ياسر بكر يكتب : دار الهلال .. النداء الأخير !!
دار الهلال
دار الهلال ..
.. وليلتمس لى الزملاء عذراً فى الكتابة عنها .. لعل فى الكتابة رسالة اعتذار إليها .. وبلاغ إلى الرأى العام !!
.. وليلتمس لى الزملاء عذراً، لأننى لن أكتب عن تاريخ أعرق مؤسسات مصر التى حملت مشعل التنوير ونقلت وهجه ليلج ظلمات العتمة فى وطننا العربى الكبير بأسره .. لكنى سأكتب عن دار الهلال فى محنتها !! .. دار الهلال وجعى الدائم ، وشقائى المقيم الذى يأبى على القدر أن أستوفى فاتورته وأطوى صفحاته!! .. فلم يتبق لى سوى حق البوح والفضفضة، .. أو إن شئت الحق، فقل : " تباريح الجريح " !!
.. وليلتمس الزملاء لى العذر من باب العشم، .. وبما بيننا من مساحات متدرجة الظلال ما بين مساحات بيضاء من الود ،.. ومساحات رمادية من الهم الجماعى فى الوطن، .. ومساحات داكنة الظلال من أحزان شخصية صغيرة، .. وما يجمعنا من مساحات حالكة السواد عن أوجاع مهنتنا وصحفنا ومؤسساتنا بين محاولة احتوائها أو تطويعها أو تدجينها ..، وبين التربص الدائم بها . . فكلنا فى الهم سواء !!
.. ولأنى أوقن أن الكتابة " عمل إنقلابى " ضد قوى الظلم والفساد والإفساد والشر.. ولأنى وكما تعلمت من نقيب النقباء كامل زهيرى أن : "اصطناع الطاعة من قبلنا لا يقل جرماً عن تصيد الخطأ من قبل القائمين على الأمر!!"؛ .. لذا فلن نصطنع طاعة لأحد فى خطأ، ولن نسمح لكائن من كان أن يجرنا إلى شراك الخطأ أو يتصيده لنا، .. فعندما اعترضت قبل سنوات على بعض السياسات تم " تجميدى "، وعندما شكوت إلى رئيس مجلس الإدارة ورئيس مجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين وبعض الأجهزة الرقابية، جاءت الإجابة : " وما شأنك ؟! .. أنت مش بتقبض مرتبك "!!.. الآن يا سادة لم أقبض مرتبى إلا فى اليوم السابع من الشهر .. ولم أحصل على الدواء !! .. فما رأيكم دام فضلكم الآن ؟!!، .. ولم يعد هناك مرتب فى موعده ولا دواء ؟!!
.. وحتى لا أقع فى مأزق الغواية .. ؛ فأفقد الموضوعية تحت تأثير العشق المرضى للمكان الذى أصبح قاسماً مشتركاً فى كل أيام عمرى تقريبا .. لذا سأترك الأرقام تروى الأسباب التى دفعت بالمؤسسة العريقة إلى حافة الهاوية ، .. وأترك لكم قراءة مفردات المشهد الآنى فى دار الهلال كل حسب تصوره والحكم عليه حسبما يمليه ضميره.
المشهد الآنى فى دار الهلال لخصته تظاهرة الزملاء الأفاضل والزميلات الفضليات أمام مجلس الشورى يومى 4 و5 سبتمبر للمطالبة بصرف رواتبهم، .. كان المشهد ترجيدياً وبلغ ذروة المأساة عندما هدد زميل فاضل بالاستلقاء فى عرض الطريق لقطعه على المارة وراكبى السيارات، ووقفت زميلة فاضلة أمام كاميرا إحدى الفضائيات تحكى معاناتها .
.. إطار المشهد أن دار الهلال أصبحت عاجزة عن تدبير أجور العاملين بها ، لكن مفردات وتفاصيل المشهد تقول أن هذا ليس بيت القصيد .. فبيت القصيد ومربط الفرس أن مديونية الدار قد بلغت مليار ومائة مليون من الجنيهات مقسمة بين التأمينات الاجتماعية والضرائب وبنك مصر وبنك الاستثمار وبعض المؤسسات والشركات الصغيرة .. حصة التأمينات الاجتماعية وحدها من المديونية نصف مليار جنية بما يهدد حق العاملين فى صرف معاشاتهم حين بلوغ سن التقاعد والتى بدأت أولى مؤشراتها بامتناع التأمينات الاجتماعية عن اعتماد استمارات تجديد تراخيص السائقين بالدار فتوقفت السيارات !!
.. ولكى أزيدكم من الشعر بيتاً، فقيمة أصول الدار لا تزيد عن 700 مليون جنية وهى تقل بقيمة 400 مليون جنية عن قيمة مديونيتها ، ولن يتوقف تصاعد الدين فى ظل النزيف الدائم وتزايد فوائد الديون؛ .. فموارد الدار لا تزيد عن 150 ألف جنية شهرياً وأجور العاملين مضافاً إليها الأجر الإضافى الافتراضى لعمال المطابع ( عن ساعات عمل غير فعلية ) اثنان مليون وستمائة ألف جنية شهرياً .
.. ولا سبيل لجلب مزيد من الموارد فى ظل منتج صحفى ردئ وغير قادر على المنافسة أو الانتشار أو اجتذاب المعلنين فى ظل سوء المنتج ومحدودية توزيعه!! ، ولن يجدى معه تغير رئيس مجلس إدارة أو استبدال رئيس تحرير بآخر، .. لكن الحل يكمن إن خلصت النوايا واستقامت الإرادات .. الحل يكمن فى حلول علمية مبتكرة وغير تقليدية وجادة لشد الرحال إلى المستقبل، .. بما لا يعنى أننا نسينا الماضى وأهلنا عليه التراب؛ فلابد من المحاسبة من خلال اقتحام جسور لاسترداد أموال دار الهلال التى تمت الموافقة على 24 ميزانية لـ 24 سنة منها فى جلسة واحدة من جلسات الجمعية العمومية !!
.. القاص والدان يعرف " القطط السمان " و أصحاب " البطون الحمضانة " الذين نهبوا أموال دار الهلال وأفقروها وأفشلوها.. وأهانوا رموزها واغتالوا سمعتهم وأساءوا إلى تاريخهم الصحفى ، .. فعلوا فعلتهم وتركوها أثراً بعد عين بعد أن حولوا ما فى خزائنها إلى حساباتهم الخاصة وامتلكوا الشقق الفاخرة والسيارات الفارهة وبنوا لأنفسهم القصور والعزب والشاليهات فى مارينا وشرم الشيخ؛ فظهرت عليهم إمارات الوجاهة وصاروا من علية القوم بعد أن كانوا من جرابيع الصعاليك الذين يرفعون شعار : " زود دخلك بالسلف !! "
ولم يقتصر النهب المنظم على أموال دار الهلال بل تعداه إلى بيع أصولها الثابتة بالبخس بداية من أرض وسط البلد إلى أرض القبة وعين الصيرة ، وتجاوزه إلى مقتنياتها من مجلدات إصدارتها وكنوز الكتب الثمينة والموسوعات ودوائر المعارف فى مكتبتها التى كان يحرص أولاد زيدان ومن أتى بعدهم على اقتنائها ، ولم ينجو أرشيف الصور الصحفية من السطو، واختفاء نيجاتيف الأفلام فى ظروف غامضة، .. وكان أخر عملية استيلاء على ما بقى من كنوزه السماح لمكتبة الإسكندرية بنقل 15 ألف صورة صحفية نادرة تعد كل منها وثيقة صحفية وثقافية وتاريخية على الحدث والعصر الى التقطت فيه، وتترواح قيمتها مابين 5 و 6 مليون من الجنيهات مجاناً ودون مقابل؛ هدية من مؤسسة تعجز عن توفير مستلزمات إنتاجها وتدبير أجور العاملين بها!!، وبالطبع لم يسلم قسم المعلومات الصحفية من أيدى العابثين الذين نهبوا الكثير من محتوياته وتركوا ملفاتها فارغة أو شبة فارغة!!
***
.. ولأن الرأى قبل شجاعة الشجعان ؛ فقد حزمت أمرى .. وعقدت النية خالصة لله، وفوضت له أمرى .
.. ولأن لكل مقام مقال ، ولكل حدث حديث ، أتمنى أن يكون حديثى القادم أمام سلطات التحقيق إن كان فى العمر قليل من بقيه، .. وإن كان فى مصر رجل رشيد فى موقع المسئولية !!