ياسر بكر يكتب : " فنكوش"
الست جنجاة !!
أخر صورة للغنانة سعاد حسني قبل رحيلها الغامض |
على
الجانب الآخر لما كتبه الأستاذ منير مطاوع بعنوان:" سعاد حسني، السندريلا ..
تتكلم"، وما أمتاز به من رصانة الفكر، ودقة الصياغة، والسير بخطوات ثابتة لرسم
ملامح صورة لشخصية وروح الفنانة سعاد حسني.. كان المصنف العشوائي بعنوان:
"سعاد أسرار الجريمة الخفية" الذي كتبته أختها الغير شقيقة جنجاة عبد
المنعم حافظ والذي يتضح من مطالعة لافتة الغلاف أن أمام مصنف ينطوي على ملمح يتسم
بالعشوائية، ويستند إلى معرفة ضريرة تسقطه في الكثير من المحازير التي تصنف تحت ما
يسمى بـ "جرائم النشر"؛ فقد جاء في العنوان لفظ "الجريمة
الخفية" .. وبتأمل تداعيات الأحداث نجد أن "الجريمة ليست خفية"،
ولكنها "غامضة" والفارق كبير بين "الخفاء" و"الغموض"،
وبقراءة متأنية لصفحاته نجد أن الكاتبة التي لم تنل قسطاً من التعليم يؤهلها لتلك
المهمة؛ لذا عاشت في ظل أختها النجمة وعملت في حرفة "اللبيسة" لها في
سنوات اشتغالها بالفن، وهو ما ظهر جلياً في الكتاب من تناقضات، وأنها قد أدانت
أختها المتوفاة من حيث أرادت لها البراءة، ولوثت سمعتها من حيث أرادت تبيض صفحتها،
.. واستشهدت بما لا يشهد لها، ولم تستطع إقامة الدليل على ما ادعته في مصنفها، وهو
نفس الأمر الذي عجزت عنه أمام سلطات التحقيق، وهو ما حدا بسلطات التحقيق إلى اهدار
تقولاتها، والالتفات عنها، والانتهاء بالتحقيقات إلى الحفظ !!
كان من الواضح أن السيدة جنجاة بعد أن فشلت
معركتها القانونية أنها تخطط لمعركة إعلاميه لكنها سرعان ما سقطت في المحظور
الكاشف عن نواياها؛ فعلى عكس ما ادعته من كونها تريد الارتكان إلى الرأى العام
للحصول على الحق الأدبي لأختها لأمها؛ .. فقد
طرحت الكتاب بسعر مبالغ فيه (150 جنية) بما يحول دون المهمة التي ادعت
جنجاة إصداره لأجلها، ويقف عائقاً دون وصول رسالة الكتاب "المفترضة" إلى
محبي سعاد حسني وعشاق فنها، وجعل البعض يستشعر أن الأمر مجرد "سبوبة"
للحصول على المال بالمتاجرة بذكرى فنانة رحلت في حادث مأساوي مازال يكتنفه الغموض .
في البداية تحاول السيدة جنجاة أن تصنع تاريخاً للعداوة بين سعاد حسني وصفوت الشريف
الذي ألصقت به الاتهام بقتلها دون قرينة أو دليل لتتوج ذلك التاريخ في النهاية بحادث
قتلها وما شابة من غموض،.. تقول السيدة جنجاة :
"أنه تم تجنيد سعاد حسني في المخابرات
العامة بتاريخ أكتوبر أو نوفمبر1963"، وهو ما يخالف ما قالته سعاد حسني في التحقيق
معها في قضية انحراف جهاز المخابرات في تمام الساعة 10 من مساء الأربعاء 6/3/1968، حيث جاء في
أقوالها أنها اتصلت
بالمخابرات العامة منذ أكثر من ثلاث سنين (أى في سنة
1965).
وفي هذا الجزء
تحشر السيدة جنجاة ـ بدون داع أو
ضرورة ـ صورة ضوئية مما حمل اسم "صيغة عقد زواج عرفي" بين سعاد حسني
والمطرب عبد الحليم حافظ محرر بتاريخ 3 أبريل 1960 لتكسب ظهيراً من تعاطف محبي عبد الحليم حافظ
إلى جانب عشاق فن سعاد حسني، لكن فات على السيدة جنجاة أن هذا العقد منعدم ويعد هو والعدم سواء لكونه عقد فاسد
لافتقاده ركني الإشهار ولكونه خلا من توقيعي الشاهدين الذين ورد اسميهما فيه بخط
اليد وهما : يوسف عبد الله وهبي (الفنان يوسف وهبي) والإذاعي وجدي الحكيم، وأن تلك
الورقة المسماة على غير الحقيقة "عقد زواج
عرفي" هى شئ أخر لا علاقة له بالزواج، والتي بدأ الحديث عنها لأول مرة في سنة
1992 بعد وفاة عبد الحليم حافط بـ 16 سنة، والتي أنكرها أفراد من أسرته .
كما تم الزج
باسم مفتي الديار المصرية آنذاك الشيخ حسن مأمون في صيغة العقد رغم أنه لم يرد في نص
العقد "المزعوم" أنه باشر مراسمه أو وقع عليه بخط يده أو بصمه بخاتمه..
الأغرب والذي يثير الكثير من علامات الأستفهام أنه فوق اسم فضيلة المفتي المطبوع
بالآلة الكاتبة صورة بصمة أصبع لا ندري إن كانت بصمته أم بصمة تخص غيره !!
إننا أمام صورة
لورقة تم تسميتها "صيغة عقد زواج عرفي" تحوطها شبهة التزوير المفضوح حيث
ورد في البند الرابع خطأ لم يفطن إليه المزور مُصطنع العقد حيث جاء في ذلك البند
أنه :
"هذا
الزواج رسمياً وطبقاً لأحكام القانون الوضعي في جمهورية مصر العربية"
الأمر الذي فات
على المزور مصطنع العقد أن مصر في وقت تحرير العقد (3 أبريل 1960) كان اسمها
الجمهورية العربية المتحدة، وليس جمهورية
مصر العربية منذ 22 فبراير 1958 وحتى سنة 1971 حين أعاد الرئيس السادات لها اسم جمهورية مصر
العربية.
.. وليس مقبولاً
أن يقع طرفا العقد الفنانة المشهورة، ومطرب الثورة في مثل هذا الخطأ الذي يظهرهما في
سمت الجهلاء لكونهما لا يعرفان اسم الدولة التي يعيشان فوق أرضها، وتحت علمها، ويخضعان
لقانونها؛ وهو ما يقطع باحتمال شبهة التزوير!!
في كل الأحوال فإن قيمة هذه الورقة بالنسبة
للقارئ أنها حوت معلومات مغلوطة وجرى اصطناعها وترويجها في إطار تضليله، لكنها بالنسبة
للسيدة جنجاة وحدها "ضرورة"؛ لكونها تعتبرها دليلاً على نقاء أختها وطيب
سمعتها وحسن سيرتها، وأنها كانت تحيا حياة مستقرة أفسدها عليها صفوت الشريف بنجاحه
في تشكيك عبد الحليم حافظ في سلوك سعاد حسني!! .
وهو ما يخالف ما
قالته سعاد حسني في تسجيل مذكراتها مع الأستاذ منير مطاوع عن أسباب ابتعادها عبد
الحليم حافظ :
".. وبدأت
أحس إن اللي كان بيني وبين "حليم"ـ يلاحظ أنها قالت: اللي كان بيني وبين
"حليم، ولم تسمه زواجاً ـ ما كانش ينفع يبني بيت أحلامي .. بيت أحلامي فيه أولاد
وبنات .. وفيه ناس عايزة تعيش زى ما هي، مش زي ما "الجمهور" عايز ..
وصحة حبيبي عبد الحليم لم تكن تسمح .. ونجومية العندليب كانت أهم عنده من أى حاجة
ثانية ..
سبب آخر .. هو
أنني خفت أكون زوجة العندليب الأسمر لأني ما كنتش عايزة أخونة " .
.. ولذا كان الابتعاد وليس
الطلاق؛ فلم يكن هناك زواج؛ ليقع الطلاق!!
كانت السمة
الغالبة على مصنف السيدة جنجاة في الكثير من فصوله هو قدرة الاجتراء على الإدعاء الصفيق
دون تقديم دليل أو مستند أو سند من الحقيقة أو الواقع؛ فراح يلوي المزاعم ويطوعها
ليصل إلى ما توهمت مؤلفته أنه الصواب عبر أسلوب اختلطت فيه خيوط غزل "الاستهبال"
في نسيج "الشيطنة" وقد ظهر ذلك جليا في:
أولاً : إلصاق
الاتهام بقتل سعاد حسني بصفوت الشريف أحد مسئولى النظام السابق عبر تقولات مرسلة يشوبها
العجز عن تقديم قرينة أو إقامة دليل يحترم عقل القارئ، وامتد الادعاء الصفيق ليشمل
الصحفي عبد اللطيف المناوي في تقولات مرسلة بأنه وشى بسعاد حسني، ومضمون بعض وقائع
مذكراتها ـ التي أنكرها كلية كاتب المذكرات الأستاذ منير مطاوع ـ ليصل الادعاء
الصفيق غايته بأنه قد تمت مكافأة المناوي على فعلته بتعيينه رئيساً لقطاع الأخبار
في التليفزيون المصري، وأن زوجته المذيعة رولا خرسا قد نالها من الحظ جانب.
ثانيا: وفي إطار
ذات المنهج المدروس لخلط خيوط غزل "الاستهبال" بنسيج
"الشيطنة" ادعت جنجاة واقعة ـ إن صحت ـ فإنها تنطوي على شبهة جريمة
انتهاك حرمة الموتى والتمثيل بجثمان المتوفاة سعاد حسني في خرق متعمد للحماية
الجنائية لرفات الموتى؛ فقد ادعت أن إحدى الصحفيات قد أبلغتها أنها تلقت اتصال
هاتفي من طبيبة بمستشفى الشرطة بالعجوزة لم تذكر اسمها جاء فيه :
"أن مجموعة من
الأطباء بعد وصول الجثمان إلى المستشفى قاموا بتوقيع الكشف الطبي عليه، وتشريحه بدون
إذن السلطات المختصة، واكتشفوا أنها قتلت، .. وأن هناك كدمات كثيرة متفرقة بأجزاء من
جسدها وتبدو أثار ضرب وكانت يدها قابضة على بقايا شعر في أظافرها.".
ثالثاً : وفي
إطار ذات المنهج تختتم السيدة جنجاة كتابها بإطلاق قنبلة دخان كثيفة لتعبر بكل ما
حواه كتابها من أكاذيب وخداع وأضاليل اسمتها "وثائق"؛ .. فقد زعمت السيدة
جنجاة أن الصحفية التي سبق أن أبلغتها بتشريح جثمان سعاد حسني بدون إذن السلطات
المختصة قد عادت وأبلغتها أيضا أن جريدة "الكرامة" قد نشرت موضوعاً عن
قتل سعاد حسني وتحدث كاتب الموضوع عن أوراق ومستندات مخطط قتل سعاد حسني لتصل بنا إلى
أنها حصلت من الصحفي المذكور على أربعة وثائق عن خطة قتل سعاد حسني صادرة عن كيان
مجهول أسمه : (التنظيم السياسي السري)، وكما يفهم من اللوجو أنه تابع لوزارة الداخلية،
كان ما تدعيه السيدة جنجاة أنه وثائق مجرد صور ضوئية معنونة بعنوان : "سري
جداً للعرض على السيد الوزير" يسهل اصطناع أصولها مع التطور الهائل في
برمجيات الحاسوب، وهو ما يجعل ما أوردته السيدة جنجاة كلام مضحك ويدعو إلى الدهشة
والعجب خاصة أنها لم تقل لنا شيئاً عن مفهومها لمعنى الوثيقة !!
وأيضا لا يخفى
على صحفي محترف أو باحث جاد أن تلك الأوراق التي ادعت السيدة جنجاة أنها وثائق ـ
من المحتمل ـ أنها تدخل ضمن ما يطلق عليه :
"نشاط تجار الورق" وهى أوراق يتم اصطناعها من جانب بعض من لا أخلاق لهم
في إطار التربح، أو السعي لتحقيق الشهرة الزائفة .. كما أنه يجري اصطناع مثل تلك
الأوراق في إطار صراع بعض المنحرفين من العاملين في بعض الأجهزة على تنازع بعض
الاختصاصات المحددة قانونا، ومحاولة بعض المنحرفين التغول بإساءة استخدام السلطة
والانحراف بها بتخطي الحدود الفاصلة بين اختصاصات تلك الأجهزة؛ فيجري اصطناع تلك
الأوراق بغرض الإساءة إلى أداء بعض تلك الأجهزة، وتسويقها على أنها
"وثائق" عبر تسريبها إلى العملاء في الإعلام وإكسابها صبغة السبق الصحفي،
وتلوينها بلون "أشباة الأخبار"!!
.. كما يجري
اصطناع مثل تلك الأوراق بمعرفة بعض عصابات "الجريمة المنظمة" لصرف
الانتباة عن جرائمهم وإلصاقها ببعض الحكومات!!
.. وأبسط دليل
على ذلك هو الأسلوب الساذج الذي تمت به صياغة تلك الأوراق الذي يظهر فيها تسمية
الهدف باسمه الحقيقي (سعاد حسني) كما جاء في الأوراق التي تدعي السيدة جنجاة كونها
وثائق، فأعمال الكيانات الاحترافية لها سماتها المميزة التي يعد التشفير والتكويد
والترميز من أهم خصائصها!!
كما أنه لا يمكن
أن يكون ثمة تنظيم حكومي بهذا الاسم (التنظيم السياسي السري) لكون هياكل الدولة محددة
بنصوص الدستور والقانون وليس فيها مجال لكيانات سرية فبعض مؤسسات الدولة "أجهزة
جمع المعلومات" قد تمارس عملاً سريا لكنها هي نفسها ليست كيانات سرية بل لها
أبنية تحمل على واجهتها لافتات ضخمة تحمل عناوينها، ويمكن لأي فرد ركوب تاكسي من
أي مكان وما عليه إلى أن يطلب من السائق أن يذهب به إلى مبني المخابرات العامة أو المخابرات
الحربية أو مبنى جهاز الأمن الوطني أو مبنى الرقابة الإدارية، ليجد نفسه بعد دقائق
في قلب المبنى محاطاً برعايه مسئوليه .
دفع الصحفي الذي
سرب تلك الأوراق للسيدة جانجاة أمام سلطات التحقيق أنه لن يفشي مصدر حصوله على تلك
الأوراق لكون المصادر الصحفية محمية بقوة القانون وهو كلام حق يحمل في باطنة
الباطل؛ فقد استثنى القانون من تلك الحماية ما يمس الأمن القومي للوطن وسلامة أرواح
مواطنية؛ وهو ما تضمنته قوانين حرية تداول المعلومات الصادرة قي كل بلاد الدنيا،
.. وهو ما يمكن إنزاله على وقائع القضية موضوع التحقيق.
لكن قاضي
التحقيق المنتدب ارتآى الاكتفاء بالحفظ، وذكر في حيثياته أنه لم يتوصل إلى دليل أو
قرينة تساعده في تحقيق البلاغ .
***
الحلقة القادمة : سعاد حسني .. و" عقدة زوزو" !!
الحلقة القادمة : سعاد حسني .. و" عقدة زوزو" !!