- من هو فتى موسى ؟ .. ومن هو العبد الصالح ؟
- .. وهل الولى أعلى مكانة من النبى حتى أصبح الولى معلم النبى ؟!.. وهل معارف الأولياء أرقى وأعمق من معارف الأنبياء ؟!
صباح
الخير .. أوصانا سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقراءة سورة
الكهف فى ليلة الجمعة أو نهارها.. ولأنه الرحمة المهداة فكل ما صدر عنه من
قول أو فعل أو تقرير حمل للبشرية الخير كله ، وبواعثه،؛ ففى سورة الكهف
دروس كثيرة منها :
ـ إن أتاك الله علماً ؛ فاحذر فتنة العلم، فلا تغتر ؛ فإن فوق كل ذى علم عليم .
ـ
..وإن أصابك مكروه فلا تجزع، وعليك بالتسليم بالقضاء والرضاء بالقدر كله
خيره وشره لأنه كم فى قضاء الله من لطف خفى .. وكم من محنة فى ظاهرها هى فى
حقيقتها منحة، وكم من منحة هى فى محنة .. فأحيانا يكون المنع عطاء ..
والعطايا بلاء .. ولا يعلم غيب ربك إلا هو ، وكان قدر الله سبحانه وتعالى
قدراً مقدورا .
***
.. ولنبدأ بالتوقف عند الآية الكريمة :
"فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا "
..
فتى موسى هو يوشع بن نون وقد ارتضى صحبة سيدنا موسى يخدمه ويتلقى عنه
العلم .. وكان سيدنا موسى قد وقف فى بنى إسرائيل خطيبا ..فأفصح فى كلامه
ردا على سؤال أحدهم : أنه أعلم أهل الأرض، فبعث الله جبرائيل إليه فقال :
إن الله يقول :
وما يدريك أين أضع علمى ؟ بلى على شط البحر رجلاً أعلم منك.
وبدأت رحلة سيدنا موسى وفتاه فى البحث عن من هو أعلم منه بالتوجه إلى
المكان المحدد.. وفى هذه الرحلة كان سيدنا موسى متبوعاً،.. ولكن بعد أن
ألتقى بالعبد الصالح تتبدل الأدوار فيختفى فتى موسى من المشهد ويصبح موسى "
فتى " تابعاً للعبد الصالح ، ..وهنا يضعنا القصص القرآنى أمام حالة من
الإثارة والعجب ؛ فجوهر العملية التعليمية دائما وأبدا تقوم على علاقة
جدلية بين المعلم والمتعلم وتبدأ بالسؤال وتنتهى بالجواب، وأهم وسائل
إنجاحها أن جرأة التلميذ على السؤال فيما غم أو أشكل عليه ، وقدرة المعلم
على الإجابة، و حث تلاميذه على التساؤل عما يجهلون .. ولكننا هنا أمام
حالة يشترط فيها المعلم على المتعلم شرطاً يبدو غريباً بقدر فهمنا البشرى
لطبائع الأمور :
"قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا"
ولكننا نتجاوز هذا الشرط ؛ فسيجيب القصص القرآنى عليه فى تسلسل السياق، ونتوقف مع الآية الكريمة :
" فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا"
وكلمة (رحمة ) فهذه الآية الكريمة تعنى (النبوة ) .. ويقول سيدنا ابن عباس رضى الله عنه وأرضاه عن رحلة سيدنا موسى وفتاه للقاء العبد الصالح :
"لما ظهر موسى وقومه على مصر نزل قومه مصر ، فلما استقرت بهم الدار أنزل اللَّه عليه أن:
{ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّه }
فخطب
موسى فى قومه، فذكر ما الله أتاهم من الخير والنعمة وذكرهم إذ نجاهم الله
من آل فرعون وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله فى الأرض وقال : كلم الله
نبيكم، تكليما واصطفانى لنفسه، وانزل على محبة من عنده، وأتاكم كل ما
سألتموه ، فنبيكم أفضل أهل الأرض، وأنتم تقرأون التوراة ، فلم يترك نعمة
أنعمها الله عليهم إلا ذكرها وعرفها إياهم ، فقال له رجل من بنى إسرائيل :
هم كذلك يانبى الله قد عرفنا الذى تقول، فهل على الأرض أحد أعلم منك يانبى
الله؟، فقال : لا
فبعث الله جبرائيل إليه فقال : إن الله يقول : وما يدريك أين أضع علمى ؟ بلى على شط البحر رجلاً أعلم منك.
روى
البخاري، عن أُبي بن كعب رضي اللّه عنه، أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه
عليه وسلم يقول: (إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل، فسئل أي الناس أعلم؟
قال: أنا، فعتب اللّه عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى اللّه إليه إن لي
عبداً بمجمع البحرين، هو أعلم منك. قال موسى: يا رب كيف لي به؟ قال: تأخذ
معك حوتاً فتجعله بمكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتاً فجعله بمكتل
وانطلق معه فتاه يوشع بن نون عليه السلام، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا
رءوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر، فاتخذ
سبيله في البحر سرباً، وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل
الطاق. فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما
وليلتهما، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: { آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} ، ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره اللّه به، قال له فتاه: { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} ، قال فكان للحوت سرباً، ولموسى وفتاه عجباً، فقال: { ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا}
قال، فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب،
فسلم عليه موسى، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام؟ فقال: أنا موسى، فقال:
موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً { قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يا موسى، إني على علم من علم اللّه علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من اللّه علمكه اللّه لا أعلمه.
من هو العبد الصالح :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
هو
: يليا بن ملكان بن فالخ بن غابر بن شالخ بن ارفخشند بن سام بن نوح عليه
السلام وهو المسمى بـ (المخصوص المعمر ) وذلك لأنه شرب من ماء عين الحياة ،
وسمى بالخضر لأنه ما صلى على أرض إلا اهتزت واخضرت
.
ويطلق عليه المتصوفة : " الوتد " و " مداوى المكلوم " .
الولى والنبى :
ـــــــــــــــــــــــ
وتلك
القصة من القصص القرآنى . . دفعت البعض إلى التساؤل : " هل الولى أعلى
مكانة من النبى، حتى أصبح الولى معلم النبى ؟!.. وهل معارف الأولياء أرقى
وأعمق من معارف الأنبياء ؟!
..والإجابة المتعجلة لبعض البسطاء من عامة المتصوفة غالباً ما تكون بالإيجاب ..!! ،فكلهم بغير استثناء يرى شيخه
قطب الوقت
الذى يتجرى بأنفاسه الدهور ...وفى الإجابة ما ينطوى على الخطأ؛ فكيف يكون
الولى أعلى مرتبة من النبى الذى شرح الله له صدره فعب من عباب المعرفة ..
والحقيقة التى يغفل عنها هؤلاء أن الأنبياء والرسل من أول سيدنا آدم إلى
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يمثل كل منهم حقيقتين متلازمتين ، حقيقة
كونه نبى ورسولا مهمته إبلاغ رسالته للبشر بلغة مفهومة للبشر على تفاوت
مستوياتهم فى الفهم ، والحقيقة الثانية كونهم أولياءعارفين يتلقون معارف
قلبية لا يستطيعون كشفها ، مكتفين بأداء الرسالة التى كلفوا بأدائها للبشر
وفى حدود ما يعيه عقل البشر .. فالكلام فى مقام النبوة والرسالة لا يكون
إلا فى الوقت المعلوم وبإذن من الله لقوله سبحانه وتعالى :
"فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ "
ولقوله سبحانه وتعالى :
"وَلَا
تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ
اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ
رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا "
وسبب
نزول هذه الآية هى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لما سئل عن قصة أصحاب
الكهف: (غداً أجيبكم)، ولم يقل إن شاء الله ؛ فتأخر الوحي خمسة عشر يوماً.
..وفى
مقام الولاية ، يقول الشيخ الأكبر محى الدين بن عربى : أن كشف الولى يكون
على حد قدره ، لا على حد قدر الحقيقة فى ذاتها ..ويقول الشيخ أيضا فى شرح
الآية الكريمة :
"إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ "
إنه حديث الولى فى غير الوقت المعلوم وبغير إذن .. فيصبح إنكاراً للمعلوم
بما يجعله منكراً كصوت الحمار أوله شهيق وآخره زفير؛ بما يوقع الولى بما
فاه تحت سيف الشريعة مثلما هو الحال فى حالة الحلاج.
وهو ما
أوجزه العبد الصالح عند فراق سيدنا موسى فى تفسير شرط عدم السؤال .. الذى
أرجعه لانفراد كل واحد منهما بمقامه الذى هو عليه بقوله : " يا موسى، إني
على علم من علم اللّه علمنيه، لا تعلمه أنت، وأنت على علم من اللّه علمكه
اللّه، لا أعلمه."
.. وفى هذا المعنى
يقول فضيلة الشيخ الشعراوى
فى خواطره الإيمانية أن الخضر قال لسيدنا موسى ما معناه :".. فهذا عِلْم
ليس عندك، فعِلْمي من كيس الولاية، وعلمك من كيس الرسل، وهما في الحقيقة
لا يتعارضان، وإنْ كان لعلم الولاية عِلَل باطنة، ولعلم الرسالة عِلَل
ظاهرة."