتعذيب بالتجويع والتعطيش والحرمان من ساعات النوم والضرب أحيانا فى فترة
احتجازه وعمليات الاستنطاق باستخدام عقاقير كيمائية أشرف على إعطائها له د.ابراهيم
البطاطا استمرت 24 ساعة كاملة حتى قتل، وأنه قد حدث اشتباك داخل حجرة المشير التى
كان يستجوب فيها داخل الاستراحة بمعرفة العقيد سعد زغلول عبدالكريم قائد البوليس
الحربي والعميد الليثى ناصف قائد الحرس الجمهوري والعميد سعيد الماحى، وكان هناك
أخرون يتواجدون لبعض الوقت للإشراف على عمليات غسيل الدماغ القذرة التي تمارس عليه
وانتزاع الاعترافات المطلوبة مثل الفريق عبدالمنعم رياض والفريق أول فوزي الذي كان
يكن مشاعر عدائية للمشير عامر الذي كان يطلق علية "وش القرد"، وأنه
أثناء اضطراب وصوت نقاش حاد خرجت إحدى الطلقات من سلاح أحد الحراس وقد أودت بحياة
الجثة الأخرى التى خرجت من الاستراحة وهو ما يفسر الدم الذى لوث غطاءات السرير.
والذى ذكر تقرير الطب الشرعى أنه "قد وجدت تلوثات على الملاءات يميل لونها
للحمرة."
يقول عبد الصمد
محمد عبد الصمد صديق المشير عامر وبلدياته وعضو مجلس الأمة عن دائرة سمالوط التي
تقع في دائرتها أسطال بلد المشير عامر ..
يقول عبد الصمد في كتابه بعنوان : "العشاء الأخير للمشير"*(2) :
ـــــــــــــــــــــــــ
·
(2) عبد الصمد
محمد عبد الصمد ، العشاء الأخير للمشير، دار التعاون للطبع والنشر ـ القاهرة 1979
"أن القرار
بتصفية المشير كان بغرض الحصول شرائط تسجيل يعترف فيها ناصر باكيًا بمسئوليته عن
القرارات التي جلبت الهزيمة"
ويضيف عبد الصمد
أن عامر : "وجه شتائم مقذعة إلى ناصر في ورقة شاهدها ـ عبد الصمد ـ
بنفسه"
الذي يريد عبد الصمد محمد عبد الصمد أن يوصله
إلينا أن الصراع بين عبد الناصر والمشير عامر بعد هزيمة 5 يونيو 1967 كان نوعاً من
"التضاغط" بين الرجلين لتحقيق قدر من الموائمة بين مصالح الرجلين على
جثة الوطن الذي أثخنته الهزيمة بالجراح،
ولم يكن هناك مانع لدى عبد الناصر أن يظل
المشير موجوداً على خريطة السلطة شريطة أن يبتعد عن الجيش وخيره بين ثلاث مناصب
( نائب رئيس الجمهورية ـ رئيس الوزراء ـ رئيس الاتحاد الاشتراكي) رفضها المشير
جميعاً، وأصر على أن يظل قائداً عاماً للجيش .
كان المشير عامر واثقاً إلى أن ناصر في النهاية
سيذعن لطلبه، وكان متأكداً أنه لن يغدر به؛ لأن والده الشيخ على عامر عمدة أسطال
قد جعلهما يقسمان على المصحف بألا يغدر أحدهما بالآخر !!، وبالتأكيد لم يكن المشير
يدرك أن زمن "العهود" قد انقضى وولى إلى غير رجعة وأن عبد الناصر قد
اتخذ قراراً بتحديد إقامة عامر، وأعد العدة لتنفيذ الخطة التي أطلق عليها أسم حركي
: "جونسون" للقبض عليه أثناء عودته من سهراته الليلية مسطولاً مع ثلة من
الضباط في ضاحية مصر الجديدة .. كانت الخطة تقضي بإلقاء القبض عليه في طريق صلاح
سالم أمام القلعة، ولكن أمين هويدي مدير المخابرات الأسبق في كتابه بعنوان :
"مع عبد الناصر" أكد أن تلك الخطة كانت مُعرضة للفشل بسبب أن المشير ربما
لا يكون مسطولاً بالقدر الكافي بما يقوي احتمال مقاومة المشير بما يلفت انتباه بعض
المارة من قائدي السيارات مما يشيع حالة من البلبلة لا تحتملها ظروف البلد "
.. يقول سامي
شرف في مذكراته بعنوان : "سنوات وأيام مع عبد الناصر .. شهادة شامي
شرف"* (3) التي صاغها في
صورتها النهائية المنشورة الصحفي عبد الله إمام عن "الخطة جونسون ":
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· ( 3) سنوات
وأيام مع عبد الناصر .. شهادة شامي شرف، مكتبة مدبولي ـ القاهرة 2006
"التقينا نحن الثلاثة في مكتبي عقب صلاة الجمعة
الموافق 25 أغسطس من العام 1967 شعراوي جمعة وأمين هويدي وأنا، دخلنا الي منزل
الرئيس، وفي الصالون قام الرئيس بالمراجعة النهائية للخطة وأقرها، وقال ان ساعة
الصفر هي الرابعة بعد الظهر من نفس اليوم"
ويضيف سامي
شرف:
"خرجنا الي مكتبي وقررنا تأخير بدء الاتصالات واستدعاء
المسؤولين الذين سيشاركون في التنفيذ لآخر لحظة ممكنة حيث اتصلت في الرابعة تماما
بالرئيس تليفونيا لأخذ موافقته النهائية علي بدء العملية.
عندما اكتمل وصول الذين استدعيناهم، عقد في مكتبي اجتماع
كان الحضور فيه كلا من: شعراوي جمعة وزير الداخلية، وأمين هويدي وزير الحربية
ومدير المخابرات العامة، والفريق أول محمد فوزي القائد العام للقوات المسلحة،
واللواء محمد أحمد صادق مدير المخابرات الحربية، واللواء حسن طلعت مدير المباحث
العامة، والعميد محمد الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري، والعميد سعد زغلول
عبدالكريم مدير الشرطة العسكرية، وتم تلقين الحضور كل فيما يخصه من واجبات حسبما
ورد في الخطة، مع التنبيه مشددا علي محاولة تفادي اطلاق النار قدر المستطاع".
المحاكمة:
المحاكمة:
ـــــــــــــــ
في الساعة السادسة والنصف بدأ وصول أعضاء مجلس قيادة
الثورة، وبعد نحو خمس عشرة دقيقة أي في السابعة الا ربعاً تقريبا وصل المشير
عبدالحكيم عامر.
ويقول السيد سامي شرف عن تلك اللحظات الحرجة : قمت مع
شعراوي جمعة بتنفيذ مهمتنا، وكانت تتمثل في اعتقال المرافقين للمشير ووضع سيارته
تحت الحراسة بعد تفتيشها في جاراج منشية البكري"
.. ووفق ما كان واردا في الخطة فقد دخل الي منزل الرئيس في
الساعة السابعة تماما كل من: أمين هويدي ومحمد المصري من مكتب سامي شرف،
وأحد الضباط الأحرار والعميد صلاح شهيب من الياوران، وأحمد شهيب من الضباط الأحرار
وعضو مجلس الأمة عن دائرة مصر الجديدة، وكان العميد محمد الليثي ناصف يمر باستمرار
حول المنطقة وداخل المنزل.
ويقول مدير مكتب
الرئيس عبد الناصر في مذكراته: بدأت من مكتبي والي جواري شعراوي جمعة في تسجيل ما
يدور داخل الصالون الرئيسي بمنشية البكري، وللتاريخ فان ما دار قد تم تسجيله
بالكامل، ولا أعلم أين توجد الآن هذه التسجيلات وان كنت قد أودعتها في أرشيف
التسجيلات السري للغاية في سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكري، وما أذكره
الآن أن حوارا تم أساسا بين جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، استعرض فيه الرئيس
تاريخ العلاقة الوطيدة والصداقة المتينة مع عامر وتطوراتها علي مدي السنوات
الطويلة السابقة، وعلي الرغم من انه كان من الواجب مساءلة المشير عامر عما حدث في
أزمات 1956 و1961 و1962 بالدرجة الأولي وغيرها وأخيرا ما حدث في يونيو1967 فقد تم
احتواء كل هذه الأزمات بتأثير الصداقة، وحفاظا علي وحدة القيادة ووحدة البلاد،
واستطرد الرئيس موجها كلامه للمشير بما نصه حسبما أذكر بقدر الامكان:
"...ولكن كونك تتآمر يا عبدالحكيم ـ وليس يا حكيم كما كان
يناديه باستمرار وكما تعودنا كلنا علي سماعه ـ فهذا وضع لا يمكن قبوله أو السكوت عليه، ويعني
أيضا أنك تتنكر للاتفاق الذي تم بيننا عقب نجاح الثورة في 23يوليو، من أن أي واحد
فينا من أعضاء مجلس قيادة الثورة اذا اختلف أو لم يكمل المسيرة لأي سبب، لا يتآمر". ؛ فقاطعه المشير عامر قائلا:
"أنا لا أتآمر ولم أتآمر وأنا بأرفض كلامك ده!".
فرد الرئيس قائلا: "انت تآمرت فعلا وسوف أذكر لك حادثة
واحدة من وقائع ثابتة، عندي الكثير منها وبأقول لك: انت بعثت بسكرتيرك محمود أحمد
طنطاوي للفريق صدقي محمود من خمسة أيام برسالة تتضمن انك تنوي الاستيلاء علي
السلطة، وانك تطلب من صدقي محمود أن يشترك معاك ويحضر لمقابلتك، ولكن صدقي أبدي
عدم موافقته لدرجة أن حرم الفريق صدقي شتمت سكرتيرك وطردته من المنزل وقفلت الباب
بشدة خلفه، ودي واحدة من آلاف غيرها.
ويستطرد سامي شرف قائلاً أن: "عبدالناصر أضاف
مخاطبا عامر.. تحب نقول وقائع تآمرية تانية علشان الاخوة كمان يعرفوا ويتأكدوا من
اللي بيحصل من تصرفات غير مسؤولة، وغير محسوب المصائب اللي حا تترتب علي المضي
فيها بلا حساب لما نحن فيه من وضع حساس داخليا وخارجيا؟ فسكت المشير لكن عبد
الناصر استطرد قائلا:
" أنا في الحقيقة موش عارف ليه انت بتربط نفسك بالقوات
المسلحة وبقيادة الجيش، هل احنا لما قمنا بالثورة كان هدفنا أن أتولي أنا رئاسة
البلد وانت تتولي قيادة الجيش ؟..
عايز أفكركم كلكم وانت بالذات مين اللي رشحك، واقترح وأصر
علي تعيينك قائدا عاما موش أنا اللي كنت وراء هذا التعيين؟،*(4)
واذا كان الأمر كذلك طيب ألم يكن من الطبيعي بعد الانفصال وما حدث وموقف الجيش ومكتبك هناك ودورك أن تحاسب علي ما حدث؟ .. حتي بعد ذلك ألم تكن هناك أكثر من مؤامرة ضد النظام ضبطت وهي من صنع رجال يعملون في مكتبك يا عبدالحكيم؟.
واذا كان الأمر كذلك طيب ألم يكن من الطبيعي بعد الانفصال وما حدث وموقف الجيش ومكتبك هناك ودورك أن تحاسب علي ما حدث؟ .. حتي بعد ذلك ألم تكن هناك أكثر من مؤامرة ضد النظام ضبطت وهي من صنع رجال يعملون في مكتبك يا عبدالحكيم؟.
ـــــــــــــــــــــ
· (4) كان هدف مجلس قيادة
الثورة من ترقية عبد الحكيم عامر من رتبة الصاغ إلى رتبة اللواء هو التخلص من نجيب
وإحكام السيطرة على الجيش، نشرت جريدة "المصري" في
صباح يوم 19 يونيو 1953 أنه قد صدر الأمر في ساعة متأخرة من الليل بترقية الصاغ عبد الحكيم
عامر إلى رتبة اللواء، وقد أهدى اللواء أركان حرب محمد نجيب رئيس الجمهورية كاب
محلاة بالقصب المذهب والشريط الأحمر، والتي يلبسها لواءات الجيش فضلاً عن علامة
رتبة اللواء التي توضع على الكتف؛ ليستطيع عبد الحكيم عامر لبسها عند حضوره أمس .
بعد وبعد عشرة أيام
كان الصاغ صلاح سالم وزير الإرشاد قد وصل إلى المحلة وألقى خطاباً يشرح فيه أسباب إعلان الجمهورية واشتراك رجال الثورة في
الوزارة، وتطرق إلى موضوع ترقية عامر من رتبة الصاغ إلى رتبة اللواء قائلاً
: "إنها ضرورة لحماية الثورة ".
ويقول سامي شرف في مذكراته أن المشير لم يتمالك اعصابه عند
هذا الحد من اللقاء، فانفعل وبدأ يفقد أعصابه فقال له الرئيس: الأمور واضحة..
انت راجل متآمر وعليك أن تقدر الموقف الصعب اللي بنمر فيه وعليك أن تلزم بيتك من
الليلة.
عبد الناصر اقام محاكمة للمشير في منشية البكري بحضور مجلس
قيادة الثورة والمشير يقول لامين هويدي: رتبتم كل حاجة .. واضح ان الحكاية محبوكة
علي الاخر !!
وبالطبع رفض
عبدالحكيم عامر بشدة هذا القرار، وهو ما دفع بعض الحاضرين ـ الأصوات كانت
متداخلة لكن كان من بينهم صوت السادات ـ الي محاولة اقناع المشير بقبول هذا
القرار، إلا أنه قال لهم في غضب:
"انتم بتحددوا اقامتي وبتحطوني تحت التحفظ قطع لسانك
يا...
"
ويقول سامي شرف أن عبد الحكيم عامر وصف أنور السادات في تلك
الليلة كما سبه بما يعف اللسان عن ذكره. * (5 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
( 5) علمت من بعض المصادر الأخرى أن كلمة :" قطع لسانك
" كانت موجهه من المشير إلى عبد الناصر ، أما الشتائم التي وجهها المشير إلى
السادات فكانت : " ما بقاش غيرك يا نسناس يا بربري .. يا ابن العبدة
اللي عايز يحدد إقامتي" وأن حسين الشافعي قال للمشير : " عيب أختشي
" فرد عليه :" إخرس يا فرزيان "، وتلك كانت الأسماء التي يتداولها
كل من عبد الناصر وعامر في حديثهما عن رفاق السلاح وزملاء الانقلاب؛ فالسادات هو :
"النسناس" و"البربري" و"ابن العبدة"، وحسين الشافعي
هو: "البقرة الفرزيان "، وزكريا محيي الدين هو : "الأصفراوي"
!!
.. وفي كل الأحوال فإن ادعاء سامي شرف اختفاء التسجيل يفتح
الطريق أمام حكايات كثيرة تتسم بالمرونة والميوعة وتفتقد الدقة الواجبة !!
لم يكن أنور السادات يجرؤ على إغضاب المشير أو المساس به فقد عاش في حمايته
طوال حياته بعد أن اقتسم الرجلين (عبد الناصر وعامر) مواطن القوة في السلطة في
الوطن .. لكن الظروف قد تغيرت الأن وغربت شمس دولة المشير، وأن الخيار الراجح
لبهلوان سياسي مثل السادات هو القفز من مركبه الذي أوشك على الغرق.
كان أنور السادات يرى أن
:
( هناك علامة استفهام تظهر في الأفق كبيرة واضحة ، كلما كان الأمر عند
"عبد الناصر" يختص بـ "عبد الحكيم عامر").
وكان رأى السادات أن سبب
ذلك :
"أن عبد الناصر لم يكن يستطيع أن ينشئ علاقة صداقة بمعنى الكلمة مع أى
إنسان لأنه كان متشككاً دائما، وحذراً، ومليئاً بالمرارة، وعصبي المزاج، ولا ينتمي
إلى ذلك الصنف من الذي تحركهم مشاعرهم تجاه الأخرين ".
.. ولأن سامي شرف شخص مراوغ وفقا لطبيعة عمله في مجال
الاستخبارات؛ فقد راح يلف ويدور حول حقيقة إعداد الخطة "جونسون" فلم
يذكر صراحة أن الذي قام بإعداد الخطة "جونسون" هو زكريا محيي الدين وأن
عبد الناصر كان أحد عناصر التنفيذ، وقد أوكل إليه في هذه العملية دور :
"القيام بدعوة المشير إلى العشاء" .. وقد جلس زكريا محيي الدين يراقب
تنفيذها بوجه جامد خلت ملامحه من أي تعبير يدل على شئ !!
يروي عبد الصمد
أن المشير ايضاً وضع خطة لمعركة حربية في مواجهة محاولة عبد الناصر لاعتقاله،
معتمدًا على ما عنده من رجال وأسلحة متوسطة ومدافع صغيرة وقنابل يدوية، ومراهنًا
على تدخل الجيش إلى جواره، وكان عامر يعتقد أنه حتى لو لم ينتصر، فالمهم أن يكون
قد قاوم جمال؛ لأنه لو لم يفعل فلن يقاومه أحد إلى يوم القيامة، حسب نص تعبير
المشير الذي كان يكرره كثيرًا للمحيطين به.
كان المشير عامر
يعلم أنه يضغط على أعصاب صديقه، بتجمهر رجال عامر في بيته وحول بيته، خاصة وأن عبد
الناصر كان على وشك الذهاب إلى مؤتمر القمة العربية في الخرطوم، الذي كان سينعقد
يوم 27 أغسطس 1967، ولم يكن عبد الناصر يستطيع الاعتذار عن حضوره، كما أنه أيضًا
لم يكن يستطيع الذهاب إلى المؤتمر، تاركًا عبد الحكيم في مصر قريبًا من كرسي
الرئاسة؛ ولذلك راهن المشير رجاله في إحدى جلساته، على أن "جمال سيضعف وسيطلب
مقابلته قبل السفر"، وقال عامر إن ذلك لو حدث، فإنه سيذهب من تلقاء نفسه إلى
عبد الناصر ويقول له:
"سافر وأنا
موافق على كل شروطك وأطمئنك"
كان المشير
سيعتبر نفسه وقتها قد انتصر في معركة الكرامة، التي كانت هدفه الوحيد طبقًا لما
يرويه عبد الصمد، الذي يؤكد نقلًا عن عامر، أن جمال أيضًا كان سيسافر وقتها؛ لأنه
كان سيتأكد أن عامر لن يغدر به طالما أعطاه كلمة، وتفسير تلك الثقة في رأي عبد
الصمد الذي ينقله عن عامر، تفسير عجيب يليق بالاثنين وبطبيعة علاقتهما، وهو
"القسم الذي أدياه على المصحف أمام الشيخ على عامر" .
يقول عبد الصمد
بأسى بالغ، إن عامر لم يتوقع خروج جمال على ذلك القسم المقدس؛ لذلك لم ينتبه إلى
خدعته له، حين وافق على أن يتصالحا بزعم أنهما يجب أن يسافرا سويًّا إلى الخرطوم؛
ولذلك وافق عبد الحكيم على طلب عبد الناصر بأن يأتي إليه عبد الحكيم في بيته، مساء
الجمعة 26 أغسطس 1967، ليتناول معه العشاء، وليتباحثا في أعمال مؤتمر الخرطوم قبل
سفرهما سويًّا، بينما كان ناصر قد أعد "خطة العشاء الأخير" للقبض على
عامر، فور دخوله بيت عبد الناصر، ليتم في نفس الوقت اعتقال من في بيت عامر، ونزع
أجهزة التنصت من داخله، خاصة أن عبد الناصر كما يقول عبد الصمد، كان يعلم أن أحدًا
من رجال المشير، لن يقاوم القوات القادمة إلى البيت، إلا إذا تلقى أمرًا مباشرًا
من عامر، وأنه كان يعلم أيضًا أن عامر لن يرفض طلب العشاء؛ لأنه كان قد زار عبد
الناصر في بيته أكثر من مرة، منذ اندلاع الأزمة بينهما، ولم يحدث له شيء؛ ولذلك
فقد كان رفضه طلب العشاء سيظهر ذعره وشكه، وهو أمر لا يمكن أن يتسق مع شخص مشغول
طول الوقت بكرامته ومظهره أمام رفيق عمره .
وينتهي عبد الصمد محمد عبد الصمد إلى المشير عامر سقط في الأسر وسقطت تكتيكًاته
التي يتبعها مع ناصر والتي يرى عبد الصمد محمد عبد الصمد أن المشير كان يستمدها من
جلسات لعب البوكر التي جمعتهما قبل الثورة .. والتي كانت تعتمد على الخداع
"البلف" والتشويش والتهويش!!
ويمضي عبد الصمد
محمد عبد الصمد في سرد هذا المدخل الغريب والمثير لتحليل العلاقة بين ناصر وعامر،
فيرى عبد الصمد أن تلك الطريقة في المقامرة، استمرت طيلة علاقة الاثنين أثناء
سنوات الحكم؛ فرغم أن أوراق جمال كانت دائمًا هي الأقوى ومكشوفة فقد كان له
الرئاسة؛ إلا أنه في جميع الأزمات كان عبد الحكيم بسبب قوة أعصابه هو الذي ينتصر،
حتى جاءت الأزمة الأخيرة التي يصح فيها قول المقامرين "الحساب على
السلم"، أي إنها كانت اللعبة "الأخيرة والحاسمة".
شريط الذكريات
الأسود
أمام عيني
المشـــــير :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع اللحظات
الأولى من سجنه وتحديد إقامته جبريا راح المشير يسترجع شريط الذكريات الأسود ؛ فلم
يكن يتخيل أن ما فعله باللواء محمد نجيب سيأتي اليوم الذي يفعله ضباطه معه، وأنه
قد جاء الوقت لـ "تقفيل الحسابات" وسداد الفاتورة .. كان المشير عامر قد
صعد إلى مكتب نجيب هو والصاغ حسن ابراهيم ليبلغاه بقرار عزله .
.. وبعدها ـ
وحسب السيناريو المرسوم ـ يصعد إليه الصاغ صلاح سالم ليكيل إليه وابل من الشتائم
والإهانات !!
ليأتي المشهد
الأخير بدخول العقيد أحمد أنور قائد البوليس الحربي وجنوده ليوسعون اللواء محمد
نجيب صفعاً وركلاً، واقتياده إلى مقر إعتقاله .
.. رنت في أذني
المشير عامر صدى أوامر الفريق محمد فوزي للجنود : "جروه من رقبته".. همس
لنفسه هذا أنت يا عامر قد هنت على الجميع، وتساق من رقبتك مثل البهائم إلى المجهول
.. فرت دمعه عزيزة من عين المشير حيث لا ينفع ندم ولم تسطيع تطهيره من أوزاره!!
.. ويتذكر
المشير كيف أطلق العنان لضباطه لاستباحة أعراض نساء مصر .. وكيف أن ضابط قد عاكس
فتاة من حي بولاق فتصدى له شباب الحي، ولم تمض نصف الساعة حتى أحضر ذلك الضابط
جنود كتيبته في تجريدة لتأديب أهالي الحي.. وبعد أن علم المشير بالواقعة أصدر
قراره بترقية ذلك الضابط المجرم ترقية استثنائية قائلاً : "عفارم عليه الظابط
ده .. ده واد مجدع" .*( 6)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
( 6) وجيه أبو
ذكري، مذبحة الأبرياء في 5 يونيو 1967، المكتب الفني الحديث ـ القاهرة 1988
.. ونزلت دمعة
ساخنة على وجهه ألهبت أحزانه التي لم يلتفت إليها جلادوه!!
وتذكر كيف خلط الخاص بالعام فتحت ما أسماه بـ
"تصفية الإقطاع" أنتهك حرمات قرية كمشيش إرضاء لصهره حسين عبد الناصر
الذي ربطته صداقة بالسيدة شهندة مقلد الذي قتل زوجها بطلق ناري في الرأس في حادث
ثأر على يد أفراد من عائلته .. وبدلاً من
تبحث شهندة عن القاتل الحقيقي أشارت بأصبع الاتهام إلى عائلة الفقي لتلبس قضية
زوجها ثوباً قومياً يليق بمغازلة الدول الشيوعية التي تدفع !!؛ فصدر أمر المشير
بالقبض على كافة أفراد عائلة الفقي (شمل الاتهام 370 رجلاً) وإذاقتهم صنوف العذاب
وألوان الهوان وإجبار رجالهم على ارتداء ملابس النساء، وعلى أكل علف البهائم، وربط
ألجمة الحمير أفواههم ووضع برادع الحمير على ظهورهم وإجبارهم على المبيت مكدسين في
"عشش الفراخ" لحين الترحيل إلى السجن الحربي حيث اقتادوھم
إلى مبنى الشرطة
العسكریة ومنھا
إلى السجن
العسكري،
وواصلوا تعذیبھم بالتعلیق في
فلقة والضرب
بقبضة الید
وبالسوط وبقطع
الحدید والركل بالأقدام وإطلاق
الكلاب علیھم
لعقرھم ونزع
أظافر الید
والوضع في
زنزانات مغمورة بالمیاه، كل
ذلك بقصد
حمل المتھمین
على الادلاء
باعترافات وحمل الشھود
على الادلاء
بشھادات ضد ھؤلاء
المتھمین، وإجبار النساء على البصق في وجوه أزواجهن
ومنادتهم بأسماء وصفات نسائية، والتھدید باعتقال
الزوجات، ..
وسجلت التقاریر الطبیة آثار
التعذیب..!!
.. في مقابلة لي
مع الرائد رياض ابراهيم ـ ضابط السجن الحربي الذي أعطى نفسه رتبة ولقب اللواء بدون
مسوغ رسمي أو قانوني ـ في مكتب محاميه الأستاذ
عمر حجاج الشال المحامي بشارع عبد العزيز حاولت تسجيل شهادته بصفته أحد الذين
قاموا بأحداث الرعب في كمشيش، والذي انتزع التحقيق من أيدي النيابة العامة كرهاً
بحجة أن لديه معلومات هامة، وأن المتهمين لن يعترفوا إلا علي يديه !!
.. كان الرجل ـ
الرائد رياض ابراهيم ـ موتوراً وبذيئاً ويأتي بحركات غير متوقعة تفتقد الرصانة
والأدب .. إضافة إلى عدوانية غير مبررة !!
.. كنت قد
استمعت إلى بعض الشهادات من أهالي كمشيش وكان أهمها شهادة حسن الفقي "مساعد
سابق بالقوات المسلحة" ـ حاليا متقاعد بالمعاش ـ وبمناقشته في تلك الشهادة
كان واعيا بتسلل الأحداث ودقة التواريخ بما يتفق مع المثبت في أوراق القضية
والمكاتبات الصادرة من المكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي العربي بالمنوفية،
والموقعة كمال الشاذلي والتي احتوت على ما هو مكذوب عن عمد بغرض الكذب لذاته!!.
.. وكانت اللقطة
قبل الأخيرة في شريط الذكريات الأسود للمشير، جثث القتلى على أرض سيناء، ومشهد
مبادلة الجنود الإسرائيليين للأسرى المصريين ببطيخة وعلبة سجائر !!
وكان المشهد الأخير عندما أشاح عنه
الفريق عبد المنعم رياض وهو يغالب تأثره عندما سأله عامر بصوت كسير :
"هل يرضيك ما حدث؟!" ورد الفريق عبد
المنعم رياض عليه وهو يغالب تأثره قائلاً : "سيادة المشير، اتركنا
نحارب".
كان رد الفريق
رياض يعني أن لا أحد لديه الوقت لسماع ترهات المشير عما يصح، وما لا يجوز من وجهة
نظره؛ فالواقع الكارثي أكبر من تعاطف مع شخص أيا كان!!
.. هكذا رأي
المشير نفسه في مرآة أعماله، ورأي الهوان في أفعال رجاله وسمع الإساءة في كلماتهم
.
.. كل هذا يرجح
احتمال الدفع بالمشير عامر في اتجاه الانتحار، .. لكن هل انتحر الرجل ؟!
من المفارقات التي تنطوي على سخرية القدر أن
النائب العام المستشار محمد عبد السلام الذي حقق في موت المشي عامر وانتهي إلى قيد
الواقعة انتحاراً و أن
المشیر ھو
الذي تناول
السم بنفسه وبمحض إرادته،
أيضا بعد هزيمة 5 يونيو 1967 هو الذي أعاد فتح التحقيق في تعذيب أهالي كمشيش ..
ذلك التعذيب الوحشي الذي وقع
على كل
من وجھت إلیه تھمة
أو مجرد
شبھة وعلى
كل من
قیل أن
لدیه معلومات یخفیھا
في قضیة الجنایة
رقم ٢٢967
/ 1 أمن
دولة علیا،
المعروفة بقضیة كمشیش،
والخاصة بقتل صلاح
الدین محمد
حسین
.*(7 )
ـــــــــــــــــــــــــــــ
·
( 7) المستشار
محمد عبد السلام، سنوات عصيبة، مذكرات نائب عام، دار الشروق ـ القاهرة 1975
***
هذا ما ينفيه
بشدة عبد الصمد محمد عبد الصمد الذي يكشف في نهاية كتابه، أن المشير عامر كتب
مذكراته بشكل تفصيلي، راويًا فيها شهادته الكاملة على هزيمة 1967، معتبرًا أن تلك
المذكرات كانت أهم أسباب صدور قرار التخلص من المشير، وموجهًا أصابع الاتهام في
اختفاء تلك المذكرات، إلى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، الذي يقول عبد الصمد إنه
كان يزور المشير بصفة شبه يومية، في عز أزمته مع عبد الناصر، وكان يقول لعائلة
المشير:
"إذا كان
المشير مش حيرجع أنا حابطّل الكتابة، ومش حاكتب حرف واحد".
وذات يوم من أيام شهر أغسطس، وعندما جاء هيكل
لزيارة المشير كعادته، وجده منهمكًا في الكتابة، ففاجأه المشير بقوله:
"جيت في
وقتك ياهيكل، إنت طبعًا فاكر كلامك بعدم اطمئنانك لجمال ووعدي لك بالوقوف جانبك،
النهارده جه دورك، أنا انتهيت من كتابة مذكراتي عن الحرب، وحكيت السر الخطير اللي
بيننا أنا وجمال، لمصلحة مصر والتاريخ، وإذا حصل لي حاجة عايزك توعدني بعد ما تقرأ
اللي كتبته وتحفظه، وإذا جه وقت النشر تنشره"
.. وطلب المشير
من هيكل أن يأخذ المذكرات ليقرأها ثم يعيدها، أو حتى يصورها في بيته، ويقول عبد
الصمد إن المشير لم يفعل ذلك سذاجة منه، فقد كان حذرًا من هيكل طول الوقت، هو
وعائلته أيضًا، لكنه كان يريد من هيكل أن يبلغ عبد الناصر بتلك المذكرات، لتكون
إنذارًا أخيرًا لعبد الناصر بأن يستجيب لمطالبه، خاصة أن تلك الأسرار التي حكاها
في مذكراته، هي في رأي المشير سبب عدم موافقة عبد الناصر على سفره إلى إيطاليا هو
وشمس بدران.
وعن مصير
المذكرات بعد أن أخذها هيكل طبقًا لرواية عبد الصمد محمد عبد الصمد، يكشف أنه قرأ
تلك المذكرات هو وعدد من رفاق المشير المقربين، ويبدأ في نقل ما جاء فيها من أسباب
سياسية وعسكرية للهزيمة من وجهة نظر عامر، الذي يرى أن سبب الهزيمة السياسي الأهم،
هو رفض عبد الناصر لمبادأة إسرائيل بالضربة الأولى، ورفضه لاقتراح المشير بالقيام
بعمليات استفزاز عسكري لإسرائيل، والتي بدأ المشير في تنفيذ بعضها رغم رفض عبد
الناصر، لولا أن إسرائيل تنبهت واستنجدت بالرئيس الأمريكي، الذي حذر مصر من البدء
بالضرب وتم إبلاغ التحذير للروس، الذين يعتبر المشير أن موقفهم كان في "غاية
الغدر والخسة"، ليستدعي عبد الناصر المشير عقب ذلك، ويحذره من التهور، وهنا
يستخدم المشير لغة البوكر المفضلة لديه، فيصف ما حدث بأنه كان "كوه" أو
"ملعوب" بلغة البوكر قامت به أمريكا وروسيا وشربه جمال قابلًا أن يرتمي
في أحضان الغدر والخيانة الروسيين".
ما قاله له
الضباط بوجوب البدء بالضربة الأولى المصرية، لكي لا يتكرر أما عن الأسباب العسكرية
للهزيمة؛ فيقول المشير في مذكراته إن أهمها كان تدخل جمال في كل صغيرة وكبيرة،
وقيامه بفرض رأيه على جميع القادة العسكريين، بحجة أن المعركة العسكرية تخضع
للمعركة السياسية، وأنه رفض ما حدث في حرب السويس، فما كان من عبد الناصر إلا أن
عنّفهم وهدّدهم بالعقوبات، فضلًا عن رفض عبد الناصر خطة دفاعية وضعها المشير تقضي
بإخلاء غزة، للتمركز في مواقع يمكن بعد بدء الهجوم الإسرائيلي، أن يقوم الجيش
المصري انطلاقا منها، بالهجوم على النقب؛ لتدور المعركة في أرض إسرائيل، فلا
تفيدها طائراتها حتى إذا نجحت الضربة الجوية الأولى لها، وحسب ما يروي عبد الصمد
نقلًا عن مذكرات عبد الحكيم، فإن عبد الناصر قال عند رفضه لهذه الخطة :
"إزاي أنسحب من غزة، والبرستيج بتاعنا،
وأقول إيه للعرب؟"
.. مما جعل عبد
الحكيم يتهكم على حكاية برستيج عبد الناصر بعد الهزيمة، متسائلًا: "طب هيقول
إيه للعرب في مؤتمر الخرطوم"، مضيفًا أن عبد الناصر طلب وبإلحاح شديد، تقوية
القوات المصرية الموجودة في غزة، لتكون هذه التقوية سببًا في إضعاف الخطوط
الدفاعية في سيناء، قائلًا إن طلب الانسحاب السريع بعد خسائر ضرب الطيران، كان عبد
الناصر هو الذي أصدره دون تشاور بل قال "ده أمر يا عبد الحكيم"، ويروي
المشير في مذكراته أنه عندما أمر بسحب الفرقة الرابعة أفضل فرق الجيش إلى غرب القناة
وهي سليمة، غضب عبد الناصر وأمر بإعادتها إلى موقعها، فضربها الطيران الإسرائيلي
وحققت خسائر ضخمة في الأرواح
شرائط تسجيلات :
ــــــــــــــــــــــــــــ
لم يكن هذا فقط،
أخطر ما يرويه عبد الصمد نقلًا عن المشير عامر؛ فهو لا يتحدث فقط عن مذكرات مكتوبة،
بل يتحدث عن شرائط تسجيل عليها وقائع اجتماع بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر،
يعترف فيه ناصر باكيًا بمسؤوليته عن الهزيمة، زاعمًا أن عبد الناصر قال له بالنص:
"سامحني ياعبد الحكيم أنا غلطت لما ما طاوعتكوش إنت وصدقي ـ يقصد قائد
سلاح الطيران صدقي محمود الذي تمت محاكمته بعد ذلك ـ والطيارين وكل اللي كانوا عايزين نضرب
الأول"، قبل أن يضيف ناصر أنه : " سيتحمل المسؤولية مع عامر، وأنهم
ماداموا يستقيلون جميعًا فلا ضرورة لتوزيع المسؤولية علنًا".
يزعم عبد الصمد
نقلًا عن المشير، أن ذلك الاجتماع الخطير، تم تسجيله على شرائط موجودة من أربع
نسخ؛ إحداها كان عند جمال عبد الناصر شخصيًا، والثانية عند سكرتيره سامي شرف،
والثالثة في دار الإذاعة التي كانت ترسل فريقًا فنيًا لتسجيل وقائع الاجتماعات،
وحفظها في مكان سري بمعرفة الأجهزة السيادية، أما النسخة الرابعة التي احتفظ بها عامر،
فيرجح عبد الصمد أن يكون قد تم العثور عليها عند مداهمة بيت المشير وتفتيشه،
زاعمًا أن عبد الناصر قال لسامي شرف: "إلحق، لِمّ الشرايط لاحسن دي تودينا في
داهية"؛ لأنه كان يعلم خطورة تلك التسجيلات، لكن عبد الصمد لا يقدم تفسيرًا
مقنعًا، لما يمكن أن يجعل عبد الناصر يقبل بتسجيل ذلك الاجتماع الخطير، لكن سياق
شهادته يوحي أن ذلك الاجتماع، تم في ظروف كان عبد الناصر فيها في غاية الارتباك
المعنوي والعاطفي؛ مما جعله يتساهل في الاعتراف بمسؤوليته عن الهزيمة.
يروي عبد الصمد
أيضًا أن المشير عامر، ولكي يحتاط ويطمئن إلى وصول شهادته للناس بأي شكل، قام
بكتابة نسخة أخرى من مذكراته باللغة الإنجليزية، قائلًا إنه يفعل ذلك بهدف الدفاع
عن سمعة جيش مصر وقياداته لكي لا تلتصق بهم تهمة الإهمال من أجل تبرئة عبد الناصر،
راويًا أن تلك النسخة الإنجليزية من المذكرات، قام بتهريبها إلى خارج مصر، أحد
شباب أسرة المشير ـ وصفه بأنه (فتى من أسرة المشير) ـ ليتم نشرها في بعض الصحف
العربية الصادرة في بيروت، وعدد من الصحف العالمية بلغات مختلفة، ولأن هيكل شكك في
نسبة تلك المذكرات للمشير، بسبب ركاكة لغتها العربية، يرد عليه عبد الصمد قائلًا،
إن سبب تلك الركاكة هو رداءة الترجمة عن الأصل الإنجليزي الذي كتب به المشير، الذي
كان يجيد الإنجليزية، لكنه ربما استعان بمن يساعده في الكتابة بالإنجليزية، لكن
يبقى التناقض الزاعق في رواية عبد الصمد لوقائع تلك الأيام الأخيرة من حياة
المشير، هي التناقض بين ما يحكيه عن ثقة عامر في التزام ناصر بالقسم الذي قطعة كل
منهما على نفسه على المصحف أمام والد عبد الحكيم الشيخ على عامر بألا يغدر أحدهما
بالأخر!! وبين حذر عامر من غدر ناصر به،
لدرجة تجعله يحرص على إيصال روايته للعالم!!
ذلك التناقض
الصارخ ، يحاول عبد الصمد محمد عبد الصمد تفسيره، بالتأكيد في أكثر من موضع في
كتابه بأن عامر ظل حتى آخر لحظة يتوقع
الاعتقال، لكنه لم يتوقع أبدًا القتل
شهادة الجمسي :
ــــــــــــــــــــــــــ
يقول محمد عبد
الغنى الجمسى فى مذكراته ( وبينما كنت أجلس مع اللواء أحمد إسماعيل ليلا فى جبهة
القناة نراجع-كالمعتاد يوميا ـ نشاط العدو فى سيناء ونواياه فى الفترة القصيرة
القادمة ، وكذا نتائج أعمال قواتنا ، قبل أن يتوجه كل منا إلى خندق النوم المخصص
له، دق التليفون وكان المتحدث هو الفريق أول محمد فوزى من القاهرة .
كان هدف
المكالمة هو إخطارنا بانتحار المشير عامر فى منزله بمادة سامة شديدة المفعول كان
يخيفها ملاصقة لجسمه تحت الملابس الداخلية، ولكن الكشف الطبى أجرى عليه بواسطة
لجنة طبية على مستوى عال بالدولة ، وانه سيعامل معاملة أى منتحر آخر بالنسبة
لتشييع جنازته بعد تسليم الجثة لأسرته . ومعنى ذلك أنه لن تكون هناك أى مراسم عند
تشييع الجنازة .
أخذ اللواء أحمد
إسماعيل يناقشنى فى رد الفعل المنتظر لهذا الحادث بين القوات فى الجبهة ، ووصلنا
إلى نتيجة مؤكدة هى ان انتحار المشير عامر لن يكون له تأثير عام فما زالت حرب
يونيو باحداثها ونتائجها المريرة تترك أثرها العميق فى نفوس كل العسكريين بعد ان
فقدنا سيناء ، واستشهد لنا الآلأف من رجال القوات المسلحة ، ولم يكن احد قد نسى
دوره فى الهزيمة كقائد عام للقوات المسلحة . واستعدنا معا الحالة السيئة التى وصلت
إليها القوات المسلحة فى ظل قيادته ، وكان ذلك سببا رئيسيا من أسباب الهزيمة.
وأصدر النائب
العام المستشار محمد عبد السلام قراره فى الحادث يوم 10 / 10 / 1967 وجاء فيه :
" وبما أنه
مما تقدم يكون الثابت أن المشير عبد الحكيم عامر قد تناول بنفسه عن بينة وإرادة
مادة سامة بقصد الانتحار، وهو فى منزله وبين أهله يوم 131967\9
\ ، قضى بسببها نحبه فى
اليوم التالى، وهو ما لا جريمة فيه قانونا
. لذلك نأمر بقيد
الأوراق بدفتر الشكاوى وحفظها إداريا" .
وكان ذلك هو
المصير النهائى للمشير عامر ، الذى كان برتبة رائد عند قيام ثورة 23 يوليو 1952 ،
وبعد أقل من عام ترقى لرتبة اللواء مع تعيينه قائدا عاما للقوات المسلحة فى 18
يوينو 1953 ثم ترقى بعد حوالى 5 سنوات إلى رتبة المشير فى 20 فبراير 1958 ، وأصبح
نائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة )* ( 8)
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* ( 8) مشير محمد عبد الغنى الجمسى، مذكرات حرب أكتوبر
1973، المنشورات الشرقية ، ط 2 ـ باريس 1990
وفي مذكرات برلنتي عبد الحميد بعنوان : "المشير .. وأنا"*(9) حاولت برلنتي
إدخالنا بنعومة عبر الحكي في صورة رواية من رويات العشق إلى دوامة الصراع بين
رجلين أدمنا خمر السلطة (المشير عامر والرئيس عبد الناصر)، وفي سبيل بلوغ نشوتهما
داسا بأحذيتهما على لحم الوطن الذي أثخنته جراح الهزائم المتتالية على أيديهما في
56 وسوريا واليمن وانتهاء بالهزيمة الثقيلة في 67، وشغلتنا بمحاولة دحض قصة انتحار
المشير، والتأكيد على خبر قتله بالسم!!
ــــــــــــــــــــــ
·
( 9) برلنتي عبد الحميد، المشير .. وأنا، مكتبة مدبولي الصغير ـ القاهرة
1992
..وظلت برلنتي تغزل
الأحداث في بنية سردية من وجهة نظرها حتى أوصلتنا إلى كيف سقط المشير عامر في طبق
"الجيلي"!!؛ لتعطي نفسها المسوغ الشرعي والقانوني للحديث في
قضية المشير لكونها ذي صفة صفة وصاحبة مصلحة رغم أنها لم تحتفظ بلقب "أرملة
المشير" طويلاً فقد تزوجت بعد موته ثلاث زيجات إحداها بابن شقيقه الشاب أمين
عامر.. "المسكوت
عنه" في مذكرات السيدة برلنتي كثير، لكننا نمسك عن الخوض في تفاصيله لكونها
لا تفيد بحثنا، لكن ما لا يمكن السكوت عنه هو أن السيدة
برلنتي قد ذكرت
في ص 375:
"
قلبوا المنزل
رأسًا على عقب، بحثوا، ومزقوا، وحطموا.. ونقلوا كل ما وجدوه في المنزل من أوراق،
وبدا أنهم يبحثون عن أشياء معينة.
وقد عثروا على مذكرات المشير عن أسرار حرب يونيو 1967".
وقد عثروا على مذكرات المشير عن أسرار حرب يونيو 1967".
ولم يظهر لهذه
المذكرات أثر بعد ذلك.
كما عثروا على شريط مسجل عليه كل ما دار قبل
وأثناء حرب يونيو.
ويروي أمين (أمين عامر ابن شقيق المشير، والزوج
الثالث لبرلنتي عبد الحميد خلفاً لعمه المشير عامر) أن هذا
الشريط، كان في حوزة عمي إلى أن لاحظ تزايد الحشود العسكرية حول البيت، فأخذ
يبحث عن مكان يخفي فيه هذا الشريط، فأخفاه وراء لوحة معلقة في غرفة الصالون. "
وهو كلام عار
تمامًا من الصحة فطبائع الأمور، وشواهد مجرياتها تؤكد أن المشير لم تتح له الفرصة
ليكتب مذكرات عن ظروف النكسة في ظل الحياة المضطربة التي عاشها بعدها، ومحاولة
احتواء تداعياتها وبين إقالته في 11 يونيو 1967، وسفره إلى بلدته أسطال للإقامة
فيها، ومحاولة تدبير أمور معاشه هناك ببيع أرضه، ثم عودته إلى القاهرة ليفاجأ بسحب
أفراد حراسته؛ فيحاول تكوين حرس خاص من 300 رجل من أهل قريته أُطلق عليهم على سبيل
الدعابة "ميلشيات
الجلاليب"، وبعض الضباط المفصولين الموالين له، وهو الأمر الذي أضاف إلى
كاهله عبئا جديدا، أدخله في دوامة تدبير نفقات إعاشتهم ببيع قطعة أرض يملكها في
الدقي للدكتور ابراهيم بدران ـ الموقع الحالي
لمستشفى بدران ـ،. ثم محاولته القيام بانقلاب عسكري للعودة إلى قيادة الجيش، والذي
حدد لتنفيذه يوم 27/ 8 / 1967 وكان الغرض منها الاستيلاء بالقوة على القيادة
العامة للقوات المسلحة معتمدا على قوات الصاعقة الموجودة في «أنشاص»، والتي كان
عليها تأمين وصول المشير إلى القيادة الشرقية في منطقة القناة ثم تنصيبه قائدا عاما
للقوات المسلحة، ثم يقوم المشير بإعلان مطالبه لرئيس الجمهورية من هناك؛ فإذا لم
يستجب له الرئيس، تحركت قطاعات من القوات المسلحة لفرض هذه المطالب بالقوة بمعاونة
القوات الجوية لضمان نجاح الخطة، ذلك الانقلاب الذي فشل بسبب القبض عليه ليلة 26 / 8 / 1967 ووضعه قيد
الإقامة الجبرية.. ثم الإعلان رسميًا عن انتحاره، وانتشار الشائعات عن نحره.
بما يعني أنه لم تكن هناك مذكرات.. إلا أنه في عام 1968 نشرت مجلة لايف Life ثلاث حلقات من مذكرات ادعت نسبها إلى المشير عامر، ثم اكتشفت الصحيفة زيف تلك المذكرات وأنها غير صحيحة، فتوقفت عن متابعة النشر.
وقد أكد الخبراء
آنذاك أن هذه المذكرات من تلفيق مخابرات دولة عربية شقيقة (السعودية) كانت في
خصومة مع نظام عبد الناصر بسبب حرب اليمن، كما رجح الخبراء أن تكون وكالة
المخابرات المركزية الأمريكية قد ساعدت في إعدادها بهدف زعزعة الجبهة الداخلية في
مصر.
***
.. ورغم هذا
فمازال أفراد من عائلة المشير عامر يصرون على أن "مذكرات المشير" موجودة
ومحفوظة في "حرز مكين"، وأنه لم يحن الوقت المناسب لنشرها لأن ظروف
البلد الحالية لا تحتمل ما جاء فيها من بيانات ومعلومات وما تضمنته من وثائق رغم
مرور ما يقرب من 50 سنة على هزيمة 5 يونيو 1967، وموت المشير "صاحب
المذكرات" في ظروف غامضة ملطخاً بعارين .. عار الهزيمة .. وعار الانتحار!!
كان السكرتير
الخاص والحارث الشخصي للمشير الرائد محمد متولي السيد قد طلب من الزميل صلاح
البيلي الصحفي بمجلة "المصور" معاونته في كتابة ذكرياته وقام البيلي
بعمل اللازم في فترة استغرقت 6 شهور، ولما تأخر متولي في نشر المذكرات حاول البيلي
عرضها للنشر في جريدة الوفد، وحصل على موافقة مبدئية من الأستاذ جمال بدوي رئيس
التحرير.. لكن متولي وضع العراقيل في سبيل إتمام الاتفاق على النشر، فقام البيلي بعرض المذكرات على الأستاذ عبد الله
إمام، وحصل على وعد بالنشر في جريدة "العربي" مقابل 5 ألاف جنية .. لكن
متولي وضع العراقيل في سبيل إنفاذ ذلك، وفجأة صارح متولي البيلي أنه تعاقد مع إحدى دور النشر لطبع المذكرات شريطة أن يتم تغيير بعض
تداعيات أحداثها لإتمام عملية النشر، .. واستشعر البيلى أن ثمة نية للتلاعب بمصنفه
والعبث بحقوقه فسارع إلى طبع المذكرات في كتاب بعنوان: "ناصر بين عامر وبرلنتي.. أكاذيب
تكشفها حقائق"*(10) حتى يضع الجميع أمام الأمر الواقع، .. وحرر متولي بلاغ ضد البيلي في شرطة المصنفات
الفنية، وتم احتجاز البيلي ثلاث ليال في قسم شرطة عابدين عانى فيها الأهوال، وفي
تلك الفترة توسط البعض لدى متولي الذي جاء إلى قسم شرطة عابدين، وتنازل عن البلاغ،
وهو يقول حسب رواية البيلي لي:
"سامحني ..
منهم لله الذين أجبروني على ذلك ."، وبكى بالدموع .
.. ولم يفصح
متولى عن هوية من أجبروه على التقدم ببلاغ ضد كاتب مذكراته !!
...........
...........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(10) صلاح البيلي، ناصر بين عامر وبرلنتي.. أكاذيب تكشفها حقائق .. أسرار رحلتي بين عبد الناصر وعامر وبرلنتي ذكريات
محمد متولي السيد سكرتير المشير وحارسه الشخصي، مطبعة المعرفة ـ القاهرة 1994
أعاد محمد متولى
السيد نشر شهادته بعنوان آخر هو: "القصة الحقيقية
.. برلنتي والمشير"، سجلها له بقلمه الكاتب الصحفي سيد زهران، يوجد اختلاف
بين الشهاتين في كثير من المواضع، وهو اختلاف يثير الكثير من غبار الشك حول
الشاهد، فلم يقدم شيئاً جديداً ذا قيمة عن أسباب النكسة أو ظروف موت المشير أو
معلومات عن مذكرات المشير "المزعومة" والتي يتمسك أفراد من عائلة عامر
بدعاوى وجودها وكونها ـ من وجة نظرهم ـ الدافع لقتله، .. وقدم لنا سرداً فجاً عن
طبيعة علاقة رجل بامرأة ارتبطا بعلاقة زواج سري فاسد افتقد ركن الإشهار أو
التوثيق!!
.. إلا إننا
نلتمس له الأعذار فقد كان شاباً غراً أعماه بريق السلطة؛ فلما غادرها وغدرت به،
وتركته حطام رجل فقد الثقة بالجميع بعد أن اعتقل ليلة اعتقال المشير عامر لمدة 46
شهراً قضاها في السجن الحربي، وتم تحديد إقامته بعد ذلك لمدة 33 شهراً في شقة من
شقق الحراسات بممر بهلر بوسط القاهرة التي كان المشير عامر قد منحها له في إطار
توزيع الهبات على المحاسيب، .. بعد سنوات
الاعتقال وتحديد الإقامة الجبري وجد نفسه مفصولاً من الخدمة، وقد اختفى ملف خدمته
!!
كان من الطبيعي
أن يطرق الرجل كل الأبواب من أجل العيش؛ فكانت المذكرات التي صدرت في شكلين بينهما
بعض الاختلاف!!
الفصل
الرابع :
ـــــــــــــــــــــ
مذكرات الفريق الليثي
ناصف
يقول حسن التهامي في مذكراته : "أن المشير عبد الحكيم عامر لفظ أنفاسه بين يدي انسان يحبه ويقدره
وهو اللواء الليثي ناصف ـ كان في ذلك الوقت برتبة عميد ـ فلما سقط عبد الحكيم عامر
ميتا بين يديه اصيب الليثي بصدمة عصبية لم تفارقه حتى أرسله السادات للاستشفاء في
لندن، وهناك سقط من الدور العاشر بالمبنى الذي كان يسكن فيه فمات، ومعه سره الذي
قصه عليّ".
يحاول حسن التهامي وهو شخصية شديدة الغموض ومحيرة
ومثيرة للجدل أن يدفع بنا في اتجاة سقوط الليثي ناصف كان قضاء وقدر وليست وراءه
جريمة قتل تم التخطيط لها باحترافية شديدة وبمعرفة قتلة محترفين !! .. لعدة أسباب
أهمها :
1ـ أن الفريق الليثي ناصف ضابط بمعنى أن التعليم
الذي تلقاه والحرفة الوحيدة التي تم تدريبه عليها وإعداده لها هى القتال والقتل .
2 ـ أنه لو كان الفريق الليثي ناصف قد اصيب بصدمة عصبية بسبب موت المشير بين يديه لما استمر في إصدار الأوامر بالقتل ـ في وقت لاحق
بعد ذلك ـ فقد أصدر أوامره لضباط الحرس الجمهوري بقتل كل من يعترضهم ليلة
14 مايو 1971 تلك الليلة التي قاد السادات انقلابا على رفاقه من داخل السلطة، وكان
رأس الحربة في هذا الانقلاب الذي أطلق عليه الرئيس السادات "ثورة
التصحيح" !!، وكانت أضلاع تلك الحربة اللواء ممدوح سالم للسيطرة على الشرطة
والفريق محمد أحمد إسماعيل للسيطرة على المخابرات العامة والفريق محمد أحمد صادق
للسيطرة على الجيش .
3 ـ أن جثة الفريق الليثي ناصف لم توجد عليها
أثار قطرة دماء واحدة بما يعني أن الدورة الدموية كانت متوقفة قبل إلقاء الجثة!!
وأن الشبب ظل في قدمه رغم إدعاء سقوطه من الدور العاشر !! .. بما يعاني أن القتل
قد تم قبل إلقاء الجثة في الشارع !! وهو ما يتفق مع افتراضات بعض الخبراء أن القتل
تم على سلم الخدم في المسافة بين شقته في الدور العاشر والشقة التي تم إلقاء
الجثمان منها .
وهو ما يتفق مع شهادة الدكتور مصطفى الفقي
الدبلوماسي بسفارة مصر في لندن :
"عندما أبلغنا البوليس بسقوط الليثي ناصف من
شرفة مسكنه، ذهبنا مع وفد من السفارة ووجدنا الجثة مغطاة بأوراق الصحف في الشارع،
وعندما طرقنا جرس الباب فتحت لنا باب الشقة إحدى كريمتيه وسألتنا عن سبب الحضور،
وأدركنا أنهن ـ زوجة الليثي وابنتيه ـ لا يدرون بما حدث للفريق الليثي، وكانت
السيدة والدتهن في المطبخ تعد طعام الإفطار".
وقد عاينت نخبة من أطباء الحرس الجمهوري في مصر
على رأسهم الدكتور صفوت حمزة الجُثْمانِ عقب إعادته إلى القاهرة وقبل إجراءات
الدفن، ولم تجد آثار سقوط من مكان مرتفع. ويرى البعض أن من الطبيعي أن تثار الشكوك
حول الحادث، لعدة أسباب من بينها أن النافذة كانت
مغلقة قكيف سقط منها ؟!! ، وأن النافذة أمامها صالة كانت تجلس فيها ابنته هدى
التي لم تعلم بموت والدها إلا عندما طرق البوليس الباب وبصحبته بعضاً من موظفي
السفارة المصرية !! .. كذلك فإن "الشبشب" كان في قدميه وهو يرقد على
الأرض، لم يخرج من قدميه وهو يسقط من كل هذا الارتفاع الشاهق
ويروي اللواء جمال رفاعي أن الليثي
كان يخشى من أن يقتله السادات وجاءه ذات مرة وهو في حالة توتر ليعبر له عن هذه
المخاوف .
ملابسات موت الفريق الليثي ناصف تشير إلى مؤشرات
جريمة أفصحت عنها السيدة زوجته وأشارت بأصبع الاتهام إلى الرئيس أنور السادات .
وهو ما يثير التساؤل حول : لماذا يقتل السادات
حليفه في إنقلاب 15 مايو 1971 ؟!!
وفي مذكراته أكد
د. محمود جامع أحد الأصدقاء الشخصيين للرئيس السادات أن الليثي ناصف أنقذ السادات
من عدة محاولات اغتيال، وأنه أنقذ مصر كذلك من حرب أهلية، حينما طلب الليثي من
السادات إصدار قرار بأن تكون تبعية الحرس الجمهوري لرئيس الجمهورية وحده، ويتم
عزله تماما عن الجيش، وهو ما أتاح لليثي قدرة التحرك والدخول بقوة للقبض على مراكز
القوى. وقدم الفريق الليثى ناصف استقالته من ديوان رئاسة الجمهورية والحرس
الجمهوري، بعد أن أراد رئيس الديوان حافظ إسماعيل تنظيم الديوان، بحيث لا يتصل
كبير الأمناء وقائد الحرس الجمهوري بالرئيس إلا عن طريقه، وهو ما لم يرض الليثي،
وقبل السادات استقالته على الفور .
ويضيف د . جامع أن الخلافات بدأت بين الرئيس
السادات والفريق الليثي بعد أن استتب الأمر للسادات؛ فقد حدثت مشادة بين عندما غضب عليه السادات؛ لأنه استولى على شقة
في عمارة ليبون بالزمالك، كان الرئيس السادات خصصها للدكتور أحمد درويش وزير الصحة
الذي كان قد أُصيب بالشلل.
وفي موقف أخر، انفجر الرئيس السادات غاضباً عندما
دخل عليه الفريق الليثي حاسر الرأس بدون قايش عسكري حول وسطه، فاعتبر الرئيس
السادات أن ذلك استهانة به وراح يعنف الفريق الليثي وطلب منه أن يعرف حدوده
ويلزمها !!* (
1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
( 1) د. محمود
جامع، عرفت السادات، المكتب المصري الحديث، ط 4 ـ القاهرة 2004 ـ ص 176
كلام د. محمود جامع عن الخلاف بين الرجلين الرئيس
السادات والفريق الليثي ناصف هو مجرد كلام ساذج ينطوي على تسطيح مُخل بالحقائق،
فنقل الفريق الليثي ناصف من قيادة الحرس الجمهوري إلى وظيفة ياور وهي وظيفة تافهة
تضع صاحبها في مكانة وسط بين الشماشرجي (الخادم) و البامشقدار (حامل عصا وحذاء
الوالي)، وهو ما رفضه الفريق الليثي؛ فنقله السادات إلى وظيفة مستشار عسكري لرئيس
الجمهورية وهي وظيفة شرفية لا تنتج عملاً ذا قيمة .. كان من الواضح أن الرئيس
السادات يضيق الخناق على الفريق الليثي ناصف؛ فقدم الرجل استقالته وقبلها الرئيس
السادات فوراً.
كل هذا يأتي في سياق خلافات العمل لكنه لا يصل في
معظم الأحيان إلى القتل!! .. لكن لماذا في حالة الفريق الليثي ناصف ؟! .. هذا ما
يكشف عنه النقاب علوي حافظ عضو مجلس الشعب عندما تقدم باستجواب قدمه في ديسمبر
1988 وتمت مناقشته في 5 مارس 1990 عن ملابسات مقتل المشير أحمد بدوي و13 من قيادات
القوات المسلحة!! وعن الفساد والعمولات المُريبة من تجارة السلاح التي تدفع في
حسابات بنكية خارج البلاد !!
يذهب علوي حافظ أن الفريق الليثي
ناصف بدأ يلحظ تحركات مريبة في رئاسة الجمهورية، وقدوم كوادر استخباراتية صهيونية والاختلاء بالرئيس السادات لفترات طويلة، وتوافدت أعداد كبيرة من طواقم تلك
الكوادر الاستخباراتية في صورة صحفيين ومراسلين أجانب ومن بين هؤلاء الصحفية
الأمريكية الصهيونية جوديت كيبر الوثيقة الصلة بـ C.I.A. وكانت على درجة عالية من الجمال والذكاء واللباقة،
وقد وثق فيها الرئيس السادات بسرعة، وكانت تأتي إلى القاهرة بدعوة شخصية من الرئيس
.. وجاء إلى القاهرة كارل كاهان، وناحوم جولدمان بدعوات رئاسية .. كانت المؤشرات
كلها تشير إلى حدث ما يجري طبخه في الخفاء!!، وكان الليثي دائم اليقظة والمراقبة
وتدوين ملاحظاته في أوراقه الخاصة تمهيداً لكتابة مذكراته التي يؤكد البعض أنه بدأ
فعلاً في كتابتها والتي يعتبر البعض أنها كانت الدافع الرئيس لقتله ليبدأ انطلاق
المشروع السادات في إعادة تشكيل المنطقة والذي جعل الصهاينة عنوانه :
"السادات بطل الحرب .. بطل السلام"!!، بعد أن نجح الصهاينة في إخضاعه
لعمليات "غسيل مخ" يقول د. محمود جامع في مذكراته:
( صلينا الجمعة في مسجد
بالحرانية امام منزل عثمان أحمد عثمان ونحن نجلس بعد صلاة الجمعة قبل تناول
الغذاء، قال لنا السادات بكل زهو وفخر :
"أن مناحم بيجن قال
له أن عندهم كتاب مقدس يقول إنه في هذا الزمن يظهر رسول جديد ينشر السلام في
المنطقة واسمه محمد وأوصافه تنطبق بالتمام على السادات وأنه سيموت ويدفن في
سيناء.".
.. وكان السادات في غاية الفرح والابتهاج من أن
بيجن قال له :
"إن الأوصاف تنطبق
عليه " . )* (2 )
ـــــــــــــــــــــــــ
·
(2) د. محمود جامع ، عرفت السادات ـ ص 229
.. لذا يرى
البعض أن السادات قد يكون تخلص من الليثي ناصف حتى لا يكرر أحداث 15 مايو وينقلب
عليه، .. ويدللون على ذلك بأن السادات نزع من الليثي ناصف منصب قائد الحرس
الجمهوري، وعينه كبير الياوران برتبة فريق، وأضاف إليه في سبتمبر منصب المستشار
العسكري لرئيس الجمهورية وهو منصب شرفي.. وظل الليثي في موقعه بلا سلطة فعلية حتى
أبريل 1973 .
وفي ذلك
الوقت عين سفيرا في الخارجية ورشح للسفر إلى اليونان، لكن قبل أن يتسلم عمله في
أثينا سافر إلى لندن لإجراء بعض الفحوص الطبية .. وبواسطة محمود نور الدين،
الذي كان موظفا في السفارة المصرية هناك، قبل انقلابه على السادات وتشكيل تنظيم
ثورة مصر فيما بعد، سكن في الدور الثاني من "ستيوارت تاور"، وليلة
الحادث تم نقله إلى شقة في الدور العاشر بدون إبداء سبب منطقي !!
لذا اتهمت السيدة شوفيكة زوجته صراحة
في مؤتمر صحفي أنور السادات بقتله .. السيدة شوفيكة حفيدة أمير قوقازي، كان
المسؤول عن التفتيش على أعمال الأسرة المالكة في مصر في عهد السلطان العثماني عبد
الحميد، وقد بقي في مصر بعد أن ألغى كمال أتاتورك الخلافة الإسلامية وأعلن
قيام جمهورية تركيا.. وقد التقت بضابط شاب هو الليثي ناصف في صباح 23 يوليو 1952،
جاء ليلقي القبض على أحد أقاربها هو إسماعيل فريد فوقعت في هواه وتزوجته، وأنجبت
منه ابنتين هما هدى ومنى على اسمي ابنتي جمال عبدالناصر .
لكن المستشار سعد الليثي شقيق الفريق الليثي
ناصف * (3)
أكد أنه ليس لديه دليل ليتهم أحد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(3) مجلة أكتوبر، مقال المستشار عبد
الحميد يونس، بعنوان: "وليمة شهية بغير طعام "ـ العدد 538 بتاريخ 15
فبراير 1987
انتهت تحقيقات الشرطة البريطانية بشكل
مفاجيء...إذ استندت إلى رواية شاهد بريطاني هو الوحيد في القضية، قال في شهادته :
"إنه كان مستيقظا بالصدفة وجالسا
في شرفته متأملا الليثي وهو يدخن سيجارة ويترنح، وإنه رآه بعد ذلك يتسلق سور
الشرفة الواقعة في الدور العاشر لتستقر جثته على الأرض !!" .
***
يعد بوليس اسكوتلنديارد من أسوأ وأغبى
المؤسسات الأمنية في العالم، وما يقال عن دقته وذكائه هو محض كذب مصنوع بمعرفه آلة
الدعاية الإنجليزية !!، كما أن أدائه محكوما بحماية المصالح
الانجليزية فقط سواء على أرض انجلترا أو أراضي الغير؛ لذلك سرعان ما يقوم بغلق
التحقيقات إذا كان استمرارها لا يمس مصالح بريطانيا .
الفصل الخامس :
ــــــــــــــــــــــــــ
مذكرات العقيد على شفيق
قُتل العقيد على
شفيق السكرتير العسكري للمشير عامر في شقته في لندن .. وجد البوليس الإنجليزي
بجوار جثته التي تعفنت والتي أعلنت عن خبر قتله حقيبة بها مليون جنية استرليني!!
كان مضمون رسالة
"ترك القتلة لحقيبة بها مليون جنية استرليني" أن القتل ليس بغرض السرقة،
وأن النقود لا تهم .. لكن المهم عدم تجاوز الخطوط الحمراء !!
لم يكتشف أحد من
ذويه مقتله إلا بعد أن أبلغ الجيران البوليس الإنجليزي عن رائحة غريبة تنبعث من
شقته .
كان العقيد على
شفيق يعيش حياة شبة منعزلة بعد خروجه من السجن .. وكان يحرص على عدم إثارة
المشاكل!! لم يكن على شفيق ضالعاً في مؤامرة المشير عامر فقد سافر الرجل مع أسرته
إلى الإسكندرية في أجازة بعد استقالة المشير عامر وشمس بدران مساء 10 يونيو 1967،
وعاد من أجازته إلى عمله ينفذ الأوامر وينقل التعليمات إلا أن عبد الناصر لم يغفر
له توزيع استقالة المشير على الضباط في سنة 1962 بعد أزمة المجلس الرئاسي، والتي
جاء فيها الكثير من الكذب، وأن استقالة المشير كانت من أجل المطالبة بالديمقراطية وحرية تكوين الأحزاب وإطلاق حرية الصحافة والتأكيد على الحريات العامة
والحريات الدستورية!! .. كانت شقيقة الزوجة العرفية للمشير برلنتي عبد الحميد،
وتُدعى زهرة (دبلوم تجارة متوسطة) قد قامت بإعادة طبع وتوزيع الاستقالة بعد هزيمة
5 يونيو 1967 من أجل جلب التعاطف الشعبي مع المشير.
كانت زوجة على
شفيق المطربة مها صبري بعد سجنه تعاني الأمرين في تدبير نفقات حياتها، ونفقات
زوجها في محبسه، ولجأت للمطربة أم كلثوم التي ساعدتها في الغناء في بعض الحفلات
الصغيرة .
كان من المعروف
عن المغنية أم كلثوم التي اشتهرت بلقب "الست" بتعريف الألف واللام،
و" كوكب الشرق"، و" قيثارة الغناء العربي".. أنها لا تقدم
خدمات مجانية .. لما عرف عنها من شذوذ السحاق.. فقد كانت أم كلثوم مثل كل الشواذ
تجمع بين السادية و قسوة القلب!!
ونجحت المطربة
مها صبري، والتي كان لها صفحة مثيرة ضمن صفحات النساء اللائي ربطتهن علاقة بانحراف
جهاز المخابرات في أن تعرض على المرأة الشاذة التوسط لدي الرئيس عبد الناصر لإطلاق
سراح علي شفيق !! .. وخرج على شفيق ليجد
زوجته قد عانت الكثير من أجل فك أسره!!، وتكالبت عليها العلل .
لكن الرئيس عبد
الناصر لم يترك الرجل في حاله فقد حاربه بسلاح "لقمة العيش"، وحاصره بـ
"التجويع".
يقول د. مراد غالب في كتابه بعنوان
:"مع عبد الناصر والسادات":
"بعد حرب 5 يونيو 1967 والتخلص
من المشير عبد الحكيم عامر ذهبت للرئيس جمال عبد الناصر أعرض عليه بعض الأمور التي
تتصل بعملي كسفير لمصر في موسكو، وكان علي شفيق سكرتير المشير عامر قد قال لي أنه
يكاد الأن يموت جوعا بعد قطع راتبه، ووقف زوجته المطربة مها صبري عن الغناء في
الاذاعة، وجاءني للتوسط للسماح لمها صبري بالعودة للغناء!.
أبلغت الرئيس جمال عبد الناصر بهذا
الموضوع فقال لي : ألا تعرف ما الذي فعله معي علي شفيق؟!.. قلت : لا !؛ .. فقال
الرئيس عبد الناصر:
في سنة 1962 سرت شائعة بأن القوات المسلحة انضمت
كلها لعبد الحكيم عامر، ولايقف مع عبد الناصر سوي القوات الجوية، وجاء علي شفيق في
هذه الظروف بالمدفعية ووجهها الي بيتي، وقال لو حلقت طائرة واحدة من القوات الجوية
من أي مطار في مصر فسوف نضرب بيت عبد الناصر بالمدفعية.. هذا هو علي شفيق الذي
تتوسط له ثم سألني الرئيس: من الذي بعث معك بالرسالة : هل هو علي شفيق أم مها
صبري؟!؛ .. فقلت ضاحكا: والله ياريس هو علي شفيق وليس مها صبري!!".
الكلام عن شذوذ
أم كلثوم ليس سراً فقد كنا نعرف ذلك في الوسط الصحفي .. وكنا في دار الهلال نعرف
صديقتها الصحفية "ص . ن ." في مجلة حواء .
ولكن أحد لم يكن
يجرؤ على الكلام عن شذوذ المرأة القريبة من معاقل المخابرات العامة في سنوات
انحرافها، والذي ذكرته إعتماد خورشيد صراحة في شهادتها في محضر إحدى جلسات قضية
انحراف جهاز المخابرات وأيضاً تضمنه كتابها الصادر في هذا الشأن بالحروف الأولى!!
*( 1)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
·
( 1) اعتماد
خورشيد، شهادة على .. انحراف صلاح نصر، مؤسسة أمون الحديثة للطبع والنشر، ط 4 ، القاهرة 1988 ـ ص 113
.. فقد التزم
جميع من كتبوا عن أم كلثوم الصمت عن آفه المرأة فلم يذكر أحدهم شيئاً عنها سواء د. نعمات أحمد فؤاد في كتابها بعنوان :"أم كلثوم ..عصر من الفن"
ذلك الكتاب الذي صدر عن دار الهلال ولم يحقق توزيعاً يذكر، وتم بيعه ضمن تصفيات
"لوطات ورق الدشت"، ورجاء النقاش في كتابه بعنوان :"لغز أم
كلثوم"، ومحمود عوض في كتابه بعنوان : "أم كلثوم التي لا يعرفها
أحد"، وعبد النور خليل في كتابه بعنوان : "دولة أم كلثوم"، وكتابه الثاني بعنوان:
"رجال فى حياة أم كلثوم" ، وكتابه الثالث
بعنوان: "كوكب الشرق أم كلثوم، وقصص حب لم تنشر"، أما الكاتب
محفوظ عبد الرحمن فقد صاغ مسلسله الذي أخرجته أنعام محمد علي وأذاعه التليفزيون
المصري في الفترة ما بين ديسمبر 1999 ويناير 2000 .. حاول محفوظ عبد الرحمن رسم
صورة لأم كلثوم تتسم بالكمال الإنساني وتتجاوز الواقع وتخالف الحقيقة؛ ليغلب عليها
طابع الأسطورة!!
لم يقترب من
حقيقة السيدة ويغرد خارج السرب سوى الشاعر أحمد فؤاد نجم الذي قال فيها :
يا ولية عيب اختشي
يا شبة إيد الهون
دانتي اللي زيك مشي
يا مرضعة قلاوون
يا شبة إيد الهون
دانتي اللي زيك مشي
يا مرضعة قلاوون
كانت سلطات أم
كلثوم تفوق كل التوقعات فقد نجحت مساعيها لدى الرئيس عبد الناصر في نقل سفير مصر
في باريس عبد المنعم النجار أحد أفراد تنظيم الضباط الأحرار لأنه لم يستقبلها في
المطار!!، وسببت له حرجاً بالغاً أمام أعضاء البعثات الدبلوماسية العربية باعتذرها
عن حفل الغداء الذي أقامه على شرفها قبل الموعد بساعة !!
لم يكن نقل
السفير أحد مظاهر سطوة أم كلثوم؛ فقد سبقتها وقائع كثيرة أطرفها أن أحد المواطنين
كان يسير إلى جوار سور فيلاتها فعقره كلبها !! ولما تجرأ المواطن وحرر محضر في قسم
شرطة الزمالك ضد صاحبة الكلب؛ فقد لقي في القسم الكثير من صنوف الهوان .
الأغرب من كل
ذلك أن صحيفة أخبار اليوم قد نشرت في صفحتها الأولى خبر عنوانه : "النيابة
تحفظ التحقيق مع كلب أم كلثوم ."، كان وكيل النيابة الذي حفظ التحقيق آنذاك
ماهر الجندي الذي صار محافظ الغربية ثم الجيزة وتم سجنه في قضايا فساد، ولم يرى
أحداً من قضاة ذلك العهد في ذلك التجاوز إهانة للقضاء !!.
وكتب الشاعر
أحمد فؤاد نجم قصيدة أخرى قال فيها :
هييص يا كلب
الست هيص
لك مقامك ف
البوليس
بكرة تتولف
وزارة للكلاب
ياخدوك رئيس
.. أعلنت
الممثلة مريم فخر الدين "إحدى نساء الكونترول" في أكثر من مكان أنها
نادمة على كل مرة جلبت فيها امرأة إلى فراش أم كلثوم !!
كان عباس محمود
العقاد كثيراً ما يلمح إلى هذا في صالونه؛ فكان يقول : "المطربة ذات الصوت
النصف رجالي" فلما بلغها ذلك قالت :
"طيب ندخل
أنا وهو حجرة مغلقة .. ونشوف مين فينا الراجل، ومين النص راجل !! "
كان العقاد صاحب
النكتة الشهيرة :
" واحد
بيقول لصاحبه : يا ترى الآنسة أم كلثوم لسة آنسة ؟!!، رد عليه صاحبه : والله كل
اللي اجوزوها بيقولوا كده !! ".
لكن د . ادوارد
سعيد كان الأكثر جرأة بين من تحدثوا في هذا الموضوع عندما أعلنها في مقالة له
بعنوان: "تحية لراقصة شرقية" في جملة قصيرة بسيطة واضحة مباشرة بتاريخ
13 سبتمبر 1990:
"خلال
حياتها كان هنالك سجال ما إذا كانت أو لم تكن أم كلثوم مثلية الجنس، لكن يبدو أن
قوة وسحر أدائها جعل الجمهور يتجاهل ذلك ."
.. في الوقت
الذي تطاول الحكام الجدد بعد انقلاب 23 يوليو 1952 وتسفل الغوغاء على فؤاد باشا
سراج الدين كانت أم كلثوم تحني لتقبل يده في الوقت الذي كان يتسابق الحكام الجدد
لتقبيل يدها؛ ومرجع ذلك أنه عندما كان فؤاد باشا سراج الدين وزيرا للداخلية تم ضبط
أم كلثوم في إحدى الشقق مع بنات من الجامعة، .. وبعرض الأمر على فؤاد باشا سراج
الدين أمر بصرفها من دائرة القسم بعد إسداء النصح إليها حرصاً على مستقبلها؛
ولكونها حاصلة على وسام "الكمال" من الملك فاروق ملك مصر والسودان.
لم أكتب حرفاً
عن شذوذ تلك المرأة إلا بعد سماع شهادات عديدة ومشاهدة بعض الصور للفعل الفاضح
المؤثم بنص القانون التقطتها لها بعض الأجهزة قبل انقلاب 23 يوليو 1952، وبعض
الصور التي التقطت لها في إطار عمليات "الكنترول" في حفلات السمو الروحي
التي كان يقيمها الشاذ صىلاح نصر وغلمانه، وبعض الصور التي سربتها إحدى الجهات بعد
خلافها مع جيهان السادات عندما قالت للرئيس : " إزيك .. يا أن .. نور "
ولم تعجب طريقة نطق أم كلثوم أسم "أنور" جيهان ومنادتها للرئيس باسمه
مجرداً بطريقة هزلية؛ فنهرتها قائلة :
" الزمي
حدودك ، ولاحظي أنك تكلمين رئيس جمهورية .".
كان هذا استعراض
لكيفية خروج العقيد على شفيق من السجن .. كان الرجل معدم العافية، ولا يكاد معاشه
الحكومي يكفيه وزوجته فيها ما يكفيها من أهوال ما عانته !!
في ذلك الوقت ـ
1976 ـ أصدر جلال الدين الحماصي كتابه بعنوان: "حوار وراء الأسوار"
وتحدث فيه عن النهب المنظم من الحكام لثروات مصر*(2).. ورأى العقيد على شفيق في تسريب بعض المعلومات
للحمامصي فرصة للإنتقام ممن أهانوه وأزلوه وتركوه فقيراً في كنف أمرأة تحملت
الكثير لكي يعيشا مستورين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(2) جلال الدين
الحمامصي، حوار وراء الأسوار، المكتب المصري الحديث ـ القاهرة 1976
يقول جلال الدين
الحمامصي في الجزء الثاني من كتابه بعنوان: "أسوار حول الحوار" ص 59 :
" إن تحت
يدي خطاب من مدير مكتب المشير عامر شرح فيه كيف كانت تجمع هذه الأموال، وكيف كانت
تهرب، وباسم من كانت تودع؟!".*(3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(3) جلال الدين
الحمامصي، أسوار حول الحوار، المكتب المصري الحديث ـ القاهرة 1984 ـ ص 59
كان معني أن
يبوح العقيد على شفيق بتلك الأسرار أن يصدر القرار بتصفيته، ولما كان من الصعب أن
يتم ذلك في مصر؛ لذا تم تقديم الطعم الشهي في صورة عقد عمل لزوجته مها صبري للعمل
في إحدى ملاهي لندن!! ورأت السيدة في ذلك العقد خلاص من كثير من مشاكلهما المالية
المزمنة!!؛ فكانت عملية استدراجه إلى لندن حيث تمت تصفيته هناك .
يحاول شمس بدران في مذكراته ـ الغير
منشورة حتى الأن ـ أن يبعدنا عن السبب الحقيقي لاغتيال العقيد علي شفيق ويدعي في
تلك المذكرات بأن الاغتيال تم نتيجة أنه ـ ربما ـ اضطر إلى دخول عالم صفقات السلاح
بطريق الصدفة، لأنه بعد النكسة وتحديد إقامته والزج به في السجن بعد ذلك لم
يجد لديه القدرة على العيش الكريم، لأن راتبه كان محدودًا مثل بقية ضباط القوات
المسلحة في ذلك الوقت، كما أن معاشه بعد الخروج من السجن كان ملاليم لا تكفي
لتدبير متطلبات الحياة العادية له ولأسرته وأولاده.
ويضيف بدران في إطار منهجه في التضليل
:
"قد تم استدعائي إلى
اسكوتلانديارد للحصول على أقوالي بشكل تقليدي، ولم يحصلوا مني على معلومات، لا
سيما أنني لم أكن أعلم تفاصيل علاقاته مع شبكات تجارة السلاح الموجودة في لندن.
وبعد مرور أيام عدة استدعيت مرة أخرى الى مقر
المخابرات البريطانية المعروفة بـMI6"
" هناك أقمت أسبوعين كاملين، ثم فوجئت
بأنني كنتُ مستهدفًا أنا الآخر من جانب بعض القوى المتطرفة، بناء على تلك
المعلومات بقيتُ في ما يشبه المتحفظ عليه لدى هذا الجهاز، أثناء تلك الفترة كان
يتم استجوابي من جانب ضباط وخبراء الجهاز كل يوم." .
وينهي بدران شهادته بقوله :
"تردد بعد ذلك أن علي شفيق باع
سرًا صفقة سلاح لفصيل من الفصائل اللبنانية، فكان مصيره التصفية من جانب عملاء
تابعين لتجار ربما حاول شفيق منافستهم في منطقة نفوذهم من دون أن يدري.".
وهو كلام ينطوي على قدر كبير من التسطيح المُخل،
والتعمية المتعمده لدقائق الحادث التي تُسهل فك رموزه، ويسهل للجاني الهروب بفعلته
خاصة أن تجارة السلاح ليست سوق مفتوحة، ولكنها دائرة مغلقة على عناصر من مخابرات
دول وعصابات مافيا تعرف القوانين الصارمة لتلك التجارة ودورها في صياغة السياسات
وإحلالها على الأرض.. إضافة إلى أن العقيد علي شفيق لم يكن لديه من المال أو
المؤهلات التي تدخله إلى ذلك العالم؛ فقد عاش طوال حياته مجرد شماشرجي لطلبات
المشير عامر!!
.. ولو افترضنا
جدلاً صحة كلام شمس بدران عن اتجار على شفيق في السلاح وهى تجارة تدر عائداً
غزيراً؛ فلماذ إذن قبول زوجته المطربة مها
صبري لعقد عمل في أحد ملاهي لندن الصغيرة والرخيصة الذي يرتاده المخمورين وحثالة
المطرودين من بلادهم من أجل متع رخيصة!!
.. كان قبول مها
صبري العمل في ذلك الملهى تحت ضغط الاحتياج والعوز المادي، وهو ما ينسف شهادة شمس
بدران من جذورها !!
ما يجعل شهادة
شمس بدران شهادة مجروحة أن العلاقة بين شمس بدران، وعلى شفيق لم تكن حميمة نتيجة
صراع طويل على السلطة في مكتب المشير، وقد استطاع بدران بمساندة المشير عامر أن
يحسمه لصالحه وأن يسيطر على جميع أمور الضباط من حيث الترقيات والبعثات وقرارات
العلاج والإقراض الحسن الذي غالباً ما ينتهي بإسقاط الدين بعد سداد قسط أو قسطين على
الأكثر وشئون سفر الضباط وذويهم وأن يفرض سيطرته على الجيش عن طريق أفراد دفعته
(دفعة 48).. ولم يعد لعلى شفيق دور رغم أقدميته سوى رعاية مزاج المشير وتنفيذ
طلباته .. وانتهى الصراع بأن وشى شمس بدران بالمشير ورجاله وحصل على الثمن !!
ثانياً : أن
شبهات قد حامت حول شمس بدران في حادث مقتل
على شفيق .
..
الأهم من كل هذا أنه ترددت الكثير من الراويات عن حياة شمس بدران وثروته الخرافية
في لندن؛.. فذكر البعض أن شمس بدران استطاع أن يهرب 6 ملايين جنيه للخارج أثناء
توليه منصبه، والتي بدأ بها بعضاً من مشروعاته الفاشلة في أوربا، وأنه حصل على
ثروة طائلة من بيع المسدسات والرشاشات سريعة الطلقات المملوكة لأسرة محمد على
ومعظمها من التحف النادرة (400 مسدس و10 رشاش) وأهدى أصدقائه بعضاً من تلك
المسدسات، كان شمس بدران يقيم في شقة فاخرة وله ثروة ضخمة في البنوك البريطانية
وكان يمتلك مصنعا للجبن، ويركب سيارة مرسيدس آخر موديل. وتعززت
تلك الروايات بعد العثور على مليون جنيه إسترليني بجوار جثة زميله على شفيق مدير
مكتب المشير السابق الذي لقي مصرعه في ظروف غامضة لم تكتشف أسرارها حتى الآن بينما
كشفت بعض أسرار قضية ثورة مصر أن على شفيق لقي مصرعه بواسطة شخص يدعي مصطفي
الأنور.. لقي هو الآخر مصرعه في ظروف غامضة أيضا.*( 4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
·
(4) فاروق فهمي، اعترافات شمس بدران .. مؤامرة 67
، دار أمون للطبع والنشر .
وذكر البعض أن
المليون جنيه إسترليني التي وجدت بجوار جثة على شفيق كانت نصيب على شفيق من الأموال المنهوبة
والمهربة خارج مصر .. لكن على شفيق رأى أنها أقل من نصيبه بكثير، ونشب شجار بينه
وبين شركائه اللصوص على اقتسام المسروق من أموال شعب مصر.
كان على شفيق
ملاكماً قوي البنية واشتبك بعنف مع خصميه اللذين يرجح أنهما شخصان أشتبك على شفيق مع أحدهما، وغافله الثاني، وضربه على رأسه من
الخلف فأرداه قتيلاً؛ فقد أثبتت معاينة اسكوتلانديارد وجود بقعة دم على الأرض ليست
من فصيلة دم القتيل .
الفصل السادس:
ـــــــــــــــــــــــــ
كتابات سليم اللوزي
تنطبق القصة
الأمريكية عن ذبح الببغاء "الغلباوي" على مقتل سليم اللوزي كان الببغاء
طويل اللسان؛ فتم قطع لسانه .. لكنه لم يكف عن الغوغاء .. فكان قطع رقبته .
كان ذبح الببغاء
هو النهاية .. وكان أغتيال اللوزي نهاية ورسالة !!
سخر اللوزي قلمه
لمن يدفع، فلم يكن صاحب رسالة أو قضية !! أخذ أموال السعوديين وانقلب عليهم، وقبض
من السوريين وهاجمهم، وحصل على الدعم الليبي وانتقد الليبيين، وولما قامت جبهت
الرفض بعد توقيع إتفاقية كامب ديفيد رأى مصلحته مع الجانب المصري المدعوم من
أمريكا!!
هكذا لعب الرجل
على كل الحبال في مخالفة صريحة لقوانين حرفة البهلون .. وكانت النهاية طلقة في
مؤخرة الرأس، .. وكانت الرسالة أن:
"ذراعه اليمنى مسلوخ لحمها عن عظمها
حتى الكوع، والأصابع الخمس سوداء نتيجة التذويب بالأسيد أو حامض الكبريت. كما عثر
على أقلام الحبر مغروزة بعنف داخل أحشائه من الخلف".
.. كان مضمون
الرسالة يعني أن : " الجناة لن يتسامحوا مع من يكتب حرفاً ضدهم" .. وكان
أسلوب التنفيذ هو "أسلوب مخابرات بعينها" تحترف أقسى أساليب التعذيب،
وتنتهج أبشع وسائل التمثيل بجثث الخصوم .. يقول الصحفي الإنجليزي ستيفن جراى في
كتابه بعنوان:"الطائرة الشبح Ghost Plane
" :
" إذا أردت
أن تجعل شخصاً يزور الجحيم؛ فأرسله إلى سوريا، وستتولى المخابرات السورية باقي
المهمة، أما إذا أردت قتله فارسله إلى القاهرة .".
بالمناسبة في الأحداث التي شهدتها سوريا بعد
اندلاع الانتفاضة المستمرة (شهر فبراير 2011) أعيد إحياء اسم سليم اللوزي، وفي أكثر
من مناسبة، في إشارة الى كيفية تصفيته جسدياً مقارنة مع ما يجري هذه الأيام من
تصفيات وإعدامات.
كان سليم اللوزي
من المفترض أنه في عداد المفقودين، عندما صدر عدد مجلة «الحوادث» بتاريخ 29 فبراير
1980 بعد اختطافه من طريق المطار، وطالبت اسرته الرئيس اللبناني إلياس سركيس
باتخاذ إجراءات للحفاظ على حياته واسترجاعه سالماً .. لكن بعد 14 يوما من الاختطاف
تأكد موته عندما عثر على جثته أحد الرعاة وسط الأحراش، وظهرت «الحوادث» في عدد 7 مارس 1980
باللون الأسود، والعنوان كلمة واحدة.. «قتلوه..»
كان اللوزي قد انتقد بشدة حكم المخابرات
العسكرية في سوريا، وأفاض في وصف التعذيب الوحشي الذي يلقاه خصوم النظام على أيدي
رفعت الأسد، وتحدث عن تشكيلات عسكرية سرية مناهضة لمقاتلة الحكم العلوي واسقاط
نظام حافظ الأسد.
وفي 22 فبراير 1980 تحدث عن ممارسات
النظام الليبي في مقالة بعنوان: " العقدة .. والعقيد" وكان غلاف المجلة
صورة للقذافي!!
كان اللوزي هو الرجل الذي انهى
المستقبل السياسي للوزير منصور حسن في مصر عندما نشر صورة له على غلاف المجلة مع
عنوان: "الرجل القادم"؛ فاستشعر السادات الخطر، وارتأى ضرورة التعجيل
بنهاية مناسبة للشاب منصور حسن الذي استخدمه ضمن أوراق الدجل السياسي بضرورة وصول
مصر إلى "الحكم المدني" .. كان السادات لا يمل التشدق بأن جيل يوليو قد
انتهى بهزيمة 5 يونيو 1967 وأن دور جيل أكتوبر قد انتهى بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد
وأنه من الضروري تسليم قيادة الدولة إلى شخصيات مدنية شابة .. كانت كلمات السادات
تثير الإعجاب، .. وأفعاله تثير العجب، ففي الوقت الذي استمر يردد هذه الأباطيل كان
يوعز إلى بعض الشخصيات بمبايعته رئيساً مدى الحياة وهو القرار الذي اتخذ بإجماع
مجلس الشعب في 4 أكتوبر 1981 .. وكان مدى الحياة للرئيس 24 ساعة !!
***
.. هكذا قتل
سليم اللوزي "البهلوان الصحفي" و "صانع الألعيب" على كل
الحبال ومختلف الأنظمة ولكل من يدفع الثمن !!
الفصل السابع :
ــــــــــــــــــــــ
مذكرات
سعاد حسني !!
في صباح يوم 22
يونيو 2002 .. وبعد موت الفنانة سعاد حسني "أخت القمر" .. "المرأة
ذات العيون الضاحكة" بسنة واحدة بالتمام والكمال، .. بالأمس كانت
الذكرى الأولى لرحيلها المأساوي؛ فقد توفيت في 21 يونيو 2001 في حادث مازال يكتنفه
الغموض .
صباح يوم صيفي
شبة عادي .. يحمل الملامح المتكررة لبلادة سابقيه في الأمس، ولاحقيه في الغد ..
جلست في غرفة مكتبي بدار الهلال أتناول قهوة الصباح واتصفح بملل وبحكم العادة بعض
الصحف .. سكون موحش لا يقطعه سوى ثرثرة بعض السعاة، ورنين جرس التليفون من آن
لآخر، ومع اقتراب عقارب الساعة من الحادية عشرة دخلت إلى مكتبي الزميلة الأستاذة
ألفت جعفر الصحفية بمجلة "صباح الخير" بصحبة أستاذي منير مطاوع المقيم
في لندن والذي تتلمذت على يديه في قسم التحقيقات الصحفية بجريدة "السياسي
المصري" في السبعينيات من القرن الماضي، ونهضت للترحيب بالزميلة والأستاذ،
وبادرتني الأستاذة ألفت قائلة :
"أن
الاستاذ منير عندما علم بوجودي في المكان أصر على رؤيتي"
وشكرت له نبل
أخلاقه، وابتديت امتناني للسؤال عني، والرغبة في رؤيتي، .. وبعد السلامات والتحيات
واجترار الذكريات، وتناول بعض المشروبات.. أستأذنت الزميلة ألفت جعفر لإنجاز بعض
أعمالها وتركت الأستاذ منير في ضيافتي .. علمت منه أنه جاء إلى القاهرة في مهمة
حيث صدر كتابه بعنوان: "سعاد حسني .. سندريلا تتكلم" الذي كان قد تعاقد
على نشره مع إحدى دور النشر بالقاهرة، وتفضل بإهدائي نسخة ممهورة بإهداء رقيق .
.. كان موضوع
"موت سعاد" هو الموضوع ذات الحضور الطاغي على ساعات الحوار (أربعة ساعات
تقريبا من الساعة 11 صباحاً حتى الثالثة ظهراً) حين حضرت الأستاذة ألفت جعفر
لاصطحابه لتناول الغذاء في مطعم "أخر ساعة" بوسط القاهرة حسب رغبة
الأستاذ منير في تناول الفول والطعمية .
كانت حالة من
الهيستيريا قد أصابت حياتنا وظهرت أعراضها في أحاديث الشارع المصري، مفادها أن
سعاد حسني قد تم اغتيالها لأنها سجلت مذكراتها، وفيها إدانة لشخصيات وهيئات
ومخابرات!! وان الصحفي الذي سجل لها المذكرات هو الأستاذ منير مطاوع الذي يقيم في
لندن ويعمل في صحف ومجلات مؤسسة الشرق الأوسط السعودية .. كان من الطبيعي أن تفرض
تلك الحالة نفسها على ساعات اللقاء .. خاصة أن لقائي بالأستاذ منير مطاوع فرصة
ثمينة حملها إلي القدر .. لم تتح ـ وربما ـ لن تتح لصحفي مصري آخر .. سألت الأستاذ
منير عن حكاية المذكرات؛ فقال :
" ليست
هناك مذكرات للفنانة سعاد حسني؛ فهى لم تكتبها، ولم تملها على أحد .. وقد رفضت ذلك
تماماً، وكان منطقها أنها عائدة للفن والناس، ولا تريد أن يشعر أحد بكتابتها
مذكراتها، قد اعتزلت الفن والناس." .
ـ قلت : إذن بما
تسمي ما أطلق عليه البعض "مذكرات"؟!
ـ قال : حديث طويل امتد عبر لقاءات وتسجيلات وفضفضات
دامت بشكل متواصل أحياناً ومتقطع أحياناً أخري على مدى أكثر من أربع سنوات .. وأنا
شخصياً لا أميل إلى إطلاق وصف "مذكرات" عليها .
ـ قلت : أى وصف
تود إطلاقه على "المصنف الصحفي" الذي بين يدي الآن بعنوان:"سعاد
حسني .. سندريلا تتكلم"*(1)، والذي ذكرت أنه نتاج العديد من اللقاءات
والحوارات والتسجيلات على مدى أكثر من أربع سنوات ..؟!
ـــــــــــــــــــــــــ
·
(1) منير مطاوع
، سعاد حسني .. سندريلا تتكلم، الدار المصرية اللبنانية ، القاهرة 2002
قال : إنه أقرب
إلى الوصف بـ "الذكريات" أو "السيرة الذاتية" لهذه الإنسانة
والفنانة التي لا تكرر.
قلت : عموماً
"الذكريات" و"اليوميات" و"السيرة الذاتية" كلها تعد
روافد فرعية صغيرة تصب في نهر "المذكرات".
.. ورأيت من
الكياسة أن أتجاوز تلك النقطة .
سألت الأستاذ
منير : هل كنت تعرف سعاد حسني قبل أن تلتقي بها في لندن ؟!
أجاب : معرفة
شخصية لا .. كان اللقاء الوحيد قبل لقاءات لندن الأخيرة في سنة 1971 .. أي منذ 30
سنة عندما جاءت بصحبة زوجها على بدرخان لقضاء يوماً كاملاً في أحد شاليهات الهرم
مع أسرة تحرير "روز اليوسف" احتفالاً بعيد ميلاد "صباح الخير"
الذي يوافق عيد ميلادها .
ملحوظة : كان
لقاء الأستاذ منير الأخير بالفنانة سعاد قبل خمسة أيام من رحيلها .
سألت : كيف تم
التعارف في لندن ؟!
أجاب : عندما
طالت فترة وجودها في لندن بسبب ظروفها الصحية .. اقترح عليها الأستاذ رءوف توفيق
رئيس تحرير "صباح الخير" الأسبق أن يتم لقاء تعارف بيني وبينها في تمهيد
لكتابة مذكراتها من خلال حوارات ممتدة .
قلت ضاحكا :
عدنا لمربع البداية "مذكرات" أم "ذكريات"؟!
أجاب : لا ..
إنها المذكرات من وجهة نظر الأستاذ رءوف توفيق لكنها من وجهة نظري مساعدة الفنانة
سعاد حسني على رسم صورة لها ولحياتها وأعمالها وأفكارها في محاولة من جانبي لتقديم
سعاد حسني التي لا يعرفها الناس .. وقد لا تعرفها سعاد حسني نفسها .. ولم يكن في
تلك المحاولة ـ حسب ما أشاعه البعض ـ مشروعاً للنميمة أو الإثارة أو الصراعات
السياسية أو الانتقام من أحد أو تصفية الحسابات فالذي يعرف سعاد حسني السمحة
المتسامحة التي تنسى الإساءة يعرف أنها لم لا تميل إلى الإنتقام ولا تحمل في قلبها
الضغائن لأحد .. فلم يحدث طوال فترة الحوار معها أن ذكرت زميل أو زميلة بسوء أو
وصف لا يليق . . ولم يكن يعلم بأمر تلك الحوارات سوى ثلاث شخصيات أو أربعة على
الأكثر .
قلت : تقصد بما
"لا تعرفها سعاد حسني نفسها" بلغة الإعلام المساعدة في اكتشاف
"المساحات المعتمة" أو "البقع العمياء".
أجاب : تقريباً
.. المناطق المنسية أو "المتجاهلة" في مشوارها الفني، أما إذا كنت تقصد
"المساحات المعتمة" أو "البقع العمياء"التي تساعد في التصالح
مع الذات وتعجل في ـ بعض الأحيان ـ بالشفاء الجسدي .. تلك مهمة الطبيب النفسي وليس
الصحفي، على فكرة الفريق الطبي الذي كانت ترجع إليه سعاد حسني ويعاونها في العلاج
لم يكن يضم طبيباً نفسياً.
سألت : .. وماذا
كان الاتفاق بعد إتمام العمل خاصة أن القانون يعطي الحق لصاحب المذكرات وكاتبها في
ملكيتها الفكرية بالتساوي بينهما؟!
أجاب : كان الاتفاق من جانبها على شرط واحد هو
ألا يتم النشر إلا عندما ترى هى أن الوقت مناسب لذلك! وهو شرط ـ للأسف ـ لم أفي
به؛ فقد رحلت .
( ألمح في عيني الأستاذ منير مطاوع شبح دمعة)
سألت : هل قتلت أم انتحرت؟
أجاب : في اعتقادي الشخصي أنها قتلت .
قلت : يتردد الأن بين السطور في الصحف وفي
الإعلام وفي بعض الدوائر والأحاديث أن القاتل جهة أمنية .
أجاب : هذا كلام يؤسفني أن أقول عنه أنه
"كلام عبيط".
***
فعلاً
"كلام عبيط" فأي جهة أمنية تلك التي تسعى لقتل سيدة مريضة قليلة الحيل
والحيلة، وفي سنين شيخوختها، وعمر الجدات (58 سنة)؟!!
كانت سعاد حسني
إحدي نساء الكنترول اللائي عملن مع المخابرات العامة في سنوات انحرافها، ولم يكن
هذا سراً خافيا يستلزم إفشائه قتلها؛ فقد تم فتح ملف القضية بمعرفة النيابة
العامة، وتداولت وقائعها في جلسات محكمة الثورة المنعقدة علنا، وشهدت كثيرات من
النساء بكل تفاصيل ممارسة الفجور في القضية رقم 2 لسنة 1967 محكمة الثورة ونشرت
الصحف بعض وقائع الجلسات في حينها .
وتم التحقيق مع المدعو صفوت الشريف
وقام بالتحقيق معه بمعرفة الأستاذ عبد السلام حامد أحمد رئيس النيابة وأمانة سر
محمود عباس بمقر محكمة الثورة وضمت أوراق القضية 65 ورقة مليئة بالفضائح .. ولم
ينكر الشريف أنه مارس دور القواد، وأنه كون شبكة دعارة برعاية بعض أجهزة الدولة !!
قال الشريف في بداية التحقيقات:
أنه انضم الي جهاز المخابرات عام 1975 بعد أن
كان ضابطا بالجيش وتدرب كثيرا حتي أصبح مسئولا عن عمليات السيطرة "الكنترول" التي قام بها قسم المندوبين بالمجموعة 98 منذ
عام 1963 عن طريق تجنيد
عناصر من السيدات لاستغلالهم في هذه العمليات وأوضح الشريف كيف نشأت هذه الفكرة
وأسماء سائر ضباط المخابرات الذين أسهموا في تنفيذها والدور الذي تولاه في هذا
الشأن وأسماء السيدات اللاتي وقع عليهن الاختيار والأماكن التي تم فيها تنفيذ
العمليات.
وقال إن وظيفته تقوم علي إعداد المكان
المناسب وتجهيزه لتنفيذ عمليات الكنترول فيه وترشيح المندوبات اللاتي يصلحن لهذا
العمل وقام بتأجير شقتين وزودهما بأحدث آلات التصوير وجهزهما لإعداد العمليات كما
أنه قام بتأجير فيلا مفروشة بالإسكندرية في ميامي لإجراء عمليات الكنترول الخاصة
بتغطية مؤتمر القمة وأجريت فيها حوالي ثلاثين عملية علي وفود العرب.
وأكد الشريف انه قام بعملية خاصة
لتجنيد الممثلة سعاد حسني تمت في حوالي أكتوبر 1963 بأمر من حسن عليش وبناء علي
ذلك اتصل محمود كامل شوقي بإحدي مندوباته وتدعي "ريري" وفهم منها أن
الممثلة ليلي حمدي هي اللي تقدر تجيب سعاد حسني مقابل مبلغ 300 جنيه وأنها ما تحبش
تتصل بمصريين وإنما اتصالاتها بتكون بأجانب أو عرب واستخدمت ممدوح كامل مترجم
اللغة الفرنسية في قسم المندوبين ليتظاهر بأنه فرنسي وعلي هذا الأساس يتصل بسعاد
حسني وحصل تعارف بين ممدوح وسعاد حسني عن طريق ليلي حمدي المشهورة برفيعة هانم
وأعطاها 300 جنيه كنت قد سلمتها لـه من نقود قسم المندوبين واصطحبها إلي شقة مصر
لجديدة وأجريت عملية الكنترول عليهما أثناء ممارسة العملية الجنسية معها.
وقال الشريف: قمت أنا وأحمد الطاهر
وصلاح شعبان بتنفيذ العملية من ناحية التصوير وحضر صلاح نصر رئيس المخابرات إلي
غرفة العمليات بصحبة حسن عليش وأشرفا علي تنفيذ العملية واقتحمنا غرفة النوم وقمنا
بضبط سعاد حسني متلبسة وعقب ذلك تم اصطحابهما إلي مبني الاستجواب بإدارة المخابرات
وإيهامهما بأن الشخص الذي كان معها وهو ممدوح كامل هو جاسوس فرنسي وعرض عليها يسري
الجزار في مبني الاستجواب أن تعمل مع المخابرات مقابل ستر فضيحتها وقد وافقت علي
ذلك وحررت بناء علي إقرار بالموافقة علي العمل مع المخابرات وقام صلاح نصر بصرف
مكافأة قدرها مائتا جنيه وأشار إلي انه قابل سعاد حسني في المعمورة وطلب منها
العمل أثناء مؤتمر القمة الذي عقد في الإسكندرية في صيف 1964 فقالت انها مشغولة
وحاتحاول ولم تعمل بالفعل وبعد شهر جاءتني تعليمات بوقف الاتصال بها نظراً لكونها
تردد انها علي اتصال بالمخابرات مما يخل بأمن الجهاز.
وقد أدلت سعاد حسني بأقوالها محضر
تحقيق افتتح في يوم الأربعاء 6/3/1968 الساعة 10 مساء بمبني قيادة الثورة بالجزيرة
بمعرفة الأستاذ علي نورالدين رئيس مكتب التحقيق والادعاء والسيد البهنساوي
أمين السر جاء في ديباجته أنه :
حيث استدعينا الممثلة سعاد حسني
لسؤالها عما جاء في أقوالها أمام لجنة التحقيق في المخابرات العامة الثابتة في
تفريغ الشريط المرفق بملف قضية انحراف جهاز المخابرات.
وقد حضرت ساعة افتتاح هذا المحضر
وسألناها بالآتي:
اسمي سعاد محمد حسني سن 24 ممثلة
ومقيمة 17 شارع يحيي إبراهيم بالزمالك.. حلفت اليمين.
س: كيف اتصلتي بالمخابرات العامة؟
جـ : الحوادث دي حصلت منذ أكثر من
ثلاث سنين وأذكر أنهم بعتوا لي واحد ادعي أنه أجنبي فرنسي علي ما أذكر وضحك عليّ
وأفهمني أنه يعمل أفلام في الخارج وأنه معجب بي وعاوز يعمل لي أفلام ودعاني إلي
منزله وذهبت معه إلي شقة في مصر الجديدة وكان فيه شرب ولم أدر بنفسي ولا أعرف ما
الذي حصل إلي أن فوجئت بناس دخلوا يقبضوا علينا وبيقولوا إن الراجل ده جاسوس يشتغل
لحساب إسرائيل وأخذوني إلي المخابرات وماكنتش داريه بنفسي وأفهموني بأني متهمة
بالعمل مع هذا الجاسوس وقالوا لي إنهم حيسيبوني إذا اشتغلت معاهم وكتبوني ورقة
مضيت عليها مش عارفة فيها إيه وروحت إلي منزلي في نفس الليلة.. وبعدين بقوا يتصلوا
بي تليفونيا ولا أذكر أسماءهم وقالوا لي بعد كده عاوزينك تعرفي معلومات عن مصطفي
أمين بواسطة شادية زوجته أو عن طريق اتصالي به وأنا ماكنش لي اتصال بهم وما جبتش
أي معلومات وانقطعت علاقتي بهم بعد ذلك!!
س: هل تعرفين حسن عليش؟
جـ: أيوه هو كان حضر لي بعد الحادثة
دي البيت وجاب لي ساعة وراديو وقال لي إنه جايبهم هدية علشان أنا باشتغل معاهم،
وبعد ذلك صلاح نصر جاب لي هدية شيسوار.
س: كم مرة اتصل بك حسن عليش؟
جـ : أذكر أني شفته مرة في البيت ومرة
في الإسكندرية والواقع أنا مش متذكرة بالضبط المرات اللي شفته فيها والواقع أن فيه
واحد جاني في البيت في الإسكندرية علشان الاستمرار في العملية ولكن أنا ما عملتش
حاجة وكانوا بيسألوا إذا كنت جبت لهم أخبار قلت لهم مافيش.
س: هل تردد عليك صلاح نصر في المنزل؟
جـ: أنا شفت صلاح نصر أول مرة في
مكتبه وأذكر أني استدعيت لمكتبه وسألني شوية أسئلة وقال لي إني لازم اشتغل معاهم
وأن دي حاجة كويسة للبلد وأني لا أخاف من حاجة بقصد أنه يطمئني - وبعد ذلك كنت
سافرت للإسكندرية وأحمد رمزي بالصدفة دعاني في حفلة كان عاملها علي شفيق في بيته
وأحمد رمزي هو اللي قال لي تعالي هذه الحفلة وعلي شفيق كان في هذا الوقت منفصل عن
مها صبري ودي أول مرة كنت أشوف فيها علي شفيق، وفي هذه المرة قلت لعلي شفيق علي
موضوع المخابرات اللي حصل معايه والصور اللي أخذوها وقلت له أنا عاوزه الحاجات دي
تتحرق لأنها تسئ إليّ وقال لي ماتخافيش وإذا كنتي عاوزه تقولي أي حاجة لصلاح نصر
أنا ممكن أخليكي تشوفيه، وقال لي إنه حيبقي يكلمني علشان يرتب لي مقابلة مع صلاح
نصر وينهوا لي الموضوع بتاعي، وبعد ذلك كنا رجعنا لمصر وعلي شفيق اتصل بي وقال لي
تعالي نروح لصلاح نصر علشان نخلص الموضوع بتاعك، وفعلا أخذني بالسيارة ورحنا لفيلا
في الهرم وكان موجود هناك صلاح نصر لوحده، وقعدت معاهم هو وعلي شفيق، وأنا اتكلمت
علي موضوع الصور فصلاح نصر قال لي ماتخافيش خالص وماحدش حيشوفهم وابتدأ يسألني أسئلة
شخصية أنا مرتبطة بحد أو لا وشعرت من كلامه أن المسألة مسألة إعجاب مش مسألة شغل،
وحصل لي يومها خوف فظيع وشعرت بأني قد أرغم علي شيء فأصبت بحالة نفسية سيئة وجلست
أبكي فقاموا وروحوني البيت هو وعلي شفيق.. وبعد هذه المقابلة اتصل بي صلاح نصر
تليفونيا في البيت كذا مرة وكان بيحاول أن يدعوني لمقابلته ويسألني فاضية امته،
فحددت له ميعاد في البيت وجه زارني مرة، وفي هذه المرة أحضر معه الشيسوار الهدية،
وكان يحاول يسألني أسئلة أفهم منها أنه عاوز يعمل علاقات معايه، وأنا كنت أفهمه
أني مش مستعدة لهذه العلاقة وفهم هو أنه مافيش تجاوب فانقطع عن الاتصال بي.
س: هل حصلت منه محاولة للاعتداء عليك
في مقابلة الهرم؟
جـ: اللي حصل كان مجرد كلام يمهد به
علشان عاوزني استلطفه ولكن أنا كانت حالتي النفسية وحشه وكنت أبكي فانتهت القعدة.
س: ما الذي جعلك تفهمين أن اتصال صلاح
نصر بك انقلب إلي مسألة إعجاب وليس مسألة عمل؟
جـ: فهمت ذلك طبعاً من كلامه وتصرفاته
معي.
س: هل كان علي شفيق موجوداً في أثناء
وجودك في فيلا الهرم مع صلاح نصر؟
جـ: الفترة اللي قعدتها كانت قصيرة
ولا أذكر إذا كان مشي قبل ما نمشي إحنا بفترة قصيرة أم لا.
س: هل عرضت أفلام عليك أثناء وجودك في
فيلا شارع الهرم؟
جـ: والله مش فاكرة بالضبط.
س: ألم يحاول أحد منهم الاعتداء عليك
بعد ذلك في المنزل أو في أي مكان آخر؟
جـ: لا.
س: ألم يحاول حسن عليش أن يوجد معك
علاقة خاصة؟
جـ: لا.
س: ما الذي فهمتيه انتي من هذه العملية؟
جـ: أنا فهمت الأول أنهم كانوا عاوزين
يجيبوني في شغل عندهم فجابوا رجلي بالطريقة دي علشان يهددوني بها، وهذا ما فهمته
في الأول وإن كنت مش عارفة إذا كان علشان شغل صحيح ولا إذا كان صلاح نصر عاوزني
وبعد ذلك فهمت من اتصال صلاح نصر بي أنه مستلطفني وأنه عاوز يستغل هذه العملية للاتصال
بي ولكن لما وجد أنه ما عنديش استعداد صرف نظر عن الاتصالات الشخصية.
س: ألم تقدمي أي خدمات للمخابرات؟
جـ: لا أبداً
. تمت أقوالها وأمضت.
رئيس مكتب التحقيق والادعاء «إمضاء»
وأقفل المحضر بعد اثبات ما تقدم حيث كانت الساعة 40،10 مساء. رئيس مكتب التحقيق
والادعاء «إمضاء»
***
لم يكن في أسرار سعاد حسني أو "مذكراتها" ما يمكن أن يمثل خطراً
على أحد بعد أن تضمنته الوثائق الرسمية للدولة، وتم مكافأة القواد بتعينه وزيراً
للإعلام ثم رئيساُ لمجلس الشورى.
ويظل السؤال :
من قتل سعاد حسني، ولماذا استبعاد فرضية الانتحار ؟!
يقول الأستاذ منير مطاوع أن الذي جعله
يستبعد فرضية الانتحار هو أنها كانت في حالة نفسية وجسمانية أفضل في حديثي معها
قبل 5 أيام من الوفاة . . وتلك مجرد فرضية أو احتمال لكنه لا يرقى إلى مستوى
المعلومة .
ثانيا : أن ارتفاع سور البلكونة 140
سم وطول سعاد حسني 158 بما يجعل قفزها من الشرفة صعباً، ولكنه ليس مستحيلاً مع ما
تعانيه من ألام العمود الفقري وشرخ في عظام فقرتين منه، وزيادة نسبية في الوزن.
ثالثاً : وهو الغموض الذي يحيط بطريقة
قطع شبك البلكونة.. والتي وُصفت بأنها طريقة لا يعرفها إلا شخص محترف!! .. ثم
اختفاء أدوات قطع الشباك من مكان الجريمة !!
رابعاً : بلاغ الساكن الإنجليزي
للشرطة قبل 20 دقيقة من اكتشاف الجريمة عن شخص أو أشخاص كانوا في حالة عراك مع
سعاد حسني في شقة نادية يسري؛ ويرجح الأستاذ منير مطاوع أن هؤلاء هم المتهمون ..
أو هم الذين يعرفون حقيقة ما جرى في اللحظات السابقة على الموت .
خامساً : أن من شاهدوا جثمان سعاد
حسني بعد سقوطها وخرجوا إليها .. وجدوا نادية يسري*(2) تحاول أن تأخذ شيئاً بالقوة من يد
سعاد الممسكة به بقوة !!
ـــــــــــــــــــــــــ
·
(2)
نادية يسري سيدة مصرية مقيمة بلندن استضافت سعاد حسني في شقتها مسرح الجريمة بعد
خروجها من المصحة قبل الحادث بيوم
سادساً : انه لم تكن هناك دماء على
الأرض بعد هذا السقوط المروع من الدور السادس؛ بما يعني أن الدورة الدموية توقفت
قبل السقوط .. إلقاء الضحايا من الأدور العليا لعبة يجيدها المحترفون لإخفاء أثار العنف
الجسدي والتعذيب المرتكبة بحق الضحايا .
كان الأستاذ منير مطاوع يؤكد انها لم
تنتحر لكنها قتلت .. تم اغتيالها، ولكنه لا يستبعد في تفسيره لجريمة القتل أن يكون
خلافاً بسيطاً قد جرى على أمر تافه، لا يخطر على بال أحد، نتج عنه تعرض سعاد حسني
لأزمة قلبية أو هبوط مفاجئ، وموت فاجع ؛ فلم يجد من حولها غير وسيلة تصوير ما جرى
على أنه "انتحار فنانة مكتئبة" !!
كان ما كتبه
الأستاذ منير مطاوع وما أمتاز به من رصانة الفكر، ودقة الصياغة، والسير بخطوات
ثابتة لرسم صورة لشخصية الفنانة سعاد حسني .. دقيقة الملامح.. ثابتة الألوان ..
واضحة الأضواء والظلال .. تنبض بملامح إنسانية لعذوبة فنانة .. طيبة القلب ..
رقيقة المشاعر، يروي الأستاذ منير مطاوع كيف اصطحبته سعاد حسني إلى غرفة مطبخها
لتصنع له فنجان من "كابو تشينو"، وكيف كانت ترى في طريقة صنعها لفنجان
الـ "كابو تشينو" ابتكاراً خاصاً فأطلقت عليه " قهوة زوزو".
.. وكيف دعته
سعاد حسني لمشاهدة إحدي المسرحيات الإنجليزية التي تقدم على مسرح
"سافوي" .. كانت المقاعد المتاحة المخصصة لهما لم تكن الأفضل؛ فقد كانت
خلفية وفي طابق علوي، ويروي الأستاذ منير مطاوع كيف تسللت سعاد حسني بعد انتهاء
الفصل الأول لتجلس في الصف الأول في حركة طفولية
وشجعته أن يفعل مثلها ويجلس بجوارها .. كانت سعاد حسني ترى أنها لم تعيش
طفولتها فقد أضفت المشاكل العائلية بظلالها على تلك السنوات بعد طلاق الأم والأب
.. والمحاكم .. والأخوات الكثار .. وضيق الرزق .. وجوز أم .. ومرات أب .. وبيت هنا
.. وبيت هناك .. وأب عايزها تبقى معاه .. وأم مصممة إنها تعيش في بيتها هى ..
وكانت تؤكد أنها دائما طفلة .. وتحب دائماً أن تكون طفلة، وكانت تبرر ذلك بأنها لم
تعش طفولتها .. أو لأن براءة الطفولة أريح لها .
ويروي الأستاذ
منير مطاوع حكاية دعوته لسعاد حسني لركوب
أندر جروند لندن عندما قالت له :"أنها لم يسبق لها ركوب مترو أنفاق
لندن" وخلال تلك الرحلة راحت تمارس طفولتها في ثرثرة ضاحكة حملت الأثنين معاً
إلى تقديم فكرة فيلم سينمائي "وهمي" تحت الأرض .. حول لقاء البطل
والبطلة مصادفة على السلم المتحرك في مترو الأنفاق.
واندمجت سعاد
حسني في اللعبة وراحت تطلب من الأستاذ منير مطاوع اتباع تعليماتها بصفتها مخرجة
الفيلم حتى يحقق قيمة فنية أعلى وأفضل زاوية كاميرا !!
***
البقية على الجزء الثاني***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق