الجمعة، يوليو 22، 2016

ياسر بكر يكتب : حكاية " الذوق " ما خرجش من مصر !!

ياسر بكر يكتب : حكاية " الذوق " ما خرجش من مصر !!
قبر حسن الذوق بجوار بوابة الفتوح
ياسر بكر أمام بوابة باب الفتوح حيث يوجد في الخلف ـ على شمال الداخل ـ قبر الذوق


" الذوق ما خرجش من مصر "

مقولة يرددها العامة عند استحسان فعل ما .. " الذوق " في هذا السياق يعني اللطافة .. الخفافة .. القيافة .. الظرافة، وكلها ألفاظ تم نحتها في العامية المصرية لتصبح مرادفة للفظة "الذوق ".. ويقابلها في التعريف العلمي لـ  "الذوق"Common Sense وتعني منظمومة القيم الأخلاقية الرفيعة التي تحدد سلوك الفرد تجاه المجتمع وتجاه الآخر . 


لكن الفرد قد يسقط في يده .. ويحتار دليله في فهم هذه المقولة، وهو يرى نقيضها في الواقع المعاش، .. ومع تزايد كم العدوانية والعبوس والمصلحية والنفعية التي أصابت سلوك المصريين فحولتهم في سماتهم الغالبة إلى شراذم من الأجلاف والنصابين خاصة مع انحسار صفة التمدن عن المدائن الكبرى التي اجتاحها "الترييف" وصبغها بطبائع القرى وأمراضها المزمنة التي تتراوح بين الفهلوة " خبث الفلاحين "، والعنف المتخلف الذي يتم تلبيسه بالفروسية الشعبية " الفتونة " التي تحولت في سنواتها الأخيرة بعد تدني هيبة الدولة وضعف قدراتها إلى " بلطجة " لها مكاتب وصفحات علي الانترنت ولها محترفوها وكبراؤها ورموزها وموردوها وأسعارها المعلنة في السوق ووفقا لكل حالة وطبقاً لكل منطقة .. الأغرب من كل هذا هو قيام بعض مؤسسات الدولة بإدارة منظومة "البلطجة "لتحقيق القمع السياسي والاجتماعي عبر العديد من الأجهزة المتشابكة والشديدة التعقيد!!

.. أصل مقولة : " الذوق ما خرجش من مصر ".. لا علاقة له بسلوك المصريين.. وإن كانت ثمة علاقة فهي أقرب إلى " الفهلوة "، .. لكن المؤكد أنه وثيق الصلة بحالة رجل من مجاذيب الشوارع يُدعى حسن الذوق ، كان حسن الذوق رجل من ذي الاحتياجات الخاصة الذين يطلق عليهم العامة وصف" بركة " ، وكان الذوق حلو اللسان ؛ لذا أخذ بعض التجار كلماته على أنها من حسن الطالع، والفأل الحسن أو أنها من بشارات المكاسب؛ .. فثمنوا كلماته وأجزلوا له وأكرموه .. لكن بعض الأطفال شاكسوا " الذوق " وضايقوه .. وغضب " الذوق " وأصر على الرحيل من مصر .. ولم تفلح محاولات التجار لاسترضائه .

.. وعند باب الفتوح وافته المنية .. وتسابق المتنطعون إلى إسباغ صفة الولاية على " الذوق "، .. وليرتفع سقف التنطع بفتوى مفادها أن الولى إذا مات يدفن في مكان موته !!، ولما كان " الذوق " قد مات في نهر الطريق فإن مدفنه في مكان موته يسد بوابة الفتوح !!، وبعد قراءة الفاتحة وطلب العفو والسماح من سيدنا الولي .. يدخل المتنطعون في حلقة جديدة من حلقات التنطع بقياس موضع موته في نهر الطريق ومدى قربه من أي من جانبيه الأيمن والأيسر .. ليستقر الرأي على دفن "الذوق "  في قبر صغير على يمين الخارج من بوابة الفتوح !!

ليصبح القول بأن : " الذوق ما خرجش من مصر " .. أحد أشكال الفهلوة للترويج لصورة ذهنية عن سلوك المصريين لأسباب تتعلق بالتجارة واجتلاب الأموال واستقطاب أرباب الفنون والصنائع بعد تجريف "بر مصر المحروسة " من كل مقومات القوة على يد الخاقان الأعظم فخامة سلطان المسلمين .

ترويج هذه المقولات هي أحد أشكال الدعاية المخطط لها للحصول على مغانم وتحقيق أهداف تتعلق بالسلطة ورأس المال شأن مقولات أخرى من عينة :

" من لم يتزوج مصرية فقد مات أعزبا"

و "مصر أم الدنيا "

***
للمزيد أقرأ كتابي بعنوان : " حرب المعلومات "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق